أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد فاضل نعمة - مئة يوم من التقييم















المزيد.....

مئة يوم من التقييم


محمد فاضل نعمة

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 12:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



لا يمكن لكثير من المثقفين العراقيين ان ينكروا عبقرية ماركيز في روايته (مئة عام من العزلة) حيث نقلنا بقدراته الفنية وخبرته الادبية الى عوالم قرية (ماكوندو) شبه المعزولة وسيرة عائلة (بوينديا) بحرفنة كبيرة وبعد تنقلنا معه عبر خمسة اجيال من العائلة اوصلنا في صفحاتها الاخيرة الى حالة شك ما بين وجود ولا وجود هذه الحكاية ..هل عشنا حقيقة مندثرة ؟ ام هو حلم اقوى من الحقيقة ؟ وتلك كانت عبقرية ماركيز... اليوم في العراق يطالع الناس رواية من نوع خاص تحمل عنوان(مئة يوم من التقييم) بقلم رئيس الوزراء نوري المالكي ، جائت كرد فعل على غضب الشارع العراقي من الاداء المتواضع للحكومة والغياب الشبه الكامل لاغلب متطلبات الحياه اليومية التي لابد ان يتمتع بها كل من يحمل صفة بشرعلى وجه المعمورة وبالاخص في بلد كالعراق يملك من المقومات والثروات الكثير.. لقد غابت الكهرباء على الرغم من الوعود الكاذبة التي اطلقها الحكام الجدد طيلة اكثر من سبع سنوات دون جدوى، وتدهورت الزراعة نتيجة لغياب مشاريع الري و الصيانة العلمية للقنوات و استصلاح الاراضي وغياب دعم الفلاح.. واندثرت الصناعة لتحل محلها قمامة دول الجوار من الصناعات الرديئة يدفع العراقيين مقابلها مليارات الدولارات و قسم كبير من ارباحها تدوره تلك الدول خارجيا لضرب الاقتصاد الوطني العراقي ، والادهى والامر صار المواطن يعاني من صعوبة الحصول على المشتقات النفطية وغلاء اسعارها في بلد يعد ضمن اكبر ثلاث مُلاك لاحتياطي النفط العالمي .
خرج العراقيون الى الشارع في يوم الجمعة المصادف 25/شباط ، منادين بتغيير الحكومة واجراء اصلاحات جذرية في مؤسساتها حيث لم يعد في وسعهم تحمل فيضان شوارعهم وبيوتهم بالماء نتيجة لسقوط بعض حبات من المطر حيث لا تتوافر في اغلب مناطقهم شبكات تصريف مياه وحتى القليل الموجود منها صار يعاني من ضعف دائم في الصيانة .. ارهقهم حمل ابنائهم على ظهورهم لمسافات بعيدة بسبب الشوارع الغير المعبدة والتي تتحول الى مستنقعات لاتحمي احد من السقوط باوحالها الا الله وحده .. وارهق ميزانيتهم المحدودة شراء حذائين واحد للطين واخر يحمله في كيس بلاستيكي ليرتديه عندما يصل الى الشارع العام او محل عمله، وان تحملوا كل هذا صابرين فلن يحتملوا رؤية ابنائهم محرومين من مستوى تعليم مقبول .. حيث يكتض الفصل الواحد وفي اغلب المدارس باكثر من ستين طالب ولا يجد اكثرهم اماكن نظامية للجلوس فيضطرون لافتراش الارض حيث لا يستطيع المدرس مهما بلغت قدراته ان يوصل المادة العلمية الى عقول الطلاب في مثل هذا الزحام و في مدارس متهالكة البناء بل و اكثر من ذلك في بعض النواحي والقرى حيث تنتشر المدارس الطينة التي غابت عنها ابسط المستلزمات العلمية الحديثة في بلد شيد اول مدرسة نظامية حديثة في العالم مازالت جدرانها من الطابوق وغرفها الواسعة شاخصة منذ حوالي الف سنة مضت وسط بغداد ،هذا المواطن الصابر القنوع لايطالب بل لا يجرء على الحلم بمدارس شبيهة بتلك الموجودة في امريكا واوربا واليابان فذلك عنده يعد ضرب من الخيال، ما يطمح اليه العراقي هي مدارس تقترب قليلا من مستوى ما موجود في دول الجوار الافقر ماديا من العراق .
