أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عباس موسى الكعبي - ثقافة الاعتذار من المنظور العربي















المزيد.....

ثقافة الاعتذار من المنظور العربي


عباس موسى الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 3201 - 2010 / 11 / 30 - 17:47
المحور: المجتمع المدني
    


ثقافة الاعتذار من المنظور العربي
العراق وليبيا نموذجا
طالما سمعنا بحضارات الشعوب العربية التي امتد عمرها لاكثر من ستة او سبعة الآف سنة! دون ان نتمحص تاريخنا الحاضر وكأننا اقوام لا تنتمي الى جذورها. الحق يقال اننا اليوم نقبع في حضيض الحضارات حتى الحضارات التي لم يمر عليها سوى بضعة مئات من السنين. اليوم كل شيء نستخدمه ليس ملك لنا ولم نبذل جهدا حتى باصلاحه فكل ما يأتينا من طعام وشراب وملبس واجهزة ليست عائدة لنا بل نحن لسنا سوى مستهلكين لها ومستهلكين جشعين لما تنتجه الحضارات الاخرى حتى الاقل تقدما على الصعيد العالمي. ان ذلك الوضع لا يرعبنا ولا يهز شعرة من جلودنا الميتة وكما تقول قيمنا لا يهز شعرة من شواربنا المفتولة.
اليوم ومن خلال بعض التجارب في بلدان عربية كالعراق مثلا، نجد ان ثقافة الاعتذار يكاد لا يكون لها جذور في تاريخنا الغارق بالبؤس، ومن تجاربي مع الآخرين في بلدي اجد ان هذه الثقافة اصبحت من الرذائل في منظور الاكثرية. فمن الصعب عليك ان تقنع جارك بالاعتذار حينما يجمع كومة الحطام والتراب والطابوق وحتى الازبال امام منزلك بان يقدم لك شيئا من الاعتذار المسبق او اللاحق عن عمله هذا، فهو لا يرى ضرورة لتقديم الاعتذار لك لانه قد يجد ذلك مدعاة للنقص والشعور بالدونية أو التنازل، بل يعتبر ذلك حق من حقوق الجيرة وحتى وان قدم بعضهم الاعتذار فان ذلك يدخل من باب المجاملة ليس إلا. ان صاحبنا معذور كل العذر على عدم تقديمه شيئا من الاعتذار فثقافته وتاريخه بل حتى مقدساته لا تنظر لهذا السلوك نظرة ايجابية بل حتى لم تتناوله في ثنايا سطورها. فلم نقرأ أو نسمع مثالا يحتذى به قد قدم اعتذارا أو تنازلا لجاره أو مواطنيه جراء سلوكه غير الحضاري. انني لا استغرب ان لا يتناول كتابنا ومفكرينا شيئا من تلك الثقافة كونهم جزاءا من هذا الحطام الحضاري الذي نطلق عليه القيم والعادات والتقاليد. وربما اكون مخطئأ واقول حتى الدكتور علي الوردي رحمه الله لم يتناول شيئا من تلك الثقافة في جميع كتبه ابتداءا من اللمحات الاجتماعية وحتى دراسة في طبيعة المجتمع العراقي وشخصية الفرد العراقي وغيرها من الدراسات الاجتماعية. ان الدكتور الوردي تناول ما يدور في ذهنية الفرد العراقي عبر مراحل معينة من التاريخ الحديث بجميع سلبياتها وايجابياتها لكن لم يتطرق الى ثقافة الاعتذار التي هي احد اهم ركائز التضامن والتكافل الاجتماعي كما هو معروف. فثقافة الاعتذار للغير تجعلك موضع ثقة ومحبة واحترام و لا اظنها تنقص من قدرك كما تشير الى ذلك عاداتنا وقيمنا البالية.
بامكان كل منا ان ينظر الى محيطه الاجتماعي ويحاول ان يستجمع او يحصي شيئا من السلوك الاجتماعي الخاص بثقافة الاعتذار. ان المهمة قد تكون ثقيلة وعسيره عليه بالتاكيد. انظر الى مجتمعك واستبين كم منهم قدم اعتذارا الى الاخرين حين قيادته لسيارة بسرعة عالية وتسببه بعجاج وربما بانحداره نحو حفرة او في شارع فيه مياه مجاري طافحة وقد اصابت المياه بعض المارة جراء دخوله فيها وزخها عليهم. كم عدد الافراد من الجيران المحيطين بك اللذين قدموا اعتذارا لك جراء سقوط حجر او حصى على منزلك نتيجة عمل طائش من صبيانهم المولعين بتعذيب الطيور وحبسها في اماكن بالية فوق السطوح. كم عدد الافراد اللذين قدموا لك اعتذارا نتيجة استهتارهم واطلاقهم للرصاص الحي بحجة فوز منتخبك الوطني لكرة القدم مثلا ( اغلبهم غير رياضيين بل حتى يكرهون كرة القدم وهم انما يفعلون ذلك لغرض التباهي واستعراض العضلات ليس إلا)، هل انبرى احدهم واعتذر لك كونه احس بشيء من الازعاج او الخطورة التي سببها لك عمله الارعن. ان الشواهد على ذلك كثيرة وبالتاكيد لا تتسع لها هذه السطور. اننا اليوم نسمع بمصطلحات مثل الخجل والحياء وضرورة التحلي بهما امام الاخرين عند ارتكابنا لعمل متهور لا ارادي، لكننا لم نفرض ثقافة بديلة لها كثقافة الاعتذار ولم نرسم لها برنامجا ولم نحدد السلوك المطلوب اتجاهها. ان الشخص الذي ينافسك على وظيفة مثلا لا يتورع عن استخدام جميع قواه لازاحتك والشخص الذي تقرضه مبلغا من المال لا يتورع عن اللجوء الى كافة الحيل للتملص منك.
اليوم نسمع من بعض السياسيين انهم يطالبون رجالات الماضي المهزومين بتقديم الاعتذار عن اعمالهم السابقة بحق الاخرين كشرط لقبولهم وكأن تلك الثقافة متأصلة في جذور حضارتهم او عاداتهم وتقاليدهم. ان لرجالات الماضي الحق بعدم تقديم مثل هذا الاعتذار كونه غير متوفر في قاموس العادات والتقاليد المتوارثة ولهم الحق بان يشعروا بالخجل عند تقديم الاعتذار فهذا السلوك ترفضه عاداتنا وتقاليدنا لانه لا يليق بالرجل والرجولة العربية.
خلال رحلتي الى ليبيا البلد العربي الذي تجد فيه كل شيء غريب وعجيب، لكن يصعب عليك فهم السلوك الاجتماعي الذي يتحلون به. فهو خليط من الماضي المتخلف والحاضر. طالبات يلبسن بنطلون جنز ضيق وحجاب على الراس. وشيوخ يرتدون اللباس العربي لما قبل الاسلام. واساتذة جامعة لا يؤمنون بكروية الارض. وكتاب لا يعرفون شكسبير. واناس يعيشون على مبدا القضاء والقدر (الصدفة)... الى اخره. المهم فيما يتعلق بثقافة الاعتذار في هذا البلد، نجد ان الشخص حينما يدهس برجله على رجل او يد الشخص الاخر فانه لا يقدم اعتذار وكل ما يفعله ان ينظر اليه ويواصل طريقه. فليس ثمة ثقافة للاعتذار في عاداتهم وتقاليدهم، بل قد يحملك انت السبب. واذا عرفنا ان ليبيا والسودان هما اقرب البلدان العربية في تقاليدهما وعاداتهما الى الماضي السحيق، فاننا نكاد نجزم بان ثقافة الاعتذار ليس لها وجود في قاموسنا العربي، وكذلك الحال مع باقي الدول العربية.
ان الذهنية العربية قد استلهمت اليوم نفسية العبيد او الرق، كونها لا تبادر الى شيء دون زجر واكراه، وبامكانك ان تنظر لما حولك وسترى احقية ما اقول. فالعربي لا يبادر الى الاعتذار منك لانك لا تملك القوة الرادعة لزجرة والمجتمعات العربية مغيبة منذ الازل عن ردع التصرفات غير المقبولة، فهي لا تمثل اليوم الانا العليا او الاداة الرادعة للخطيئة، بل تقف موقف المتفرج اذا ما وقفت موقف المؤيد. فلا تستغرب ان يتفشى الفساد وتنتهك الاعراض والحريات العامة. ولا تستغرب ان يبرز لك قادة غير مؤهلين وتتحكم بك ثلة لا تستحق شرف الانتساب الى ادنى انواع الحيوانات.
ان ثقافة القطيع التي تربينا عليها لن ترتقي بنا الى الانتساب الى بني البشر. فالحرية الفردية مغيبة بقانون سماوي وشرائعي محكم. والتضامن الاجتماعي مشروع نقرا عنه ونسمع ونراه في بلدان غربية ليست عربية. لكننا لا نألوا جهدا في النباح والصراخ والشكوى من واقعنا الحالي الاليم والتغزل بما مضى والحنين الى الماضي الاسود، ماضي الصراعات والغلبة والرق والاستعباد. الماضي الذي فرض على الغير ان يقدم لنا ما جاد به عرق جبينه دون ان ينبس ببنت شفة وان يقدموا لنا جهدهم ومالهم وعملهم وابداعاتهم وهم صاغرون!!
إلا نستحي نحن قطعان الغنم الضالة من النحيب على الماضي والتجمهر بكتل ليست سوى مصانع للبراز متنقلة والبكاء على الاطلال الخربة وننسى حاضرنا ومأساته و لا نتجمع لنيل حقوقنا الانية من كهرباء وماء وعمل وسكن...
ولا تستغرب سيدي القارئ حينما لا تسمع باستقالة وزير او مسؤول او حينما يستقيل مسؤول دون ان يقدم اعتذارا للشعب لانه لا يراهم شعبا بل قطعان تجري دون وجهة محددة، كما حصل مع وزير الكهرباء العراقي كريم وحيد الذي اجبر على الاستقالة كما هو معروف... ولا اعتقد ان هناك شخصا من بني يعرب سيقدم اعتذارا من صميم قلبه الى جاره او مواطنيه او مسؤولا يقدم اعتذارا الى شعبه المبتلى به.



#عباس_موسى_الكعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- فلسطين في الأمم المتحدة.. من مراقب غير عضو إلى المطالبة بعضو ...
- اعتقال اثنين من أعضاء المعارضة الفنزويلية
- تل أبيب تدرس احتمال إصدار المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال بحق ...
- الآلاف يتظاهرون في جورجيا من أجل -أوروبا- وضد مشروع قانون -ا ...
- مسؤولون إسرائيليون: نعتقد أن الجنائية الدولية تجهز مذكرات اع ...
- نتنياهو قلق من صدور مذكرة اعتقال بحقه
- إيطاليا .. العشرات يؤدون التحية الفاشية في ذكرى إعدام موسولي ...
- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عباس موسى الكعبي - ثقافة الاعتذار من المنظور العربي