أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر عبد الصاحب البراك - المسرح الاسقاطي ... اطروحة الخطاب الجديد















المزيد.....

المسرح الاسقاطي ... اطروحة الخطاب الجديد


ياسر عبد الصاحب البراك

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


( من تجارب المسرح العراقي )
إن الأزمة المعاصرة للخطاب المسرحي لا تقف عند حدود الانحسار الغريب لفاعلية المسرح بوصفه خطابا اتصاليا ، بل تتعدى ذلك إلى وقوع المسرح نفسه أسير الإشكاليات البنيو- رؤيوية التي جعلت منه خطابا نخبويا لا يرضي قطاعات واسعة من الجمهور ، ولذلك كان لابد لهذا المسرح من أن ينشطر على نفسه لينجب خطابا ميّتا آخر دعوناه دائما ( الخطاب النفعي ) ، وإذا كان الخطاب النفعي قد اخذ مساحاته المعدة له سلفا ، فان هذا يدعونا إلى النظر في الخطاب الأخير الذي ولّد تلك الإشكاليات المعاصرة وأحال المسرح إلى نوع من ( الأزمة ) ربما هي جزء من أزمة الثقافة الوطنية ككل .
لقد فقد المسرح الحالي صيرورته وراح يجتر اجترارا عقيما رؤاه ومشاريعه القديمة حتى بات خطابا سلفيا ، ولأنه ابتعد عن مغزاه الحقيقي ( تكوين ذائقة مسرحية متحررة ومتحركة في آن معا للمتلقي ) ، فانه بدا يمارس قطيعة معرفية مع الآخر/ المتلقي ، حتى اصبح ذلك الخطاب رسالة بلا مرسل إليه ، أو أن الرسالة لا تجيد قناة الاتصال التي تؤهلها لاختراق معرفة الآخر/ المتلقي وتكوين الذائقة الجمالية التي تمنح الخطاب المسرحي صيرورته ، فوقع الخطاب أولا في إشكالية الاتصال ، مما انعكس على حركية الجانب البنيوي فيه ، وفقد مصداقية ( الرؤيا ) ثانيا ، لذلك راح الجهد المسرحي يجرب في النظام البنيوي من دون أية مسوغات فنية سوى روح المغايرة والاقتحام بعيدا عن عالم المتلقي الضاج والمنفعل ، لذا فقدت تلك التجارب انساقها الاتصالية الموروثة من المنجز المسرحي ، فأصبحت تجارب بلا ارض ترتكز عليها ولا سماء تحتويها .
إن بقاء المشهد المسرحي على ما هو عليه لا يعني – في ما يعنيه – إلا حدوث حالة عجز رؤيوي هيمنت على الجهد المسرحي ، وإلا ما الذي يجبرنا على هذه السعة الكبيرة في الإنتاج ، بينما تظل مقاعد مسارحنا فارغة ، في حين تمتلئ الأروقة في مسارح الخطابات النفعية ؟.. أية جاذبية تلك التي تمارسها تلك الخطابات ؟.. وأية قوة طاردة تلك التي تبثها خطاباتنا المسرحية المنتمية إلى خطاب ( الأزمة ) انف الذكر ؟.. ثم لِمَ هذا الإغراق في التجريب المسرحي من دون اثر يذكر ؟.. وأين هي المؤسسة النقدية الواعية التي يمكن لها أن تؤشر تلك الإشكاليات ؟.. ثم كيف نفسر هذا الانحسار والفقر في التنظير المسرحي الذي اصبح عارا على من يطرق بابه ؟.. ولِمَ هذا الاستهجان لتجارب مسرحية تزاوج بين تجربة التنظير والتطبيق ؟.. وان كانت هناك فجوة بين المستويين أليس ( انتونان ارتو ) أنموذجا لمثل هذه الإشكالية ، وماذا يعني ذلك ؟..
أسئلة لابد لها من إجابات ، بل لابد لها من مشاريع مسرحية بديلة ، لا تلغي السائد ، ولكن تتعايش معه ، لا ترفض القائم ، ولكن تحاوره ، لا تدمر المنجز ، ولكن تعطي البديل ، وفي النهاية تعترف بأنها ليست وحيدة ساحتها ، بل تبارك كل ما هو سائد يلتقي مع أطروحتها وتفتح الطريق لخطابات أخرى مازالت في مرحلة التيه .
( المسرح الإسقاطي ) يمثل اطروحة [ 1 ] جديدة تريد أن تتجاوز تلك الأزمة وتتعالى عليها ، وإذا كان هذا المصطلح جديدا على الجهاز المفاهيمي النقدي ، فان مستوى الجِدّة الحقيقي فيه لا يكمن في المصطلح فحسب ، بل يتعدى ذلك إلى العلاقة المتبادلة بين الخطاب والمتلقي ، لان المسرح الإسقاطي يريد أن يخلق خطابا جديدا ومتلقيا جديدا ، وهذه الجِدّة تنبع أولا من محاولة إنشاء انساق اتصالية فاعلة تعتمد على قدرة المتلقي في إنتاج الخطاب المسرحي بعد إنتاجه الأول المركب من مجموع الفنون السمعية والبصرية فيه ، وثانيا انه يريد أن تكون فاعلية التلقي ليست فاعلية آنية بل تتجاوز إلى مستوى تأسيس الذائقة التي تؤهل خطابات المسرح الإسقاطي لتحقيق هدفها في إسقاط الأنساق التقليدية للتلقي وإسقاط الذائقة السلفية للمتلقي ، ولعل التقولات التي رافقت هذه الأطروحة سواء في مستواها النظري أم التطبيقي لا تتعدى مستوى الطرح السلفي الذي يرى في المسرح منذ نشأته الأولى الوثنية اسقاطيا ، متناسية أن أطروحة ( المسرح الإسقاطي ) في الخطاب الجديد تعتمد على نحت جهاز مفاهيمي ، إضافة إلى تأسيس انساق اتصالية جديدة وذائقة جمالية عالية المستوى ، فإذا كان الإسقاط في الخطابات السائدة بؤرة ثانوية ، فانه عندنا يكون بؤرة مركزية ، وإذا كانت فعالية الإسقاط في السائد مضمرة وضمنية ، فإنها هنا تصبح جوهرية ومعلنة ، وإذا كان السائد يقتصر في أنماط الإسقاط على ( الإسقاط التاريخي / الإسقاط السياسي ) فإننا نتجاوز هنا إلى ( الإسقاط المعاصر ) ، ولعل خطاباتنا التي أنجزناها منذ عام 1993 – 2004 [ 2 ] تفسر مستوى الإسقاط المعاصر الذي يكمن بداخلها .
