أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هرفيه ديو - الفقر المهاجر في البرتغال















المزيد.....

الفقر المهاجر في البرتغال


هرفيه ديو

الحوار المتمدن-العدد: 189 - 2002 / 7 / 14 - 09:16
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


Hervé DIEUX

تدل وجوههم التائهة على رغبتهم الملحة في الاختفاء عن الانظار. وحدها اكياس البلاستيك المدعوكة والحاملة اسماء ماركات الاستهلاك الكبرى تدل على حال هؤلاء العمال المناوبين غير الثابتة. اشارات اخرى تفضح وجودهم الخفي. فالصحف الروسية الرخيصة المندسة في اكشاك بيع الجرائد في كايس دو سادره على بعد خطوات من نهر التاج او الاعلانات المكتوبة بالابجدية السيريلية (السلافية) والخاصة بمكتب متخصص في نقل الاموال، تقترح بفجاجة "اشعر بنفسك قريبا من اهلك بإرسالك الاموال اليهم". اما "المروبصون" [2] في ساحة روسيو الشهيرة في العاصمة لشبونة والتي شهدت مختلف الاضطرابات السياسية، فليسوا قادمين فقط من المستعمرات الافريقية السابقة والتي حازت استقلالها اثر "ثورة القرنفل". بل انهم يأتون من رومانيا او مولدافيا او روسيا او اوكرانيا، اجتازوا اوروبا من ميل الى ميل سعيا وراء حياة فضلى ولم يواجهوا الا الاستغلال والخوف.

"يمثل الاوكرانيون الجالية الاجنبية الثالثة في البلاد بعد ابناء الرأس الاخضر والبرازيليين لكن قبل الغينيين والانغوليين...". هذا ما تكشفه السيدة تاتيانا كومليتشنكو غوميز من مكتب الموارد البشرية في منطقة الاعمال في قلب لشبونة حيث تهتم بتوظيف مواطنيها في القطاع الصناعي وخصوصا في مشاريع البناء المدني. اما الميزة الرئيسية لهذه الظاهرة فكونها هجرة من مستوى عال، وخصوصا من اصل اوكراني، على مثال زوجين من الاطباء تعمل المرأة في صناعة البلاستيك والرجل كعامل بناء. 

 يشير السيد كارلوس ترينداد، احد المسؤولين في اكبر نقابات العمال البرتغالية قائلاً: "تشكل البرتغال محطة ترحيل تمثل نموذجا للتنمية القائمة على استغلال يد عاملة مكثفة. انه وضع فريد على المستوى الاوروبي كون البرتغال بلد هجرة ويستقبل المهاجرين في آن واحد". بالفعل ورغم ان موجات الهجرة الكبرى التي افرغت العديد من المناطق البرتغالية ابان الاحتضار الطويل لنظام سالازار، أخذت في التباطؤ في مطلع التسعينات، فإن 4 ملايين برتغالي ما زالوا يقيمون في الخارج [3] . ويمثل هذا الرقم نسبة 80 في المئة من السكان في سن العمل في بلد اجتاز لتوه عتبة العشرة ملايين نسمة بحسب آخر احصاء في ربيع العام 2001. بيد ان الاتجاه انعكس منذ العام 1993 فبات ميزان الهجرة من البرتغال وإليها ايجابيا اضافة الى حلول الهجرة من بلدان اوروبا الشرقية محل الهجرة التقليدية من البلدان الناطقة بالبرتغالية.

ويلعب الاجر دور الجاذب للبعض والمبعد للبعض الآخر، اذ يفضل عشرات الالوف من البرتغاليين من اصحاب المهارات الدنيا ان يجرّبوا حظوظهم سنويا في المانيا وفرنسا وسويسرا وحتى بلاد الباسك. ولا غرابة في ذلك اذ ان متوسط الاجر في البرتغال ادنى اربعة اضعاف من المانيا (468 يورو مقابل 2250)، اما الحد الادنى في بلد وصلت اسعار الاستهلاك والايجارات بسرعة الى المستويات الاوروبية فإنه ما زال محددا بـ 339 يورو اي مرتين أقل مـن اليونان (616 يورو)!

يعترض السيد ترينداد قائلاً: "وفق المعايير التقنية القانونية فإن العامل البرتغالي في الاطار الاوروبي لا يعتبر مهاجرا لكن هذا التفسير لا يأخذ في الاعتبار استمرار استغلال هذا العامل على مدار الساعة. ويرتكز ارباب العمل على نسبة البطالة الضئيلة لاجراء عملية استبدال للعمال تاركين ابناء البلد المنضوين في النقابات يغادرونه مطالبين بالاستعانة باليد العاملة المهاجرة الى البرتغال...".   هنا ايضا يتم الاستناد الى قراءة ملطفة للمؤشرات الاقتصادية العامة بدل اللجوء الى التحليل والخروج بمشروع اجتماعي. تتسلح البرتغال بوتيرة نمو مستديمة طوال العقد الماضي وبأضعف نسبة بطالة في دول الاتحاد الاوروبي فتطمح الى رؤية متوسط الدخل للفرد الواحد تبلغ نسبة 80 في المئة من المعدل الاوروبي مع نهاية ثالث وآخر برنامج على الارجح لتقديم الاموال البنيوية الاوروبية ما بين 2000 و2006.

