أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد سعيد مالك - اختيارات «الإخوان المسلمين» لخلفاء «حسن البنا» .. تاريخ من الاستثناء والالتواء!















المزيد.....


اختيارات «الإخوان المسلمين» لخلفاء «حسن البنا» .. تاريخ من الاستثناء والالتواء!


محمد سعيد مالك

الحوار المتمدن-العدد: 940 - 2004 / 8 / 29 - 04:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


* «حسن البنا» كان لديه حدس صوفي بأن دوره سيكون قصيرًا.. لذلك وضع لائحة ونظامًا أسياسيا لاختيار خلفائه.. لم يطبقهما أحد * لم يخطئ «البنا» حين فرق بين «الإخوان» الذين يحملون الدعوة و«الإخوان» الذين تحملهم الدعوة.. فتلك هي طبيعة التنظيمات الدينية * قاتل الخليفة «عثمان بن عفان» وجه إليه عشر طعنات.. وقال بعدها: كانت واحدة لله.. وتسعة لما في النفس * «حسن الهضيبي» جاء إلي منصب المرشد العام للإخوان علي أسنة الاستثناء من اللوائح واختفاء الغايات فقاد الجماعة إلي نفق لم تخرج منه إلي اليوم * الجهاز الخاص كان ضرره أكثر من نفعه.. وأعضاؤه هم الذين سيطروا علي الجماعة منذ بداية عهد «السادات» * في مخالفة تاريخية مروعة للوائح والنظم تكون للإخوان منذ السبعينيات جسم كبير أمسك بكل مفاتيحه في القاهرة والأقاليم قادة جهاز العنف * القيادة السرية للجماعة.. أرادت أن تتستر وراء واجهة شرعية فجاءت بـ ««عمر التلمساني»» الذي حاول أن ينهي الفكر السرِّي ويؤسس للفكر الحركي المعلن.. في مواجهة حصار تنظيمي شرس فرضته عليه مجموعة «مصطفي مشهور» * المشهوريون فرضوا حصارًا سياسيا شرسًا علي «صلاح شادي» و«فريد عبدالخالق» و«صالح أبو رقيق» لكي يحولوا بينهم وبين إقامة جسر للحوار مع الدولة * جماعة الجهاز السرِّي غيرت لائحة «الإخوان» لكي تتخلص من دخول المحاصرين سياسيا حلبة المنافسة علي منصب المرشد العام * قضية «سلسبيل» وطموحات «خيرت الشاطر» الإدارية والتنظيمية كانت وراء توتر العلاقة بين الدولة والجماعة * «مأمون الهضيبي» انتخب مرشدًا عامًا من مكتب الإرشاد وليس من مجلس الشوري كما تقضي اللائحة * المكتب ينتخب من يحل محل المتوفين من أعضائه ولتذهب اللائحة إلي الجحيم


* هوامش علي ما هو سياسي.. وما هو ثقافي

يلتبس الفهم علي كثيرين من قرّاء ـ ونقاد ـ «القاهرة» بين ما هو «ثقافي» وما هو «سياسي» فيما ننشره، ويأخذ علينا فريق من قرائنا ونقادنا أننا نكاد نبدو جريدة سياسية، لأننا نتناول فيما ننشره، بعض شئون السياسة، في حين أن الأمر لدينا واضح تماما، وقد أشرنا إليه، في البيان التأسيسي الذي صدرت علي أساسه «القاهرة» ونشرناه في عددنا الأول، وأعدنا نشره في العدد الأول من هذه السنة الرابعة، الذي صدر في منتصف أبريل من هذا العام.

وفي هذا البيان، قلنا، إننا لا نفهم الثقافة بمفهومها الضيق الذي يقصرها علي تأليف الروايات وقرض الشعر، ولا نتعامل معها بالمفهوم المتسع نسبيا، الذي يضيف إليهما السينما والمسرح والموسيقي والتليفزيون والفنون التشكيلية والآثار والصحافة والتراث والمخطوطات والتقاليد الاجتماعية، وهي كلها أنواع نخصص لكل منها صفحة أو أكثر من صفحاتنا، ولكننا ننظر إليها بمفهومها الأكثر اتساعا، ونضيف إليها فضلا عن ذلك كله الفكر السياسي والاجتماعي.

