أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - احمد زكى - دراسة حالة في سبيل الاشتراكية الثورية















المزيد.....


دراسة حالة في سبيل الاشتراكية الثورية


احمد زكى

الحوار المتمدن-العدد: 935 - 2004 / 8 / 24 - 10:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ترجمة : احمد زكى
من أكليشيهات وسائل الإعلام عن الحركة المناهضة للعولمة أنها حركة ضد وفقط - أي أنها تعرف ما هي ضده، ولا تحدد ما تناضل من اجله. في الحقيقة، أن تكون ضد النيوليبرالية، وضد عولمة الشركات، وضد الحرب الإمبريالية فأنت فعلا تناضل من اجل كثير.

وهذا ينعكس في شعار المنتدى الاجتماعي العالمي – ’عالم مختلف هو أمر ممكن - Another World is Possible‘: بكلمات أخرى، من الممكن أن نحيا في عالم لا يحكمه السوق. في فرنسا تلك الحركة معروفة الآن باسم ’أنصار العالم المختلف – altermondialistes‘. ولكن ما هي طبيعة هذا العالم المختلف، وكيف نبلغه؟ هنا فعلا لا نجد إجابة قاطعة، جزئيا بسبب أن الناس لديهم رؤى مختلفة لبدائل النيوليبرالية ولكن أيضا لان الكثيرين ليس لديهم فقط يقين بشيء ما أو لأنهم يعتقدون أن الوضوح القاطع سوف يكون مدعاة للانقسام.

هذا الشك وهذا التفاوت هو أمر لا يمكن تجنبه في حركة بمثل هذا التنوع الذي عليه حركة كحركتنا، ومن نواحي عديدة الموضوع لا يمثل مشكلة. فمن البلاهة وغير المرغوب فيه ان تبحث عن تماثل في وجهات النظر الا بسلب حياة الحركة أو شقها. ولكن هذا لا يعني أن النقاش الذي يبحث عن إيضاح للبدائل والاستراتيجيات بدرجة اكبر، ليس ضروري أو غير مثمر.

ماذا نريد؟

احد الطرق لتناول مثل هذا النقاش هو أن نسأل أنفسنا ما هي القيم التي نريدها؟ حتى لو اختلفنا أو أصبحنا غير واثقين مما نريد تحقيقه، فما نقوله وما نفعله يبقى هو كشفنا لما هو ذو قيمة نتمسك بها. هذه القيم بدورها تضع المعايير التي على أساسها نستطيع تثمين بدائل النيوليبرالية المطروحة.

وجهة نظري أن الحركة من اجل عالم بديل ترتبط بأربع قيم أساسية – العدالة، والكفاءة، والديموقراطية، والاستدامة. قبل أن نناقش أي تفاصيل منهم، دعني أؤكد انه بانتقائي لهذه القيم أنا أصوغ حكما قد يرغب بعض الناس منازعته (لدى مايكل ألبرت، على سبيل المثال، لديه قائمة مختلفة للقيم التي تحكم نوع من مجتمع يدار ذاتيا يدافع هو عنه). أنا استنبط استنتاجاتي من أقوال وأفعال النشطاء والمثقفين في خضم الحركة المنخرطين فيها، ولكني اعتقد أن تفسيراتي تستند لأسباب.

1- العدالة: احد أسماء الحركة هو حركة العدالة الكوكبية. إننا نستهجن بشكل دائم – ونحن على حق- مظالم العالم القائم بكل أشكال عدم المساواة الصارخة التي يتضمنها. ولكن ما هي العدالة؟ إنها موضوع واسع في حد ذاته، ولكن يبدو لي أن الحركة ملتزمة لمفهوم في العدالة يحقق المساواة. قد يعني هذا، مثلا، أن يخول لكل فرد حق الوصول المتساوي إلى المصادر التي يحتاجونها ليعيشوا الحياة التي يمتلكون أسبابا لإجلالها.

