يزن المريدي
الحوار المتمدن-العدد: 953 - 2004 / 9 / 11 - 10:15
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
...طالب من جامعة حلب
من تقتلون؟..
عندما تتقلص قطعة الأرض المدعوة وطن- على الطريقة المعتادة في تقزيم أعظم المفاهيم- والتي يظن البعض أنهم يملكون القدرة على إخراجك منها أو انتزاعها منك تحس أنك تزداد تمسكاً بتلك الأشياء الحبيبة إليك القريبة من روحك بل المكونة لها, تلتصق بها تحضنها بأضلاعك وتتحسسها بشغاف قلبك تمسح بها عينيك مكوناً منها وطناً لتقف عليه ومن تحب, وطناً كل الأصوات فيه؛ صوت فيروز وكل الروائح؛ رائحة التراب على جسدٍ تحبه.
الوطن للجميع... تفاجأ أنك لست من هذا(الجميع),ألم يقل ماجد شدود(عضو القيادة القطرية لحزب البعث) أن مبدأ الرأي والرأي الآخر يعامل به المواطنون فقط وأن الطلبة المفصولين من الجامعة ليسوا منهم أي أنك لست من هذا الجميع, وحتى لو كنت فإنك ترفض أن تفعل ما يفعله أغلب هذا الجميع؛الكل يحمل معوله محاولاً انتزاع حصته من أحجار جدار الوطن لا ليحتفظ بها أو يكتنزها كما فعل بأموال الوطن سابقاً بل ليرمي بها الآخر فلا فائدة ترجا منها بالنسبة له سوى أنها أداته لقهرك بالمزاودة عليك,أما أنت فتبقى في نهاية المعركة بلا جدار,هذا إن لم يهوي عليك أحد هذه المعاول المناضلة جاعلاً منك( بقايا صور) ليحق عليك قول زياد الرحباني: يا نور عينيَّا رحنا ضحية... ضحية الحركة الثورية.
تتلفت وتنظر حولك, لا ترى إلا الفوضى تعم المكان فالكل أنهى طعامه و من يشبع آخراً(بيشيل السفرة)، الكل بعد الغارة يتراجع تاركاً وراءه المضارب المنهوبة للريح ولك لتطيل التأمل بها معتبراً بالديار الدوارس, ومحمد عرب ومهند دبس والمفصولين من الجامعة.
وعلى خطى الإصلاح يسير الرائح والغادي (وكلٌ يغني على ليلاه) إذ تبين أن إصلاحهم المرجو ما هو إلا إصلاح نفوس و أن من قام بإطلاقه كشعار( لا يملك عصا سحرية) أو أدوات التغيير إذ حتى الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم وتغيير النفوس لا يمكن أن يكون قسرياً و( كل واحد و ضميره).
محمد عرب ومهند دبس والطلبة المفصولين من الجامعتين- حلب ودمشق- مناهضين لثورة ما,واقفين في وجه تحويلٍ ما, يسميه البعض من المشرفين على تصفية الحراك الطلابي بالتحويل الاشتراكي,هكذا وبكل بساطة يعتبر الاحتجاج على المرسوم6- وسواه من القرارات السائرة بالبلاد وبخطى جنونية نحو منظومة اقتصادية تضمن لأصحاب الأموال المنهوبة في العهد السابق(القطط السمان) التحول من علق إلى نمور أي من النهب إلى التملك,أقول: هكذا وبكل بساطة يعتبر الواقف في وجه هذه الإجراءات معيقاً لعملية التحويل الاشتراكي معادياً لأهداف الثورة.
تعليم مفتوح,موازي,خاص,افتراضي ... والسيد هاني مرتضى وزير التعليم العالي يتحدث لـ(المحرر العربي) وبملءِ الفم عن تخفيض نسبة القبول الجامعي في جامعات الدولة- اذهبوا للتعليم الخاص(قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)- يقول أن ذلك سيكفل عائدات مادية تساهم في رفع سوية العملية التدريسية, ليستمر المواطن بأكل نفسه كي يعيش, و(من دهنو سقيلو), ولتستمر الثورة بالمضي قدما مقدمة لحماتها المكسب تلو الآخر ماحقة أعداءها وأعداءهم, محولةً المناضل الاشتراكي لمنظرٍ فيما يخص اقتصاد السوق ومتطلبات العصر والاستحقاقات (الاقتصادية) للشراكة الأوربية- بعد التجاوز الموفق للغصة الوحيدة فيها والمتمثلة في استحقاقات حقوق الإنسان- إذ أن ثوريينا أبعد ما يكونون عن التحجر الأيديولوجي حين يتعلق الأمر بالموضوع الاقتصادي.
والآن...هل هذا هو الوطن الذي تحاولون إخراجنا منه؟..هل هو الوطن الذي تحرموننا من حقنا بأن نكون مواطنين فيه؟..
لا!..هذه الأشياء, وأنتم وما زرعتم من تشوهات في هذه الأرض وهذا المجتمع, ليست إلا بثرات وبؤر وباء تعيشون فيها وتتعيشون عليها- أنتم ومجموعة أتباعكم وزبانيتكم- بثرات وتشوهات مرضية لا بد أن تزول في يوم ما كاشفة لنا عن وطننا نحن.
أراه الآن في سجنه يحلم بكامل وعيه, يرسم في ذهنه ابتسامة أمه فيشم رائحة حليبها, والثاني يتهجى حب حياته حتى تزهر عينا ابنته في عتم الليل كالنوار, وخارج السجن يعيش الباقي منهم على رائحة الياسمين, يعيشون لأجل ابتسامة أمل في وجه طفل لم يركم بعد- كما كانوا هم منذ زمنٍ ليس بالبعيد-, يعيشون لأجل التماعة تحدٍ في عيني بنتٍ تصرخ في وجه الكل: سأكون أنثى ذات يوم لأبعث عشتار من جديد.
وبعد...(نحن محكومون بالأمل) وبضع صور نختزنها في عمق الوجدان لتعشش فينا وتبني لنا وطناً ندفع باتجاهه كل ما حولنا.
لذا... أعود وأسألكم! من تقتلون؟
ألا يعـلم حامل السيف أنه يحتاج إلى أكـثر من سـيفه ليمنع الياسمين من البوح- حتى بعد (قتله)-؟
ألا ينظر إلى نفسه وصغرها وهو يعربد فوق أقحوانة في دربٍ منــــــسي,حملت في بتلاتها حنين كل من مر بها من عشاقٍ أو منسيين بدون أحبة, فلا يُنقص من بياضها أو يزيد.
وأنه لن يمنع تكبيلُ الأيدي العيونَ من التعلق بالنجوم؟.
لم تكن حــياتنا أبداً لــكم لــتكون منــكم,إنــها لأعمـق حـبة ترابٍ في بــطن أرضٍ حبلى- ومنذ ســـنين- بحياةٍ لن تحـسوا بـها أو تدركـوها لذا لن تستطيعوا أن تمنعوها عنا.
رائحة البرد شتاءً,صوت الأرض عند الظهيرة,لون الأمان في عيونٍ من نحب, ونعومة الموت وهدوءه تحت سماءٍ زرقاء نحب الحياة لأجلها.
هذه بعض من زوايا صغيرة فيها بعض من روح الإنسان فينا:حتى لو منعتني رؤية السماء يبقى اللون الأزرق في الذاكرة,وأبقى معه.
يزن المريدي
#يزن_المريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