ولم نكن في ذلك نبتدع شيئا جديدا، أو نرتكب أمرا إدًّا، إذ يكاد من المستحيل أن يفصل الإنسان، السياسة عن أي منحي من مناحي الحياة، ولعل أقرب الشئون إليها، هي الثقافة، وتاريخ الدوريات الثقافية العامة من «المقتطف» و«الهلال» إلي «الرسالة» و«الثقافة»، ومن «الكاتب المصري» إلي فصول محمد زكي عبدالقادر شاهد علي ذلك، بل إن بعض الدوريات الثقافية المتخصصة، التي تقتصر علي فرع من فروع الثقافة، ومنها الدوريات المتخصصة في نشر الأدب أو المسرح أو حتي السينما، لا تستطيع أن تتجاهل السياسة، لأن هناك من بين المسرحيات والأفلام والقصص والقصائد من يتناول أمور السياسة، وفضلا عن أن معظم المثقفين مسكونون بالهم العام ويتوزعون بين تيارات ومدارس فكرية لها صلة ما بما هو سياسي، ففي أي خانة يا تري، تستطيع صحيفة ثقافية مثلنا، أن تضع موضوعات مثل «العولمة» و«حرية الفكر والإبداع» و«الدولة الدينية» و«العلمانية» و«الطريق الثالث» و«تجديد الخطاب الديني» و«التطبيع الثقافي».. و«العلاقة بين السنّة والشيعة» و«مستقبل القومية العربية» و«دور مشايخ الأزهر في ثورة 1919» و«موقف التيارات الإسلامية من حقوق المواطنة» و«المركزية الأوروبية» و«صراع الحضارات» وغيرها، هل نعتبرها سياسة فنكفي علي الخبر ماجور؟.. أم نعتبرها ثقافة، فنرفع عنها الماجور؟!

سؤال صعب، واجهناه كثيرا، لكننا استرشدنا في البحث عن إجابة له، بالسوابق التي اتبعتها الدوريات الثقافية العريقة، وبما تفعله رصيفاتنا التي تصدر اليوم، واسعنا عليه كذلك بعبارة قالها الفنان «فاروق حسني» وزير الثقافة، حين نقل إليه البعض هذا الاعتراض علي بعض ما ننشره، فقال:

ـ نحن نثقف السياسة.. ولا نسيس الثقافة.

ومعني الكلام، هو أننا نسعي لتقديم الخلفيات الفكرية والتاريخية والثقافية، للحدث السياسي، لنتيح لقارئنا الفرصة، لكي يحكم عليه، عبر معرفة بخلفياته، ومعناه أننا نتعامل مع التيارات السياسية باعتبارها ـ في الأصل تيارات ثقافية، من دون أن ندخل في جدل حزبي مباشر، في مسائل سياسية آنية مع هذا الحزب أو ذاك!

تلك قاعدة حاولنا أن نطبقها في هذه الجريدة، لنحتفظ لها بطابعها الثقافي، علي الرغم من أن تحديد التخوم بين الأمور المتداخلة بطبيعتها ليس سهلا!

ومن شواهد ذلك، هذا المقال، الذي وصلني بالبريد، ولا أعرف كاتبه، وقد ترددت في البداية في نشره إذ بدا لي شأنا حزبيا محضا مما لا يجوز لنا أن نخوض فيه، ولكنني بعد إعادة قراءته، قررت أن أنشره، ليس فقط، لأنه يعلق ـ أو بمعني أدق ـ يضيف، إلي الدراسة التي نشرتها لي «القاهرة» قبل أسابيع بعنوان «سيد قطب وحسن الهضيبي: إزالة التباس وفض اشتباك» وهو بالمناسبة بحث في التاريخ المعاصر، الذي هو ثقافة وسياسة في الوقت ذاته، ولكن ـ كذلك ـ لأن المقال ينطوي علي محاولة لتقييم موقف حركة «الإخوان المسلمين»، من قضية الديمقراطية داخل الحركة، وقضية تجديد رؤاها وتنظيماتها.. وتكشف المعلومات الواردة بالمقال، عن أن صاحبه علي اطلاع جيد علي تاريخ الجماعة، وأوضاعها الداخلية الآنية.

وبصرف النظر، عن أن جماعة «الإخوان المسلمين»، هي جماعة محظورة من الناحية القانونية، وعن أنني ممن طالبوا ويطالبون جماعة الإسلام السياسي بأن تفتح الباب أمام اجتهاد يتيح لها التواجد علي الخريطة السياسية، في دولة مدنية ديمقراطية، لابد أن تكون بالضرورة علمانية، فقد وجدت في المقال، رأيا يستند إلي معلومات يفيد قراء «القاهرة» من كل الاتجاهات، أن يطلعوا عليها، ويثري معرفتهم بواحدة من الإشكاليات المعقدة، التي تتعلق بموضوع يبدو في ظاهره سياسيا مائة في المائة، وهو كذلك بالفعل، ولكن ذلك لا ينفي أنه ـ أيضا ـ ثقافي مائة بالمائة.

لذا لزم التنويه!

والله من وراء القصد.

«صلاح عيسي»



قرأت البحث العميق الدقيق الذي كتبه الأستاذ «صلاح عيسي» ونشرته «القاهرة» منذ أسابيع بعنوان «سيد قطب وحسن الهضيبي: فض اشتباك وإزالة التباس»، واستعرض فيه تطور الأمور في علاقة «الإخوان» بالمجتمع والدولة علي النحو الذي نعلمه جميعا. والأستاذ «صلاح» مثله مثل كل المثقفين المحترمين يري أن جماعة «الإخوان» أثرت ولاتزال في تاريخ مصر الحديث، وبالتالي فالبحث والدراسة في كل ما يتعلق بها واجب وطني تمليه ضرورات كثيرة.. وهو ما دفعني للبحث في الطريقة التي اختار بها «الإخوان» قياداتهم منذ استشهاد مؤسسها الأستاذ «حسن البنا».. والحقيقة أن الإنسان حين يتأمل الطريقة التي جاءت بها هذه القيادات وما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم الاختيار بهذه الطريقة.. لا يستطيع منع نفسه من التأسف والتحسر علي كثير من المآسي التي ألمت بـ«الإخوان» وبمصر وبالعالم الإسلامي كله بلا مبالغة.


سباق مع الزمن

حين استشهد الأستاذ «حسن البنا» في 12/2/1949 كان معظم «الإخوان» معتقلين في سجون الملك فاروق، وكانت العلاقة بينهم وبين النظام سيئة. ولم يكن في الجماعة شخصية بحجم ووزن شخصية «حسن البنا» وسارت الأمور في هذا الوقت في اتجاه المصالحة مع النظام الملكي وخرج «الإخوان» من المعتقلات.. واجتمع مكتب الإرشاد لاختيار مرشد جديد.

كانت هناك لائحة ونظام أساسي وضعه الرجل قبل وفاته دافعا بالأمور في اتجاه العمل التنظيمي المؤسسي بعد أن يغيب هو عن الدنيا.

والمتتبع لتاريخ جماعة «الإخوان» في الفترة من 1939 إلي 1949 يلحظ أن «البنا» كان في سباق مع الزمن ليستفيد من حالة الخلخلة التاريخية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ولتستفيد الجماعة من وجوده الشخصي بينها.. ويبدو أنه كان علي وعي صوفي بأن دوره سيكون قصيرا مثله مثل كل المصلحين وأنه سريعا ما سيختفي من المشهد الحاضر. وهو ما تحقق بالفعل واختفي «حسن البنا» تاركا وراءه جماعة كبيرة بلوائح ونظم وجهازا خاصا اقتضت الضرورة التاريخية وقتها أن يكون سريا (الإنجليز في مصر واليهود في فلسطين).

