أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مؤيد بلاسم متعب العبودي - الشيوعية تحت مجهر الاسلام















المزيد.....



الشيوعية تحت مجهر الاسلام


مؤيد بلاسم متعب العبودي

الحوار المتمدن-العدد: 928 - 2004 / 8 / 17 - 10:06
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


الفصل الأول:
ظروف النشأة والتكوينLAPREMIER CHAPITRE :
الشيوعية تعريف وفكرة ونظام: : (l’apparition et l’histoire)
يمكننا الفصل بين الشيوعية كفكرة وهدف، والماركسية كفكرة ومنهج، حيث أن الشيوعية هي الهدف من الماركسية وتعني قيام مجتمع الملكية الجماعية للثروة ووسائل الإنتاج، بينما تحدد الماركسية أساليب الوصول إلى المرحلة الغائية من الكفاح البشري المتمثلة بالشيوعية وبذلك نرى أن مرحلة الشيوعية هي الغاية من الفكر الماركسية . ويعتبر سان سيمون الأرستقراطي الفرنسي واحدا من أوائل المفكرين الذين نذروا أرواحهم وأفكارهم للتبشير للشيوعية كحل لأزمات زمانه(1) .
كما يمكننا اعتبار بيير برودون أبو الشيوعية الفوضوية ، وفي كتابه (الملكية هي السرقة) يدعي بأن أصحاب الثروات والملكيات الشخصية هم لصوص مغتصبين للثروة المشتركة بين الناس وهذا يدفعهم إلى أن يغتصبوا السلطة ويحتكرون الشريعة والقانون لاجل الحفاظ على ما سرقوه . ولذلك فانه يحارب كل نظام ممكن للدوله ويدعوا إلى إلغائها والتعويض عنها بنظام شكلي للحكومة لأجل حفظ الأمن والقانون فقط . وقد كان يتباهى بأن يسمى خطه الفكري ( الشيوعية الفوضوية)، وقد ساد هذا الاتجاه في فرنسا أيضاً ثم ظهر روبرت أول الإنجليزي الذي ضرب المثل الأعلى لرجل المال المؤثر على نفسه ، فظهرت بظهوره نزعة (الاشتراكية العاطفية )إذ انه أخذ يعمل مع عمال مصنعه ويقسم الربح بينهم بالتساوي ، ثم أقترح الاشتراكيون العاطفيون سنة 1835 إقامة تعاون بين طبقة العمال في كل أرجاء العالم.
ولذلك فقد أسس رو برت أول (رابطة الطبقات في كل الأمم) .لقد كان سبب تذمر العمال إدراكهم انهم لم يجنوا أية فائده من التقدم الصناعي الذي عم أوربا الغربية بعد الثورة الصناعية . وفي أربعينيات القرن التاسع عشر ظهر كارل ماركس وكان حينها مجرد صحفي ألماني يهاجم أحيانا ثوار الشيوعية والاشتراكية في زمنه من مجلة رايخ زيتونج ويصفهم بأنهم ( أبطال مزيفون يدعون إلى النضال العشوائي ويكرهون التفكير والثقافة المعمّقة ويحاولون ستر عجزهم باتهام العلم ). لكنّه تأثّر بالاشتراكية فيما بعد نتيجة تعرّفه على انجلز ولقائه بقادة النقابات العمالية ورابطة الطبقات الأممية . أدّعى ماركس وانجلز الدعوة إلى الأشتراكيه العلمية ـ كما أسميا نظريتهما ـ ووضعا نظرية مادية جدلية ومادية تاريخية ونظرية للاقتصاد السياسي وفسّروا من خلال ذلك الماضي والحاضر والمستقبل، وهي نظريات تتبنىّ الفكر المادي البحت وتهدف إلى إنشاء المجتمع الشيوعي المثالي وتحمل تصوراً جدلياً للعالم وتعطيه تفسيراً مادياً وهي بذلك تلتقي مع الإسلام في إعطاء العالم تفسيراً، لكنه عندها تفسير مادي بينما تفسير الإسلام للعالم كان ولا يزال واقعياً .
01عرفت جماعته باسم السان سيمونيين وقد حاول نشر أفكاره في العالم اجمع ورحل هو وعدد من أنصاره الفرنسيين إلى مصر لتسويق نظريته ثم كانت النتيجة آن أمن اكثر أنصاره بالإسلام.
الشيوعية تأريخ وقضية:Lecomunism l’affaire et l’histoire:
في القرن التاسع عشر، وسط مجتمع يعج بالاستغلال والاستعمار ظهرت الماركسية ،وكان كل شيء يمهد لها ،كانت أوربا القرن التاسع عشر قد أدارت ظهرها للكنيسة المسيحية وامتلأت أرضها وسمائها بصرخات المحرومين من عمالها. ولذلك فقد كانت بحاجة إلى فكر شمولي جديد بعد بزوغ الانقلاب الصناعي الكبير والذي جعل( الأغنياء يزدادون غنىً والفقراء فقراً ) . وكان كبار الرأسماليين يسيطرون على موارد الثروات سيطرة مطلقة وتنتج مصانعهم الإنتاج الضخم الذي يغرق الأسواق بينما لا يتمتع العمال البؤساء الذين يمدون الآلات بدمهم وعرقهم ألا بثمن زهيد لا يسد الرمق ولايردّ شتاء أوربا القارص . أما الدولة فقد تواطأت تحت أسم القانون مع رجال المال على امتصاص كل قطرة من دم العمال ثم رمتهم كنفاية بعد أن استهلكت قوتهم وتمكنت الأمراض من أجسامهم ويكفي أن نعلم أن بعض الأطفال كانوا يشاركون آبائهم وأمهاتهم العمل ستة عشر ساعة في اليوم الواحد ويتناولون طعامهم وهم أمام الآلة .كانت المشكلة الأساسية هي سوء توزيع الثروة الفظيع بين قلة من الرأسماليين ــ تبلغ السدس أو السبع من نسبة السكان ـ تسيطر على نصف الثروة القومية وبين أكثرية من المحرومين والمستضعفين لا يملكون ما يقيم أودهم (1) وبالتأكيد أن الإنسان إذا تعرض إلى الظلم يتجه إلى القانون ليحميه سواء كان سماويا أو ارضيا ، ولكن قوانين أوربا كانت رأسمالية تبيح الحرية المطلقة لمالكي راس المال . أما الدين المسيحي فقد ملّ المفكرون من دكتاتورية كنيسته ، وملّ الناس من لعبة الحروب الصليبية التي جرّت الويلات على ملايين البشر باسم الدين بينما كان الرابح الوحيد فيها نبلاء أوربا وزمرة من القساوسة المتعصبين . وكان لاتصال الناس بالشرق الإسلامي وزيادة معرفتهم بعقيدته السهلة وترجمة القرآن الكريم سببا مباشراً لجعل الفلاسفة ينتقدون عقيدتهم المعقّدة التي تلغي العقل وتعين محاكماً للتفتيش تحاسب العلم والعلماء . كانت كنيسة البابا علاوة على تكفيرها وحرقها لكل من يناقش وحدةالأقانيم الثلاث – الأب والابن والروح المقدس – تجبر الناس على الادعاء بان المسيح ابن الله ، فكيف لأبناء عصر النهضة أن يقرّوا بهذا التحريف .
من جهة أخرى فقد كان للحروب الدينية بين المذاهب المسيحية –البروتستانت والكاثوليك – ومذابح الهوكونت في فرنسا اكبر محرك على نقد هذا الدين الحرف ، ثم إضافة إلى هذا الفساد العقائدي عند رجالات الكنيسة كانت الفضائح الأخلاقية للرهبان والراهبات قد هزّت ضمير كل عاقل فضلا عن كل شريف ،تلك الفضائح التي سخر منها الأدباء والروائيون (انظر مثلاً رواية (2) -الأحمر و الأسود لستاندال – إضافة إلى كارثة كرسي الاعتراف وصكوك الغفران وقرارات الحرمان التي كانت تبيع رحمة الله في السوق وتجعلها خاضعة لقانون العرض والطلب . تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .كان كبار الباباوات والقساوسة يزدادون طغياناً ومالاً وفساداً بينما كان أبناء الشعب
01 ديو ليل برنز فصل الاشتراكية من المثل العليا عن دراسة لجوزيا موني .
2 0انظر رواية (lerouge et lenoire)للروائي الفرنسي ستاندال التي تنتقد قسيس –كرمز ديني – يرتكب عمليات زنا وقتل بشعة .

