أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حنان إبراهيم - مساهمة النساء في تطوير مناهج الفكر















المزيد.....



مساهمة النساء في تطوير مناهج الفكر


حنان إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 992 - 2004 / 10 / 20 - 09:56
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


من الصعوبة بمكان البحث في أي من القضايا المتعلقة بالخطاب النسائي بأوجه المختلفة في المنطقة العربية دون التطرق إلى إشكالية العلاقة التاريخية ما بين الشرق والغرب، خاصة في فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار وما بعد الاستعمار، وأثر هذه العلاقة في تشكيل وتطوير مسارات هذا الخطاب وخلق الوعي بأهمية قضايا المرأة لدى الكثيرين على المستويين العام والخاص.

إن الخطاب النسائي عامة سواء في العالم العربي أو الغربي إرتبط إرتباطاً وثيقاً بقضايا الأمة القومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتطور هذا الخطاب على الصعيد المعرفي والنظري والمنهجي فكان كثيرا ما يستند إلى أطر فكرية أرسى دعائمها كتاب وفلاسفة وعلماء رجال في مجتمعات أبوية، إلا أن قراءة للمنظمات الفكرية الابوية لم تكن دوما بهدف الاستعانة بها لدفع قضايا المراة قدما وفلقد برز العديد من النساء الكاتبات اللواتي فهمن هذه المنظومات و طورن ادوات نقدية خاصة بهن لتفكيكها ودحضها وفضح مراكز وعلاقات القوة المؤسسية لها والتي تكشف تحيزا واضحا للرجل وتهمش ان لم تكن تستثني المرأة ,كما أنه في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن المنصوم، بلورت العديد من النساء الباحثات مناهج نقدية سعت الى اختراق حدود النظريات الذكورية التي بدأت تتبلور في عصور النهضة والتنوير والحداثة بفرض التشكيك بها وهدم الفرضيات التي قامت عليها لكونها مغرقة في ذلك المر الذي قد لا يقتصر على المرأة فقط وإنما الأضعف أيا كان في ميزان القوة العالمي.

وإذا كان يعنينا في هذا السيق البحث عن مساهمة النساء العربيات خصوصاً في تطوير مناهج الفكر عامة، فالقراءات المختلفة للانجازات الفكرية للمرأة العربية سواء في مجال النقد الأدبي أو الرواية أو العلوم الجتماعية الاخرى بكافة فروعها تعكس تأثرا جوهرا بالمنجزات الفكرية الخاصة بالمرأة الغربية والتي بدورها لا يمكن الخوض بها بمعزل عن التيارات الفكرية والاسس المعرفية الاخرى السائدة في العلم الغربي.

وان اختلفت بدايات ومسارات تطور الخطاب النسائي في كل العالم العربي والعالم الغربي نظرا للختلافات في الواقع السياسسي والاجتماعي والديني والاقتصادي بكل من العالمين، فهنالك اكثر من قاسم مشترك يميز هذه البدايات.

قبيل نشوء أية نظرية نسائية أو منهج فكري أو معرفي خاص بالمرأة، آثر الجيل الأول من المطالبات بحقوق المرأة تناول تلك القضايا المرتبطة ارتباطا وثيقا بمعاناة المرأة ومشاكلها على أرض الواقع في المجاين الخاص أي داخل حدود النسب والعلاقات مع افراد الاسرة ومؤسسة الزواج، والعام، خارج المنزل وفي حقل العمل، والا يخفى على احد العلاقة والتأثير المتابدلين بين الحيزين العام والخاص وصعوبة رسم خط فاصل بينهما، ومن هنا كان التركيز في الغرب على شعار (the personal is the polittical).

وقد تضلل الترجمة الحرفية للشعلر من الانجليزية الى العربية فكلمة الـpolitical لا تعني السياسي كما نفهمها بشل عام فمغزى الشعار ليس فقط ربط تجربة ومعاناة المرأة الشخصية بالحيز العام على الاصعدة الاجتماعية والسياسية.

فكما بينت kate millett في كتابها والذي يعتبر sexual politics من أهم النجازات الفكرية النسائية في السبعينات من القرن المنصرم فإن فهم طبيعة العلاقات الهرمي بين أشخاص مختلفين تجمع بينهم روابط معينة كالقرابة أو الزواج أو المؤسسة أو حتى المكتوب غيرها ضروري لدراسة في المجتمع عامة، إن إدراك أوجه سيطرة العقلية الابوية وآلية اختراقها لمختلف منحي الحياة يتطلب الكثير من الجهد وخلق مستويات مختلفة من الوعي التي قد تبدأ من الخاص. فالسيطرة الابوية لا تتجلى فقط ضمن نطاق الاسرة ومن خلال العلاقة بين الزوج والزوجة أو الرجل والمرأة بل تتعداها لتنفيذ الى الحياة العامة وكثيرا ما تؤثر سلبا على مجريات العمل أو المصلحة العامة.

ومما يجدر الإشارة إليه هنا إن الحدود الفاصلة بين ما هو عام وخاص ليس واضحة المعالم كما قد يترآى للبعض، وأن حاجة الرجل إلى الحيز العام والمرأة إلى الخاص باطلاق ليس بالامر الواقعي، فحتى المرأة وفي أكثر حيز خاص لها وهو البيت ترتبط بعلاقات مختلفة بما هو عام وان كانت غير منخرطة رسميا في سوق العمل.

ففي العالم الغربي، وبالتحديد في بريطاني قامت النساء بالحديث في بريطاني قامت النساء بالحديث أولا عن معاناتهن الخاصة والادوار المختلفة التي فرضها المجتمع والعرق والعادات والتقاليد والموروث الثقافي عليهن لكونهن نساء وتم العرض لهذا التجارب والمعانة من خلال التجمعات النسائية والحركة النسائية womenmovement (4)، ومن الجدير بالذكر أن مطالبة المراة بحقوقهاسواء داخل حدود البيت وضمن العلاقات الاسرية او خارجه بما ذلك حقها في العمل والانخرط في العمل السياسي بكافة أوجه بدأ في نهاية القرن التاسع عشر، مطلبة المرأة بحقها في التعليم والحياة الكريمة وحرية الاختيار بدأت قبل هذا وبالتحيدفي النهايات القرن الثامن عشر عندما قامت mary woll stonnecrroft بنشر كتابها الدفاع عن حقوق المرأة vindicaation of the riths of womaakفي عام 1792.

إلا أن علاقة المرأة في النظريات المعرفية كانت دوما علاقة اشكالية وجدلية، فمثلا تتساءل ماري ايجلتون وغيرها من الناقدات والكاتبات في الغرب عن جدوى النهماك والاستغراق في تطوير نظريات نسائية بحتة لاعتمادها بأن مثل هذا المسعى قد يوقع المرأة بالضرورة بشباك الجدل والمنطق الأبوي حين تسعى المرأة لتقديم نقيضة فبالتلي كما استثنى الخطاب المعرفي الذكوري المرأة في أطره النظرية يستثنى الرجل في الخطاب النسائي النظري وهذا الاستثناء يتناقص بجوهره مع أخلاقيت الفكر النسائي بمجمله الذي يستند إلى احتواء الآخر وغلى عدد من الادبيات التي بدورها اثارت الكثير من الجدل والنقاش حول إما نسبيتها أو خطورة اطلاقها كي لا تتحول الى نمط استبدادي آخر كما ان اعتماد الظريات الابوية وتكريسها للدفاع عن قضايا المرأة من شأنه ترسيخ دعائم النظرية الابوية واكسابها قدراً من المناعة تزيد من سيطرة الفكر الابوي ناهيك عن رأي بعض من المفكرات النساء سوزان هيكمان وحتى المفكرين الرجال ستي فنز هيث حول ضرورة ان تتوخى الكتابات النساء منتهى الحذر لدى تعاملهن مع النظريات والكتابات النقدية ومنظومات القيم التي طورها الرجل وان كان منها ما يتحدث ايجابيات عن القضايا المتعلقة بالنرأة ذلك اان الامتيازات التي تمنحها هذه النظريات والمنظومات القيمية للرجل لا يعقل يتنازل عنها الرجل بسهولة او باطلاق لصالح المرأة، وبالمقابل فهنالك من النساء من رأين ان الانخراط في حقل النظرية وتطوير خطاب معرفي ومنهجي خاص بالمرأة من ضرورة ملحة لخدمة قضايا المرأة وقبولها على الساحة الاكادمية خصوصاً مؤكدين أن إقصاء المرأة عن الحقل المعرفي النظري والمساس بشرعية خطابها في المؤسسة الاكادمية لاهمية الدور المنوط بالظرية ضمن هذه المؤسسة وفي نهاية المطاف فإن هذه المؤسسة لا شك تساهم مساهمة في تطوير وتغيير المفاهيم وخلق مستويات مختلفة من الوعي لدى افراد المجتمع كما وان الفصل التام بين النظرية المعرفية والوقائع العملية او التجارب الشخصية لا يصح بأي حال من الاحوال فالعلاقة بين الاثنين علاقة جدلية ومتابدلة فالنظرية بالضرورة تبنى بدءاً على ملاحظات ظواهر من الواقع ومن ثم تستخدم النظرية اما لتكريس هذا الواقع او تغييره او نقده والعكس صحيح.

ومع هذا يمكن القول انه في السسبعينات من القرن المنصرم بدأت تتبلور قراءات نقدية نسائية تتعامل مع ما كتبه الرجال عن النسء وما كتبته النساء عامة من وجهة نظر نسائية، فمثلا قامت ايلنينة شووالتر عام 1978 بكتابة Aliteratture of thir own بهدف تعقب تاريخ الكتابة الادبية النسائية في مراحل مختلفة ولقد انصب مثل هذه الدراسات وغيرها على البحث في النصوص التي كتبتها المرأة عن المرأة ومدى تأاثر هذه النصوص وتشكل الصولر الدرامية للمرأة فيها بالقيم والمعايير الابوية كمابحثت العديد من الكاتبات الفرنسيات كهيلين سيكسو ولوسي ارير غراي وجوليا كريسيفا والبريطانيات كتوريل موي والين شولتر وكيت ميلت (الاخرين تم الاشارة اليها سابقا فيها اذا كانت هنالك خصوصية للكتابة النسائية تميزها عن كتابة الرجل.

على أية حال فالنسوة بأشكالها المختلفة في الغرب مقسمة تاريخيا الى فترتين: الفترة الأولى منذ السنوات الاولى للقر العشرين الى بداية الخمسينات والفترة الثانية من منتصف الخمسينات الىالآن مع انه في بداية التسعينات ولربما قبيلها أطلق على العديد من نتاج المرأة الفكري مصطلح " ما بعد النسوية " وذلك نظرا للتغييرات التي طرأتعلى التوجيهات الفكرية في هذه الكتابات خاصة المغايرة منها لنمط ال "النسوية المحاربة " أو والتي كانت سائدة في الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين - واذا تميزت الفترة الاولى بسعي المرأة الحثيث نحو تحقيق المساواة مع الرجل على الاصعدة السيسية والاجتماعية والاقتصادية ومنحها حرية الاختيار، فإن الفترة الثانية أولت اهتماما خاصا بالتضامن والتكامل المعنوي للمرأة انطلاقا من وحدة او تشابه المعاناة والتجربة الذاتية وان اختلفت تجلياتها ومواقعها، ولابد الإشارة هنا إلى انه وبطبيعة الحال لعبت الفترة الاولى دورا جوهريا في تحديد المعالم التي ميزت الخطاب النسائي في الفترة الثانية، ففي الفترة الأولى طالبت المرأة الغربية بحقوق المواطنة الكاملة بما في ذلك حق الإقتراع ودخول البرلمان وواختيار المهنة والتعليم العالي والمطالبة بسن قوانين تكفل حقوقها داخل مؤسسة الزواج والمشاركة الكاملة في مناخ الحياة العامة والقاء على ظاهرة الحروب المسؤول عنها اولا وآخرا مؤسسات وممارسات يسودها الرجل والمنطق الأبوي.