واجتمع تلاميذه والمقربون منه ليبحثوا شئون جماعتهم ودعوتهم في مرحلة (ما بعد «حسن البنا»).. كانت هناك لوائح ونظم تضبط اختيار القيادة الجديدة بوضوح وشرعية وسلامة إجراءات، وكان هناك وكيل للجماعة وكان هناك أيضا (رؤوس متساوية) رجال من ذوي الكفاءة والتميز كانوا في دائرة القيادة الأولي (مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية) وكانت هناك أيضا نفوس متخاصمة كان «البنا» كثيرا ما يشير إليها ويصفهم بأنهم من ذوي الغايات المعلولة والمطامع المتسورة.. وكان دائما ما يقول إن هناك إخوانا تحملهم الدعوة وإخوانا يحملون الدعوة.. (وأتصور أن تلك هي طبيعة التنظيمات ذات الطابع الديني).


القيادة من وراء ستار

المهم هو أن الأمور سارت بسرعة مذهلة وإذا بشخص من خارج النص تماما يظهر في الصورة ويتحدث عنه البعض بإجلال وتوقير، إذ إنه من مدرسة القضاء ويتحدث عنه البعض الآخر بعاطفة ووفاء، إذ إنه كان صديقا للأستاذ «حسن البنا»، ويتحدثون عنه بقدرية غريبة لم يتحدث أحد عن اللوائح والنظم التي تركها الرجل، لم يتحدث أحد عن سلامة الإجراءات وشرعية الموقف.. ويبدو أنه كانت هناك أصوات تنادي بذلك، إلا أنها لم تلق مجيبا ويبدو أن هناك مجموعة كانت حريصة علي أن يأتي أحد من بعيد ولا يعرف تفاصيل الأمور ويأخذ منهم ما يريدون إعطاءه له.. ويقودون الجماعة من وراء ستار. (وفي مثل هذه اللحظات الحساسة تختلط الأمور ببعضها علي نحو يدعو لبعض الريبة كالذي قتل عثمان بعشر طعنات وقال بعدها: كانت واحدة لله وتسع لما في النفس..) وهذه هي طبيعة البشر بوجه عام علي ما يبدو.. وتم المراد ويقف التاريخ ليسجل لجماعة «الإخوان المسلمين» أكبر علامة استفهام من يوم ظهورها علي ساحة العمل الوطني وحتي يومنا هذا.

وقد كان مؤسسها من البداية حريصا علي أن يكون كل شيء منطقيا ومفهوما بدرحة أو بأخري.. ولتبدأ طريقة (الاستثناء والالتواء) تؤسس لنفسها و(تشرعن) لأسلوبها في بنيان أكبر حركة إصلاحية في الشرق تستند إلي المرجعية الإسلامية. وجيء بـ «حسن الهضيبي» علي أسنة الاستثناء والاختفاء (استثناء اللوائح واختفاء الغايات) ولتدخل معه جماعة «الإخوان المسلمين» نفقا طويلا مازالت تسكنه حتي الآن.


أكبر من قدراته

وللإنصاف فقد كان الرجل مدفوعا به علي غير بينة منه بحقائق الأمور.. ولأن التاريخ يعطي في مراحله الدقيقة والحساسة لبعض الأدوار أهمية تتجاوز قدرات وإمكانات الأفراد فقد كان الدور الذي يتحتم أن يقوم به من يأتي في مرحلة ما بعد «حسن البنا» أكبر من قدرات الأستاذ «حسن الهضيبي» بمراحل كبيرة.. وأكبر من قدرات وطاقات أي أحد غيره كان سيقدر له أن يأتي إلا أن الأمور بالنسبة له تحديدا كانت شديدة التعقيد شديدة المأساوية في الوقت نفسه (تحدث في ذلك تفصيلا د. عبدالله النفيس) وهو ما سارت عليه الأمور بالفعل.. فتمت في هذه الفترة أكبر حركة انشقاق وخروج داخل الجماعة وتمت في هذه الفترة أيضا أكبر حركة تغيير داخل الوطن (ثورة 23 يوليو) وسارت الأمور علي النحو الذي يعرفه الجميع فانطبقت علي الجماعة سنن التاريخ وقوانينه لمخالفتها السنن الكونية في تطبيق مبدأ (لا يصح إلا الصحيح) ولم يكن ليصح في هذه المرحلة الدقيقة إلا تطبيق اللوائح والنظم والإجراءات التي تركها لهم الشهيد.

