سماء السجون

وسام عبدالله الدباغ

الحوار المتمدن-العدد: 896 - 2004 / 7 / 16 - 07:00
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    

كان صباحا كغيره من ايام السجن العجاف، بالنسبة لي كنت اقوم بطبخ احد عشر قدرا كبيرا ..كل واحد منها يكفي لاطعام 250 سجين لكنه يوزع على 500 على الاقل ... كان الحر شديدا كما في غيره من ايام شهر اب ومضافا اليه حر المواقد الاحد عشر الكبيره لطبخ الرز مما يجعلنى اذرف العرق اكثر من الماء الذي كنت اشربه لاعوض به بعضا من مما افقده واحس بعض الاحيان بانني احصل على جلدا جديدا بعد انسلاخه في كل يوم اعمل فيه.
بعد انهاء المرحلة الاولى للطبخ من توزيع السمنة والملح والرز والماء اقوم باخفاض حرارة المواقد بعد فوران القدر تكون المهمة اسهل.. لكن كل هذه التفاصيل يجب اكمالها بسرعة كبيرة واغلب الاحيان اكون راكضا من قدر لاخر كي لا اتلف الطبخ..كل هذا من اجل بعضا من الدنانير لشراء السكائر وبعض المصاريف الاخرى والتي لم تكن تكفي الا انها تسد بعضا من المصاريف التي كان يعز على نفسي ان اطلبها من اهلي عند زيارتهم الدورية لي مرة كل شهر.
اذهب بعد اخفاض حرارة المواقد وتركها حتى يستوي الرز الى الساحة الجانبية للمطبخ وهي ساحة صغيرة جدا لكن سمائها مفتوح وعادة نستعملها لغسل القدور الا ان كل رفاقي السجناء كانوا يحسدوني على ذلك لانني اظل هناك حتى المساء احيانا وبذلك استطيع رؤية القمر والنجوم في اول ساعات بزوغها..لكن في هذا الصباح وكعادتي ذهبت لتلك الساحة وجلست على الارض ادخن سكارتي التي لها طعما مميزا بعد عنائي اليومي ..اخذتني افكاري وخيالتي لذكريات جميلة مرت وتسائلات يومية لموعد الفرج من هذا العذاب المستمر..لكن كان دائما الحلم والامل والثقة بان ذلك اليوم هو اتي لا محال..وخلال استرسالي بالحلم انتبهت لوجود طائر في السماء يحلق عاليا جدا فانتابتني رعشة غريبة بالحرية.. اطيركذلك الطائر في السماء.. وارتسمت ابتسامة الامل في وجهي لكنها لم تدم طويلا..لان الطائر اخذ بالنزول من عليائه واخذ بلاقتراب من سطح السجن فاذا به غرابا قبيح اسود.. ذو صوت اقبح من شكله..ذو عينان احمران فانتابني الذعر حتى كنت قد تصورت بانه بعض من احلامي او هواجسي لكنني وياللاسف لم اكن حالما بل انها الحقيقة الاكيدة انه الغراب القبيح.
( سماء السجون لا تطير فوقها حمائم الاحلام والسلام بل تطير فوقها وتحرسها فقط الغربان )

من ذكرياتي في السجن ودروسها العميقة وسام عبدالله الدباغ

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل