حسين داؤد
الحوار المتمدن-العدد: 957 - 2004 / 9 / 15 - 09:37
المحور:
اليسار والقوى العلمانية و الديمقراطية في العالم العربي - اسباب الضعف و التشتت
في البداية لا بد من الإشارة إلى اللبس الذي يحمله عنوان الملف ( والذي يجمع بين اليسار والقوى العلمانية والديمقراطية ) جمعا أقل ما يمكن أن يقال فيه أنه بعيد عن واقع الحركة في العالم العربي ....
وإذا ما بدأنا بالمفهوم الأول وما يحمله هذا المفهوم من شحن أيديولوجي فالتجربة في العالم العربي معه كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية ... فهذا اليسار كان على رأس الحكم أو مشاركا فيه في معظم البلدان العربية . على الرغم من ضبابية المفهوم ومن محاولة العديد من الساسة و المفكرين إعادة الاعتبار له عبر الدعوة لأحزاب يسارية من طراز جديد أو فكر يساري من طراز جديد . حتى اللحظة لم تظهر بوضوح تجليا ته ....
واليسار في العالم العربي مقولة محملة بشحنة إيجابية كما أنه ينتمي إلى الحكم والمعارضة في آن واحد ، فالحكم الناصري والقذافي وحتى صدام حسين يستند إلى مقولة اليسار وكذلك رياض الترك وفاتح جاموس . وقد يكون هذا من أهم الأسباب التي تستدعي المراجعة لإيضاح هذه المقولة
وتحويلها إلى مفهوم سياسي له دلالاته في الواقع العربي كما كانت له دلالاته في المكان الذي ولد فيه " أوروبا " واليسار بالمعنى العام هو مفهوم نسبي فكل فكر وكل أيديولوجية تحتوي على يسار ويمين ووسط وإذا كانت الشحنة التي تحملها هذه المقولة توحي لدى الأغلبية بالانتماء إلى الفكر الاشتراكي أو الماركسي فإن أهم عامل من عوامل ضعف هذا الفكر وتشتته هو عدم ارتباطه بالديمقراطية ومحاولته الدائبة فهم الثورة على أنها مشروع نفي الآخر وسحقه .....
أما بالنسبة للقوى العلمانية فهذه بالضبط التي تحتاج إلى الدراسة والبحث في أسباب فشلها في إنجاز مشروع " علمنة المجتمع " هذا المشروع الذي بدأ مع بدايات القرن السابق على أيدي كبار المفكرين في العالم العربي ومع بداية ما كان يسمى مشروع النهضة هذا المشروعالذي لمتتح له فرصةالنجاح والاستمرار.
جاءت الحرب العالمية الثانية وأعيد تشكيل العالم من جديد ومن ضمنه عالمنا العربي , والذي تشكل فيه على إثر ذلك ما يسمى بحركات التحرر والثورات الاشتراكية والتي ساهمت بالقضاء على القوى العلمانية في أولى مراحلها .
فهذه الحركات وبعد تسلمها الحكم في معظم البلدان العربية بل وفي أهمها من حيث الموقع الجغرافي والسياسي طرحت مفاهيم "الثورة الشعبية " و "التطور اللا رأسمالي " و"الحزب القائد للدولة والمجتمع " لتقضي بذلك على أهم مبادئ الفكر العلماني الذي يعترف بالآخر ويدافع عن حقه بالوجود وإذا ما أخذنا من الدولة الأكثر أهمية في العالم العربي مثالا مصر ولاحظنا كيف تعامل نظام جمال عبد الناصر مثلا مع كل القوى العلمانية والقوى السلفية لاكتشفنا أنه بالرغم من عدم وجود نية مسبقة لدى القائد عبد الناصر في زرع البذور السلفية في المجتمع المصري إلا أنه قد زرعها في المجتمع لمواجهة القوى العلمانية
بالطبع أنه لم يكن هذا السبب الوحيد في إخفاق المشروع العلماني في العالم العربي فهناك أسباب كثيرة ومتعددة وهذا بالضبط ما نحتاج إلى البحث فيه ومعرفته فالعلمانية كانت مشروع العالم العربي منذ بدايات القرن الماضي وقد توضحت بذور إخفاقه قبل منتصف القرن ذاته وأما " الديمقراطية فهي مقولة تكاد تكون غريبة عن عالمنا العربي فالندرة النادرة التي تكلمت فيها .ولربما أرى أنها قد تكون سمة القرن الواحد والعشرين في عالمنا العربي فللأسف لا نستطيع الحديث عن قوى ديمقراطية حية في مجتمعاتنا بل ولعله تكاد تكون مقولة "قوى ديمقراطية"حية أو غير حية غريبة عن هذه المجتمعات ومن هنا أرى أنه من المبكر الحديث عن تشتت هذه القوى إذ أنها في طور الولادة ولم تتضح معالمها الحقيقية حتى اللحظة الراهنة .
وأخيرا أرى أنه لا بد من إعادة التأكيد على ضرورة الفصل بين المفاهيم الثلاثة ( اليسار , القوى العلمانية , الديمقراطية ) إذ أن كل منها مفهوم بحد ذاته .
ولعل ما يفيدنا في هذه المرحلة العمل من أجل تيار عقلاني ديمقراطي سواء أكان يساريا أم يمينيا , فبلدان كبلداننا أحوج ما تكون إلى عقل حر ومناخ ديمقراطي .
#حسين_داؤد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