وفي الوقت نفسه طبقت علي الوطن سنن التاريخ وقوانينه لغياب مبدأ (لو علمنا فيك اعوجاجا لقومناك) وسيادة نظرية (ما أريكم إلا ما أري) وتم حرمان الأمة العربية كلها من أكثر الأوقات صلاحية للصحوة والنهوض: خلخلة التسليم والتسلم بين بريطانيا وأمريكا صغر الفجوة التكنولوجية مع الغرب. يقظة الشعوب العربية واستعدادها الهائل للنهوض في مرحلة ما بعد الاستقلال، عدم اكتمال المجتمع والدولة في إسرائيل علي النحو الذي حدث بعد ذلك.


الجهاز الخاص يمسك بالخيوط

ويتواصل خيط التاريخ ويتصل وتستمر سياسة (الاستثناء والالتواء) في تاريخ تلك الجماعة العزيزة علي الوطن.. ويخرج «الإخوان» من المعتقلات (1971) ليجدوا الوطن يلملم جراحه بعد سنوات طويلة من الاستبداد والانكسار. وبدلا من العظة والاعتبار يندفع أبناء الجهاز الخاص (الذي كان ضرره أكثر من نفعه) والذين استطاعوا الحفاظ علي ترابطهم وتماسكهم الدعوي والتنظيمي بحكم صغر سنهم وبحكم بعدهم عن خلافات الطموحين القدامي يندفعون إلي شباب الجامعات الذين كانوا قد حددوا اختيارهم الفكري بالاقتراب من الدين بدلا من هجره والاقتداء بالصديق وعمر بدلا من «لينين» و«جيفارا».. وليبدأوا معهم مرحلة جديدة من تاريخ الجماعة بالمنطق القديم نفسه.. وكان «الإخوان» القدامي يتحركون عبر وسائط كثيرة كي يعيدوا تنظيم أمورهم وانشغلوا بإخراج مجلة «الدعوة» ورفع قضية ببطلان قرار الحل.. أما إخوان الجهاز الخاص فقد انشغلوا بتوثيق العري مع شباب الجامعات.. وأفهموهم أنهم حلقة الوصل بينهم وبين «الإخوان» القدامي أمثال «فريد عبدالخالق» و«صلاح شادي» و«صالح أبو رقيق» و«عمر التلمساني» وكثيرين، كانت لهم شرعية تاريخية كبيرة.. ولا داعي للاتصال المباشر بهم تحسبا لأجهزة الأمن.

ويثق الشباب بهذا الكلام وقائليه ويحدث ذلك بالفعل ويتم تنظيم كل شيء (في مخالفة تاريخية مروعة للوائح والنظم) ويتكون جسم كبير لجماعة «الإخوان» بطول مصر وعرضها رأس هذا الجسم هم أعضاء الجهاز الخاص («أحمد حسنين» ـ شفاه الله ـ و«كمال السنانيري» و«مصطفي مشهور» وأحمد الملط ـ رحمهم الله ـ وعدد آخر علي الشاكلة نفسها في المحافظات) وتسير الأمور علي الغفلة الأولي إلي أن يشعر الجميع الشباب والقدامي بأنه تحت الكمامات ما تحتها وأن هناك ثمة ما يدعو للفهم والتدقيق.

ولم يكن الوقت في صالحهم فقد تم تحديد الأبواب والمفاتيح في كل محافظات مصر وأمسك رجال الجهاز الخاص بالمفاتيح كلها في أيديهم وبدأوا يبحثون عن (شرعنة) الموقف الجديد ولم تكن المفاجأة ثقيلة علي رؤوس القدامي فقط، ولكن علي رؤوس الشباب أيضا وأيقن الجميع أنه لا حيلة إلا الصمت والسكوت وانتظار ما ستسفر عنه الأيام، خاصة أن الجميع كانوا محكومين بالظرف السياسي العام التي تعيشه البلاد.


إزاحة السرِّية

ولم تسفر الأيام عن شيء صحيح علي أية حال فأتوا بـ«عمر التلمساني» باعتباره أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنا وغلقا لأي فم قد تسول له نفسه الحديث عن اللوائح والنظم، وباعتباره أيضا شخصية مثقفة وذات حيثية قوية وسيمنح الجماعة زخما كبيرا داخل مصر وخارجها وهو ما حدث بالفعل.. وأخذ الرجل من ناحيته ما استطاع يكافح وينافح في مواجهة الرابطة التنظيمية الصارمة لمجموعة الجهاز الخاص ليعيد القراءة والفرز للفكر والحركة في الجامعة التي أصبحت واقعا قويا بالحيوية الهائلة التي أحدثها انضمام الشباب إليها في الظرف التاريخي الذي أسلفنا ذكره.

واستطاع الرجل بدرجة ليست قليلة أن يزيح الفكر التنظيمي السري جانبا ويؤسس للفكر الحركي المعلن، وإن ظلت غمامات السرية والمعلن وغير المعلن تسري في دماء البعض (وكما بدأت ستبقي). واستطاع «التلمساني» ـ رحمه الله ـ أن يضم العناصر القيادية الشابة إلي أفكاره ورؤاه ودفع بهم في اتجاه العمل الأهلي والاجتماعي، فكانت تجربة النقابات والبرلمان ونوادي هيئة التدريس.. وإن كانت هذه العناصر لها سبق العمل الطلابي الناجح في الجامعات.

وانتقل «عمر التلمساني» بعد أن قام بدور عظيم في عملية المراجعة والفرز في ظل حصار تنظيمي شرس من الأستاذ «مصطفي مشهور» وأصحابه.. وتستمر اللعبة الالتوائية نفسها فتسارع المجموعة نفسها إلي إنسان طيب ومسالم غاب عن دنيا العمل العام في بلدته في أقصي صعيد مصر وكان عضوا سابقا في مكتب الإرشاد ويستطيع أيضا أن (يشرعن) موقفهم وهو «حامد أبو النصر» وأبوا أن يسمحوا لأمثال: «صلاح شادي» و«فريد عبدالخالق» و«صالح أبو رقيق» بالاقتراب من (السدة) كون هذه الشخصيات شديدة المراس وكبيرة بكل ما تحمله الكلمة من معني ولن يستطيعوا الحد من تحركهم إما علي مستوي الاتصال بالدولة (وكان «صالح أبو رقيق» له باع كبير في هذا المجال) أو علي مستوي الاتصال بشباب «الإخوان» أو بالمجتمع بوجه عام.

وفرضوا عليهم حصارا شديدا أو علي حد تعبير أحدهم (عزل سياسي شرس).. ويتم في هذه الفترة تغيير لائحة الجماعة حتي ينتهوا من قصة أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنا هذه .. وتتم انتخابات وفق اللائحة الجديدة من القاعدة للقمة فيتم انتخاب مكاتب إدارية في المحافظات تخللها قدر لا بأس به من الاستثناءات والالتواءات وكله من أجل (مصلحة الدعوة)!!

وبالفعل تم انتخاب مجلس شوري انتخب منه أعضاء مكتب الإرشاد، ومن المفارقات الطريفة في هذه الانتخابات أن يحصل «مصطفي مشهور» و«عبدالمنعم أبو الفتوح» علي أعلي الأصوات.. والطرافة هنا في حجم التباين الفكري والحركي بين الشخصيتين، ويتم تصعيدهما مباشرة وتتم إعادات بين الباقي أمثال الأستاذ «محمود عزت» والأستاذ «خيرت الشاطر».. الذي كان سببا مباشرا في توتر العلاقة بين الجماعة والدولة حتي يومنا هذا، بسب إفراطه الشديد في الأماني والأحلام والطموح عن الإدارة والتنظيم الجيد.. تلك الأماني التي عرفت فيما بعد بقضية «سلسبيل»، والتي كانت الفارقة بين الجماعة والنظام كما قال د. «أسامة الباز» لهم.


