أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود سامي حسن - ملف التيار التجديدي في الإخون المسلمين















المزيد.....



ملف التيار التجديدي في الإخون المسلمين


محمود سامي حسن

الحوار المتمدن-العدد: 876 - 2004 / 6 / 26 - 08:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لكيلا تكون دعوة أبي الفتوح صرخة في واد
لكيلا تكون دعوة أبي الفتوح صرخة في واد
تثير دعوة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أحد أبرز رموز مابات يعرف مؤخراً بـ"التفكير التجديدي" أو "الإصلاحي" عند الإخوان المسلمين"، إلى رفع "القداسة" عن الخطاب الإسلامي، واعتباره مجرد اجتهاد بشري "يجب أن يتأمل ذاته ويعيد النظر في الملامح والخطوط العامة لحركته"، أسئلةً عن عوامل الممانعة الشديدة التي يبديها شيوخ الجماعة المسيطرون على ماكينة التنظيم الإخواني لفكرة "المراجعات". وتكمن أهمية هذه الدعوة في أنها تصدر عن كادرٍ ديناميكيٍ، كان أحد أبرز كوادر الجماعة في العمل الجمعياتي المصري، وما يزال حتى الآن داخلها، في حين أن ممثلي التيار الإصلاحي الآخرين، وأهمهم من كان في دفعة حزب الوسط أو تياره، قد اضطروا إلى ترك الجماعة أو تم إخراجهم منها.

حين اضطرت دفعة جيل الوسط إلى الخروج من الجماعة، كان عبد المنعم أبو الفتوح من شخصيات التيار الإصلاحي الذين فضلوا الإصلاح من داخل أطر الجماعة ومؤسساتها، وكان كما بدا لي في ضوء حواراتي المباشرة مع بعض شباب جيله والشباب الإصلاحي الذي تلاه، يحدد خلافه مع دفعة حزب الوسط وتياره بأنه خلاف تنظيمي بين من يريد الإصلاح من داخل الجماعة وبين من يئس من ذلك. لكن طريقة مبايعة الأستاذ مأمون الهضيبي مرشداً عاماً خلفاً للمرشد العام الراحل مصطفى مشهور، شكّلت واحداً من أخطر عوامل خروج الصراع بين أبي الفتوح وقيادة الهضيبي، من داخل الجماعة إلى خارجها. فتبرير طريقة اختيار المرشد الجديد لم يكن مقنعاً، إذ كانت على طريقة "بيعة المقابر" فعلياً ولكنها غطيت بجلسة صوريةٍ قادها من تبقى من شيوخ النظام الخاص، وفرضت الواقع الجديد على مجمل التنظيم الدولي.
لسنا هنا بصدد بحث تلك الطريقة، إلا من زاوية وضع دعوة أبي الفتوح في سياق الصراع الداخلي المستدام في الجماعة - منذ شروعها باستئناف إعادة بناء نفسها، وتشكيل فروعٍ نشطة لها في المحافظات، بعد الإفراج عن المرشد العام الثاني حسن الهضيبي في عام 1971م- بين ما يمكن تسميته بلغة عصام سلطان مدرسة التنظيم أي مدرسة النظام الخاص ومدرسة الدعوة. لقد كان المرشد الثاني الهضيبي صاحب الرسالة الإسلامية المستنيرة "دعاة لا قضاة" أحد أكبر خصوم النظام الخاص مؤسسة وعقليةً وآليات، قبل اعتقاله وبعده. لكن رموز النظام الخاص استغلوا وفاته في عام 1973، كي يسيطروا على منصب المرشد العام في الجماعة خارج لوائحها، وأن يبايعوا مصطفى مشهور أحد أبرز قيادات النظام الخاص في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات مرشداً عاماً لها.

لقد أثار ذلك معارضة إخوان الخارج الذين كتبوا في نشرةٍ شهيرةٍ لهم يومئذ وفق ما يورده عبدالله النفيسي "المرشد السري المجهول يقود الجماعة إلى المجهول". ولقد امتص رموز النظام الخاص المعارضة الشديدة لطريقة تعيين مشهور بأن رضخوا إلى إعادة انتخاب مرشد عام جديد وفق اللائحة النظامية هو الأستاذ عمر التلمساني، لكن على أن يبقوا مسيطرين على التنظيم الذين كانوا هم في الواقع من أعاد بناءه. وأدى ذلك إلى نوعٍ من ازدواجية السلطة بين اتجاه التلمساني المستنير الدعوي وبين عقلية قيادات النظام الخاص. وليس دقيقاً وفق أبي العلا ماضي ما ذكره النفيسي من أن التلمساني قد مثّل دور الواجهة للمرشد السري الفعلي الذي يرمز إلى جيل النظام الخاص، إذ قاوم التلمساني ذلك، وجذب إليه كثيراً ممن سيغدون رموز التيار الإصلاحي في الجماعة، وفي عدادهم تيار حزب الوسط وفي مقدمتهم أبو ماضي نفسه. ولقد كان أبو الفتوح من هذا الجيل.

