أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - منجية السوائحي - معركة وهمية في الاسلام : اسمها الحجاب و السفور















المزيد.....



معركة وهمية في الاسلام : اسمها الحجاب و السفور


منجية السوائحي

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 10:44
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


جامعة الزيتونة.
لا يزال الحجاب يثير جدلا، في البلاد العربية و الاسلامية و كذلك البلاد الغربية كفرنسا بين رافض له كعلامة على إهانة المرأة و تخضيعها و استنقاضها، و بين مؤيد له كلباس شرعي اسلامي ينضوي تحت الخصوصيات و الحريات العامة و حرك في هذان الموقفان السواكن فعزمت على تعميق البحث في ظاهرة الحجاب اليوم هذه الظاهرة التي يخص بها الاسلام وحده خطأ أو جهلا أو عمدا لوصفه بدين التحجر وظلم المرأة و احتقارها و الغريب أن من يسمون انفسهم مفكري الاسلام الكبار يدافعون عن الحجاب دفاع المستميت حتى انهم باعوا الأرض و العرض و تمسكوا بالمظاهر



هل حقا الحجاب خصوصية اسلامية و فرض شرعي؟

إن الجواب يتطلب دراسة موضوعية عقلانية تسبر التاريخ و لا تتلاعب بالعواطف إما لتستغفل البسطاء فتحبب اليهم هذا اللباس بما تقدمه من عرض أزياء و من معلومات غير صحيحة و إما بالاستناد الى طرق استفزازية شاخرة تنفر منه. و الأمر أهون من هذا و ذاك و لنعد الى التاريخ ليكشف لنا عبر مراحله القديمة أن الحجاب وجد عند اليونان و في الديانات الثلاثة اليهودية و المسيحية و الاسلام



1- الحجاب عند اليونان:

وجدت ظاهرة حجب المرأة عن العيون فلا يراها إلا زوجها و أولادا منذ القديم عند اليونانيين و منعوها من ارتياد الاماكن العامة و التدخل في الشأن السياسي و غيره و اعتبروا صوتها عورة لا بد أن لا يتجاوز البيت "فحبس صوت السيدة المعونة في البيت كما يحسب فيه جسمها" بعبارة توكيديدز(1)



و من آليات الحبس وضع المتاريس على أبواب الأجنحة التي تسكنها النساء و اوصى المؤرخ القديم زينزفون ومعه أرستوا فان(2) بالإستعانة بكلاب الصيد حتى لا تخرج النساء و لماذا تخرج المرأة و هي ليست مثل الرجل يحتاج الى بيت يحميه و الى الهواء المنعش يعيد له النشاط و تساعده قوته الجسدية على تحمل الحرارة و البرد و تعب التنقل
و الخدمة العسكرية و فرضت عليه الآلهة العمل ليعيل أهله أما المرأة بطبيعة تركيبتها الجسدية فانها لا تصلح الا للأعمال المنزلية و الانجاب
و من الأشرف لها أن تضل داخل البيت و اعتبر هذا القانون فرض الآلهة صادق عليه البشر و من يخالفه يعاقب مما دعا زينوفون الى ضرورة فرض الحجاب على النساء اللاتي يذهبن لأداء الصلاة بتعلة أن الشعر من اكبر المغريات ويخشى أن يفتتن به الرجال و الملائكة أنفسهم أثناء أداء الصلاة(3)



و هكذا ظهرت فكرة الحريم و حجب الزوجة عن العيون لأنها ملكية خاصة للزوج فلا تسوى بالملكية العامة الجواري و الغواني و البغايا منذ عصر هوميوروس و هزيود وتواصل مع فلاسفة اليونان الكبار سقراط و أفلاطون و أرسلو و سبب هذا الحجب في تحليل Louis Morgan عالم(1818-1881م)

الانتروبولوجيا الأمريكي يعود الى أسباب اقتصادية صرف بدأت مع شيوع الملكية الخاصة و عندها فكر الرجل في أهمية عفة المرأة / الزوجة ليضمن نقاوة سلالته من الأبناء و لن يصل الى هدفه إلا بحجب الوعاء الذي يلد النسل و هي الزوجة و عندها فقط يتأكد أن الأبناء من صلبه فيطمئن على من يرث ثروته من بعده(4)