بيعة المقابر

والمدهش أن جماعة «الإخوان» لم تر ذرة رمل من تلك الطموحات الإدارية والتنظيمية، وظل الموضوع كله «كلام في كلام» وليس أكثر. وينتقل الأستاذ «حامد أبو النصر» إلي رحاب الله، ويستمر الأسلوب نفسه وتحت (ذريعة) ظنوها مفحمة وهي الأمن، ويأتي «مصطفي مشهور» نائب المرشد بدون انتخابات إذ كان معظم أعضاء مكتب الإرشاد الجديد ومجلس الشوري في السجون بتهمة إعادة تأسيس جماعة محظورة.

و(بطريقة التراجيكوميك) وعلي المقابر وأثناء العزاء يبادر المتحدث الرسمي الأستاذ «مأمون الهضيبي» بطلب المبايعة والتزكية للأستاذ «مصطفي مشهور» وهو الذي كان سينتخب بالإجماع لو تمت انتخابات.. ولكن كان هناك حرص واضح من الأستاذ «الهضيبي» علي التقدم بهذه الخطوة لأسباب ارتآها مهمة.

ثم إن اللوائح والنظم ليست البخاري.. المهم (مصلحة الدعوة).. وفي هذه الأثناء تتم أحداث محاولة تأسيس «حزب الوسط» والتي تظهر قدرا هائلا من التردي الإداري والقيادي والقدر نفسه من السطحية والانفلات عند الجميع وحتي يومنا هذا.. وأثناء هذه الأحداث تتم أبشع عملية اغتيال معنوي (لمن سيتم انتخابه مرشدا فيما بعد الأستاذ «مهدي عاكف») وتشاع عنه داخل أوساط الجماعة صفات ليست مهذبة وامتد الأمر لأشياء أخري.. وكان ذنبه كل الذنب أنه حاول احتواء المشكلة بطريقة هادئة.

وينتقل الأستاذ «مصطفي مشهور» إلي رحاب الله، ويتم انتخاب الأستاذ «مأمون الهضيبي» من مكتب الإرشاد وليس من مجلس الشوري كما تنص اللائحة وكانت الذريعة هي الظروف الأمنية، ومن هذا التوقيت بدا أن هناك اتجاها لتصعيد القيادات الشابة والتي لم تعد شابة فمعظمهم في الخمسين والوسيلة التي سيتم تصعيدهم بها هي الانتخابات، وهنا تلتقي إراداتان علي هدف واحد. إرادتان متناقضتان للغاية إرادة أجنحة حكومية، وإرادة سدنة المعبد تلتقيان علي منع وصول القيادات الشابة لقيادة جماعة «الإخوان»، فهذه الأجنحة الحكومية تريد ذلك حتي تحول بين الجماعة وبين النهوض والتجديد.. وترك الشيخوخة والتي هي بطبيعة الأشياء عدو لكل جديد، كما قال «العقاد» تدب في أوصال الجماعة من خلال من أصابهم (طول القدم ورطوبة الهرم). وسدنة المعبد يريدون ذلك لأن القيادات الشابة ستذهب بالجماعة بعيدا عن أهدافها الحقيقية وستحرم جموع «الإخوان» من عطائهم التربوي الذي لا ينفد (ولنتذكر دائما مقولة قاتل عثمان).

وواقع الحال يقول إنهم سيجلسون في بيوتهم يمضغون الفراغ ويداعبون أحفادهم ومعظمهم في حقيقة الأمر ليس لهم أية حيثية علي الإطلاق إلا حيثية وجوده في أعلي هيئة قيادية، وإذا حرم من ذلك سيصبح من أحاد الناس وهم لا يملكون مشروعا فكريا قد يتيح لهم الفراغ الوقوف عليه بالبحث والدراسة.. ولا يمتلكون قدرات ديناميكية تمكنهم من الحركة وسط جموع «الإخوان» أشجارا للوقار ومنابعا للأخبار، بما أفادت لهم الأيام في كرها عقلا ودراية.