2- الكفاءة: وهي تبدو قيمة تكنوقراطية لحد مدهش ولكن ضع في اعتبارك النقد الذي نوجهه للرأسمالية النيوليبرالية بسبب إهدارها للموارد – تبذير الموارد على التعبئة والتغليف وعلى الإعلان عن المنتج..الخ، وفشل أسعار السوق في تسجيل التكلفة الحقيقية (التكلفة البيئية، مثلا) للعمليات الاقتصادية، وهكذا دواليك. وتبعات ذلك أن أي مجتمع بديل عليه أن يبحث عن أحسن استخدام للموارد المتاحة، حيث’ الأحسن‘ لا يعني (كما يحدث حاليا) ’الأعظم ربحية‘ ولكنه بالأحرى يعكس كل القيم التي نؤمن بها وتعكس الحدود التي نلتزم بها إزاء الحدود التي تفرضها علينا الطبيعة والحاجة إلى العيش معا متعاونين.

3- الديموقراطية: ننتقد الرأسمالية المعاصرة لافتقادها للديموقراطية وللطريقة التي تستبد بها الأسواق المالية والشركات الضخمة متعددة الجنسية في حكم حياة غالبية سكان الكوكب. أكثر من ذلك، تسعى السبل التي ننتظم بها الى عكس الديموقراطية التي نناضل من اجلها. يدور جدل كبير حول ما تتضمنه الديموقراطية – الديموقراطية التمثيلية في مواجهة الديموقراطية المباشرة، الإجماع في مواجهة مبدأ الأغلبية، وهكذا دواليك. ولكننا نأتي إلى اتفاق على الحاجة إلى توسيع جذري لمدى ومحتوى الديموقراطية.

4- الاستدامة: واحد من الدوافع الرئيسية التي تغني محتوى الحركة هو الرعب من الكوارث البيئية التي لا يدفع النظام الاقتصادي الحالي في اتجاهها وفقط ولكنه يسببها فعلا. بدأ خبراء التغير المناخي في افتراض–لنحكم، مثلا، بالموجة الساخنة في الصيف الماضي التي سادت النصف الشمالي للكرة الأرضية – أن ارتفاع الحرارة المتسبب عن انبعاث غازات الصوبة الخضراء -greenhouse – قد وصل على الأرجح إلى النهاية القصوى للتوقعات، بنتائج ذات أهوال محتملة سيضطر الكوكب أن يحيا معها لعقود حتى ولو حدثت تغييرات جذرية الآن. أننا نحتاج لإعادة ترشيد عنيفة في اتجاه أنماط الإنتاج والاستهلاك، والتوطين والمواصلات حتى نحقق أشكال مستدامة من التنمية.

ما وراء الرأسمالية

تحقيق هذه القيم يجعل من الضروري ألا نتحدى النيوليبرالية وفقط ولكن أن نتحدى النظام الرأسمالي نفسه. انا اتبع خطوات ماركس في التأكيد على ان للرأسمالية سمتان جوهريتان:

1- إنها تقوم على استغلال قوة العمل المأجور – وهو ما يعني، حرمان الناس من الموارد التي يحتاجونها للحياة باستقلالية وهنا تمنع عنهم أي بديل يمكن قبوله للعمل عند رأسمالي بالشروط التي تؤدي لاستغلالهم.

2- إنها مدفوعة باليات عمل عمياء من اجل التراكم التنافسي: المشاريع المنافسة تسيطر بشراكتهم معا على معظم المصادر الإنتاجية، وتستثمرها بغرض اكتساب نصيبا اكبر من حصة الأسواق وتعظيم الأرباح.

هذه السمات راسخة بشكل أعمق من بعض الأشياء التي تأتي في بؤرة اهتمام نقاد مناهضي العولمة – أي مضاربو الأسواق المالية. إنجازات النيوليبرالية هي إزالة العديد من القيود التي فرضتها الجهود التي حاولت تنظيم الرأسمالية في منتصف القرن العشرين. إننا نحيا الآن تحت سطوة نسخة ’نقية‘ نسبيا من الرأسمالية.

