أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بوعلي - الدعوة إلى الدارجة المغربية : بحث في الأصول والغايات )1(















المزيد.....

الدعوة إلى الدارجة المغربية : بحث في الأصول والغايات )1(


فؤاد بوعلي

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" لقد خاضت الثقافة العربية معركة العصور وخرجت منها ظافرة بفضل اللغة الفصحى" جاك بيرك
تثار في الأيام الأخيرة ـ من جديد ـ قضية الدارجة المغربية باعتبارها المكون الرئيس للهوية اللغوية للشعب المغربي. حيث توالت المقالات الصحفية والندوات التعبوية والدعوات المبشرة بالخصوصية الوطنية للمغاربة. وتصاعدت حملة دعاة توظيف العامية المغربية بكثافة في وسائل الإعلام والاتصال والترفيه والتدريس، وظهرت بعض العناوين في السنوات الأخيرة تخاطب القارئ المغربي بالعامية أو "الدارجة"، كما برزت إلى الوجود عدة إذاعات في مناطق البلاد تبث بالدارجة كليا أو جزئيا مستفيدة من بعض الانفتاح الذي شهده قطاع الإعلام السمعي البصري خاصة مع إنشاء "الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري" التي منحت الترخيص إلى عدة إذاعات محلية للبث في المغرب أغلبها يبث بالعامية أو يزواج بينها وبين العربية والفرنسية. وعملت البرمجة التلفزية والإذاعية على أن تكون آلية التواصل مع المتلقي المغربي في جل البرامج الجديدة المقترحة هي اللهجة المحلية. بل وصل الأمر بالبعض إلى اقتراح استبدال العربية الفصحى في التعليم بالعامية أو ما اصطلح عليه عند بعضهم باللغة المغربية . مما يعني أن الأمر لا يتعلق بمصادفة بل بتوجه منهجي وحملة منظمة لإحلال الدارجة وترسيمها لاحقا. وفي هذا الإطار نطرح جملة من الأسئلة نحاول الإجابة عنها عبر حلقات : هل الدارجة المغربية لغة أم لهجة ؟ وما هي الأسس الفكرية ـ التبريرية أو التبشيرية ـ الإيديولوجية للدعوة إلى العامية ؟ وكيف يمكننا التأريخ إلى هذه الدعوة في العالم العربي وفي المغرب؟ وفي الأخير ماذا يرد دعاة الدارجة ؟
وطرحنا لهذه الأسئلة الاستشكالية ينبع من اعتقادين أساسيين :
أولهما إن جل المتدخلين في الموضوع بعيدون كل البعد عن البحث العلمي اللساني الرصين والمؤسس كما تحيل عليه لائحة المشاركين في الندوات المنظمة لهذا الغرض . فالغاية من طرح الموضوع والدفاع المستميت عنه ـ كما سنبين عبر نماذج ـ لا يجد له أساسا علميا وإنما تتحكم فيه خلفيات سياسية وإيديولوجية.
وثانيهما أن أصول هذه الدعوة وتاريخها ليس منحصرا في جغرافية القطر وإن زعم أصحابها دفاعهم عن الخصوصية المغربية بل نجد لها أصولا في المشرق وبنفس المزاعم والدعاوى . ولأننا آلينا على أنفسنا أن يكون خطابنا مؤسسا علميا وبعيدا عن الجدال الوهمي الإيديولوجي المقيت المؤسس على الرد ورد الرد نطرح رؤيتنا للنقاش العلمي .
الدارجة المغربية بين اللغة واللهجة : في المفهوم .
قد نتفق مبدئيا مع العالم اللساني بواسون(BOISSON) حين قال في إحدى محاضراته جامعة ليون الثانية في فرنسا ”من الصعب أن نميز دائماً بوضوح بين اللغة واللهجة". وتجليات الصعوبة تأتي من توارد الانتقال بين الاصطلاحين في تسمية نظام لساني معين. لكن اللسانيين وضعوا حدودا معينة يمكن على غرارها الوقوف على عناصر المزايلة بين اللغة واللهجة .