و لذلك أوجبوا عليها اذا اضطرت على المشي في الشارع أن تكون محجبة و منقبة كعلامة على المرأة الحرة المتزوجة ملكية الرجل الخاصة و فعلا كانت نساء اليونان طبعا الزوجات تستعمل الخمار و النقاب اذا خرجت لتخفي وجهها عن المارة



الحجاب عند اليهود

عرف العبرانيون الحجاب منذ عهد ابراهيم عليه السلام و انتشر بينهم في ايام انبيائهم جميعا و تواصل الى ما بعد ظهور المسيحية و الدليل على ذلك تردد كلمة البرقع في أكثر من كتاب من كتب العهد القديم.



نقرأ في الاصحاح الرابع و العشرين من سفر التكوين و رفعت رفقة كذلك عينيها ورأات اسحاق فترجلت عن الجمل و سألت العبد.. "من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا ؟ فقال العبد هو سيدي فتناولت الحجاب و تغطت"(5)

و في الاصحاح الثامن و الثلاثين من نفس السفر "... فقيل لثامارا: هو ذا حموك قادم لتمنه لجز غنمه فنزعت عنها ثياب ترملها و تبرقعت و تلفعت و جلست عند مدخل عينايم التي على طريق تمنة"(6)



و جاء في نشيد الانشاد الاصحاح الأول :" قل لي يا من تحبه نفسي أين ترعى قطعانك و اين تربض بها عند الظهيرة ؟ فلماذا أكون كامراة مقنعة اتجول بجوار قطعان أصحابك"(7) و فيه أيضا "... عيناك من وراء نقابك كحمامتين ... و خداك كفلقتي رمانة خلف نقابك"



و في سفر أشعيا أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن و المباهاة برنين خلاخيلهن و ينزع عنهن زينة الخلالين و الظفائر و الحلق و الأساور و البراقع و العصائب (9) و انطلاقا من هذه الآيات التوراتية فرضت الشريعة اليهودية قديما على الزوجة أن تغطي رأسها و تستر كامل جسدها بملاءة عدا ثقبا واحدا تنظر من خلاله لترى الطريق و الأفضل لها أن لا تخرج من البيت و ان كانت تريد التعلم فلتسأل رجلها و هي في البيت و سبب المنع من الخروج أنها طائشة و خفيفة العقل و مياله بفطرتها الى الشر و لذلك استحدثوا الحجاب الساتر في المعابد للفصل بين الرجال
و النساء و خصوهن مدخل خاص و حرموا عليهن مصافحة الرجال لأنهم نجاسة و اشترطوا عليهم الصمت داخل أماكن العبادة توقيرا للرجال و لأن صوتهن عورة و بناء عليه منعوهن من ارتقاء المنصة خلال الصلاة
و لتلاوة التوراة بصوت مرتفع فلماذا تتلو التوراة و صوتها عورة منذ ايام أرسطو الذي رأى أن الصمت هو تاج المراة و زينتها لكنه ليس كذلك بالنسبة للرجل و هي أيضا ناقصة عقل و الرجل كامل العقل (10) فما هو موقف كل من يروج لمقولات النساء ناقصات عقل و دين صوت المراة عورة وجوب أن تقر المرأة في بيتها الا يعلومون من اين استقوا هذه المفاهيم التي تجاوزها الاسلام فان علموا فوا مجيتاه و ان جهلوا فالمعيية أعم و أطم



الحجاب في المسيحية :

منع المسيحيون قديما المرأة من أن تخرج حاسرة الراس و دون نقاب و اذا خالفت القانون و ذهبت الى الكنيسة عارية الرأس تعاقب بقص شعرها حسبما جاء في رسالة القديس بولس الى أهل كورنثوس و هو يرى أن النقاب شرف للمراة (11)