ليس هناك شيء من هذا علي الإطلاق، بل لعلنا نتحدث في الوهم المبين ونحن نقول ذلك.

ويمرض ويموت عدد غير قليل من أعضاء مكتب الإرشاد، فيتم ملء أماكنهم بطريقة غاية في الطرافة، وهي انتخاب مكتب الإرشاد لهم وتلعب الولاءات الشخصية ـ والتي تكتسي بثوب التوافق الفكري والحركي ـ دورا مهما في هذا الاختيار.. ومجلس الشوري لا يتم أخذ رأيه في المسألة لا من قريب ولا من بعيد.. ليس هناك ضرورة أن يجتمع في مدرج يقرر انتخاب مكتب جديد أو مرشد جديد.. فمن الممكن أن يطوف عليهم لجنة من ثلاثة أفراد تستطلع الآراء في هدوء شديد أو بالفاكس أو بالإنترنت أو برسائل SMS أو بأي طريقة. وأعتقد أن هناك من اقترح مثل ذلك عند اختيار (الرجل الطيب) «مهدي عاكف».. ولكن للأسف الشديد كما قلت لكم أولا الكلمة التي ذكرها عالم الجينات الكبير (شتوتجارت): كما بدأت ستبقي.


الالتقاء في منتصف الطريق

في النهاية تبقي مجموعة أسئلة أود طرحها علي كل من يهمه الأمر:

> ألا تعلم أجهزة الدولة أن سلامة هذه الجماعة من سلامة الوطن خاصة في هذا الظرف التاريخي الخطير الذي تعيش فيه المنطقة كلها.. وأذكر في حوارلي مع أحد فنانينا اليساريين أنه قال: (أنا باعتبر إن «الإخوان» آخر خط دفاع لضهري حضاريا واستراتيجيا) وسأقول لكم شيئا في منتهي الدهشة.. هل تعلمون أنه بعد وفاة الأستاذ «الهضيبي» تنادت أصوات بأن المرشد الجديد من الممكن أن يكون غير مصري فأبدت قيادات سياسية وأمنية كبيرة قلقها من حدوث ذلك؟.. إذ أين مصر بثقلها ووزنها؟

> أين الرجال الكبار أهل الفضل والعلم الذين يحفظون ودا تاريخيا لهذه الجماعة ولهم كلمة مسموعة عند الدولة والأجهزة.. فيساعدوا آلاف الشباب علي استنقاذ نفسه من أنياب تلك القوي الضاغطة التي ضلت عن نفسها وضلت عن الواقع.

لماذا لا تتخلي القوي الوطنية والسياسية عن نظرتها الحزبية الضيقة وتعلن في موقف تاريخي عظيم أن هذه الجماعة بما لها وما عليها ملك مصر كلها أقباطا ومسلمين ليبراليين ويساريين.. لقد مضي ذلك الماضي المخبول.. ماضي الكهانة والسرية وألاعيب الأجهزة.. وأمامنا كلنا مستقبل مجهول بدرجة مرعبة.. وليس ثمة طريق آخر إلا الالتقاء في منتصف الطريق.

جماعة «الإخوان» جماعة ضخمة وإذا تركت هكذا سواء علي مستوي علاقتها بأبنائها أو علي مستوي علاقتها بالدولة، سيحرم الوطن كله من قوة فاعلة وسنندم جميعا علي ذلك.. هناك من اعترف بعدم القدرة علي القضاء عليها ـ والعياذ بالله ـ وأنه سيعمل علي خلخلتها وتقويضها من داخلها؟.. لمصلحة من هذا الائتلاف وهذا التضييع؟.. ألن تتغير تلك الأفكار وتلك التصورات؟.. أليس من الممكن أن تحكمها عقلية «ساكني البيت»، فيحفظ بعضنا بعضا. ونعتبر بعضنا بعضا رصيدا مضافا للوطن ولنا.

د. هاشم منصور السبكي



#محمد_سعيد_مالك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد سعيد مالك - اختيارات «الإخوان المسلمين» لخلفاء «حسن البنا» .. تاريخ من الاستثناء والالتواء!