فاللغة في المعاجم العربية هي "فُعْلَةٌ من لغوت، أي تكلّمت، وأصلها: لٌغْوة ...وقالوا فيها لُغات ولُغُون...وقيل منها: لَغٍيَ يلغَى: إذا هذى، ومصدره: اللَّغَا...وكذلك اللَّغْو، قال سبحانه وتعالى:) وإذا مرُّوا بالَّلغْو مرُّوا كِراماً(، أي بالباطل، وفي الحديث:(من قال يوم الجمعة:صَهْ، فقد لغا)، أي تكلّم". وعند ابن جني:"هي أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم". مما يعني أنها تجمع بين الأبعاد المؤسسة للتداول اللساني : الصوتي والتعبيري والاجتماعي والوظيفي . وفي تعريف اللسانيات الاجتماعية تعني اللغة كل نظام يقوم بوظيفتين اجتماعيتين جوهريتين : التواصل والتحديد الهوياتي .أمّا عند المحدثين، فهي مجموعة من اللهجات التي تنتمي إلى بيئة معينة1.
واللهجة : جاء في مقاييس ابن فارس:اللاّم والهاء والجيم: أصل صحيح يدلّ على المثابرة على الشيء وملازمته،والأصل آخر يدلّ على اختلاط في الأمر.يقال: لَهَج بالشيء: إذا أُغْريَ به وثابر عليه وهو لَهِجٌ. وقولهم: هو فصيح اللَّهْجة، والََّلهَجَة:اللِّسان بما ينطق به من الكلام،وسمّيت لهجة؛ لأنّه كلاًّ يَلْهَج بلغته وكلامه.والأصل الآخر قولهم:لَهْوَجْتُ عليه أمره: إذا خلطتَه. أما من حيث الاصطلاح، فاللَّهجة تسمّى العامية أو المنطوقة أو المحكية أو المحلية أو الدّارجة، وهي "اللّسان الذي يستعمله عامّة الناس مشافهة في حياتهم اليومية لقضاء حاجاتهم والتفاهم فيما بينهم"2. فهي اللّهجة اليومية العفوية المكتسبة في السنوات الأولى للإنسان والتي يستعملها في تعاملاته العامّة، وتختلف من منطقة إلى أخرى في سائر البلدان. وفي الاصطلاح العلمي الحديث: مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة3. وهي كذلك الطريقة التي يتلفظ بها المرء بمفردات لغة ما وعباراتها وطريقة إخراج الأصوات عند النطق بها . والعلاقة بين المفهومين هي علاقة بين العام والخاص؛ لأنّ اللغة تشتمل على عدّة لهجات لكلّ منها ما يميّزها، وجميع هذه اللهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللغوية والعادات الكلامية التي تؤلّف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات. "ومما لا ريب فيه أنّ اللهجة متفرعة عن اللغة المشتركة ومتأثرة بها وإن كانت تشويها أو تحريفا لها"4.
بعد هذا التحديد الاصطلاحي نصل إلى السؤال المحوري لحديثنا : هل الدارجة المغربية لغة أم لهجة؟
كل لغات العالم تعيش الازدواج القهري والمفروض الذي يجعلها تحيا وتتعايش مع لهجات التداول اليومي. ولو تأملنا اللهجات العربية المتناثرة على طول العالم العربي لوجدنا الاختلاف بينها محدود ولا يخرج عن الجانبين الدلالي والصوتي . "فاللهجات العامية المتفرعة عن العربية في بلاد المغرب واليمن والحجاز ، لا يوجد بينها إلا فروق ضئيلة في نظام تكوين الجملة وتغيير البنية وقواعد الاشتقاق والجمع والتأنيث والوصف والنسب والتصغير …، أما الاختلاف في الجانب الصوتي والدلالي فقد بلغ درجة كبيرة"5. أي أن وجود العامية المغربية هي حالة طبيعية للتداول اليومي الذي تتداخل فيه المؤثرات الجغرافية والتاريخية والبشرية لتنتج آلية للتواصل العادي العامي تختلف عن الخطاب العربي الرسمي . وفي سيرورة الإنتاج هذه كانت لكل جهة لهجتها الخاصة التي قد تجعل أحيانا التواصل بين أهل الوطن الواحد صعبا بل قد يكون مستحيلا . فبقليل من التأمل في الاختلاف اللهجي بين شرق المغرب وغربه وجنوبه وشماله نخلص إلى نتيجة واحدة : الاختلاف اللهجي لا ينفي الوحدة الأصلية لكل التنويعات والانتماء الواحد إلى اللغة العربية . والدليل على ذلك هو وجود