احمد محمود اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 19:32
المحور:
كتابات ساخرة
دائما ما انطوى مصطلح الجدار على مر التاريخ الانساني على اشكالية قاسية تتعلق بالفصل والعزل او الانعزال سواء كان الغرض منه او استعماله ككيان مادي صلد (حائط او سور ) او كاشارة معنوية وادبيةفهو دائما مقترن بماهية وظيفية تنطوي على الانفصال والانعزالية .
وفيما نحن بصدد هذا الكيان المادي الصلد الذي ينكوي على تطويق مساحة معينة من اليابس ،فان هذا الجدار (المادي) كان دائما مقرونا بفلسفة او رمزية من اجل تحقيق اهداف ثابتة ،وهذه الفلسفة –كما ذكرت- هي الفصل والعزل لهدف الحماية والدفاع .
شهد التاريخ البشري العديد من الجُدر ،قديما بنى الصينيون سورهم العظيم لحماية امنهم من غارات القبائل الشمالية ؛وشيد الملك ذي القرنين سده الشامخ لحماية اهل الارض من اهوال ياجوج وماجوج ؛وفي العصور الوسطى شهدت اوروبا اكبر عملة فصل عنصري ضد اليهود واودعت اليهود خلف الاسوار والجدران مكونة فيما يسمى (الجيتو)حتى لا يتمحور اليهود في حياة الاوروبيين الذين كانوا ينظرون لليهود نظرة خسة ؛وفي العصر الحديث اصبح الجدار كيان وظيفي فريد من نوعه .
فقد دشنت بريطانيا (جدار بلفاست) الشهير بايرلندا الشمالية عام 1969 من اجل فض التوتر الدائر بين الكاثوليك والبروتستانت والمعروف بجدار السلام ،وبالمثل قامت تركيا جدار في نيقوسيا عام 1974 للفصل بين اتباعها الاتراك وامثالهم القبارصة .وشهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية اشهر الجُدر في العصر الحديث الذي ارتبط بصراع امبراطوري بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية وهو (جدار برلين) ؛هذا الجدار الامبراطوري الذي بناه السوفيت كان من اجل الحماية الديموجرافية لبرلين الشرقية الذي كان انهياره يمثل لدى البعض اخر الجُدر في التاريخ ؛لكن سرعان ما احنت اسرائيل الى الى ماضيها وشرعت في وضع جيتو جديد لها وان كان مختلف الشكل والخواص والهدف من اجل رسم حدودها الوجودية في فلسطين.
البديهي في تلك الجدران التاريخية السالفة الذكر انها اخدت اتجاه واحد تسير فيه ورمزية مشتركة تعلل وجودها.
هذه الجُدر دائما ما انطوت على هدف جوهري ثابت وهو الفصل والعزل ،وبرغم قسوتها الرمزية فانها لم تكن تهدف الى الضرر واذاء الاخر او على الاقل لم تهدف الى الابادة حتى الجدار العازل في فلسطين كان غرضه الاساسي رسم الحدود الوجودية للدولة العبرية فما كان الدافع وراء تلك الجُدر سوى الوقاية والحماية والدفاع وليس الهجوم .
وسمة شيء مشترك ايضا في هذه الجُدر وهو الارادة المستقلة لواضعي الجدر فكان الجدار ناتج عن مصلحة ذاتية وانشاؤه بمحض الارادة الاجتماعية لانه عندما شرعت-او عندما تشرع- الامم في وضع الجُدر ما كانت تضعه الا وهي تعلم انها الانعزالية الصرمدية.
ولكن السؤال هنا: هل يمكن ان تتبدل تلك الرمزية الثابتة للجدار؟
قبل ايام كانت الاجابة قطعا هي النفي؛اما الان؟!
قبل الاجابة فلنقي نظرة على الجدار الفولاذي الذي شرع في بناؤه النظام السياسي في مصر على حدوده مع قطاع غزة ،ونعطي انفسنا الوقت لنحلل ونتعمق في هذا الجدار في ضوء الماهية التاريخية الثابتة في انشاء الجدران،ومدى اتفاق هذا الجدار مع واقع النظرية التاريخية المعتادة .
لقد سقطت تلك الواقعية .....!!!! ولكن كيف؟
ان هذا الجدار الفولاذي عزيزي القارىء خالف الواقع النظري(من نظرية) لانشائية الجدر ؛ لقد انطوى على ماهية اخرى واشكالية اكثر تعقيدا بل اكثر قسوة .الوضع الوظيفي لهذا الجدار يبين لنا كم انه تجاوز المعتاد ،فلم يكن جدار للدفاع عن النفس ضد عدو متاخم او عدو منتظر ؛لم يكن للدفاع ؛لم يكن للحماية؛ لم يكن.....؛ولكن لم يكون؟
انه جدار هجومي اي للهجوم ،نمطية جديدة وغير مألوفة ،اتخذ طابع اللانسانية بل قد يكون طابع الابادة من خلال الموت البطيء لاهالي القطاع والمقاومة عبر الحصار المحكم والتطويق الشامل من جميع الاتجاهات او حتى من تحت الاتجاه اي تحت الارض(الاتفاق).
أهذا فقط؟....بلى ولكن
من الطبائع الغريبة لهذا الجدار انه لم يمثل الارادة الذاتية المستقلة للنظام السياسي الذي أنشئه؛ألم يكن هذا جدار بالوكالة عن اسرائيل ؟ لم تظهر الاستقلالية بل ظهر التنطع لصالح الجلاد الاسرائيلي واصبحت ثياب النظام ملوثة بدماء المقاومة في غزة.
ان هذا الجدار ارتبط بوظيفية جديدة اكثر قسوة واشكالية ونمطية غير ادمية وماهية غير عادية ؛ان كان هذا ما يتعلق بالهدفية والوظيفية ؛فلك انت القارىء العزيز ان تتصور رمزية هذا الجدار!
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