لقد أعاد هذا الجيل الجماعة إلى صلب الحياة السياسية المصرية بقوة على الرغم من سريان قرار حظرها القانوني، وكانت خبرته بهذا الإنجاز مختلفةً جذرياً عن خبرة شيوخ النظام الخاص، التي نمت في الأوكار وفي طقوس المنظمة السرية والمعتقلات. الشباب أو قسم ديناميكي منهم رأى أن الحفاظ على الوجود الإسلامي في الحياة الذي كان سبب نشوء الجماعة في مواجهة القوميين الليبراليين المصريين قد تحقق، وبالتالي لابد من إعادة تعريف الجماعة بوصفها فعلاً "جماعة من المسلمين"، أي بوصفها حزباً إسلامياً بين أحزاب في إطار تعدديٍ.
لا يعني ذلك أن المرشد الخامس مشهور كان يقول إن الجماعة تمثل "جماعة المسلمين"، فموقف الرجل مشهود في تصديه الحازم لادعاء سعيد حوَّا المؤدلج الأساسي للتيار "الجهادي" في جماعة الإخوان المسلمين السورية بأن الجماعة تمثل أقرب جماعةٍ إلى جماعة المسلمين بشكلٍ يمكن اعتبارها كذلك، لكن مشهور حاول أن يوظّف إنجازات شباب الجماعة في إطار فلسفته عن تواصل الأجيال، لمصلحة تعزيز مفهومها التقليدي الذي تحكمه مدرسة التنظيم أكثر مما تحكمه مدرسة الدعوة، ومن هنا لم يتردد حين لمس وجود عقلية جديدة تخرج عن منطق
"السمع والطاعة" بمعناه التقليدي لدى هؤلاء الشباب باتخاذ موقفٍ صلبٍ منهم، رماهم خارج الجماعة.
كانت طريقة تعيين مأمون الهضيبي وتخريج ذلك صورياً تمثل استمراراً لتحكم مدرسة النظام الخاص بطريقة إنتاج السلطة في الجماعة". ومن هنا لم يكن ممكناً للإصلاحيين الإخوانيين الذين اختلفوا مع دفعة تيار الوسط تنظيمياً وليس فكرياً، إلا أن "يبُقُّوا البحصة" أخيراً. ولقد كان صوت أبي الفتوح الذي تعرفت عليه شخصياً ووجدته بمنتهى المصداقية والاستقامة من قبيل "بقّ البحصة" الذي يثير سؤالاً استراتيجياً عن مدى إمكانية قيام الجماعة في إصلاح نفسها داخلياُ، بما ينسجم مع إعادة بناء هويتها الوسطية، في ظل هيمنة عقلية مدرسة التنظيم أو تحديداً مدرسة النظام الخاص على طريقة الحياة الداخلية في الجماعة، ذلك أن هذه المدرسة تمكنت من تكوين جيل جديد متواصلٍ مع مفاهيمها، أي يعيد إنتاج المفهوم التقليدي للجماعة بشروطٍ تنفيه، من حيث إن "الجهاديين" ذهبوا إلى حد تكفير الجماعة حرساً قديماً وشباباً.
يكشف أبو الفتوح عن وعيٍ رهيفٍ بأن جماعةً لا تعرف الديمقراطية في حياتها الداخلية وفق لوائحها، عاجزة عن ضمان الديمقراطية خارجها. الديمقراطية لدى أبي الفتوح تصون الحرية وتمنع الاستئثار بالسلطة، ولذلك فهي تتطلب تنظيماتٍ ديمقراطية إسلامية، ويعني ذلك ضرورة المراجعة في الجماعة. مدرسة التنظيم لا تقول إنها ضد المراجعة لكنها تعطلها دوماً بدعوى الظروف الأمنية، والخشية من خلط مراجعات الإخوان مع مراجعات الجماعة الإسلامية التي سارت في طريق عنفيٍ يائس رفضه الإخوان في مصر كلياً، وعرّضوا بذلك الجماعة إلى شبهة
"التكفير"، وأن مراجعات الجماعة الإسلامية ذات سياقٍ أمنيٍ بينما تستطيع تلك الجماعة أن ترمي الإخوان بالسهم نفسه، وأن تدَّعي أن "دعاة لا قضاة" قد تم في سياقٍ أمنيٍ.


ليس كل ذلك في تقديرنا سوى ذرائع اعتذارية وتبريرية لتعطيل مراجعة الجماعة أو بشكلٍ أدق مدرسة التنظيم الخاص المسيطرة عليها، لتاريخها نقدياً، فتنفرد الجماعة عن سائر الجماعات والتنظيمات العقائدية الأخرى، بأنها مع استثناءات وثائق حق المرأة والتعددية لم تقم مؤتمرياً بأية مراجعةٍ نظاميةٍ لتاريخها.

إن مدرسة التنظيم أي مدرسة تقاليد النظام الخاص هي التي تعيق ذلك، لسببٍ جوهريٍ يتمثل بأن أية مراجعةٍ نظامية لابد لها من أن تنقضَّ على تجربة النظام الخاص، وتفضح انحرافه عن أهدافه، وتمرده الداخلي، وقيامه بتصفية حسابات دموية بين أعضائه أو قادته كما في عملية اغتيال سيد فايز، وتوريطه الجماعة برمتها في المحنة. ولو عقدت الجماعة مثل مؤتمر المراجعة هذا، لوجدت مثلاً صوت حسن دوح الذي عبر عنه في كتابه "الإرهاب المفروض والإرهاب المرفوض-1993م"، الذي يذكّر بـ"توبة" الخضير والفهد في المملكة العربية السعودية بعد العمليات الإجرامية التي قتلت حراساً سودانيين وموظفين وافدين لبنانيين وعرباً مدنيين. لا أحد يستطيع أن يزاود على حسن دوح حين كان يقدم يوسف القرضاوي في أوائل الخمسينيات ويتزعم معسكرات القتال ضد الإنكليز في القنال، ويقود الحركة الطلابية في الجامعة. إن دوح ابن معارك القنال يصف اليوم أعمال النظام الخاص بـ"الإرهاب"، ويصف سيد سابق الذي كان مفتياً للنظام الخاص، الذي يعرفه قراء الكتب الإسلامية بعمله التصنيفي "فقه السنة" بأجزائه الأربعة بـ"مفتي الدم" في دم المسلمين كما كان الخضير والفهد والظواهري وغيرهم.
مازالت الجماعة ترتعد من هذه المراجعة النظامية مع أنها تقرها كرؤية، ومع أن عنفها يعود إلى ما قبل نصف قرن، وقد طلقت في مصر العنف طلاقاً بائناً لا عودة عنه. وفي ذلك تبرر لسيد قطب وسعيد حوَّا وتدرجهما في سلك مفكريها، في حين أنهما مفكران إسلاميان، يجب دراستهما في إطار تاريخ الفكر وليس التكوين التربوي الفكري. والعقيدتان الطحاوية والواسطية هما من قبيل ما يقع في تاريخ الفكر وليس في تاريخ العقيدة، فكيف تدرِّس بعض فروع الجماعة هاتين العقيدتين اللتين لا تستدعيان سوى مفتيي الدم كعقيتدين تربويتين؟ إن ما تختزنه الجماعة هو حاجة ضرورية لتوازن الاجتماع السياسي، على قاعدة التعددية السياسية والفكرية، ولن تستطيع الجماعة أن تكون عنصراً إيجابياً في تدعيم الوسطية الإسلامية للسلام الاجتماعي دون مراجعة تجربتها جذرياً. تقع صرخة أبي الفتوح في إطار ذلك، وتتطلب تضافر جهد التيار الإصلاحي لكيلا تكون هي الأخرى صرخةً في واد.
محمد جمال باروت

تاريخ الماده :- 2003-12-12
تيار تجديدي بجماعة الإخوان المسلمين في مصر
القاهرة ـ من محمد أمين: حملت مجموعة من شباب جماعة (الإخوان المسلمين) على ممارسات قادتها، الأمر الذي جدد الحديث عن ظهور ما بات يطلق عليه (التيار التجديدي) داخل الجماعة (المحظورة) في مصر، وأثارت جدلا بين دعوة الجماعة إلى تجديد فكرها على غرار ما قام به تنظيم (الجماعة الاسلامية) من (مراجعات فكرية)، وبين معارض لهذا الاتجاه من منطلق انهم ليسوا بحاجة إلى اعتذار عن فعل أو سلوك قاموا به، فلم يسببوا ضررا للمجتمع خلافاً لـ(الجماعة الإسلامية)، وغيرها من الحركات الراديكالية
يأتي هذا الجدل بعد عمليات نوعية محسوبة بدقة من جانب السلطات المصرية استهدفت ملاحقة (الكوادر الحركية) في الجماعة، بينما يجري التغاضي عن رموزها، وإن بدت الدائرة تضيق حول الجيل الثاني من هذه الرموز، كما تشير القضية الأخيرة التي ضمت بين المتهمين فيها عدداً من القياديين البارزين، جاء في مقدمتهم النائب البرلماني السابق جمال حشمت.
ووسط هذا المشهد بدا أن تيار التجديد من شباب الجماعة راح يعبر عن نفسه من خلال عدة منابر إعلامية تأتي في مقدمتها شبكة الإنترنت، ويحاول جمع الصفوف حول أفكار وليس أشخاصا كما تعودت تنظيمات الإسلام السياسي أن تفعل على مدى تاريخها.
وينطلق هذا التيار من فكرة أساسية مفادها ان الجماعة ظلت طيلة خمسة وسبعين عاما لم تحقق أهدافها، لافتاً إلى أن السبب في ذلك يدور بين واحد من أمرين، أما أن الطريق خطأ وإما ان القائمين على الجماعة ليسوا أهلا لقيادتها، خاصة وهل الجماعة على وشك التحول إلى اتجاه العمل السري مجدداً خاصة بعد تنام واضح لمن يطلق عليهم القطبيين (المتشددين)، فضلاً عن توجيه التيار التجديدي هذا انتقادات صريحة وموجعة للحرس الحديدي للجماعة، ونمطية العمل في صفوفها، ومنها على سبيل المثال هذه الرسالة تلقت (الوطن) نسخة منها عبر البريد الاليكترونى ، ورد فيها التعليق التالي، غير الممهور بتوقيع محدد، بل بعبارة (شباب الإخوان)
انتقادات للمرشد

كثيرا ما يطرح علينا هذا السؤال: لماذا هذه الأحاديث الغريبة لفضيلة مأمون الهضيبي، بل ووصل الأمر للتشكيك في هذه الحوارات والاتهام بالعمالة والارتباط بالأمن لمن يقوم بتمريرها في المنتديات والمجموعات البريدية، خاصة من غلاة الحزبيين المرتبطين عاطفيا بالاخوان، ولأننا ننتمي لهذه الجماعه الكبيرة و يهمنا أمر الحرية الداخلية بها ويهمنا أيضا ألا تكون استنساخا جديدا لهذه الأنظمة الشرقية التي تقتات الاستبداد والقهر والقمع في هوائها ومائها وشمسها وأصيلها، ولأن جريدة الوقائع الاخوانية ـ آفاق عربية ـ راسبة في ميدان الحريات بامتياز، فهي الجريدة التي توزع أكثر من مائة ألف نسخة على الاخوان ودوائرهم ومتعاطفيهم، فرضا وواجبا تنظيميا وهي توزع إجباريا علينا باعتبار قراءتها واجبا دينيا وقربى من الله رغم بؤسها وضعف محتواها الثقافي والتربوي والفكري ـ تماما كجرائد ومجلات النظام مثل روزاليوسف التي توزع إجباريا على المؤسسات الحكومية ـ كما أن رقابة الصقور على مواقع الاخوان الرسمية ـ حقائق من مصر ـ وغير الرسمية كملتقى الاخوان الذي يتعرض لحملة تشويه منظمة في محاضننا التربوية ورغم ذلك فهي في مجملها تمثل أيضا صورة من خطاب الذات مع الذات... تماما كهيئة الاستعلامات في أعتى الأنظمة الاشتراكية ففيها رأي الادارة الحالية للتنظيم الاخواني وهي إدارة لا تعبر عن جموع الاخوان ولكنها تمثل جناح من السلطة المهيمنة على الأفكار والمحاضن، وبنفس نمط الاعلام الحكومي، استقبل السيد فضيلة المرشد ـ استقبل السيد الرئيس ـ، شبرا بشبر وذراعا بذراع تماما كالنظام المصري في مصادرته للرأي الآخر وتأميم كل الأفكار والأراء لصالح التقليديين من التنظيم الاخواني وبالمقابل التغييب شبه الكامل للرأي الآخر الاصلاحي، بل الطمس والتشويه والاتهام للرأي الآخر من الاصلاحيين في هذه الجماعة المباركة، ونحن اذ نمرر هنا بعض ما ينشر في الصحف الأخرى عن جماعتنا المباركة لا يعني هذا موافقتنا على ما في هذه الحوارات ولكنها تمثل فتحا لباب الحوار وخروجا من مأزق ممارسات الأنظمة العربية التي تحجب و تمنع و تصادر، وتصدعنا بكثير من الشعارات ولا تنمي فينا ملكة النقد الذاتي وفضيلة مراجعة الذات، هذا النشر هو احتجاج أيضا على جرائد ومواقع الوقائع الاخوانية الرسمية التي تستخدم الكثير من المساحيق وتتفنن في طمس الرأي الآخر لجناح هام من هذه الدعوة المباركة.

خطايا تاريخية
ويرى مراقبون لشؤون الحركات الإسلامية في مصر أن جماعة الأخوان المسلمين أكثر الحركات السياسية انتشارا, وأحكمها تنظيما وانضباطا, إلا أنها عانت كثيراً، ولم تزل تعاني من أخطائها السياسية, وتحول تحالفها مرة مع القصر (قبل حركة الضباط), وأخرى بنسج علاقات سرية مع الاحتلال الإنكليزي الذي استخدمها لضرب حزب الوفد (القديم), على أن أخطر مظاهر ضعف حركة الإخوان ـ بتقدير المراقبين ـ يكمن في الخلط بين الدعوة الاسلامية، التي تتسم بالقدسية والتسامي على متغيرات وتحولات الواقع, من جهة، ومتطلبات العمل الحزبي السياسي الموسوم بالنسبية والتغير ويقتضي قراءة صحيحة للعصر وللمجتمع، من جهة أخرى.
ومع ذلك يقول محللون أن (الإخوان المسلمون) لعبوا دورا اجتماعيا مهماً وشكلوا سياج أمان أخلاقياً لمجتمع محافظ في مواجهة القيم والعادات الأوروبية، لكن على صعيد العمل السياسي, فقد تورط الإخوان في العديد من الخطايا الكبرى, بخلطهم بين الدين والمتغيرات الحزبية, وتجاهلوا حقيقة انه لا يجوز اختزال الإسلام في حزب, وتحميله أخطاء الاجتهاد البشري
وإذا كان فساد الحياة السياسية شمل كل الأحزاب بلا استثناء واضعف هياكلها وبرامجها وكوادرها بل ونال من صدقية خطابها السياسي فلا بد انه طال جماعة الاخوان (المسلمين) المصرية ولابد ان للمطاردات الامنية والملاحقات وحملات الاعتقال تأثيرها على بنية الجماعة وبالاخص قيادتها, وهو ما بات يعبر عنه الآن بصراع (الصقور والحمائم) داخل الجماعة التي ينظر إليها بوصفها (أم الجماعات)، ففي ما يرى تيار (شباب الإخوان) أن الجماعة تعاني من نفس أمراض السلطة التي تطرح نفسها بديلاً لها، مشيرين إلى سيطرة الجيل القديم على القيادة بشكل مؤبد، وتنفذ (القطبيين) المتشددين في مراكز صنع القرار، وعسكرة الجماعة المتمثلة في الاغراق في السرية والضوابط الامنية، إلى حد وصف أحدهم المشهد الداخلي بأنه لا يختلف عن أكثر الدوائر الحكومية جموداً بل وفساداً أيضاً، فجمود القيادة أدى الى انتشار ظاهرة الفساد المالي والإداري وحتى الاخلاقي.
وينطلق هذا التيار الجديد في الجماعة من فكرة أساسية مفادها أن الجماعة ظلت طيلة خمسة وسبعين عاما دون أن تحقق أياً من أهدافها، وأن السبب في ذلك بين واحد من أمرين، أما أن الطريق خطأ وإما أن القائمين على الجماعة ليسوا أهلا لقيادتها.

نقد ذاتي
وفي قراءة للكاتب المحسوب على التيار السلفي جمال سلطان نشرته مؤخراً دورية (المنار الجديد)، التي يرأس تحريرها سلطان نفسه، كتب عن حوارات متصلة بين أبناء الحركة الإسلامية عموماً، وداخل جماعة الإخوان المسلمين على نحو خاص، أفضت إلى نتائج تتمثل ـ بتقديره ـ في أحد محاورها الهامة بما يمكن تسميته بالغلو التنظيمي، والتطرف العاطفي في النظر إلى الجماعة وشخصيتها الاعتبارية في المحيط الاجتماعي والديني والسياسي، وهو تطرف لا تفلح في ستره العبارات التقليدية التي تتحدث عن وسطية الإخوان، وأنهم جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين، إن الممارسات ومناهج التكوين والتربية تقوم صراحة على أن (الإخوان) مرادف كامل لـ(الإسلام). على حد قول سلطان، وهي نتيجة أدركها على ما يبدو أبناء الحركات والجماعات بعد سنوات من إثارتها على يد من أسموهم بأعداء الإسلام، وليس أعداء الإخوان فحسب، هذا إن كان هناك مجال أو مبرر للعداوة أساساً، وهو في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون خلافاً مشروعاً في الرأي، وحقاً طبيعياً في ممارسة النقد من جانب قطاعات مهمة من أبناء الأمة، هم العلمانيون والليبراليون واليساريون والقوميون وغيرهم، غير إنه حين أطلق فرج فوده صرخته بأن خطورة وجود جماعات أو منظمات تكمن في إمكانية السقوط في هاوية (السطو على حق عام للأمة)، وهو ما عبر عنه سلطان بقوله : إن محصلة ما سبق أن أسلوب التربية يعزز في عقل الشباب من رسوخ معادلة: نحن الإسلام والإسلام نحن .

وفي قلب هذه الأسئلة المفتوحة من جانب محسوبين على التيار الإسلامي، لا يمكن بحال من الأحوال اتهامهم بـ(عداوة الإسلام)، كما يشهرون هذا السلاح في وجوه كل مخالفيهم، تأتي أنباء المرض الخطير، للمرشد العام الحالي، ندعو الله له الشفاء، لتعيد طرح كل المسكوت عنه ليس فقط داخل الجماعة، ومن سيتولى منصب الإرشاد العام، وهو المنصب الأرفع في هيكل الجماعة وتنظيمها الدولي، وما السياسات التي ينبغي اتخاذها في هذه المرحلة، ومن سينضم أو يخرج من مكتب الإرشاد وهو هيئة تنظيمية رفيعة في هيكل (المحظورة)، إضافة إلى أن هذا التطور سيجعل السلطة تراجع حساباتها في أسلوب التعاطي مع (المحظورة)، وفق ما ستسفر عنه الترتيبات الجديدة.
عسكرة الجماعة

ووسط هذه التحديات والمخاطر التي تحيط بالجماعة (المحظورة)، يأتي صوت أنصار التجديد من داخل عصب الجماعة عاقلاً وموضوعياً ولا يمكن الاستخفاف به أو تسفيهه وإنكاره كما اعتاد قادة الإخوان التعامل مع مخالفيهم، حتى ولو كانوا من أبنائهم، ليؤكد وفق ما نقله عنهم جمال سلطان قائلاً:
من المحاور التي يطرحها التيار التجديدي في الإخوان المسلمين، يتمثل في انعدام قنوات الحوار الجاد داخل الجماعة، وإفراغ الساحة الداخلية لمن يقدمون الولاء العاطفي الساذج، الأمر الذي أتاح الفرصة لنماذج ليست بعيدة عن الانتهازية والفساد لكي يكون لها موقع القربى من مراكز القرار، كما أن هؤلاء المتزلفين يسدون المنافذ على أي جهد نقدي أو ممارسة حق الاختلاف، بعضهم تحدث بوضوح شديد عن أن التغيير أو الإصلاح في الداخل هو مستحيل هكذا باللفظ الصريح، وبعضهم تحدث عن (عسكرة الجماعة) لضمان انعدام أي فرصة للاختلاف، بحيث لا يكون هناك سوى أمر وطاعة، ولا ثالث بينهما، وحسب نص أحدهم يقول: لماذا عسكرة الجماعة بهذا الشكل غير المبرر، فالمسئوليات الحزبية عندنا هي قيادة وجنود والأعمال الروحية الشهرية كتائب ومخيمات ومعسكرات، ومفاهيم تركز على الطاعة والثقة، فهل الأمر بحاجة لهذه العسكرة، كما أن الأجواء ليست مواجهة مع استعمار داخلي والظروف لا تسمح بتوظيف هذه المفاهيم و الأشكال للساحة الفلسطينية. إذن لماذا عسكرة الجماعة بهذا الشكل ؟ فلسنا مليشيات شبه عسكرية والظرف المحلي والإقليمي والعالمي لم يعد يسمح بمثل هذه العاطفيات التي لن ينبني عليها عمل سوى قمع متزايد ومواجهات داخلية واستغراق في خصومات تاريخية لا طائل من ورائها، ولم نعد قادرين على تحمل كلفتها الباهظة.