وكانت هنالك بدايات لنقد الحتمية البيلوجية التي تربط بالضروري لتطوير مفهوم الاستقلالية والمواطنة للمرأة وللتأكيد على اختلافاتها المادية والبيولوجية التركيز على خصوصية اختلاف المرأة ليس فقط عن الرجل بل عن المرأة الاخرى, لذا قام الخطاب النسائي في هذه الفترة بالتركيز على الدراسات النفسية والنظريات الاجتماعية والاختلافات الجنسوية للنهوض بأدبيات واخلاقيات نسائية انطلقت اساسية من مواقع المرأة وادوارها ساهمت الثقافة والمجتمعات في ترسيخها عبر الازمة التي سعت النساء الاوائل الى زعزعة هذه الادوار والمواقع من خلال محاكاة واستخدام النظريات السياسية والانسانية المتوفرة التي تخاطب الدولة حيث ان الحركات النسائية في بداياتها في الغرب اولت مخاطبة الدولة من اجل مشاركة المرأة في الحياة السياسية اهتماما خاصا الا ان ما ينيز الفترة الثانية عن الاولى هو تحدي الخطاب النسائي للمفهوم التقليدي للسياسة للتأكيد على ان مشاكل المرأة وقضاياها هيايضا مرتبطة ارتباطا عضويا بالسياسة بل وان السياسة الرسمية أسبابها.

ومن وجهة نظر العديد من النشيطات في الفكر النسائي في الفترة الثانية فان اضطهاد المرأة عموما ليس مجرد نتاج فرض قيود اجتماعية عليها بل المبعث الحقيقي لهذا الاضطهاد هو شبكة المعاني الذكورية المحكمة في السيطرة والتنظيم والتقاط خيوط هذه الشبكة ليس بالمر السهل لانها قد لا تكون واضحة المعالم والبيئة ومن هنا التركيز على الدراسات الثقافية والاجتماعية للوقوف وبعمق على تفاصيل وآليات الحياة اليومية والتي تتحكم بها وبشكل غير مرئي في كثير من الأحيان تلك المنظومة الأبوية الشديدة التعقيد.

بدأ الاهتمام بتطوير نظريات معرفية نسوية يتبلور في المرحلة النسوية الثانية في العلم الغربي لاسباب مختلفة تم ذكر بعضها سابقا و ولكن يجب ألا نتجاوز حقيقة أن العلاقة الجدلية بين المرحلتين هي التي أسست لأطر النظرية النسائية في المرحلة الثانية، ومع هذا فإن الكتابة النسائية التي تناولت قضايا المرأة منذ بداياتها كانت تتأثر دوما بالخطابات المعرفية والأطر النظرية السائدة في عصر ما والتي وطد دعائمها مفكرين رجال، فمثلا تأثر في القرنMary wollostorecraft الثامن عشر بمفكري الثورة الفرنسية وتطويع كتاباتهم لخدمة قضايا المرأة لا يخفى على المهتمين في دراسة تطور المناهج الفكرية في الخطاب النسائي علما بأن بعض هؤلاء أمثال جان جاك روسو أساء بشكل مباشر للمرأة.

وقبل الانتقال للحديث عن طبيعة تأثر المناهج الفكرية النسوية بالمناهج الفكرية التي سادت عبر الفترات المختلفة يجدر التعرف الى ما كان يستجد على الساحة العربية على الصعيد السياسي وأثر هذه المستجدات في التأسيس للخطاب النسائي وفي تفعيل الحركات النسائية في المنطقة العربية ومن ثم التطرق الى اثر الخطاب النسوي الغربي على الخطاب النسوي العربي.

يتطلب تتبع بدايات نشوء أية اتجاهات أو تيارات فكرية الكثير من الدراسة والبحث فعزل هذه التيارات عن سياقتها التاريخية والسياسية يؤدي بالضرورة الى فهم ناقد لها، فالأحداث التاريخية المتراكمة تساهم مساهمة جوهرية في تشكيل وتطوير المظاهر الإنسانية المختلفة ومن الصعوبة بمكان الجزم بأنه في لحظة تاريخية محددة برز تيار أو اتجاه فكري ما فتفاعل وترابط الأحداث عبر الأزمنة المختلفة تؤدي الى تبلور الظواهر الفكرية في فترات زمنية محددة . وهذا بالفعل ينطبق على الخطاب النسائي في العلمين العربي والغربي فحديثنا السابق عن المراحل المختلفة للنسوية في العلم الغربي يقصد به نفي وجود أي فكر نسائي أو مناداة بحقوق المرأة قبل المرحلة الأولى من النسوية.

فقد سبق ولد ستون كرافت (في القرن الثامن عشر) عدد من النساء اللواتي انخرطن في الحياة الفكرية الأدبية بل ومن الأمور الملفتة للنظر انه في كثير من الاحيان كانت بدايات الدعوة للنهوض بحقوق المرأة تتم على أيدي مفكرين رجال ففي بريطانيا على سبيل المثال قام المفكر والأديب دانيال دينو سابقا ولوستوكرافت بنشر بيان حول أهمية التعليم للمرأة وتامين الحياة الكريمة لها.

وكذلك الحال في العلم العربي فالمطالبة بحقوق المرأة نادى بها بدءا مفكرون رجال أن نذكر بأنه عبر العصور المختلفة كانت هنالك نساء شاعرات وأدبيات منهن من برزن وظهرن للعيان ومنهن من تم تهميش أعمالهن لسبب أو لاخر ولكن ما يعنينا هنا تبلور الخطاب النسائي كفرع من فروع المعرفة والدراسة وان كانت نقطة انطلاق هذا الخطاب مرتكزة أساسا على واقع تجارب ومعاناة المرأة التي لم يعجز الرجل بدوره عن التلهي والحديث عنها ففي مصرفي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أي في عصر النهضة كان الأفغاني ومن بعده محمد عبده وقاسم أمين من أوائل من كتب بحقوق المرأة وحتى في فترة حكم محمد علي لمصر بدأت تسمع أصوات تدعو الى تحرير المرأة والمطالبة بحقوقها الأساسية والإنسانية لا شك بأن احتكاك العالم العربي وخصوصا مصر بالعالم الغربي أثناء حملة نابليون وبعدها في فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار لعب دورا لا يستهان به في التأسيس للخطاب النسوي في العلم العربي وكان ذلك أما من خلال النفوذ الاستعماري او من خلال فتح أبواب التعليم للعديد من الشباب العرب في أوروبا الذين لفت نظرهم تقدم وضع المرأة الأوروبية مقارنة بالعربية وان كانت المرأة الأوروبية ما زالت تسعى جاهدة لتحقيق مطالبتها الا انهم لمسوا فروقا هائلة بين النساء في الغرب والنساء في العلم العربي فالمرأة في الغرب كانت اكثر حرية من المرأة العربية في اخذ قرارتها بما يتعلق بالزواج والتعليم وعلاقتها مع الرجل وفي خروجها من الحيز الخاص وتفاعلها مع العلم خرج المنزلان مثل هذه المشاهدات خلقت ردود فعل مختلفة لا نزال نعيش ملابساتها وآثارها على الفكر النسائي في المنطقة العربية للان.

فمثلاً جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده والتي ترى ليلى احمد في كتابها( gender and) انهما سبقا قاسم أمين في المناداة بحقوق المرأة انطلقا من واقع المرأة العربية المسلمة في الدفاع عن حقوقها وكرامتها وعكست دعوتهما حسا مرهفا للخصوصية الثقافية والدينية للعالم العربي فلم يكن خطابا مستفزا أو مستثيرا وتجاوزسجاليات وسلبيات غيره من الخطابات القطبية والثنائية التي تبلورت حول محورين أساسين الأول كان يدعو الى تبني النموذج الغربي وترسيخ دعائمه في الوطن العربي دون الحث على نقد هذا النموذج وتقييم مدى ملاءمته للثقافة والحية العربية والإسلامية أما المحور الثاني فشدد على ضرورة العودة الى الأصول وتبني نماذج إسلامية تنتمي الى الماضي ورفض خطابات حقوق المرأة برمتها باعتبارها نتاجا غربيا يستغل من البعض لفرض المزيد من الهيمنة على العام العربي وبأن الإسلام أعطى للمرأة كافة حقوقها التي تغنيها عن الحقوق مما ساهم بجعل الإشكالية الحقيقة تبدو وكأن مبعثها الإسلام وليس ممارسات بعض المسلمين.

