أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - لطفي حاتم - النظم السياسية العربية وانهيار شرعيتها السياسية















المزيد.....


النظم السياسية العربية وانهيار شرعيتها السياسية


لطفي حاتم

الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 16:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أحدث الطور الرأسمالي المعولم كثرة من التغيرات السياسية / الاقتصادية منها حركة الاندماجات في مراكز الهيمنة الدولية ومنها نهوض دول رأسمالية جديدة أنتجتها انهيارات التجربة الاشتراكية ومنها ميل العالم نحو التكتلات الاقتصادية الدولية ولكثرة التبدلات التي صاحبت الطور المعولم من التوسع الرأسمالي والتي جرى التعرض لها في دراسات سابقة نحاول التقرب من التأثيرات التي احدثها التوسع الراسمالي على البلدان العربية محاولين تحديد رؤيتنا التحليلية لتلك التغيرات في عدد من المحاور الأساسية نراها في : ـ
أولاً: ـ السمات الأساسية للنظم السياسية العربية .
ثانياً : ـ النظم السياسية العربية وتغيرات قاعدتها الاجتماعية .
ثالثاً : ـ الحركة الديمقراطية العربية وآفاق تطورها.

أولا : ـ السمات الأساسية للنظم السياسية العربية .

عند استعراضنا لطبيعة الدول العربية ونظمها السياسية نجد هناك الكثير من السمات المشتركة التي تحكمت في نشأتها وتطورها التاريخي لهذا يمكن القول أن الدول العربية من الناحية التاريخية تعتبر دولا جديدة نسبيا نشأت بمساعدة خارجية اشترطها الطور الثاني من التوسع الراسمالي المتسم بالمنافسة بين مراكزه الدولية وبهذا المعنى فان نشوء الدول العربية لم يكن نتاجاً لصيرورة تاريخية نابعة من تطور المصالح الاقتصادية لمكوناتها الاجتماعية .
ــ ترافق بناء الدول العربية بمساعدة خارجية وسلبية أخرى تجسدت في غياب الكتلة الاجتماعية القادرة على بسط هيمنتها السياسية / الثقافية وما نتج عن ذلك من غياب المرجعية الوطنية .

ــ فشل الدول العربية على اختلاف نظمها السياسية من بناء موازنة سياسية / اجتماعية بينها وبين تشكيلتها الاجتماعية ناهيك عن بناء مستلزمات وحدتها القومية .

ـــ اتسمت النظم السياسية العربية باحتكار السلطة السياسية ، غياب الديمقراطية السياسية وسيادة النزعة البوليسية انطلاقا من شرعيتين أساسيتين شرعية وراثية وأخرى انقلابية تغلفت ــ الشرعيتين ــ بأطر تاريخية أسرية أو أيديولوجية.
ــ تشارك كلا النموذجين ـ الوراثي والانقلابي ـ في احتكار الدولة للثروات الوطنية حيث زاوجت النخب الحاكمة بين احتكار السلطة والهيمنة الاقتصادية الأمر الذي ساعد على تحول القوى البيروقراطية الحاكمة الى قوى طبقية طفيلية جديدة تتسم بالنهب والاغتراب عن مصالح بلادها الوطنية .
ــ ان تحالف السلطة مع راس المال المتلاحم والفساد الاداري أضاف شروخا جديدة بين السلطات الحاكمة وبين مكوناتها الاجتماعية وما نتج عن ذلك من سيادة العنف في الحياة السياسية .

ــ ترابطت سمات وخصائص النظم السياسية العربية المتسمة بالاستبداد السياسي مع سيادة أحزاب سياسية تسلحت بأيديولوجيات شمولية وأخرى عنصرية معتمرة الروح الانقلابية بدأً من القوى القومية والأحزاب اليسارية وانتهاء بالقوى الإسلامية مترافقة ــ السيادة ــ وغياب التيار الليبرالي بسبب تبعثر قاعدته الاجتماعية وضعف فعاليته السياسية .