مراجعات ( 11سبتمبر) برأت تيار الوسطية الإسلامية

في إطار المراجعة العامة التي تشهدها الساحة الإسلامية منذ أحداث 11سبتمبر وازدادت عمقا وتأكيدا بعد أحداث الدار البيضاء والرياض
( الأولى والثانية) وما تلي مثل هذه الأحداث من تراجع لعدد من الشيوخ الذين كانوا يناصرون في فتاويهم تيار العنف سواء من جانب زعماء الجماعة الإسلامية في مصر أو بعض رجال الدين في المملكة ، واستنكار هؤلاء لأعمال العنف والجهاد بالقوة في الظرف الراهن بعد أن كانوا من أشد مؤيديه، في هذا الإطار ارتفع مجددا شعار إن الإسلام لا يعرف الغلو بل يعرف الوسطية في إشارة إلى تضمينه قيما توافقية ومعتدلة في بناء الدولة والمجتمع .ووصل الحد بالبعض ممن يستبشرون خيرا بهذا التوجه الوسطي في الإسلام إلى القول بأن مثل هذه المراجعات أعادت الاعتبار للوسطية الإسلامية حيث أثبتت صحتها وأجبرت المعارضين لها في السابق على العودة إليها باقتناع واضح ، وقال الدكتور حمد محمد الدغش أستاذ أصول التربية الإسلامية المساعد في جامعة صنعاء باليمن أن الوسطية الإسلامية كانت تصور على أنها مدرسة ترمز إلى التفلت من الأحكام الشرعية، وتقدم الرأي المجرد على النص المحكم وتسعى لتقديم الإسلام متوائما مع العصر، ولو على حساب أحكام الإسلام وقيمه الثابتة، ومن ثم صدرت ضد رموزها أحكام بالمقاطعة والحظر على أفكارهم وأنشطتهم ، ولكن الأحداث أثبتت أن المعارضين كانوا على خطأ في نظرتهم لهذه المدرسة ، فلا هي تريد هدم الشرع أو التفلت من أحكامه وإنما تقدم الإسلام في رؤية متوازنة تجمع ما بين الثابت والمتغير وتعود به إلى روحه الأولى التي كانت في عصر السلف الصالح ( الشرق الأوسط ، العدد 9130 ص 15.
والحديث عن الوسطية الإسلامية بهذا الحماس ليس منفصلا عن الجهود الجارية في المجتمعات الإسلامية لتجديد الخطاب الديني ، فهي مثلها مثل الدعوة إلى علمنة الإسلام محاولات تبذل لتجديد هذا الخطاب وتخليص الإسلام من مأزقه الراهن الذي نتج عن ربطه بالإرهاب من جانب الغرب . والصلة بينهما من الناحية الموضوعية نابعة من البحث عن إطار معرفي جديد يتم من خلاله ربط الإسلام بالعصر فكلاهما رؤية معرفية لفهم دور الدين في حياة المؤمنين، وأما الاختلاف بينهما فيتركز في أن أنصار الوسطية الإسلامية ينظرون لهذا الفهم من منظور ديني محض حيث يظل الإسلامي من: فقه وأحكام واجتهادات للعلماء المسلمين مطلوبا وقائما ، فقط يحتاج الأمر إلى منهج عقلاني تجديدي لغربلته من الشوائب ، فيما ينظر أنصار علمانية الإسلام إلى هذا الفهم لدور الدين من منظور دنيوي خالص يركز أساسا على أن الحاجة إلى الدين حاجة إنسانية تشبع لديه احتياجات نفسية وروحية حتى بما فيها النظرة للعبادات . وهكذا فإن أنصار الإسلام الوسطي هم مع الإبقاء على التراث مع تطويره، بينما أنصار علمنة الإسلام مع تنحيته كاملا بوصفه جهدا بشريا قابلا للتغير وليس أمرا مقدسا ، (وفقا لرؤيتهم) ومن ثم يرون في عملية
تجديد الخطاب الديني قضية أوسع نطاقا من الاعتبارات الدينية العقيدية وحدها، حيث تصبح من وجهة نظرهم موصولة بإصلاح مجتمعي شامل في جوانب الثقافة المختلفة وآلياتها مثل التعليم والإبداع والإعلام كما أنها تخص كل المؤسسات الموجودة الرسمية وغير الرسمية العاملة في نطاق العمل العام . فحيث أن المدخل هنا هو "أنسنة" هذا الخطاب " فإن ذلك يجعل منه جزءا مهما من الحالة الثقافية العامة في المجتمع الإسلامي التي هي جهد بشري خالص قابل للتطوير.
المدخلان مختلفان بالطبع وكل منهما يحاول أن يطرح منهجه وآلياته وإن كانا ينطلقان من قاعدة واحدة هي إعادة النظر في مفاهيم المعرفة، فالوسطية تطالب بنظرة دينية تجديدية توازن بين العقل والوحي وتأخذ بالاجتهاد دون أن تهدم القديم من التراث، وعلمانية الإسلام تطالب بنظرة دنيوية خالصة لقضية الدين، تعتبر العقل وحده هو مصدر المعرفة حتى وإن تضمن ذلك الإقرار بأهمية الحقيقة الدينية والحاجة إليها . ومن حيث الآليات فإن الوسطية تراوح مكانها بين إصلاح المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في المجال الديني دون هدم لوظيفة الدولة الإسلامية من الناحية الدينية ، وبين طرح نموذج سياسي يترجمها إلى واقع، بينما علمانية الإسلام همها الرئيسي هو إسقاط أي سلطة دينية وإبعاد الدولة تماما عن الجانب الديني ولكنها في نفس الوقت تطالب بفقه جديد وبمهام للدولة في الإسلام ! وأيا من الفريقين لم يكتمل جهده بعد، ولا نستطيع القول بأنه ثبت أقدامه كمشروع لتجديد الخطاب الديني ويظل أقرب إلى الاتجاهات والدعوات التي تبحث لنفسها عن مكان خاصة أن كليهما يحمل في خطابه قدرا من التناقض والغموض ، فالوسطية تظل جهدا تلفيقيا ( أو توفيقيا في أحسن الأحوال) تحاول أن تستعير من العصر ق
درا من أفكاره دون أن تستعير فلسفتها وضروراتها أو شروطها، فتبدو وكأنها جهد تجميلي للإسلام بعد أن تم تشويه صورته ، وعلمانية الإسلام تبدو جهدا متعسفا لإقامة علاقة تعاون وثيق بين فلسفتين متناقضتين هما الإسلام والعلمانية ولا تمتلك الشجاعة للكشف عن وجهها الحقيقي وهو إقصاء الإسلام من الحياة السياسية حتى تبدو وكأنها ثورة على القديم (المتمثل في الإسلام) لتفتح الطريق أمام الفكر الغربي بكل قيمه وفلسفاته .. وهكذا فإن هذه الحالة من الضبابية التي يتسم بها دعاة الوسطية والعلمنة الإسلامية تؤدي إلى عمومية مفهوم تجديد الخطاب الديني نفسه مما يجعل كل الأطروحات واردة ، وكل الأهداف ممكنة وكل مجالات العملية مفتوحة ويجعل الدعوة إلى تجديد الخطاب دعوة معلقة كما يقول الأستاذ هاني نسيرة في تعليقه على نتائج لقاء باريس الذي عقد في هذا المجال بين 12و 13أغسطس الماضي ( ملف الأهرام الاستراتيجي العدد 107).في ظل هذه الحالة الضبابية وعلى ضوء الاهتمام الملحوظ بالترويج لمفهوم الوسطية في الوقت الراهن، لا نملك طريقا للتعريف به إلا من خلال مفهوم المخالفة في القانون أي الإشارة إلى أنه عكس ما في الفكر الإسلامي من تشدد وغلو. وبهذا المعنى فإن الوسطية
تعني رفض كلا من الغلو في الدين، والتكفير، والعنف، والتعصب المذهبي، وشمولية الحركة الإسلامية (المناداة بالتنوع وليس الشمولية، أو إنه إذا كان الإسلام شاملا فإن الحركات الإسلامية لا تكون كذلك بل مختلفة فيما بينها كل حسب اجتهاده). وكان مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قد طالب المسلمين عقب أحداث 11سبتمبر 2001بالتمسك بوسطية الإسلام في القول والعمل والسلوك ، كما شدد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر على ضرورة التمسك بالمفاهيم الصحيحة والوسطية مؤكدا أن الإسلام الوسطي هو الصحيح والدائم . وأكدت الجماعة الإسلامية الجهادية في أدبياتها الجديدة أن القرآن الكريم يخاطب المسلمين بأنهم أمة وسط (كتاب نهر الذكريات). كما رفضت الجماعة كل صور الغلو في الدين وكذلك التكفير والعنف وأوضحت في أدبياتها كيف أنه يتناقض مع وسطية الإسلام . وحذر مفتي المملكة من الغلو في الدين وقال انه يؤدي إلى تفرقة الأمة الإسلامية ، والتفرقة عقابها وعذابها شديد عند الله ، وإن ذلك من سمة أهل الأهواء والبدع الذين هم بين أمرين، غلو في دين الله وشدة ذهاب فيه حتى يمرقوا منه بمجاوزتهم الحدود التي حددها الله ورسوله أو إخفاء وجحود به حتى
يقصروا عن حدود الله ، ودين الله موضوع فوق التقصير ودون الغلو. وقال إن مما ينتج عن الغلو في فهم الدين ما يثار حول الجهاد في سبيل الله وتصوره على غير وجهه الصحيح، فالأصل فيه أنه فرض كفاية وأن أمره موكول للإمام (الحاكم) واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته في ذلك ، وللإمام أن يؤخر الجهاد لعذر كأن يكون بالمسلمين ضعف في عددهم أو عتادهم ، والجهاد لا يتعين أن يكون فرض عين إلا في ثلاثة مواضع هي حدوث المعركة فعلا ، وإذا نزل الكفار ببلد وإذا استنفر الإمام قوما لزمهم التغير معه، كما أن لإمام المسلمين عقد الذمة مع الكفار وله أن يعقد عقد أمان وعهد ولا يجوز لأحد أن يخفر تلك العقود بقتل أو اعتداء على مال أو عرض. وطالب المجلس الأعلى العالي للمساجد خطباء المساجد بعدم التفريط في فرض الدعوة لسماحة ومميزات الدين الإسلامي مقابل الوقوع في وحل التفسيرات المتشددة لمقاصد الشريعة. وتراجع الشيخ علي بن خضير أحد مشايخ الفكر الإسلامي المتطرف عن فتاويه المؤيدة لتيار العنف وأقر بأنها كانت خاطئة وأنه عدل عنها، كما أقر بأنه لا يأمر بالجهاد سوى أولي الأمر، وأثنى على علماء الدين ، ونفى أن يكونوا علماء سلطة ، ووصف أعمال العنف بأنها بغي على المجتمع والمم
تلكات ، وقال إن من يقومون بتفجير أنفسهم ابتغاء لأجر وطلب للشهادة إنما أفعالهم هذه انتحار وحرب وليسوا بمجاهدين بل بغاة وأشبه بالخوارج ، كما أكد أن من يدخل البلاد بتأشيرة معاهد ومستأمن ويحرم قتله ودمه معصوم وكذلك أمواله حتى يخرج منها. وبعده تراجع واحد آخر من دعاة التكفير هو الشيخ ناصر حمد الفهد عن فتاويه المتطرفة .ويقول الدكتور طه الدسوقي حبيش أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بمصر في شرحه لمعنى الوسطية أنها تعني في الإسلام أنه لا يميل إلى التفريط كما لا يميل إلى الإفراط وتتناقض مع التعصب المذهبي الذي يجعل المؤمن به يأبى على الآخرين أن يخالفوه مذهبه .واعتبر أبو العلا ماضي وكيل المؤسسين لحزب الوسط الذي خرج من أحضان الأخوان المسلمين وحاول الحصول على موافقة بتأسيسه في مصر عام 1996وفشل، أن شمولية الإسلام لا تعني بالضرورة وحدة التنظيم الإسلامي أو احتكار جماعة منه للتصور المطلوب لتطبيق شمولية الإسلام .وأما راشد الغنوشي المفكر الإسلامي المعروف فإنه يعتبر الوسطية التعبير الدقيق عن السنة النبوية التي طبقت بالطبع مفاهيم الإسلام بشكل نموذجي غير متكرر ، فهي - أي الوسطية - نقيض التأويل المتعسف للنصوص من ناحية وتجاوز