إلا انه وكما ذكرت ليلى احمد تم في واقع الأمر استغلال وضع المرأة العربية المسلمة والممارسات المجحفة بحقها وتهميشها للنيل من الثقافة العربية الإسلامية ومنظومة القيم السائدة حينئذ لتبرير السيطرة على العلم العربي الإسلامي للنهوض به إخراجه من طور سباته بوصفه علما عاجزا عن إدارة أموره فلا بد "للغربي المتحضر" إن ينوب عنه لإنجاز مشاريعه النهضوية والتي لا يخفى على أحد الآن مدى زيفها ولا ننسى هنا بالإشادة الى جهود أدوار سعيد في فضح الممارسات الغربية في المناحي المعرفية المختلفة وفرض سياستها لفرض الهيمنة والخطاب التبريري للقوة الاستعمارية.

إلا أن حقيقة استغلال القوة الاستعمارية لوضع المرأة العربية المسلمة وفرض اجندتها الخاصة بالمرأة الغربية للتسويق للخطاب النسائي في العالم العربي ينبغي أن لا يقودنا الى عدم الاعتراف بأنه قضايا حقيقية للمرأة العربية يجب الوقوف عندها ومعالجتها بحجة أنها قضايا مستغربة، وتأثر الخطاب العربي النسائي والحركات النسائية بالخطاب الغربي النسائي أيضا من الأمور التي لا يمكن نفيها ومن الفت للنظر أن الفارق في الفترة الزمنية الفاصلة ما بين نشوء الحركات النسائية الغربية التي كانت تطلب بحق الانتخاب والاقتراع والمشاركة السياسية للمرأة لم الأربعين سنة .

ومن الجدير بالذكر أن التأثر والتأثير الفكري والتفاعلات الثقافية من السمات الإيجابية للعلاقات بين الشعوب والحضارات عبر الأزمنة المختلفة ولكن التلقي السلبي غير الناقد من شأنه الإيقاع في متاهات لا تسمن ولا تغني من جوع فالمناهج الفكرية النسوية في الغرب كما ذكرنا سابقا تفاعلت بشكل مباشر وغير مباشر مع المناهج الفكرية المؤسس لها وطورت علاقات ديالكتيكية معها ساهمت ليس فقط في إغناء تلك المناهج بل ببناء مناهج فكرية إنسانية تعالج وتتصدى لقضايا المرأة بدءاً لتقف على قضايا مختلفة ذات الصلة بالفئات المهمشة والجماعات الضعيفة أو مسلوبة القوة ومساهمات النساء سواء في العلم العربي او العالم الغربي في المناحي الادبية والفلسفية بدأ منذ القدم ولكن ما يعنينا في هذا السياق الخطاب المنهجي والنظري النسوي كواحد من فروع المعرفة والدراسة المنضبطة ففي عالمنا العربي كان التأثر بالخطابات الفكرية النسائية الغربية قويا وان كان لهذه اللحظة لم يود التأثير الى تبلور مناهج ونظريات فكرية نحلية تعكس بصورة تلقائية وطبيعة هموم المرأة العربية المسلمة من جهة أو تعبر بصدق وفاعلية عن حس عميق بالتراث العربي الإسلامي وخصوصيته.

وبطبيعة الحال فليس المقصود هنا الإساءة الى الإنجازات النسائية في العالم العربي والتي لا يمكن نعتها بصفة واحدة على الإطلاق فهي كغيرها من النتاج الفكري الإنساني تتراوح في المستويات ما بين المتميز والجيد والردىء، كذلك فالقول بأنه لهذه اللحظة لم تتطور نظرية نسوية محلية لتشكل إضافة جوهرية على النظرية أو النظريات النسوية العالمية في مختلف المجالات لا ينبغي أن يقودنا الى الاعتقاد بأن المرأة العربية في حقل الرواية أو الكتابات التـملية لم تعكس الهم القومي العربي الخاص والعام، فلا تكاد تخلو رواية نسائية واحدة منذ منتصف القرن المنصرم الى الآن من الإشارة الى إن الخوض في القضايا العربية والسياسية وكانت مشاهدة الحرب في المنطقة صورا متلاومة في بناء العمل الدرامي، وكذلك الأمر فيهما يتعلق بالدراسات الاجتماعية أو النفسية والتي كانت مادتها ولاتزال دراسات للعديد من الحالات النسائية داخل العالم العربي.