مع التسليم بطبيعة الرأسمالية، من الصعب تصور كيف تتوافق أي طبعة منها مع القيم التي أرسيناها أعلاه. ليس لمجرد أن الاستغلال الرأسمالي غير عادل، ولكن لان النظام الحالي يتضمن نوعا من المقامرة تخضع في ظلها حظوظ حياة الفرد إلى التغيير الجذري للأسوأ أو الأفضل نتيجة لتقلبات الأسواق التي هي بالكامل خارج سيطرته. الرأسمالية نظام متلاف: كما أشرت أعلاه، نظام التسعير لا يعكس التكلفة الحقيقية؛ الأزمات الاقتصادية تشتمل على تبديد بمقاييس هائلة للموارد البشرية والمادية؛ وعلى المستوى الكوكبي، بلايين الناس هم فوائض لا يحتاج إليها النظام، ولذلك يتركون في الحضيض المذل لأقصى صور الفقر المدقع.

الرأسمالية بالضرورة غير ديموقراطية حيث أن القرارات الاقتصادية حق مكتسب في أيدي مجموعات صغيرة من مديري الشركات الضخمة التنفيذيين غير القابلين للمحاسبة أو المساءلة من مستخدميهم أو الجمهور الأوسع. وفي النهاية، منطق التراكم التنافسي نفسه غير منسجم مع التنمية المستدامة حيث يندفع النظام للأمام بقوة عمليات عمياء تخصص بها الشركات والأسواق حصص الثروات الطبيعية التي تستثمرها على أساس المراهنة على ما سوف يبرهن انه مربح دون أن تضع في حسبانها الآثار التي تخلفها هذه الاختيارات على البيئة.

ومن الصعب أن نري طريقا لأي محاولات تعود إلى طبعة أكثر انضباطا للرأسمالية تستطيع معالجة هذه المثالب. كثير من النشطاء والمثقفين يأملون على الأفضل بأنسنة الرأسمالية. وهذا على سبيل المثال، هو الدافع القوي وراء ضريبة توبين على المعاملات المالية الدولية. مبتكرها في الأصل، وهو جيمس توبين، اعتقد أن مثل هذه الضريبة سوف تعمل على إبطاء المضاربات المالية وبذلك تستعاد القوة الاقتصادية إلى سلطان الدولة-الأمة وتسمح باستعادة عصر كينز ما بعد الحرب العالمية الثانية. مثل هذا المنطق تدور تروسه مع سمة من سمات الحركة المناهضة للعولمة في مراحلها الأولى، عندما كان شائعا قبول الفكرة محوريا لاتجاه الحوار السائد في التسعينات حول ان العولمة كانت إضعاف لسلطة الدولة. ولكن حين كان المحبذون للنيوليبرالية يرحبون بهذا التطور، كانت حجة المثقفين والنشطاء أن من الضروري إعادة بناء سلطة الدولة-الأمة. هذا كان احد الأسباب التي جعلت هذه الحركة تعمد الحركة المناهضة للعولمة.

صار اليوم الأمر أصعب وأصعب، بعد 11/9، أن ننظر للدولة على إنها جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة. ذكرتنا ’الحرب على الإرهاب‘ أن الرأسمالية هي أيضا إمبريالية، وأنها تتضمن الجغرافية السياسية إلى جانب الاقتصاد وتتضمن المنافسة بين الدول إلى جانب المنافسة بين مشاريع الأعمال. بعض الشخصيات القيادية في الحركة (مثل برنارد كاسان وجورج مونبيو) كان رد فعلهم على النزاع الذي نشب حول العراق هو بدعم الفكرة الداعية لضرورة تدعيم الاتحاد الأوروبي لقوته حتى يصبح ثقلا مضادا "للقوة الأمريكية المفرطة". ولكن ظهور قوة عظمى مناوئة للولايات المتحدة قد يكون قابلا لفتح الباب أمام سباق تسلح جديد، بكل ما يلازمه من تبديد للموارد، وتهديد بفناء الجنس البشري الذي سبق وان مثلته الحرب الباردة القديمة.