و يدعو الأب المسيحي كلمنت السكندري َClément Alexandre (150-223م) المرأة الى تغطية كامل جسدها كلما خرجب من البيت لان هذا النوع من اللباس هو الذي يحميها من نظرات الرجال فاذا وضعت الخمار على وجهها حمت الرجل من أن يقع في الخطيئة و لاكتساب شرعية للخمار يرى هذا الأب أن الخمار مشيئة الكلمة الربانية التي تأمر المرأة أن تصلي و هي محجبة (12) و سار على هديه الأب ترتوليا Tertullion (160-230م) من أشهر الأباء المسيحين في زمنه فأوجب على المراة أن تضع خمارا و تستر وجهها بنقاب و أن تخفي مفاتنها و لا تعتني بجمالها الطبيعي و تسعى اى القضاء عليها لأن ذلك الجمال يمثل خطرا كبيرا على الرجل و لا تقل حدة تلك الخطورة الا اذا حجبت المرأة جسدها من قمة الراس الى أخمص القدمين (13) و زيادة في التشدد منعت المسيحية على المراة ان تزين الحجاب او تزركشه و من تفعل ذلك تصنف مع النساء اللاتي خلعن برقع الحياء (14)


و من حجاب الجسد في لباس معين الى حجبها في البيت فواجب المراة في المسيحية القديمة أن تلازم بيتها و لا تسمح لأحد برؤيتها و لا يمكنها أن تذهب الى الحمام و لا المسرح و لا ترداد الساحات العامة و لا تذهب الى الحفالات و لا تشاهد المباريات الرياضية او لا تتجول في الشارع لأنها اذا فعلت هذا استتعرض لمضايقة الرجال و توقعهم في الخطيئة



و اذا اضطرت للخروج لتحضر التمعات المسيحية يجب عليها أن تحتجب لتصلي و لتعلن انها خاضعة للرجل (15) و تواصلت عادة الحجاب و النقاب مع القديس يوحنا ثم الذهب (345-407) خاصة طرطوس بلد القديس بولس (16)



ثبت أن نظام الحجاب و النقاب سبق ظهور الاسلام بما أن الكتب السماوية كما راينا ذكرت البراقع و العصائب ما لم يذكره القرآن و زيادة عن الكتب السماوية نجد كتبا بحثت في أخبار الحجاب الذي كان يتخذ لستر المرأة و يشترك فيه النساء و الرجال في بعض الاحيان و أخبار البرقع جزء من الأخبار المستفيضة عن حجاب العزلة في البيوت و خارجها في الطرقات و الأسواق (17).





الحجاب في الاسلام :

جاء الاسلام و عادة الحجاب منتشرة حيث كانت المرأة في مكة تضع الخمار و تسدله وراء ظهرها و ترتدي الجلباب وهو ملحقة أو ملاءة تلبسها فوق الثياب كلها.



و من عادة نساء مكة إذا خرجن ليلا إلى الغيطان لقضاء الحاجة يلقين جلابيبهن أو يسدلنها وراءهن، فيتعرض الشباب لمن لا تكون مسترة ظنا أنها أمة، لأن الأمة هي التي تعتمد إظهار محاسنها، و هي التي تبذل عرضها. و تعرضت نساء النبي للإيذاء، فأمر الرسول و بناته و نساء المؤمنين أن يدنين عليهن فضل جلابيبهن فيسترن بها رؤوسهن
و صدورهن لكي يعرفن أنهن حرائر و مؤمنات فلا يؤذين (18) هل حدد هذا الأمر نوعا خاصا من اللباس تلتزم به المرأة المسلمة ...؟



في سورة الأحزاب و هي مدنية باتفاق، و تعد التسعون في عدد السور النازلة من القرآن نزلت بعد سورة الأنفال و قبل المائدة (19) "يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" (الآية59) و الأمر واضح هنا بوضع الجلباب و هو "ثوب أصخر من الرداء و أكبر من الخمار تلبسه المرأة للتمييز بين الإماء و الحرائر حتى لا يتعرض الشباب إلى الحرائر
و يتمكنوا من التفريق بينهن و هذا من سد الذريعة على حد عبارة ابن عاشور (20).

و لا نجدنها في القرآن أو السنة يحدد نوعا خاصا من الجلابيب تلتزم كل النساء المسلمات يؤيد قولنا هذا ما جاء عند المفسرين و المحدثين و القدماء و منهم ابن عاشور الذي يقول :



"و هيهات لبس لبس الجلابيب مختلفة باختلاف النساء تبينها العادات
و المقصود هو ما دل عليه قوله تعالى :"ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"(21) و قبله بقرون يقول ابن حجر العسقلاني :"... فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد قرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس و لكن يمتاز النساء بالاحتجاب و الاستتار (22).



