أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسن هندي - النظام السياسي الفلسطيني من الثورة إلى -السلطة-















المزيد.....


النظام السياسي الفلسطيني من الثورة إلى -السلطة-


حسن هندي

الحوار المتمدن-العدد: 966 - 2004 / 9 / 24 - 09:45
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


قيس عبد الكريم/ أبو ليلى
عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

بدأ العنوان السياسي الفلسطيني يتشكل مع إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، ولكن التحول الأهم جاء مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965 الذي فرض لاحقاً دخول فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية وبخاصة "فتح" إلى صفوف المنظمة ومن ثم توليها زمام قيادتها، وبهذا تحولت منظمة التحرير الفلسطينية من مجرد منظمة شكلية أنشئت بقرار عربي وتحت وصاية عربية، إلى أداة تعبئة للجماهير الفلسطينية في داخل فلسطين والشتات، وتجسيداً للشخصية الوطنية الفلسطينية "الكيانية الوطنية الفلسطينية".
فمنذ عام 1968 بدأت في إطار م. ت. ف. تتشكل معالم النظام السياسي الفلسطيني المستقل، وحينها لأول مرة تم تحديد معايير لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني يضمن تمثيل الفصائل الوطنية الفلسطينية والفعاليات والشخصيات، ولاحقاً تم تعيين ممثلين عن المخيمات الفلسطينية وممثلين عن الاتحادات الشعبية الفلسطينية، كما تم انتخاب اللجنة التنفيذية للمنظمة من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وهذا أسرع في تشكيل قيادة سياسية أولى للشعب الفلسطيني معترف بها عربياً. وتبلور النظام السياسي الفلسطيني بعد تشكيل المجلس الوطني وانتخاب اللجنة التنفيذية وفقاً لمعايير معينة تم تطويرها تدريجياً خلال السنوات اللاحقة، لتستقر على قاعدة تمثيل الفصائل الرئيسية لـ «م. ت. ف» في إطار اللجنة التنفيذية، بالإضافة الى توسيع التمثيل الشعبي في المجلس الوطني الفلسطيني بما يضمن تمثيل الاتحادات الشعبية والمخيمات والشخصيات الاجتماعية الفاعلة والأكاديميين إلى جانب تمثيل فصائل المقاومة.
النظام السياسي الفلسطيني بصيغته المعدلة لقي ترحيبا ومصادقة عربية، واعترافاً في قمة الجزائر في عام 1972، وفي القمم العربية اللاحقة وبشكل خاص قمة الرباط عام 1974، حينها جرى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة سلطته الوطنية المستقلة على الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، الاعتراف العربي بالهوية وحق الشعب الفلسطيني بالاستقلال، واعتبار م. ت. ف هي التي تعبر عن هذا الطموح إلى الاستقلال الفلسطيني، وبأنها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن التطور الكبير الذي وقع مع دخول فصائل المقاومة الفلسطينية إلى هيئات ومؤسسات م. ت. ف. وتصدرها للعمل الوطني سريعاً ما بدأ بالتآكل شيئاً فشيئاً، فلقد أصاب التكلس مفاصل المنظمة، وانعكس ذلك على بنية النظام السياسي الفلسطيني ككل، وذلك بسبب من غياب الديمقراطية وآليات العمل الجماعي.
لم يشهد النظام السياسي الفلسطيني منذ العام 1969 وحتى العام 1993 عندما جرى توقيع اتفاقيات في أوسلو، أي تغيرات جوهرية أو نوعية، ولا يغير من هذه الحقيقة أنه كانت هناك بعض تغييرات تحصل بين الحين والأخر في التحالفات الفلسطينية وبالتالي في تشكيل اللجنة التنفيذية، تدخل فصائل وتخرج فصائل أخرى وفقاً للتغييرات في التحالفات والمواقف السياسية حول القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني، لكن هذا لم يكن يمس باعتراف كل القوى الوطنية الفلسطينية بشرعية مؤسسة منظمة التحرير والمجلس الوطني الفلسطيني.
