أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد فؤاد - ديوان تقاعد زير نساء عجوز















المزيد.....



ديوان تقاعد زير نساء عجوز


عماد فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 912 - 2004 / 8 / 1 - 12:20
المحور: الادب والفن
    


صدر في أكتوبر 2002
"دار شرقيات"
القاهرة
رسالةً لا تخصُّ أحداً سواها



Op de lange weg…
van de affectie van “ Liesbeth ”
naar de liefde van “ Louisa ”
Op weg
van de ogen van “ Louisa ”
naar het geduld van “ Maryam ”
Op weg
van “ Maryam ” naar mij…

Ik zal vertellen
over de nachten
die voorbijgaan zonder de afdruk van haar voeten
op het stof van onze liefde

Ik zal vertellen en zal zeggen:
“ Goede morgen, Vlaamse vrouw ”
“ Goede morgen ”



Emad





















مطْرحٌ دافئٌ على ضفَّة نهر



رجلٌ
ككومةِ ظلٍّ جوارَ حائطٍ
كانْهدامِ نورٍ مُفاجئٍ
من نافذةٍ مفتوحةٍ على الفراغِ
يضحكُ في سعادةْ.


أصابعه الخمسةُ في كفِّهِ اليُمنى
قبضتْ على شبحِ فرْحةٍ طارئةٍ
بداخلهِ كنتوءْ
ضغطها بقوةٍ
وأرهفَ سمْعَهُ لصوتٍ
كنقْنقةِ ضُفدعٍ وحيدْ
ضُفدعٍ
يحتفظُ بمطْرحهِ دافئاً مثل حضْنٍ
على ضفةِ نهرْ.


رجلٌ سعيدٌ
ينصتُ إلى صوتِ تحطِّم الهواءِ
في قصبتهِ الهوائيَّة
بشغفِ أصمْ
يختبرُ أحبالَهُ الصوتيَّةَ
بعد طول توقفٍّ
فيما تتَّسعُ أذناهُ
لخشْخشةٍ تئِزُّ تحتَ قفصه الصَّدريِّ
الملغمِ بالنيكوتينْ.


طيفُ السَّعادةِ
الَّذي مرَّ بخفَّةِ صبيَّةٍ أمام عينيْهِ
تجسَّدَ في كُرَتَيْنِ شفَّافتيْنِ من الدَّمْعِ
كُرَتَين
لسعتا عينيْهِ الخَرَزيتينِ
فارتعشَ جَفناهُ
كأنَّهما يحتميانِ من هَبَّةِ هواءٍ مُفاجئةٍ
هبَّةِ هواءٍ
كانتْ كفيلةً بإسقاطِ الكُرَتَيْنِ على خديْهِ
وإشعارهِ بافْتضاحٍ مُنهِكٍ
ومُذِلْ.


رجلٌ
ككومةِ ظِلٍّ جوارَ حائطٍ
كانْهدامِ نور مفاجئٍ
من نافذةٍ مفتوحةٍ على الفراغِ
يتذوقُ مِلُوْحَةٍ حارقةٍ بين شفتيه
ومثلَ طفلٍ
يُشْبهُ ضُفْدعاَ وحيداً
يحتفظُ بمطْرحهِ دافئاَ كحضْن
على ضفةِ نهر
انفجرتْ دموعُه في بُكاءٍ حقيقيٍّ
بكاءٍ
حاولَ خلالَهُ
القبضَ على طيفِ السَّعادةِ
الذي مرَّ بخفةِ صبيَّةٍ
أمامَ عيْنيهْ.






يونيو 2002


























مريــــــــــــم




كأنَّها نائمةٌ
يرفُّ فوق شفتيها خيالُ ابتسامةٍ
ويجري بين أصابعها نهرٌ رائقٌ
وقدماها المثقوبتان
في منتصفي كفَّتيهما
تهتزَّان على وقع زقزقةِ العصافيرِ الغريبةِ
وهي تحطُّ بهدوءٍ
فوق قممِ شجر الكافور العالي


أشجارُ الكافور العالية
الَّتي أحاطتْ بها
كأنَّها أصابعُهُ المتشنِّجَةُ
حين كانوا يدقُّون المساميرَ
ليثبِّتوا كفَّيه النَّحيفتينِ
في خشب الصَّليبْ.


كأنَّه نائمٌ
بجسدهِ المشدودِ
ابنُ أمِّه
الذي يرى الأشياءَ في إغماضةِ عينيهِ
ناصعةً في بياضها المُطْمئنِّ
قاتمةً في عتْمتها
جفناهُ ينسدلانِ على حلمٍ لا يبينُ
وقلبهُ الصَّغيرُ
يعدو كفرسٍ خلفَ ندهتها الأخيرةِ
يهرول كملسوعٍ
بين قمةٍ
وسفحْ.


تمرُّ من أمامه مريمُ
وهْو مغمض العينين فوق صليبهِ
الصَّبية الهادئةُ الرَّزينةْ
ابنة البرزخ الرَّهيف
بين الأنوثةِ
وبين الطُّفولةْ


المنزَّهةُ
الواثقةُ من نفسها كشجرةِ زانٍ
كأنَّها لا تعرفهُ
هذا الذي يرقبُها في حلمهِ
من خلف أحجبةٍ شفَّافةٍ
يداعبها الهواءُ الخفيفُ
فتهتز صورتُها في عقلهِ
كأنَّها انعكاس قمرٍ طارئٍ
على بحيرةٍ ساكنةْ.