ان اللوحة السياسية لمنظومة البلدان العربية ــ السلطة ، الأحزاب السياسية ــ جرى عليها الكثير من التعديل بعد انهيار ازدواجية خيار التطور الاجتماعي وسيادة السوق الليبرالية حيث بات معروفا ان الطور الجديد من العولمة الرأسمالية وشروطه الاقتصادية وأيديولوجيته الليبرالية اجبر الكثير من الدول على الأخذ بهيكلة اقتصادية تستند الى ركائز أساسية ( 1 ) الخصخصة لقطاعات الدولة الإنتاجية / الخدمية ( 2 ) تحرير الدولة من وظائفها الاجتماعية إزاء تشكيلتها الاجتماعية . ( 3 ) السماح للشركات الدولية بالمشاركة في الاقتصاد الوطني بعد اعتماد الاقتصاد الحر وسياسية الأبواب المفتوحة .
لقد أحدثت إعادة هيكلة الاقتصاد واعتماد السوق الليبرالية في أغلب البلدان العربية الى كثرة من التبدلات الحاصلة على سلطة الدول وتشكيلتها الاجتماعية في كلا الشرعيتين الانقلابية والوراثية .


ثانياً : ـ النظم السياسية العربية وتبدلات قاعدتها الاجتماعية .

1: الشرعية الانقلابية

أ : ـ الحقبة الثورية وبناء دولة الاستقلال الوطني

ــ من المعروف ان سلطة الشرعية الانقلابية جاءت الى الحكم تحت شعارات ثورية قومية / وطنية منها التخلص من التبعية الكولونيالية ومنها الاستقلال الناجز والسيادة الوطنية ومنها التنمية الوطنية المستقلة ناهيك عن تبني الحقوق العربية في فلسطين ورفعها الى مصاف القضايا الاستراتيجية . ورغم أهمية تلك الشعارات إلا إنها تزامنت وثغرات كبرى تجسدت بكثرة من المؤشرات أولهما ان سلطة الشرعية الانقلابية التي حملتها المؤسسة العسكرية لم تكن قادرة على صياغة برامج وطنية اجتماعية / اقتصادية. وثانيهما تغليب القضايا القومية على المهام الوطنية حيث جرى توتير المشاعر القومية نحو المواجهة العسكرية مع الدولة العبرية . واخرهما إقصاء الحركات اليسارية والديمقراطية من المشاركة في الحياة السياسية الامر الذي أدى الى سيادة النهوج الاستبدادية وتواصل قوانين الطوارئ .
ــ بعد الحروب الخارجية وفشل التجارب التنموية انتقلت دولة الشرعية الانقلابية الى ترسيخ سلطتها السياسية عبر بناء مستلزمات الدولة القطرية المقتدرة ولتحقيق هذا الغرض عمدت السلطة الى إجراءات أساسية أهمها : ـ
ــ إحداث تحولات اقتصادية / اجتماعية وطنية بهدف تعزيز شرعية الحكم ( الثوري ) وبهذا السياق يمكن القول ان التحولات الاقتصادية / الاجتماعية التي عمل العسكر على إحداثها والمتمثلة بهيمنة الدولة على الفعالية الاقتصادية / الخدمية ، الإصلاحات الزراعية في الريف ناهيك عن صيانة الثروة الوطنية أنتجت حراكا اجتماعيا / سياسياً رغم إنها ـ الإصلاحات ـ أعاقة تطور قوى القطاع الخاص وحدت من حركته السياسية .

ــ احتكار السلطة والهيمنة الاقتصادية أفضىيا الى تحول الدولة الى رب عمل كبير يسعى الى ربط القوى المنتجة بقراراته البيروقراطية الهادفة الى تحجيم فعالية القوى السياسية التي باتت محكومة برؤى أيديولوجية لا يمكن الفكاك منها.

