أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بير ممو عثمان ‏ - طاؤوس ملك















المزيد.....



طاؤوس ملك


بير ممو عثمان ‏

الحوار المتمدن-العدد: 978 - 2004 / 10 / 6 - 07:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ألديانة الأيزيدية بين عبادة أله الشمس والتصوف
بحث مقدم بأللغة ألألمانية إلى معهد الشرق ألألماني في هامبورك
االيوم العلمي المنعقد في مدينة تسلي ـ ألمانيا للفترة من
10- 11/10/2003
الديانة ألأيزيدية هي الديانة التي تحمل الله عبئها إلى ألآن وأن أتباع هذه الديانة يحملون في أنفسهم سرا" سيبقى الى يوم القيامة وحينئذ ستفهم البشرية مغزى هذا السر. رغم ذلك لاينتابنا الخجل أن نكون من أتباع هذه الديانة بل بالعكس فذلك يعني لنا الكثير. لقد كنا وسنبقى ئيزيدييين تراثيين"، فالميثولوجيا ألأيزيدية قد حفرت لها مكانا" بارزا" في أعماقنا. فبالرغم من التناقضات التي احدثتها قدوم الاسلام الى المنطقة في ديانتنا فأننا نفتخر بألإنتماء الى هذه الديانة الكردية العريقة التي تمتد جذورها الى الفي سنة قبل الميلاد حسب المصادرالتاريخية. فينتابني الفرح وأحس بالقشعريرة عندما يتناهى الى سمعي أغنية "غريبو" أو أستذكر نضال " ئيزيدي ميرزا" أو "لافنجي بيري" الذي أستشهد في الحروب الصليبية. أن ألأيزيدي يشعر بأنه أيزيدي عندما يتأكد من شعوره وشعور أتباع ديانته بأنه ينتمي الى المجموعة، فلايوجد روبنسن كرسو ألأيزيدي، كما أن درجة ئيزيديته لاتقاس كما في ألإسلام او المسيحية بالصوم أو ألصلاة أو زيارة الحج بل بنقاوة علاقته المباشرة والخاصه مع خالقه طاؤوس ملك، فالفرد ألأيزيدي إذا لم يولد من والدين يزيديين ولم يترعرع الى سن الثامنة عشر من عمره في أحضان ألأيزيدية التقليدية بما فيها الشعور بألأنتماء الى المجموعة وتقديس ما هو متداول لا يمكن أعتباره أيزيديا" وإذا إستمر الى سن الثلاثين على نفس الشاكلة ولم يتحول الى ئيزيدي تراثي ينتمي الى المجموعة فيعني ذلك بأنه لم يستوعب ألأيزيدياتي إذا".
أن التغيرات المتطرفة التي أجريت على فحوى الديانة ألإيزيدية بعد قدوم الإسلام الى المنطقة تمثل حاجزا" كثيفا"" أمام تاريخ هذه الديانة ويصعب تسليط ألأضواء على الفترة التاريخة قبل قدوم ألإسلام الى المنطقة. لكن أغلبية ألآراء تتفق بأن هذه الديانة كانت ديانة الكرد القديمة قبل ألإسلام. وبالطبع كان لها أسم آخر غير ألأيزيدية وبطبيعة الحال كانت لهم عادات وتقاليد أخرى لازالت آثارها باقية عند ألأيزيديين وعند الكثير من الكرد المسلمين كقدسية يوم ألأربعاء والنور وأخ ألآخرة.
من الحقائق المسلم بها في المجتمع الشرقي هي أن موضوع الدين مثل موضوع الجنس كلاهما من المواضيع التي يحظر البحث والنقاش فيها مع انهما من اكثر المواضيع التي تشغل بال النخبة المثقفة وان التحدث حولهما يجب أن لا يتجاوز المقاييس والاطر المرسومة لهما من قبل المجتمع والتي تصب كلها في خدمة منافع الطبقة الحاكمة ومصلحة إستغلال ألأتباع. وهذا يعني بأن ألناس لا تتحدث عن الدين أو الجنس خوفا" من ألله بل من الفئات المتسلطة. وهذه الظاهرة تتجلى بكل وضوح عند ألأيزيديين.، فالأيزيدي الذي يتبع خطى والديه بشكل عمياء في أطاعة كل شي وتطبيق الدين بشكل تقليدي يعتبر عنصرا" جيدا" على ألرغم من أن الكثير من العادات والتقاليد دخيلة على هذه الديانة او مقتبسة من ديانات أخرى. لكن ألأيزيدي المثقف الذي يكشف عن حقيقة ومنبع هذه الطقوس الدينية الدخيلة يعتبر خارجا" على هذه الديانة و لامنتميا لها لانه يشكل خطرا" على مصالح البعض وكذلك ليس من السهل أن تضع مجموعة من العقائد المتمثلة بالأدعية والطقوس الدينية الأخرى موضع ألشك كونها تمارس منذ مئات السنين ويتداولها الاجيال لكن الكثير من ألأيزيديين يجهلون الحقيقة التي مفادها أن ديانة ألأكراد القديمة هذه تأثرت بالدرجة الأولى بالديانة ألإسلامية ومن ثم المسيحية واليهودية . ونحن ألأيزيديين نملك الكثير من نصوص واقوال المتصوفة التي ليست لها ولا لهم اية علاقة بالديانة الايزدية أمثال حسن البصري أو رابعة العدوية أو حسين الحلاج وآخرين.
إن محاولة عرقلة الجهود الرامية الى تحليل الديانة ألأيزيدية هي محاولة لمنع رفع مستوى الديانة من الحالة المثولوجية الى اللاهوتية ( الحالة الدينية العلمية) ومن الجهة الثانية تحاول قلة من حفاظ ألأدعية الدينية تسيير ألامور وفق أهوائهم ومصالحهم، فالدين هو سلاح ذو حدين. لأن الهدف الرئيسي من فكرة الدين هو خدمة البشرية وصقل غرائز الفرد لكن من الجهة الثانية يمكن استخدامه كسلاح لخلق الخوف والقلق لدى المجموعة بهدف استغلالهم لخدمة المصالح الخاصة للنخبة وبهذا الصدد يقول الفيلسوف الأغريقي ديمقراط (القرن الخامس الى الرابع قبل الميلاد) بأن " الخوف من ظواهر الطبيعية الرهيبة يكمن في بنية الدين"