الاعتدال في التطبيق من ناحية أخرى ، وقال إن الرسول كان يحذر المسلمين من تجاوز حد الوسطية حتى في العبادة كالصلاة والتلاوة . ويعتبر الغنوشي مسألة الجهاد انحرافا عن وسطية الإسلام فهي مغالاة وتعسف في التأويل وتطرف في التطبيق في آن واحد .وقد حاولت جماعة حزب الوسط أن تجسد فكرة الوسطية في شكل مؤسسي فقالت في برنامج حزبها الذي لم يقدر له النجاح إن تعبير الوسط يعبر عن أمة الوسط، وحضارة الوسط، وعن الاقتناع الكامل بأن الحضارة الإسلامية هي نموذج حضاري متميز له كيانه المستقل وقدرته على التجدد والبقاء، وهو النموذج الأقرب إلى الاعتدال والتركيب والتعقيد إذا ما قورن بالنموذج الغربي الأوربي أو بالنموذج الشرقي الاسيوي، ويعني أيضا وسطية الأساليب واعتدالها أي العمل بالوسائل السلمية المشروعة، وكذلك اعتدال المواقف، ذلك لأن التفريط سيؤدي إلى ضياع الأمة، بينما الإفراط لن يؤدي إلى تحقيق النهضة ، والوسطية هنا هي قناعة كاملة بالثابت والمتغير، وهي رشد ووعي في معرفة وتمييز الثابت عن المتغير، فالتفريط هو تنازل عن الثابت بوصفه متغيرا، والإفراط هو إدراك للمتغير بوصفه ثابتا، والوسطية هي إدراك رشيد يحافظ على الثابت ويطور المتغير، كما أنه تعبير يؤكد أهمية جيل الوسط باعتباره الجيل الذي يحمل إمكانياÊ وقدرات اكتسبها من خبراته وخبرات الجيل السابق عليه وهو قادر على التحرر نسبيا من تجارب الماضي وأقرب إلى الالتصاق بالمستقبل .ولكن حزب الوسط لم يقدم لنا المقصود تحديدا بالثابت والمتغير. وما طرحه كأمر ثابت فقط هو اعتماد المرجعية الحضارية للأمة دون موقف واضح من هذه المرجعية الحضارية من حيث ما لحق بها من شوائب وما يمكن أن يكون دخيلا فيها على الإسلام أو أصبح عقبة حقيقية في سبيل تطوره . فالمعروف تاريخيا أن الحضارة الإسلامية ضمت أمما شتى من غير العرب وثقافات مختلفة بعضها مفيد وآخر ضار حتى بالنسبة لصحيح الإيمان والعقيدة . وهكذا لم يكن هذا المفهوم الحضاري مقنعا لا للسلطات لإقرار الحزب ولا حتى لجماعة الأخوان المسلمين نفسها التي تصدت لقيامه وعملت على إفشاله رغم أنه يضم فريقا من أبنائها. فالحضارة مثل الأمة مفاهيم عريضة واسعة لا تعطي مدلولات سياسية إذا ما تمت تنحيتها عن شكل مؤسسي هو الدولة، ويصعب تحديد المنتمين لها سياسيا لكي يتحول البرنامج مثلا إلى عمل سياسي .وعندما برر دعاة الحزب اللجوء إلى هذا المفهوم ليتخلصوا من عقدة مشاركة الأقباط ويتجاوزوا المسألة الطائفية الدينية حيث إنه مفهوم يضم المسيحيين أو الأقباط عموما بحكم اشتراكهم في بناء الحضارة الإسلامية، فإنه قدم مسوغا للأقباط بأن يشكلوا هم من جانبهم حزبا تحت المفهوم الحضاري نفسه، أي عاد بالقضية مرة أخرى إلى مسألة الطائفية المرفوضة كأساس لقيام الأحزاب في مصر. هذا فضلا عن التشكك في هوية أنصار هذا الحزب ، فرغم كل المحاولات التي بذلوها لإبعاد صلة الأخوان بالموضوع، إلا أنهم ظلوا محسوبين على الجماعة سواء بوصفهم أعضاء فيها قبل الانشقاق عنها أو بوصفهم متأثرين بفكرها عموما بحكم أنهم تربوا سياسيا داخلها . ومن جهة أخرى فإن الجماعة الأم دخلت في مجادلات حادة مع هذا الفريق انتهت إلى المحاكم ذاتها لاتهام أعضائه بأنهم خرجوا عن طاعتها التنظيمية . وهذا ينقلنا إلى تقييم "وسطية الأخوان" نفسها التي تتحدث عنها الجماعة الأم الآن ، فهي تظل شعارا للمواءمة السياسية مع التحديات الجديدة التي تواجهها الجماعة بعد أحداث 11سبتمبر ولا ترقى إلى تحول فكري حقيقي وتغير في الاستراتيجية السياسية، وفي هذا الإطار هناك أصوات داخل الجماعة الأم ممن أصبحوا يطلقون على أنفسهم "التيار التجديدي" تأخذ على الجماعة الغلو التنظيمي والتطرف العاطفي في النظر إلى الجماعة وشخصيتها
الاعتبارية في المحيط الاجتماعي والديني والسياسي حيث لا تزال تعتبر نفسها مرادفا كاملا "للإسلام" وتربي أبناءها سياسيا على معادلة "نحن الإسلام والإسلام نحن"، هذا فضلا عن ضبابية علاقاتها مع السلطة حيث يؤكد أنصار التيار التجديدي أن التاريخ شاهد على اضطراب كبير في هذه العلاقة وعلى عدم وضوح رؤية أو منهج ، ويرفضون منطق الجماعة في "الابتلاء" لتبرير الصمود في مواجهة الضغوط السياسية من الدولة أو غيرها دون مراجعة الواقع وقبول التطور بدلا من ذلك .إن واقع الحال المرتبط بتيار الوسطية الجديد يشير إلى عدم تبلوره فكريا ومنهجيا وفشل تحوله إلى مشروع سياسي، لتظل الوسطية خطابا فضفاضا وعموميا وشكلا من أشكال الاستجابة بأسلوب رد الفعل ، تماما مثلما فعل الذين تصدوا لعمليات الإصلاح الإسلامية منذ القرن التاسع عشر، ولا ترقى لأن تكون إبداعا إسلاميا جديدا نابعا من البيئة الإسلامية الخالصة . ومثل محاولات الماضي فإنه بقدر ما حققت عمليات الإصلاح من إيجابيات تمثلت أساسا في الإبقاء على ضرورة الإسلام كعقيدة وتراث وحضارة حية وتعظيم قيم الإيمان بالعقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، فإن هذه العمليات عجزت تاريخيا عن حل الأزمة الرئيسية وهي كيفية مواءم
ة الإسلام مع العصر بقضاياه المتجددة ، أي العجز عن تقديم مشروع سياسي محدد المعالم نابع من صميم الإسلام له صفة الدوام، يجد فيه المسلمون إجابات عن أسئلة العصر وتحدياته ويحافظون في الوقت نفسه على عقيدتهم من أي زلل .
)وكالة الأهرام للصحافة(


