أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصير عواد - المنفى .. دليل كاظم جهاد إلى دانتي















المزيد.....

المنفى .. دليل كاظم جهاد إلى دانتي


نصير عواد

الحوار المتمدن-العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


لو خففنا من ظلال المصادفة في كتابة دانتي ألغييري لمؤلفه" الكوميديا الإلهية "1 ونقلها إلى العربية من قبل الشاعر والمترجم كاظم جهاد في المنفى كذلك, ولو تركنا إلى حين هموم واستنتاجات السياسة والاقتصاد, لوجدنا أن التواصل الثقافي بين الشعوب هو الأكثر وضوحا ً وعمقا ً في التاريخ . ومع أن " الكوميديا الإلهية " التي أبدعها دانتي ألغييري في بداية عصر النهضة تُعتََبر من الأعمال القليلة التي ساهمت في تأصيل الثقافة الأوربية في بداية انطلاقتها, لكن أحداثها وأبطالها وعالمها الروحي أكدت تداخل الكثير من التجارب الإنسانية والثقافية المتناثرة على القارات والشعوب من دون أن يقلل ذلك من قيمة الكتاب, ليبقى ( درس دانتي ) الذي أبدعه بالمنفى نبعا ً يغرف منه الجميع لقرون طويلة .
وبسبب الظروف الحرجة التي يمر بها هذه الأيام عالمنا العربي وانهماك العامة بالبحث عن لقمة العيش وانشغال السياسي بالخطابة والمثقف بالكتابة, فلن نجد من لديه وقتاً للحب والقراءة , فما بالك ونحن ـ عن بطر ـ نحتفي بكتاب مترجم عن لغة وزمن آخرين . ما قد يعني أن ترجمة الشاعر والمترجم كاظم جهاد لمؤلف دانتي ألغييري " الكوميديا الإلهية " فيه الكثير من المغامرة والغموض والتجريد. فبسبب انقهار وتراجع منسوب قراءة الكتاب في عالمنا العربي تجلى في حيرة المواطن بتوفير مستلزمات البقاء حيا ً, وتَوجه المترجم العربي صوب حاجات السوق الثقافية ودخول الانترنيت طرفا ً في توصيل المعلومة السهلة, بسب هذه المحبطات وغيرها سوف لن تجد من لديه الوقت والمزاج لقراءة مؤلف كلاسيكي يربو على الألف صفحة, انعكس ذلك في غياب تناوله إعلامياً متكئين على قاعدة مفادها أن الكتب الجيدة لا تحظى غالبا ً بالترويج والدعاية الجيدتين في وسائل الأعلام والثقافة . وعلى ما نعتقد فإن المترجم مدركا ً لهذه الأمور, والسؤال هو ما الذي دفع به إلى بذل جهدا ً كبيرا ً لا يدركه إلا من أبحر في رحلة الضوء والعذاب والأمل باتجاه الفردوس الذي تخيله دانتي. فهل كانت الترجمة بمبادرة فردية وهوى من المترجم أم رغبة جماعية برعاية اليونسكو بسبب الطبيعة التاريخية والدينية للكتاب إضافة إلى كبر حجمه وكثرة مصادره وعمق شروحه ومبلغ تكاليفه؟.
أن كتبا ً عظيمة وخالدة كهذه تترجم لكي تُقرأ, خصوصا ً وأنها لم تصدر بالعربية كاملة من قبل . فلقد سبق وترجمها ناقصة ً الراحل حسن عثمان في أواسط القرن الماضي . وبلا شك فإن قلة الترجمات لأعمال دانتي ألغييري تعكس قلة الاهتمام العربي بهذا الشاعر الرائي وبالتالي غياب الدراسات والبحوث التي تتناوله, والوقوف فقط عند القشور وعند تلك التي مست المقدس من تاريخنا العربي والإسلامي .
كتاب " الكوميديا الإلهية " الذي ترجمه كاظم جهاد عن الفرنسية والصادر عن منظمة اليونسكو بباريس والمؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت بطبعة أنيقة ونظيفة غابت عنها الأخطاء المطبعية التي تعودنا عليها في دور النشر العربية, تضمن مقدمة وثلاثة أجزاء . فلقد شيد المترجم نصبه الجديد على شاكلة النص الأصلي الموزع على ثلاثة أجزاء ـ الجحيم والمطهر والفردوس ـ وكل جزء احتوى ثلاثة وثلاثون مقطعا ًشعريا ً. ولا نبالغ إذا وصفنا المقدمة بأنها لوحدها (كتاب) ومن أفضل ما كتب عن دانتي الغييري بالعربية وعن المنابع الفكرية والتكوينات السياسية والاجتماعية التي ساهمت في إنضاج تجربته الأدبية في الوطن والمنفى . وتناول المترجم أهم الباحثين الأوربيين اللذين كتبوا عن دانتي من بداية عصر النهضة وتأثير ذلك على الحداثة الأوربية( الرواية السوداء والبوليسية عند لوتريامون وكافكا وجيمس جويس والشعر والسينما ) وعلاقة كل ذلك بالثقافة العربية والإسلامية. لكن كاظم جهاد لم يقف عند الصعوبات التي عادة ً ما تصاحب ترجمة الأعمال العظيمة وأسباب ميله إلى الأعمال المهمة والكبيرة كالكوميديا الإلهية وإلى الأعمال المعقدة لجاك دريدا وريلكة ولم يتحدث عن قوانين ( جاهزة أو مكتشفة) ينبغي اتباعها في الترجمة, وبقي حريصا ً ومبتعدا ً عن كل ما يؤدي إلى التقليل من متعة قراءة الكتاب .
ابتعادنا النسبي عن زمن تأليف الكوميديا الإلهية وعدم إلمامنا الكامل بالظروف التي صاحبت الكتابة معطوفا ً على تعدد الدارسين واختلاف لغاتهم وأساليبهم على مدى عقوداً من الأعوام, تطلب الكثير من الجهد والتوضيحات لتخفيف التناقض في وصول المعلومة وتبيان المعاني الخفية في النص مستعينا ً بالمؤرخين والشارحين والنقاد حينا ً وآخر بالاختلاف معهم . فالتقارب بين اللغات الأوربية القادمة من أصل واحد قد يساعد على الإحاطة بالمعنى وعلى إدراك عموميات المصطلحات الأدبية والأسماء الأسطورية والمفردات الشعرية لكن ذلك لا يساعد أحيانا ً في سبر دلالات المفردات وتنوع استخدامها وتنقلها بين اللهجات المتجاورة واللغات المتشابهة خصوصا ً وإن الكوميديا الإلهية التي كتبت بلهجة ستكون لغة إطاليا الرسمية, نادرا ما يخلو فيها مقطعا ً شعريا ً من حكمة أو حدثا عظيم أو اسما ً تاريخيا ًعالي الرنين, يجري كل ذلك بلغة فلسفية ودينية وشعرية مضيئة حتى وهي توصف الأرواح الهائمة تأسن وتتعفن .
الغموض الذي تحدثنا عنه بداية ً يزداد مع خطوات الدليل( فرجيلو) وهو يقود صاحبه جهة الفردوس, بأسلوب شعري عالي الإيقاع على خلفية دينية متخيلة تحتضن الأسماء والأحداث والأساطير ويوفر المتعة للقارئ والدارس معا ًويجعلنا نتساءل عن كتاب بهذه الأهمية والذي يعتبر بحق من أمهات الكتب الأوربية إلا يستحق مراجعة أدبية وجغرافية وتاريخية من المعنيين ليأخذ المترجم على عاتقه الترجمة والتقديم والمراجعة والشروحات الداخلية, وهي عمليات ليست بالهينة يزيد من تعقيدها تعدد مستويات قراءة النص ( شعرية فلسفية دينية رمزية) وتنوع اللغات والأسماء والثقافات التي أعتمدها في المقدمة والنص والهوامش . فالترجمة عن لغة وسيطة متكئة على الأصل العائلي للغات الأوربية تبقى علامة استفهام لجوجة ستصاحب العملية الإبداعية في السلب والإيجاب على الرغم من العودة المعلنة إلى لغة النص الأصلية ( الإيطالية) لغرض المقارنة وتبديد الشكوك, ومع أن المترجم استعان بأكثر من مصدر إلا أن الفرنسية بقيت اللغة التي أعتمدها المترجم كما يشير في مقدمته . الترجمة ( الشعر خصوصاً) من لغة إلى أخرى تمتلئ بالتعقيدات فكيف بها عن لغة وسيطة ستفقده الكثير من عناصره الداخلية, وعلى الأغلب لن يصل سوى مضمونه ولمحات متناثرة تدل عليه. وإذا كانت الترجمة عن لغة وسيطة غالبا ً ما تحدث بسبب غياب النص الأصلي كما في ترجمة النصوص اليونانية عن العربية أو في عدم معرفة اللغة الأصلية للكتاب , إلا يستدعي ذلك ( تعميما ً للفائدة) مراجعة متخصصة لكتاب يعد بحق من أمهات الكتب وإضافة كبيرة للمكتبة والثقافة العربيتين .
ومع أن الآداب الأجنبية المترجمة للعربية تخضع قراءتها للمد والجزر حسب الظروف الاجتماعية والثقافية إلا أن ترجمة وإصدار كتاب بوزن
