أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى البقالي - الأزمنة الهاربة














المزيد.....

الأزمنة الهاربة


فدوى البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 927 - 2004 / 8 / 16 - 08:08
المحور: الادب والفن
    


لا أعرف أي شئ كان يفكر فيه أبي , و لا فيما كانت أمي منشغلة به . هل كان يتناهى اليهم ذلك النداء و تلك التوسلات أم أنني كنت أسمعها لوحدي ؟
العمال كانوا قد وضعوا كل محتويات البيت داخل الشاحنة , وباقي أفراد الأسرة كانوا يقومون بالجولة الاخيرة في البيت للتاكد من أنهم لم ينسوا شيئا .
وحدي كنت أقف غير مصدقة أن علاقتنا بذلك البيت ستنتهي لمجرد أننا سنحمل امتعتنا منه . عيناي كانت ترى كل ركام الدقائق و الساعات و الايام و الشهور و السنوات التي عشناها لحظة بلحظة جاثمة هناك مصرة على الالتصاق بذلك المكان .
هل كان بامكان العمال أن يجردوا ذلك البيت منها؟ وهل يصير ذلك البيت مثل أي بيت غريب لم اعرفه ؟
يا للحسرة .. ذاكرتي تعاند الحقيقة التي كانت تسير في اتجاه ان يأخذ وكر ذكرياتي هوية جديدة لا وجود لي فيها ....الغرف التي نمت فيها , التي كبرت و أنا أحملق كل لحظة في جدرانها أتابع كل أنواع الأصباغ التي تراكمت عليها .هل يصير ذلك شأن أي ساحة في المدينة ؟
أتذكر أول يوم لي في هذا البيت , بل قبله حين أبلغنا أبي بشرائه ...طفلة في مثل سني ما كان يجب أن تهتم بخبر كهذا بقدر اهتمامها بلعبة ..عروس ..أو أية وسيلة لعب أخرى تنشغل بها طفلة مشوارها الطفولي كان لا يزال طويلا . لكن مع ذلك أحسست بأن ذلك مهما .
هل كان ترحالنا اللامتناهي هو السبب مادام أنه كان يجردني في كل مرحلة من صديقاتي ..ذكرياتي..
أشيائي الجميلة ؟
لم تكن أسرتي لتستقر في مكان . و لا يدوم لها حال , وربما لهذا السبب بدا أننا أخيرا ونحن نشتري بيتا في هذه المدينة الهادرة سنصير مثل كل الأسر , و أن مسار الأسرة سيتقر أخيرا على ايقاع ثابت .كنت متلهفة لمعرفة البيت الذي أحببته حتى قبل أن أراه .
حين وصلته اول مرة ذات بداية صيف , طفت كل الغرف باستعجال . كنت أقرأ تفاصيل الزمن القادم .أمكنة المطالعة ..أمكنة اللهو ..أمكنة النوم .
الآن و نحن ننسحب بدا أننا اتجاه غربة جديدة . شريط حددت عناصره ووحدهم من سيمثلونه لا يعرفون عنه أي شئ. عز علي أن اتوارى بعيدا , فكرت أن أسأل أبي : أما آن لمركبنا أن يرسو شأن كل المراكب في مرافئها ؟ سؤال ازداد قتامة مع مرور الأيام .
أبي لا يحضر الا ليغيب .أمي لم تتمكن من الالتحاق بنا . لذلك فهي تعيش في قرية بعيدة . جزء من الأسرة هنا , وجزء آخر هناك .
الاجواء حتى لو كانت ممطرة فهي تبدو جافة ..بئيسة . الاوقات تتسارع بلا معنى . ووحده يتنا القديم صار رمزا لكنه أصبح ملكا لشخص ما متحولا الى أمنية شقت طريق المستحيل .
حاولت أن أعاند الحقيقة .عدت اليه .لكني وقفت هذه المرة بعيدا .أخذت أتأمله .كل شئ تغير .بابه طلي بألوان اخرى دلت على تحول ما .الصور ..الوجوه ..الأصوات كلها كانت توحي بأن الزمن الحاضر هو نفسه الزمن الذي مضى . و في أوج طوفان الماضي في حاضري باغتتني تساؤلات لا يمكن أن تكون الا لبيتنا القديم :
- جئت ؟ كنت متأكدا من هذا ..
لم أبحث .. لم أحاول أن اعرف مصدر الصوت . أجبت :
- أنا لم اغادر حتى أعود .
- ألمثلي تقولين هذ ا ؟ أتعرفين كم مروا قبلك وكم سيمرون بعدك من هنا ؟
صمتت . كنت مذهولة . قبل ذلك كنت أعرف هذا .لكن أقساط عمري التي تركتها هناك كانت تمنحني القوة كي أستمر في الجدال .قلت :
- أنت تعرف أن هناك أمكنة يعيش فيها الانسان , لكن بالمقابل هناك أمكنة تعيش داخل الانسان .
- من تحاولين أن تقنعي بهذا ؟
- في زمن ما كنت لي وبعده كففت على ان أستمر فيك . لكن هذا لا يمنع أنك لا زلت لي ما دمت قد أودعتك أقساطا من عمري المحدود .
ساد صمت أحسست خلاله أن المكان يضحك مني بل و يسخر أيضا ثم جاء صوته قائلا .
- أنا مجرد بساط , و الذين يقوون على السير هم وحدهم من لهم حق عبوري , أما امتلاكي فهذا ما لا يستطعه أحد .
لم أعلق . كنت قبل ذلك أدرك الحقيقة , أدرك أنني بذلك أنتمي لزمن قد ولى , و انه يتوجب علي أن أعيش زمني الحالي قبل أن يتبخر هو الآخر فأعود في زمن لاحق للبحث عنه و التحسر عليه لأنني لم أعشه حين كان في وقت ما حاضرا.



#فدوى_البقالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فدوى البقالي - الأزمنة الهاربة