أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الخالق السر - تداعيات ثقافة الفقر وأثرها على سلوك مجتمعات القرن الإفريقي باستراليا















المزيد.....

تداعيات ثقافة الفقر وأثرها على سلوك مجتمعات القرن الإفريقي باستراليا


عبد الخالق السر

الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:25
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


تعاني المجتمعات المتخلفة فيما تعاني من عزلة فكرية وعدم حراك ثقافي نتيجة لعوامل كثيرة أبرزها حالة الانغلاق التي تتلبسها وتجعلها في الغالب في حالة من الغيبوبة بما يدور حولها0 وبما أنها مجتمعات تعلي من العصبيات العرقية والدينية كان لا بد أن يكون تضخم الذات أحد أبرز خصائصها التي تحول بينها والتفاعل مع مختلف الثقافات0

هذا النوع من المجتمعات تتفجر فيه كل كوامن الصدمة الحضارية متى ما تفتقت لحظة تاريخية دراماتيكية قذفت به إلى حضن حضارة أخرى أكثر تميزاً0 وفي هذه الحالة يكون الناتج من هذا التلاقح القسري نمط سلوكي شائه وبائس في أفضل الاحوال0

أسوق هذه المقدمة متأملاً فيما وصل إليه حال مجتمعات القرن الأفريقي المقيمة باستراليا لما له من انعكاس واضح لأثر هذه الثقافة العقيمة على مجمل مكونات الشخصية المهجرية في أبرز تجلياتها كسلوك يومي معاش0
يستشف الشخص المراقب بسهولة أن هذه المجتمعات على المستوى الواقعي لم تستطع أن تبرز ثقافة رفيعة على كافة المستويات الوجودية حتى نستطيع أن نقول أنها تعتبر إضافة متميزة لأستراليا متعددة الثقافات ومن المؤكد أن سعيها المنتظم للانكفاء على نفسها افقدها تقديم أي إسهام حضاري تستطيع أن ترفد به هذا القطر المهجري0 أما على صعيد التأثر بهذه الحضارة القائمة فسوف تجد بكل أسف أن المنتوج يساوي صفراً كبيراً لأن واقع الحال يكشف أن بنية هذه المجتمعات القادمة من أكثر مناطق العالم تخلفاً اقتصادياً لها من ضيق الأفق بحيث أنها لا تستشعر مقدار النقلة التي حدثت لها وبالتالي يقل انفعالها بها ولا تثمر وعياً أو سلوكاً إيجابيا مغايراً لكثير من العادات والتقاليد البالية التي الفتها دون تمحيص أو مراجعة لمردود فائدتها أو قيمة جدوى التمسك بها0 إن الاستمرار في تداول هذه السلوكيات بحذافيرها لهو مؤشر خطير يكشف أول ما يكشف على أنها تعاني من حالة خدر روحاني مفضي إلى بلادة في الحس (والتعبير لمنصور خالد) يضيع معها أدنى أمل في تفعيل خاصية التأثير والتأثر والتي هي المدخل الحقيقي والمؤثر الواضح لمدى قدرة المجتمعات على التطور ومواكبة العصر الذي تنتمي اليه0
في رأينا أن لتمكن ثقافة الفقر في عمق لا وعي هذه المجتمعات بحكم ظروف تاريخية وموضوعية مثل عدم الاستقرار السياسي والحروب الأهلية وفقر الموارد الطبيعية في بعضها إضافة للجهل المستشري الدور الرئيسي في تنامي ظاهرة الإحساس بالدونية والتي تتجلى في التقوقع داخل الذات والاكتفاء برفض الآخر والعمل على تضخيم الموروث الاجتماعي والسعي لتقديسه في محاولة للبحث عن توازن نفسي مطلوب0
هذا النمط من الثقافة الانغلاقية جعل هذه المجتمعات تعيش على هامش الحياة في هذا المهجر لعدم مقدرتها على التعايش وفق شروط جديدة أملتها ضرورة النقلة الزمانية والمكانية المهمة والتي لا ينفع معها دفن الرؤوس في الرمال ، كما أن إحساس الدونية المسيطر يجعل من مبدأ التشكيك في ثقافة الآخر ورميها بالفساد والإفساد بالمطلق لهي المعمقة من أساس الأزمة التي تعاني منها0