وصغار القساوسة يحترقون غيظاً وفقراُ وجوعاً .وهكذا كانت سلطة المال وسلطة الدين وسلطة السياسة قد اجتمعت كلها على الجموع المستضعفة ، إذن لم يعد غريبا بعد ذلك أن ترتفع صيحة-اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس -. ثم تكون الردة من دين الكاثوليك والبروتستانتية إلى دين ماركس (1) . أي أن الماركسية هي نتيجة لفساد الوضع الاقتصادي والفكر الديني الأوربي من جهة وشيوع فلسفة الإلحاد والثقافة اليونانية الوثنية في عصر النهضة من جهة أخرى ، وبالتالي الحاجة إلى عالم افضل والى نظام سياسي- اقتصادي شمولي جديد يعالج مشاكل ذلك العصر على كل الأصعدة .
كان ماركس يعيش في حالة الاكتشاف لما حوله ثم تحليله ونقده بعنف مستنداً في ذلك على فكره التركيبي الفلسفي وإيمانه بجدليّة (هيكل)، ثم إن لقائه بفردريك انجلز عام 1843 م حدثاً هامّاً إذ فتح الباب أمام ماركس لاعتناق الشيوعية بحماس بعد أن وجد في انجلز مفكراً تحليليّاً عميقاً في الحقل الاقتصادي ليعلنا بذلك بفترة عن انبثاق الاشتراكية العلميّة كما سمّياها ،وليصرح ماركس بعدها قائلاً[ اقتصرت أعمال الفلاسفة على تفسير الكون تفسيرات مختلفة، والمهم الآن تحويله وتغيره ](1) .
وفي الفصول القادمة سنستخدم اصطلاح الشيوعية للدلالة على الماركسية لأنها المشروع الفكري المطروح اليوم باسم الشيوعية ، كما أنها تشكل معارضاً أساسيا للفكر الإسلامي المحمدي الأصيل.
الفصل الثاني :ـ الفكر الشيوعيlalapensé communist
محتوى الفكر الشيوعي …..
يتلخص محتوى الفكر الماركسي في النظريات الثلاث آلاتية :ـ
01 نظرية المادية التاريخية : وقد أسهب في مناقشتها الصدر الثاني في اليوم الموعود
02نظرية المادية الجدلية : وقد ناقشها السيد الصدر الأول في فلسفتنا
03 نظرية الاقتصاد السياسي .وقد ناقشها الصدر الأول وقد تركنا مناقشتها لأنها نظرية اقتصادية بحتة وهي ليست موضوعنا
أولا : نظرية المادية التاريخية (1) Latheorité de l’historique materiel
:تدرس هذه النظرية التطور العام الكلي للمجتمع ؛ أي أنها تدرس المجتمع من خلال التحوّلات التاريخيّة التي تطرأ عليه0وتربط الماركسية بين العوامل المادية للإنتاج وتعتبرها عوامل حاسمة لتطور التاريخ ويعتبرها الشيوعيون قانون علمي يقيني الحدوث يفسر التطور التاريخي للمجتمعات الإنسانية في العالم كله دون استثناء ,أما مفاهيمها الأساسية فهي:
أ-المادية :وبحسب هذه النظرية يفسر الشيوعيون التاريخ داخل إطار المادية الفلسفية ويعتبر ماركس سببين لأقرار الصفة المادية للتاريخ هما :-
1 -إن أسلوب الإنتاج هو أساس الحياة الاجتماعية ،أي أن كل تغير أو تطور اجتماعي مهما كان نوعه يرتبط بأسلوب ووسائل الإنتاج 0لكننا نعرف جميعاً بان وسيلة الإنتاج نفسها هي طريقة عملية لبرمجة الفكر النظري وقولبته في إطار تطبيقي إذ أن فعالية الوعي هي التي تصنع وسيلة الإنتاج وليس العكس ،وفعاليّة الوعي الإنساني والتفكير هي فعاليّة لاماديّة بكلّ تأكيد 0
إننّا لا يمكننا أبدا تحسين وتطوير كيفية الإنتاج ووسائله إلا بالتّفكير وبالتالي فأنّ الفكر والوعي هما العاملان المحددان لتطور الاقتصاد وليس العامل المادي0لاينكر أحد أن الماركسية رائدة في مجال ربط الاقتصاد بالتاريخ الاجتماعي ، لكنّها بالغت جدّاً في ردّ كلّ تغيير أو تحوّل تاريخي إلى الاقتصاد ، إلى درجة زعمت معها أن اختراع - جوتنبورج – للمطبعة ساعد في القضاء على الكنيسة لأنها نشرت الكتب الإلحادية ، مثلما عجّل ظهور طاحونات الهواء في القضاء على الإقطاع وظهور البارود في اوربا على دخولها عالم الثورة الصناعية ، بينما كانت الصين تستخدم المطبعة والبارود وطواحين الهواء قبل اوربا ولم ينتشر فيها الإلحاد ولا الثورة الصناعية ولا انتهى الإقطاع إلا مع ظهور ماو تسي تونك في أربعينيات القرن العشرين .
2- السبب الثاني لاقرار المادية هو استقلال الواقع عن الوعي ،أي أن الوجود الاجتماعي هو ما يؤثر في الوعي ويحدّده .وهذا السبب يضرب المادية الفلسفية في الصميم إذ انه يعتمد على الوجود الاجتماعي – أفراد المجتمع – وليس على الطبيعة المادية كما يؤمن الشيوعيون . وكما نعلم إن الوجود الاجتماعي مطبوع على الفكر ، وهذا ضد تبني الماركسية لاصالة المادة .فلا معنى إذن للمادية الشيوعية بهذا .
ب- الحتمية التاريخية : يعتبر ماركس أن كل نظرياته قوانين شمولية جازمة ،ولذلك فانه اعتبر أن التاريخ يتطور حسب مراحل، ويرى ذلك تطورا لتاريخ الطبيعة المادية للمجتمع ،بينما اعتبر أن المجتمع الإنساني ككل يسير باتجاه الاشتراكية حسب الضرورة الطبيعية . وان سير التاريخ محددٌ كلياً إلى درجة اعتبره معها مقيداً بقوانين وقواعد لا يحيد عنها أبدا اسماها – قوانين الطبيعة . إن هذه النظرية تدمج بين القوانين الاجتماعية والحتمية التاريخية ، وترى بان التاريخ قبل ماركس كان يعيش في فترة الضرورة العمياء حيث أن تطور الأحداث كان حتميا ولكن بدون تدخل الإنسان حتى جاء ماركس و(فتح عينيها) لتبدء معه فترة الحرية مع بزوغ فجر الماركسية والتي تنتهي حتما وبدون شك بالفردوس الشيوعي الموعود تبعا لمقولة ( من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته) .
ويؤكّد انجلز على ضرورة القفزة من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية . فكان أن انتحرت الحرية على أيدي جلاوزة - الكي.جي.بي - المخابرات السوفيتية قبل تحقيق الفردوس الماركسي الموعود , بل انتهى المطاف مع هذا الحلم الشيوعي بان احرق عشرة ملايين شيوعي بطاقاتهم الحزبية قبيل سقوط الإمبراطورية البروليتارية .إن فرضية الحتمية التاريخية تقسم التاريخ إلى مراحل اقتصادية تاريخية مهمة من المشاعية البدائية ،العبودية، الإقطاعية ،الرأسمالية والإمبريالية ثم الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا واخيرا الشيوعية .وحسب تنبوأت ماركس وانجلز فان الثورة الاشتراكية لا بد أن تحدث في الدول المتقدمة الصناعية الرأسمالية مثل ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا قبل غيرها لكنها حدثت في دول متأخرة جدا ـ حسب التصنيف الماركسي ـ كمرحلة الإقطاع في الصين وروسيا ،على عكس قوانين ماركس ونظرياته الحتمية .
إن الملاحظ المدقق يرى أن قوانين الحتمية تقتضي التلقائية"بالضرورة" كنفي النفي وتطور وسائل الإنتاج ومن الواضح انه لايمكن للحزب الشيوعي أو أي فرد أو جماعة تغيير القوانين الكونية القهرية ، كما لايمكن للحرية والضرورة أن يتركبا معا في قانون أو نظرية افتراضية من مستوى الحتمية (1) . أن الوعي البشري ليس ضروري الإنتاج دائما - كما هو الحال في القوانين الكونية العامة - لأنه يعني الحرية وهي تنافي الضرورة حتى بالفهم الماركسي .إن المجتمع لا ينتقل إلى الاشتراكية إلا بإعمال الوعي وليس بالقوانين الضرورية فقط .
إذن تصبح المرحلة الاشتراكية غير ضرورية الوجود ، باعتبار أن أهم أسبابها _وهو الوعي_ ليس ضروري الوجود ، ومعه يتعين القول بالتلقائية طبقا للقوانين المادية الماركسية .
ج ـ التفاؤلية :
تعتبر هذه النظرية إن كل مرحلة من مراحل التاريخ هي افضل من التي سبقتها ،كما تعتبر إن الطبقة العاملة تتطور مع كل مرحلة تاريخية ، فالمزارع في عصر الإقطاع هو افضل حالا من العبد،والعامل في المصنع الرأسمالي هو افضل بدوره من المزارع ، وهكذا تفترض أن البروليتاري الاشتراكي سيكون افضل حالا من العامل ، وتبالغ لتعتبر أن كل تطور للبشرية قبل مجيء كارل ماركس بنظرياته وفرضياته كان تطورا غير واع تقوده الضرورة العمياء في بحر التناقض الجدلي ،وسيكون هذا التطور واعيا لو طبّقنا أفكار ماركس ورفضنا غيرها . وتعتبر أن أي مخالفة للتجريد الرياضي الماركسي لم ولن يحث أبدا .
إن هذه الفرضية تعجز عن الإجابة المقنعة لسؤالنا : لماذا كان التطوّر التاريخي تطوّرا صاعدا نحو الأفضل قبل الماركسيّة رغم كونه غير واع ،ولماذا يصبح واعيا إذا طبّق أفكار مارس حصرا؟!.
إن الأدلة التي عرضها السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) ـ في موسوعة الإمام المهدي (عجل الله فرجه ) الكتاب الرابع ـ اليوم الموعود ـ تعتبر أدق بكثير و أقوى من مادية ماركس ،وتمتلك إجابات مقنعة حول التخطيط الإلهي لتطور البشرية . فتعتبر أن القوة الواعية التي أدارت العالم - وهي الله جلّ جلاله ـ وطورته نحو الأفضل هي نفسها التي تقوده اليوم ، وان جميع رسالات الأنبياء كانت لاجل دفع البشرية ككل نحو التكامل الواعي لاصلاح الأرض وما عليها ، وان الغاية من المخطط الإلهي لتاريخ البشرية هي تحقيق السعادة المطلقة على سطح هذا الكوكب وفي هذه الدنيا فضلا عن الآخرة ، ويبين السيد الشهيد الصدر الثاني كيف أن المجتمع الإنساني يتكامل باستمرار حتى يصل إلى عصر الظهور ـ اليوم الموعود ـ حيث تتكامل كل التجارب البشرية ويصل العقل الجمعي لها إلى إدراك واع يكفر بكل نظريات الشرق والغرب الوضعية القاصرة ويؤمن بتطبيق حكم الله وحده ليدركه الإلهي المقدس بظهور المصلح العالمي وهو الإمام المهدي(عج) ، وهذا ما يحتاج إلى تكامل البشرية التام في كافة المجالات والاستعداد الكامل لاحتضان المصلح العالمي المؤيد بقوة السماء ونصرة أهل الأرض ليصلح ما أفسده الظالمون على اختلاف أيديولوجياتهم "" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس "" وليحقق العدل وينصف المستضعفين والكادحين مصداقاً للنبؤة الإلهية :{ ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}} صدق الله العلي العظيم .


دـ الاقتصادية التاريخية :
وهي قاعدة المفهوم المادي للتاريخ إذ يعتبر الماديون أن أسلوب الإنتاج هو العامل المحدد لكل حياة اجتماعية. وهكذا وقع في ماركس في أخطاء أستاذه ( هيجل ) عندما أكد على أن العامل الفكري هو أساس التغير في التاريخ بكل خطواته إذ جعل ماركس العامل الاقتصادي هو العنصر الحاسم في تطور التاريخ. إن الماركسية تعتبر أن الدور الأساسي للعلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج هو لقوى الإنتاج .
تؤمن الماركسية بان تطور قوى الإنتاج يحدد حسب العلاقة الجدلية داخل عناصر الإنتاج وحسب التأثّر والتأثير بين علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج ،والنتيجة أن تستبعد هذه النظرية الدور الإنساني وهو الفكر الفعّال للإنتاج كما ت
نعتقد لان الإنسان هو الذي فكر في كيفية تطوير الإنتاج ،ليصنع ويطوّر آلة الإنتاج وطريقته ،وليس طريقة الإنتاج هي التي صنعت الإنسان 0 إن تجربة العامل الشخصية ليست كافية لتطويره ،فلا بد من إرشاده وتطوير مؤهلاته وزيادة خبراته بواسطة التعليم المهني ،بالإضافة إلى اطلاعه الكافي على مستحدثات التقنية في عصره 0
يعتقد أقطاب الشيوعية أن القاعدة العمالية –البروليتاريا –هي التي تصنع الوعي الفكري للنخبة الماركسية ،بينما يرينا التاريخ أن ماركس نفسه كان بورجوازياً وانجلز رأسماليا وسان سيمون أرستقراطيا ولينين نبيلاً ،كما يكذّب ذلك كله قول لينين (إن الطبقات العاملة لا تستطيع إذا تركت لنفسها أن تصنع وعياً) .
إن المبالغة في تضخيم دور الاقتصاد في حركة تطور التاريخ سيعود بنا حتما إلى الماديّة الميكانيكية التي ترفضها كل الفلسفات العقلانية ، كما أنّ تأكيد المادية التاريخية على الحتمية تجعلها فكرة جبرية تسلب أي إرادة حرة للإنسان وتقيّد سلوك المجتمعات بنظريات أثبتت فشلها بجدارة 0 بينما مازال الشيوعيون القدامى يتكلمون عن اغلب بل جميع النظريات العتيقة بشكل تجريدي كما لو كانت معادلة رياضية 0
( تركنا الحديث عن صراع الطبقات إلى بحوث المادية الجدلية لانه بالأساس موضوع جدلي )
المادية التاريخية :
لقد بدت المادية التاريخية في تأكيدها على جعل الصراع الطبقي أساسا لكل أحداث التاريخ كنظرة جزئيّة تركّز على عامل واحد وتهمل ما سواه وتنطبق على تركيب اجتماعي خاص ومرحلة زمنية خاصة به وتحاول من خلالهما أن تعمّم تحليلها على كلّ المجتمعات وكافّة المراحل الزمنيّة واعطت لنفسها الحقّ في التنبؤ للمستقبل رغم أن التنبؤات لم تكن يوماً ولامرة في صالحها 0
إن صيغة الصراع الطبقي التي تستند إلى المادية التاريخية والجدلية ربما تلائم مجتمع اوربا عام 1870 بصورة محدودة ،لكنها تعتبر الآن نظرية متخلّفة اجتماعيا،إذ أن التطور التقني في الغرب الصناعي حوّل مركز الثقل إلى الجهاز الفني والإداري ،كما إن تقدّم المواصلات واتّساع نشاط البنوك والتأمينات قد أدّى بدوره إلى ظهور طبقة وسطى جديدة هي طبقة المستخدمين ،ولم تتفتت هذه الطبقة الوسطى إلى قسمين مع البروليتاريا وأخرى مع البرجوازية كما تنبا ماركس بل أصبحت طبقة جديدة تضم عددا كبيرا من موظفي الإدارة العامة 0ومن جهة أخرى فان الدول الحديثة وتشريعاتها أصبحت اكثر تجاوبا مع مطالب الحركة العمالية ، واستخدم العمال للمطالبة بحقوقهم الأسلوب السلمي وتركوا ماركس وثورته الاشتراكية لمنظّري الحزب الشيوعي 0كما إنّ نظريّة الإفقار الشيوعي أصبحت مجرد كلمة مهملة بين اسطر قديمة على أوراق صفراء .


3 0 الفصل الثالث
نظرية المادية الجدلية : :Latheorité dudielectique materiel
ادعت الماركسية لنفسها الحق و القدرة على تفسير الكون و الحياة تفسير مطلقاً ، وحاولت وضع قانون شمولي على ضوء فلسفتها المادية ومفهومها الجدلي لكنها و بدافع النظرة الحزبية حاولت تبرير كل أخطائها وكتمت أي صوت معارض في حدود سلطتها عليه فتفجرت جميع تجاربها فشلً ذريعاً وتعتمد المادية الجدلية في رؤيتها الشمولية للعالم على شيئين
أولا : تأكيدها على أصالة المادة
ثانياً : اعتماد الجدل ( الديالكتيك )
وبهذه النظرية أقام ماركس فلسفته وبها فسر التاريخ تفسيراً مادياً وارجع كل شئ في الاقتصاد إلى أدوات الإنتاج، وقال بفائض القيمة ، وبها اصبح للماركسية نظره إلى الحياة وتفسيراً للكون ونظام للمجتمع كما هي للدين 0
يعتبر ماركس أن المادة هي اصل الكون ،وان الفكر لاحق عليها وتابع لها (1)،ويعتبر أن كل شئ وراء المادة وغير محسوس ماديا لا أهمية له . وهكذا ألغى دور الدين من الحياة، حيث انه بهذا ينكر ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا ) عالم الغيب في المصطلح الإسلامي وهو بذلك يقع في تناقض يخالف الأساس المادي الذي بنا عليه الفكر الفلسفي في للماركسية لانه يناقش وينكر وجود أشياء لاعلم يقضي له بها .
إن ماركس يعتقد أن المادة هي الطبيعة نفسها وان الأصل في وجود الكون هي المادة أو الطبيعة ثم ظهر فيما بعد نتيجة لتطور الطبيعة وجود الإنسان ووعيه وشعوره ،ولاشك أن فهم ماركس للمادة بالأساس كان خاطئا حسب النظرة العلمية إذ إن تتابع ظهور النظريات والاكتشافات العلمية بين مدى تخلف النظرية الماركسية حول أصالة المادة أحرج أرباب الفكر الشيوعي حتى اجتمع تسعة وعشرون عالما شيوعيا في منتصف القرن العشرين ليضعوا أسسا جديدة للماركسية بعد أن أوضح العلم الحديث أن الذرات الجوهرية للعناصر الكيميائية هي مؤلفة أصلا من أشياء اصغر هي الإلكترونات ونواة تقسم بالتالي إلى بروتينيات ونيترونات نستطيع تفجيرها بالالتحام أو الانشطار النووي لنحصل منها على طاقة وليثبت لنا بان اصل المادة بالأساس طاقة .
(1) يعتقد ماركس أن الفكر ينتج عن ما يسميها العصارة الدماغية الصفراء وبذلك يعتبره هرمونا دماغيا تفرزه إحدى خلايا المخ ،فيا للعلم و الاشتراكية العلمية !!