بعض الآثار الفارسية في الكلام المغربي بالرغم من عسر الاتصال بين فارس والمغرب. يقول عبد العزيز بنعبد الله : "وقد تأثرت العامية المغربية بالفارسية عن طريق الدخيل في المعجم العربي لا بكيفية مباشرة كما هو الحال في مصر، لأن المغرب ظل في منحى عن التأثيرات الفارسية". وخلال تتبعنا لقضايا اللهجات المغربية تبين لنا الارتباط الصريح بين لهجة الصحراء الشرقية للمملكة والفصحى من خلال الاستعمال المتعدد والمتغير نغميا ونبرا للعديد من الكلمات الفصيحة التي أشار مزهر السيوطي إلى بعضها مما أهملته العرب قديما. كما أشار الفرنسي لوبينياك عام 1916 في كتابه "نصوص عربية في زعير" (طبعة باريس، 1952)، إلى الصفاء الملحوظ والفصاحة العربية في الكثير من الكلمات التي درجت على ألسنة العامة من أهل زعير مما لا نجد له مثيلاً إلا عند القبائل التي لا يتطرق الشك إلى عروبتها كالشاوية. ويقول العلامة عبد العزيز بنعبد الله : "وقد أشار كثير ممن درس أنساب الفصائل السلالية المغربية إلى أن القبائل الرحالة في سهول المغرب الغربية وأقاليم عبدة ودكالة والشاوية وشرقاً بالحدود الجزائرية ما زالت تحتفظ بعروبتها الأصيلة التي طبعتها منذ الفتوح الأولى. وقد أثر ذلك في العنصر البربري حيث لوحظ أن عامية القبائلية بالجزائر تشتمل على نحو ثلث الألفاظ العربية"6.ليخلص إلى وجود توافق ـ قد يغيب عن ذهن القارئ العرضي أو الإيديولوجي غير المختص ـ بين عاميتي القاهرة والرباط عدا خلاف بسيط في الشكل مثل بات وباح يبات ويبوح بكسر فاء المضارع في القاهرة وبتسكينه في الرباط. وقد استدل لذلك بأمثلة عينية وليس بكلام فضفاض من نحو : أبو علي: الرجل اللطيف الكريم (مصر)؛ وأبا علال: في المغرب كناية عن الفقر المدقع. أتسرق، أي أنسل خلسة من انسرق (المغرب)؛ ويقال: انسرأ في مصر ... وهكذا دواليك .
إذن ، فهذا غيض من فيض من الدراسات الأكاديمية والعلمية التي تثبت عروبة اللهجة المغربية وليس لغويتها . وقد حاولنا أن نجيب بما يتسع له المقام عن إشكال الارتباط بين العامية والعربية . وقد قال طه حسين منذ زمن طويل : "لم أومن قط ولن أستطيع أن أؤمن بأن للغة العامية من الخصائص والمميزات ما يجعلها خليقة بأن تسمى لغة وإنما رأيتها وسأراها دائما لهجة من اللهجات قد أدركها الفساد في كثير من أوضاعها وأشكالها"7. ليظل السؤال بعد أن عرفنا وهم أطروحة الخصوصية وفسادها العلمي: لم هذا الدفاع المحموم عن الدارجة ؟ وما هي أصول هذا الطرح الانغلاقي ؟

1 ـ محيسن محمد سالم: المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية ، ص7.
2 ـ ( نايف معروف: خصائص العربية وطرائق تدريسها، ص55.
3 ـ محيسن محمد سالم: المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية، ص7.
4 ـ ( صبحي الصالح: دراسات في فقه اللغة،ص360.) .
5 ـ د. علي عبد الواحد وافي ، م س، ص 163.
6 ـ الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله: العامية والفصحى في القاهرة والرباط . مجمع اللغة العربية بالقاهرة
7ـ طه حسين : مستقبل الثقافة في مصر ص 236




#فؤاد_بوعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن الترجمة : في دلالات حجب جائزة الترجمة
- العربية والتنمية
- السؤال اللغوي عند الجابري
- سؤال الآخر في المشترك العربي


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بوعلي - الدعوة إلى الدارجة المغربية : بحث في الأصول والغايات )1(