لا تحدد الآية زيا خاصا تلتزم به كل النساء المسلمات في العالم. إضافة إلى أن الأمر يلبس الجلابيب لم يكن الهدف منه الجلباب في حد ذاته و إنما ما يرمي إليه من تحصين الحرائر حتى لا يؤذين، فهو علامة تميز بين الحرائر و الجواري حسب التنظيم الاجتماعي – قديما – فإن عمر بن الخطاب كان يضرب الإماء إذا تسترن و احتجبن و يقول لهن : أتتشبهن بالحرائر" (23).



و بعد هذا التوضيح أرى أن اللباس تقليد اجتماعي يخضع لعادات البلد و سكانه، و يمثل الوطن التي يجب أن يحافظ عليها المواطن
و اعذروني في استعمال كلمة يجب هنا، و قد اضطررت إليها لأني لست ممن يستعمل هذه العبارة و مرادفاتها في البحوث العلمية. و ذلك لا يمكن أن نجبر النساء على زي موحد و نزعم أنه من فرض الاسلام.



و هكذا كانت الجلابيب التميز بين الحرائر و الإماء اللاتي كن يمشين حاسرات، أو بقناع مفرد يعترض الرجال فيتكشفن و يكلمهن، فإذا تجليت، و تسترت كان ذلك حجابا بينها و بين المعترض بالكلام، و الاعتماد بالإذاية(24) و نأتي الآن إلى الآية 53 من سورة الأحزاب :

"و إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم
و قلوبهن و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله".



ذكر المفسرون ستة أخبار في سبب نزول هذه الآية، اخترت منها واحدة تكاد تكون جامعة لبقية معاني الأخبار المذكورة يقول الخبر :"روي أن عمر قال : قلت يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر و الفاجر، فلو أمرهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب"



نفهم من هذا الخبر أن الرسول ما كان داعية للحجاب، و ما كان يشترط خلقا معينا في من يدخل بيته "يدخل عليهن البر و الفاجر" يدعمه الخبر الثاني في سبب نزولها و مفاده أن رسول الله لما تزوج زينب بنت جحش ... أولم عليها فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و زوجته مولية وجهها إلى الحائط. فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنس : فما أدري أأنا أخبرت النبي صلى الله عليه و سلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال : فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني و بينه و نزل الحجاب"(25)



و الذي طلب أن تحتجب نساء الرسول هو عمر بن الخطاب و هو معروف بتسدده و موقفه من النساء، فوافق الوحي رأى رأي عمر حسب الرويات المذكورة.



فما هو مفهوم الحجاب في هذه الآية ؟

"هذه الآية شارعة حجاب أمهات المؤمنين... و الحجاب الستر المرخي على باب البيت"(26) و قد عقب بعضهم على هذه الآية :"أننهى أن نكلما بنات عمنا إلا من وراء حجاب (27)، و ليس الحجاب في هذه الآية تغطية وجه زوجات النبي كما ذهبت إليه الكاتبة التونسية سلوى الشرفي في كتابها "الإسلام و المرأة و العنف"(28).



و تحقق بما جاء في آية الأحزاب هذه و في قوله تعالى :"يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن و عدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه و الكفين،
و هو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن (29).



فماذا تقول سورة النور في الآية 30، و السورة مدنية باتفاق و تعد المائة في ترتيب نزول القرآن نزلت بعد "إذا جاء نصر الله" و قبل سورة الحج (30). تقول الآية الكريمة : "و قل للمؤمنات يغضضن أبصارهن
و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، و ليضربن بخمرهن على جيوبهن".