الخروج من بيروت بداية الأزمات المركبة …
مثل الخروج من بيروت نكسة للمنظمة خاصة أنه تم الابتعاد عن الطريق التي كانت تتقدم فيها المنظمة باتجاه تحقيق البرنامج الوطني، ولم يكن الخروج من بيروت سبب الأزمة، بل كان العامل المساعد الذي أدى الى تبلور وتفجر عناصر الأزمة، فالأزمة كانت ناجمة عن البنية الداخلية للنظام السياسي الفلسطيني، الذي كان قائماً على قاعدة التوافق في الإدارة بين الفصائل الرئيسية والمحورية للمنظمة في آفاق البرنامج الوطني، التي نجمت عن ارتياح الوجود الفلسطيني في لبنان باعتباره "ملجأ آمناً" يغني منظمة التحرير والنظام السياسي عن الإجابة على كثير من القضايا المعقدة «الوضع الفلسطيني في الداخل تطوير الحركة الوطنية في الداخل مصالح القوى الاجتماعية في الداخل» بالإضافة إلى العلاقات العربية الفلسطينية وكيفية إرسائها على أساس من الاستقلال، ففي تلك الفترة التي استندت فيها م. ت. ف. الى وجودها الطاغي في لبنان لم تكن مضطرة للبحث عن إجابات فورية، بما في ذلك العلاقات العربية وكيفية إرسائها على أسس متينة، وموضوع الداخل وكيفية استحداث عوامل تشكل الحركة الوطنية بما يغني الثورة عن الحاجة الى قواعد ثابتة وآمنة خارج إطار الوطن الفلسطيني، مما سبق يمكننا القول بأن التخلف عن بلورة الإجابات عن هذه القضايا شكل عناصر الأزمة التي انفجرت بعد خروج م. ت. ف من لبنان، فالأزمة لم تكن بسبب الخروج لبنان بحد ذاته بل السبب كان أعمق من ذلك.
إن أزمة النظام السياسي الفلسطيني عبرت عن نفسها بما شهدته الساحة الفلسطينية من انقسامات في العامين 1983 ـ 1984، عندما تشكل التحالف الوطني الفلسطيني ومن ثم تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني احتجاجاً على اتفاق عمان 1985، وعلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني هناك في ذلك الحين، لكن كل هذا لم يشكل تغيراً نوعياً في النظام السياسي الفلسطيني، لأن الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير بما فيها تلك التي انضمت الى جبهة الإنقاذ كانت تواصل اعترافها بشرعية المجلس الوطني الفلسطيني وبشرعية الاطار العام للنظام السياسي الفلسطيني بصرف النظر عن مقاطعتها للمنظمة.
وهذه الفترة دامت مدة عامين منذ بداية العام 1985 حتى مطلع العام 1987 عندما عادت مرة أخرى جميع الفصائل الرئيسية وانخرطت في إطار المجلس الوطني وفي إطار اللجنة التنفيذية أثناء انعقاد المجلس الوطني التوحيدي في أبريل 1987 الذي مثل مقدمة لاندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987.
لقد أحدث انعقاد المجلس الوطني في العام 1987 نقلة مهمة في الفكر السياسي الفلسطيني، وبالتالي على النظام السياسي من عدة جوانب، المجلس الوطني أقر من الزاوية النظرية البرنامج التنظيمي لاتفاقية عدن الجزائر «الإصلاح الواسع في بنية النظام السياسي الفلسطيني» تقوم على تثبيت مبدأ القيادة الجماعية، وتوسيع نطاق الممارسة الديمقراطية في إطار المنظمة «تشكيل المؤسسات» أسلوب اتخاذ القرارات لكن المجلس لم يستطع تحويل برنامج الإصلاح إلى واقع، عندما تغيرت الظروف.
لقد بلّور المجلس الوطني الذي انعقد في العام 1987 برنامج عمل وطني ملموس جديد تضمن ثلاثة عناصر مهمة:
1 ـ اللجوء للوحدة الوطنية كعامل من عوامل درء الضغوط الإقليمية العربية، وتعزيز الاستقلال عن المحاور الإقليمية العربية. خاصة بعد غياب القاعدة الآمنة التي توفرت في لبنان قبل العام 1982.
2 ـ التركيز على استنهاض الحركة الوطنية والجماهيرية في داخل فلسطين، وهذه المرة الأولى التي تقوم بها المنظمة بالانتباه للداخل الفلسطيني «الإعداد لانتفاضة عام 1987».
3 ـ التأكيد على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني واستقلالية التمثيل الفلسطيني، كثابت من الثوابت الوطنية التي لا يمكن المساس به، وأي خروج عنه يمكن أن يقود الى التمزق في الصف الوطني الفلسطيني، من هنا بدأ تلمس ضرورة الإعداد لدور تلعبه منظمة التحرير في الصراع الذي كان دائراً حول شروط التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، مع العلم أن التسوية السياسية لم تكن موجودة نصاً في برامج منظمة التحرير. برغم العمل السياسي والدبلوماسي الذي يجري بالأمر الواقع في إطار التسوية بطريقة برغماتية بعيداً عن أي تماس ببرنامج المنظمة، وبدأت محاولة لوضع برنامج مترابط لأي تسوية، خرجت إلى النور بما عرف لاحقاً "بمبادرة السلام الفلسطينية" التي أقرت في المجلس الوطني عام 1988.
علماً أن بذور هذه المبادرة تم تبنيها من قبل المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في نيسان/ إبريل 1987 بصورة غير محددة، وهو ما أحدث تطويرات نوعية تغيرت بفعلها التركيبة التي تشكل منها النظام السياسي الفلسطيني .
وشهد ذلك الشهر (نيسان/ إبريل 1987) تطورا مهماً في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية باعلان تشكيل حركة حماس التي شكلت اطارا لتوحيد الاتجاه الاسلامي الفلسطيني، وتحديداً الاتجاه الذي كان ينضوي تحت راية الأخوان المسلمين، زجت حماس نفسها في اطار الكفاح الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، وللمرة الأولى تنشأ قوى فلسطينية ذات شأن ونفوذ جماهيري بين الناس وتبقى خارج اطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولا تعترف بمكانتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، أو شرعية تمثيل مؤسساتها للشعب الفلسطيني.
كان من الممكن أن يكون لانطلاقة حركة المقاومة «حماس » أثراً كبيراً ومباشراً على النظام السياسي الفلسطيني، فخلال السنوات الأولى كان تأثيرها على القرار السياسي الفلسطيني محدوداً، رغم دورها الكفاحي والجماهيري الذي كان كبيراً، الدور الكفاحي والجماهيري والنفوذ في الشارع الفلسطيني لم يعكس نفسه في ذلك الحين بانعكاسات ملموسة على القرار السياسي، فلقد كانت منظمة التحرير هي الاطار الذي يتخذ القرار، ولم تكن هناك أي صيغة تضمن لـ «حماس» دوراً في تشكيل النظام السياسي الفلسطيني يعبر عن ثقل وزنها في الشارع الفلسطيني، لأن حماس اتخذت موقف الابتعاد عن منظمة التحرير، والمحاولة الوحيدة التي بذلت لجعل «حماس» جزءاً من النظام السياسي كانت قبيل انعقاد المجلس الوطني في عام 1988 حيث شارك ممثلون ـ بصفة غير رسمية ـ من الحركة الإسلامية في أعمال المجلس، وبعضهم قال أنه معبر عن رأى «حماس» في الحوار الذي سبق انعقاد المجلس، بما في ذلك المشاركة في عملية صياغة إعلان الاستقلال.