ولربما برعت الكاتبة العربية بالقاء الضوء على معاناة النساء العربيات وابراز طبيعة المشكل التي تواجهها ومن ثم خلق الوعي بضرورة التصدي الى تلك المشاكل والصراعات الناتجة أولا واخيرا عن منظومة قيم اجتماعية وثقافية وتربوية مشبعة بالمفاهيم الأبوية، ولكن تأثر البعض بالمنظومة القمية الغربية في التصدي لحل هذه الصراعات والمشاكل ساهم بخلق ردود فعل كان ضحيتها وأولا واخيرا المرأة العربية التي رفض الكثيرون إقرار شرعية صراعاتها وحقها في المطالبة بالمساواة أو الإنصاف من جهة، بينما رأى آخرون انه لا حل لقضايا المرأة العربية إلا من خلال تبني نموذج غربي لتحرر المرأة والانسلاخ العلني أحيانا وغير العلني أحيانا أخرى عن كافة المعايير والقيم الإسلامية والموروثات الثقافية العربية التي تساهم في ظلم وتهميش المرأة العربية، أن مثل هذه الاتجاهات أدت الى أن تقوم عدد من النساء العربيات انفسهن برفض خطاب حقوق المرأة برمته إذا كان نتاجه أما الانتماء الى العروبة والإسلام والاحتفاظ على الهوية القومية أو الالتحاق بالفلك الغربي والتمرد الشائن على القيم المحلية . فالعروبة والإسلام يشكلان جزءا هاما في وعي المرأة العربية ووجدانها وإذا كان تبني حقوق المرأة يعني التخلي عن أحدهما فالخاسر سيكون حقوق المرأة وهذه المعادلة بمجملها من شأنها احاق الضرر في قضايا المرأة العربية وهي التي تعاني من مختلف أشكال الاستبداد.

وعلى أية حال فإن تفاعل أو تأثر عدد من الكاتبات العربية والباحثات بمناهج الفكر النسائي الغربي بمختلف تياراته تمخض عنه عدد من الدراسات النسائية العربية القيمة والتي كان العديد منها باللغة الإنجليزية، فأثارت اهتمام بعض الباحثات في العلم الغربي واللواتي بدورهن قمن بمراجعة إنجازاتهن الفكرية في حقل الدراسات النسائية لتستوعب الآخر غير الغربي فتكتسب بذلك أطرا أخلاقية تمكنها من تجاوز عدد من الاتهامات التي أوكلت لها بالماضي كالنخبوبة أو العرقية أو الانحياز "للمرأة البيضاء الغربية" وغيرها.

ولم يقتصر تأثر الكاتبة العربية بالمناهج النسوية العربية على حقل معرفي واحد دون غيره حيث أصبحنا نلمسه في مجال الدراسات الادبية والفلسفية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية وحتى الطبية، وتعدد التيارات الفكرية النسائية في العالم الغربي وتأثر الكاتبة العربية بهذه التيارات الفنية نتج عنها أبحاث ودراسات واعمال نقدية استندت في طروحاتها على أطر نظرية متنوعة كان من أهمها النسوية الليبرالية والنسوية الماركسية والاشتراكية (سواء المعتدلة أو المتطرفة ) والنسوية الراديكالية والنسوية المادية وشبكة العلاقات بين هذه المنهج والنظريات شبكة معقدة، ولها اكثر من بعد حيث تتلاقى حينا وتفترق حينا آخر ومنها ما التحق بركب البنيوية وآخر بالتفكيكة وآخر لا يزال مستغرقا في خطاب الحداثة وآخر تجاوزه الى ما بعد الحداثة بكافة أبعادها ومضامينها سواء تلك الأخلاقية الملتزمة وغير المنتمية أو الهائمة.

إلا انه كما أشرنا سابقا فإن الكاتبة العربية وظفت هذه المناهج الفكرية والأطر النظرية التي قام بصياغتها الآخر الغربي، لتطبيقها على حالات عربية فلا يملك القارئ المتبصر إزاء هذه الدراسات في كثير من الاحيان إلا وان يشعر بان هنالك نوعا من الاقتحام الفكري ينتهي بتغريب القارئ عن النص المكتوب بوصفه نصا طاردا لا يخاطب الوجدان العربي او الوعي المحلي.