طاؤوس ملك في أدب المختصين بالديانة ألأيزيدية:
لقد أعتبر المختصون بالأديان في الغرب بان الديانة ألأيزيدية هي ديانة متقوقعة أو سرية في منبعها لأنها لا تمارس علنا" من قبل أتباعها . وطبقا لمقايس الغرب فأن الديانة ألأيزيدية تعتبر من المذاهب التلفيقية التي لا تملك بعدا لاهوتيا" حسب المفهوم الغربي لكنها تحتاج الى ذلك بشكل عاجل . أن جوهر فلسفة الديانة ألأيزيدية هي فكرة طاؤوس ملك كأله وليس كأبليس كما يتصوره أتباع بعض الديانات ألاخرى. طاؤوس ملك يفهم كفكرة جمالية يستوعبه ويؤمن به ألأيزيديون فقط أو من يؤمن بها. يعتبر طاؤوس ملك للفرد ألايزيدي كالنار ذو طبيعتين ، فهو مصدر النور والعطاء من جهة لكنه يحرق من يخالف مبادئه. فهو إله الخير والشر في ألآن ذاته، كذلك الفرد ألأيزيدي متكون من عنصرين: الخير والشر في نفس الوقت، هكذا فأن كل ايزيدي يحمل في نفسه شئ من طاؤوس ملك. ويعتقد الكثير من علماء الدين بأن " ئيزدان" في الديانة ألأيزيدية يمثل "زورفان" في الديانة الزرادشتية ، فمن ألأله زورفان ولد "أهورا مزدا" إله الخير وفي نفس الوقت " أهريمن" إله الشر والظلمات. وأن زورفان خلق إلهين ذوا جبروت غير محدد مستمران في الصراع ضد بعضهما البعض وينتهي الصراع في النهاية لصالح "أهورا مزدا" إله الخير على حساب "أهريمن" إله الشر. وإذا صح ذلك فأن زرادشت خلق إله أهورا مزدا على هيئة طاؤوس ملك وأن أهريمن يمثل "عنكار" أو ألأبليس كما ورد في ألأديان السماوية . هنالك مصادر عديدة تؤكد بأن ألأيزيدية كانت متواجدة كمذهب قبل قدوم الشيخ عادي الى المنطقة وكان اتباعها معروفين في المنطقة بعبدة طاؤوس ملك (إله الشمس) وتغيرت التسمية بعد قدوم الاسلام. أن أتباع طاؤوس ملك كانوا يمثلون قوة لابأس بها تعيش خارج حكم الدولة الساسانية. ونتيجة لعدم ولائهم لمبادئ الزرادشية فقد أصدر ضدهم فتوى لأبادتهم لكونهم غير مؤمنين حسبما عرف عنهم أنذاك .
هنالك تيارات كثيرة في الاسلام كالمعتزلة والقادرية تعتقد كاليزيدية بأن منبع كلا الضدين الخير والشر هو ذات ألإنسان وليس الله ، كما أن خلق أبليس يعارض فكرة ألإله الجبار العظيم ، القادر على كل شئ. وإذا أفترضنا بأن الله القدير خلق أبليس بذاته فهذا يوميء إلى ألإعتقاد بأن ألأعمال الشريرة نابعة منه بشكل غير مباشر لأن أبليس، كما يعتقد، هو مسوؤل الشر وبما أن الله قد خلقه فيعني ذلك حتى الشر لا يحدث الإ بمشيئته وهذا يشمل اعمال ابليس ايضا. إن فكرة شيخ عادي والتي تم تطويرها من بعد ذلك من قبل أبن أخيه الشيخ حسن (1194 – 1246 م) استطاعت أن تحصل على نجاح لدى ألكرد ألأيزيدية و الغالبية الساحقة من ألكرد المسلمين لأنهم كانوا من المذهب الشافعي الذي له علاقة مباشرة مع الرسول محمد . يعتبر الشيخ حسن مؤلف الكتابين المشهورين الجلوة و مصحف رش كما أن الرأي المتفق عليه أنه هو الذي وضع الحجر ألأساس للدعوة العدوية وكان يعتبر نفسه مقدسا" متعمدا" في ذلك كي يستقطب الغالبية الساحقة من الأيزيدية الى جانبه للتغلب على والي الموصل آنذك بدرالدين لؤلؤ (المتوفي سنة 1258). ان الشيخ حسن كان ينوي أن يؤسس دولة سياسية لكن لم يتحقق له ذلك عندما تغلب عليه بدرالدين لؤلؤ الذي كان على المذهب الشيعي وبعد فترة قصيرة من ذلك قتله .
أن رمز جمال أبليس أو عزازيل وأحيانا" يسمى أسرافيل هو بمثابة شعار للملك طاؤوس بهيئة علم. عندما حاول الشيخ حسن بن عدي بن أبو البركات صخر بن مسافر أن يدشن أفكاره السياسية في إطار دولة دينية قام بوضع تخطيط رمز أو علم لدولته المنوي تكوينها وسمى هذا الرمز "السنجق" الذي أصبح يفهم منه بأنه رمز طاؤوس ملك لاحقا". وحين كان يبعث رمز طاؤوس ملك الى إحدى القرى ألأيزيدية كان الساعي أو المبشر يخبر أهل القرية بأن السنجق سيقدم عليهم في ألأيام ألقادمة لكنه لم يكن يقول بأن طاؤوس ملك سيحل بينكم. أن عدد السناجق كانت سبعة وهي باقية ألى يومنا هذا عند ألأيزيديين وهي بقايا الثورة التي كانوا ينوون القيام بها. أن هذه السناجق المتواجدة بين ألأيزيدين يفهم منها خطا" بأنها رمز طاؤوس ملك .
أن ألله عند ألأيزيدية هو المسؤول عن القوتين المضادتين ويحوى في ذاته عليهما. أن هذه الثنائية المعروفة ألنور والظلام ، الخير والشر يسكنان جنبا" الى جنب مع البعض وهما في صراع دائم. يعتقد ألأيزيديوون بأن طاؤوس ملك (إله الشمس) هو ألإله ألأكبر ولا يحدث أي شئ دون مشيئته. أن ألأيزيدية قبل قدوم ألأديان ألسماوية الى المنطقة كانت تؤمن بعدة ألهة كما كان الحال عند السومريين وألأكديين والبابليين وألاشوريين وكانت بعض هذه ألألهة مسؤولة عن الخير وتقديم المساعدة مثل ألإله شماش وآخرين مسؤولين عن الشر والمعاقبة مثل عشتار أما عند ألأيزيدين فما عدى ألألهة ألصغيرة المسؤولة عن ألامراض وظواهر الطبيعة كان هنالك طاؤوس ملك الذي يحمل في يده كافة القرارات وألأوامر لألهته التي كانت تحت أمره، فطاؤوس ملك هو ألأله ألأكبر الذي يعطي كافة ألأوامر بما فيها الخير والشر. أن الوحدانية التي تم ألإعتراف بها عند ألأديان السماوية من بعد ذلك كانت متمثلة في ألأله ألأيزيدي طاؤوس ملك .
ولهذا لايوجد في الديانة ألأيزيدية رمز أو تسمية خاصة للشر ولا يوجد إله مختص به كما أن النطق أوتسمية ألشر يناقض مع مفهوم الله الذي هو قادر على كل شئ، أما بالنسبة للإنسان فأن ألله قد أوهبه العقل وعلى عاتقه تقع مسؤولية إرتكاب الخطأ والصواب وهنا يكمن الأختلاف الواضح مع فكرة ألأديان العالمية (السماوية) بالنسبة لهذا الموضوع. إن مفهوم فكرة الشر وتقرب الأيزيدين الى هذا الموضوع أدى بالكثيرين الى ألإعتقاد بأن ألأيزيديين يعبدون الشر. أن مفهوم الشر كما ورد في ألأديان السماوية بألإضافة الى قصة الخليقة التي تداولها ألأيزديون بعد قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة وبألأخص بعد حلول شيخ عادي بينهم تطابق فكرة المتصوفة في هذا المضمار حول رفع الحجاز بين الله وألإنسان ، أي فكرة حلول الله في ألإنسان وبالعكس. إن مفهوم الشر كما ورد في الكتب السماوية من التوراة الى ألإنجيل ثم القرآن تختلف عن مفهوم الشر أو ألديوا (أهريمن) المتميز عند الديانة الزرادشية. لكن المفهومين ليس لهما علاقة بألإله ألأيزيدي طاؤوس ملك الذي يمثل إله الشمس وهو إله الثواب والعقاب في نفس الوقت أما كلمة الشر فهي من منتوج ألأديان السماوية كنقيض للخير.
بعد قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة اختلق ألأيزيديون لهم قصة مماثلة لقصة الخير والشر والخليقة لكنها تختلف من حيث الوجهة الفلسفية والوحدانية المتمثلة في الإله القادر على كل شي وبمشيته تجري ألأمور.
وفي إحدى النصوص الدينية ألأيزيدية "به دشا" (ألإله) يتبين مفهوم قصة الخليقة و دور طاؤوس ملك في الكون:
إلهي غفور ، من عنده تأتي القرارات
للأرض وأركانه ألأربعة.
ألهي خلق الكون ، حددها وأتم مفاهيمها
وشاء ان ينعم جنس آدم فيها.
إلهي هو سر السماء ، وهو الليل والنهار والزمان
من عنده تأتي الكرامات.
ألهي هو رب الملائكة، وهو رب ألأسرار الخفية العظيمة
إله ألملائكة العظماء السبعة.

ألهي خلق الكون من الجوهرة والدرة وسلمها الى ألأسرار الأزلية ألسبعة
وجعل طاؤوس ملك يرأسهم.
إلهي هو رب أدم، من عنده تأتي الكرامة
في كل زمان ومكان.

طاؤوس ملك و عزازيل : تقرب صوفي :
إن فكرة طاؤوس ملك ( التسمية ألأخرى لطاؤوس ملك هي عزازيل) وأستخدم هذا المفهوم حسين الحلاج 858-922 م والذي يعتقد بأن أسم أبليس أشتق منه، وفسر الحلاج لفظة (عزازيل) صوفيا": فعينه من علو همته، والزاء لأزدياد الزيادة في زيادته، وألألف آراؤه في انيته، والزاء الثانية لزهدته في رتبته، والياء حين يأوي الى علم سابقته، واللام لمجادلته في لميته
أن هذا التقرب الى موضوع أبليس ومجادلته هو موضوع فلسفي أكثر مما هو ديني في جوهره كما يمكن أعتباره صراعا" سياسيا" يتمثل في تحدي الطبقات ألأدنى للطبقات الفوقية فهو صراع طبقي في جوهره. وبعد حلول شيخ عادي بين ألأيزيدين أصبح هذا الموضوع ألفلسفسي منهاجا" دينيا"أستطاع بعد فترة من الزمن أن يحل محل ديانة ألكرد القديمة، لكن فكرة عزازيل كانت ولاتزال موضوعا" فلسفيا" تحول بسرعة الى معارضة للخلافة ألإسلامية أو للشريعة التي كان يحكم بدستورها الخليفة ألإسلامي. إن الطبقة المناهضة كانت تتمثل بالمعارضين الذين يمكن تسميتهم بالطبقة السفلى ، المغلوب عليها وهي تناهض ضد الطبقة الحاكمة.
لقد ورد ذكر عزازيل في التوراة ويلقب فيها برئيس الملائكة الذي هبط الى ألأرض ثم لقب بألقاب أخرى متعددة. يرجع علماء الدين أسم أبليس وألقابه ألأخرى الى أصل الكلمة اليونانية (Dia-Bolos) والكلمة Dia ترتبط بكلمة أبليس وتعني نفس المعنى وكذلك مرتبطة من حيث المعنى بالكلمة Divine أي المقدس وفي كثير من قصص ألأديان السماوية يوصف أبليس بأنه كان أجمل الكل وأعظمهم وله صفات مشتركة مع الله لأنه أقرب ألملائكة الى الله ومن صفاته أيضا" بأنه نور الله أي نور خلق من نور كضوء شمعة من مثيلها كما أن أتباعه الصوفيين وصفوه بانه يعكس الضوء ألإلهي كالمرآة فلقبوه لذلك ب (لوسيفر Lucifer) أي حامل ألضياء. أن حامل الضياء هذا هو نفسه عزازيل وأحيانا" ملاك الموت جبريل.
وبشكل عام فأن المجادلة اللاهوتية بين الله وأبليس هو الصراع بين قوتي الخير والشر والتي شغلت بال الإنسانية منذ تواجدهم على وجه ألأرض. أن هذا الصراع يكمن في الطبيعة حول البقاء للأفضل كما أنه ورد أيضا" في القصص الدينية القديمة عند المصريين وسكان بلاد مابين النهرين ولدى الصينيين و الهنود الحمر.
ويعتقد بعض علماء الدين بأن التقرب الصوفي لموضوع عزازيل أو طاؤوس ملك كما سمي لاحقا"، هو موضوع فلسفي ولاهوتي في طبيعته. يشير الى طاؤوس ملك بأنه رئيس الملائكة السبعة وهو الوحيد الذي يملك الجبروت المطلق على وجه الأرض. أن أسم عزازيل هو عربي ويعني "الحارث" يعتبر عزازيل من اجمل الملائكة وأشدهم قوة وأكثرهم علما" ومن الناحية الجمالية يمكن إعتباره ظاهرة السمو، أن الله قد منحه الحرية المطلقة بما يعمل على وجه ألأرض. وتعتبر الصوفية بأن أبليس ليس نقيض الله بل هو الوحيد الذي يعرف قيمته ويقدره وأيضا" الوحيد الذي يطبق أحكامه وأوامره على طريق التوحيد وهو سيد الموحدين. لقد رفض السجود لأدم كي لايناقض إرادة الله تعالى. كان حسين الحلاج يصرخ في الناس بأن أبليس أي عزازيل هو سيد الموحدين ، وهو الموحد ألأول على ألأرض وفي السماوات. ففي السماوات نادى الملائكة وألفت نظرهم الى عظمة الله ومعرفته وعلى ألأرض نبه الإنسان باليقضة والتعرف على ألظلام والشر لأنه لولا ذلك لصعب عليه معرفة النور والخير. ويذكر أن أبو الفتوح أحمد بن محمد ألغزالي (المتوفي سنة 1126) وعظ في بغداد وقال بأن أبليس هو سيد الموحدين ونادى على المنبر" من لم يتعلم من أبليس فهو زنديق، أمر أن يسجد لغير سيده فأبى" . أن جميع المتصوفين كان يرفضون لعن أبليس أو تسميته بملاك الشر وكما أنهم كانوا يرفضون تسميته بنقيض الله أو انه خالف أوامره. كان المتصوفة يعتقدون بوجود ديك في السماوات هو ديك العرش، وهو الذي يصيح خمس مرات للصلولت الخمسة وأن المتصوفيين وحدهم يسمعون صياح هذا الديك ويصلون. ولقد سمت الصوفية هذا الديك طاؤوس جميع الملائكة. إن هذه ألآفكار الصوفية انتشرت بين ألأيزديين في حوالي القرن الثاني عشر.
لكن الديانة الايزيدية تختلف عن الديانات السماوية بنقطتين مهمتين في هذا المضمار، أولهما بأن اله ديانة الكرد القديمة وهنا نقصد الايزيدية اله غير شخصي وغير معروف، فالله هو كل شيْ وكل شيْ يحتوي على جزء من الله وكذلك الإنسان فروحه جزء من الكل أي من الذات الإلهية وهنا تنطبق مبادئ النظرية الرواقية Stoicism والتي هي جزء من الفلسفة الهلينستية التي تتضمن الأفكار التوحيدية، فمستقبل الروح حسب الديانة الايزيدية يرسم وراء ما يجري في الطبيعة ولكل ذات وحدته ولكل شي مكانه الضروري من أعضاء الجسد البشري إلى وحدات عناصر الطبيعة، والإنسان ينظر إلى نفسه ومستقبل روحه في إطار الكل. أما حريته في تحديد مستقبل روحه والعمل على تطهيرها كي ترجع إلى الكل بأسرع وقت ممكن تكمن في التمييز بين قدرته وتلك القدرة الكلية، فإرادة الفرد الايزيدي تقع ضمن إمكانياته في استخدام عقله للتحكم بين عواطفه وعقله.
وكل هذا تركز في مبدأ التصوف الذي أتى به الشيخ عادي إلى اتباع ديانة الكرد القديمة ألا وهو تحرير النفس من الأهواء التي تبعدها عن إرجاع الجزء الإلهي إلى منبعه (طاؤوس ملك) كمصدر رئيسي للإله الواحد. أما اله الديانات السماوية حسب الإنجيل والقران فهو شخصي وانه يقف منفصلا عن مخلوقاته فهو في واد وكافة المخلوقات الأخرى في واد آخر وهنالك فقط وسيط ألا وهو يسوع المسيح:
"قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين نذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق. قال له يسوع المسيح: أنا هو الطريق والحق والحيوة، ليس احد يأتي إلى الأب إلا بي ولو كنتم عرفتموني لعرفتم أبى أيضا. ومن ألآن تعرفوه وقد رأيتموه. قال له فيلبس ياسيد أرنا الأب وكفانا. قال له يسوع أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يافيلبس. الذي رآني فقد رآى ألأب فكيف تقول أنت أرنا الأب. ألست تؤمن أني أنا في ألأب وألأب في. ألكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن ألأب ألحال في هو يعمل ألأعمال. صدقوني أني في ألأب وألأب في... إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وأليه نأتي وعنده نضع منزلا". ألذي لايحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني."
(إنجيل يوحنا: الإصحاح 14: 4/25)
وكذلك الرسول محمد له نفس الدور في الديانة الإسلامية وهم يتوسطون بين الله سبحانه وتعالى وبين البشر(مخلوقاته).
أما النقطة الرئيسية الثانية التي تفرق ديانة الأكراد القديمة عن الديانات السماوية هي فكرة تناسخ الأرواح ورجوع الروح تكرارا إلى الجسد حتى يتم تنقيتها ومن ثم تعود إلى الكل. ففي الديانات السماوية يأتي الإنسان مرة واحدة إلى الحياة وعندما يموت يحاسب يوم القيامة أمام الله، وروحه ليست جزءا من الذات الإلهية بل مجرد نفخة إلهية في جسد يبعث للاختبار.
يعتبر الكثير من الباحثين بأن فكرة أبليس هي صوفية المنبع. ويعتقد بعض علماء الدين بأن ألأيزيدية بدأت تنحرف من المبادئ الجديدة بعد موت شيخ عادي إذ كانوا يعتبرونه من المتصوفيين المتطرفين، أما فكرة شيخ عادي حول قصة أبليس والصراع الميثولوجي الذي ذكر في ألأديان السماوية فهي متأثرة بأفكار حسين الحلاج حول هذا الموضوع وبدأ اليزيديون في فترة شيخ عادي ومابعده بحوالي مائة سنة يعتقدون بأن الله سبحانه تعالى كان ينوي أن يمتحن عزازيل وبعدما رفض عزازيل السجود لأدم كافأه الله وجعله رئيسا" للملائكة بعدما أدرك بأن عمله يجسد فكرة التوحيد، ولذا أعتبرت ألأيزيدية في هذه الفترة بأن عزازيل هو سيد الموحدين وأول من أدرك وحدانية الله. ومن بعد ذلك ظهرت فكرة أخرى عن اليزيدين بأنهم يعبدون إله الشر أبليس لأنه مصدر الشر والمصائب وإذا ما عبده ألإنسان ولم يشتمه فأنه سيصان من شروره وهكذا ليس هنالك سبب لعبادة الله إذا ما إستطاع أن يتقي شر إبليس بالسجود له. لقد أعتبر بعض فلاسفة الدين بأن الفكرة هذه مقنعة لأن ألإنسان لايخاف من مصدر الخير ألأ وهو الله بل عليه أن يتقي مصدر الشر بالطاعة والسجود له وعدم تحدي أوامره. لقد أتفق أغلبية علماء الدين بأن أبليس وعزازيل هما نفسهما كما أن عزازيل هو طاؤوس ملك ومن خلال فكرة تناسخ ألأرواح دخلت روحه ئيزيد ومن ثم شيخ عادي على وجه ألأرض، وفي النص الديني الأيزيدي " شيخ عادي شيخي شارا" نسمع:
" شيخ عادي وطاؤوس ملك وسلطان ئيزيد هم ذات واحدة
لا تفرقوأ بينهم
هم الذين يحققون ألأمال"
أن طاؤوس ملك يمثل عند ألأيزيديين في أساسه فكرة الله تعالى (اله الشمس في منبعه) نفسه ولكن بعد قدوم شيخ عادي وأفكاره الجديدة نشأت عند ألأيزيديين الفكرة الجديدة حول الله تعالى وممثله طاؤوس ملك. إن الفكرة الفلسفية حول ألإتهامات الموجه الى أبليس تعتمد على النقاط الثلاثة ألتالية:
1. إستبداده بألرئ على موضوع أوامر الله.
2. حريته ألأختيار في أوامر الله (عدم تطبيق ألأوامر كما جاءت اليه).
3. إستكباره الغير مقنع بالنار أو الضوء ( المادة التي صنع منها) مقابل الصلصال الذي صنع منه قالب آدم.

أما طاؤوس ملك أو أبليس كما تسميه ألأديان السماوية، فيستند تصرفه ألى المعتقد بأنه لايحدث أي شئ في الكون بدون مشيئة الله ويؤكد بأن الباري ربه ورب الخلق أجمعين وهو قادر على كل شيئ فأن أراد شيا" قال : كن فيكن:
وعليه يستند تصرفه مقابل مشيئة الله الى ألنقاط التالية:
1. إن الله كان على علم قبل أن يخلق أي شئ في ألأرض والسماوات بأن أبليس سيعارض أمره فلماذا خلقه؟
2. إن الله خلق أبليس على مشيئته فلماذا كلف الله أبليس بإطاعته فقط ولايسجد لغيره وكان يعلم مقدما" بأن أبليس لا ينسى هذا الشئ فلماذا هذا ألإمتحان العسير؟
3. إن أبليس طبق أوامر الله في إطاعته والسجود له فقط فما كان مقصده بالسجود لأدم بالرغم من معرفته الخاصة بأن أبليس سيرفض ذلك مقدما"؟
4. إن إبليس كان ذكيا" ولم ينسى كلام الله فما معنى اللعنة عليه وطرده من الجنة بالرغم من إلتزامه بالوحدانية أي انه لايسجد إلأ لله فقط؟
5. بعد أن غضب الله من إبليس طرده من الجنة فلماذا أدخله ثانية كي يغري آدم بأكل الثمرة من الشجرة الممنوعة وهكذا أخرج آدم من الجنة مع إبليس ، وإن لم يدخل الله إبليس الجنة بعد طرده لما طرد آدم وحواء من الجنة وكانوا سيبقون فيها خالدين؟
6. ما ذنب البشرية من شر إبليس إذا سلط عليهم الله هذا ألأذى غير المرئي، فلماذا لايزيله الله حتى ترتاح البشرية من شره والله قادر على كل شئ. فهو يخرجه من الجنة مرة ويدخله من باب آخر ثانية ثم يسلطه على بني آدم، وماذا يعني الله بأستمهاله لأبليس الى يوم الآخرة؟
فلو كان الله قد أزال هذا الشر من البداية لأرتاحت البشرية وأزال الشر من الكون وكان قد عم ألأرض خيرا" فقط بدلا" من إمتزاجه بالشر ألأبدي، ولكن الله ينبه البشر فقط من هذا الشر بالرغم من قدرته على إزالة هذا الشر الخطر كما في سورة البقرة ( ألأية 161).
لكن الظاهر من الكتب المقدسة حول موضوع إبليس بأن موقفه كان سليما" لأنه تصرف بمشيئة الله وهكذا كان موقف المتصوفة منه من أمثال: جنيد البغدادي وحسين الحلاج وأبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي وعدي بن مسافر...غيرهم.
يعتبر شيخ عادي من مؤسسي الدعوة العدوية ولقد سمي أتباعة بالمريدين، وبعد إنتشار الإسلام في المنطقة أمتزجت ألأفكار الصوفية وألأديان السماوية بألإعتقاد ألأيزيدي القديم وألذي كان معتقدوه منتشرين في كافة أنحاء كردستان. يعتقد ألكثير من الباحثين بأنه حتى فكرة تناسخ الارواح أخذها ألأيزيديون عن طريق الدعوة العدوية. أما الشيخ عادي نفسه كان يؤمن بأن الله لايمكن أن يخلق قوة تساويه في المقدار وتعاكسه في ألإتجاه. ففي كتابه: إعتقاد أهل السنة والجماعة، يقول شيخ عادي بأن الله مصدر كل شيء وأن الضلالة والهدى من إرادة الله ويستند بذلك الى قول الله تعالى " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا" حرجا" (سورة ألأنعام ، آية 125). وفي موضوع " رب يسر ولاتعسر" تحت الرقم (5) : دليل ثاني يقول: " لما روي عن النبي (ص) أنه قال: " سيكون من أمتي قوم يكفرون بالله وهم لايشعرون" قيل: يارسول الله كيف يقولون؟ قال: "يقولون الخير من الله والشر من إبليس ومن أنفسنا ثم يقرؤون على ذلك القرآن، فيكفرون بالله والقرآن". وتحت الرقم (6) دليل ثالث: أن الشر لو كان بغير إرادة الله لكان عاجزا" والعاجز لايكون إالها". لأنه لايجوز أن يكون في داره ما لا يريد، كما لا يجوز أن يكون في داره ما لا يعلم. وتحت الرقم (7) دليل رابع: ما روي عن النبي (ص) أنه قال: "لو أراد الله أن لا يعصي ما خلق إبليس" ولأنهم فتكوا في الكفر فجعلوا إرادة إبليس وأنفسهم أقوى من إرادة الله تعالى، فقالوا: أراد إبليس المعصية فوجدت وأراد الله أن لا تكون فكانت، فجعلوا إبليس وأنفسهم أقوى من الله تعالى.
أما عن موضوع ألحية وأرتباطها بأبليس والطير طاؤوس ففي العقائد القديمة هنالك إرتباط وثيق بين إبليس وطير الطاؤوس والحية فتذكره قصص ألأديان كما في المسيحية وإعتبرت الحية معبودا" أبليسيا" وفي ألأصحاح يسمى إبليس بالحية القديمة الذي يضلل العالم. وهنالك حديث منسوب للإمام علي يقول: "قلت : يارسول الله ــ فتلقى آدم من ربه كلمات ــ فما هي الكلمات؟ قال: ياعلي إن الله أهبط آدم بالهند، وأهبط حواء بجدة، والحية بأصبهان، وإبليس بميسان ولم يكن شيئ في الجنة أحسن من الحية والطاؤوس، وكان للحية قوائم كقوائم البعير فدخل إبليس في جوفها فغر آدم وخدعه ، فغضب الله على الحية وألقي عنها قوائمها وقال: جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك، لارحم الله من رحمك."
كل ذلك يدل بأن الميثولوجيا القديمة خلقت إرتباطا" بين رئيس الملائكة عزازيل وطير الطاؤوس والحية إذ يوصفون من قبل علماء الدين بأنهم المتأمرون الثلاثة، خاصة عندما أراد إبليس أن يدخل الجنة لأغراء حواء وآدم فذهب الى الطاؤوس وكان سيد طيور الجنة ليتحايل عليه كي يدخله الجنة فدله على الحية لأنها أقدر على ذلك وكانت صديقة لأبليس فأدخلته في فمها بدون علم الخزنة الى الجنة وأغرت حواء بأكل الثمرة الممنوعة.
لكن كل هذه القصة وتفاصيلها لم تكن معروفة عند ألأيزيدين قبل قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة وأقبلت لديهم واصبحت معروفة عندهم عن طريق المتصوفة الإسلاميين في حوالي سنة 1120 م وما بعدها.