ب : ـ الشرعية الانقلابية وقاعدتها الاجتماعية

ــ تزامن بناء سلطة الشرعية الانقلابية وتطور بنيتها الاستبدادية مع توظيف أعدادا كبيرة من العاملين في قطاعات الدولة المختلفة خاصة أجهزتها الإدارية البوليسية / العسكرية الأمر الذي أنتج كثرة من التغيرات على صعيد بناء السلطة وتشكيلتها الاجتماعية والتي يمكمن تأشيرها بالمحددات التالية : ـ
ــ أفضت الروح العسكرية ومجافاة الحياة الديمقراطية فضلا عن الإجراءات الاقتصادية الاوامرية الى بناء وتعزيز سلطة الحزب الواحد الذي تشابك ومنظومة البلاد الإدارية / الأمنية / العسكرية وما نتج عنه من سيادة الاستبدادي السياسي وتحول سلطة الشرعية الانقلابية الى سلطة بوليسية.
ــ احتكار السلطة واستبدادها السياسي أديا الى تعزز البيروقراطية الحاكمة وتنامي دورها المزدوج المتسم بالهيمنة السياسية والإشراف على ملكية الدولة الاقتصادية الأمر الذي ساعد على تشكل شرائح طبقية جديدة نتيجة لتفشي الفساد الاداري والرشوة ــ عمولات مالية أو هدايا ــ الناتجة عن التعاملات مع الشركات الوطنية / الدولية بعد الانفتاح الاقتصادي .
ـــ تحول الفئات البيروقراطية الى شرائح طبقية جديدة ترافق ونمو بطئ لفئات البرجوازية الوطنية الامر الذي أضفى سمات جديدة على القوى الاجتماعية الناهضة تمثل بفسادها وخراب نزعتها الوطنية.

ان المؤشرات التي جرى استعراضها أصابت دول الشرعية الانقلابية بالركود الاقتصادي السياسي الامر الذي أفضى في نهاية المطاف الى تحولات جديدة في بنى السلطة السياسية وقاعدتها الاجتماعية خاصة بعد انهيار الثنائية القطبية وخيار التنمية الوطنية المتمحورة على الذات .

ج : ـ العولمة وسلطة الشرعية الانقلابية.

رافق بناء سلطة الشرعية الانقلابية الكثير من الإشكالات السياسية الاجتماعية الناتجة عن الركود الاقتصادي وتفشي البطالة بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة ناهيك عن هدر الثروات الوطنية على التسلح وبناء الأجهزة الأمنية / البوليسية .
لقد تفاقمت تلك المشاكل بعد تجاوب هذه الدول مع الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق الذي اشترطها الطور المعولم من التوسع الراسمالي والذي شكل بداية لتهميش دول الشرعية الانقلابية وتشكيلتها الاجتماعية .

ان موضوعة تهميش دولة الشرعية الانقلابية وتشكيلتها الاجتماعية تستمد شرعيتها من الوقائع التالية: ـ

ــ أفضى تخلي الدولة عن وظائفها الاقتصادية بعد اعتماد الليبرالية الاقتصادية والأسواق الحرة الى تحولات كبيرة في السياسة الاقتصادية الوطنية ونتائجها الاجتماعية أهمها تزايد اغتراب سلطة الدولة عن مكونات الاجتماعية وذلك بسبب تحرر الدولة من التزاماتها الاجتماعية إزاء مواطنيها المتمثلة بالتشغيل وتطوير شبكة الضمان الاجتماعي خاصة للشرائح الاجتماعية الفقيرة والمعدمة والتي جرى وضعها أمام خيارات صعبة.
ــ جاء اغتراب سلطة شرعية الانقلابية عن مكوناتها الاجتماعية نتيجة لتحول القوى الاجتماعية الماسكة بالسلطة الى شرائح اجتماعية مستأثرة بالخيرات المادية خاصة تلك الفئات التجارية، المالية ، العقارية ومالكي الأراضي الزراعية وفي هذا الإطار نلاحظ ان الشرائح الاجتماعية المتنفذة المتشابكة مع الجهاز البيروقراطي في الدولة ورغم تعدد فصائلها إلا ان بناءها ووحدتها الطبقية لم يكتملا بسبب حداثة تشكلها واعتمادها على سلطة الدولة في صيانة مصالحها الطبقية .
ــ توصيف طبيعة القوى الطبقية الحديثة الناهضة في بلدان الشرعية الانقلابية يكتمل بعد تحديد سماتها الجديدة والمتمثلة بكونها قوى طبقية غير منتجة ومنها ان شرائحها المالية تشكل الفئات الرئيسية القائدة للقوى الطبقية الجديدة ومنها ترابطها والشركات الدولية عبر ما يسمى بالوكالة التجارية . ومنها ان هذه القوى الاجتماعية الناهضة لم يكن بمقدورها التحول الى كتلة تاريخية وطنية بسبب ترابط تطورها الاقتصادي مع الشركات الاحتكارية الامر الذي وضع مسار تطورها السياسي / الاقتصادي في صلب ألازمات الاقتصادية الوطنية / الدولية التي يعيشها الاقتصاد العالمي .