تأمر الآية بجملة من الآداب منها غض البصر و تجنب الزنا واخفاء الزينة، و استعمال الخمار. فما هي الزينة ؟ جاءت كلمة "زينتهن عامة" مما اضطر المفسرين إلى الاختلاف في ضبطها و تحديدها بين زينة خلقية و زينة خلقية، و بين ما يمكن للمرأة أن تخفيه و ما يمكن أن تظهره يقول الزمخشري :"فإن قلت لم سمح مطلقا في الزينة الظاهرة قلت : لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها، و من الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة و المحاكمة و النكاح، و تضطر إلى المشي في الطرقات، و ظهور قدميها، و خاصة الفقيرات منهن و هذا معنى قوله "إلا ما ظهر منها" يعني إلا ما جرت العادة و الحيلة على ظهوره
و الأصل فيه الظهور، و انما سمح في الزينة الخفية أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم و مخالطتهم و لقلة توقع الفتنة من جهاتهم، و لما في الطباع من النفرة عن ممارسة القرائب، و تحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار و النزول و الركوب و غير ذلك (31).



و قال ابن عاشور "و فسر جمع من المفسرين الزينة بالجسد كله، و فسرما ظهر بالوجه و الكفين، قيل و القدمين و الشعر (32) و عند القرطبي :"اختلف الناس في قدر الزينة فقال ابن سعود ظاهر الزينة هو الثياب، و قال عطاء و الأوزاعي و ابن جبير : الوجه و الكفان، وقال ابن عباس و قتادة ... ظاهر الزينة : الكحل و السواك و الخفاب إلى نصف الذراع، و القرطة و الفتح، و نحو هذا مباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس.



و قال ابن عطية "و يظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي و تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة و وقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن أو نحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه (33).



و اختلفوا أيضا في تحديد ما يظهر منها من الجسد فمنهم من قال الوجه و الكفين و منهم من قال يجوز الكشف إلى نصف الذراع استنادا إلى هذا الحديث الذي ذكره الطبري أن الرسول قال :"لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وججها و يديها إلى هاهنا "و قبض على نصف الذراع.



تفيد هذه التفسيرات الاختلاف في تحديد الزينة حتى أوكلها ابن عطية إلى اجتهاد المرأة حسب ظروفها و حركتها، و اعتبر ابن عاشور الشعر من الزينة الظاهر عند بعض المفسرين، و أجاز طنطاوي جوهري أن تبدي ما ظهر من زينتها و إذا خاف الرجل على نفسه الفتنة فليغضض من بصره (34).



بناء عليه يكون المبدأ الأساسي في الإسلام الستر و عدم المبالغة في الزينة و قد تجاوز هذا الدين النظام القديم في حجاب المرأة كما رأينا سابقا كما بين أن الحجاب لا يعني حجب المرأة في البيت و منعها من ممارسة حقها في الحياة مثلها مثل الرجل. و قد رفضت عائشة بنت طلحة و سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تغطية الرأس مما يؤكد أن اللباس لم يكن موحدا قديما و ثبت في الآثار أنه كان متنوعا أيام عمر بن الخطاب فهذا مالك يقول : بلغني أن عمر بن الخطاب نهى عن لبس القباطي و هي ثياب ضيقة تلتصق بالجسم لضيقها، فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها، و تبدي ما يستحسن منها (35).



إضافة إلى هذا فإنه جاء في الآية بعد ذكر الرجال الذين يمكن للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم لأنهم من المحارم هذا الكلام :"أو ما ملكت أيمانهن" من الإماء و العبيد، فينظر العبد من سيدته ما ينظر المحرم و هو مروي عن عائشة و أم سلمة رضي الله عنهما. و كانت عائشة تمتشط و العبد ينظر إليها، و قالت لذكوان : إنك إذا وضعتني في القبر و خرجت فأنت حر(36). و في حديث أنس أن النبي وهب فاطمة عبدا و كان عليها ثوب إذا أقنعت به رأسها لم يبلغ رجليها و إذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك قال :"إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك أو غلامك"(37).



هذا ما ذكر في الزينة الظاهرة و يعتبر في ذلك الزمن ثورة على الموجود من حجاب مبالغ فيه أو خلاعة تنافي كل القيم الأخلاقية بلغت حد الطواف بالبيت العتيق عراة. و ما جاء به الإسلام فيه الكثير من رفع الحرج عن المراة فإذا كان لها رجل يخدمها في البيت شأن العبد قديما الخادم حديثا فلا يمكن أن تحتجب عنه و من ثم يبقى تحديد ما ظهر من الزينة خاضعا للاجتهاد البشري، و ما يظهر منها و ما يخفى خاضعا للآداب العامة التي تجمع عليها كل الشرائع و كل القيم الأخلاقية الفاضلة.