لكن هذه المشاركة لم تكن بشكل رسمي، وبالتالي لم تكن قادرة على أن توظف ثقل حركة «حماس» في عملية التأثير على القرار السياسي، وعلى إعادة تشكيل الوضع الداخلي في م. ت. ف.
إن الفترة التي شهدت ما يمكن أن تسمى بدخول «حماس» كعنصر مكون من مكونات النظام السياسي الفلسطيني، هي الفترة التي سبقت توقيع اتفاقية أوسلو، أو الفترة التي أعقبت المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد، وهذه الفترة شهدت تطورين هامين:
الأول هو البدء في تشكيل ائتلاف فلسطيني معارض لسياسة المفاوضات التي انتهجتها القيادة الرسمية في المنظمة «مؤتمر مدريد»، كانت حماس والجهاد الإسلامي جزءاً من جبهة المعارضة، جنباً إلى جنب مع قوى أخرى موجودة في إطار منظمة التحرير «الشعبية والديمقراطية».
والثاني الإبعاد الجماعي الذي قامت به إسرائيل ضد أعضاء حركة «حماس » إلى مرج الزهور في عام 1991، الذي أدخل الحركة «كعنصر من عناصر التجاذب الإقليمي والدولي حول المسألة الفلسطينية.
بدأت حركة حماس على الرغم من كونها خارج إطار م. ت. ف تشكل عاملاً مؤثراً في القرار السياسي الفلسطيني وبالتالي في بنية النظام السياسي الفلسطيني، وهذا تعزز بعد اتفاقات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في «غزة أريحا»، فوجود السلطة على أرض الوطن أملى عليها أن تتعامل مع الوجود الملموس لحركة «حماس» والأخذ بعين الاعتبار هذا الوجود في عملية صنع قرارها السياسي.
إن قرارات المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في العام 1988 شكلت قفزة نوعية في البرنامج الوطني الفلسطيني من زاويتين:
1 ـ حسمت نهائياً مسألة الاستقلال الوطني الفلسطيني من خلال تبني إعلان الاستقلال وإعلان إقامة الدولة الفلسطينية، فالاستقلال الذي كان بالنسبة لمنظمة التحرير مطلباً تواجه به الأنظمة العربية والمجتمع الدولي بات أمراً محسوماً، ولم يعد موضوعاً قابلاً للبحث، وهذه الخطوة المهمة استندت إلى قاعدة مادية «الانتفاضة الشعبية» الجارية على أرض فلسطين، والتي جعلت موضوع الاستقلال الوطني أمراً واقعاً، بصرف النظر عن تعبيراته الدستورية والسياسية الرسمية.
2 ـ منظمة التحرير للمرة الأولى تتبنى رسمياً برنامجاً للسلام، وتعلن أنها يمكن أن تكون طرفا في تسوية سياسية للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بحيث تقوم التسوية على قاعدة سياسية محددة وبشروط محددة هي الشروط التي تبناها المجلس الوطني قي ذلك الحين.
كان من الممكن في ظروف صعود الانتفاضة لو تم التمسك بهذا البرنامج أن يحقق دفعة مهمة للفلسطينيين إلى الأمام، ولكن التمسك به لم يدم طويلا، ففي عام 1990 بفعل التحولات الإقليمية «حرب الخليج الثانية» وما ترتب عليها وبفعل الإنهاك الداخلي الذي بدأت تعاني منه الانتفاضة بدأت عملية التراجع التدريجي عن برنامج السلام الذي أقر في عام 1988، خاصة عندما أنهت الولايات المتحدة حربها على العراق في ربيع 1991، ونشطت تحركها من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وبدأت بالإعداد لمؤتمر مدريد، وبدءا من أبريل 1991 حتى الانعقاد الفعلي لمؤتمر مدريد كان هناك ضغط متواصل بفعل الظروف الإقليمية والداخلية على منظمة التحرير للتراجع التدريجي عن الشروط التي اعتمدها المجلس الوطني في عام 1988 للتسوية أو للمشاركة الفلسطينية في المفاوضات الى أن وصل الجانب الرسمي الفلسطيني إلى مسخ هذه الشروط مسخا كاملا ووضعها جانبا والمشاركة بالصيغة «مشاركة الوفد الفلسطيني في إطار» الوفد الأردني "والوفد تكون من شخصيات لا علاقة رسمية لها بمنظمة التحرير". ومثل هذا تطوراً رئيسياً سلبي الأثر في الفكر السياسي الفلسطيني».
