هوميروس وفيرجل

فراس الشاروط

الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 10:37
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

بقلم: ت. س. اليوت

كان من نصيبي عندما كنت تلميذاً أن اتعرف على (الياذة) هوميروس و(انياذة) فيرجل
في نفس العام الدراسي. وكنت لحد ذلك الحين اعتقد أن اللغة الاغريقية اكثر اثارة
بكثير من اللغة اللاتينية. ولا ازال اعتقد انها لغة اعظم بكثير. لغة لم تسبقها
اية لغة اخرى، وربما لم تساويها، كوسيلة تعبير ذات واوسع مدى واجمل ظلال للفكر
والشعور. ومع ذلك الفيت نفسي مسترخياً مع فيرجل مما لم الفه مع هوميروس وربما
كان الامر مختلفاً لو اننا بدأنا بدراسة (الاوديسة) بدلاً من (الالياذة) حيث
عندما بدأنا بدراسة فصول معينة من الاوديسة-ولم اقرأ ابداً اكثر من تلك الفصول
المختارة باللغة الاغريقية- شعرت بسعادة غامرة. واني مسرور أن اقول أن تفضيلي
لفيرجل بالتأكيد لم يعني أني اعتبرته اعظم من هوميروس. وهذه هي الغلطة التي كنا
نتحفظ منها في شبابنا لاننا ببساطة طبيعيون اكثر من اللازم لكي نسأل سؤالاً
متصنعاً كهذا، متصنع لان فيرجل لم يكن يحاول أن يقدم شيئاً مماثلاً مهما كانت
طرق اتباعه لاساليب هوميروس. وفي امكان المرء بنفس المنطق أن يحاول تقدير
(العظمة) المقارنة للاوديسة بتلك التي لـ(يولسيس) جيمس جويس لسبب بسيط هو أن
جويس، ولاغراض مختلفة تماماً، اقتبس هيكل الاوديسة. والعقبة في طريق استمتاعي
بالالياذة كانت في ذلك العصر تصرف الناس الذين كتب عنهم هوميروس حيث كان الالهة
لا مسؤولين بقدر كونهم ضحايا لشهواتهم وفارغين من الروح الجماعية ومعنى العدالة
تماماً كالابطال انفسهم. وكان هذا مؤلماً اضافة إلى أن روح الفكاهة لدى الالهة
كانت تعني فقط اكثر انواع المزاح فجاجة وسماجة.
وقد كان (اخيل) بطل هوميروس في الالياذة وحشياً، وكان (هكتور) البطل الوحيد
الذي يمكن أن يستحق الثناء لحسن تصرفه وحكمه على الأمور وبدا لي أن هذا كان رأي
شكسبير ايضاً في مسرحيته (ترويلس وكريسيدا) حيث يقول:
اذاً أن كانت هيلين زوجةً لملك اسبارطي،
كما هو معروف، فقوانين الاخلاق هذه
للطبيعة والامم تنطق بأعلى اصواتها
مطالبة اياها بالرجوع….
وقد يبدو كل هذا ببساطة نزوة صبي متزمت. لقد عدلت آرائي الاولية والتفسير الذي
اقدمه الان هو بصراحة انني فضلت بصورة مميزة عالم فيرجل على عالم هوميروس لانه
كان عالماً متمدناً اكثر للكرامة والمنطق والنظام وعندما اقول عالم فيرجل انما
اعني ماصنعه فيرجل نفسه بالعالم الذي كان يعيش فيه وكانت روما العصر
الامبراطوري فظة ووحشية بما فيه الكفاية وفي اوج عظمتها اقل مدنية وحضارة بكثير
من اثينا في العديد من الاوجه المهمة. وكان الرومان اقل موهبة من الاثينيين في
الفنون والفلسفة والعلوم البحته وكانت لغتهم اكثر استرسالاً في الفظاظة من أن
تعبر عن الشعر أو الفكر التجريدي وقد جعل فيرجل من مدنية الرومان شيئاً افضل في
شعره مما كانت عليه الحقيقة ويقترب احساس فيرجل على الاغلب من المسيحية اكثر من
أي شاعر روماني أو اغريقي اخر، ربما ليس كشعور أي مسيحي رائد ولكن كالفكر
المسيحي منذ الزمن الذي يمكن أن نقول أن فيه ظهرت حضارة المسيحية.
لانستطيع مقارنة فيرجل وهوميروس ولكننا نستطيع مقارنة الحضارة التي قبلها
هوميروس –ولا اعني حضارة زمن حرب طروادة- ولكن اعني حضارة الزمن الذي كتبت فيه
اشعار هوميروس وحضارة روما التي صقلتها مشاعر فيرجل الحساسة.

ترجمة: فراس الشاروط

#فراس_الشاروط (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات