شبه الجزيرة العربية خارج الأساطير

اوليفييه دالاج

الحوار المتمدن-العدد: 927 - 2004 / 8 / 16 - 08:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

باحثون يعيدون اكتشاف التاريخ

ولدت "حكايات مضادة"[1] من رغبة بعض الجامعيين المتخصصين في شؤون شبه جزيرة العرب بالإجهاز على بعض الأساطير الشائعة والآتية من تكرار، كتاب من كتاب أو مؤلف عن مؤلف، لمسائل تقدم على أنها حقائق مؤكدة ولو انه لم يتم التحقق منها. أنها في واقع الأمر روايات منقولة أو منسوبة إلى التأريخ الرسمي للدول الذي كان يسعى من خلال بعض "التقاليد" المفبركة لإضفاء الشرعية على وضع سياسي معين.

بالنسبة إلى مضاوي الرشيد، منسقة الكتاب مع روبير فيتاليس، فان الجزيرة العربية لا تزال أرضاً مجهولة على صعيد الدراسة وبات من الضروري رفض الأساطير التي تتناقلها الدول حول نفسها بالاستناد إلى مصادر تاريخية محلية بما فيها التقاليد الشفهية وليس فقط محفوظات الإمبراطوريتين البريطانية والعثمانية أو الذكريات الثمينة لكن المنحازة التي تقدمها شخصيات طريفة أمثال سان جون فيلبي. يعطي كتاب "حكايات مضادة" الكلام إلى باحثين من مختلف الميادين يكملون بعضهم بعضا.

تدعو شايلا كارابيسو الباحثين إلى التخلي عن تسمية "الخليج" الموروثة من الاستعمار البريطاني ومن الاهتمامات النفطية والعسكرية الاميركية من أجل النظر إلى شبه الجزيرة العربية بأكملها. وتقوم أطروحتها المثيرة للاهتمام وان كان يمكن عدم التمسك بها بالكامل على أننا نشهد انبعاثا للهوية "الجزيرية" على حساب الهوية "الخليجية".

يتطرق عبد العزيز الفهد من جهته إلى وهم آخر وهو أن السعودية تجسد القيم القبلية والبدوية. العكس هو الصحيح، فالدولة السعودية هي قبل كل شيء مشروع حضري مركزي يهدف إلى وضع حد للهيمنة البدوية في ردة فعل على انعدام الاستقرار السياسي المزمن والغزوات المستمرة للبدو التي تعيق التنمية الاقتصادية. وقام نبوغ ابن سعود عبر "الأخوان" على استخدام البدو ونزعتهم الاحترابية من أجل العمل لصالح الانقلاب الايديولوجي الذي يحمله المشروع الوهابي في طياته. وجاء القضاء على "الأخوان" عام 1929 بمساعدة البريطانيين ليكرس انتصار الحضر على البدو.

من جهته يغوص روبير فيتاليس في عالم شركة ارامكو، الدولة ضمن الدولة التي كان لإدارتها نفوذ يفوق نفوذ السفير الاميركي. فلقد قدمت ارامكو إلى البلد أول بنيانه التحتي وعالجت الاضرابات الأولى وأرشدت السلطات السعودية إلى طريقة قمعها بإقناعها إنها تندرج ضمن مخطط شيوعي. كان للشركة مخابراتها الخاصة تسيطر بواسطتها على الحيز الذي تقيم فيه والحائز عمليا حصانة سياسية لتمارس داخله التمييز الشائع في حينه في الولايات المتحدة الاميركية.

تستعيد مضاوي الرشيد ملحمة فتح الرياض عام 1902 على يد عبد العزيز بن سعود ليدمر في طرقه بعض الأوهام. وكما فصلت ذلك في كتابها المرجع "تاريخ السعودية"[2]، فان الذكرى المئوية عام 1999 لهذه الواقعة[3] المعتبرة الفعل التأسيسي للملكة (وليس إعلانها الرسمي عام 1932) كانت مناسبة لتمجيد طوطمي لابن سعود خلافا لكل التعاليم الوهابية إلى درجة أثارت غضب مفتي المملكة ابن باز. فالعائلة المالكة تستفيد، في مواجهة معارضة دينية تعيد النظر في سلطتها باسم المبادئ التأسيسية للوهابية نفسها، من تفكك المعارضة. فمحمد المساري الذي يكافح ضد النظام من لندن باسم مشروع إسلامي يلقى معارضة من مساعده سعد الفقيه صاحب التوجه الوطني. وفي السعودية نفسها، يقود "شيخا الصحوة"، سلمان العودة وسفر الحوالي، معارضة تعبر عن صراع أجيال في صفوف العلماء السعوديين. لكن القاسم المشترك بين الجميع هو غياب مشروع سياسي لما بعد آل سعود.

في زمن المعارضة الإسلامية يحتاج آل سعود لإيجاد مشروعية جديدة لنظامهم من خلال إعادة امتلاك التاريخ وهم فعلوا ذلك بإغفال البعد الشيعي في البلاد والمقاومة للوهابية في المقاطعات المحتلة ودور البدو في المملكة أو أيضا حقبة الملك سعود مستعيضين عن ذلك بتضخيم فتح الرياض على يد عبد العزيز عام 1902. لذلك كان عليهم إعادة اختراع التقليد وإقفال التأريخ وهم لم يمنعوا أنفسهم من ذلك.


------------------------------------------------------------------

[1]Madawi Al-Rasheed et Robert Vitalis (dir), Counter-narratives, history, contemporary society and politics in Saudi Arabia and Yemen, Palgrave Macmillan, New York, 2004, 42,15 dollars.

[2] Madawi Al-Rasheed, A History of Saudi Arabia, Cambridge, 2002.

[3]وفق التقويم القمري طبعا.
جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل