أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ماتيلد رينيو - هنود كندا والحضور الصعب















المزيد.....

هنود كندا والحضور الصعب


ماتيلد رينيو

الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 03:06
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في سياق تقرير حول الخلل في المساواة في كندا، حذرت الأمم المتحدة حكومة أوتاوا من التمييز الذي يذهب ضحيته السكان الأصليون. يبلغ عددهم 700 ألف فوق الأراضي الكندية، منهم 400 ألف يقيمون في محميات هي ملك للحكومة الفيديرالية. وبالرغم من التحسن في أحوالهم فان الطريق ما زال طويلا من اجل ردم الفجوات الناتجة من عقود من السياسات الأبوية.

كانون الثاني/يناير 2004. كانساتاكه تشتعل. ففي هذه المنطقة التي يقطنها شعب الموهوك بالقرب من مونتريال تم إحراق منزل الزعيم الأكبر السيد جايمس غبريال. والسبب: قراره الاستعانة برجال شرطة من محميات أخرى لمكافحة الاتجار غير الشرعي بالحشيشة والسجائر. وإذ خشيت الحكومة تدهور الموقف، سارعت بادئ ذي بدء إلى إعادة رجال الشرطة من حيث أتوا لتدك هكذا سلطة الزعيم الأكبر. تعتبر السيدة رينه دوبوي[1]، المحامية المتخصصة في شؤون الدفاع عن حقوق السكان الأصليين: "ما يحدث اليوم في كانساتاكه دليل استياء، فاليأس بلغ بالبعض حد التوصل إلى عرض النزاع الكامن ضمن السكان الأصليين منذ سنوات أمام وسائل الإعلام".

عام 1996 وبينما كان معدل البطالة العام في كندا يبلغ 10،1 في المئة[2]، بلغت نسبة بطالة الهنود المقيمين في المحميات 28،7 في المئة حيث الأوضاع تعاني التفاقم كلما ابتعدت الجماعات الأصلية عن المدن الكبيرة. وبالرغم من بعض التحسن الحديث العهد فالظاهرة مرشحة للاستمرار كون الشباب ـ ثلاثة أرباع السكان الأصليين دون الخامسة والعشرين ـ يتوافدون بكثرة إلى سوق العمل. يلاحظ السيد روميو ساغاناش، الذي كلفه مجلس شعوب "كريس" العلاقات مع الحكومة في كيبيك: "يشهد الـ"كريس" ترشح ما بين 200 و300 شاب سنويا لأول وظيفة في حياتهم. يجب إيجاد حلول سريعة". خلال 20 عاما تضاعف عدد سكان المحميات وتدل الإحصائيات إلى أن عدد الهنود الذين تم إحصاؤهم سيصل إلى 940 ألفا في العام 2021.

يقول السيد غي شوفريت[3] الوزير السابق المكلف قضية السكان الأصليين: "تم حشرهم في المحميات مع تأمين "الرخاء الاجتماعي" الموازي للحد الأدنى للعاطلين عن العمل بعد أن انتزعت منهم كرامتهم كعمال". فحصل مع السنين نوع من الارتهان للضمان الاجتماعي والمعونات الحكومية إضافة إلى فقر وحرمان يشبهان أحوال بعض بلدان العالم الثالث.

والأسوأ من انحطاط وضعهم الاجتماعي في بلد يفترض انه من الأكثر "تقدما" في العالم، فان ما يثير القلق المتزايد هو الصحة الجسدية والعقلية للسكان الأصليين. ففارق معدل الاعمار بين الهنود في المحميات والبيض يزيد على ستة أعوام. ففي العام 2001 تأمل المرأة الهندية بالعيش 75،5 عاما كمعدل مقابل 82،1 لسائر النساء الكنديات. إضافة إلى نسبة غير طبيعية من مرض السل في بلد صناعي (34 حالة لكل 100 ألف هندي عام 2000 مقابل 5 حالات لكل 100 ألف في مجمل الأراضي الكندية)[4]، فان الموت من جراء العنف يخفض معدل الحياة. عمليات الانتحار كثيرة وكذلك الأمراض الناجمة عن تعاطي الكحول أو استهلاك المخدرات.

وبالرغم من وصول عدد متزايد من السكان الأصليين إلى التعليم الجامعي ونجاحهم في دراستهم، إلا أن عدد الذين يتركون الدراسة كبير جدا. ففي العام 2001، حصل 30،7 في المئة فقط ممن كانوا على مقاعد الدراسة على الشهادة الثانوية (الموازية للبريفه الفرنسية). منذ مطلع الستينات وفي ظل انتهاج سياسة استيعاب أكثر وضوحا، اضطر الهنود لابتلاع أكثر من قرن من التطور التكنولوجي والثقافي مما أدى إلى امحاء مرجعيتهم المتوارثة. فالتلفزيون ووسائل الاتصال تتيح اليوم أمام القرى النائية معايشة الحلم بنمط حياة البيض من دون القدرة على الوصول إليه. مع البطالة والتهميش، يغرق العديد من الهنود في اليأس الذي يقودهم إلى سلوك القطيعة مع المجتمع.

أما العامل الآخر الذي أدى إلى هذا الانفصام فهو الموقف الأبوي للحكومات المتوالية منذ التصويت على قانون الهنود عام 1867. يعطي هذا النص وضعاً خاصاً للسكان الأصليين المسجلين في سجل الهنود تبعا للمعايير التي تحددها السلطات. ففي نظر القانون الكندي لهم وضع القاصرين، ترعاهم دولة لها سلطات كبيرة على مجرى حياتهم.

حتى السبعينات كانت الحكومة قد اختارت أيضاً تعليم أبناء الهنود على غرار البيض بانتزاعهم من عائلاتهم منذ الصغر وحبسهم داخل مؤسسات دينية يمنع عليهم فيها تكلم لغتهم ولا خيار أمامهم سوى اعتناق المسيحية. وقد كشف البعض منهم في وقت لاحق عن تعرضهم لمعاناة أخلاقية وجنسية في هذه المعاهد الداخلية غير الخاضعة لأي رقابة وخصوصا رقابة العائلات. تشير السيدة دوبوي أيضا إلى أن "الهنود لم يحصلوا على حق الانتخاب على الصعيد الفيديرالي إلا عام 1960". وقد ساهمت هذه التدابير في تحويل الهنود من شعب أصلي إلى جماعات هامشية منطوية على نفسها من دون أن تكون قادرة على الاكتفاء الذاتي.

إذا كان الهنود في غالبيتهم يطالبون بحكم ذاتي إداري فإنهم لا يرغبون في إبطال قانون 1867 الذي يوفر لهم امتيازات ضرائبية لا يستهان بها: المقيمون في المحميات لا يدفعون الرسوم على المشتريات ويعفون من الضرائب كما يستفيدون من تسهيلات في مجال التعليم. لكن في مقابل هذه الإعفاءات لا يكون في مقدورهم تملك الأراضي التي يقيمون عليها ولا البيوت التي يسكنون فيها. فلا يعود ممكنا الحصول على قرض إذ لا امكان لرهن عقار في المقابل. أما الإعفاء من الرسوم فيؤدي إلى ازدهار الاتجار بالسجائر وخصوصا مع البيض في بعض المحميات.

في كانساتاكه ينتصب 25 كوخا خشبيا على طول الطريق الوطنية تباع فيها السجائر المصنوعة في المحميات بأسعار لا يمكن منافستها. يحق للبيض شراؤها شرط دفع الرسوم إلى البائعين الذين يتجاهلون هذا الشرط. يشير برونو بيسون، الصحافي في "لا برس" وهي اليومية الأولى في كيبيك: "ازدهرت شيئا فشيئا أشكال أخرى من التهريب في المحميات. ثلث منازل كانساتاكه تزرع القنب في حقول صغيرة مغلقة". هكذا نشأ سؤ تفاهم متبادل بين الهنود والبيض: يشعر السكان الاصليون أنهم سلبوا واستغلوا وعوملوا كالقاصرين بينما يشعر البيض بالعداوة تجاه الهنود الذين يستفيدون من المساعدات الحكومية ويمارسون التهريب على أنواعه.

لكن تبرز منذ بضع سنوات إرادة مشتركة لتطبيع العلاقات. وأول التغيرات يرجع إلى العام 1982 عندما "ارجع" الدستور الكندي من لندن فاستغلت كندا المناسبة لإضافة بند يعترف بالحقوق المتوارثة للهنود وتلك المنبثقة عن المعاهدات المبرمة معهم. بفضل هذا البند ربحت جماعات هندية دعاوى أقامتها أمام المحاكم وتعتبر اليوم سابقة بعد سنوات من المعارك القانونية. فتقدمت قبائل "نيشغاز" في كولومبيا البريطانية بدعوى من اجل تعريف حقوقها في الأرض. وصل الأمر بالحكومة بعدها إلى إجراء مفاوضات معها انتهت بتوقيع اتفاق في العام 1996 يقر لها بتعويضات مالية.

بعد أزمات عدة تناقلتها وسائل الإعلام في نهاية التسعينات، تغير موقف حكومة كيبيك ومن بعدها حكومة اوتاوا. فقررت كيبيك التفاوض مع الهنود بدل مواجهتهم في المحاكم مما أدى إلى توقيع حوالى 15 اتفاقا قطاعيا منذ العام 1998. في مطلع العام 2002، أفضى هذا التطبيع إلى إبرام "سلام الشجعان" مع شعب "كريس"[5] تصحيحا لأخطاء اتفاق خليج جايمس وشمال كيبيك الموقع قبل 30 عاما. ينص هذا التفاهم الأول مقابل تنازل "الكريس" عن الأراضي التي يطالبون بها على مشاركتهم في تنمية منطقتهم إضافة إلى تعويضات مالية كبيرة.

إن هذا الاتفاق الذي لم يحترم أبدا بحاجة إلى إعادة نظر وخصوصا أن "الكريس" طالبوا أمام المحاكم بمبالغ تصل إلى 8 مليارات دولار كندي عام 2002. ويؤكد روميو سغاناش احد صانعي هذا التفاهم: "انه السبب الوحيد الذي دفع حكومة كيبيك إلى التفاوض من جديد". هذا ما يؤكده السيد شوفريت، المفاوض الحكومي، وان كان يبرز أيضا رغبة كيبيك في معالجة وضع تعرف السلطات انه تعس للغاية.

ينص "سلام الشجعان" على حصول "الكريس" على عشرات ملايين الدولارات سنويا لمدة 50 عاما من اجل تنمية جماعاتهم. وتلتزم الحكومة إشراكهم بصورة ايجابية في مشاريع تطوير منطقتهم. هدف "الكريس" هو الحصول على حكم ذاتي إداري كامل يسمح لهم بإدارة مواردهم وحكم أنفسهم على طريقتهم. وهذا ما ترغب به غالبية الشعوب الأصلية. في المقابل يتخلى "الكريس" عن الدعاوى المقامة بحق الحكومة إضافة إلى السماح لشركة الكهرباء العامة "هيدرو ـ كيبيك" بتحويل مجرى نهر روبير في أراضي "الكريس" من أجل بناء سد عليه.

قلة الشبان الذين على مثال السيد ساغاناش أو الزعيم الأكبر جايمس غبريال درسوا في الجامعة وعادوا إلى شعبهم للمساهمة في تطوير أوضاعه. لكنهم يدخلون نسمة أمل لدى شعوب تحتاج إلى الإيمان بتجدد إنقاذي. السيد ساغاناش مقتنع بإرادة أهله في الخروج من المستنقع: "أنا متفائل جدا. من خلال "سلام الشجعان" نؤسس لكل ما يسمح لنا بالاستمرار كشعب". ويحلم بثورة هادئة كالتي غيرت أحوال المجتمع في كيبيك في الستينات، لكن هذه المرة على الصعيد الهندي...

* صحافية.







--------------------------------------------------------------------------------

[1] مؤلفة كتاب Quel Canada pour les Autochtones ?, éditions du Boréal, Montréal, 2001.

[2] ارقام مأخوذة من Analyse des conditions socio-économiques de 1991 et 1996, comparaison entre les Indiens inscrits, les Indiens inscrits vivant dans les réserves et l’ensemble de la population du Canada , ministère des affaires indiennes et du Nord Canada, Ottawa, 2000.

[3] كانت السيد شوفريت وزيرا مكلفا شؤون السكان الاصليين بين 1996 و2002 داخل حكومة مقاطعة كيبك. اجرى المفاوضات للتوصل الى سلام الشجعان الموقع في شباط/فبراير 2002، من مؤلفاته Pour la négociation d’un traité juste et équitable, gouvernement du Québec, Québec, janvier 2003

[4] ارقام مأخوذة من "المعطيات الوزارية الاساسية 2002، وزارة الشؤون الهندية وشمال كندا"، اوتاوان آذار/مارس 2003.

[5] احد الشعوب الاصليين في شمال مقاطعة كيبك.

جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#ماتيلد_رينيو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ماتيلد رينيو - هنود كندا والحضور الصعب