" الكوميديا الإلهية" يُعد حدثا ً ثقافيا ً يستوجب التوقف والتأمل والاحتفاء في زمن تراجعت فيه مستويات القراءة حسب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية وزادت فيه الأمسيات الترفيهية والتأبينية مستعينة بالمعلومة السهلة والسريعة بفضل القنوات الفضائية والانترنيت ليبقى الكتاب أشبه بجسد دانتي الصاعد وحيدا إلا من ظله بين الأرواح الهائمة والمتعفنة بحثا ً عن فردوسها . ومتعة القراءة كعزاء عن غياب الفردوس وقفت خلف اتفاقنا واختلافنا مع هذا العمل الخالد ( كل عمل نتقدم فيه كما في غابر, وتضئ عناصره بعضها البعض , جاعلة من القراءة فعل مساهمة فعالة في مشروع استنباط أو تذوق كبير)2 والقارئ له عينان يصدق بهما ما يقرأ للوهلة الأولى وسرعان ما يتراجع بامتداد حجم الكتاب واتساع مساحة التفكير العقلاني ويزيح بالتدريج ارتجاف الصدمة الأولى .
رحلة دانتي الاستكشافية التي تابعناها مفتحي العينين بفضل موهبة المترجم ( كباحث وشاعر) والتي مكنته من الإحاطة بأسرار النص المغلقة على القارئ, أشعرتنا مرة أخرى بقوة اللغة العربية وقدرتها على التواصل والإبداع , وانه لا توجد بالمطلق لغة متطورة وأخرى متخلفة, ولا توجد أفضلية نوع أدبي على آخر في الترجمة بسبب التعقيد أو البساطة. ولكاظم جهاد روحا ً وأسلوبا ً يمكن تلمسهما هنا( الكوميديا الإلهية) في تفصيلات الرحلة وسر حضور المفردات التي تم استحداث جديدها ما ساهم في توصيل المعنى والإحساس بعيدا ً عن المألوف والشائع ومن دون أن تخفي ظلال لهجة البلد الذي ينتمي أليه المترجم, وبعيدا ً عن التقعر اللغوي والرتابة الذين ارتبطا دهرا ً بفن الترجمة لنشهد لغة قاسية حين يتطاير الشرر والحيوانات المفترسة بين أقدام المذنبين ونجدها ساهمة وحائرة على رصيف الآلهة وهي تُطّهر المبذرين والمفسدين ونجدها تخلط الجمال بنور الآلهة في كلمات بياتريشي وروحها المحلقة بالفردوس , لنشهد تكثيف الجهد لصالح الجملة الشعرية معتمدا ً الاستعارة ومبتعدا عن أداة التشبيه لتوصيل الإحساس المخيم على أجواء النص. أرتبط ذلك بشروحات عن قدماء الآلهة وصراعاتهم وعن شعرائهم وساستهم والبنى السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة في عصرهم . وإضافة إلى المقدمة الممتعة والغنية بالمعلومات كما سبق القول فإن المترجم أعتمد بشكل لافت على الهامش السائر مع الحدث إلى درجة نستطيع معها القول أن قراءة الكوميديا الإلهية تنفتح أسرارها عبر الهوامش التي أضاءت الكثير من الأمكنة والأسماء وأوضحت وجهات نظر المترجم بالكثير من المعلومات والاختلافات ودلت القارئ إلى المعلومة المختبئة خلف جماليات الشعر المتدفقة والممسكة برقبة القارئ. هوامش لا تدعي البرهنة على حقائق معروفة بقدر ما تشير, كما نتلمس ذلك في إشارات المترجم إلى التداخلات اللغوية التي تكتنف النص الشعري أو سيادة عنصر معين دون غيره كما في غياب ـ المذكرـ في المراحل الثلاث ( الجحيم والمطهر والفردوس ) وسيادة المؤنث بسبب موجات الأرواح ـ المؤنثة ـ الهائمة في ملكوت السماء, إضافة إلى وترابط الحوادث لغرض تنبيه القارئ . وهو في ذلك لم يحذف حادثا ً أو يسقط موقعا ً جغرافيا ً أو يُعرّب اسما ً باستثناء حذفه جملتين شعريتين تناولتا شخصيات إسلامية تم حذفهما وشرح ذلك في الهامش لتوصيل الفكرة .
كتاب الكوميديا الإلهية الذي كُتب وتُرجم في متاهة المنفى يُعد عملا فنيا ً رائعا ً بكل المقاييس وإغناء للثقافتين العربية والأوربية, ودليلا على أن المنفى ما زال نبعا ً مرا ً قادرا على العطاء .



الهوامش

1ـ دانتي الغييري ـ الكوميديا الإلهيةـ ترجمة كاظم جهاد ـ الطبعة الأولى 2002 ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر
2 المصدر نفسه ـ المقدمة ص 77



#نصير_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرث إلاسماعيلي.. وأحزابنا السياسية
- الحركية .. ومواسم التحليل
- إبحث للمبدع عن عشرين عذر


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصير عواد - المنفى .. دليل كاظم جهاد إلى دانتي