لا يعني رفض فكرة رأسمالية أكثر انضباطا كحل إننا لن نضع مطالب نلزم بها الدولة بأي حال من الأحوال، سواء دولتنا "الخاصة" أو مجموعة الدول كالاتحاد الأوروبي. عندما تتعرض الخدمات العامة للهجوم، علينا ان ندافع عنها؛ أكثر من ذلك، علينا ممارسة الضغط على الدولة لتوسيع وتحسين هذه الخدمات التي توفرها حاليا وان تمولها من خلال نظام ضريبة متصاعدة يعيد توزيع الثروة والدخل من الغني للفقير. ولكن، حيث انه من الصحيح النضال من اجل إصلاحات للنظام القائم، لا تستطيع القيم التي وضعناها أعلاه – والنوع البشري حقا والكوكب نفسه – أن يتعايشوا مع الرأسمالية معا. منطق التراكم التنافسي يعني أن القيود التي تفرضها الحركة الإصلاحية قابلة دائما للتخلص منها بالتصادم مع احتياجات تحقيق الربحية: إنه درس التفكيك المتعاظم لدولة الرفاه الاجتماعي الكينزية خلال ربع القرن الماضي.

تبعات كل ذلك هو أننا في حاجة لتطوير منطق اجتماعي بديل، بديل للرأسمالية بدون السوق. عندما أقول "بدون سوق" فأنا لا ادافع عن حظر لكل التبادل الاقتصادي بين الأفراد. ما انبذه هو اقتصاد السوق كما فهمه اثنان من العظام اسميهما كارل، كارل ماركس وكارل بولانياي – الاقتصاد الذي توزع فيه حصص الموارد نتيجة للصراع التنافسي بين رؤوس أموال متنافسة تسيطر على هذه الموارد بشكل مشترك. مثل هذا النظام، كما شرحه بولانياي في كتابه ’التحويل العظيم – The Great Transformation‘، يسعى لتحويل كل شيء إلى سلعة: نستطيع أن نرى ذلك مع النيوليبرالية هذه الأيام. هذا النظام يشطب من ناحية المبدأ أي عملية ديموقراطية لتقرير الهدف الذي يجب أن تبتغي المخرجات الكلية للإنتاج إنجازه والوسائل المناسبة لتحقيق هذه المخرجات. في كلمات أخرى إنها تشطب على التخطيط. ولكن هذا جنون: كيف نستطيع مخاطبة تلك المشاكل مثل الفقر الكوكبي والتغير المناخي دون نوع ما من العمليات السياسية الديموقراطية لتقرير، من بين أشياء أخرى، كيف تخصص الموارد اللازمة لحل هذه المشاكل؟

نحتاج إلى التخطيط. ولكنه يحمل أسماء فظيعة هذه الأيام، نتيجة للتجربة الستالينية. العديد ممن استعرضوا كتابي ’المانيفستو المعادي للرأسمالية رفضوا التخطيط على أرضية أن انهيار الاتحاد السوفييتي والشروح النقدية لفردريك فون هايك برهنت على استحالة التخطيط. ولكنك عندما تفكر في ذلك، سيكون ذلك لحد ما طريقة مشوشة في التفكير. وذلك بسبب ان نوع واحد من التخطيط – واقعيا، اقتصاد يدار مركزيا بشكل بيروقراطي على عكس كل حجج الخبراء العديدين لا يستحق أن يسمى اقتصاد "مخطط"- قد فشل، أو لأسباب هي موضوع لجدل تاريخي هائل، تستتبع أن أي صيغة للتخطيط مصيرها الفشل؟ بالتأكيد لا – إلا إذا كنا نعتقد بشكل حقيقي أن التاريخ قد انتهى حقا بسقوط سور برلين وان مستقبل النوع الإنساني سوف يتفتح كالزهور من خلال آفاق السوق الرأسمالي (وفي هذه الحالة من المحتمل أن يأتي التاريخ الإنساني إلى نهاية سريعة بأحسن ما يكون بفضل الحروب والانحطاط البيئي).