ـــ اعتماد دولة الشرعية الانقلابية على وصفات الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق وما أنتجه ذلك من ترابط الاقتصاد الوطني مع الشركات الدولية فضلا عن انتعاش الشرائح الطفيلية وتحكمها في توجهات سلطة الدولة أفضى الى تحول الكثير من القوى المنتجة الى قوى هامشية نتيجة لاختلال التوازن بين هياكل الدولة الاقتصادية وسيادة القطاعات الخدمية / الاستهلاكية .
ــ ان تفكك الروابط الاقتصادية السياسية بين القوى المنتجة والفاعلة اقتصاديا ساهم في تحولها الى كتل سكانية غير فاعلة اجتماعياً وما نتج عن ذلك من ميلين اساسيين الأول منهما هو تخلخل روابطها الطبقية والثاني منهما تبعثر القوى والأحزاب السياسية المعبرة عن مصالحها بسبب غياب العدة الفكرية / التنظيمية للقوى الديمقراطية المتجاوبة والطور المعلوم من التوسع الراسمالي وما نتج عنه من تحول الكتل الشعبية الى الاحتجاج المعبر عنه بانتفاضات جماهيرية مناهضة للفقر والاستبداد السياسي .
ــ شكلت الطبقة الوسطى الرافعة الاجتماعية للحركات الثورية واليسارية فضلا عن مساندتها لسلطة الشرعية الانقلابية الا أن الدور الاجتماعي للطبقة الوسطى تغير نتيجة التغيرات الاجتماعية التي أحدثها الطور الاخير من سلطة الشرعية الانقلابية الذي أدى الى حدوث حزمة من التحولات في بنية الطبقة الوسطى أهمها ( أ ) التباين الكبير بين صفوفها بسبب اندماج أقسام منها مع الشرائح المنتفعة من التغيرات الجديدة وتحول الأغلبية منها الى صفوف الكتل السكانية الفقيرة والمعدمة . (ب ) تزايد افتراقها عن الدولة حيث ان الطبقة الوسطى لم تعد تشكل قاعدة اجتماعية للنظام بسبب اعتماد سلطة الدولة على القوى الطفيلية الجديدة . ( ج ) تشابك روحها الاحتجاجية مع رؤيتها السياسية المطالبة بإعادة البناء الديمقراطي للدولة الوطنية.