طاؤوس ملك إله الشمس:
إن مابقي عند ألأيزيديين من التراث الديني يتمثل بألأقوال الدينة الشفوية ذا مغزى فلسفي حول ألإله (طاؤوس ملك) ومستقبل الروح. إن مايتداوله ألأيزيديين من تراث ديني شفوي يبدأ غالبيته بعد قدوم شيخ عادي الى المنطقة حوالي (1120 م) مستثنيا" من ذلك ألأعياد ألقديمة التي يرجع تاريخها بحوالي 1000 الى 2000 سنة قبل الميلاد وهذا هو تاريخ فلسفة الديانة ألأيزيدية من الناحية التاريخية أيضا". أن ما بقي متداولا" عند ألأيزيديين من أفكار فلسفية تتعلق بالله ومصير الروح هو إمتداد تطوري ونسيج من التاريخ قبل مجيئ ألإسلام الى المنطقة وبعده. ولذا لايمكن إعتبار قبول ألأفكار الصوفية والفلسفية الجديدة التي ظهرت في المنطقة بعد ظهور ألإسلام بأنها حدث منفصل عن مجرى حياة الكرد ، فهذه ألأفكار التي باركها الايزديون لم تكن إسلامية صرفة بل قريبة عن مجمل تفكيرهم السابق حول طبيعة البشر وتقربه الى آلههم ألأكبر طاؤوس ملك وألآلهة ألأخرى (خودان) التي كانت تابعة سلطتها الى ألآله ألأكبر طاؤوس ملك.
إن الصوفية كانت تنادي بالزهد والقناعة وترتكز على مبادئ الفرد ذاته. إن الفرد كان نقطة أهتمام المتصوفة كما أن علاقته بإلهه كانت علاقة مباشرة حسب إعتقاد المتصوفة، كل هذا كان يتطابق مع مبادئ الديانة الكردية القديمة وبألأخص ألأيزيدية. إن مركز ثقل ألأفكار الجديدة ألتي قدمت الى المنطقة حينذاك كانت مرتكزة على أشكال متعددة من المعرفة عن إله ألأديان السماوية الجديد، بما في ذلك من علاقة هذا ألإنسان الضعيف بألإله الجبار إضافة الى التعاليم الجديدة عن معرفة الطبيعة ومركز ألإنسان ودوره ومسؤلياته في هذا الكون. إن الفكرة ألأساسية للتعاليم الجديدة التي قدمت المنطقة والتي كانت ترتكز عليها ألأديان السماوية هي فكرة التوحيد كعقيدة إيمانية وكإطار إجتماعي. أما بالنسبة للأيزيديية فتمثلت بإله واحد "إله ألأديان السماوية" كبديل من عبادة عدة آلهة مبتدا" باله الشمس (طاؤوس الملائكة) ومنتهيا" بالألهة المختصة لكل مرض ولكل ظاهرة من ظواهر الطبيعة. إن هذه الفكرة الجديدة قلصت دور الفرد وعززت في نفس الوقت دور وسلطة الرئيس الديني خلافا" لما كان عليه سابقا" في المنطقة. فبعد قدوم ألإسلام الى المنطقة التي كانت تقطنها أتباع ألديانة الكردية القديمة إختلفت طريقة تفكير وتحليل أتباع هذه الديانة للكون والخليقة رأسا" على عقب. لقد إتخذ طريقة تفكيرهم طابعا" يميز الظروف التاريخية لتلك المنطقة، فبعد قدوم ألإسلام وفلسفة التصوف عن طريق شيخ عادي، إنشغل أتباع هذه الديانة اللذين لم يدخلوا ألإسلام علنا"، بهذه المفاهيم والتقربات الجديدة لله والكون والروح. لقد أفرزت طبقة من الشعراء المتصوفة مبدعي ألأناشيد الدينية ألأيزيدية والمتعلمين الذين قدموا الى المنطقة بصحبة الشيخ عادي فرضت نفسها على البقية الباقية من أتباع ديانة ألكرد القديمة، التي كانت تساير الظروف التاريخية للمنطقة حين ذاك ولا تعارض المبادئ ألأساسية للخلافة في حينها بغض النظر عن التعاطف السري مع أسلاف خلفاء الحين. إن جمهرة هؤلاء الكتاب والمفكرين المتصوفين الذين قدموا مع الشيخ عادي ومن بعده بحدود 100 سنة لم يكونوا جميعهم من أصل كردي أو من أهالي المنطقة بل إستوطنوا هناك وأصبح لهم مريدون موالون، تتبعوا سيرهم وتعاليمهم ومهما يكن من أمر ألأيزيديين ألأوائل قبل ظهور وإنتشار ألإسلام في المنطقة فأنهم لم يكونوا ساذجين من الناحية الفكرية (نقصد عبادة إلهم، أله الشمس") ودفن الموتى ومايرافقها من مصير الروح ومصدر الخير والشر. إن روؤساء الطائفة الدينية للأيزيديين تقبلوا أفكار الشيخ عادي وأتباعه لأنها كانت قريبة من فلسفتهم الدينية القديمة وكذلك لأن ألأفكار الجديدة لم تمنعهم بالإستمرار في تقديس ومزاولة عاداتهم الدينية القديمة بما فيها ألأعياد والمراسيم. إن بعض المحاولات التي جرت بعد شيخ عادي من قبل أولاد أخيه وأتباع العائلة حول وضع حد فاصل لتاريخ ألأيزيدية مبتدا" بقدوم شيخ عادي ودفن ما قبل ذلك من التراث الديني كانت محاولة لم يكتب لها النجاح لحسن حظ أتباع هذه الديانة ، وإلا لأندثر ما نفتخر به الى ألآن.
إن عبادة الشمس لم تنتقل الى ألأيزيدية عن طريق العبادات البابلية بل أنتقلت اليها من العبادات ألأيرانية (ألمثرائية) وذلك لأن ألأخمينيين بعد أن أحتلوا بلاد بابل أخذت الديانات ألأيرانية تؤثر في الديانات البابلية. أما بعد قيام الدولة الساسانية فقد جرت محاولات لإرغام كافة الشعوب الغاضعة لها على إعتناق الديانة الزرادشية التي كانت ديانتها وتحكم بها ، والتي تعتبر من الديانات الأولية في المنطقة التي مزجت نظام الدين والدولة وعززت بها مواقع رجال الدين. أما ألأيزيديين فقد سمحوا لهم بمزاولة طقوسهم الدينية بسبب عبادتهم الشمس والنور. كما إقتبست الزرادشتية فكرة طاؤوس ملك (إله الشمس) منها، وخلقت بموجبه إله الخير الزرادشتي أهورا مزدا. وبالمقارنة يتضح بأن كل من طاؤوس ملك و أهورا مزدا لهم نفس الواجبات والسلطة مع الفرق بأن طاؤوس ملك هو إله العقاب والثواب أما أهورا مزدا فهو إله الخير فقط وفي صراع دائم مع إله الشر أهريمن.
وفي علم الفلك فأن الكوكب السيار عطارد ويومه هو ألأربعاء، "شاب يركب طاؤوسا"، بيمناه حية وبيسراه لوح يقرؤه". وعند ألأيزيديين فلازال يوم ألأربعاء هو اليوم المقدس لديهم ويقابل الجمعة عند ألإسلام وألسبت عند اليهود وألأحد عند المسيحيين ، ويعتقد ألأيزيديون بأن هذا اليوم هو يوم طاؤوس ملك، وهو اليوم الذي خلق فيه ذاته، وخلق بدوره ألكون. ويظهر تأثير هذا جليا" بصورة الحية التي لازالت مرسومة على جدار المدخل الرئيسي لمعبد ألأيزيديين في لالش.
ويذكر علماء الدين بأن تسمية طاؤوس ملك إنما تطلق على الملائكة التي تتوسط وتنقل اوامر الله الى البشر، ففي ألأديان السماوية يطلق على جبرائيل طاؤوس ملك ، أما عند ألأيزيديين فيطلق أسم طاؤوس ملك أحيانا"على عزرائيل وبألأخص على تلك الملائكة التي تحمل الصفات ألإلهية، وحدث كل ذلك بعد قدوم ألأديان السماوية الى المنطقة وبتأثير مبادئ التصوف بين ألأيزيديين عن طريق الشيخ عادي.
وفي تاريخ ألأديان تبين بأن الشعوب التي كانت تعبد الشمس كانت ترمز لها بأنواع متباينة من الطيور، فعند المصريين القدماء كان الباز رمزه وعند الأغريق الوز وعند الهنود طير النسر ، أما عند ألأيزيديين فكان ولازال طير الطاؤوس رمز إله الشمس وأنقلب تسميته بمرور الزمن وبتأثير ألأديان ألأخرى الى الملك طاؤوس. أما في الديانة الهندية القديمة فيرمز طير الطاؤوس الى إله الشمس وهناك إشارة تاريخية الى أن الطاؤوس لم يكن موجودا" في وادي الرافدين بل جاء على هيئة ضريبة من الهند، ففي ألألف ألأول قبل ألميلاد يصف الحاكم ألأشوري توكلتي ئبيل ئيسار (745-727 ق م) بأن من بين ضرائبه "طير سماوي أجنحته ذا لون إرجواني" وكان هذا الطير هو طير الطاؤوس الذي موطنه من الهند ولم يكن من قبل ذلك معروفا" في وادي الرافدين.
إن تعدد ألوان وجمال طير الطاؤوس أدت بالايزديين الى ربطه بالملك طاؤوس وجعله رمزا" له لمطابقته مع منبع الفكرة الفلسفية المثرائية التي قدمت على ألأيزيديين حوالي 2000 سنة قبل الميلاد من الهند الى كردستان، لذا ليس هناك تعارض في أرتباط طير الطاؤوس بأله الشمس ألأيزيدي طاؤوس ملك. ويدعم رأينا هذا علماء الدين كما في النص الأتي:
" إن طير الطاؤوس يغير ألوانه مع مدار الفلك ألأشعاعي. هنالك شكل بشري في جسد كل طائر منه. ولقد قيل بأنه يحمل معه جسد مصقول من الجنة. ومن المرئي هناك رمز الشمس المتكرر في هذا الحافز ومعه طير الطاؤوس، يظهر منه آله الشمس كان يلعب دورا" مهما" في عبادة المنصرمين"
إن طير الطاؤوس كان معروفا" لدى لاكرد قبل مجيئ ألإسلام كرمز لإله الشمس لأن عبادة الشمس كانت سائدة في المنطقة:
" ولابد من ألإشارة الى أن عبادة الشمس كانت سائدة بين عديد من الشعوب القديمة منها الهندو – أوربية كالهندوس والفرس والكرد. يقول (لانكلة: M. Langies ) المستشرق الفرنسي أن الشمس التي ترى على النقود ألايرانية القديمة آتية من عبادتها من العصور السالفة ويضيف كسروي بأن الطاؤوس كان يحتل أحيانأ" مكان الشمس هذا على تلك النقود."
أما بالنسبة الى ألأيزيدية وإستنادا" الى قصائدهم الدينية الشفوية فيعتبر طاؤوس ملك ألإله الوحيد الذي له كافة السلطات العليا ويتجلى ذلك في النص الديني ألأتي "به دشايى مه ن :
"طاؤوسي هو رئيس كافة الملائكة
هو خالق ألأرض والسماوات
هو نفسه السلطان شيخ عادي
يتجلى ذاته بوضوح