وإن كان خطاب المرأة العربية وكتاباتها الوصفية قد التحمت التحاما عضويا بالقضايا القومية والوطنية إلا انه لا يسعنا القول بأن إضافاتها للمناهج الفكرية النسائية كانت بالتميز والخصوبة المقرونين، على سبيل الأمثال بإسهامات المرأة السوداء في الخطاب النسائي العالمي فالمرأة السوداء تأثرت بلا شك بالفكر الماركسي والاشتراكي، إلا أنها لم تبق أسيرة هذه الأنماط الفكرية فطورت مفاهيمها الخاصة بها فيما يتعلق بقضايا الأمومة والأرض والحرية وغيرها، وسعت جاهدة الى ربط المفاهيم بالتجربة التاريخية والتي كان محورها المرأة السوداء ضد سيطرة الرجل الأبيض والمرأة البيضاء على حد سواء.

مما لا شكل فيه الآن أن مساهمات المرأة عموما في مناهج الفك الإنساني لعبت دوراً لا يستهان به في إعادة رسم الخارجة الثقافية للعالم، فإنجازاتها في مجال الدراسات اللغوية والنقدية والفلسفية والعلمية وغيرها من المجالات أعطت بعدا أخلاقيا شاملا للعديد من الخطابات السائدة أما عن طريق الإضافة لها أو تفكيكها أو دحضها فتناولت قضايا الاختلاف الثقافي والعرقي والجنسي والديني بغاية الحساسية، فعلى سبيل المثال قامت بعض الكاتبات كسوزان هيكمان وسبيثال14 في عدد من دراساتهم إلى حث النساء الكاتبات على احترام الخصوصية الثقافية والحضارية التي تميز مجموعة في حيز جغرافي خاص عن غيرها في حيز جغرافي آخر والكثير من كتابات ما بعد الاستعمار، استفادت من المناهج الفكرية النسائية لتناول مشكلة الآخر المسلوب بعمق وشمولية ولفضح لازدواجية في خطابات مراكز القوة ومثل هذه الدراسات بدأت حالياً في التأثير على كتابات العديد من النساء بما فيهن العربيات نجد مثلا مي يماني تحرر كتابا بعنوان Islam and fem الإسلام والنسوية والذي يتعامل مع قضايا المرأة العربية بمنظور يعكس وعيا بأهمية الخطاب الديني ودوره في التأثير بقضايا المرأة، ألا انه لا يزال هنالك العديد من الاتجاهات التي ترى في خطاب المرأة برمته خطابا مستغربا، وتسعى إلى تغييبه في حين انه لا نملك ألا الاعتراف بأن وضع المرأة العربية الآن لا يمكن مقارنته بوضعها قبل قرن من الزمان ولكن مما لا شك فيه أن التطور يمضي بخطى بطيئة وغير متكافئة في جميع الميادين لربما نجاح المرأة العربية وسعيها لتأسيس مناهج فكرية ونظريات نسوية منبعها المنطقة العربية من شأنه النهوض قدما بقضايا المرأة العربية والتعامل معها بمزيد من الصدق والالتزام.



#حنان_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 1 May 2024
- لبنان.. تقارير تشير إلى اغتصاب 30 طفلا من قبل -تيك توكر- شهي ...
- جندي إسرائيلي سابق يكسر الصمت: استهدفنا النساء والأطفال في غ ...
- “فرح العيال”.. استقبل ترددات قنوات الاطفال 2024 Kids Channel ...
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل بالجزائر 2024 ...
- هل هناك مستقبل لمساحات العمل المخصصة للنساء فقط؟
- لأنها من أقارب ديكتاتور أحد الدول.. حرمان امرأة من الحصول عل ...
- الحكومة الأسترالية تخصص أموالاً لمساعدة النساء المعنفات والأ ...
- السعودية.. القبض على مواطن قتل امرأة بالرصاص في نجران
- هل أسهمت حالة الطوارئ في سيراليون بالحدّ من العنف الجنسي؟


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - حنان إبراهيم - مساهمة النساء في تطوير مناهج الفكر