( القناع الجمالي ) يمثل أحد أهم الخيارات التي يطرحها المسرح الإسقاطي لحسابات معرفية وفنية يبوح بها الخطاب نفسه ، فالقناع الجمالي ليس ( تكتيك ) مرحلي ، إنما هو ( استراتيجية ) دائمة هدفها إضفاء الطابع السري على المسرح الإسقاطي ، فالسرية تمنح هذا الخطاب بعدا تأويليا قلما نجده في خطابات السائد لأنها معلنة ومكشوفة . إن السرية هنا لا تعني الغموض وعدم الإفهام بقدر ما تعني إعطاء نوع من التساؤل والدهشة للمتلقي في تأويل رموز وشيفرات الخطاب الإضافية وتوفيرها ( لذة التلقي ) تلك اللذة التي يستشعرها المتلقي يوميا حتى بعد انتهاء مستوى التلقي الآني ليدخل مرحلة التلقي البَعْدي ، تلك المرحلة التي لا تنتهي أبدا إلا بفعل وجود خطابات أخرى من هذا النوع ، وعلى هذا فان ( القناع الجمالي ) في المسرح الإسقاطي ليس إطارا شكليا يخفي عيوب ( الرؤيا ) فيه ، أو يطغي على الخطاب الفكري الذي يمثل أحد أهم رهانات هذا المسرح في المغايرة مع السائد الذي راح يدور في تهويمات فكرية لا تنتمي لمنظومة وعي متجانسة أو مقبولة اجتماعيا ، وهذا يدعونا إلى التعريج على الجانب الوظيفي للمسرح ، إذ أن الوظيفة الأساسية للمسرح الإسقاطي هي تكوين ( الوعي الضدي ) للسائد واحتلال مواقعه من خلال نظام شيفروي يخلقه الخطاب بنفسه ويمثل بناه الداخلية وكينونته ، وهذا الوعي يستند إلى فلسفة حية إطارها العام مستل من ( الواقعية الإلهية ) حيث تتداخل العوالم الواقعية بما بعدها ، ويصبح تعدد العوالم وتنوعها إثراءً معرفيا للخطاب لأنه سوف ينشغل بالماورائيات ، إضافة إلى المادة الحية الواقعية التي تصبح جزءً من المتفاعل اليومي ، وهذا يدفع بالخطاب إلى اطروحات بعيدة كل البعد عن ما هو يومي ومتداول ، بل ترتفع بكل ذلك إلى مستوى المقدس المطلق ، لان الفن عندنا يصبح فعالية قدسية يمارسها القديسون والأطهار ، وهو خطاب كوني يخترق حواجز اللغة والجغرافيا والتاريخ ليؤسس سيكولوجيا بشرية متعددة الأبعاد ، إن خطابنا لا يخفي تأثراته الجزئية بخطابات أخرى عالمية ومحلية ، وهذا جزء من الروح الحضاري الذي يحمله هذا الخطاب بداخله ، فإقامة الحوار مع الآخر/ الحضاري يمثل مطلبا مهما من مطالب الجدل الواقعي في فلسفة ( الواقعية الإلهية ) . إن المرور بهذه الفلسفة والاتكاء عليها يدفع بالمسرح الإسقاطي إلى وضع نظام ( الذاكرة الجمعية ) في سلم الأولويات التي تمارسها أطاريح هذا المسرح ، فالذاكرة مخزن إبداعي لا ينفد تمد المسرح الإسقاطي بفعل التأثير المباشر والحي في المتلقي ، لان خطاباتنا ستركز على الأنساق الشعبية التي أسست بفعل علاماتها التعاقدية في ذاكرة المتلقي وكونت ( تابو ) مقدس لا يمكن اختراقه ، إن مسرحنا لا يمتلك قوة تدميرية تجاه ( تابو ) الذاكرة الجمعية ذاك ، بل يملك استراتيجية اختراق جمالية تعيد تأثيث تلك الذاكرة بواسطة تحقيق ( الصدمة المرجعية ) التي تحيل العلامة التعاقدية من طابعها الإيقوني ( التصويري ) إلى مستواها الإشاري ( الرمزي ) فتخرج الدلالة مغايرة للمرجع وواقعة في سياقها الجديد المبتكر ، فالاشتغال على أنظمة الذاكرة تلك لابد من انه سيحيل خطاباتنا إلى التجريب في الأشكال التراثية ذات الطابع الاحتفالي الشعبي والتي انبثقت عن رؤية مذهبية لا يمكن تجاوزها في قراءة تلك الأشكال ، عندها يصبح خطابنا من الناحية التداولية خطابا عقائديا ناطقا باسم ( فلسفتنا ) التي تمثل البُعْد الأيديولوجي لأي خطاب ينتمي إلى هذه الفرضية ، فالتجريب في الأشكال لا يعني استحضار صورتها المقدسة كما اختزنتها الذاكرة الجمعية ، بل يعمل مسرحنا اٌلإسقاطي على تفكيك تلك الأشكال واعادة صياغتها ضمن نظام بنيو – رؤيوي جديد يعتمد تقويل ( البيئة ) بمفرداتها التي تخدم رؤية الخطاب ، فالبيئة بإمكاناتها الدلالية التي تنسجم مع الإرث الكبير للذاكرة الجمعية حيث ذلك الخزين الدلالي من المعرفة ، لابد من أن يظهر شكلها النهائي في الخطاب ذا طابع سحري ومدهش ، فتصبح المفردة الواقعية محلقة في عالم من السحر والخيال حتى يستطيع المتلقي اكتشاف شعريتها .