ولكي ينزاح الحرج حاول لينين أن يناور ويتهرب من فكرة ماركس الأساسية حول المادة ليقول بان المادة هي مقولة
فلسفية من شانها أن تحدد الحقيقة الموضوعية كما تبدو للحواس و تؤثر عليها.فكان أن كذّب لينين ماركس ثم عاد العلماء الماركسيون ليتنازلوا اكثر ويعتبروا أنّ التوحيد بين المادة والفكر من مفاهيم المادّة المنحطّة . وهكذا يكذّب بعضهم بعضا ويتناظرون حول أشياء لاعلم لهم بها من دون دليل أو بينة أو هدى أو كتاب منير !
إن الخطأ الكبير للماركسية كان قولها بان المادة لامتناهية في الزمان والمكان ؛ وهي لاتاتي _ كالعادة _ بحجج فيزيائية علميّة بل تأتي بحجج فلسفية همّها الرئيسي التخلّص من مقولة للعالم بدئا في الزمان لكي تتخلّص بالتالي من موضوع وجود الخالق الذي سبق وجوده وجود العالم .والى اليوم يعجز أرباب الماركسية عن تعريف المادة والطاقة والحرارة والكهرباء والفكرة ، لاْنّ هناك الكثير من المفاهيم التي ندركها ولا يمكننا أن نعثر لها على أي مصداق خارجي في العالم المادي يمكن أن نحسه . وقد اثبت العلم الحديث أن ما تقع عليه الحواس من المواد يمثل ( 7 ./. ) بينـما هناك ( 93 ./. ) لاتقع علية الحواس .ومن الطرائف التي يتندر بها الناس على هذا المستوى المتردّي للفكر المادي أن معلما شيوعيا كان يحاول أن يروّج لفكره بين التلاميذ ، فاخذ يوضّح لهم كيف أن قطعة الطباشير موجودة لانه يراها بعينه ويلمسها بيده كما يرونها هم فأيـّده الطلبة بذلك ، ثم قال لهم : إذن فالله غير موجود لأننا لم نره بأعيننا .فقام أحد الطلبة النجباء قائلا : (أنني لا أرى عقلك يا أستاذ ..انظروا أيها الطلبة لهذا المعلم المجنون –انه لا يملك عقل ).
الجدل : ledielectique
: - حسب المنطق الصوري الشائع يعتبر الجدل طريقة من طرق المناظرة بين آراء متناقضة ، وبين النفي والإثبات تدور المناظرة حتى تصل إلى نتيجة تنتصر فيها إحدى الآراء المطروحة وتنبثق عن الصراع الفكري وجهة رأي جديدة توفق بين الآراء بعد إسقاط تناقضاتها . لكن مع هيجل ، اصبح الجدل قانونا كليا يشمل مختلف الحقائق ،فالتناقض ليس في الرأي اوجهة نظر فحسب ، بل هو ثابت في صميم كل شئ ، يحتوي على نقيض ونفي له ، أي أن الفكرة تحتوي بداخلها على نفيها وهو – (أ ) ثم يجتمع الضدان في تركيب واحد ويجري بينهما صراع لتخرج فكره جديدة هي ب ، وتحتوي ب بداخلها على نقيضها _ب لتنتج ج وهكذا دواليك .
هذه هي فكرة هيجل عن الجدل ، تبنّاها ماركس في ما بعد ليصنع فلسفته الماديّة _ التي استقى جزءاً كبيراً منها من فيورباخ الملحد _ في تصميم جدلي _ ديالكتيكي _ خاص ليجعلها قانونا للفكر وللواقع معاً ، وبحكم هذا المنطق فان كل موجود هو مجتمع مع نقيضه ، فهو ثابت ومنفي وموجود ومعدوم وإيجابي وسلبي وباق وفان وحي وميت بنفس الوقت . كما تبنّت الماركسيّة الحركة الجدليّة (الديالكتيكية ) وزعمت أن جميع قوانينها صحيحة مائة بالمائة قبل أن تثبت واقعيتها في المجالات العلمية والاقتصادية .إن الماركسية – وقبلها هيجل ـ أنكرت مبدا عدم التناقض ولم تفهمه بشكل صحيح تحقيقا لماديتها لتجعل التناقض محورا أساسيا للصراع بين الأضداد والتناقض داخل الأشياء لتستدل على أبدية الصراع ، وبالتالي تستغل ذلك سياسيا لتدعم نظريتها حول صراع الطبقات .
وفات الماركسية والهيجلية التمييز بين نوعين من التقابلات في المنطق الصوري – الارسطي – (الذي رفضته الماركسية مطلقا لانه يؤمن بمبدأ عدم التناقض) وحسب هذا المنطق فان مبدأ عدم التناقض يقول بان النقيضين لايجتمعان ولا يرتفعان ،فلا يمكن أن يكون الإنسان حي ويميت في نفس الوقت أو وغير موجود معاً ، كما لا يمكنه أن يكون في حال ثالث بين هذين الحالتين- الحياة والموت أو الوجود والعدم - بينما يقرّ بان الضدين ممكن أن يجتمعان ولا يمكن أن يرتفعان معا ،أي انهما يمكن أن يجتمعان كالنور والظلام مثلا ولا يمكن أن يرتفعان 0ان الماركسيين وهيجل خلطوا بين الأضداد والنقائض للاستدلال على نقض مبدأ عدم التناقض ،أي انهم استدلوا على نقض عدم التناقض بمبدأ اجتماع الأضداد وهو بحث آخر ومورد مختلف كما بينا 0فحتى المنطق الصوري يقر بجواز اجتماع الأضداد ،هذا بالنسبة إلى اجتماع الأضداد أمّا بالنسبة لقيام الصراع بين الأضداد أو النقائض فقد ميّز المنطق الأرسطي الصوري بين صراعين :
الأول :الصراع بين أضداد ونقائض خارجية
الثاني :الصراع بين أضداد ونقائض مجتمعة
والأمر الأول لاعلاقة له بالتناقض الجدلي –الديالكتيكي- مطلقاً لأنه لايعني اجتماع النقيضين ،بل وجود كل منهما بصورة مستقلة عن الآخر في العالم الخارجي وقيام صراع بينهما يؤدي إلى نتيجة جديدة فالمنضدة الخشبية مثلا نتجت عن عملية ما حدثت بين الخشب والإنسان وهذا يتنافى مع مبدأ عدم التناقض لان الإنسان والخشب لم يجتمعا في وحدة واحدة ونما وجد كل منهما بوجود مستقل ومجال خاص واشتركا في عمل متبادل حصلا به على نتيجة معينة كما انه لا يبرر الاكتفاء الذاتي أو الاستغناء عن سبب خارجي فشكل المنضدة مثلا لم يتكون بسبب صراع داخلي بين نقيضين أدّى إلى تطوّر الشكل الخشبي إلى المنضدة بل حصل بعملية خارجية قام بها عنصران مستقلان عن بعضهما هما كتلة الخشب وتدخّل الإنسان الذي حوّل ذلك الخشب إلى منضدة 0
أن هذا الصراع ليس من مستكشفات الديالكتيك الماركسي بل هو أمر واضح يقره كل فيلسوف الهي أو مادي، منذ زمن أرسطو إمام المدرسة الميثافيزيقية -كما يسميه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره ) - والى اليوم 0فان العمليات المشتركة للأضداد الخارجية ليست كشفاً للديالكتيك ولانقضاً للمنطق الميتافيزيقي ولا شيئاً جديدا على الساحة الفلسفية بل هو حقيقة تقررها كل الفلسفات بوضوح وليس فيها ما يحقق أغراض الفلسفة الماركسية التي تستهدف تحقيقها على ضوء الديالكتيك(1).
من جهة أخرى فقد اعتبر الشيوعيون بان الطبيعة والحياة عموما في حالة تطور مستمر وهذا لاخلاف عليه لكنهم آمنوا بان التطور البشري لا يتحقق إلا على أساس التناقض وبالتالي أوجبوا رفض فكرة عدم التناقض والأخذ بالديالكتيك –الجدل –كبديل قسري ليفسروا الحركة التطورية للطبيعة والمجتمع على أساس التناقض الجدلي وفي ذلك يقول (ماوتسي تونك ):"القضية هي عمومية التناقض أو الوجود المطلق للتناقض معنى مزدوج الأول هو أن التناقض قائم في عملية تطور كافة الأشياء والثاني هو انه في عملية تطور كل شيء تقوم حركة أضداد من البداية حتى النهاية حيث يقول انجلز "الحركة نفسها تناقض(2).
وهكذا يربط الشيوعيون ربطا قسريا لا انفكاك له بين الحركة والتطور الطبيعي وبين التناقض بينما يقول الواقع إن
(1) فلسفتنا ص237 (3) فلسفتنا ص231
(2 )حول التناقض ص13
أن حركة التطور الطبيعي نفسها لايمكن فهمها لا بمبدأ عدم التناقض ، لأن الشبهة القائلة بوجود تناف بين التطور الطبيعي ومبدأ عدم التناقض تستند إلى أساس وفهم خاطئ ، يخلط بين القوة والفعل كما أشار سيد فلاسفة الإسلام الشهيد محمد باقر الصدر(3) ، إذ أن الحركة في كل فعل هي إثبات بالفعل ونفي بالقوة .
بينما يقول الشيوعيون بان البيضة تحتوي بداخلها تناقضا بين صفة البيضة وصفة الدجاجة ، يتطور هذا التناقض داخل البيضة لتصبح البيضة فرخا والفرخ دجاجة ،لكن هذه الشبهة مردودة لان البيضة في دورها الأول تمتلك صفة البيضة فقط وامكانية التحول –في المستقبل –إلى دجاجة ، أي أنها بيضة بالفعل ودجاجة بالقوة . أي اجتمع في البيضة إمكان الدجاجة وصفة البيضة كما أوضحنا لا صفة البيضة وصفة الدجاجة معا كما زعم الجدليون الماركسيون .
وهكذا نستدل أن المتناقضان لو كان ممكنا اجتماعهما في شي لما حصل تغير أو تبدل لذلك الشي من حال إلى حال ولما وجد بالتالي تطور أو تكامل في الواقع الطبيعي أو الاجتماعي .فلا يمكن لأي أحد -مهما كان جدليا –تصور إمكانية أن يتطور الشي ولا يتطور في نفس الوقت ،فباعتبار أن ذلك غير ممكن ولا يجوز فلسفيا ،كما لا يملك مدّعوه له مصداقا في الطبيعة لذلك فقد آمنّا بمبدأ عدم التناقض كمبدأ عام ،وتبـّين ضعف وبطلان مبدأ التناقض الذي يبني عليه الماركسيون نظريتهم الأساسية في الجدل.