ان التغيرات الجديدة التي أفرزها الطور الجديد من التحول الراسمالي فضلا عن تفكك دول الشرعية الانقلابية أنتج قضايا مهمة يمكننا إيراد البعض منها : ـ
أولا : ـ ان القوى والشرائح الطبقية الجديدة التي افرزها تفكك الشرعية الانقلابية لم يعد بوسعها فرض هيمنة وطنية بسبب ضعف قاعدتها الاجتماعية من جانب وغياب روحها الوطنية من جانب آخر .
ــ افتقار الشرائح المالية الكمبورادورية والعقارية الى عوامل الهيمنة الوطنية اشترط الحماية الخارجية لسلطتها الجديدة الامر الذي نتج عنه ضياع القرار الوطني المستقل أو ما أسميته سابقاً بازدواجية السلطة .
ثانيا ً: ـ تعيش سلطة الشرعية الانقلابية مرحلة انتقالية حيث يدور النزاع بين الطواقم العسكرية المندمجة في الجهاز البيروقراطي والراغبة في استمرار هيمنتها على سلطة الدولة ولكن بشرعية جديدة تستمدها من الاحتجاجات الجماهيرية وبين القوى الطبقية المنتفعة من التغيرات الاقتصادية الجديدة والمطالبة بالاستحواذ على القرارين الاقتصادي / السياسي .
ثالثاً : ـ تفضي الاحتجاجات الشعبية الى تغيرات في الأبنية السياسية للدولة فضلا عن احترام الشرعية الانتخابية التي تشكل احد ركائز الشرعية الديمقراطية إلا أنها لا تؤدي الى تحولات جذرية بسبب هشاشة الدول العربية وتفكك مكوناتها الاجتماعية التي يشترطها الطور المعولم من التوسع الراسمالي .

2 : ـ دول الشرعية الوراثية

التعرض لبنى الشرعية الوراثية يتمتع بأهمية كبيرة في الظروف التاريخية المعاشة وذلك لكثرة من الأسباب منها استقراها السياسي / الاجتماعي النسبي المرتكز على البنية العشائرية ومنها الثروة النفطية لأغلب أقطارها ، ومنها قلة كثافتها السكانية واعتمادها على العمالة الوافدة وأخرها ترابطها الوثيق مع المراكز الدولية عبر اتفاقات عسكرية / اقتصادية .
استناداً الى تلك الأسباب نحاول التعرف على أهم السمات الناظمة للبنى السياسية / الاجتماعية لدول الشرعية الوراثية عبر الدالات التالية : ـ

أ : ـ الأشكال التاريخية للشرعية الوراثية .

نشأت الشرعية الوراثية وتطورت في بعض البلدان العربية من خلال شكلين تاريخيين الأول منهما نتج عن قيام بعض القبائل العربية في الحقبة الكولونيالية بحماية السواحل والطرق البرية الامر الذي مهد الطريق أمام تلك القبائل لبناء كيانات سياسية تتحكم في بناءها التقاليد القبيلة بعد رفع مستوى بنائها القبلي الى تشكيل سياسي بحماية خارجية . وبهذا المعنى فقد شكل التشابك بين البنيتين العشائرية والسلطوية السمة الغالبة لأنظمة دول لدول الخليج السياسية. أما الشكل الثاني من الشرعية الوراثية فقد نشأ نتيجة ( أ ) عن مساومات تاريخية / دينية بين القوى الكولونيالية وبين حلفائها، مثل الدول الملكية في العراق سابقا والأردن وجاء بنائها نتيجة للتقسيم الكولونيالي للدول العربية من جهة وبهدف الحد من الطموحات القومية للقوى العربية المساندة للشخصية العربية المرموقة الشريف حسين من جهة ثانية ( 1 ) . ( ب ) نتيجة لشرعية سياسية / دينية جرى اعتمادها بين الحكام وبين القوى المحتلة كما نصت اتفاقية الحماية التي وقعها سلطان مراكش مولاي عبد الحفيظ 1912 مع الفرنسيين والتي وضعت نظاما جديدا ( احتفظ بمركز الدين وهيبة السلطان التقليدية ) 2
ان أشكال دول الشرعية الوراثية لا تتماثل في منظومتها السياسية بسبب اختلاف الظروف التاريخية لنشأت كلا النموذجين فضلا عن تطور تشكيلتهما الاجتماعية ، وبهذا السياق يمكن التأكيد على تمتع دول الشكل الثاني من الشرعية الوراثية بمؤسسات تمثيلية من برلمان ورقابة دستورية على السلطات فضلا عن وجود أشكال من الديمقراطية السياسية ومنظمات مجتمع مدني بينما تفتقر دول الشرعية القبلية لمثل هذه المؤسسات رغم ظهور أشكال برلمانية وتنظيمات سياسية في الحقب الأخيرة .