لكن قراءة احصائيات المفوضية الاوروبية توحي خطأ ما في توزيع اموال "التماسك" البنيوية منذ ما يقارب الخمسة عشر عاما. فالتوازي بين المناطق اصعب منه بين البلدان. وفي حال البرتغال يضاف الى الفروقات الهائلة في الاجور عامل مثير للقلق هو اختلال في التوازن بين الاقاليم آخذ في التفاقم [4] . ففي تعثر التنمية البرتغالية لا يمكن رمي التهمة فقط على النقص في الاستثمارات الاجنبية كما يحلو القول لدعاة فتح الحدود امام الرساميل الاجنبية. وبالرغم من ان رقم الاستثمارات هذه (2 في المئة من الناتج القومي الخام) يبقى اعلى من رقم الاموال البنيوية الاوروبية (2 في المئة تقريبا في السنة) الا انه لا يتفوق على التحويلات المباشرة ... للمهاجرين البرتغاليين والبالغة 3 في المئة عام 1998.

"نجد انفسنا اليوم ومع حفظ النسبة في وضعية شركائنا الاوروبيين في مرحلة الاعمار بعد الحرب العالمية الثانية ونشهد تفجرا حقيقيا لقطاع البناء المدني...". هذا ما يتقدم به السيد ايناسيو موتا داسيلفا من التفتيش العام للعمل في سياق تفسيره الزيادة السريعة لليد العاملة في هذا القطاع والقادمة في شكل رئيسي من بلدان اوروبا الشرقية. ومن المؤكد ان لوبي البناء والاشغال العامة الواسع النفوذ لا يولي كبير اهمية لاحترام الحقوق الاولية للعمال المهاجرين كما لظروف السكن المتفاقمة التي يعانيها الفقراء [5] .

كيف ينظر من لا يقبلون بالمسايرة الى تطور ظاهرة الهجرة؟ الاستنتاج واضح في نظر السيدة جوليا فرانكو والسيد جواو ديوغو ليما وهما مسؤولان عن جمعية للاعداد المهني تقدم خصوصا دروسا في اللغة البرتغالية للمهاجرين من اوروبا الشرقية: "ان المجتمع البرتغالي يعترف في شكل عام للمهاجرين الشرقيين بأخلاق مهنية عالية وبروح الانضباط. النتيجة الطبيعية لذلك هي اننا نرى فيهم نوعا من العبيد(...)  وفيما تفتقر البرتغال الى اليد العاملة الماهرة لا يصار الى الاستفادة من امكانات هؤلاء المهاجرين وبينهم الكثير من المهندسين والاطباء او الفنيين". والاسوأ من ذلك "انهم اذا افلتوا من المحامين الذين يستغلونهم بحجة المساعدة للحصول على رخصة اقامة او إذا أفلتوا من المتعهدين الذين يختلسون لهم اجورهم فإنهم يقعون ضحية مافياتهم الخاصة".

 هذا ما حصل لسيرغي، 25 عاما، ولزوجته وابنته اللتين بقيتا في اوكرانيا. كان يعمل كهربائيا يوم قرر استجابة إحد الاعلانات التي تملأ صفحات الجرائد في بلادهم وتحكي عن البرتغال كأنه بلاد الحلم الهانئ والمشمس: "دامت الرحلة اربعة ايام وتوقفنا في اسبانيا. عند وصولنا ارغمنا مباشرة على دفع 3 آلاف دولار للمافيا المحلية التي تعنى بنقلنا الى البرتغال وايجاد عمل لنا (...) غالبا ما تتفق المافيا مع رب العمل كي يسرّح العامل بعد شهر واحد فيحضر احد عناصر المافيا ليعرض تقديم 100 دولار لمن لا عمل لديه فيبدأ الابتزاز والتهديد واستخدام العنف...". لكن سيرغي لم يكن تعيس الحظ بأنه صُرف بعد شهر، فهو عمل خمسة اشهر في منطقة الغارف في الجنوب ستة ايام اسبوعيا وبمعدل 10 ساعات يوميا وذلك كميكانيكي في فرع احدى الشركات الاميركية مقابل 80 الف اسكودوس شهرياً، اي 400 يورو وبدون اي عقد عمل. وطالما رفض ربّ عمله تشريع وضعه لينجو من سلطة الذين يبتزّونه. لذا يجد سيرغي من الافضل التوجه الى مكتب الموارد البشرية ولو انه يعتمد وسائل قاسية ترتكز على المنافسة الشديدة. ويعيش اليوم مختبئا في لشبونة داخل مركز لاستقبال الحالات الطارئة وهو بلا اوراق وبلا عمل وقد قرر عدم التسديد ولو خاطر بحياته. ويخلص الى القول: "ان 80 الى 90 في المئة من الاوكرانيين يعانون الخوف هنا" [6] .

وقد تم في العام الماضي تفادي الاسوأ على جادة الجمهورية يوم 17 تموز/يوليو حيث قام شاب اوكراني في التاسعة والعشرين من العمر كان وصل الى البرتغال قبل ايام، باحتجاز مدير احد المقاهي لمدة 45 دقيقة في هذا الشارع من شوارع العاصمة المليء بالمارة مما ادى الى تجمع حوالى 200 شخص. وقد مر بعض الوقت قبل ان يتمكن احدهم من ترجمة مطالبه المختلطة بالصراخ والدموع. وكان الشاب تعرض لسلب مدخراته القليلة على يد مجموعة من مواطنيه وبات في حال يائسة ويخشى على حياته وهو يريد العودة الى منزله و... الاتصال بالشرطة. ولدى تدخل قوات الامن لمفاوضته على تسليم نفسه اضطرت الى حمايته من الحشد الذي كان يهدد بالاعتداء عليه. 

كان السيد انطونيو فيتورينو، العضو في المفوضية الاوروبية والمسؤول حاليا عن شؤون العدالة والداخلية، يؤكد علنا خلال الرئاسة البرتغالية للاتحاد الاوروبي في النصف الاول من العام 0002: "مما لا شك فيه ان اكبر التحديات امام البناء الاوروبي في السنوات المقبلة سوف تكون المحافظة على حيز الحرية والامن والعدالة وتطويره من جهة وتعميق الدفاع عن الحقوق الاساسية من جهة اخرى" [7] . ويبدو انه لم يلقَ تجاوبا في بلده حيث لم يصدر عن الحكومة لمواجهة موجة الهجرة التي لا مثيل لها سوى قرار استثنائي بتشريع اوضاع هؤلاء المهاجرين وقد انتهى العمل فيه في نهاية العام 2001.

هناك اجماع على الاعتراف للعمال الشرقيين بالجهوزية الدائمة والانضباط وبذل الجهد مقابل ما يسري خلال الاحاديث من موقف متفهم لهم في المجتمع البرتغالي. وهذا ما يعفيهم من مشاعر كراهية الاجانب التي تعانيها الجماعات من اصل افريقي او غجري. حتى ان العمال الشرقيين باتوا موضع "تمييز ايجابي" مما يزيد النقمة وخصوصا في اوساط الجيل الثاني من المهاجرين الافريقيين الذين يستنكرون ظروف الاستغلال التي عاشها اهلهم ويشعرون بأنهم قد خُدعوا وليس امامهم من مستقبل اندماج فعلي.

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحافي

[2] José Cardoso Pires, Lisbonne, livre de bord, Arcades/Gallimard, Paris, 1998

[3] حوالى الثلاثة ارباع منهم يقيمون في بلدان الاستقبال الثلاثة الكبرى: الولايات المتحدة(1،2 مليون)، البرازيل (حوالى المليون) وفرنسا (700 ألف). انظرJanus 2001, anu?rio de relaç?es extériores, nov. 2000. (lieu de publication

[4] تجمع منطقة العاصمة بحسب آخر الاحصاءات ثلث سكان البلاد تقريبا وانتجت عام 1999 نحو 45،6 في المئة من الناتج القومي الخام. على سبيل المقارنة كان "وزن" اكبر المقاطعات مساحة، النتيخو، في العام نفسه، 4،1 في المئة من هذا الناتج.

[5] اقرأEmmanuel Vaillant, … Liquider les baraques. Le Portugal éradique ses bidonvilles î, Le Monde diplomatique, janvier 2000

[6] لا يقدر عدد الضحايا المحتملين لشبكات المافيا اذ يضاف بحسب المصدر الديبلوماسية ومصادر الشرطة الى الأشخاص الـ 45 الفاً المقيمين شرعياً ما بين 150 و200 الف من غير الشرعيين القادمين من اوروبا الشرقية والذين يتعرضون للمتاجرة بهم ولمعاناة العنف بنسب لم تشهدها البلاد منذ تجارة العبيد التي كانت تنطلق من جزر الرأس الاخضر في اتجاه البرازيل.

[7] Europa/Novas fronteiras, ediç?o do Centro de Informaç?o europeia Jacques Delors, Lisbonne,  juin 2000

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#هرفيه_ديو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...
- ضجة كاريكاتور -أردوغان على السرير- نشره وزير خارجية إسرائيل ...
- مصر.. فيديو طفل -عاد من الموت- في شبرا يشعل تفاعلا والداخلية ...
- الهولنديون يحتفلون بعيد ميلاد ملكهم عبر الإبحار في قنوات أمس ...
- البابا فرنسيس يزور البندقية بعد 7 أشهر من تجنب السفر
- قادة حماس.. بين بذل المهج وحملات التشهير!
- لواء فاطميون بأفغانستان.. مقاتلون ولاؤهم لإيران ويثيرون حفيظ ...
- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - هرفيه ديو - الفقر المهاجر في البرتغال