كأنَّه نائمٌ
ليس من تعبٍ
بل ليحلم بذراعيه مفرودتين على اتِّساعِهما
فيما طيورٌ غامضةُ الألوان
تُطوِّف حول جسدهِ
وأطرافُه المشدودةُ بقسوةٍ
كأوتارِ عودٍ عربيٍّ
مقيدةٌ ومحكومةٌ إلى اتجاهاتٍ ثلاثةٍ
وملحٌ أليفٌ كقبلتها
يشدُّ المياهَ العذبةَ
من بين شفتيهْ.


كأنَّه نائمٌ
ليس من تعبٍ
بل ليراها وحيدةً في مكانها الشرقيِّ
تمشي - حين تمشي - بعينين منكَّستينِ
كأنَّها حين لا ترى الآخرينَ
لا يرونها
وكأنَّها بمشيتها السريعةِ
تهرب من سربِ الفراشاتِ الملونةِ
الذي يتبعها بإصرارٍ
أينما ذهبتْ.


مريمُ
ليست البنتُ التي كَبُرتْ كخطيئةٍ
وليست التي أدفأتْ مطْرحها في النَّوم
بدم حيضٍ هاربٍ من عفَّتها
ولا التي بجرحٍ عميقٍ في الجبهة
غيَّرت شكلها وصارت كأرملةٍ
ولا التي
لم تحلم بطفل يشبهها في شيءٍ
تتباهى به أمام نساء العائلةِ


مريمُ
وحيدةٌ في ركنها الشرقيِّ
لا رسائلَ تصل إليها من رفاق السِّنينَ
ولا أصدقاء يسألون عن صحتِها
ليس سواهُ فوق صليبه
يعرف أنها وحيدةٌ
إلا من يدين نحيفتينِ
تجسَّان حجم بطنها التي تكبرُ
يوماً بعد يوم.


مريمُ
التي بندهةٍ كطلقةٍ
شرختْ زجاج شُبَّاكها في الليل
لم تعد هادئةً بما يكفي
لكي يغفو المسيحُ

غاضبةً
كأنَّها عندما أشارتْ إليه
وهم يحيطون بهما
انعقد لسانُهُ
ولم يتكلَّمْ.



أبريل 2002

كامرأةٍ تتَّكئ على رفَّةِ ندمْ



صوتكِ هذا
أم تنهُّدكِ على صدري
متعبةً
وكسلانةْ ؟


لمسة يديكِ على خصري
لها رفة أجنحة الفراشات
وهي تطوِّف بالهواء
وفنجان قهوتنا يبرد بهدوءٍ
فوق ترابيزة البهو الصغير.


صوتكِ ..
أم قدمكِ
وهي تنغرز في لحم السَّرير
كمثل تعثركِ كلَّ صبحٍ
في رمل الطريق؟!


كأنَّكِ
كنتِ تسقطين من حلمٍ
خفيفةً
ولأصابعكِ الخمسة
وسادات هوائيةٌ لا تُرى
شعركِ البنيّ القصير
يشده سقوطكِ إلى أعلى
فيما جيوشٌ من النَّمل
تشدُّ دمي من دمي
وتوقفني على أوَّل:
"صباح الخير أيتها المرأة الفلمنكية"
صباح الخير
يا وجهي النَّائم
تحت ماء الصنبور.


فيما أنتَ بعيدٌ عن البيت
ثمَّة امرأةٌ بدينةٌ تصحو كلَّ شمسٍ
لتطعم طيور السَّطح عُنوةً
بين كلّ درجة سلمٍ
تأخذ نَفَسَاً طويلاً
وتعد سنوات عمرها
مرَّتين.


ثَّمة بنتٌ
تنام مفتوحة السَّاقين
تحت غطائها الشِّتويِّ
ووردةٌّ مجهولةٌ
تموت في أصيص الزُّهور


صباح الخير
يا الوردة المجهولة
التي تموت
صباح الخير
يا أصيص الزهور.


فيما أنتَ بعيدٌ هكذا
ثمَّة رجلٌ يعمِّر البيتَ بكحَّةٍ مشروخةٍ
وأخوةٌ يكبرون في غفلةٍ من عيون الأهلِ
وأولادُ عمومةٍ يتعلَّمون الحياة
في ثكْنات الجيش


ثمَّة شفاهٌ
تتهجَّى اسمكَ في جُملٍ عابرةٍ
وأنتَ تحدِّق في بقعة الضَّوء الخارجة من العتمة
ترقبها وهي تتوالد واحدةً بعد أخرى
كأنَّكَ تفتِّش عن غياب الدَّم الحيِّ
من جلد وجهكَ المخطوف
فصباح الخير يا غياب الدَّم الحيِّ
صباح الخير
يا وجهكَ المخطوف.


