أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمان ناطور - مظفر النواب في ام الفحم















المزيد.....

مظفر النواب في ام الفحم


سلمان ناطور

الحوار المتمدن-العدد: 193 - 2002 / 7 / 18 - 07:25
المحور: الادب والفن
    


 
 

        كان مخيم جنين يتعرض لمجزرة، وجنين لا تبعد عن أم الفحم كثيرا،

        طلقات النار في جنين كانت تسمع في المدينة الشقيقة وطائرات

        الأباتشي المحملة بالصواريخ كانت تحلق فوق ام الفحم قبل ان تفرغ

        حمولتها على المخيم، وفي هذه الأجواء المشحونة والقاتلة أمام

        الصمت العربي، أن تستمع الى غسان عباس يقدم مظفر النواب،

        بشعره وسيرته، كان فيه ما يجعل الحالة العربية الراهنة مشهدا خارجا

        تماما عن المعقول

  ألفنان غسان عباس، ابن مدينة أم الفحم، لا يحمل على ظهره هموم شعبه ويفردها على المسرح وحسب، بل يحمل أيضا شاعر المنافي العراقي مظفر النواب منذ أكثر من عشر سنوات، ويقدمه باشكال مختلفة، مرة على سفينة ومرة في الساحات العامة ومرة في مقاهي عكا وأخرى في سرايا يافا، ولكنه أخيرا قرر أن يستقر معه في مدينته أم الفحم، المدينة الواقعة على الخط الأخضر الذي يفصل بين فلسطين الغربية(48) وفلسطين الشرقية (الضفة الغربية).

قبل عامين أقام عباس في مدينته مسرحا خاصا أطلق عليه "مسرح ديوان اللجون"، انه مسرح منفلت القيود، متمرد على الأعراف المسرحية والثقافية والاجتماعية وحتى السياسية، مسرح ليس سلطويا وليس تقليديا ويحاول فيه عباس أن يقدم ما ليس مألوفا، وهل هناك ما هو ليس مألوفا في المشهد العربي التقليدي أكثر من مظفر النواب؟

أخذ غسان عباس سيرة الشاعر العراقي وبعض قصائده الغاضبة وجمعها في نص مسرحي لممثل واحد، واختار أن يقدمها في مقهى أقرب الى الخمارة، مع ثلاثة عازفين، وهو يقدم مونولوغاته متتابعة يتخللها بين الحين والآخر حوار مع العازفين أو مقطوعة موسيقية أو أغنية من كلمات مظفر النواب.

 أخرج المسرحية ابن أم الفحم أيضا المخرج: محمد عبد الرؤوف، وهي تحمل عنوان"الهي، انقذني من وطني!".

لم يكن مصادفة أن يختار غسان عباس بداية لمسرحيته ألأبيات التي يخاطب فيها مظفر النواب فقراء العالم، حيث يقول: "هأنذا أتيت اليكم فقراء العالم/ نحن فقراء الليل والعالم مملوء بالليل يا اصدقائي"، فهو شاعر الفقراء وشاعر المنفيين من أوطانهم وشاعر النقمة والغضب الذي لا يعرف المساومات مع السلطة والجلادين، وغسان عباس أيضا نشأ بين فقراء الليل غاضبا وناقما ومتحديا ورافضا أشكال المساومة مع أية سلطة، الا سلطة الكلمة الرصاصة والجملة المسرحية التي تسقط سقوط القنبلة على سامعيها.

غسان عباس يتمتع بحضور كبير وعظيم على المسرح، لا بمظهره الجسدي وحسب ولا بصوته الجهور ولا بسيطرته التامة والدقيقة على حركاته الجسدية والتعبيرية، بل بقدرته الكبيرة على تقمص الشخصية الممسرحة واعطائها حياتها الخاصة بكل عنفوانها، ويبدو أن غسان أصبح مسكونا بشخصية النواب، لتكرار التجربة معه ولحدة التماهي مع غضبه ونقمته على الجميع: "الآن أعريكم/ في كل عواصم هذا الوطن العربي قتلتم فرحي/ في كل زقاق أجد الأزلام أمامي/ أصبحت أحاذر حتى الهاتف، حتى الحيطان/ أعترف الآن أمام الصحراء/ بأني مبتذل وحزين وبذيء كهزيمتكم/ يا شرفاء مهزومين/ ويا حكاما مهزومين/ ويا جمهورا مهزوما/ ما أوسخنا/ ما اوسخنا/ ما اوسخنا".

عندما يقول هذه الكلمات ترتج القاعة دون أن يكون انفعال غسان مفتعلا، بل ان المخاطبة المباشرة والمتزنة التي تأتي بعد سرد سيرة النواب وتنقله بين السجون والمنافي وتعذيبه في السجن وابتعاده عن أمه واخواته وعن وطنه العراق، تجعل وقع الكلمات شديدا يخرج المستمع من حالة الحزن الى الغضب على الحكام والنقمة على الظلم، ويصل بهذه الحالة العبثية الى الذروة حين يقول: "وطني أنقذني من أعدائي/ وطني أنقذني من مدن سرقت فرحي/ يصبح فيها الناس مداخن للخوف وللزبل مخيفة/ من مدن تركد في الماء الآسن/ كالجاموس الوطني وتجتر الجيفة/ الهي، الهي، انقذني من وطني".

عرضت المسرحية عندما كان مخيم جنين يتعرض لمجزرة، وجنين لا تبعد عن أم الفحم كثيرا، طلقات النار في جنين كانت تسمع في المدينة الشقيقة وطائرات الأباتشي المحملة بالصواريخ كانت تحلق فوق ام الفحم قبل ان تفرغ حمولتها على المخيم، وفي هذه الأجواء المشحونة والقاتلة أمام الصمت العربي، أن تستمع الى غسان عباس يقدم مظفر النواب، بشعره وسيرته، كان فيه ما يجعل الحالة العربية الراهنة مشهدا خارجا تماما عن المعقول وعن الواقع الملموس، وقد أبدع هذا الفنان الفلسطيني في نقل المشهد العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص.

ان تقديم عمل مسرحي هو عبارة عن مجموعة من الحالات والمقاطع الشعرية والسرد البيوغرافي، فيه مجازفة لأنه قد يقع في مشكلة غياب التصعيد الدرامي الضروري لكل مسرحية، ولكن المخرج والكاتب الممثل وجدا الحل بترتيب النصوص حيث تبدأ بأجواء سهرة عادية في مشرب عربي، ومظفر النواب يبدأ عربيا عاديا يحب الشرب وخفيف الطلعة ولكن مع تواصل الفقرات ينكشف عمق المأساة التي يعيشها هذا "الماجن"، والجراح التي تغطيها ضحكاته الساخرة ومرارة الحنظل التي يتجرعها في كأس الويسكي التي لا تفارق أنامله.

هذا العمل يفضح هشاشة السياسة في العالم العربي، لكنه يكشف بقوة عنفوان الابداع العربي، نصا وتمثيلا واخراجا.



#سلمان_ناطور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمان ناطور - مظفر النواب في ام الفحم