صراع الطبقات (leconflit desetapes)
بعد أن جعل الماديون الجدليون مبدأ عدم التناقض أساسا لكل حركة أو تطور ،ودمجوهما معاً لصنع قانون المادية الديالكتيكية المتطور على أساس الجدل المادي الهيجلي أبداً ودائما ، اعتبروها ناموساً أبدياً للعالم والكون واستثمروها في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع فجعلوها سنن الطبيعة أو قوانين الطبيعة الحتمية كما يسميها ماركس قائمة على أساس الصراع بين النقائض ،ليشنوا حرباً على الدين والأخلاق باسم الصراع المادي ضد الميتافيزيقيا والرجعية وعلى أموال الآخرين باسم الصراع الطبقي وعلى الفكر المخالف لهم سواء كان ليبرالياً أو قومياً باسم الصراع السياسي ضد الليبرالية وعلى الفلسفات الأخرى باسم الصراع الفلسفي ؛ وليطبّقوا شعارهم الأثير ( من ليس معنا فهو ضدنا).لقد آمنت الشيوعية سلفا بقانونها الجدلي الذي يتفق مع مخططاتها السياسية ثم فتشت حولها في الميادين العملية وصفحات التاريخ وأشكال الطبيعة من دليل يدعمه وافترضت أن العالم يسير طبقا للتناقضات الماركسية المحتواة في داخله ويتخذ في كل دور من أدواره شكلا اجتماعيا جديدا ينسجم مع الوجود الطبقي الغالب في المجتمع ثم يبدء الصراع بعد ذالك على أساس التناقضات المحتواة في داخل ذلك الشكل : وقد ظلت الماركسية تحد دائما على تحليل المجتمع الرأسمالي بشكل صراع حاد بين الطبقة العاملة من جهة والطبقه الراسماليه من جهة أخرى ، ثم يدفع هذا الصراع بالحركه التطورية للمجتمع لتحل التناقض الرأسمالي حين تتحقق الثورة الاشتراكية وتسلم السلطة إلى الطبقة العاملة الممثلة للحزب الشيوعي المؤمن بالمادية الجدلية والتاريخية والاقتصاد الاشتراكي لتبدء مرحلة دكتاتورية البروليتاريا وكما فسرت المادية الماركسية المجتمع الرأسمالي به الكيفية فإنها شملت كل مراحل التاريخ البشري وتدعي إن أساس التطور التاريخي للمجتمع الإنساني ككل هو صراع النقائض الذي مر شرحه ، فتعتبر أن الصراع الجدلي داخل المجتمع الشيوعي أدى إلى ظهور عصر العبيد ثم حدث نفس الشيء داخل عصر العبيد ليظهر عصر الإقطاع ثم يؤدي التناقض والصراع الجدي بين ملاك الأراضي والمزارعين إلى ظهور عصر الراسماليه ثم تفترض بان الصراع بين طبقة الراسماليه وطبقة العمال سيؤدي إلى انفجار الثورة الاشتراكية لتبدء فيما بعد دكتاتورية البروليتاريا التي تقود المجتمع نحو مرحلة الشيوعية ليعم السلام والسكون في كل ربوع العالم ، وبذلك ينتمي صراع الطبقات وتم العالم اللاطبقيه الشيوعية ، وتنطفى شعلة الصراعات الطبيعية في المجتمع الاشتراكي الموعود وتتلاشى الحركة التناقضيه مطلقا ، فإذا زال التناقض الطبقي يتحرر المجتمع من قيود الجدل وينتهي قانونه الجدلي ليصبح فلكلورا فكريا من عصور عتيقة. لقد بدت الشيوعية بتفسيرها هذا اقرب إلى الحلم الطوباوي منها إلى الفكر السياسي الناضج . كما أن تركيزها على عامل الصراع الطبقي جعلتها نظرة تجريدية تميل إلى اعتبار التعميم ذي الطابع الاستنتاجي النظري و التحليلات المجردة اكثر أهمية من الفكر و الممارسة الواقعية .وإظهارها كنظرة جزئية تركز على واحد وتهمل ما سواه ،كما أن بعض تحليلاتهم يمكن أن تنطبق على تركيب اجتماعي خاص ومرحلة زمنية خاصة به تحاول من خلالها أن تعمم تحليلها على جميع المجتمعات وكافة العصور والأزمنة .
إن تركيز الماركسية على صراع النقائض وبالتالي صراع الطبقات كفيلة بان تنشر على الكون والحياة رداء اسود قانياً،وانه لا فرق في النهاية بين فكرة الصراع البروليتاري عند ماركس عن فكرة الصراع البرجوازي الحيواني عند دارون (1).
دكتاتورية البروليتاريا ladectatorité de laprolitaria
يهدف الشيوعيون إلى قيام الثورة الاشتراكية الممهدة لظهور دكتاتورية البرولتاريا ومن ثم الوصول إلى المجتمع الشيوعي المثالي الذي يطبّق شعار : من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته .
ويؤمنون بان ذلك يتم من خلال العنف والإرهاب وباسم الثورة ولا يتردد زعماؤهم عن التوعد باضطهاد كل فكر يختلف عن الفكر الشيوعي .وفي ذلك يقول لينين " إن المفهوم العلمي للدكتاتورية الشيوعية ليس شيئاً آخر غير السلطة التي لاتحدّها قيود شرعية ولا تعترضها مبادئ والتي تقوم مباشرة على العنف " *.
فحسب المادية التاريخية ينبغي أن يستمر الصراع الطبقي بين أصحاب راس المال والطبقة العاملة حتى يصل العامل إلى مرحلة مادون الكفاف لتنفجر حينذاك الثورة الاشتراكية العنيفة وتصادر كل الملكيات الخاصة وتقضي على النظام الرأسمالي والنخبة المتخمة وتؤسس دكتاتورية البروليتاريا بنظامها الاشتراكي البوليسي الصارم لتضمن تحول الجميع قسرا إلى الشيوعية فكرا وملكية . وخلال ذلك يبقى العنف مطلبا ضروريا عند الماركسيين لتغيير العالم بواسطته وللقضاء على كل خصومهم المتمثّلين بكل من يخالفهم الرأي و حسب نظرية صراع النقائض ، لان الصراع بنظرهم يعتبر قانونا أساسيا من قوانين الطبيعة ولذلك فانهم يعتبرون أنفسهم في صراع مستمر مع كل فكر أو عقيدة أو حزب آخر يخالف مبادئهم المادية – الجدلية - . وكل تصريح للقادة الشيوعيين المعاصرين بأنهم يحترمون الفكر الآخر يكذّبه قول لينين " إننا لم نمنع الفتك والإرهاب قط مبدئيا كما يمكننا اعتبارهما من ضروريات الكفاح التي لا غنى عنها ". إن دكتاتورية البروليتاريا التي يعدنا بها الشيوعيون ترفض أي فكر أو رأي آخر وتعتبر أن أي كلمة معارضة أو حتى نصيحة تعارضها أو تعارض مبادئها الشيوعية جريمة وخيانة كبرى ؛ولذلك فأنها تضطر إلى تكوين أجهزة القمع والقسر كجهاز الكي جي بي الذي درب الآلاف من مجرمي نظام صدام والى تأميم جميع الصحف ووسائل الإعلان إذ يقول فردريك انجلز {إن البروليتاريا بحاجة إلى الدولة لا من اجل الحرية بل لقمع خصومها ويبقى الجهاز الخاص بالقمع ضروريا}*. كما لايجد الشيوعيون أي ضير في تأكيد كون دكتاتوريتهم الموعودة تضطهد وتسحق كل من ليس بروليتاريا وتعتبر أن رسالتها في الحكم هي الصراع الدموي كما يعرّف لينين هذه الدكتاتورية البروليتارية {إن الدكتاتورية البروليتارية هي الصراع العنيف وهي الصراع الدموي } ( 1).
وهكذا تصبح الدولة الاشتراكية التي يهدف إقامتها الشيوعيون ـ أداة تسلطية بيد السلطة المركزية للحزب الشيوعي لقمع كل الطبقات ماعدا البروليتاريا وإذا حسبنا طبقة العمال الكادحين ـ في كل دولة نجد أنها اقل من 1% غي الدول المتأخرة 10% في الدول الكبرى وهي بكل القياسات أقلية ،فهكذا تصبح الدولة بيد أقلية تقمع سائر أبناء الشعب قمعا لاهوادة فيه .كما يقول لينين (في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يظل القمع ضروريا) (1) وهذا يدفعنا للتساؤل مع السيد الشهيد محمد الصدر الثاني في اليوم الموعود : (يدعي الشيوعيون الديمقراطية فكيف تتحد أو تجتمع ديمقراطية الحكم التي يدعونها مع دكتاتورية البروليتاريا ثم إن البروليتاريا هي أقلية في كل دولة فكيف يرضى العقلاء بان تضطهد الأقلية الأكثرية )ولا ينكر الشيوعيون إصرار هم على العنف والقسوة والإرهاب كوسيلة للتغيير المنشود، إذ يقول لينين { إن دكتاتوريتنا لا تخشى من أن تلجا إلى العنف والى القسر ، وان تمارس ذلك من خلال الدولة ، لان الطبقة التقدمية ـ والمقصود بها الشيوعيين ـ التي كانت تتعرض لاضطهاد الرأسمالية تملك الحق في استعمال القسر لأنها تستخدمه لمصلحة الجماهير. }ولاجل ذلك كان القادة الشيوعيون على الدوام من دعاة الترويج لنظرية العنف الثوري التي عمت مختلف البرامج الداخلية للأحزاب اليسارية والقومية كل ذلك يدفع الشباب المتحمس إلى استخدام الإرهاب المسلح والعنف لتحقيق آمال ماركس ولينين.
الأمميّة: :LeNationalité
إن الفكرة الشيوعية تقوم على أساس الانتماء والتحزب لطبقة البروليتاريا والطليعة الشيوعية بدلا من الانتماء إلى الأوطان والأديان والقوميات حيث يقول ماركس وانجلز في البيان الشيوعي توضيحا للفكرة { إن العمال لاوطن لهم ، وأننا لا نستطيع أن نأخذ منهم ما ليس لهم }. تعتبر الماركسية المصلحة العامة للعمال فوق كل مصلحة، وترى بان أي مصلحة غير مصلحتها تصب في صالح الطبقة المعادية لها وللعمال وهي الطبقة البورجوازية ، كما إن المادية التاريخية التي يعتنقها الماركسيون تقول بان اصل كل العقائد الوطنية أو الدينية هي وسائل الإنتاج كما أوضحنا
(1)
(2) (1) لينين المرض الطفولي للشيوعية
*-لينين –المؤلفات الكاملةج31 عام 1920
* الأعمال المختارة –لينين ص 214
كما الماركسية حينما تبنت هذه الفكرة عاملت كل المجتمعات الإنسانية ـ على اختلاف ثقافاتها ـ بنظرة واحدة على أساس مشترك مثلما فعلت حينما جعلت المسيحية النسخة النموذجية لكل الأديان ولا يخفى أن الميل الوطني والاثني ـ القومي ـ هو نتيجة قوى طبيعية وغريزية وجهتها الأحكام الأخلاقيةلاجيال كثيرة دون أن تكون واعية كل الوعي لهذا التوجيه لان الباعث على وجود القومية والوطنية هو الميل الطبيعي والتوجيه الأخلاقي للمجتمع ، لذلك فقد أعطت الفكرة الأممية للشيوعية أثرا سلبية بدلا من أن تساعد على انتشارها عالميا واعطت الفرصة للرأسماليين باتهام اليساريين بالعمالة للاتحاد السوفييتي { دولة الدكتاتورية البروليتارية } كما أن الإنسان العادي يشعر غريزيا بأنه لا يستطيع تجاهل الشعب اوالامة التي ينتمي إليها حتى إذا كان له في نهاية المطاف مصالحا مشتركة بينه وبين سائر البشر ولذلك نجد أن الإسلام باعتباره ـ دينا سماويا ومنهجا متكاملا للحياة أكد على احترام العلاقات الإنسانية بصورة عامة بحيث لا يدفعنا ذلك إلى تهميش الانتماء الوطني أو القومي ، وبالعكس ، ي معادلة موضوعية جديرة بالتأمل والتطبيق .