طاؤوسي هو رئيس كافة ألملائكة
هو خلق إثنان وسبعين ملة
و ثمانين ألف مخلوق
قبل ألأرض وقبل ألسماوات
كان الله موجودا" وهو نور ألأنوار

ومن قدرته خلق ألكون
وألأرض والعرش وألأيمان
وسمي نفسه طاؤوس الكائنات"
وفي قول ديني آخر:
أن ألجبار العظيم لقب نفسه بألف إسم وواحد
لكنه إسمه ألأعظم هو الله.
وبسبب الخاصية المشتركة والباقية الى يومنا هذا حول عبادة طاؤوس ملك فقط فأن ألأيزيديين يعتقدون بأن الشخص ألأيزيدي يولد وفي روحه وجسده شيء من ألإله ألأكبر طاؤوس ملك، لهذا يعتقد ألأيزيدي بأنه منذ الولادة يحمل في نفسه شئ مقدس لكن درجة قدسيته لا تساوي الخالق (طاؤوس ملك)، لكن الخالق هو المصدر الذي يستوحي منه قوته فالمصدر واحد لكن درجة تمويل القوة تختلف نوعيا" وكميا" من فرد إلى آخر وأن تمويل القوة يستند الى درجة العلاقة المباشرة ومدى وفاء الشخص لخالقه ودرجة تحكم عقله في هذه العلاقة. إن دور الفرد يكمن في خلق توازن لا في نفسه فقط بل في الكون أيضا" ، كوسيط بين ألأرض والسماء، لأن مايجري في نفسه من صراع بين أجزاء جسده هي مماثلة عما يجري في الكون بين ظواهرها المتناقضة المتعددة. فحسب تعاليم الديانة الكردية القديمة فإن الفرد يكمن في ذاته المبادئ الروحية للأرض والسماء ومن خلال علاقته النقية بطاؤوس ملك يستطيع الفرد ألأيزيدي أن يوازن بين قوى الخير والشر في ذاته، لأنهما تسكنان في ذاته كما في الطبيعة، جنبا" الى جنب ويستطيع من خلال علاقته المباشرة بإلأله التوازن بينهما ، لذا يكمن ألإنسان في ذاته قلب السماء (العنصر الذكري) وكبد ألأرض (العنصر ألأنثوي) أما فكر ألبشر فهو الوسيط لأيجاد توازن بين العنصرين أي بين ألأرض والسماء ، الخير والشر. أن نور ألإنسان ، حسب المفاهيم القديمة لهذه ألديانة، منبعه من النور ألأصلي طاؤوس ملك ، فهو نور وضياء لمن أهتدى به، لكنه نار يحرق من يعارضه ويخالف أوامره ، فطاؤوس ملك هو منبع ألإثنين يهب ألأرواح ويأخذها، لهذا فالقتل إثم عند ألأيزيديين.
تحت مصطلح ألوحدانية تكمن العبادة لإله واحد وهو ألإله الذي عبده النبي إبراهيم ثم السيد المسيح وأخيرا" النبي محمد كما يفهم بأنه هو نفس ألإله الذي تعبده أتباع الديانات السماوية الموما اليها، ويشبه مركز الدائرة كل ينظر اليه من زاويته، والأيزيدية أيضا" تؤمن بوحدانية الله (مع فارق التسمية) فهو مصدر الثواب والعقاب وأن علاقة الشخص به مباشرة بلا وسيط .
أن أتباع الديانة ألأيزيديية لم يقاوموا أعدائهم اللذين حاربوهم بسبب إنتمائهم الديني، بالعدة والسلاح بل قاوموهم بالمثولوجيا الدينية وأفكار آبائهم وأجدادهم التي لازالت متداولة بينهم. أن فكرة المجادلة الرئيسية مع ألأديان ألأخرى هي فكرة وموضوع طاؤوس ملك. إن هذه الفكرة متواجدة لدى ألأيزيديين منذ تواجدهم وإعتناقهم إله الشمس. إن ألشمس كانت تمثل لديهم عين السماء أولا" ومن ثم تغير إلى إله السماء. أن ألنار أو النور كانا مقدسين لدى كافة ألأديان القديمة قبل وصول ألأديان السماوية الى المنطقة بإعتبارهما من ألأشياء الدالة لرمز ألله على وجه ألأرض، ولازال ألأيزيديون يولون بوجوههم نحو النور، نور الشمس، أو نور ألنار.. عند إداء ألصلاة وهما مقدسان عندهم، إذ يحلفون بالنار أو نور الشمس عند الضرورة لأنهما رمز الله على وجه ألأرض حسب المعتقد القديم لكنه لازال يستخدم وخاصة لأداء الصلاة لأنها مرتبطة بنور الله (أو بضيائه) ، أما في الليل فيتوجهون الى النجوم. وفي معبد الشيخ عادي تشعل الشموع في النهار أيضا" وهكذا فالنور والضياء شيئان مقدسان لدى الشخص ألأيزيدي، أما في بيوت الشيوخ والبيرة فتشعل الشموع في أيام ألأربعاء. فالضوء هو نور الله أو "طاؤوس ملك" لدى ألأيزيدية. أن هذه الفكرة تطابق فكرة زرادشت عندما خلق إله ألخير أهورا مزدا ألذي يشبه طاؤوس ملك في قدراته. أن الفكرة التي تبناها ألأيزيديون من ناحية عبادة ألإله ألواحد هي نفس الفكرة التي أرتكزت عليها ألأديان ألسماوية حول ألإله الواحد.
إن فكرة عبادة الشمس عند ألأيزيديين لها وجه التشابه لدى ألديانة ألمثرائية ألتي قدمت الى كردستان حوالي 2000 (ألفي) سنة قبل الميلاد والتي كانت ديانة أوربا حوالي 300 (ثلاثمائة) سنة بعد المسيحية أيضا". أن ألإله مثرا كان ألإله ألأسمى للملائكة ألأخرى (خدان) ، كما أن مثرا و أهورا مزدا (إله زرادشت) كانا في سلطتهم يشبهان سلطة طاؤوس ملك (إله الشمس). أن كلا من مثرا وطاؤوس ملك كانا يمثلان خالقي كافة الكائنات على وجه ألأرض وكلاهما مرتبطان بالشمس ولهذا فهي مقدسة عند ألمثرائية وألأيزيدية. كما أن عيد "ئيزي" لدى ألأيزيديين كان يصادف في منبعه 25 كانون ألأول حيث تشعل الشموع في المعابد، وهو نفس اليوم الذي كانت تحتفل به المثرائية كعيد ميلاد مثرا وأنتقل منهم الى ألمسيحية. أن أليزيدييون يصومون ئلاثة أيام في شهر كانون ألأول ويسمونه "صوم ئيزي" وهي "صوم طاؤوس ملك" نفسه لأن إلههم هو طاؤوس ملك وتعتقد ألأيزيدية بأن طاؤوس ملك خلق نفسه في يوم ألأربعاء في 25/كانون ألأول ولهذا يصوم ألأيزيديين يوما" قبل خلقه وهو ألثلاثاء ويوم خلقه ألأربعاء ويم ألخميس بعد خلقه بيوم آخر ثم يأتي ألعيد أو ألإحتفال. وبسبب تغير الزمن خلال ألأربعة آلآف سنة المنصرمة وتأثير ألإسلام عليهم تصوم ألأيزيدية أيامها ألثلاثة في بداية شهر كانون ألأول من التقويم الشرقي ألأسلامي لكن الحقيقة ألزمنية لازالت بارزة للعيان إذ أنه في إحدى هذه ألأيام (يوم ألأربعاء) تظهر الشمس أقصر فترة في السنة كلها (ألإنقلاب الشتوي) وكانت الأيزيدية تعتقد بأن الشمس تولد في هذا اليوم ثم تنمو وتكبر من بعد هذا اليوم تدريجيا".
إن طبيعة الفرد ألأيزيدي هي نتاج إنعكاس ديانته عليه، ففي الديانة ألأيزيدية لاتوجد ثنائية جازمة بين الخير والشر لأنهما من مصدر واحد، أما الجانب الآخر من ذلك فهو العقل البشري ألذي يميز بينهما ويختار الصالح أو الطالح وفي المسيحية يهدي السيد المسيح أتباعه الى الطريق الصحيح وفي الإسلام يهدي الرسول محمد أمته. وفي الديانة ألأيزيدية أن الروح البشرية تنبع من بذرة ألهيه لكنها تدخل جسدا" بشريا" وأن هذا الجسد البشري (القلب واللسان والعين) هما أساس ألإنحراف الى السوء أن لم يتحكمهم العقل المنير.
إن فكرة ألأيزيدية حول ألأديان السماوية والله وموضوع إبليس هي أن الله هو مصدر كل شيئ ولا يحدث شيئ من غير مشيئته فهو مصدر الثواب والعقاب ، مصدر النور والضلام وباعث الحياة والموت كما أن فلسفة الديانة ألأيزيدية تجادل بأن أي تناقض في الثنائيات الموما اليها أعلاه تناقض فكرة التوحيد التي نادى بها المتصوفة أما الحقيقة ألأخرى المتداوله بين الأيزيدين حاليا" هي أنهم لم يبعدوا أنفسهم مما جاء في الكتب السماوية التي كانت منتشرة في كافة أرجاء كردستان. كان الموقف في كردستان آنذك يشبه الوضع في أوربا خلال العصور الوسطى. يقول أنجلز في هذا المضمار "إن الفكرة المنتشرة في أوربا خلال القرون الوسطى كانت فكرة رجال الدين والقساوسة ولذا كان رأي الكنيسة هو المسيطر وألأساس في التفكير والنشر آنذاك لذا كان محتوى ألمنشورات القانونية والعلمية والفلسفية مطابقة مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية آنذاك".
وهكذا كان موقف الديانات القديمة ومنها ألأيزيدية إذ بالرغم من معارضتها للخلافة والشريعة ألإسلامية ألإ أن نظرتها وتقربها للإله الجديد (إله ألأديان ألسماوية) كان ضمن إطار القرآن. إن ألغالبية ألساحقة من أتباع ديانة ألكرد ألقديمة أعتنقوا ألإسلام لكنهم إحتفظوا بالكثير من العادات والتقاليد الدينية القديمة والتي لاتزال تمارس الى يومنا هذا ، نذكر ذلك على سبيل المثال ما أورده أحمدي خاني في ملحمته مه م وزين من شرب الخمرة وأخ ألأخرة (براي ئاخرتي) وذكر الموتى وإخراج طعامهم لمدة سنة بعد موته.
وبقدوم ألأديان ألسماوية الى المنطقة إنتصر الإله العالمي الجديد ـ الذي لا يحدث شيْ إلا بمشيئته ـ الجبار العظيم على مجموعة الآلهة التي كانت مسؤولة عن عناصر الطبيعة وكل اله مسؤول عن شيْ وهذه الآلهة لا تتدخل في شؤون بعضها، وكانوا بمثابة وزراء في دولة لهم ألههم الأعظم وهو طاؤوس ملك (اله الشمس). أما فكرة الإله العالمي والذي ابتدأ به النبي إبراهيم ثم بعيسى والرسول محمد فهو بطل الحضارة الجديدة وهو الإله السياسي الذي لا يحدث شيْ إلا بعلمه فالفكرة هي إلغاء الآلهة المتعددة وتعويضهم باله واحد على الأرض فله ممثل ألا وهي الكنيسة الكاثوليكية ممثلة بفخامة البابا عند المسيحيين والخليفة الإسلامي الذي تبوأ منصب الرسول (منصبه الإنساني ـ السياسي) يحكم بكتاب الله (القران الكريم عند المسلمين). أما عند الايزيديين فلقد نجحت نفس الفكرة السياسية (الإسلامية) لان الايزيديين كانوا من الأواخر الذين اجبروا لترك عبادة عدة آلهة بدلا من اله واحد معترف به في كل العالم ومن هنا يتبين كيف تحولت الفكرة الرئيسية من العبادة المبنية على الفلسفة الى عبادة ألأشخاص.
أن ألديانة ألأيزيدية هي ديانة وحدانية لكنها تؤمن بالثنائية الموجودة في الطبيعة تلك الثنائية المتواجدة في طبيعة ألفرد نفسه وتكون المقومات ألأساسية للفرد ألأيزيدي، هكذا نستطيع القول بأن الديانة ألأيزيدية وحدانية من حيث إيمانها بطاؤوس ملك فقط لكنها تؤمن بالثنائية من الناحية الفلسفية.
ومع تبلور فكرة الإله الأكبر الذي يقود الآلهة الأخرى؛ تبلورت غريزة الرغبة في السيطرة والجشع عند الفرد. فالإله الأكبر (طاؤوس ملك) الذي لايتم بدون علمه أي شي لا في السماوات ولا في الأرض، فسح المجال أمام رئيس القبيلة ثم العشيرة الكبرى وأمام رئيس الطائفة أو الرئيس الديني لتثبيت مخالب غريزته (الرغبة في السيطرة والحكم) على أفراد اتباع الديانة كافة، فهو الإله الأرضي وان لم يسم نفسه. فبعظمة الإله الأكبر (هنا طاؤوس ملك) ثم الإله الواحد الجبار العظيم في الديانات السماوية؛ تنمو النباتات وتتكاثر الحيوانات ويجري كل ما في الطبيعة بمشيئته ويموت الإنسان بإرادته، فكل ما يدور حول الإنسان يجري بقوة الإله الأعظم. فالرياح تهب بمشيئته وتشرق الشمس وتدفأ الدنيا وتنمو النباتات وتتكاثر الحيوانات كلها بمشيئة و قوة الرئيس الذي يستمد قوته من قوة الإله الأوحد وقد اختاره كي يحكم ويتسلط ويفعل ما يشاء.).
لقد كان الدين في كل ألأوقات والظروف الزمنية الوسيلة التي يستخدمها البشر لخلق أجواء ومصطلحات فكرية تناسب ظروفه الجسدية وألإجتماعية والفكرية. إن مهمة ألكاتب ألأيزيدي المتنور تكمن في كشف حقيقة ديانة آبائه وأجداده بدون خوف أو تردد لأجل جيل سيفتح عينيه قريبا"، وسيرى النور آجلا"؛ كي يرفض ماقد قبلناه على أنفسنا مجاملة لهذا أو ذاك. إن خلق بنية هذا الجيل الجديد الغير مضطهد والنقي يعني خلق أجواء صحية لأستيعاب هذه ألأفكار الجديدة المتنورة. إن جو الخوف والرعب يخلق اناسا مهزوزين ومهزومين وانا على يقين بأن الازدواجية المتأصلة فينا وفي البيئة من حولنا سوف تستمر، والسبب هو بأعتقادي أن غالبية مثقفينا يشربون الخمر ويوعظون بالماء خائفين محافظين على مصالحهم، لكن إذا لم يتماسك المركز ولم يحافظ على سكونه فهذا يعني أنه يوجد خلل في نفسية الفرد أو في المجتمع برمته. إن فقدان التوازن وعدم إستطاعة الفرد على اتخاذ القرار إنعكاس للإضطراب النفسي للمجتمع بأكمله، فالمشكلة ليست شخصية بل مشكلة الحضارة بأجمعها، لكن مشكلة المثقف ألأيزيدي هو أنه يطيع الشر والطغيان لأنهما مرعبان وأولى بالطاعة وألإسترضاء في نظرهم من الصدق والجرأة.
أن على الديانة ألأيزيديية أن تكيف نفسها للإصلاحات الضرورية مع المحافظة على قيمها ألأساسية العريقة .