ما خرج العراقيين للمطالبة به هو ان تدور العجلة الاقتصادية و تعمل مكائن المصانع وتتوافر البنى التحتية لقيام استثمارات محلية واجنبية بشكل يعزز من دور القطاع الخاص في الدورة الانتاجية لاستعاب الكوادر البشرية العاطلة عن العمل ..لم يعد مقبولا ان تكون مؤسسات الدولة العاطلة عن العمل اصلا والمريضة بالفساد المالي والاداري هي المصدر الوحيد لبعض الدرجات الوظيفية التي يتم الاعلان عنها بين الحين والاخر لامتصاص النقمة وفي النهاية لا يشغلها سوى اقارب السادة المسؤولين او المتحزبين او من يستطيع شراء مثل هذه الفرص ..ليبقى اغلب الشباب عاطلا عن العمل وصولا الى الاحساس بالياس المفضي اما الى الهجرة المذلة ،او الغضب الفوضوي الكامن في النفوس انتظارا لشرارة الانفجار او التحول نحو الجريمة والارهاب واي الخيارات احلاه مر.
تعب العراقيون من برلمان يقر لاعضائه امتيازات مالية ضخمة ورواتب تقاعدية حتى لمن خدم منهم سنة واحدة على الرغم من ان الغالبية العظمى من برلمانات العالم لا تعتبر البرلماني موظف وبالتالي هو لا يستحق راتب وتقاعد بل مكافاة برلمانية عن حضوره كل جلسة من جلسات البرلمان وتلك التي لا يحضرها لا يستحق عنها شيئا.. وبانتهاء الدورة البرلمانية يعود كل عضو كمواطن عادي ليمارس عمله السابق كطبيب او تاجر او موظف حكومي، الا في العراق حيث كان البرلماني اول من مارس الفساد الاداري واقر لنفسه دون حق رواتب وتقاعد وامتيازات في بلد اكثر من نصفه عاطل عن العمل ودون خط الفقر.
لم يصرخ شباب العراق مناديا باسقاط النظام بل باسقاط رئيس الوزراء وحكومته.. ادمى قلوبهم رؤية بلدهم يقف صامدا لاكثر من ست سنوات على راس قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم ،متصدراً المراكز الاولى بين الدول الاسوء من حيث الخدمات ، وتتصدر عاصمتهم بغداد قائمة المدينة الاخطر عالميا على الاعلاميين والاجانب ، كما اصبح للعراق موقع ثابت ومميز في تقارير المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الانسان بين الدول الاكثر انتهاكا لحقوق الانسان.
نفاق السياسيين اللاديمقراطي ومحاصصاتهم المقيتة اتعبت العراقيين، اغلب الاحزاب العراقية في السلطة لا تؤمن بالديمقراطية و اليات العمل الديمقراطي بل هي مجبرة لتطبيقه شكليا بناءا على الاتفاق الذي ابرمته مع الولايات المتحدة حليفتها والتي اسقطت نظام صدام حسين واتاحت للاحزاب الحاكمة اليوم الوصول الى السلطة وفق الاشتراطات الامريكية ومن بينها الشكل الديمقراطي للسلطة .. اغلب هذه الاحزاب دينية او طائفية او قومية تؤمن بالفكر الانقلابي وسيادة افكارها ومبادئها على الاخرين وعدم قبول الراي الاخر ويمكن الرجوع الى ادبياتهم الفكرية التي لن نجد فيها فكرة الديمقراطية بمفهومها الليبرالي الغربي قائمةً بشكلها الصحيح. يضعون نصب اعينهم دائما مصالح طوائفهم وقومياتهم واحزابهم ومدنهم.. اما العراق فلا يظهر الا في دعايتهم السياسية.. وللدلالة على ذلك لنتذكر معا كم مرة زار السيد المالكي مدينة ديالى او كركوك والتقى بجماهيرها وكم مرة زار زعيم الحزب الاسلامي العراقي مدينة العمارة او السماوة وكم مرة زار رئيس الجمهورية او رئيس اقليم كردستان الرمادي او الناصرية ولنرجع بذاكرتنا في ذلك لسبع سنوات مضت...وفي خضم سؤالنا عن ولاء الساسة للعراق كم من ساستنا الاشاوس ووزراء الحكومة وعوائلهم يقيمون داخل العراق الان؟ لنتذكر منذ عام 2003 صعودا ولنتسائل سويا، ترى اين هؤلاء البرلمانيين واعضاء مجلس الحكم واعضاء الحكومات المحلية والسياسيين السابقين ،اين هم ياترى الان ؟!! واين عوائلهم؟!! استطيع ان اجزم ان اكثر من 90% منهم الآن خارج العراق .. ينتظرون زملائهم العاملين الآن على الساحة العراقية، ليلتحقوا بهم بعد ان تسمن الكروش وتنتفخ الجيوب باموال العراق ليغادروه بعد ذلك ملتحقين بعوائلهم حيث العيشة برغد بعد فاقة دامت طويلا ويبقى الهناء والغنى لاحفاد احفادهم حتى ابد الدهر.