تبدأ الكلام
من تحت شفةٍ محروقةٍ
ولا تكفَّ عن الدوران مكانكَ:


ذاهبٌ إلى خيانةٍ في الصُّبح
أمضي مثل مقاتلٍ
بشَفرةٍ سوداء تحت لسانٍ مرٍّ
حاملاً ألماً استثنائياً
بين وركيَّ
وخفيفاً كمحبةٍ.


يدكِ
هي نفسها يدكِ
وهي تمتدُّ
بيضاء ومحمرةٍ
نحو صدري المكشوف
وحبَّة العرق النافرة
تتصبَّب ساخنةً
فيما تتحرَّى أصابعي المعروقة عنها
في دأبٍ مفضوح.

أنا:
بندول ساعة حجرتكِ الكلاسيكيّ
تكْ .. تكْ .. تكْ،
نافورة الدَّم السَّاخن
وهو يترقرق في بخلٍ
بين وركيكِ،
وشفتكِ المضمومة في أنوثةٍ
حول لساني المحموم
حتى يدي المشدودة
نحو حلمتكِ السَّاكنة تحت سوتيانكِ الحريريِّ
ونحن نتمشَّى في الشَّارع الجانبيِّ
متواطئين
هي نفسها
اختصاري الصَّريح


وكبئرٍ
تختزن مائها النقيَّ
سوف أتلقَّى لكْنتكِ الأجنبيةَ
كمثل "صباحِ الخير"
كلَّ يومٍ جديدْ.


صباحُ الخير أيتها الشَّوارعُ
صباحُ الخير أيتها البيوتُ
صباحُ الخير يا بناتُ المدارس
صباحُ الخير
أيُّها الكحول المخمَّر في "أورفانيدس"
صباحُ الخير
يا لسعةَ البرد
وأنتِ تمرِّين هادئةً
تحت جلديَ السَّميكْ.


ذاهبٌ إلى خيانةٍ فى الصُّبح
كامرأةٍ تتَّكىء على رفة ندمٍ صغيرةٍ
في حجم مشْمشةٍ
وتُسكت حنين حلْمتيها
إلى شفتين غامضتين


صباحُ الخير
يا شفتين غامضتين
يا يدها الصغيرة
يدكِ الصغيرة
التي لن أسمِّيها
والعروق الزُّرق الرفيعة
وهي تخترق عمق بشرتكِ
سوف تكون محض موصِّلٍ
لبرودة الهواء
في غرفتي الواسعة.


صباحُ قعودي مثل طفلٍ
تحت عينيكِ
أرمي حروف الكلام
مبتورة الأطراف
أو مسنَّنةٍ
حين ترمقينني متسائلةً
عن معنى جُملتي الأخيرة
فيما صوت ارتطام قطع النَّردِ
يرنُّ على خشب الطاولة
وكحَّة أمِّي النَّائمة
تتدحرج - ببطءٍ -
فوق حصيرة البلاط


صباحُ الخير إذن
يا كحَّة أمِّي النَّائمة
صباحُ الخير
يا حصيرة البلاط.

ذاهبٌ إلى خيانةٍ في الصُّبح
أرمي السَّلام على الفراغ
وأتدحرج على سلمٍ مدبَّب
كأنَّه الكلام
آهٍ ...
صباحُ الخير
يا الحجر المدبَّب
كأنَّه الكلام.


صباحُ ابتعادكِ
صباحُ قدمكِ التي ستخبط الأرض
بقوة امرأةٍ
تعرف إلى أين تغادر
صباحُ حذائكِ الجلديِّ
في رنينه المعدنيِّ
على إسفلت الطريق
صباحُ ارتجاف نهدكِ المدوَّر
بين يديَّ
حين تلتفتين
حين اهتزاز شعركِ
حول عينيكِ
وأنتِ تنظرين إلى وجهي
للمرَّة الأخيرة


صباحُ الخير
يا المرَّة الأخيرة
صباحُ وحدتنا التي آمنَّا بها فجأةً
وصباحُ العزلة التي نمتْ بداخلنا
كساعة الرَّمل
صباحُ خيانة أحبالكِ الصَّوتية
في لحظة الوداع
صوتكِ وهو يرنُّ:

كلما قصدنا الصَّدق في الكلام
كلما اصطادتنا الحكايات الملفقة
وكلما شئنا الاختباء
ردَّتنا روائح الألفة الغريبة
في ملابس أهلنا
إلى برِّ التعرِّي!


ذاهبٌ وحدي
يا صباح الخير
بين كفَّي المتيبِّستين
عرقٌ حامضٌ
وخيانتي محبَّتي
وصباحي كأنَّه استنَّ نفسه
بنفسه
ولا شيء يجعلني واقفاً
سوى رغبتي الطَّارئة
في الوقوف.


صباحُ الخير
يا مخدَّتي بين ساقيَّ
يا ضفيرة شعرها المصبوغ بالحنَّاء
صباحُ ابتسامتها النعسانة
على صدري العاري
وعينيها المرفوعتين في عينيَّ
بلا خجلٍ.


صباحُ وحدتي هنا
عائدٌ من خيانةٍ في الصُّبح
ألملم دفء كفَّيها
بين كفَّيَّ
وأحارب لسعة البرد الخفيفة
وهي تنسلُّ من تحت القميص المندَّى
كمقاتلٍ
فقد شفرة سوداء
كانت تحت لسانه
المرِّ.


كنتُ أسير
وكأنَّ الطريق لا ينتهي
وكأنَّ البنات الوحيدات
يخترعن خطواتهن
على الطَّريق
معي.




أكتوبر 2000








يوم في حياة ملاك صغير




يستقيظُ الملاكُ كلَّ صبحٍ
كجنديٍّ في جيشٍ نظاميْ
يتلَّقى تدريباتٍ في العملِ الصَّالح
وهداية الضالينْ.


ينسى نفسَهُ طيلةَ النَّهار
فلا هو أصلحَ ما بين قلبينِ
ولا هو كفَّ المعصيةَ
عن الولوجِ في النفوسْ.


المسكينُ الصغيرُ
كان عَظْمُه طرياً في هذا العالم
يُخبِّئُ جناحيه الأبيضين تحت ذراعيهِ
إن مرَّتْ بجانبه جميلةٌ وحيدةْ
ويخفي دمعتَهُ برمشهِ الطويلْ
لو مرَّ على عاشقٍ.


يستيقظُ الملاكُ الصغيرُ
كلَّ صبحٍ
كامرأةٍ مسئولةٍ عن كومٍ من اللحمِ
نشيطاً ..
ومملوءاً بالطَّاقة الإلهيَّةِ
وبالمحبَّةِ التي شربها قطرةً .. قطرةً
من ملعقةِ اللهِ
ويعرفُ
أن واجباته كثيرةٌ

لو تكاسل عنها
سبقه المتنافسونْ.


يستيقظُ الملاكُ
كطالبِ علمٍ
كزوجٍ يجري على لقمةِ العيْشِ
كشمسٍ تعرف أنَّ العالمَ
في حاجةٍ إلى دفئِها الرَّخو.


يبصُّ قبل خروجهِ
على نبتاته الخضراءَ
مدارياً أصابعه العشرةَ
في قبضتيهِ
ومرفرفاً بجناحيهِ في مغازلةٍ
كأنَّه يشدُّ الأوكسجين من هواءِ الأركانِ
إلى مسامِّ الأوراق والسيقانْ
ويخرجُ
دون أن يلمحَ ابتسامةَ الرَّياحينِ
أو ضحكةَ الصبَّار العجوز
في الزَّاويةْ.


كان الصبحُ مثل زئبقٍ
ينزُّ من بين أصابعهِ
كلما حاول القبضَ عليه
انفلتَ مثل ماءٍ
لكنه يعتصمُ بالتعاليمِ والوصايا
ويبدأ شغله اليوميَّ

يمسِّدُ بيدهِ بطن حاملٍ
تلدُ في سيارة إسعافٍ،

يجعل الرَّصاصةَ تنحرفُ قليلاً
عن قلب جنديٍّ
لم تخضرْ لحيتُهُ بعدُ،

يلقي برداً وسلاماً
بين عجوزٍ وابْنه العاق،

ويفرحُ مثل طفلٍ
حين يرفعُ فرْخ يمامٍ
(يتعلم الطيران للمرَّة الأولى)
في الهواءْ.


يعودُ الملاكُ الصغيرُ
من جولتِه الصَّباحيَّةِ
إلى معسكر التَّدريبِ
دون أسلحةٍ فوق كتفيهِ
دون ذرَّةٍ من ترابٍ
على جناحيه الأبيضين
دون تعبٍ

ليس سوى رأسه المشغولة بأفكارٍ:

ماذا لو أصبح طفل عربة الإسعاف
مجرماً
أو تاجر مخدراتْ

وما أدراهُ أن الجنديَّ
الذي لم تخضرْ لحيته بعدُ
لن يقتل صاحب الرصاصةِ ؟!

ويحزن الملاك مرَّتين:
مرةً
لأنه يوقن أن الابن العاقَّ
سوف يقتلُ أباهُ الشيخ في نومهِ
هذه الليلة


ومرةً
لأنَّه يعرف
أن فرخ اليمام الصغير
لن يحلِّق عالياً
دون أن ينسى أبداً
خوفه
من الطيرانْ.




أبريل 2002





في محاولة تعريف معنى غيابكِ



أعرفه
هذا الملاك الذي طاردَكِ
طيلة النَّهار


وأنتِ تبكين على صدري
رأيتُ أثر أصابعه الخمسةَ
فوق وجنتيكِ
وشممتُ رائحة جناحيه الأبيضينِ
وأنتِ تندسِّين في حِضني
خائفةً
ومذعورةْ.


سأظلُّ هنا
رابضاً في الرُّكنِ
في الظُّلمة الرَّطبةِ
وهي تنتشر في أضلاعي
كامناً ومختبئا.


لن أقرب النافذة العالية في الزَّاوية
ولن أفتح الباب لزائرٍ
أو أعطي شربة ماءٍ
لابن سبيلْ.


سأظلُّ كما أنا
أظافري طويلةٌ بدرجةٍ تكفي
لاختراق لحم الآخرينَ
حين يحاولون جذبي بعيداً
وعيناي لا تعرفان من النُّورِ
سوى ما أسمح لهما بهْ.


مثل ناطورٍ
يصدُّ الطَّير عن حقلهِ
كنت أزجر أعينهم
عن ثوبكِ الشَّفافِ
فيما أخبِّىءُ ابتسامتكِ
بيدي الملوِّحة
خلسةً.


عندما تموتينَ
لا صوتَ سوف يعلو
ولا نهرَ سيجري
في ليلٍ أزرقٍ أو رماديٍّ
وما اسمي سوى ندهةٍ مبتورةٍ
تسقط كعملةٍ معدنيةٍ
فوق إسفلت الطريقِ
لكنني
سأدفن وجهي في ملابسكِ القديمة
وأتذكر كل الأصدقاء
الذين رميتهمْ
بركْلة قدمٍ واحدةٍ
والليالي الطويلة من الوحدةِ
ستنظر إليَّ خلسةً
من خلف ستائرَ بيضاء
يهزُّها الهواءُ
والنَّسيم الخفيفُ.


قلبيَ الصَّغيرُ
ستنعشه هبَّات الأوكسجين الفجائيةِ
حين أحسُّ يدكِ
لم تزل دافئةً على صدري العاري
وصوتكِ
سوف أطارده في غرفتي
مثل طفلٍ.


تعودنا على ذلك
إذا جفَّت حوافُ شفاهنا
ونشفتْ
فسيعني أن نكفَّ عن القبلاتِ ليومين متتاليينِ
ويعني
أن نهربَ في مشاويرَ كاذبةٍ
نلفُّقها متواطئينِ
فرحين بانتظار يومنا
الذي سنعاود فيه القبلات
من جديدْ.


تعوَّدنا
أن نتشبَّث ببعضنا البعض
حتى يفور ماء الشَّاي والينسون
فوق عين البوتاجاز
حتى أفور بمائي تحت كِتَّان بنطالي
وأضبط نهديك عاريين
على صدري العاري.


لن أنسى:
صوتَ ظهركِ
وهْو يزحف فوق السِّيراميكِ
تحت ثقلي ،
لسانكِ دافئاً في فمي ،
دموعي تفرُّ
وهْي تخترق نقاط العرق الغزيرِ
سأعرف طعمها المالح
وأميزِّها
فثمَّة طعمٌ مختلفٌ
للملحْ.


سأظلُّ هنا
رابضاً في الرُّكنِ
في الظلمة الرَّطبةْ
وهْي تنتشر في عظامي
كامناً
ومختبئا.


المحبَّة
أو قماشة الدَّانتيل البنفسجية
التي شددناها بحرصٍ
على جسدينا
لفَّتْنا بهدوءٍ
لم نشعر بها
وهْي تشتدُّ وتسمُكْ
لم نحس خيوطها الناعمة
وهي تنغرز ببطءٍ مثل موسىً
في لحمنا الطريِّ
ألفنا دفئها الرَّخو
الدِّفء الذي تمنَّيناه طويلاً
وانتظرناه بلهفةٍ
كأطفالٍ يتامى.


عندما تموتينَ
سأنهك عينيَّ في القراءةِ
ورئتيَّ سيفسدهما ولعي المتزايد بالتَّدخينِ
سوف أسير في الشوارع المزدحمة طويلاً
وأنا أتحدث إليكِ
ربما نتشاجرُ
فيعلو صوتي بالصُّراخ
والشَّتيمةِ
وربما نتآلف بعد برهةِ صمتٍ
فأسرد المجاملات المجانيةِ
عن فستانكِ الجديدِ
أو عن صفاء عينيكِ
عندما تهمَّانِ
بالبكاءْ.


أقولُ:
ناموا خفافاً
لا أثر لأجسادهمْ
فوق أسرَّتنا
ولا رائحةِ عرقٍ
تركوها في المُلاءاتِ
غادرونا
كملائكةٍ صغار
لعبوا بأعصابنا ساعاتٍ
مثل أطفال يتامى
ورحلوا

وتبقين صامتةً !


لم تؤكدي لي موعدكِ
لكنني جئتُ
وباستماتةِ محاربٍ
كان عليَّ قتلَ
كل الدقائق التي تمرُّ بطيئةً
من ساعة الرجل الذي
يجلس هادئاً
خلفي.


بيت
ليس إلا َّ
كي نتشاجر فيه
ونفرُّ من ألفته
إن داهمنا الملل
نربِّي بداخله أطفالاً مجانين
ونسكَّ شبابيكه
إن مرَّ تحت نوافذنا الشِّتاء
والمطر المتسكع
في الشوارع.


بيتٌ
كي أصرخ فيكِ
بصوتي كاملاً
كي أشدكِ من ثوبكِ
دون خوفٍ.


بيتٌ
كي تريحي على صدري
رأسكِ المقطوع
من أثر الصُّداع اليوميِّ
بيتٌ صغيرٌ
ليس إلاَّ.


ألم أقل
إنَّني أعرفه
هذا الملاك
الذي طاردكِ
طيلة النَّهار!


أغسطس 2001
آخر محاولات التَّنكر



كنَّا انتوينا
في آخر مرةٍ
أن نبدِّل منَّا قليلاً
قلنا: نعفِّر قدر ما نستطيع
من ملابسنا التي تشرب الأنوار
بشراهةٍ غير عادية
حين نجد أنفسنا واقفين لدقيقةٍ
على الأقلِّ
بفانلاتنا البيضاء في صالة البيت
محاولين تذكر شيءٍ ضاع منا فجأةً
لن نحزن
لأننا
جادُّون بالفعلِ
في خُطتنا التي رُسمت لنا
بإتقانٍ منقطع النظير.


وحين يفجؤنا هواء الصبح البارد
بالضبط عند فتحة الصَّدر
لن نحزن
لأننا سنجد عذراً
لأمهاتنا الطيبات
لأنهن نسين كعادتهنَّ
غسل الكوفيات بالأمس
وانشغلن في عزِّ التَّعب
بدعك سيقان الجثث البردانة


لن نحزن
لأننا في لحظةٍ ما
شغلتْنا الشَّخبطات على دكك الدِّراسة
سنيناً ..
أطول من صبر أهلنا علينا
شغلتْنا
حتى عن أسمائنا
التي لم نكن نألفها بعد.


قلنا: نُحدُّ من عرقنا المتسرب
داخل جلدنا الأصليِّ
خواتمنا
سوف نمحو من فوقها أثر البصمات
التي تُركتْ عليها
ونحطُّ قوانين جديدة
تنظِّم العلاقة بيننا
والذكريات.


وسوف نعيد لأول مرة
تكرار أسماء الأصدقاء كلَّ ليلةٍ
حتى يسقطوا كالبراغيث فوق مخدَّاتنا
واحداً .. واحدا.


زوجاتنا
سوف نختارهنَّ أبعد ما يكنَّ
عن حبيباتنا القديمات
لنبعد أية شبهةٍ - بسيطةٍ -
عن نيتنا في الاحتفاظ بكلِّ لعب الطفولة لامعةً
من أثر أناملنا الطرية.


بالطِّبع
سوف نتهوَّر
ونسمِّي طفلتنا الأولى
باسم حبيبتنا الأولى
محاولين
ـ في شهور الحمل ـ
أن نتعوَّد الإيقاع الموسيقيِّ
للاسم الجديد.


بصُّوا ..
ـ قطط الجيران عوَّدناها على كحَّتنا
ـ قطط الجيران تعوَّدتْ على كحَّتنا
ـ قطط الجيران عوَّدتْ نفسها على كحَّتنا


ما الفرق؟!
ما دمنا انتوينا في آخر مرةٍ
أن نبدِّل منا قليلاً
وقلنا: نصادق ناساً بالمصادفة البحْتة
لا يشبهوننا في شيءٍ جوهريٍّ
نكنس لهم البلاط يومياً بضميرٍ
ونسرق النظر لزوجاتهم الجميلات
وهنَّ في أردية النَّوم.


ماذا يهمُّ
ما دمنا قررنا
أننا لن نعترف مرةً أخرى
لواحدة من الصديقات بالحبِّ
وما دمنا لن ننسى
أن نلمَّ فتات الكلام
قبل رحيلنا
كي لا يشي بنا عندهم.


قلنا:
لمَّا تصيب عيوننا الرؤى المضببة
نحبس دخان بخور الجمعة فيها قليلاً
حتى نمحو كلَّ ما رأيناه
وكي لا نتحجج من جديدٍ
بنسياننا النظَّارات الطبية
في درج الكوميدينو الوحيد.


قلنا: سوف ندرِّب ذكرياتنا الحديثة
على أن تمحو نفسها بنفسها
كلَّ يومٍ.


قلنا: يجرِّب كلٌّ منا
التنصُّت على روحه
بشكلٍ عشوائيٍّ
وبدون ترتيب مسبقٍ
يفسد علينا لحظتنا الدراماتيكية.


وعن أوراقنا القديمة
قلنا: سوف يخلِّصنا منها
إهمال زوجاتنا المصابات بالبرود الجنسيِّ
وشقاوات أطفالنا الجدد.


قلنا:
ما الذي نسيناه كي نقوله؟‍!
قلنا:
لا شيء
قلنا:
ما الذي نسيناه؟!
قلنا:
ننامُ ؟!
قلنا:
ننام …


لكننا
في الصُّبح
قمنا ـ كعادتنا ـ

بأسمائنا
ذاتها!


القاهرة
أكتوبر 1998
الوحيدة في ركْنِها النَّائي


غدرنا بها
تلك العريضةِ
البنِّية في الضَّوءِ النَّهاريِّ المتلصصِّ
من فرْجات الشَّبابيكِ
القاتمةِ في الظُّلمةْ
الخشنةِ
مثل قنفذْ.


ما الذى تقوله عنَّا الآن ؟
ربَّما يمرُّ أسبوعٌ بكاملهِ
دون أن نمسسها
دون حتى أن نلمحها هناك
في سكونها المهيبْ.


نمرُّ من أمامها
مثل غرباءَ
اكتشفوا وجودهم الطَّارئ في المكانِ
فجأةً
دون تحيةٍ
أو نظرة عرْفانٍ بالجميلْ.


غدرنا بها
وتركناها هكذا
الوحيدة في ركْنها النَّائيْ
الثقيلة حين نرفعُها
من فوق البلاطات المخزَّنة بالرُّطوبةِ
لنكنس من تحتها غبارنا.