الفصل الرابع : الشيوعية والإسلام Lecommunisme et L’Islame
يمكننا أن نجمل هذا الفصل في موضوعين :
أولا:نظرة الشيوعية إلى الدين ، وهي تحمل منظارين أيضا .
الأول : الإلحاد والثاني اللادينية .
ثانيا : موقف الإسلام من الشيوعية كعقيدة وهدف ووسيلة .
أولا : نظرة الشيوعية إلى الدين :
إن الدين ،بكل أنواعه ، لامكان له مطلقا في المجتمع الشيوعي ، لانه ـ حسب اعتقاد الماركسيين ـ يستمد أصوله من شعور الإنسان البدائي بالعجز أمام الطبيعة ومن الاستغلال الرأسمالي للعمال والكادحين . حيث يصور لنا الشيوعيون أن الدين مخدر للمظلومين ومسلٍّ لهم ومثبط عن المطالبة بحقوقهم التي يغتصبها الرأسماليون. كما إن المعتقدات الدينية غالبا ما تشتمل على اعتقادات غيبية ( ميتا فيزيقية ) لاتتلائم مطلقا مع الجدل المادي (الديالكتيك) كذلك فان الهدف من الفكر الشيوعي هو قيام مجتمع يتصف بصفات اشتراكية ولا يؤمن إلا بالشيوعية كعقيدة و وسيلة في الحياة والعمل . وقد كان من شروط الانتماء إلى الحزب الشيوعي السوفييتي الإيمان بصورة مطلقة بالفكر المادي ، ومعلوم أن الفكر المادي يلغي كل العقائد الغيبية . ويعتقد اكثر الكتاب الماركسيين أن الدين يلعب دورا رجعيا ، وان الإيمان بعالم آخر يعطي الطبقات الرأسمالية سلاحا لإخضاع الجماهير الشعبية المضطهدة عن طريق وعدهم بعالم افضل ـ الآخرة ـ خارج هذا العالم ـ الدنيا ـ ، وان هذا يدفع الناقمين إلى السكون بانتظار العقاب الإلهي في العالم الآخر ، كما انه يدعو الناس الابتعاد عن السياسة تبعا لمقولة الإنجيل التي ينسبونها إلى السيد المسيح (عليه السلام ) : { ما لقيصر لقيصر وما لله لله } . معلوم إن هذا الكلام ممكن أن ينطبق على الأديان المعاصرة لماركس و انجلز الكاثوليكية و البروتستانتية والأرثوذكسية و اليهودية _ لكن لايمكن أن يلتقي مع إسلامنا الحنيف أبدا ، ذلك الدين الذي جاء به اعظم ثوار الإنسانية وبشر به وبقرانه الذي يعتبر مسؤولية الإنسان ـ كل إنسان ـ استخلاف الله في الأرض وأعمارها ، والذي ربى اعظم ثوار الإنسانية وفقرائها ـ ماديا ـ في نفس الوقت ، كعلي بن أبي طالب (ع) وسائر أهل البيت (ع) والصحابة المنجبين (رض) . إن النظرية الماركسية حول اصل الدين تختلف اختلافا جذريا مع نشوء الإسلام . فالإسلام دين الفقراء والثائرين . ولو طبقنا المادية التاريخية على الإسلام لوجدناها تفترض أن أثرياء المجتمع العربي هم الذين صنعوا الإسلام ليلهي فقرائهم عن المطالبة بحقوقهم ويا للعجب ، فالحقيقة هي عكس ما يتصورون ، لان الإسلام العزيز في بدايته لم ينظم إليه إلا الفقراء والمستضعفون . وبقي كذلك على طول الخط ملجا للثوار والمظلومين . وللأسف الشديد إن الماركسيين ـ واغلب العلمانيين تقريباـ يجعلون من المسيحية الكنسية نموذجا جاهزا لكل الأديان بدون تفحص ولابرهان ، لقد كتب ماركس في مقالته عن هيجل وصفا للدين بأنه نفثة المخلوق المضطهد وشعوره بالدنيا التي لاقلب لها …انه أفيون الشعوب ، ولا شك إن ماركس تأثر بمحيطه الديني حيث بعض رجال الدين المنحرفين والذين يدعون الفقراء إلى الهدوء والسكون تقديم الخد الأيسر للضرب بعد الخد الأيمن … الخ. كما أن حادثة تحول والدي ماركس من اليهودية ـ حيث كان والده حاخاما يهوديا ومه من سلالة الربانيين الهولنديين ـ إلى المسيحية عندما كان عمره ستة أعوام حدثا مهما حفر انطباعا سيئا في أعماق كارل ماركس إذ إن تحوّل والديه كان لضرورة اقتصادية ولضمان مصالحهما في الدولة والمجتمع الألماني . لقد ظل راسخا في فكر ماركس أن الديانات والعقائد جميعا هي انعكاس لمصالح الفرد الاقتصادية . إن نظرة ماركس للدين بقيت منذ صغره مليئة بالحقد والمرارة من الدين ورجالاته ، ولذلك فانه يتهم الدين بأنه وعي مزور ، وان دوره يقتصر على التسلية والعزاء والاسكار عندما يصفه بأنه مخدر أو أفيون الشعوب . وهكذا ظل أنصاره ـ الشيوعيون ـ يتباهون بموقفهم من الدين ولا يجدون حرجا من إعلان الإلحاد والتباهي به ، واعتبارهم إن الأديان جميعها من مخلفات الماضي التي يجب ألا نرجع أليها ، أن الأديان هي وسائل الإخضاع الروحي كما أن الدول والأنظمة الرأسمالية وسائل الإخضاع الاقتصادي .إننا نعتقد أن نظرة ماركس جزئية سلبية ،وانه ليس من حقه إطلاق التعميم على كل الأديان ، فعندنا إسلامنا العزيز عقيدة ووسيلة ، وثورة لاتهدء أبدا في مواجهة الطغاة والمستكبرين وهو ثورة بحد ذاته على كافة أنواع الظلم والاستغلال الروحي منها والمادي.
النظرية الإلحادية : واصحاب هذه النظرة من الشيوعيين يوجبون رفض الدين جملة وتفصيلا وإلغاؤه من الحياة ومعاقبة من يروج أو يساعد على الدعوة الدينية . وقد كانت هذه النظرة هي السائدة في كل الأحزاب الشيوعية حتى وقت قريب ، لكن مع تعاظم الصحوة الإسلامية في الشرق وتنامي الوعي الإسلامي مع ظهور مفكرين إسلاميين مثل سيد قطب والإمام الخميني والصدرين والشهيد مطهري وشريعتي وغيرهم . كل ذلك دعى الشيوعيين في البلاد الإسلامية إلى تغيير نغمة محاربة الدين . لقدكان للاتحاد السوفيتي الدور المثالي في الحرب على الأديان ، يقول لينين :إن الحرب على الدين يعتبر ألفباء الماركسية وكل نظرية مادية . ولذلك فقد حوربت الأديان في الاتحاد السوفيتي حربا لاهوادة فيها . فقد انشا الشيوعيون متحف الإلحاد العلمي ودفعوا الشباب في منظمات الشيوعية إلى السخرية من الدين .لكن حربهم ضد الإسلام كانت أعتى واشد ،لان المسيحية دين صوفي ثومائي يدع السياسة وشؤون البلاد والمجتمع للحكام ، ولا يتعرض للنظم الاجتماعية أو لاصلاح المجتمع على أساس افضل مما هو عليه وهو دين يوصي بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله أي الاهتمام بالآخرة والعمل لها على حساب ترك الدنيا لاصحابها من قياصرة ورأسماليين.أما الإسلام فهو نظام يجمع الدنيا و الدين معا يدعو إلى العدالة الاجتماعية {وَإذا حَكَمتُم بَينَ الناسِ أن َتحكموا بِالعدل{ -} إنّ الله يأمرُ بالعَدلِ وَالإحسان { ويرفض الظلم والظالمين }ويلٌ لِكُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ {ـ } وَما للظالمينَ مِن أنصار {-} وَلا تَركُنُوا إلى الذينَ ظَلَموا فَتمَسَّكُمُ النار{ -} إنّي لا أَرى الموتَ إلاّ سَعَادةً ولا الحياةَ معَ الظّالمينَ إلا بَرَماً {ويهتم بالدنيا والآخرة معا } وَ لا تنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيا { ـ } رَبَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَة ِحَسَنَةً {. ويفرض علىالاغنياء الخمس والزكاة لا باعتبارهما صدقة إحسان بل واجب شرعي . إن كل ذلك يدفع بالمسلمين لمواجهة التجبر الشيوعي ، فكانت النتيجة إعدام الآلاف بل والملايين من المسلمين ودفن الكثير نهم في ثلوج سيبيريا وأماتة البقية بالتجويع والحصار الاقتصادي ، وكمثال لذلك في التركستان وحدها قتل الشيوعيون 100000مسلم ونفوا300000واماتواجوعا 3000000 ثلاثة ملايين مسلم في سنة1934فقط .ولقد كانت سكان منطقة القرم عام 1917خمسة ملايين مسلم ، ونتيجة حروب الإبادة والنفي الشيوعي ضدهم اصبحوا عام 1940 أربع مائة ألف مسلم ولا يسعنا في هذه العجالة سرد كل معاناة مسلمي الاتحاد السوفيتي المنهار .كما أن الدستور السوفيتي ينص على معاقبة وسجن كبل من يلقن الأطفال العقائد الدينية في المدارس حسب المادة 122 منه .كما إن دستور 1919ينص على حرية ممارسة الشعائر الدينية والدعاية الإلحادية . ومعرف أن هذا الأمر يفرق بين حرية التدين وحرية الإلحاد ، فالتدين مقصور على ممارسة الشعائر فقط ـ دون الدعوة والإرشاد ـ هذا إن صدقوا في حرية الشعائر . أما الإلحاد فان معاهد ومدارس واعلام ومنظمات ودوائر الحكومة كلها تروج له . لقد كانت خطة القيادات السوفيتية نشر الإلحاد وإنشاء أجيال جديدة من البشر لا يعرفون الله الامن أعدائه ولا الدين إلا من شتائم الملحدين ، ولكن رغم ذلك أصبحت هذه الأجيال أكثر إيمانا وتعلقا بالله والأديان ، وكانان انقلب السحر على الساحر واصبح الطلبة والشباب اكثر تعلقا بالدين ـ بعد أن تخلص الدين من المرائين و الانتفاعيين والمتاجرين به ـ واصبح اغلب الشباب يبحث في المعتقدات الدينية عن الحلول المناسبة لمشكلاتهم الروحية … وصدق الله العظيم حيث يقول {فطرة الله التي فطر الناس عليها }. إن الإلحاد الذي انتشر في اوربا القرن الثامن عشر كان سياسيا وموجها بالأساس ضد سلطة الكنيسة وجهل قساوستها المتعنتين وتحالفهم الظالم مع الأباطرة والمستعمرين والملوك الظالمين ، أما الحاد القرن التاسع عشر فقد كان على أسس علمية ـ أي من تناقض العلم الحديث مع الكاثوليكية والبروتستانتية ـ أما الحد الشيوعية فيسمى الحاد القرن العشرين كما يؤكد الأستاذ الفيلسوف روجيه جارودي
المفكر الفرنسي الكبير الذي أعلن تحوله من الشيوعية ـ حيث كان سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي

(1) لمزيد من التفصيل راجع أساليب الغزو الفكري . فصل اصل الماركسية وجذورها ص 129ـ130 للدكتور علي جريشة والدكتور محمد شريف زنبق
الفرنسي ـ إلى الإسلام الحنيف *. إنّ الحاد الماركسية لايجد مبررا علميا يستند عليه إلا أفكار ماركس ـ المتخلّفة
علميا - وأفكار شيعته الشيوعية .ومن الطريف إن الشيوعيين الأوائل في كومونة باريس اصدروا قرارا ـ ثوريا ـ بمنع الدين وتحريمه ، كما أن البلانكيين اصدروا قرارا بمعاقبة كل من يمارس الشعائر الدينية علنا . إما ماركس فيعتبره ـ كما ذكرنا آنفا ـ مخدرا و وعيا مزورا .أما لينين فيعتبر مسالة الإلحاد والإيمان شخصية بالنسبة لعامة الناس ،لكن بالنسبة للعناصر الشيوعية يصبح الإلحاد ضروريا. كما يجمع كل الشيوعيين على أن جميع آثار الدين ستنتهي مع ظهور المجتمع الاشتراكي بحيث سيصبح مجرد ذكريات أثارا قديمة من عصر الرأسمالية.

النظرة اللادينية:عندما اصطدم الشيوعيون في المشرق العربي والإسلامي بالمجتمع وجدوا انه من الصعب جدا غرس الماركسية اللينينية أو الماوية ، وقادهم هذا إلى إعادة النظر في فكرة النموذج الواحد للثورة الاشتراكية والمجتمع الأممي الشيوعي الخالي من الدين ، و وجدوا أن كل ما بناه ماركس وزملاؤه مستوحى كليا من صميم الواقع الغربي وبما يناسب التقاليد الغربية وحدها ـ بشهادة روجيه جارودي*ـ كالفلسفة الالمانيةالهيجلية والاقتصاد السياسي الإنجليزي مع ريكاردو سانشيز والاشتراكية الفرنسية مع سان سيمون .كما أن عمق صلة المسلمين بإسلامهم وجه إحراجا وصعوبة كبيرة لمنظري الشيوعية الذين يدعون المؤمنين إلى التخلي عن إيمانهم والتصديق بنظريات مادية غربية مصدرها ماركس وانجلز واتباعهما الشيوعيين .لذلك فقد وجدت القيادات الشيوعية في العالم الإسلامي أن استخدام التكتيك المرحلي مطلوب لإيجاد قاعدة جماهيرية يمكن الاعتماد عليها .لذا فقد أطلق الكثير من الأحزاب الشيوعية شعار التخلي عن الإلحاد واعتبار مسالة الإلحاد والإيمان مسالة شخصية.بل قد تساعد الأحزاب الشيوعية أحيانا بعض الحركات الإسلامية لاجل ركوب الموجة ، مثلما فعل حزب تودة بقيادة نور الدين كيا نوري عندما جعل أنصاره يرفعون صور الإمام الخميني في المظاهرات المليونية التي شهدتها إيران ضد الشاه المقبور ، في حين كانوا يتآمرون مع الكي جي بي الروسي لتدبير انقلاب دموي واقتطاف ثمار الثورة الإسلامية الفتية ـالتي خضبت بدماء شهداء الإسلام ـ لإنشاء نظام شيوعي موال لروسيا السوفيتية* .وفي مصر أعلن بعض القياديين الشيوعيين تأييدهم لحرية التدين ، وقرروا إعادة تفسير الدين وقصصه بما يناسب أفكار ماركس وانجلز ، بينما اخذ البعض يرائي في العبادات الواجبة ، كالسيد خالد محيي الدين الذي حرص علىالاعلان عن أداءه فريضة الحج والتصريح بكونه يؤدي الصلاة ويؤمن بالإسلام كعقيدة - وطبعا لا يؤمن به كشريعة لانه يؤمن بالنظام الماركسي أو كما يسميه الاشتراكية العلمية* - .كما إن الحزب الشيوعي العراقي منذ بداية التسعينات أبدى مرونة كبيرة في تعامله مع الحركات والشخصيات الإسلامية في المعارضة العراقية ، كما حرص على توزيع منشورات تدين جريمة النظام السابق باغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر ، كما انه يحرص اليوم على مجاملة وتهنئة أبناء الشعب العراقي وتعزيته بكل مناسبة دينية .لقد حدث هذا التحول ـ التكتيكي ـ بعد مؤتمره الأخير الذي عقده في كردستان العراق وعلى أثره تقرر التظاهر باحترام الدين و تقوية فكرة العلمانية داخل المجتمع العراقي .إننا إذ نؤكد على أهمية
* من الغريب أن جارودي بعد أن بحث عن الحقيقة وجدها في الإسلام بينما نرى كثير من المسلمين يؤمنون بالمادية التاريخية والمعرفة الحسية ويجعلها أساس نظرته إلى العالم والكون والوجود

تعزيز الوحدة الوطنية في عراق اليوم ، لكن ذلك لاينفي كون الفكر الماركسي كفكر مادي يتبنى الجدلية والمادية
وهو يخالف العقائد الإسلامية بصورة جذرية . بالإضافة إلى انه يقف حائلا ضد كل نهضة إسلامية جديدة بسبب استماتة الشيوعيين القدماء والمعاصرين في الدفاع عن العلمانية بل واغلب الأفكار الغربية المستوردة و معاداة ربط الدين بالمجتمع ـ كما شرّعه الله تعالى ـ والغريب أنّ اكثر الشيوعيين الذين تخلّوا عن الشيوعية اصبحوا فجأة ليبراليين وتغريبيين متشددين ـ مثل شيوعيي الجزائر والمغرب ـ بينما بقي من بقي متحصنا ومدافعا عن حياض الماركسية التي خر عليها السقف من فوق وفرّخت في أعشاشها العنكبوت.
إننا نعتبر أن الإسلام هو الشريعة الإلهية الخالدة التي شرعها الله لاسعاد البشرية وهو النظام المتكامل الذي لا يأتيه
الباطل أبدا لا من بين يديه ولا من خلفه ، وكل اجتهاد أو رأي وضعي قابل للخطا اوالصح بنسبة معينة ولكنه
بالتأكيد قاصر عن إدراك الحقيقة الكاملة، وان التشريع الإسلامي مناسب لكل زمان ومكان، وهو حق الله المطلق باعتباره احكم الحكماء مطلقا ، فمن يرفض الإسلام منهجا للدنيا لايمكن أن يقبله للدين إلا إذا كان مغالطا أو خاطئا أو مشتبها .لان كل عاقل إذا أراد أن يشغل جهازا جديدا أو يصلحه بالطريقة الصحيحة فلا بد له من أن يستعين بالشركة التي صنعته لتعلمه ـ بواسطة خبراؤها أو كراسات نسميها كتالوج ـ .كذلك الإنسان لا يمكنه أن يشرع القوانين والشرائع الحقة إلا بوحي الله وتسديده . إن الإيمان بالإسلام دينا وبالماركسية منهجا في الحياة يتنافى مع طبيعة الإسلام لانه عقيدة تفرض الإيمان بالغيبيات كما انه منهاج متكامل للحياة وهو في هذا لا يقبل التجزئة ولا الترقيع ولا المساومة { أفَتؤمِنُونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَ تَكفُرونَ بِبَعض {ـ} أفَحُكم ِالجاهِليّةِ يَبغُونَ وَمَن أحسَن مِنَ اللهِ حُكماً لقومٍ يُؤمِنُون {كما إن صريح القران الكريم يشير إلى شمولية التشريع لكل نواحي الحياة {وَ نزّلنا عَليَكَ القُراَنَ تِبياناً لِكُلّ شَيءٍ وَهُدىً وَرَحمـــَةً وَبُشرىً لِلمُؤمِنين{.
نظرة الإسلام إلى الشيوعية كعقيدة وفكرة و وسيلة :
• يهدف الشيوعيون إلى إقامة المجتمع الشيوعي المعتمد على أفكار ماركس ولينين وماو تسي تونج وإضرابهم،وهذا المجتمع يصادر كل الملكيات والحريات الفردية وصهر الجميع في بوتقة المجتمع الشيوعي المرتكز على القيم المادية، وهم بهذا يتصورون إمكان إسعاد الإنسانية وضمان المستقبل المشرق للبشر جميعا ، عن طريق توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية بتطبيق شعار من (كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته) . وهنا تلتقي الشيوعية مع الإسلام في سعيهما لتحقيق السعادة والعدالة لجميع البشر ، لكنها تصر على كون هذه السعادة تنحصر بالمادية والحاجات الاقتصادية وإلغاء الملكية والحرية الفردية . والشيوعية الماركسية بهذا تؤكد على تامين الجانب المادي المحسوس و الملموس من المستقبل وتهمل بقية جوانب سعادة الإنسان كفرد أولا وكمجتمع ثانيا ،
• راجع البديل روجيه جارودي . وأساليب الغزو الفكري للدكتور زنبق و جريشة .
* تمت محاكمة كيا نوري محاكمة علنية أعترف بكل أمام التلفزيون الإيراني في عام 1982 م
بينما يعتبر الإسلام أن التخطيط الإلهي* لإنشاء المجتمع البشري السعيد يقوم على التوازن في تحقيق الحاجات الإنسانية جميعها سواء كانت مادية وروحية أو فردية واجتماعية ،ولجميع الطبقات والأعراق بدون استثناء . ولا يحصر إمكان توفير السعادة والعدالة ضمن نطاق معين كما تصورت الماركسية ، إن التخطيط الإلهي حسب الفكر الإسلامي يهدف إلى تربية الإنسانية أفرادا ومجتمعات تربية واعية وهادفة ـ من خلال الرسل والأنبياء والائمة ـ للوصول إلى المجتمع المعصوم الذي يتكامل فيه البناء الأخلاقي والاقتصادي للفرد عموديا والمجتمع أفقيا ، وفي هذا المجتمع القائم على أسس إسلامية مهدوية أصيلة يعطى للفرد حقوقه كاملة مع وجوب التزام ذلك الفرد بحقوق المجتمع عليه ، وتتحقق فيه كل مظاهر العدالة الاجتماعية والرفاه على كافة الأصعدة .