توجد نماذج متنوعة لاقتصاد مخطط بشكل ديموقراطي. هنا توزع المخصصات على أساس عمليات ديموقراطية تشمل علاقات أفقية بين شبكات من المنتجين والمستهلكين – وهو شكل من أشكال التوافق الاقتصادي مختلف جذريا عن سواء الرأسمالية (حيث توزع حصص المخصصات طبقا لنتائج المنافسة) أو سواء الاقتصاد المدار ستالينيا (حيث تخصص حصص الموارد بطريقة ديكتاتورية). احد هذه النماذج هو نموذج الباريكون الذي طوره مايكل ألبرت. ونموذج آخر، لحد ما أكثر مركزية هو نموذج بات ديفاين ’التنسيق التفاوضي‘، ظهر لأول مرة في كتابه الديموقراطية والتخطيط الاقتصادي (1988). المزايا النسبية لهذه النماذج وغيرها هي موضوع للمناقشة. على الرغم من ذلك، وجود هذه النتائج في حد ذاته يدل على استمرار التفكير الجدي والمتماسك فيما سوف يبدو عليه البديل المنهجي للرأسمالية. وضع تصور للاقتصاد المخطط بشكل ديموقراطي يسير على هذه المسارات، يمثل في نظري، أحسن وسيلة لان نفهم بوضوح القيم التي تؤمن بها الحركة.

اعتقد أن أحسن تسمية لهذا البديل هي ’الاشتراكية‘. للحق هذه الكلمة هبطت قيمتها نتيجة للكارثة الستالينية، ولكن إدارة بوش تفسق يوميا بكلمات مثل ’الديموقراطية‘ و’الحرية‘ للدرجة التي تدفعنا للجنون لو استسلمنا. يوجد سببان ايجابيان للالتصاق بمصطلح الاشتراكية. الأول، اعتقد أن النماذج المشار إليها أعلاه تجسد أفضل ما كانت تطمح إليه التقاليد الاشتراكية – مثلا، التقاليد التي انتمي إليها، ما يسميها هال دريبر ’الاشتراكية من أسفل‘، الخيط الأحمر للماركسية الثورية الممتد من ماركس وانجلز، عبر لينين ولوكسمبورج، إلى تروتسكي والمعارضة اليسارية.

ثانيا، احد المكونات الهامة لفكرة الاشتراكية هي الفرضية بأن الموارد الإنتاجية المادية يجب أن تكون عموما ملكية اجتماعية. حاليا، تنهمك الحركة في نضالات لا عد لها ضد الخصخصة، ولكنها تتم بشكل دفاعي غير مرفوع الرأس. الجانب الآخر من الموضوع – تمسك الشركات الضخمة وجماعات ضغطها بشكل أكثر وضوحا بأهمية الملكية الاقتصادية: انظر للشراسة التي يحاربون بها من اجل حقوق الملكية الفكرية، على سبيل المثال. يجب ألا نخاف من قول أن في نوعية النظام الاقتصادي الخاص بنا الذي سوف يحقق قيمنا سوف تكون الموارد الإنتاجية الرئيسية مملوكة اجتماعيا، على أساس ديموقراطي وغير مركزي.

كيف نصل إلى هناك؟

ببساطة انه اعتراف بالحقيقة القول بان تحقيق اقتصاد مخطط له ديموقراطيا يعني الثورة. فعلا بأحد المعاني، ذلك من حشو الكلام. استبدال الرأسمالية باقتصاد متناغم مع قيمنا يتطلب تغيير اجتماعي جذري – بكلمات اخرى، ثورة. ولكن قولنا ذلك لن يقرر الوسائل التي سوف تدفع إلى الثورة. فالفكرة المحورية في التقاليد الاشتراكية من أسفل هي أن ، كما ينم الاسم عنها، الثورة لا يمكن فرضها من أعلى: الأغلبية الواسعة المضطهدة والمستغلة بواسطة الرأسمالية هي فقط التي تستطيع تحرير نفسها. وكما وضعها ماركس، الاشتراكية هي التحرر الذاتي للطبقة العاملة.

الشعور العام يفهم الثورة كمعادل للعنف. مفهوم الثورة الذي طرحته توا مختلف كثيرا. انه عن الناس التي تحرر نفسها والتي تخلق الأشكال الجديدة لمجتمعها. وهذا لا يعني ان العنف لا يدخل كرقم في المعادلة على الإطلاق. هناك احتمال كبير – حتى نضعها بشكل معتدل – أن هؤلاء الذين يسيطرون حاليا على العالم سوف يقاومون بشكل عنيف أي محاولة جدية لمحو سلطاتهم وامتيازاتهم. انظر إلى الشراسة التي يشن بها بوش وحلفاؤه من أمثال بلير "حربهم ضد الإرهاب"، ليس فقط بغزو أفغانستان والعراق، ولكن أيضا بسحق منهجي للحريات المدنية تحت أقدامهم.

والقاعدة، من أوجه عديدة، هي قوى محافظة اجتماعيا، لا تحمل شكوى من الملكية الخاصة. ما الذي سوف يفعله الأغنياء الأقوياء لو كان هناك فعلا تهديد جدي لسلطتهم الاقتصادية؟ ’11 سبتمبر آخر‘ – انقلاب عسكري تدعمه الولايات المتحدة كالذي أطاح بحكومة الوحدة الشعبية لسلفادور الليندي في تشيلي عام 1973 – هذه الأحداث تعطينا فكرة عما سوف يحدث.

ما يعنيه هذا هو أن أي حركة ثورية يجب أن تستعد لهزيمة المقاومة العنيفة للجانب الآخر. ولا يعنى ذلك الانخراط في مؤامرات عسكرية أو إرهاب. تعتمد قوة أي حركة راديكالية من اجل التغيير الاجتماعي على عاملين: (1) مدى الدعم الجماهيري؛ (2) إلى أي درجة التنظيم الذاتي التي عليها هذا الدعم الجماهيري. كلما كانت الحركة تتكون من شبكات عمل أكثر في محلات العمل ومن منظمات مجتمعية لديها القدرة على كلا من مقاومة القمع، ولو من الضروري، أن تدير بنفسها المجتمع في نطاقها المحلي، كلما كانت أقوى. هذا يعني أن هناك علاقة عضوية بين المجتمع الذي ننشد تحقيقه، مجتمع مدار ذاتيا حيث ينتظم الناس في أعمالهم وفي مجتمعاتهم لإدارة شئون حياتهم على أساس تعاوني ديموقراطي، وبين الطريقة التي نحتاج إليها لننتظم من اجل تحقيق هذا المجتمع.

لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نصبح قادرين على التحدي من اجل السلطة. برنار كاسان، مؤسس ’آتاك‘، الحركة التي بدأت فرنسية ضد المضاربة المالية، طرح ما يسميه ’سؤال الـ 20 مليون شخص‘: المنتديات الاجتماعية الأوروبية، ومعها على طول الخط الاتحادات النقابية والأحزاب اليسارية لا يقيمون صلات ’بالـ 20 مليون هؤلاء – العاطلون، العمال الفقراء أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء، أصحاب الدكاكين الصغيرة الذين تسحقهم سلاسل المحلات الضخمة، العائلات يتيمة الأب أو الأم، العمال الموسميين، المهاجرون، الخ – الذين لا يتاح لهم ’حق الوصول‘ إلى ممارسة المواطنة في فرنسا‘. [1]

انه سؤال جيد، ليس في فرنسا فقط، حتى ولو كانت إجابة كاسان، التي تحصر المنتديات الاجتماعية في التعليم والترويج، مخطئة بشكل ظاهر. تحتاج الحركة إلى غمر نفسها بشكل أعمق في نسيج حياة الطبقة العاملة أكثر مما هو قائم حاليا. الأمر يتطلب كثير من الأشياء. سأذكر ثلاثة منهم فقط.

