أبناء الخليج والإرهاب

شملان يوسف العيسى

الحوار المتمدن-العدد: 204 - 2002 / 7 / 29 - 11:12
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

كثرت في الفترة الأخيرة أخبار أبناء الخليج الذين تم القبض عليهم في الكثير من الدول العربية والإسلامية منها المغرب وتونس وباكستان وأفغانستان، وبعض الدول الأوروبية حيث يتهم هؤلاء الشباب بالانضمام إلى تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن· التساؤل المطروح علينا في الخليج هو: لماذا ينخرط شبابنا في هذه التنظيمات الإرهابية؟ ولماذا يعلنون عداءهم للغرب الذي تربطه بدول المنطقة علاقات تاريخية طويلة ومصالح اقتصادية وتجارية لدرجة أن بعض الدول الخليجية لا يمكنها أن تستغني عن الحماية الغربية· الأنظمة السياسية في الخليج معتدلة وسياساتها وسطية في معظم القضايا العربية والعالمية، كما أن متوسط دخل الفرد في هذه الدول مرتفع مقارنة بغيرها من الدول العربية والإسلامية· وأهل الخليج يعيشون في مجتمعات مرفهة وتوفر لهم الدولة كل سبل الحياة الكريمة من خدمات تعليمية وصحية وسكنية وغيرها مجاناً أو بشكل مجاني· مرة أخرى نتساءل: لماذا يتطرف شبابنا في الخليج؟ لابد من وجود أسباب جوهرية تدفع شبابنا إلى التطرف· نتصور بأن هنالك أسباباً كثيرة ومتعددة لانتشار هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا؟ أهمها أن دول الخليج العربية حتى الآن لا تعرف ماذا تريد لمجتمعاتها؟ هل تريد نهج الانفتاح أو الانغلاق على الآخرين؟··· لقد تبنت بعض دول الخليج نهج الانغلاق الحضاري عن الآخرين ثقافياً واجتماعياً، لذلك لا غرابة من ازدياد التطرف والمغالاة في الدين بين شبابها··· الدول الخليجية الأخرى التي انتهجت الانفتاح النسبي نجد حوادث التطرف والإرهاب لديها أقل· الانفتاح على الآخرين وقبول بعض أفكارهم سيخفف حقاً من المغالاة والتطرف وسياسة كراهية الآخرين ونبذهم ومحاولة التهرب من التعامل الحضاري والانساني معهم· وهذا يدفعنا إلى المشكلة الأخرى في بلداننا· فنحن حتى الآن وبعد 50 عاماً من اكتشاف النفط لا نزال تائهين لا نعرف أي طريق نسلك بين التقليدية والحداثة، أو كما يحلو للبعض تسميتها التأصيل والتجديد· نحن اليوم نعيش في عصر الانفتاح العالمي بسبب ثورة المعلوماتية وهذا يتطلب منا تهيئة أنفسنا لدخول ثورة القرن الحادي والعشرين المعلوماتية والتفاعل معها حتى نضمن أن يكون لنا مكان فيها· لكن هنالك تيارات أصولية محافظة ترى أن الاحتكاك بالآخرين سيغير الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا لذلك علينا أن نحد من الاحتكاك بالآخرين لحماية أنفسنا من الضياع· مشكلتنا في الخليج وفي أجزاء أخرى من الوطن العربي هي أننا ركزنا أكثر من اللازم على الماضي وتمجيده وتخليده وأهملنا الحاضر ومشكلاته وتعقيداته وتحدياته· كما أهملنا المستقبل والإعداد له· شعوب العالم الأخرى في آسيا النمور الآسيوية قبلت التحدي الحضاري ودخلت عصر العولمة وبدأت تحسن اقتصاداتها وتنافس الآخرين بينما، نحن العرب بقينا في مكاننا نردد شعارات القرن الماضي من محاربة الاستعمار والامبريالية· مشكلة تطرف شبابنا يعود أحد أسبابها إلى تردي التعليم لدينا في الخليج، فالتعليم كما يتفق الجميع هو من أهم ركائز التنمية والتطور· مناهجنا التعليمية لا تزال عقيمة وجامدة وغير متحركة تعتمد في الأساس على الحفظ والتقليد وتحارب الابداع والخلق· نحن نحشو عقول أطفالنا بأمجاد الماضي في أمتنا وانتصاراتها مع اهمال متعمد للحاضر والمستقبل ودور الآخرين في تقدمنا الحضاري· الكثير من التربويين في الخليج ركزوا على أهمية تطوير مناهج التعليم بشكل عام ومناهج التعليم الديني بشكل خاص· مناهج التعليم الديني الحالية تشكل خميرة للتطرف والمغالاة في الدين لأن المدرسة الدينية لم تعوّد طلابها على التفكير العقلاني السليم بل ترغمهم على تلقي الدين حسب المفاهيم المغلقة وغير المنفتحة· فهم يرغمون طلابهم على أحادية التصور بمعنى أنهم يقدمون وجهة نظر دينية بحتة· لقد شعرت دول الخليج بعد أحداث 11 سبتمبر بخطورة التعليم الديني لذلك بدأت بعض دول الخليج تعيد النظر في مناهجها لأن مناهجها غير قادرة على إعداد شباب خليجي ينافس الآخرين في سوق العمل· فتطوير مناهج التعليم وتحديثها سيخلق لنا قاعدة شبابية قوية يمكن أن تنافس الآخرين في سوق العمل، كما تؤدي الى إنهاء حالات التطرف في الدين التي تسود منطقتنا اليوم· د· شملان يوسف العيسى

الاتحاد 14/7/2002م

 

 

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل