أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل درّاج - كنفاني وونوس : بابان الى المدينة الفاضلة















المزيد.....


كنفاني وونوس : بابان الى المدينة الفاضلة


فيصل درّاج

الحوار المتمدن-العدد: 203 - 2002 / 7 / 28 - 00:00
المحور: الادب والفن
    


 


ما الذي يجعل الانسان يعطف مثقفاً راحلاً على آخر سبقه في الرحيل بخمسة وعشرين عاماً? وما الذي يجعل من ميقات الرحيل مناسبة جليلة? يأتي الجواب الأول من أعطاف الذكريات والاحتفاء بالقيم, ويأتي الجواب الثاني من تقدير الأحياء واحترام ثقافة مهمومة بقضايا الأحياء. وفي الجوابين ما يوحّد مثقفين توزّعا على أسئلة متجاورة, وفي مآل المثقفين الراحلين ما يطرح أكثر من سؤال. فلقد وضع الزمن غسان كنفاني وسعدالله ونوس في قارب واحد, وأرسل بهما الى رحلة واحدة, وإن اختلفت الأعمار, قبل ان يحسمهما الموت في يومين متباعدين.



توزّعت شهوة إصلاح العالم على سعدالله ونوس, الريفي النحيل الذي زاده المرض إبداعاً, وعلى غسان, الذي عاش حياة طويلة ورحل قبل الاربعين. بدأ الأول حياته غريباً, وهو يسجّل على دفتره المدرسي البسيط ملاحظات عن الوجود والمعنى, و يكتب في دفاتره الذاتية اللاحقة خواطر عن الظلم والعدالة والكبرياء والهوان وعن السلطات السياسية, التي تلتهم الحياة قبل ان تردّها الحياة الى خبر قديم. وربما شاغل سؤال الموت الشاب, الذي اصبح مسرحياً, الى ان جاءت هزيمة حزيران (يونيو) الشهيرة, ووضعت الشاب المسرحي فوق مسرح تراجيدي جديد, يقرأ في السلطة عطب الوجود, ويبحث عن السلطة المعطوبة في ثنايا التاريخ. كأن الهزيمة التاريخية أمدّت ونوس بولادة جديدة, أملت عليه نصاً مسرحياً (ليلة سمر), يساوي فيه بين السلطة والهزيمة, وبين السلطة المهزومة واستبداد قديم. ولم يلبث سؤال السلطة ان تناتج في نصوص مسرحية عدة ترى الى الحاضر وهي تستلهم موروثاً قديماً, كأن تسخر من الرغبة الصاغرة في (الفيل يا ملك الزمان), وان ترجم المهانة والطيبة القاتلة في (مأساة بائع الدبس الفقير), وان تتأمل سذاجة الرعية ومكر السلطة في (رأس المملوك جابر). وبعد مسار قوامه المعرفة والقلق والتجريب أعطى ونوس نصاً بهياً أثار سجالاً عنوانه (الملك هو الملك), حيث الحاكم هو الطقوس الذي ورثها, بعيداً من الاسماء والوجوه والأزمنة. ومع ان المسرحي القلق الناحل مال الى صمت ما هو بالصمت بعد عمله السجالي, فقد استأنف موضوع السلطة والرعية والهزيمة في (منمنمات تاريخية), حيث (ابن خلدون) يبيع المعرفة ويرحل محملاً بالهدايا, وفي (طقوس التحولات والإشارات, حيث المصالح تقرر المسموح والممنوع. لم يكن ونوس, وهو يرى الى السلطة السياسية من زوايا مختلفة, بعيداً من نجيب محفوظ, الذي حمل له المسرحي السوري تقديراً لا يعرف التبدّل والمساءلة.  


وكما كان لسعدالله موضوعه الأثير, كان لغسان كنفاني موضوعه الذي فرضه الزمن عليه. تقاسما الهواجس والرؤى والهدف البعيد, وإن كانت تجارب المنفى واللجوء جعلت من فلسطين الضائعة موضوع غسان الأثير, ومن فلسطين المستعادة موضوعه الأخير. وإذا كان المسرحي, الذي عالج الصراع العربي - الاسرائيلي في مسرحية (الاغتصاب), قد رأى في السلطة وباء, فإن نظيره الفلسطيني رأى في قبول المنفى كفراً لا يجوز. انصرف غسان الى (وباء آخر), وآمن بمواجهته ايماناً قارب الشغف والتصوف, متحصناً بفلسفة الإرادة وبايمانية مقاتلة متفائلة, تبدع فلسطين كما يجب ان تكون. كان على غسان, الذي يخلق الظواهر قبل ان يذهب اليها, ان يستعيد فلسطين خضراء مسقوفة بالعصافير في روايته (العاشق), وان يرجم الفرار والسلامة الخبيثة في (رجال في الشمس), وان ينتظر خيمة المقاتل في (أم سعد), وان يشعل النار بالخيمة الاخرى. كان في هواجس المثقف, الذي علّم الاطفال الرسم ذات مرة, كرامة الانسان, بعيداً من حسبان فقير مأخوذ بسلطة وعلم وقطعة أرض مهلهلة السياج. وهذا الشوق الحارق الى كرامة مختلفة, وضع على قلم غسان أنشودة الموت الطليق في مسرحية (الباب), التي تحض على موت يختاره الانسان, بعد ان فاته اختيار لحظة الميلاد.



اختار كل من غسان وسعدالله الموضوع الذي يريد, وقصدا معاً (مدينة فاضلة) مجللة بالرغبات والغيوم ولا يراها أحد. قصدها الأول مطمئناً الى (الفدائي), الذي اطمأن الى بندقيته ورأى فيها حقيقة أخيرة, وذهب اليها الثاني مستعيناً بـ(المتفرّج), الذي أيقظه المسرح وهذّبه. ولم يكن (الفدائي), الذي انتقل من خيمة البؤس الى خيمة المقاتل, إلا صورة اخرى من (المتفرّج), الذي انتقل من الوعي الزائف الى الوعي الصحيح. وما (الثورة الاجتماعية) التي حلم بها المسرحي وهو يحاور بريشت وبيتر فايس وكاتب ياسين وتاريخاً عربياً قديماً - حديثاً, إلا الوجه الآخر لـ(ثورة الكفاح المسلح), التي التقط غسان مفرداتها من تجربة المخيمات وحرب الغوّار وأفكار غيفارا وماوتسي تونغ واصداء ثورة 1936 الفلسطينية. تتوزّع مقولات السياسة والتسييس والوعي واليقظة والانسان الجديد على الطرفين, وإن كان سعدالله قد ركن الى النصوص وخشبة المسرح والعرض المسرحي والجمهور وممثلين ينطقون بحقائق صادرتها السلطة, بينما ذهب غسان الى المخيمات والبنادق والاشبال والدعوة الى الحرب المزهرة. تتبادل الحروف والرغبات المواقع, وتأخذ حروف الرغبة الشكل الذي تريد, مؤكدة الانسان المتمرد خالقاً لقدره والمثقف النبيل خالقاً للانسان كما يجب ان يكون. (كان الفرار موتاً), يقول غسان في (رجال في الشمس), و(كان الجهل عقاباً) يقول سعدالله في حديث منشور, والفرار الأول هو الجهل الثاني, ونقيض الجهل معرفة عارية لا تعرف الفرار. ليس غريباً ان يكون في مسرحية (رحلة حنظلة من الغفلة الى اليقظة) أشياء من (ما تبقى لكم), اذ الممارسة العملية تمحو وعياً زائفاً وتستقدم نقيضه, وان تكون فكرة الفرار المفضي الى الموت قائمة في (رجال في الشمس) وفي (مأساة بائع الدبس الفقير), إذ من يهن ويسهل الهوان عليه ينتهي مِزَقاً عارضة على اطراف الطريق. بعد سنوات من تأمل واقع أمعن في التقوّض والتداعي, التف سعدالله ونوس بعزلته, وترك (متفرجه), الذي يغيّر العالم, مخذولاً في بطون الكتب, وذهب الى (ملحمة السراب) ونصوص اخرى, مخبراً ان الوعي المتفائل عبث بمتفرجه البريء, فليست المسارح متاحة في كل العواصم, ولا العواصم كلها مفتونة بالعروض المسرحية, وان (المسرح كتابة على الريح), تشمّ ولا ترى, وتنتهي الى أرشيف يموت ولا يموت. وما كان غسان, لو امتد به العمر, ليكتب شيئاً مغايراً, بعد ان رقد (الفدائي) في المقابر المتعددة والمكاتب الخرساء و(المخصص الشهري). ولذلك كان طبيعياً ان ينتهي سعد وغسان الى موت واقعي ورمزي, كأن تبدد المتفجرة الاسرائيلية احدهما تبديداً كاملاً, وان يطارد مرض له شكل التنين, المسرحي الناحل, يقوده الى التراب المنتظر. غير ان الموت, مهما كان شكله, يمحو البشر ولا يمحو آثارهم: تظل (المدينة الفاضلة) المتخيّلة التي يسهم في بنائها نسق من المثقفين العادلين لا ينتهي, ويبقى المسرح العربي الذي يحتفي بمسرح سعدالله ويعطي له حيزاً واسعاً, ويستمر غسان في نصوصه الروائية والقصصية النقدية, وتظل حياته, وطولها 36 عاماً, هي النص المسيطر على غيره من النصوص. كثيراً ما تأمل سعدالله ونوس, الذي رحل منذ خمس سنوات, جملة لبريشت ملتبسة الوضوح, تقول: (من لم يكن واقعياً خارج الكتابة لا يكون واقعياً داخلها). لم يعطِ سعدالله ونوس رأياً نهائياً قط في هذه الجملة, وإن كانت حياته, كما حياة صديقه غسان, قد أعطت جواباً واضحاً, يوحد بين الابداع والاخلاق, وبين الفعل والنظر والغاية والأداة والموضوع واللغة. ولعل وحدة الابداع والاخلاق هي التي جعلت من حياة المبدعين الراحلين مشروعاً موحّداً متنامياً, يرى الى الحقيقة البعيدة بوسائل مشغولة بمعنى الحقيقة.



#فيصل_درّاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الخامسة عشرة لرحيله مهدي عامل وجمالية المتعدد


المزيد.....




- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل درّاج - كنفاني وونوس : بابان الى المدينة الفاضلة