أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد محمد صالح - التحرش الدينى















المزيد.....

التحرش الدينى


أحمد محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جلست بجواره فى القطار القادم من الصعيد ، وكان شيخا معمما انيقا فى اواخر الخمسينات من عمره ، سعة العيش واضحة على ملابسه الرسمية ، عرفت من التفاف تلامذته حوله ، اننى جلست بجوار استاذا فى المؤسسة الدينية ، عائدا من مناقشة رسالة علمية فى جامعات الصعيد . كنت مرهقا ، ورغبت فى النوم ، أيقظنى صوتا للآذان هادئا صادرا من احد جيوب الشيخ ، وكانت المفاجأة تليفونا محمولا من احدث الطرز فى يد الشيخ ، وعرفت من المحادثة المسموعة ان هناك من يستفتى الشيخ فى شىء من أموره ، حاولت النوم ، لكن ابدا لم يتوقف تليفون الشيخ عن الرنين اقصد عن الآذان طوال الساعات الست مسافة السفر ، كانت الفتاوى فى كل شىء وبصوتا مسموعا تماما فى عربة القطار ، عن السفور والحجاب ؟! عن حب المرأة لغير زوجها ؟ّ عن العفاريت والجن وزواج الأنسان من الجن ، عن عذاب القبر و الثعبان الأقرع ، والثعبان ابو شعر عن غسيل الموتى ، والنهاية السوداء لكل من لا يسمع كلام المؤسسة الدينية . و لم يسأل احد كيف نغير الفساد والقهر والتخلف الذى يعانى منه المسلمون فى المنطقة ، كيف نزيد أنتاجنا ؟ كيف نشارك العالم فى معارفه واختراعاته التكنولوجية ؟! ، بل جاء بعض الركاب يقبلون يد الشيخ مع هالة من التقديس ، أزعم انها نتيجة عهود طويلة من التجهيل ونشر الفكر الغيبي والتحالف بين الدين والسلطة ، وتزاحمت الاسئلة فى عقلى هل مجرد ان يحمل رنين التليفون المحمول صوت الاذان ، يصبح المحمول اسلاميا ؟! هل تستطيع دولة اسلامية او عربية صنع تليفونا محمولا واحدا بدون مساعدة من الكفار اقصد الغرب ؟ بل هل تستطيع دولة اسلامية او عربية ان تصنع ساعة او حتى دراجة بدون مساعدة أجنبية ! هل يستطيع العرب استخراج بترولهم بنفسهم ؟ وهنا تذكرت زميلى فى الجامعة وهو استاذا كبيرا فى الاجتماع ، حاملا للدكتوراه من اكبر جامعات الغرب ، يتباهى دائما بوجود شيخا من اقاربة مقيم فى منزله بصفة مستمرة ، ولا يتخذ قرارا فى حياته الا بعد ان يستفتى الشيخ ، هذا الزميل كان يحضر مجلس الكلية ويخبرنا ان الشيخ ينصحنا ان نفعل كذا وكذا ، والا العواقب وخيمة ! وشاءت الظروف ان أزوره فى منزله ، ولفت نظرى فى حجرة الاستقبال ، وجود شيشة وأدواتها من معسل وفحم وخلافة ، وزميلى اعرفه لا يدخن ، وسألته ، وعرفت انها من ادوات الشيخ حتى يعدل مزاجه ، ويفتى الفتوى الصحيحة ! لقد بلغ الهوس الديني بالمصريين إلى درجة صبغ كل شيء في المجتمع بالصبغة الدينية، كالبنوك الإسلامية، والزي الإسلامي، والفضائيات الإسلامية والأفراح الإسلامية ، وقبل كل ذلك الدعوة الجاهلة لأسلمة العلوم ، حتى العمارة التى أسكنها اسمها برج الرضوان لشركة مقاولات تسمى أم المؤمنين ، ونعانى نحن الملاك الكثير من أطماع هذة الشركة ، التى ضحكت علينا فى كل شىء باسم الاسلام ، معظم الشقق وضعت ملصقات بالأدعية على بابها الخارجى ، حتى المصعد تجد فى داخله دعاء السفر ، وممنوع على اى انثى فى العمارة تركب المصعد بدون محرم حتى لو كانت طفلة ! تحت العمارة زاوية يقال انها مسجدا ، له رائحة المجارى لأنه أقيم فى فراغات العمارة بجوار غرف تفتيش المجارى ، وميكروفونه يسبب الصمم من الزعيق بالآذان ، ويسكن معنا اقباط ، و هم مجبرين ان يسمعوا خطبة كل جمعة ، وزعيق كل آذن ، وبجوارنا كنيسة تعمل فى صمت . وفى شارعنا ، بين كل زاوية وزاوية مسجدا تتصارع ميكروفاتها فى التبارى بالصوت العالى المتشنج للدعوة للصلاة . وكل الناس ثبتت مؤشر الراديو على اذاعة القران الكريم طول النهار ، وكأن البلد تحولت إلى مقابر ومأتم ، الكل يذيع القرآن رحمة على الأموات وبركة على الاحياء ، واصبحت النصوص الدينية المذاعة ليل ونهار هى الخلفية الموسيقيه لكل المفاسد التى تمارس مختبئة وراء الرياء الدينى ، وانشغلنا عن الإبداع والإبتكار والعلم والمشاركة فى حضارة اليوم بهواجس الحلال والحرام والجنة والنار ، وتقديس النصوص والمرجعيات الجامدة ، والشكليات الدينية ، واصبحنا مثل بقية المسلمون من أشد أمم العالم تخلفا ورجعية وضعفا وفقرا وجهلا ومرضا . وتكالب الناس على العمرة والحج مهما كان الثمن ، وأطلقت اللحى ، وقصرت جلاييب الرجال ونقصت معارفهم ، وغطت روؤس النساء والبنات ، واصبحن محجبات من فوق والإسترتش من تحت ، واشتعلت المباخر تنشر البركة والتخلف على مصر كلها ! و صارت مناهجنا التعليمية تشجع التزمت والمغالاة والتمسك بقشور الدين ، ولم نعد نستطيع التفرقة بين الاعتدال والغلو الدينى سميفونية واحدة من النعيق المتناغم ، تركب التاكسى تسمع القرآن وتجد المصحف ، ولا تجد عدادا للتاكسى ، تدخل اى مصلحة حكومية ، تجد خلف مديرها لوحة قرآنية كبيرة وفاتح درج مكتبة لتسهيل الأمور ، وسائل الاعلام من صحف واذاعة وفضائبات تفيض بالبرامج الدينية والفتاوى اياها ، البلد كلها فى حالة دروشة وهوس دينى لدرجه العته ! و صرنا نتكلم لغة التعصب و الارهاب ، و ننافس بعضنا البعض فى التفاخر بالاستموات فى الدين ، و فى الاستعراض بنفاق اللة تعالى ، وضرب الاكتئاب أعماقنا و فقدنا القدرة و الرغبة فى الاستمتاع بالحياة ، أصبحنا نكره أنفسنا . و منذ أسابيع صدر قرار من وزارة العدل المصرية بإعطاء المؤسسة الدينية حق مصادرة الكتب والمطبوعات التى تخالف الشرائع والمبادئ والقيم الإسلامية ، ولا ادرى ما هو المقصود بالقيم الاسلامية ، هل هى قيم الخير والحب والجمال والمساواة والحرية والحق ؟ كل الاديان والفلسفات الاخلاقية تدعو لتلك القيم ، هل المقصود بالقيم الاسلامية ذلك الموروث الثقافى الذى ينشره الشيوخ ويتكسبون منه ! ذلك الارث الذى يعمل لصالح قيم السلف والتزمت وحجب وعزل المرأة ، والمبالغة فى النزعة الذكورية ،وتفضيل الماضى ،ونبذ العلم والتفكير العلمى ،وتضخيم النزعة العائلية والقبلية ،وتنمية الروح القدرية ، لا ادرى عن اى قيم يتحدثون ، واظنهم يقصدون تلك القيم التى تعطى قداسه زائفة للرجال الدين ، يضحكون بها على بسطاء وعامة الناس ، لدرجة اصبحنا نعانى حالة من التحرش الدينى ، فى كل لحظة ، و نعيش حالة بلبلة نتجاهل فيها دعاوى الإصلاح الدينى، لمراجعة نقدية لكل المورث الثقافى الذى صاحب الدين ، وأعتمادنا على منطق التسكين والتهوين ، والتأجيل ، الذى لن يحقق شيئاً ، بل من شأنه أن يولد الكثير من الآثار السلبية ، وابرزها إنتشار حالة الفوضى والإضطراب والعنف والإرهاب خاصة فى ظل حالة من فقدان المصداقية للفعل من المؤسسات الدينية . وإذا كانت الثقافة فى اى مجتمع تعد عاملاً مهمًا في تحديد مدى قابلية المجتمع للإصلاح والتطوير، فأن الثقافة العربية فى معظم جوانبها وبالأخص فى خطابها الدينى تمثل عاملاً معوقًا لجهود الإصلاح، وتشكل البيئة الملائمة لتفريخ العنف والإرهاب، ولا ادرى ما هو صحيح الدين ؟! ومن الذى يقرر ان فهمه وتفسيره هو صحيح الدين ؟! فكل فرقة تعتبر مذهبها هو صحيح الدين ؟! و كل طرف يتصور انه يملك الحقيقة المطلقة ، ويتصور أن الله خصه وحده بالدين الحق ، ومن الذى يحدد هذا الصحيح .. أهو زعيم القاعدة بن لادن ، أم مفتي المؤسسة الدينية ، أو مرجعيات الشيعة ؟ لم يبقى امامنا الا تحرير الدين من التوظيف المغرض، ومن الرياء والطقوس الاستعراضية، وتنقية تراكمات المورث الثقافى ، وفصل الإلهى عن البشرى ؟! وحفز الاجتهاد وحماية حق الاختلاف في العقائد والمذاهب ، و استبطان جوهر الدين على هيئة قيم روحية وأخلاقية تتجسد في السلوك اليومى ، فى مجتمع لا يتحرش دينيا بأفراده ويجبرهم على الإيمان او عدم الايمان او يحاسبهم على ما فى صدرهم ! مجتمع تسود فيه مبادىء حقوق الإنسان ، وسيادة القانون على الجميع ، بصرف النظر عن دينهم وعرقهم ومذهبهم ، فالإيمان قضية شخصية لا تدخل فيها ولا إكراه عليها .



#أحمد_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون وتحديات عصر المعلومات
- ثقافة الدوجما
- انتصار الفقر
- التدين على الإنترنت
- ختان العقول
- الأديان والعقائد حول العالم
- حقوق المعلومات فى عالم غير متساوى
- الشيخة نادية والدكتور زويل
- المثقفون والعمدة
- الحرية الأكاديمية وأسلمه المعرفة
- الإرهاب و وسائل الإعلام
- فى بلاد الكفيل
- المرأة المصرية فى عباءة الكفيل الوهابى


المزيد.....




- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 
- تونس تحصل على 1.2 مليار دولار قرضاً من المؤسسة الدولية الإسل ...
- مين مستعد للضحك واللعب.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 20 ...
- «استقبلها وفرح ولادك»…تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ك ...
- لوموند تتابع رحلة متطرفين يهود يحلمون بإعادة استيطان غزة
- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد محمد صالح - التحرش الدينى