ب : ـ الشرعية القبلية وسلطتها السياسية

ــ استنادا الى طبيعة القوى الاجتماعية المتحكمة في دول الشرعية القبلية يمكن القول ان غياب الدولة بمعناها المؤسساتي أدى الى احتفاظ ( الدولة ) بسماتها الأولية المتمثلة بازدواجية سلطتها السياسية المتمثلة بتحكم الروح القبيلة في فعالية سلطة الدولة السياسية . ويبدو هذا التوصيف واضحاً خاصة في مجال بناء الأجهزة الإدارية للدولة فضلا عن مؤسساتها ( التمثيلية ) التي لا زالت تتمتع بتعدد دوائر صنع القرار فيها وبهذا المعنى نستطيع القول أن هناك تشابها ملحوظاً بينها وبين الدول الشمولية التي تتعدد مصادر صنع القرارات الأمنية فيها .
ــ تتمثل ازدواجية سلطة القبيلة المتداخلة وسلطة الدولة في سيادة الروح الأبوية الراعية والمتحكمة في حل النزاعات الناشئة بين أفراد القبيلة السائدة ناهيك عن نزاعاتها مع القبائل الحاكمة ، وبهذا المسار نرى أن هيمنة سلطة القبيلة المتداخلة وسلطة الدولة تعتمد على ثلاث ركائز أساسية تتمثل بـهيمنة اجتماعية تغذيها العادات والأعراف القبلية وأخرى هيمنة اقتصادية تمثلها سيطرة الطواقم المتنفذة في القبائل الحاكمة على الفعالية الاقتصادية للدولة، وثالثة سيادة سياسية تتمثل بسيطرة أبناء العشائر المتنفذة على السلطة السياسية .
ان التوصيف المشار إليه يفسر الى حد ما طبيعة الاستقرار السياسي / الاجتماعي السائد في هذه البلدان .

ج : ـ الشرعية القبلية وتشكيلتها الاجتماعية

ـــ غياب النزاعات الاجتماعية المرتكزة على المصالح الطبقية في دول الشرعية القبلية يستند على موقع القبيلة الاجتماعي الحاضن للنزاعات العشائرية التي تعبر في مضامينها عن نزاعات اجتماعية في بنى القبائل الحاكمة. وبهذا المعنى تنمو في التشكيلة القبلية تمايزات بين الشرائح الطبقية الجديدة الناهضة بمساعدة السلطة القبلية وبين القوى المزاحة تدريجيا من السلطة والثروة ويتجلى هذا التمايز بطموح القوى المزاحة بضرورة كسر الهيمنة العشائرية على سلطة الدولة وإفساح المجال لجميع الفئات الاجتماعية بالمساهمة في صنع القرار السياسي . وبهذا المسار يمكن التأكيد على ان تلك القوى الاجتماعية ( المتمردة ) لا يرقى بنائها الطبقي الى مستوى الطبقات البرجوازية التي شكلت قطر تاريخية للدفاع عن مصالحها عبر هيمنة سياسية / اقتصادية وطنية .
ـــ تتطور شرائح الطبقة الاقتصادية السائدة في سلطة الشرعية القبلية انطلاقا من علاقاتها مع مالكي القرار السياسي من خلال ترابطاتها القبلية أو المساندة الرسمية لأنشطتها الاقتصادية ولهذا فان الطبقة الاقتصادية السائدة تتشكل من ثلاث قطاعات أساسية اولهما الفئات العقارية المتنفذة في قطاعي السياحة والخدمات التي تشكل الشريحة الأكبر في الدول الخليجية ، وثانيهما الشريحة التجارية المتحكمة في الاستيراد والتصدير عبر شركات الوكالة و المترابطة مع الشركات الدولية واخرهما الشريحة المالية التي تشكل القوة القائدة لبقية الفصائل الطبقية باعتبارها المالك الفعلي للسلطة السياسية .