أولا: نحن في حاجة إلى أن نتعلم كيف نصل "الصورة الكبرى" – المقاومة الكوكبية ضد النيوليبرالية والحرب – للنضالات الصغيرة التي تحدث كل يوم ضد أثار عولمة الشركات التي تجري في كل مكان طوال الوقت.

ثانيا: علينا أن نقيم صلات بين الحركة والطبقة العاملة المنظمة أكثر منهجية مما هي عليه. يوجد تقدم على هذا الصعيد في أوروبا: يزداد انخراط النقابات في الحركة مع كل منتدى اجتماعي أوروبي متتالي. الناس، على كلا الجانبين – نشطاء معادون للرأسمالية ونقابيون – عليهم أن يتعلموا درس العيش مع الاختلافات في الثقافة السياسية والأنماط التنظيمية الخاصة بهم، وان يقوموا إلى التسويات المطلوبة للوصول إلى حركة أكثر اتحادا وأكثر قوة.

ثالثا: وربما يكون ذلك أكثر مدعاة للجدل، لا يجب أن نخشى الانخراط في الانتخابات السياسية. حرب العراق بلغت بالأزمة الأعرض للتمثيل السياسي أبعادها الدرامية. في بلاد مثل بريطانيا، وايطاليا، وأسبانيا، انفتحت فجوة هائلة بين حركة الشارع والنظام السياسي الرسمي، حيث أيدت الحكومات بوش مستهينة بالرأي العام. هذا رمز للفجوة الأكثر جوهرية بين النخب السياسية التي هي نيوليبرالية بلا تفرقة وبين العدد الواسع من الناس الذين يرون تجاهل النخبة الرسمية لمصالحهم وآراءهم بشكل كامل، أما وقد امتنعوا عن التصويت، وإما دمغوا بها مرشحي اليمين المتطرف المتظاهرين بأنهم ضد النظام. في بعض الدول الأوروبية يبدأ اليسار الراديكالي في الصعود ليتحدى في الانتخابات لأنه يسعى لمنح المستبعدين أصوات. لا ادري ما هي العواقب في الولايات المتحدة (رغم إني متأكد انه من الخطأ أن تعطي صوتك لديموقراطي حتى ولو كان ضد بوش).

في كل ما نفعله علينا أن يكون ذلك محاولة جماعية لنسج حركة لها ثلاث سمات مميزة؛ (1) أنها واسعة ومتحدة بأقصى ما نستطيع؛ (2) لديها الوزن الاجتماعي الذي يأتي فقط من خلال انخراط العمال المنظمين بقوتهم الاقتصادية الجماعية التي يستطيعون نشرها؛ و (3) لديها رؤية راديكالية للتغيير الاجتماعي العميق. يتبدى ذلك كما او كان مطلبا طويلا، ولكن فكر في المسافة الهائلة التي قطعناها، كحركة كوكبية، في مجرد أربع سنوات فقط منذ سياتل. قطعنا شوطا طويلا علينا أن نقطعه، ولكن عالم مختلف هو أمر ممكن حقيقة.

هناك نقاش أكثر تفصيلا لدعم وجهة نظري يوجد بأحدث كتابين لي، المانيفستو المعادي للرأسمالية، وحبات الماندرين الجديدة للقوة الأمريكية، نشرته دار بوليتي هذه السنة، وفي كتابي الأفكار الثورية لكارل ماركس، أعيد نشره حديثا من دار بوكماركس.

اليكس كالينيكوس
صدرت في: 7 ديسمبر 2003.



#احمد_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغاز اغتيال الشيخ ياسين
- بعض تأملات في بعض ذكريات التاريخ الحديث لمصر...الديموقراطية ...
- مبادرة جماعة المرشد العام للإخوان المسلمين للإصلاح الداخلي ف ...
- متاهة هاييتي
- يتذكرون بول بوت، ويتناسون من دعموه
- الأناركية، أو الحركة الثورية في القرن الواحد وعشرين
- مساحة حرية: منتدى المرأة العالمي
- نحو أناركية أخرى
- الأناركيون الجدد


المزيد.....




- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - احمد زكى - دراسة حالة في سبيل الاشتراكية الثورية