ننتقل الآن إلى بيان الخمار في قوله تعالى :

و ليضربن بخمرهن على جيوبهن :

الخمر هي المقانع و كانت نساء الجاهلية يشددن خمرهن من خلفهن، و أن الجيوب كانت من قدام فكانت تتكشف نحورهن... فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتغطي بذلك أعناقهن و نحورهن و ما يحيط بها من شعر و زينة الحلي في الآذان و النحور و موقع العقدة منها (38)



و الجيب أعم من فتحة الصدر حسب ما جاء في فتح الباري أن الجيب هو ما يقطع من الثوب ليخرج منه الرأس أو ايد أو غير ذلك" (39)

و المقصود بالجيب في الآية طوق القميص مما يلي الرقبة، و كانت جيوب النساء واسعة فأمرن بوضع الخمار على جيوب الاقمصة (40).



الخمار موجود و هو عادات لباس المرأة العربية في ذلك الزمن،
و ما فعله الإسلام أنه أمر يستر العنق و الصدر و الثديين و كل ما يسبب الإغراء و يعتبر المرأة بضاعة، فدعا المرأة لتظهر في مظهر محتشم،
و هي دعوة جميع الأديان و القوانين المعقلنة، و تعرف بها النساء صاحبات القضايا الفكرية و المناضلات في مختلف مجالات الحياة، و اللاتي ترفض أن تكون المرأة للمتعة الجنسية فقط و أن تصبح شيئا ماديا و هذا هو الفهم المنطقي و المقبول لمفهوم الزينة و الخمار، و لا يمكن أن تقبله على أنه قبر لجسد المرأة و لعقلها داخل البيت أو خارجه. فليس الخطر في أن تلبس المرأة الحجاب أو لا تلبسه إنما الخطر في أن يصبح ذلك اللباس وسيلة لحجبها داخل البيت و منعها من المشاركة في الحياة و الأخطر أن تعود إلى التمييز بين الحرائر و الجواري بعد اندثار هذه الظاهرة. و يكون سببا في التراجع عن حقوق المرأة التي اكتسبتها سواء عن طريق النضال المتواصل أو عن طريق الإرادات السياسية الواعية و المتنورة كما هو الشأن في تونس.



هذا و إذا رجعنا إلى القرآن لانجده استعمل كلمة "الحجاب" كمصطلح لتحديد نوع اللباس، و إليكم معانيه :

- الحجاب في سورة الأعراف الآية 46 : سورة ضرب فاصل بين مكان الجنة و مكان جهنم.

- الحجاب في سورة الإسراء الآية 45 : الساتر الذي يحجب البصر عن رؤية ما وراءه.

- الحجاب في سورة ص 52، الستر في البيت الذي تحتجب وراءه المرأة و غيرها.

- الحجاب في سورة فصلت الآية 5 : الساتر للمرئي من حائط أو ثوب، أو ما يمنع النفس من الهداية.



و ما نخلص إليه أن اللباس الذي تفرضه جماعة معينة و تضع له مواصفات حسب هواها لتحجب المرأة جسدا و عقلا و روحا لا أصول له في الإسلام و تعود أصوله إلى الثقافات القديمة التي ذكرنا بعضا منها و أن كل ما استحدثه بعض الناس من المبالغات في حجب النساء يعود إلى عدم ثقة الرجل بنفسه أولا ثم بالمرأة ثانيا، فيبحث عن سد الذرائع، و ذلك ليس من أصول الشريعة. والمفهوم من الستر في القرآن ليس إخفاء النساء
و حبسهن في البيوت أو في لباس معين لأن الأمر بغض الأبصار في القرآن لا يكون مع حجب النساء عن الأنظار، و منعهن من الخروج و لم يكن لباس المرأة في حياة الرسول مانعا للمرأة من الخروج مع الرجال إلى ميادين العمل و القتال، و العبادة فالحجاب المقصودهو الحجاب المانعمن البتذال و الخلاعة و ما من ديانة و لا شريعة و لا قانون يحمد منها أن تأذن بالتفسخ أو يحمد منها أن تغض عنه البصر، و لا تفرض له آدابا تهذبه
و تكف أذاه (41).







الهوامش



(1) Susan . M. Okin : Women in western political thought P. 15.

(2) F. Engels : The origion of the Family . P. 64 Mascon 1968.

(3) اما عبج الفتاح امام، الفيلسوف المسيحي و المرأة، ص 53.

(4) عباس محمود العقاد، المرأة في القرآن، ص 57، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، 1981، و انظر كتاب : أفلاطون و المرأة لإمام عبد الفتاح إمام، ص 10 – 13، مكتبة مدبولي الطبعة الثانية، 1996.

(5) سفر التكوين، الإصحاح 24 : 64 – 65.

(6) سفر التكوين، الإصحاح 38 : 13 – 14.

(7) نشيد الإنشاد، الإصحاح 1 : 7.

(8) نشيد الإنشاد، الإصحاح 4 : 1 + 4.

(9) سفر إشعيا، الإصحاح 3 : 16 – 17 – 18- 19.

(10) الفيلسوف المسيحي و المرأة، ص 36.

(11) الإصحاح 11 : 6.

(12) Queted by J Donaldson P 184.

(13) الفيلسوف المسيحي و المرأة ص 69 – 70 + 78.

(14) الفيلسوف المسيحي و المرأة ص 70.

(15) الرسالة الأولى لأهل كونثوس، للقدس بولس، الإصحاح 11 : 7 + 10 + 13 و الإصحاح 14 : 34 و الإصحاح 6 : 30.

(16) الفيلسوف المسيحي و المرأة ص 50.

(17) محمود عباس العقاد، المرأة في القرآن، ص 58.

(18) محمد رشيد رضا، نداء للجنس اللطيف، ص 178، المكتب الاسلامي بيروت 1404هـ/1984م.

(19) التحرير و التنوير ج 21/245.

(20) التحرير و التنوير ج 22/107.

(21) التحرير و التنوير ج 22/107.

(22) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء و المتشبهات بالرجال ج 10، ص 332.

(23) أحكام القرآن لأبي بكر العربي، 3/1586 – 1587.

(24) أحكام القرآن لأبي بكر العربي، 3/1586 – 1587.

(25) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ج7، ج14، ص144.

(26) التحرير و التنوير 22/90 – 91.

(27) أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل 3/243.

(28) سلوى الشرفي، الإسلام و العنف و المرأة، ص 111، منشورات علامات، الطبعة الأولى، تونس د.ت.

(29) التحرير و التنوير، 22/91.

(30) التحرير و التنوير، 18/140

(31) الكشاف، 3/71.

(32) التحرير و التنوير 18/207.

(33) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن مج 6 ج 12 ص 153.

(34) طنطاوي جوهري، الجواهر مج6، ج12، ص12 دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع د.ت.

(35) التحرير و التنوير 18/207.

(36) فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب ج23/207، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية د.ت.

(37) تفسير الجواهر، مج6، ج12، ص12.

(38) مفاتيح الغيب، 23/206.

(39) فتح الباري، شرح صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب جيب القميص من عند الصدر و غيره.

(40) التحرير و التنوير 18/207.

(41) نداء للجنس اللطيف ص 182، و المرأة في القرآن ص50+61.



#منجية_السوائحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- -قرن- ينمو في جبين امرأة صينية تبلغ من العمر 107 أعوام
- الوكالة الوطنية للتشغيل 800 د.ج تكشف كيفية التسجيل في منحة ا ...
- طريقة التسجيل في منفعة دخل الأسرة بسلطنة عمان 2024 والشروط ا ...
- تقارير حقوقية تتحدث عن انتحار نساء بعد اغتصابهن في السودان
- أنبــاء عن زيـادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى 8000 د.ج! ...
- جنود إسرائيل في ثياب النساء.. ماذا وراء الصور؟
- وباء -الوحدة الذكوري-.. لماذا يشعر الرجال بالعزلة أكثر من ال ...
- مساعدة الرئيس الإيراني: مستعدون للتعاون مع قطر في مجال الأسر ...
- لماذا تسافر ملكة جمال لبنان إلى المكسيك في أوج الحرب؟


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - منجية السوائحي - معركة وهمية في الاسلام : اسمها الحجاب و السفور