ــ ان تحديدنا للشرائح الاجتماعية المتنفذة في التشكيلة الاجتماعية القبلية يكتمل إذا تعرضنا لطبيعة القوى العاملة في الدول الخليجية حيث نجدها تتوزع بين قطاع الخدمات و الشركات التجارية فضلا عن المشاريع الحكومية والأهلية حيث تشكل العمالة الوافدة القسم الأكبر من قوة العمل الناشطة.
ـــ ابتعدت الكتلة العمالية الناشطة عن خوض احتجاجات نقابية أو اجتماعية بسبب قوانين الإبعاد ، إلغاء عقود العمل ، ناهيك تبعثرها ـ العمالة الوافدة ــ على قطاعات خدمية.
ــ تتوزع الطبقة الوسطى المدينية في بلدان الشرعية القبلية على الوظائف الإدارية والخدمية والمهن الحرة فضلا عن تمركزها في جهاز الدولة البيروقراطي الاداري / العسكري الذي ـ التمركز ـ لم يكن بمعزل عن الولاء العشائري والروح القبلية رغم دعوات الكثير من منتسبي هذه الطبقة الى التغيير والاعتماد على عنصر المواطنة والكفاءة المهنية .

استناداً الى تلك الملاحظات المكثفة يمكننا إيراد بعض الاستنتاجات أهمها : ـ
أولا : ــ بسبب اقتصادها ألريعي وسوقها الحرة المتلاحم والشركات الاحتكارية لم يجر تفكيك هيمنة الدولة على القطاع العام النفطي رغم خصخصة بعض أجزاءه لكونه شكل ولا زال الركيزة الرئيسية لإدامة هيمنة النخب الحاكمة في دول الشرعية القبلية .
ثانياً : ـ سيادة الروح القبلية وشدة الروابط الأسرية للنخب الحاكمة فضلا عن ملكيتها للثروة الوطنية أبطأ سير التغيرات الاجتماعية والسياسية في دول الشرعية القبلية.
ثالثاً: ــ رغم ارتباط دول الشرعية القبلية بالمنتجات التكنولوجية الحديثة التي أنتجتها الموجة الجديدة من التطور العلمي والتكنولوجي إلا إنها لم تتأثر بمنتجات الليبرالية الجديدة الفكرية السياسية خاصة ما متعلق بإعادة بناء شرعيتها السياسية انطلاقا من الديمقراطية وحقوق الإنسان .

ثالثاً : ـ الحركة الديمقراطية العربية وآفاق تطورها

ان تحليل طبيعة النظم السياسية العربية وتحديد سمات القوى الاجتماعية الفاعلة فيها يشترط بناء إطار فكري يحيط بآفاق تطور سلطة الدولة العربية في الطور المعولم من التوسع الراسمالي وبهذا المنحى نحاول استشراف أفاق التغيير الديمقراطي انطلاقا من المواقع التي تحتلها القوى الاجتماعية المناهضة للتهميش واحتكار السلطة في الدول العربية عبر الدالات التالية : ـ
ــ يسعى الطور المعولم من التوسع الراسمالي الى بناء عوامل إلحاق الدول العربية بالتكتلات الدولية ومنعها من التحول الى دول ديمقراطية قوية تستند بنيتها السياسية على توازن مصالح مكوناتها .
ــ تهميش الدول العربية و إلحاقها بالتكتلات الاقتصادية يشترط تفكيك التشكيلات الاجتماعية من خلال بعثرة قواها المنتجة بعد تحول الاقتصادات العربية الى اقتصادات استهلاكية غير منتجة تستمد تطورها من أنشطة الاستيراد والوكالة فضلا عن تطور قطاع الخدمات المرتكز على الملكية العقارية .
ــ مباركة المراكز الدولية الكبرى استثمار المطالبات الشعبية بإعادة بناء الشرعية الوطنية للنظم السياسية العربية يتناسب ومصالحها الإستراتيجية المرتكزة على مساندة القوى الطبقية الناهضة والمتحالفة شركاتها الدولية .