أتعبت العراقيين تبريرات الحكومة والساسة و وعودهم بان غدا سيكون افضل من سابقه، ومرت سبع عجاف .. كان التقدم فيها يمشي محمولا على ظهر سلحفاة ، لم تعد شماعة الواقع الامني ودوره في تاخير الاصلاح وضعف الخدمات تقنع احد فاكثر من نصف محافظات العراق تعيش واقعا امنيا مستقرا غير ان حظها من الخدمات والتنمية كحظوظ اخواتها الساخنة امنيا، لقد استطاعت الحكومة بنجاح ان توزع التردي بعدالة على كل مناطق العراق.
اخيرا انفجر العراقيون وصرخوا مطالبين بالاصلاح في 25/شباط محاولين تكرار جمعات الغضب في المدن العربية الاخرى ..فردت الحكومة الديمقراطية بقمع المظاهرات وتعويق قيامها بكل الوسائل ..سقط شهداء ..تم التضييق على وسائل الاعلام ومنعها من التغطية واعتقل العديد من الصحافيين ..لكن الرد الابلغ جاء على لسان السيد رئيس الوزراء باطلاق مشروعه العالمي الضخم المسمى(مئة يوم من التقييم) شارحا ابعاده العملاقة التي تتمحور حول قيام رئيس الوزراء بمراقبة الوزراء وتقييم ادائهم ..ربما تحتاج هذه الابعاد الى فكر غير تقليدي لانها جعلت المواطن يدخل في حالة ما بين الشك واليقين..من جانب فان محور مهام رئيس الوزراء دستوريا هي الاشراف على الوزارات والوزراء الذين يشغلونها وتقييم ادائهم وتصويبه بما ينسجم مع البرنامج الذي طرحته الوزارة قبل تكليفها..ومن جانب اخر اخذ المواطن يفكر في مغزى ال(مئة يوم من التقييم) التي هي في جوهرها جزء طبيعي من مهام رئيس الوزراء الدستورية ولا تحتاج الى ان توضع في مشاريع عالمية..السيد نوري المالكي لم يكن ببراعة ماركيز الذي غالبا ما يجعل من نهايات رواياته مفاجاة تبهر القراء ..عندما اعلن عن بعض تفصيلات مشروعه منذ بدايته عندما صرح بان (مئة يوم من التقييم) لا تكفي لاصلاح الكهرباء ولا تقديم الخدمات ..وطبعا لا تكفي لبناء سدود ولا تطوير حركة القطارات او بناء مترو او تحسين التعليم او انهاء ازمة السكن او البطالة او جعل العراق في ذيل قائمة الفساد العالمي او جعل بغداد اجمل او انهاء المحاصصة و الغاء امتيازات البرلمانيين و السياسيين والتي حصلو عليها دون وجه حق او اعادة من استشهدو من ابناء العراق الذين قضوا في مضاهرات 25/ 2الى الحياة...الخ...
طبعا الشعب العراقي يتفق كل الاتفاق مع ما ذهب اليه السيد رئيس الوزراء من عدم امكانية تحقيق اي اصلاح خلال (مئة يوم من التقييم) لسبب منطقي وحيد اتفق عليه كل العراقيين على غير عادة ..وهو ان السيد رئيس الوزراء يجلس على كرسي الوزارة منذ ما يقرب من خمس سنوات اي ما يقرب من (1825 يوم) ولم يحقق اي من هذه الوعود فكيف يعقل ان يحققها في ( مئة يوم من التقييم) بنفس الوجوه ونفس الكتل التي عاصرته.
رغم ان ماركيز في روايته(مئة عام من العزلة) تحايل على مخيلتنا للوقوف في منطقة ما بين الحقيقة والحلم واستطاع ان يجعل من ماكوندو بوصفها المكاني تعيش في تفكيرنا لتنعكس واقعا على كل مدننا العربية التي نعرفها..فان السيد نوري المالكي في (مئة يوم من التقييم ) حاول التحايل على عقولنا وتفوق على ماركيز عندما جعل الشعب العراقي يقهقه الما وتلك كانت عبقريته.



#محمد_فاضل_نعمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الآخر للمحاصصة السياسية
- الدبلوماسية الثقافية ودورها في تعزيز قرار السياسة الخارجية
- مفهوم الأمن الوطني وهاجس الدولة البوليسية
- ستراتيجية الاجتثاث والتفتيت الامريكية في العراق
- جريمة التهجير والعجز الحكومي


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد فاضل نعمة - مئة يوم من التقييم