أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح الياس الفراتي - النظام السياسي العراقي.. في الميزان















المزيد.....

النظام السياسي العراقي.. في الميزان


صالح الياس الفراتي

الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 13:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الأوضاع السياسية المتأزمة في العراق تثير فيَّ فضولا يجعلني أتساءل عن مدى ملائمة نظام الحكم الجديد لتركيبة البلاد السياسية وتوليفته الاثنية ؟
معلوم أن هذا النظام نشأ في ظل ظروف غير طبيعة (الاحتلال) , وربما كثير من الأمور رُتبت على عجل أو لخدمة قوى إقليمية ودولية أو حتى فئوية , دون الاكتراث بالمصلحة الوطنية العليا.
فالدستور , تلك الوثيقة المقدسة التي يراد منها تنظيم حياة الشعوب بكل تفاصيلها , لتكون هوية الوطن وحاملة عناوينه الرئيسة في السياسة والاقتصاد والقوانين والحريات ... لا يلعب هذا الدور في بلد كالعراق , تتنازعه الأهواء السياسية والمصالح الحزبية , خاصة وان دستورنا الدائم يفسح المجال لشد وجذب نخشى أن يطول كثيرا ويتجدد مرارا . لا بل أصبح (الدستور) أهم مصادر الخلافات والنزاعات بين فواعل السياسة العراقية .
في ظروفنا الحرجة هذه تتعاظم آثام الساسة بحق مواطنيهم . ولا ضير أن الأحزاب تسعى إلى السلطة والاستمرار فيها أطول فترة ممكنة . فهذا حق لا خلاف عليه . لكن عندما تطرح مصلحة الشعب أرضا , وتمرغ هيبة الدولة بالتراب بسبب التقاتل على المناصب السيادية (خصوصا رئاسة الوزراء) , يكون ذلك ذروة الخطيئة السياسية .
انتم أيها السادة تحكمون الآن وفق نظام سياسي توافقتم عليه , فما العلة إذن ؟
البلد الذي احتلنا ولا يزال , صدّر لنا الموت والشقاق والفساد , وشح علينا بتجربة ثرية احتضنت أعرق الدساتير المكتوبة في العالم وأقدمها . وبإطلالة سريعة على دستور الولايات المتحدة الذي ينظم حياة أكثر من 300 مليون مواطن , ويجمع بين خمسين ولاية كانت تتقاتل فيما بينها , نجدنا في أروع الأنظمة السياسية التي تعبر عن أسلوب حضاري متطور في إدارة شؤون البلاد .

فقد وضع مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الأمريكيين (سموا فيما بعد بالآباء المؤسسين وهم: الكسندر هاملتون وجيمس ماديسون وجون جاي) دستور بلادهم مستفيدين من تجارب الشعوب والأمم القديمة , واستخلصوا منها دروسا وعبرا ساعدتهم في إنشاء نظام الحكم المناسب ووضع أسسه .
واتفق واضعو الدستور الأمريكي على مبدأ سياسي - دستوري غاية في الأهمية , نادى به المفكرون السياسيون من قبل , أمثال مونتسكيو (1689-1755) , هو مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بما يضمن عدم تفوق إحداها على الأخرى . وهذا يتأتى من امتلاك كل سلطة إرادة خاصة , بحيث يكون أعضاء كل سلطة من هذه الثلاث , اقل مساهمة ممكنة في تعيين أعضاء السلطتين الأخريين . وبقدر تعلق الأمر بالسلطة القضائية في الولايات المتحدة , فيشترك رئيس الجمهورية ومجلس الشيوخ في تعيين قضاة المحكمة العليا ليمارسوا عملهم مدى الحياة ويكونوا شبه معزولين عن التجاذبات السياسية والتأثيرات من بقية الأجهزة (التشريعية والتنفيذية ) .
ولتفادي سيطرة السلطة التشريعية التي تختص بفرض الضرائب وحدها , بالتالي احتمال التأثير على السلطتين التنفيذية والقضائية , تقرر تقسيمها إلى مجلسين مختلفين (النواب والشيوخ) , والحد من ارتباط احدهما بالآخر من خلال اعتماد آليات انتخاب ومبادئ عمل خاصة بكل منهما . أي تعاملوا مع ثقل السلطة التشريعية بتقسيمها , وعالجوا ضعف السلطة التنفيذية بتحصينها.
والفارق الذي لطالما ميز الجمهورية الأمريكية عن الجمهوريات الأخرى , هو مبدأ التمثيل الحقيقي للشعب .
فمجلس النواب يمثل المواطنين , إذ أن لكل ولاية عدد من الأعضاء يتناسب مع الكثافة السكانية فيها . وله صلاحيات تتعلق بالميزانية والضرائب بخاصة . بينما مجلس الشيوخ هو ممثل عن الولايات (لا يحق لأي ولاية أكثر من مقعدين في المجلس) . ويختص بالموافقة على كل التعيينات التي يتقدم بها الرئيس لتشكيل حكومته , كما يقر تعيين مسئولي الجيش والأمن والقضاء والسفراء وغيرهم , ويصادق على المعاهدات الدولية . وهو ما يعد حلا توافقيا بين المطالب المتضاربة من الولايات الكبيرة والأخرى الصغيرة , ويؤمن نصيبا متساويا في الحكم في كل منطقة من مناطق الشعب بعدما يلتحم في امة واحدة . كما تحول هذه المساواة دون إصدار تشريعات غير سليمة , إذ لن يمر قانون أو قرار من دون موافقة غالبية الشعب ممثلا في مجلس النواب , ثم أكثرية الولايات ممثلة بمجلس الشيوخ .
أما رأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) فهو القائد العام لجيش وبحرية الولايات المتحدة وهو المخول بعقد المعاهدات بشرط أن يوافق ثلثا أعضاء المجلس الشيوخ الحاضرين. فالحكمة , بحسب هاملتون , من تقاسم صلاحية سلطة عقد المعاهدات بين السلطتين التنفيذية (رئيس الجمهورية) والتشريعية (مجلس الشيوخ) , أن لا يستأثر أي منهما بهذا الاختصاص ما يزيد من احتمالات الأمن والطمأنينة . بالإضافة إلى اشتراكهما في صلاحية تعيين السفراء والوزراء المفوضين وقضاة المحكمة العليا وغيرهم . فرغم قوة الرئيس كقائد عام للجيش والقوة المسلحة والصلاحيات التي انيطت به في تعيين السفراء والوزراء وأشخاص آخرين في السلطة , بقي الرئيس ملزما بالحدود الدستورية التي تمنح مجلس الشيوخ المشاركة في قرارات التعيين التي يجريها .
ويلاحظ المتمعن في الفروع المختلفة لسلطات الحكم في الولايات المتحدة , ان السلطة التنفيذية , بحسب هاملتون , تمسك بسيف المجتمع في يدها , والسلطة التشريعية تسيطر على المالية وتحدد القواعد التي تنظم واجبات المواطنين وحقوقهم . بينما السلطة القضائية لا تملك سيفا ولا مالا , فهي اضعف السلطات , لكنها تتمتع بالاستقلالية عن باقي الأجهزة .
هكذا ورغم مرور أكثر من مائتي عام على ولادة الدستور الأمريكي (1787) لا يزال ينظم شؤون الحكم والحياة في الولايات المتحدة على أتم وجه .
ولا نريد في هذا المقام , تسقيط التجربة الأمريكية على واقعنا العراقي , بقدر ما نؤمن بضرورة الاستفادة من تجارب الشعوب المتحضرة التي استطاعت أن تتجاوز حالة الانقسام والتنافر الداخلي , وبناء دولة مؤسسات حقيقية لا دول شعارات .
فالفراغ الدستوري الذي نعيشه الآن مرده التقاتل على منصب رئاسة الوزراء وأسباب أخرى اقل شانا . لان هذا المنصب فيه صلاحيات أوسع من المناصب السيادية الأخرى ( رئاستي الجمهورية والبرلمان) , وهذا لا يصنف على انه علة دستورية فحسب , لكن الأهم من ذلك غياب الثقة بين الشركاء السياسيين واعتبار خسران السلطة نهاية العالم بالنسبة لهم . ولو كان هناك شعور بحد أدنى من التساوي بين السلطات لما شهدنا هذه المبارزة الطويلة . التي لا ضحية فيها سوى المواطن .
ومن نافلة القول إن وجود دستور يحظى بموافقة عامة الشعب و يتلاءم مع طبيعة البلاد , يحتاج إلى إرادة سياسية جادة تلتزم بالمبادئ والحدود الدستورية . معززة برغبة العيش المشترك بين مكونات المجتمع بكل ألوانه . وإذا كان تأخر تشكيل الحكومة مشكلة آنية مصيرها الحل بأي شكل كان , فإننا نشهد دستورا رفضه احد ابرز مكونات المجتمع العراقي (العرب السنة) وهذا بحد ذاته خلل كبير . ناهيك عن المسائل الخلافية الكثيرة التي حملها كالمادة (140) الخاصة بـ " المناطق المتنازع عليها " , ومؤخرا أثارت المادة (76) (المتعلقة بالكتلة النيابية الأكبر التي تكلف بتشكيل الحكومة ) أزمة سياسية كبيرة لم تنته ِ إلى الساعة , وهناك أيضا تنازع في الاختصاص بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان فيما يتعلق بالثروات (النفط خاصة) أساسها دستوري ... وهلم جرا . والمفارقة أن جميع أطراف هذه الأزمات يقولون بدستورية ادعاءاتهم !! بما معناه أن هناك مطاطية في جزء مهم من المواد الدستورية , أفسحت المجال لتفسيرات متضاربة تنطلق من مصالح معينة .
ورغم صعوبة إطلاق أحكام موضوعية على تجربة سياسية فتية تحفها الظروف غير الطبيعية من كل جوانب , إلا أن ذلك لا يمنع من قيام دراسة علمية محايدة وشاملة , لتقييم النظام السياسي الجديد و مدى ملائمته للبيئة العراقية المعقدة بكل حيثياتها . وتحديد مواطن الخلل لوضع الحلول الناجعة التي من شانها أن تصل بالبلاد إلى بر الأمان , ابتدءا من الدستور ونزولا إلى ابسط الممارسات السياسية . على أمل أن لا يبقى سؤالنا (هل سينجح النظام السياسي الجديد في العراق؟) معلقا إلى ما لا نهاية , كما لا يحبذ استجداء الإجابة من المستقبل .



#صالح_الياس_الفراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صالح الياس الفراتي - النظام السياسي العراقي.. في الميزان