لم نكن نتذكرها
إلا في زيارة غرباءٍ
أو في ضيافة عزيزْ.


نسينا صبْرها معنا
طيلة شهرين
حين لم يكن غيرها
يرقب نبتتنا التي نمتْ
بهدوءٍ مجرمٍ.

وحدها
صبرتْ علينا
وعلى تخوّفكِ الأنثويِّ الخجولِ
تحمَّلت ثقلنا فوقها
في الليالي التي كنَّا نحاول
اكتشاف جسدينا فيها
وسكتت كأمٍّ
على أطفالها المشاكسين.


غدرنا بها
هذه الكنبة العجوز
التي تتكسَّر الآن في ضجةٍ
كامرأةٍ
تشهر اعتراضها الأخير
وتموتْ.





أغسطس 2001










بدء تقاعد زير نساء عجوز




تردَّد
حين قال جملته الأخيرة
ندَّتْ عن جبينه العريض
رعشةٌ مفاجئة
فيما قبضتْ أصابعُه الصَّلبة
على حفنةٍ من الهواءِ
وانسدلتْ أعضاؤه
بين أيديهم.


منذ قليلٍ
كان يسير برأسٍ
تتلفَّت في كلِّ الاتجاهات
ثم ترتدُّ من جديدٍ
كبندولِ ساعةٍ
كطائرٍ تسقطه من عَلٍ
رصاصةُ قنَّاص
فيما ساقاه تأكلان الطَّريق
نحو فضاءٍ
مفرودٍ على الجهات كلها
وعيناه
تناصبان كلِّ جميلةٍ تمرُّ
العداء.


العجوز
الذي شاخ وهرم
العجوز الذي شال في جيبه العلويِّ
قائمةً بأسماء وهواتف أقربائه
تحسُّباً لموتٍ مفاجىءٍ في الطَّريق
العجوز
الذي لم ينجح فى تأسيس عائلةٍ صالحةٍ
طوال أربعين سنة
سقط مثل مخمورٍ
تشبَّعتْ دماؤه بالكحول
تهاوى طوله الفارع على الأرض
في ضجةٍ
رغم نحوله الشديد
ورغم شفتيه اللتين كانتا
تحاولان الابتسام بجد
حين غاب تماماً
عن الوعي.


لا مناص
الخفَّةُ التي كان يتمتَّع بها قديماً
ثقلت على أعضائه بشكلٍ بشع
لم تعد ملامحه تطيع قناع الطيبة
بالسرعة الكافية
ولم يعد جحوظ عينيه يذوبُ
حين يرنو للصبايا
والنساء الصغيرات
حتى شفتيه
اللتين كانتا ترسمان أعذب ابتسامةٍ لمحبٍّ
صارتا تنفتحان في بلهٍ
كلما ركَّز انتباهه
على فريسةٍ
مقتربة.


لم تكن عيناه
تنمَّان عن كراهيةٍ
بل عن فضولٍ موجعٍ
وهما تمسحان كلَّ نهدٍ يمرُّ
بنظرةٍ متأنيةٍ وصبورةٍ
إلى ارتجاجته.


عيناه
اللتان يهبط بهما سريعاً
إلى الرِّدفين الملفوفين
باحثاً بشغفٍ جائعٍ
عن خيطين رفيعين يحدَّانهما
خيطين
يوقن كنبيٍّ
أنهما سيظهران في الخطوة القادمة
فقط
لو ترفع التي تسير
إحدى ساقيها
لتصعد مصطبة الرَّصيف.


طوال عمره
وهْو يؤمن بفكرة الاستفادة من جسده
لأقصى درجةٍ ممكنةٍ
لكنه كلَّما تعرَّى أمام امرأةٍ
منحها الشُّعور بأنَّ يتمه أبديٌّ
لا يمكن لأحدٍ الحدَّ منه
وأنَّه يعفُّ عن جسدها
المفرود أمامه
كقطٍّ أليف
وأنَّه
غيرُ طامعٍ في شيءٍ
أكثر من مسحة يدٍ
من كفِّها الصَّغيرة
على شعر رأسه
الغزير.


سمَّاه أصحابه "يوسف"
حين اكتشفوا ولعه بتفسير الأحلام
وحين لم يجدوا بئراً
تتَّسع لحضوره
اكتفوا بشكايته مباشرةً
للعزيز!


عقله
حين لفَّه ضباب الإغماءة الأولى
كان مثل سنَّارةٍ
بغمَّاز من الفلِّين
فوق سطح ذكرياته
في سقطته بين أيديهم
تشبَّثَ ببوصةٍ في يديهِ
فأخرج وجه أوَّل امرأةٍ
أول امرأةٍ
بعد أمِّه التي ماتتْ
حين كان يُخرج رأسه الصغير
من بين فخذيها.