تظهر تجليات ثقافة الفقر أول ما تظهر في ذلك التهافت حد الابتذال لإشباع الغرائز البدائية مثل الأكل والملبس والكماليات بشكل يعمل على تكريسها وجعلها محور للحياة وغاية نهائية لسقف الأحلام والطموحات0 لذلك تزول الدهشة عندما تجد أن النمط الحياتي لمجتمعاتنا هذي قائم على المظهرية والتفاخر البدائي الصارخ المعالم في زخم حفلات الزواج والتسابق في اقتناء السيارات الفارهة والبحث عن آخر صيحات الهواتف النقالة، دون أن يصاحب ذلك نضوج عقلي خلاق يساهم في خلق نمط إنتاج حقيقي أو مشاركة فاعلة في هذا الوطن الذي باتوا جزءاً لا يتجزأ منه0 هذا التسابق المحموم لاعلاء الأنا في أضيق نطاقها من خلال تبني هذه القيم المظهرية المتخلفة لهو مؤشر واضح على أن هذه المجتمعات لم تستوعب بعد أبعاد هذه النقلة المهمة التي طرأت على حياتها0
هذا النوع من الانغلاقية لا يسهم بالتأكيد في ردم الهوة الحضارية التي تفصل ما بينهم ومجمل الشعوب والأعراق المكونة للدولة الأسترالية القائمة على المؤسسية والتعددية الاثنية والثقافية، ورغم اهتمام الدولة الظاهر في تفعيل دور هذه المجتمعات حتى تسهم بشكل خلاق في النمو المتواتر للمجتمع الأسترالي، إلا أن تمترسها خلف ثقافاتها وضربها العزلة حول نفسها يقذف بها لا محالة نحو أسفل القاع الاجتماعي كمجموعات لا تحسن سوى أن تعيش عالة على الدولة مكتفية بإعادة إنتاج ثقافاتها الفطيرة وعاداتها البالية. اخطر ما في هذه السلبية على الإطلاق ذلك الضعف الملحوظ لهذه المجتمعات في الإقبال نحو التعليم من حيث أنه يشكل البنية الرئيسية لخلق آلية التفاعل الحقيقي في استراليا، حيث أن الكثير من الأجيال تمثل فاقد تربوي حقيقي لعزوفها عن الانخراط فيه أو من خلال برامج التطوير المهني المفضي إلى التغيير النوعي على المستويين الشخصي والاجتماعي0
ربما يكون لعقدة الدونية واليأس من اللحاق بالركب أو إن شئنا الدقة سيطرة ثقافة الفقر على الوعي الجمعي نصيب وافر جعل من هذه المجتمعات فريسة للأعمال الهامشية، التي لا تسهم في خلق النقلة النوعية أو تعزز من قيمة الرغبة في العمل الجماعي المنظم المثمر القائم على المؤسسية0 وهذا ما يفسر ضعف المردود الجمعي لهذه المجتمعات على كافة الأصعدة الحياتية خصوصا في المجالات الحيوية منها الاقتصادية والسياسية والثقافية وبالتالي يتقازم دورها المؤثر كشريحة من ضمن شرائح البنية الأسترالية المنوط بها المساهمة الفاعلة ضمن حدود هذا المجتمع الواسع الفضفاض0 مثل هذا الوضع لا شك وبمرور الزمن سيضائل من اهتمام أجهزة الدولة بشأن هذه المجتمعات بعد أن تتيقن من فشل إمكانية النهوض بها لاختيارها حياة الهامش بمحض ارادتها0
إن ما يشفع لهذه المجتمعات غير المنتجة حقا وما يبرر صبر الدولة عليها هو قيامها بدور (المفقس) غير الواعي لأجيال أسترالية قادمة ثقافة وهوية خصوصا وأنها لا تملك ما تقدمه لهذه الأجيال من ارث ثقافي حي يصمد أمام هذا الطغيان الحضاري المادي0
وبنظرة استقرائية سريعة لواقع هذا النوع من صراع الثقافات المتجسد نجد أن الشكوك تحوم في أن تستطيع مثل هذه المجتمعات الهشة أن تحافظ على خصائصها وثقافتها على مدى 3 أو 4 أجيال على أحسن الفروض، خلافا لبعض الجاليات الأخرى كاللبنانيين واليونانيين والإيطاليين والكروات والأتراك الذين نجحوا في اجتياز هذا الامتحان رغم مضي وجود بعضهم لأكثر من قرن0 ويبدو أن لرسوخ ثقافتهم وقدرتها على التفاعل الإيجابي الخلاق الدور المهم لخلق إضافة نوعية مؤثرة داخل النسيج الأسترالي وذلك دون أن يذوبوا في ثقافتها الانجلوسكسونية المسيطرة0

لقد نسى أو تناسى هؤلاء الهيابين أن الثقافات كائنات حية تنمو وتتطور في جو صحي بالرعاية والانفتاح على الآخر الثقافي كما يصيبها الموات أو الجمود في أفضل الأحوال متى ما ارتأى لها أصحابها الانغلاق والعزلة0
رغم هذا الحال المزري الذي لا تخطئه العين إلا أن واقع الحال يكشف بكل أسى أن البعض لا ينفك سادر في غيه ودافعاً هذه المجتمعات نحو الخلف بتكريس التخلف والإعلاء من قيم العادات البائرة في إصرار غريب لتعيش نفس النمط الحياتي المتخلف الذي ألفوه دون أدنى اعتبار للمتغيرات الزمانية والمكانية، لذا لا عجب أن تعيش حياة هي الأقرب للصورة الكاريكاتورية منها إلى الواقع المحترم يتجلى ذلك كما سبق وأبنا في التسابق المحموم في اقتناء وسائل الرفاهية دون أن يصحبه تطور موازي في المفاهيم أو ذلك السباق المحموم لتنظيم مناسبات اجتماعية شخصية بشكل بذخي الغرض منه المظهرية والاستعراض حتى وان أدى ذلك إلى الاقتراض بسعر الفائدة، مع العلم أن الغالبية العظمى تعيش عالة على الإعانة الاجتماعية التي تقدمها الدولة يقابله وجود شبه معدوم في مرافق الدولة أو المؤسسات الاقتصادية وغياب شبه كامل داخل أروقة المؤسسات التعليمية وذهول حد الفضيحة عن كافة الفعاليات الثقافية والسياسية والرياضية0 ولا يكتمل هذا المشهد المأساوي دون الإشارة إلى تنامي ظاهرة المذهب الأصولي الوهابي وتغلغله الواضح في بنية هذه المجتمعات ليذهب بآخر بارقة أمل في نهضة لما له من قوة غريبة في الجذب إلى الخلف والعيش بين ثنايا التاريخ0



#عبد_الخالق_السر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مآلات دولة -الطهارة الفرعونية ... وظاهرة الوهابية كافراز حتم ...


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - عبد الخالق السر - تداعيات ثقافة الفقر وأثرها على سلوك مجتمعات القرن الإفريقي باستراليا