استنادا الى تلك المؤشرات العامة يواجهنا الإشكال التالي : هل ان مساندة الخارج لعمليات بناء النظم السياسية العربية يفضي الى التوافق الاجتماعي وانهيار مستلزمات الكفاح الوطني الديمقراطي ؟.

محاولة الإجابة على ذلك الإشكال الكبير تكمن في الموضوعات التالية : ـ
1 : ـ رغم تهميش القوى الطبقية المنتجة وتفكك منظماتها النقابية وقواها السياسية بفعل سياسة الخصخصة واقتصاد السوق إلا ان رقعة النزاعات الاجتماعية تتسع بشكل كبير بحيث تضم قوى اجتماعية جديدة بسبب اتساع الاستقطاب الاجتماعي واستحواذ القوى الحاكمة على السلطة السياسية والثروة الوطنية.
ـــ تفكك شرعية النظم السياسية المرتكزة على احتكار السلطة والأخذ بإصلاحات شكلية عبر الشرعية الانتخابية يشكل مرحلة انتقالية نحو الشرعية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة السياسية الامر الذي يتطلب تشكيل جبهات اجتماعية واسعة متعددة الطبقات الاجتماعية والسياسية تستمد كفاحيتها من ركائز عامة وشاملة أهمها: ـ
1 : ـ إعادة بناء الدولة على اساس الشرعية الديمقراطية المتضمنة التداول السلمي للسلطة ، فصل السلطات ، حرية الرأي وطلاق الحياة الحزبية والمرتكزة على الشرعية الانتخابية .
2 : ـ إعادة دور الدولة الاقتصادي المتمثل بصيانة ثروات البلاد الأساسية والمشاركة الفاعلة في بناء القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الخدمية .
2 : ـ ربط الإصلاح السياسي الديمقراطي بإصلاح اجتماعي يستمد فعاليته من شبكة ضمانات اجتماعية تخفف من حدة الاستقطاب الاجتماعي المتنامي في الدول العربية .

الهوامش : ـ
1 : ـ بعد إقدام الدول الكولونيالية على اقتسام الدول العربية وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو 1916 وتخفيفاً لمطالبة شريف مكة الحسين الكبير بدولة عربية مركزية واحدة، جرى إنشاء دول وراثية في العراق والأردن
2 : ـ لوتسكي تاريخ الأقطار العربية الحديث دار التقدم موسكو دون سنة نشر



#لطفي_حاتم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة الخارجية لمراكز الهيمنة الدولية
- الدولة الوطنية في فكر اليسار العربي
- العولمة الرأسمالية وفكر اليسار الديمقراطي
- الشرق الأوسط وتغيرات السياسة الدولية
- السلطة والتغيرات الاجتماعية في العراق
- الشرعية الانتخابية ودولة الموازنة الطائفية*
- المعارضة المسلحة وبناء الدولة العراقية
- النزاعات الإقليمية وأزمة العراق السياسية
- موضوعات حول حزب اليسار الانتخابي
- العولمة الرأسمالية والمسألة القومية *
- الاستراتيجية الامريكية والقوى الإقليمية الناهضة
- التشكيلة العراقية وتغيرات بنيتها السياسية
- الدولة العراقية وسمات بنيتها الطائفية
- الدولة العراقية واستبداد بنيتها السياسية
- التغيرات الدولية والنزاعات الوطنية / الإقليمية
- المنظومة السياسية لكردستان العراق ودورها في العملية السياسية ...
- (العملية السياسية ) وبناء الدولة العراقية *
- إعلان المبادئ والحماية الأمريكية للعراق *
- آليات السيطرة والضبط الاجتماعي في الدولة الاستبدادية
- الاحتلال الأمريكي وتدويل النزاعات الطائفية


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - لطفي حاتم - النظم السياسية العربية وانهيار شرعيتها السياسية