إن اصل المشكلة التي تهدف الماركسية إلى حلها تتلخص في القضاء على المبدأ الرأسمالي القائل بجعل المصلحة المادية الخاصة مقياسا ومبررا وهدفا في الحياة . مما يجعل القلة من الرأسماليين تستغل عامة الناس ، وهكذا تشخص الملكية الفردية الخاصة كسبب جوهري لاخطاء الرأسمالية ولذلك فأن الشيوعية تصادر هذه الملكية ،وتبني بدلا منها نظاما دكتاتوريا شموليا تصادر فيه الملكيات الخاصة والحريات على السواء . إننا نعتقد ـ كما أشار السيد محمد باقر الصدر في رائعته فلسفتنا ـ إن أساس المشكلة يكمن في الفهم والتفسير المادي المحدود للحياة والذي أشاد عليه الغرب صرح الرأسمالية الجبار ، وعششت بين خرائبه الخلفية بيوض الشيوعية الشمولية كما أن حب الذات وتغلبها على الإيثار مع ما أشرنا إليه من التفسير المادي للحياة يؤدي إلى استنتاج إباحة عمل أي شيء من اجل الاستفادة الشخصية وجني الأرباح الطائلة تحت يافطة (المنافسة الاقتصادية ) التي يجعلها الرأسماليون قيمة ومثل أعلى وهذا يدفع هؤلاء الرأسماليون إلى استغلال الآخرين لاجل المصلحة الشخصية والربح السريع ، وهكذا ظهر لنا خياران قاسيان هما النظام الرأسمالي الذي يسيطر عليه قلة من الرأسماليين والنظام الشيوعي الذي يحتكر السلطة والثروة فيه قادة الحزب الشيوعي . والأصل أن المفهوم الماركسي حول حب الذات كان خاطئا ، لانه يفترض أن حب الذات ناتج عن الملكية الخاصة ويمكن القضاء عليه بإلغاء المكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية جماعية وتنمية حب الجماعة وتربية أجيال جديدة على روح التعاون والقيم الاشتراكية . بينما يرى الإسلام إن الحل الممكن للمشكلة هو تطوير ألفهم الإنساني للحياة ، لان المقياس الخلقي في الإسلام هو رضا الله تعالى {وجَعَلناكُم شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا أنَّ أكرَمَكُم عِندَ الله أتقاكُم {فليس كل ما تفرضه المصلحة الشخصية جائز ولا كل ما يؤدي إلى خسارة شخصية محرم ، لان الهدف الذي يرسمه الإسلام للإنسان هو رضا الله لارضا الأفراد ولا الجماعات كما يشير الإمام روح الله الخميني (ره) ، كما إن صريح القران يشير إلى أن غاية الكدح الإنساني هو رضا الله} يا أيها الإنسانُ إنــَّكَ كادحٌ إلى رَبـــِّكَ
كَدحـــــــــــــــــــاً فَمُلاقِيه*{..والإسلام يوازن ويوحد بين المقاييس الفطرية للعمل والحياة ـ وهو حب الذات ـ مع *يعتبر السيد الشهيد محمد الصدر الثاني رائد هذه الأطروحة الرائعة في كتابه القيم {اليوم الموعود}

المقاييـــس الواجب قيامه للحياة والعمل ليضمن الرفاه والسعادة للمجتمع ، أي بين حب الذات والمصلحة الشخصية ـ التي هي غريزة فطرية عند كل إنسان لانه لا يوجد إنسان عاقل يريد لنفسه الخسارة أو الإهانة مثلا ـ وبين الإيثـــار والاشتراك مع مصالح المجتمع عموما . كما إن الإسلام يربي الإنسان أخلاقيا بحيث ينميه روحيا ويقوم بتنمـــية العواطف الإنسانية وعقلنتها . بينما نرى الشيوعية الماركسية تركز على ضرورة صنع المجتمع الذي ينصهر فيه الجميع ويجعلهم كتلة تتحرك وفقا لقرارات القيادات الشيوعية، ويحقق بعض الرغبات والحاجات المادية بينما يكتم أنفاس الأفراد ويصادر جميع الحريات والملكيات .كما إن الشيوعية تشترك رغم غايتها الجميلة ظاهرا مع ـ الرأسمالية ذات المنفعة الشخصية ـ في التفسير المادي للحياة ، بينما يفسر الإسلام الحياة تفسيرا واقعيا يسعى لتحقيق الفوز في الدنيا والآخرة من ناحية النفع المادي والروحي وتحقيق التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع ، وهذا ممكن أن يتجلى بأوضح صورة في اليوم الموعود بتحقّق المجتمع الإسلامي المعصوم . أما وسيلة الشيوعية لتحقيق التغيير الاشتراكي المزعوم لبناء ذلك المجتمع الشيوعي فهي تعتمد على نظرية العنف الثوري وتغذية وصنع الصراعات الطبقية ، الفكرية ، الفلسفية ، السياسية والعسكرية . كما أن للثورة الاشتراكية الممهدة لدكتاتورية البروليتاريا دورا أساسيا في صنع المجتمع الشيوعي ، كما أن الحزب الشيوعي يتحمل دورا طليعيا في تغيير الفكر والبناء الاجتماعي وإلغاء الخصوصيات القومية والدين والثقافة واللغة بين شعوب العالم .بالإضافة إلى نشر وترويج وزرع الأفكار المادية والإلحادية البعيدة عن الله تعالى ، حتى قال الإمام الخميني (ره) في رسالته الشهيرة التي وجهها إلى زعماء الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق في 22 جمادى الأخرى 1409 هجري : { إن مشكلة بلدكم الأساسية ـ الاتحاد السوفيتي ـ لا تكمن في قضايا الملكية والاقتصاد والحرية ، بل إن مشكلتكم تكمن في فقدان الإيمان الحقيقي بالله وهي نفس مشكلة العالم الغربي ، إن أزمتكم الحقيقية تكمن في محاربتكم الطويلة والعقيمة لله ولمبدأ الوجود والخلق }.
والإسلام يعتبر أن الإيمان بالله كاله خالق ومشرع لاشريك له وبان النبي محمد (ص) رسول نشير ونذير ومبلغ وهاد ومنقذ للبشرية وان الإيمان باليوم الآخر ـ يوم القيامة ـ وبالملائكة والرسل والأنبياء والأوصياء المعصومين يعتبرها أصولا يجب الاعتقاد بها وتصديقها ،كما يعتبر إن التشريع القانوني لكل جوانب الحياة يجب أن يرتكز على القران الكريم والسنة المطهرة والعقل والأدلة العقلية * ـ ويسمي ذلك كله الشريعة الإسلامية ـ وهذه الشريعة يجب أن تشمل كل نواحي الحياة . حيث يقول الله تعالى {وَنــَزّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبياناً لِكُلّ شَيٍء وَهُدىً وَرَحمَةً وَبــُشرى لِلمُؤمِنين } وكما جاء في الحديث الشريف { حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة } .
ولا تقبل العقيدة الإسلامية الطرح المادي في تفسير الوجود والخلق ، وتعتبر أن من صفات المؤمن الحقيقي الإيمان بالغيب والآخرة ، حيث يقول سبحانه { آلم. ذلـِكَ الكتابُ لارَيبَ فيهِ هُدىً للمُتّقينَ الّذينَ يُؤمِنونَ بِالغَيبِ وَيُقيمونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقناهُم يُنفِقُون ، وَالذينَ يُؤمِنُونَ بما أُنزِلَ إليكَ وَما انزِلَ مِن قَبلِكَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم يُوقِنُون }،وهكذا فان الفهم الإسلامي للعقيدة الماركسية المعتمدة على المادية الجدلية والمادية التاريخية ـ التين وضّحناهما في فصول سابقة ـ يعتبرها عقيدة خاطئة ذات نظرية جزئية وتفسير خاطئ وتعريف مغلوط للعالم والكون



#مؤيد_بلاسم_متعب_العبودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أسير إسرائيلي لدى حماس يوجه رسالة لحكومة نتنياهو وهو يبكي وي ...
- بسبب منع نشاطات مؤيدة لفلسطين.. طلاب أمريكيون يرفعون دعوى قض ...
- بلينكن يزور السعودية لمناقشة الوضع في غزة مع شركاء إقليميين ...
- العراق.. جريمة بشعة تهز محافظة نينوى والداخلية تكشف التفاصيل ...
- البرلمان العراقي يصوت على قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي ...
- مصر.. شهادات تكشف تفاصيل صادمة عن حياة مواطن ارتكب جريمة هزت ...
- المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي تثير جدلا بما ذكرته حول ت ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو روسيا إلى التراجع عن قرار نقل إدارة شر ...
- وزير الزراعة المصري يبحث برفقة سفير بيلاروس لدى القاهرة ملفا ...
- مظاهرات حاشدة في تل أبيب مناهضة للحكومة ومطالبة بانتخابات مب ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - مؤيد بلاسم متعب العبودي - الشيوعية تحت مجهر الاسلام