هوامش :
[ 1 ] الأطروحة :
- إنها فكرة محتملة تعرض عادة فيما يتعذر البت فيه من المطالب ويحاول صاحبها أن يجمع بشأنها اكبر مقدار ممكن من القرائن والدلائل على صحتها لكي يرجح بالتدريج على أنها الجواب الصحيح .
- إنها الاحتمال المسقط للاستدلال المضاد من باب القاعدة القائلة إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال . ( راجع : محمد الصدر – منّة المنّان في الدفاع عن القران ( الجزء الأول ) – الطبعة الأولى – دار النجوى – بيروت – لبنان / ص 9-10 ) .
[ 2 ] عروض ( المسرح الإسقاطي ) التي قدمتها ( جماعة الناصرية للتمثيل ) – جنوب العراق هي :
- مسرحية ( قضية ظل الحمار ) تأليف : فريدريش دورينمات عام 1992 .
- مسرحية ( مَنِ البليّة ؟ ) عن مسرحية ( انسوا هيروسترات ) تأليف : غريغوري غورين عام 1993 .
- مسرحية ( الوباء الأبيض ) تأليف : كارل تشابيك عام 1994 ( مُنِعت من العرض ) .
- مسرحية ( في أعالي البحر ) تأليف : سلافوميرمروجيك عام 1995 .
- مسرحية ( الواقعة ) تأليف : علي عبد النبي الزيدي عام 1996 .
- مسرحية ( كوميديا الأيام السبعة ) تأليف : علي عبد النبي الزيدي عام 1996 .
- مسرحية ( الرّخ ) تأليف : د. محمد صبري عام 1998 .
- مسرحية ( لعبة مظلوم الخياط ) عن مسرحية ( فاوست والأميرة الصلعاء ) تأليف : عبد الكريم برشيد عام 2001 .
- مسرحية ( عشك ) عن مسرحية ( المهرج ينظر في المرآة ) تأليف : محمد الغزي عام 2002 .
- مسرحية ( الشاعر والمخترع والكولونيل ) تأليف : بيتر اوستينوف عام 2002 .
- مسرحية ( ليلة جرح الأمير ) تأليف : عمار نعمة جابر عام 2003 .
- مسرحية ( الدرس ) تأليف : يوجين يونسكو عام 2003 .
- مسرحية ( الماء .. يا قمر الشريعة ) تأليف : حازم رشك عام 2004 .

• جميع هذه المسرحيات من إخراج : ياسر عبد الصاحب البراك .



#ياسر_عبد_الصاحب_البراك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر عبد الصاحب البراك - المسرح الاسقاطي ... اطروحة الخطاب الجديد