إخفاق الانتفاضة الأولى تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني …
يعزى إخفاق الانتفاضة في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني إلى العديد من العوامل بعضها له علاقة بميزان القوى الإقليمي، وبعضها له علاقة بميزان القوى المحلي للانتفاضة وبين اسرائيل، وبعضها له علاقة بعدم قدرة القيادة الفلسطينية على أن تستثمر الى أبعد مدى ممكن النتائج الايجابية التي حققتها الانتفاضة على الأرض. العوامل المتعلقة بميزان القوى الإقليمي وتغيره، وميزان الصراع الجاري على الأرض وتغيراته، عوامل قد تكون خارجة عن متناول منظمة التحرير، ولذلك يجب التركيز على العوامل المتعلقة بالسياسة الفلسطينية:
من أبرز هذه العوامل السياسة، حيث قامت السياسة الفلسطينية الرسمية على محاولة استرضاء الولايات المتحدة من خلال الاستجابة لشروطها المجحفة لفتح الحوار الأميركي ـ الفلسطيني، الذي شكل قاعدة فيما بعد لحشر م. ت. ف. في الزاوية، وإجبارها لاحقا على القبول بالإطار الأميركي الإسرائيلي للحل الذي كان قد رسم في كامب ديفيد، والحوار الأميركي الفلسطيني فهذا الحوار لم يساعد على الخروج من الزاوية الأميركية كما توهم البعض حين أشاعوا إمكانية تغيير الموقف الأمريكي والبناء عليه لاحقاً، وكل ما نتج عن هذا الحوار للأسف هو أن نسفت القيادة مبادرة السلام الفلسطينية المقرة عام 1988، وثبتت الحل الأميركي، فالسياسة الفلسطينية أضعفت قدرة الانتفاضة على أن تستفيد من عناصر قوتها وأن تحولها الى منجزات سياسية، في حين كان المطلوب أن يتم تثوير عناصر القوة الفلسطينية حتى لو أدى هذا الى مجابهة مع السياسة الأميركية، فالمجابهة كانت ستجبر الولايات المتحدة والانتفاضة في ذروتها في العامين 88 ـ 1989 على اعادة النظر في الشروط المجحفة، ولكن الذي جرى هو استعداد المنظمة لقبول الشروط الأميركية المجحفة في ذلك الحين، مما شجع الولايات المتحدة على أن تواصل التصلب. وتطرح في عام 1989، مشروع شامير باعتباره هو الاطار، وان ترعى المنظمة مشروع البديل عنها عبر اجراء انتخابات لاختيار قيادة فلسطينية جديدة، تقوم بتنفيذ الحكم الذاتي الذي تضمنته اتفاقيات كامب ديفيد بعيدا عن م. ت. ف، فمشروع شامير لقي دعماً ضمنياً من قبل الإدارة الأمريكية أثناء الحوارات الجارية مع المنظمة والتمسك الأميركي بمشروع شامير ادى الى انهيار الحوار، في وقت كانت الانتفاضة قد بدأت تدخل مرحلة من الانهاك الداخلي الذي زاده تفاقما تغير موازين القوى الاقليمية بسبب حرب الخليج.