برلين: 1/12/2003

ألمصادر

1. سامي سعيد ألأحمد: ألأيزيدية ،أحوالهم ومعتقداتهم، بغداد 1971، الجزء ألأول والثاني
2. صديق الدملوجي: أليزيدية، موصل 1949
3. سعيد الديوه جي: أليزيدية بغداد 1973
4. سهير محمد علي الفيل: أليزيدية ، ألمنار/قاهرة 1990
5. محمود الجندي: ماهي اليزيدية ومن هم اليزيديون؟ بغداد 1976
6. الشهرستاني: الملل والنحل، الجزء ألأول والثاني، بيروت
7. أسعد السحمراني: ألصابئة، ألزرادشتية واليزيدية، دار النفوس، بيروت 1997
8. عدي بن مسافر ألأموي الهكاري:"إعتقاد أهل السنة والجماعة"،
تحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي و تحسين إبراهيم الدوسكي السعودية العربية 1998
9. سيد محمود القمني: ألإسطورة والتراث، القاهرة 1993
10. ئميل دوركهايم : مبادئ تشكيل الحياة الدينية، سوركمب،
فرانكفورت ئم ماين، 1998 (بالألمانية)
11. كارل هاينز كولتسيو: المعبد في وادي الرافدين القديمة ومثيلاتها
في الهند، برلين، لايدن، هولندا، 1978 (بالألمانية)
12. جورج حبيب: "أليزيدية بقايا دين قديم"، بغداد 1978
13. كاظم حبيب: ألأيزيدية ديانة تقاوم نوائب الزمان، دار الحكمة، لندن ‏2003‏
14. كنك، ف. ل. المثولوجيا والديانة البابلية، كيكان باول، لندن 1899 (بالأنكليزية)
15. حسين مروة: ألنزعات المادية في الفلسفة ألإسلامية، الجزء ألأول
والثاني، بيروت 1985
16. ممو عثمان: - ألديانة ألأيزيدية من تقديس عناصر الطبيعة الى الوحدانية،
برلين 2000. (مقال)
- علاقة التصوف بالديانة أليزيدية، ده نكي ئيزديا، 6+7 / 1997.(مقال)
17. سرافاستافا ف. س: عبادة الشمس في الهند القديمة ، ألله آباد 1972 (بألألمانية)
18. خدر سليمان: ألملائكة، مجلة لالش ، 18+19 ، دهوك 2002
19. توغاريف سيركيه، ألأديان في تاريخ شعوب العالم،ترجمة أحمد م.
فاضل، موسكو – 1976 م.
20. عبدالرحمن مزوري، تاج العارفين عدي بن مسافر الكردي
الهكاري ليس أمويا"، ألسليمانية – 2001م.
21. يلكوت بريدمن سابينا بانو: شعب الملك طاؤوس، برلين 2001
22. محمد أمين زكي: تاريخ كورد وكردستان، الجزء ألأول 1961



#بير_ممو_عثمان_‏ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه ...
- خريطة توضح ماذا فعلت روسيا بـ5 أشهر من -الجفاف المدفعي- لأوك ...
- الإمارات.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يعلق على لقائه الشيخ عب ...
- السلطات السعودية والإماراتية تتخذ إجراءات عاجلة بسبب الأمطار ...
- هيئة حماية المستهلك: روسيا شهدت انخفاضا بمعدلات الإصابة بفير ...
- زهور برية شائعة لتر ميم الأعصاب التالفة
- صدامات وتفكيك مخيمات محتجين ضد حرب غزة في جامعات أمريكية
- خيام الاحتجاجات بين العراق وأمريكا
- الأردن.. الأميرة رجوة الحسين تتسوق في أحد محال مستلزمات الأط ...
- عرض الغنائم العسكرية الغربية في موسكو يثير ردود أفعال صاخبة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بير ممو عثمان ‏ - طاؤوس ملك