الأرملة الشَّابة
ابنة الخامسة والثلاثين
الأرملة
التي لم تعط زوجها السِّتينيّ طفلاً
طوال سبعة عشر عاماً
الأرملة
التي "موَّتتْ" زوجها بعشرين طعنةٍ في الصَّدر
من مطواة "قرن غزال"
كان يحملها بلطجيٌّ عاكسها في الشارع بالمصادفة
لم تصبر حتى يبلغ ابن الجيران
ويفرح بقذفه الأوَّل في السِّر
لم تصبر
حتى تمرَّ سنوية زوجها الأولى
غافلتْ والديه الطيِّبينِ
وحمَّمتْه
فى عزِّ مايو
ككلبٍ أجربٍ
بين وركيها.


كان ابن العاشرة
حين تعلَّم كيف يحرِّك لسانه بداخلها
وكيف يقبض بشفتيه الصَّغيرتين
على لسانها العصبي
في قبلتهما الأولى
فيما قصر قامته ونحوله
يحولان دون تغطية نهديها وعانتها
في الوقتِ نفسهِ
لكنَّها صبرتْ على رعونته كأمٍّ
وراقبتْ جسده وهو يكبر فوقها
كإلهةٍ
وحين بلَّلها بمائه البكر
في قذفته الأولى
زغردتْ كفلاحةٍ.


التَّي ترملت وهي صبيَّةٌ
تركتْهُ وهو في العشرين
بفتقين بارزين في البطن
والخصْيةِ اليمنى
تزوجتْ عجوزاً يُظَلِّلُ عليها
وغادرتْه
تاركةً في قلبه نُدْبةً غائرةً
يشعر بوخزها مثل سكين
كلما اكتشفَ متعة جديدةً
في الفراشِ.


قال مرَّةً لأصحابه:
حين أموتُ
لا تحزنوا عليّْ
لأنَّني عرفتُ ما يكفي من الحبِّ
ليؤنس وحدتي

لا تحزنوا عليّ
لأنَّ العالم مملوٌْ بالجمال
الذي يوجع القلب
كطعنةٍ.


سنَّارته المدلاَّة
بغمَّاز من الفلِّين
وبثقالةٍ من حديدٍ
تشدُّها إلى ماء إغماءته على الطَّريق
سنَّارته هذه
عوَّرتْه في بطن كفِّه اليمنى
وهْي تخبط الأرض
فقبضتْ أصابعه الصَّلبة
على حفنة من الهواء
وارتسم خيال ألمٍ على شفتيه
ظنَّه الواقفون
ابتسامةً.


العجوز
زير النِّساء العتيد
كان يعفُّ عن كلِّ مومسٍ
تكسب عيشها
من فوق الرَّصيف


وكان حيياً
يحمرُّ كعذراء
لو سمع مجاملةً
أو عبارة مديح.


قال مرَّةً لأصحابه:
لكي تعرفوا الله أكثر
أحبُّوا النَّساء
كأنهنَّ أبناؤكم
وقرِّبوهنَّ
وكونوا رحماء عليهنَّ
فكلُّ امرأةٍ فراشةٍ
ولكلِّ فراشةٍ
نورها الذي تحترق به.


لم يتحمَّل قلبه
خيانة جسده
ولم تتَّسع رحمته
لغفران كل هذا الغنج المفرط
وهو يمرُّ جواره.


كان لابد من سقوطه
هكذا
كي يُشعر البنات اللواتي يعبرن بجواره
أنَّهنَّ ظلمْنه
حين لم يرينه بجوارهنَّ
حين لم يلمحن عينيه المكسورتين
وهما تبجِّلان أعضائهنَّ
حين لم يدركن بفطرتهنَّ الأنثوية
خبرته الطويلة
في الحبِّ
والجنس
والمُلاطفة.


كان لابد من سقوطه
هكذا
كي تعبر تحت جبينه العريض
كل الوجوه التي مرَّت في حياته
كأطياف حلم
كي يتذكر الأرملة الصغيرة
بوخزتين غائرتين في البطن
والخصية اليمنى
كي يقول جملته الأخيرة بترددٍ
كأنَّها لفظة ألمٍ
كأنَّها: "كَبُرتَ يا عجوز ..."


وكي يتذكر أمَّه التي ماتتْ
وهو في منتصف الطريق
بين الدخول
وبين الخروج.

كان لابد من سقوطه هكذا
كاعتراضٍ أخيرٍ
على بدء تقاعده.


أكتوبر 2000

* عماد فؤاد
* شاعر مصري مقيم في بلجيكا.
* من مواليد 22 أكتوبر 1974.
* أصدر مجموعتين شعريتين حتى الآن، هما:
- "أشباح جرَّحتها الإضاءة" – سلسلة "ديوان الكتابة الأخرى"، القاهرة، مايو 1998.
- "تقاعد زير نساء عجوز" عن دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة، أكتوبر 2002.

Email:
[email protected]


فهرســــت


رسالةً لا تخصُّ أحداً سواها
مطْرحٌ دافئٌ على ضفَّة نهر
مريم
كامرأة تتكئ على رفَّة ندم
يوم في حياة ملاك صغير
في محاولة تعريف معنى غيابكِ
آخر محاولات التَّنكر
الوحيدة في ركنها النائيّ
بدء تقاعد زير نساء عجوز



#عماد_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم -
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم
- غَيْرُ المَأسُوْفِ عَلَيْهِم .
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد فؤاد - ديوان تقاعد زير نساء عجوز