إن جوهر مشروع شامير للحل هو اجراء انتخابات لاختيار قيادة فلسطينية جديدة، تقوم بتنفيذ الحكم الذاتي الذي تضمنته اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر بعيدا عن م. ت. ف، وان ترعى المنظمة المشروع البديل عنها هذا جرى في عام 1990، في الوقت الذي بدأت أجواء المنطقة تتلبد بنذر الحرب على العراق، حيث بدأت عواملها تتجمع في الخليج وهذا ما جعل الوضع الفلسطيني مختلفاً عما كان في عام 1988، الولايات المتحدة في عام 1990، بسبب أزمة الاتحاد السوفييتي والحرب على العراق كانت في وضع أفضل بكثير على الصعيد الدولي والاقليمي مكنها من أن تضع منظمة التحرير جانباً دون أن تهتم كثيراً بها.
ولكن هذا لم يكن وضعها في عام 1988 ففي عام 1988 كانت أميركا حريصة على فتح قناة تصلها مع منظمة التحرير خاصة بعد الالتفاف الدولي حول الانتفاضة وحول المنظمة، والذي وصل ذروته في مؤتمر الجمعية العمومية للأمم المتحدة في جنيف، وشكلت قرارته اعترافا عمليا باستقلال دولة فلسطين للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة.
بدأ هذا يرسم علامات الاستفهام الأولى حول استقرار النظام السياسي الفلسطيني. وهذه المشكلة تعمقت عندما بدأت مسيرة مدريد، وثم عملية توقيع اتفاقيات أوسلو وبدء تطبيقها، حيث أدى هذا الى انقسام حاد في اطار الحركة الوطنية الفلسطينية، وبدأت السلطة بالتشكل بدءاً بقطاع غزة وأريحا، ثم انتشارها في باقي الضفة الغربية، السلطة لم تحظ باعتراف شامل باعتبارها الابن الشرعي لمنظمة التحرير بالرغم أن المجلس المركزي الفلسطيني في حينه قد أتخذ قراراً باعتبار السلطة الفلسطينية منظمة التحرير في الضفة وقطاع غزة.
لكن هذا القرار لم يكن يحظى بموافقة إجماعية فلسطينية من قبل الفصائل المعارضة لاتفاقيات أوسلو والممثلة في اطار منظمة التحرير بالإضافة الى الحركات الإسلامية التي بدأت تتبلور في إطار حركتين رئيستين «حماس والجهاد الإسلامي». اتخذ النظام السياسي الفلسطيني عملية انعطافية مهمة ونوعية مع بدء تشكيل السلطة حيث تم بموجبه في عام 1994 ـ ومع تطورها التدريجي من خلال تطبيق اتفاق أوسلو ـ الاتفاق على انتخاب مجلس تشريعي فلسطيني وانتخاب رئيس للسلطة الوطنية، وتشكيل الحكومة الفلسطينية الأولى المصادق عليها من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني. هذه النقلة لم تحظ بالإجماع الوطني الفلسطيني الشامل، وظلت العديد من الفصائل الفلسطينية خارج هذا التطور في النظام السياسي وبشكل خاص الفصائل الممثلة في منظمة التحرير، وكذلك الحركات الإسلامية «حماس والجهاد الإسلامي»، وغني عن الذكر أن التطور الجديد في بنية النظام السياسي كان ثمرة اتفاقات ومفاوضات مع إسرائيل.
بحكم من طبيعة التطور الجديد في بنية النظام السياسي الفلسطيني فلقد وصم هذا التطور بالطابع المؤقت أولاً والمشوه ثانياً وكانت هناك اتجاهات تحاول تحويل السلطة الفلسطينية إلى بديل لمنظمة التحرير، وإحلال النظام السياسي الذي يجد إطاره في السلطة الفلسطينية بديلا للنظام السياسي الشامل، الذي كانت تعكسه المنظمة، لكن هذه المحاولات لم تنجح وانهارت تدريجياً لأسباب عديدة أبرزها:
وصول مسيرة أوسلو إلى طريق مسدود مع انتهاء الفترة الزمنية المحددة لمرحلتها الانتقالية، وأصبح واضحاً أنه لا يمكنها أن تقود إلى سلام دائم، ومنذ ذلك الحين بدأت مسيرة تشكل النظام السياسي انعطافه جديدة تمثلت في الحوار الوطني الفلسطيني الذي شهدته الساحة في 1998 ـ 2000 .
لقد قاد هذا الحوار إلى إعادة تفعيل دور القوى الديمقراطية في إطار «م. ت. ف» على قاعدة إعادة الإجماع على دور المنظمة باعتبارها المرجعية العليا للشعب الفلسطيني، والتزام المنظمة بالثوابت الفلسطينية الخمسة التي أقرت وكانت ثمرة الحوار ما بين الأطراف الثلاث، هي الاتفاق على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، والوصول الى حل دائم يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وهذا أدى الى إعادة الروح ـ ولو جزئياً ـ إلى منظمة التحرير ومؤسساتها بعد فترة من الجمود امتدت عمليا من 1994 ـ 1999.
هذه الانعطافة تعززت بفعل الانتفاضة الثانية التي وفرت قاعدة لتعزيز الفكرة القائلة بضرورة مشاركة الجميع في القرار السياسي الفلسطيني، وإيجاد السبل التي تكفل أن يشمل النظام السياسي الفلسطيني جميع القوى الوطنية الفلسطينية بما في ذلك القوى الإسلامية، من هنا طرحت فكرة تشكيل القيادة الوطنية الموحدة وتعززت هذه الفكرة لأنها تحظى بقبول شعبي واسع، وتم الاتفاق على ضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني من خلال إصلاح بنية منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وإصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال إجراء الانتخابات الديمقراطية، لكن كل هذه التوجهات لم تلقَ بعد طريقها إلى التنفيذ العملي، وهو ما زاد من مأزق النظام السياسي الفلسطيني، واتخاذ أزمة السلطة ـ فتح أشكالاً أكثر عنفية، وضعت الجميع أمام حقيقة حاجة النظام السياسي الفلسطيني الفاسد إلى معالجات جذرية، أساسها العلاقات الديمقراطية وجماعة القيادة والشفافية ومحاربة الفساد والفاسدين. وهذا ما حاولت التصدي له وثيقتي غزة آب 2002، ووثيقة رام الله آذار 2004، وعلى أرضية هاتين الوثيقتين تجري التحضيرات لجولة الحوار القادمة في القاهرة. لقد جُربت كل الحلول الترقيعية وانتهت إلى الفشل، فالتجربة المستمدة من الوقائع على الأرض أثبتت بأنه لا مخرج إلا بحلول مبدئية تعيد بناء كل مؤسسات م. ت. ف. بما فيها السلطة على أسس ديمقراطية جبهوية، بعيداً عن الفردية التي أضرت كثيراً بقضيتنا الفلسطينية، وبـ م. ت. ف. ودورها الكفاحي والتمثيلي، وشوهت بنية النظام السياسي الفلسطيني.



#حسن_هندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوادر -الديمقراطية- في محافظة رام اللهيبحثون حملة تسجيل النا ...


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...
- شاهد.. آلاف الطائرات المسيرة تضيء سماء سيول بعرض مذهل
- نائب وزير الدفاع البولندي سابقا يدعو إلى انشاء حقول ألغام عل ...
- قطر ترد على اتهامها بدعم المظاهرات المناهضة لإسرائيل في الجا ...
- الجيش الجزائري يعلن القضاء على -أبو ضحى- (صور)
- الولايات المتحدة.. مؤيدون لإسرائيل يحاولون الاشتباك مع الطلب ...
- زيلينسكي يكشف أسس اتفاقية أمنية ثنائية تتم صياغتها مع واشنطن ...
- فيديو جديد لاغتنام الجيش الروسي أسلحة غربية بينها كاسحة -أبر ...
- قلق غربي يتصاعد.. توسع رقعة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين
- لقطات جوية لآثار أعاصير مدمرة سوت أحياء مدينة أمريكية بالأرض ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حسن هندي - النظام السياسي الفلسطيني من الثورة إلى -السلطة-