مختار شعيب
الحوار المتمدن-العدد: 980 - 2004 / 10 / 8 - 10:59
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
رسالة بيروت
أكثر من24 عاما مرت علي اعتماد اتفاقية القضاء علي كل أشكال التمييز ضد المرأة, لكن يبدو جليا ان محتوي هذه الاتفاقية شأنها شأن مثيلاتها الخاصة بحقوق الانسان تبقي في بلداننا العربية حبرا علي ورق, تستعمل كخطابات مدوية في الفضاءات الواسعة كلما سنحت الفرصة للحديث عن حقوق المرأة, فالمرأة إلي يومنا هذا تعاني الضغوط اللاانسانية من قبيل التبخيس والتحقير والمعاملة القاسية والمهينة التي تحط من كرامتها وترسخ دونيتها, وتشعل أزيز هذه المآسي التقاليد والأعراف والمعتقدات الذكورية.
فمن أين للمرأة مقاومة هذه الضغوطات؟ وهل يتطلب الأمر ألف قاسم أمين حتي يتغير هذا الوضع؟!
هذه القضية وغيرها من قضايا المرأة المعاصرة ناقشها منتدي النساء العربيات عائشة والمعهد العربي لحقوق الانسان وعدد من الجمعيات الأهلية في حوارات مهمة في العاصمة اللبنانية بيروت أخيرا.
وكانت احدي أخطر القضايا التي ناقشها المشاركون ظاهرة العنف ضد المرأة التي تنوعت أشكالها وطرحت في الحوارات تساؤلات مهمة, ما هو حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية؟ ما هي أسبابها؟ وهل يمكن مواجهتها ووضع حد لها؟ هذه المعضلة كانت ولا تزال منذ عقود محل اجتهادات ودراسات ومناقشات ساخنة في أوساط الرأي العام والمهتمين بأوضاع المرأة في وطننا العربي, كما كانت كذلك في ورش العمل التي عقدت في بيروت,
ويتضح من عرض دراسات الوفود حول هذه الظاهرة في البلدان العربية التالي:من حيث حجم العنف المسلط علي النساء في المجتمعات العربية تؤكد دراسة ندي خليفة من الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان انه من بين كل ثلاث نساء في الوطن العربي تتعرض اثنتان بشكل أو آخر لاشكال العنف وهي نسبة مرتفعة جدا تعني ان ثلثي النساء في الوطن العربي يتعرضن لاحدي صور العنف سواء كانت لفظيا أو معنويا أو جسديا, أما في مصر كما جاء في دراسة عزة كامل( مركز وسائل الاتصال الملائمة من اجل التنمية في مصر) فان سيدة واحدة من كل ثلاث سيدات تتعرض للعنف في الحضر وسيدتين من كل ثلاث سيدات تتعرضان للعنف في, الريف, وهي نفسها النسبة في كل من موريتانيا والسودان والجزائر واليمن, بينما في دولة مثل تونس كما تقول اعتدال المجبري مركز كوثر في تونس كانت النسبة سيدتان تتعرضان للعنف من بين أربع سيدات في الحضر التونسي بينما في الريف تتعرض سيدتان من كل ثلاث سيدات لأحد صور العنف وهي نفسها النسبة في المغرب ولبنان وسوريا والاردن.
واذا كان تعداد النساء في الوطن العربي يقترب من150 مليون نسمة, فمعني ذلك ان100 مليون امرأة عربية تتعرض لاحدي صور العنف سنويا.
** أشكال العنف
يستنتج من الدراسات التي قدمت من خلال الجمعيات الأهلية ومن مراكز الاستماع التي انشأتها تلك الجمعيات لمساعدة النساء ان المرأة العربية تتعرض لكل صور العنف المعروفة فالضرب بآلة حادة أو إلقاء المواد الحارقة التي تفضي الي الموت مثل10% من الحالات.
والالقاء من الادوار المرتفعة مفضيا إلي اصابات جسيمة9%, والضرب المفضي لاصابات وكدمات72% والطعن بآلة حادة8%, والطرد من مسكن الزوجية14%, والتحرش الجنسي من أولي القربي وفي أماكن العمل15%, والعنف الجنسي سواء كان من قبل الزوج أو قبل اخرين بما في ذلك حوادث الاغتصاب والاكراه علي ممارسة البغاء25% من الحالات.
فضلا عن صور أخري للعنف اللفظي والمعنوي الذي تتعرض له المرأة العربية, كالعمل بدون ضمانات صحية أو تأمينية في مكان عمل غير آمن, والتفاوت في المرتبات خاصة في المناطق الريفية وفي القطاع الخاص ويري الدكتور احمد يونس ودلال عيسي من الوفد المصري ان هناك العديد من الأسباب التي وضعت المرأة في هذا المأزق وبشكل خاص في مجتمعاتنا العربية أولها ان الأعراف والتقاليد الاجتماعية العربية منحازة للرجال علي حساب المرأة وتلعب دورا في تدعيم اتجاهات العنف الذكوري ضد المرأة, فبناء علي دراسات عديدة جاء تصنيف الزوج باعتباره الأكثر عنفا ضد المرأة بنسبة72%, يليه الأب بنسبة43% ثم الأخ ضد أخته بنسبة37% ثم الابن ضد أمه بنسبة25%.
وتري75% من النساء المعنفات و85% من الرجال الذين يمارسون العنف انه امر عادي ومألوف ومتوارث ومتعارف عليه وان الأعراف والتقاليد والدين يمنح الرجل هذا الحق, ويعني هذا فهما خاطئا لنصوص الدين وتعارضا واضحا مع قيمنا وأعرافنا العربية الأصيلة التي طالما عملت علي حماية المرأة من كل صور العنف والتمييز.
وتجد زهرة وواردي من المغرب وكارولين صليبي من لبنان ان نسبة العنف التي تمارس في أوساط الأسر التي تعاني الأمية ضعف العنف الذي يمارس في الأسر التي يتمتع أصحابها بدرجة عالية من التحصيل العلمي كما تتعرض المرأة التي لاتعمل لضعف العنف الذي تتعرض له المرأة التي تعمل مما يعني أهمية التعليم والعمل للمرأة في مواجهة العديد من السلوكيات الاجتماعية الخاطئة.
كما توضح الدراسات التي قدمتها الوفود العربية ان86% من حالات العنف تقع في المسكن سواء كان مسكن الزوجية أو منزل الأب, و24% من حالات العنف تقع في اقسام الشرطة, و61% من حالات العنف تقع في وسائل النقل العام والشارع, ولأن فاتورة الحروب باهظة الثمن فدائما ما تدفعها كاملة النساء اللاتي بقين علي قيد الحياة من الاغتصاب والضرب الوحشي وغيرها من صور العنف مرورا بالتعذيب ووصولا للقتل فحوالي65% من حالات العنف التي تتعرض لها المرأة العراقية والمرأة الفلسطينية تأتي من قوات الاحتلال كما تري صابرين زين من مركز الدراسات النسوية في فلسطين.
** كسر الصمت.. ضد العنف
والآن هل يمكن مواجهة هذه الظاهرة ووضع حد لها؟
سؤال طرحه المشاركون في المنتدي وتري شميسة رياحة من المغرب ان تزايد مشاركة المرأة في العمل العام في الأقطار العربية من الأدوات المهمة لتحسين وضع المرأة لانه يكفل للعناصر النسائية النشطة طرح وجهة نظر المرأة في قضايا المجتمع وهذا الأمر يساهم في تعديل الصورة النمطية عن المرأة لدي الرأي العام كما يمكن المرأة من التأثير في صنع القرارات والتشريعات التي تخص المرأة بصفة خاصة وفي محاصرة منابع العنف المسلط علي النساء, بينما تري فلة بورحماني من الجزائر أن تعليم المرأة ومواجهة الأمية أحد أهم وسائل الارتقاء بأوضاع المرأة وتمكينها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا, مما يجعلها أقل عرضة للعنف, فلقد وجد من الاحصائيات ان المرأة الأمية تعاني من تعرضها للعنف ثلاثة أضعاف معاناة المرأة المتعلمة. وذلك لأن المرأة المتعلمة لديها القدرة علي فهم القانون ومعرفة حقها في الدفاع عن نفسها وقادرة علي الوصول إلي الجهات التي يمكن ان تحميها.
وهنا يلعب القانون والتشريع الوطني دورا مهما في حماية المرأة من العنف وتري أميرة محمد من السودان ومنيفة خالد من الكويت ان الجمعيات الأهلية العاملة في مجال المرأة عليها عبء كبير في تنقية قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات وغيرها من التشريعات في الأقطار العربية. حيث تساهم تلك التشريعات حاليا في مساعدة الجاني من الافلات من العقوبة كما في حالات جريمة الشرف علي سبيل المثال, كما ان عددا كبيرا من التشريعات الوطنية العربية تساهم في تكريس التمييز ضد المرأة ومنها علي سبيل المثال قوانين العقوبات في الكويت والسودان وسوريا ولبنان.
وتضيف أنصاف خير الدين من تونس وأمل فتوني من لبنان ان الجمعيات الأهلية العاملة في مجال قضايا المرأة يمكنها بل ويجب عليها التقارب مع وسائل الإعلام والصحافة أولا لفضح الممارسات المختلفة ضد المرأة واثارة الرأي العام ضد مرتكبيها وثانيا للتحذير من خطورة تلك الممارسات ليس فقط علي المرأة وانما علي الأسرة وعلي الأطفال ومن ثم علي المجتمع ككل, وثالثا لمحاربة الاعراف والتقاليد البالية والتي تدفع ببعض الرجال إلي ممارسة العنف ضد المرأة مع تكريس مفاهيم المساواة بين الرجل والمرأة والتأكيد علي هذا الأمر ليس تقليدا للغرب حتي لايرفضه الشارع العربي وانما المساواة التي تطالب بها المرأة هي من صميم التراث العربي والاسلامي ومعتقداته الاساسية, ورابعا توعية الرأي العام من خلال وسائل الإعلام والصحافة بقضايا المرأة ليكون مشاركا فيها وليس بعيدا عنها وهذا يتطلب جهودا متكررة تقوم بها الجمعيات الأهلية سواء بعقد مؤتمرات وندوات مشتركة مع جهات اعلامية وصحفية, أو بتقديم تقاريرها لتلك الجهات لتستفيد منها في تدعيم سياسة تمكين المرأة في المجتمعات العربية.
وإذا كانت المرأة العربية تعاني صورا متعددة ومركبة من العنف فانها تمتلك أيضا أسلحة متعددة وآليات مختلفة يمكنها إذا استفادت منها ليس فقط كسر الصمت حول العنف المسلط عليها وانما تعظيم أدوارها في تحديث مجتمعاتها إلي الأفضل.
#مختار_شعيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