إخوان 2002 إصلاح وتجديد؟ أم خلاف وانشقاق؟
*بقلم/ نبيل شبيب
واضح أنّ الاهتمام كبير بحركة الإخوان المسلمين وما تشهده منذ شهور من قبل رحيل مرشدها السابق مصطفى مشهور رحمه الله- ثم ما يمكن أن تواجهه في المرحلة المقبلة. ولهذا الاهتمام ما يبرّره من الناحية الموضوعية، فهي كبرى الحركات الإسلامية في المنطقة العربية على الأقل، وكانت وما تزال ذات تأثير كبير على مختلف المستويات الفكرية والاجتماعية والسياسية في معظم البلدان العربية وخارج نطاقها، هذا علاوة على أنّ المرحلة الراهنة تفرض توجيه الاهتمام إلى ما يرتبط بالإسلام والحركات التي تدعو إليه عقيدة ومنهجا للحياة والحكم، فهي مرحلة الحملات المتوالية على المنطقة وسائر أهلها، وقد ازدادت وطأتها وشدّتها واستخدام العنف فيها منذ سنوات تحت عنوان "الإسلام عدوّ بديل"، وإن تبدّلت الشعارات الرسمية لفظا دون تبدّل المضمون.

- التطوّرات الجارية في الميزان
- ماهيّة التطوّرات الجارية
- عامل مع التطورات الجارية
- اتجاه ريح " الإخوان"
التطوّرات الجارية في الميزان أمام الاهتمام الكبير بما تواجهه حركة الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر لا بدّ من النظر في أسباب هذا الاهتمام قبل النظر في الظاهرة نفسها، فكثير ممّا يقال ويكتب حول الموضوع بات يرتبط بمنطلقات المتكلّم أكثر من واقع الحدث نفسه، وهو ما أحاط التطوّرات الجارية بضباب مكثف بدلا من الإسهام في توضيحها. وتجنّبا للإطالة يكفي التنويه بأمرين اثنين، بإيجاز شديد:

الأمر الأول :الاهتمام بالحركة ومستقبلها يصدر عن جهات متعدّدة المشارب والأغراض . منها: أفراد يهمّهم أن تكتسب الحركة صلابة وقوّة وقدرة على التأثير، فيصدر اهتمامهم عن التساؤل عن التطوّر الأفضل للحركة بهذا المنظور، وهل يكون عن طريق هذه الصورة أو تلك من الصور المطروحة داخل نطاق الإخوان وعبر وسائل الاتصال العامة المتوفرة.
أفراد يمثلون الحركة، كما يظهر من الحوارات التي أجريت مع د. عصام العريان ود. عبد المنعم أبو الفتوح. أفراد يمثلون "التيار التجديدي" وأبرز ما نشر بهذا الصدد كان بقلم أ. جمال سلطان يوم 18/11/2002م ونقله موقع جريدة "الميثاق العربي" الإلكترونية. فريق ممّن يوصفون بالشبيبة –والأمر هنا نسبي- وهم من داخل الحركة نفسها، وينشرون مواقفهم عبر شبكة العنكبوت منذ شهور على الأقل، سبقت وفاة المرشد العام مصطفى مشهور رحمه الله، وهذه الكتابات موضع الاعتبار أيضا في إطار الحديث عن الظاهرة نفسها في الفقرات التالية. ثمّ أفراد مطّلعون من ذوي العلاقات الجيدة بالحركة، أو هم من داخلها . ولكن لم تظهر في حدود الوقت المتوفر "دراسة" منهجية متكاملة بطبيعة الحال، ربما باستثناء الدراسة التحليلية الأولية التي نُشرت باسم د. ضياء رشوان يوم 17/11/2002م في موقع إسلام أون لاين. إنّما يشمل الاهتمام الراهن فريقا آخر يتطلّب وقفة قصيرة في بداية هذا الموضوع فحسب، ويتمثّل في: عدد كبير من الأصوات والأقلام التي أدلت بدلوها في هذا الموضوع، عبر تعليقات مباشرة، أو حتى عبر تقارير لها ظاهريا صياغة إخبارية، ولكنها تنطوي على آراء خاصة بأصحابها، أكثر ممّا يمكن قوله عادة في تعليق مباشر بالمفهوم "الإعلامي التخصصي" للكلمة. والمقصود هنا أفراد لم يُعرف عنهم من قبل أيّ حرص على حركة الإخوان المسلمين ولا على مستقبلها وما يجري داخل نطاقها، وبين يدي كاتب هذه السطور عدد من التعليقات والكتابات من هذا القبيل، نشرتها صحف عربية عديدة مثل الشرق الأوسط اللندنية والأهرام القاهرية وسواهما، وهي لكتّاب معروفين من قبل بوقوفهم موقف الخصومة "العلمانية الأصولية" ليس إزاء الإخوان المسلمين فحسب، بل وإزاء التيار الإسلامي والتوجهات الإسلامية عموما ومثل هذه المساهمات وبالأسلوب المتبع فيها- يمكن في أقصى الحالات أن يشوّش على النظرة المنهجية الموضوعية لما يجري في الوقت الحاضر، وقد تفيد متابعته من جانب حركة الإخوان المسلمين من باب معرفة "أفكار الخصم وتوجّهاته"، ولكنّ خلوّ غالبها من المحاولة الجادّة لتحليل الحدث -ولو من وجهة نظر متناقضة مع الحركة نفسها- يجعلها لا تصلح مصدرا للمعلومات عن الحركة، أو أن تكون طرفا "نزيها" يُرجع إليه فيما هو أصلح لها ولمستقبلها، وللمنطقة الجغرافية والخارطة السياسية المتأثّرة بوجودها.
الأمر الثاني:يمكن فهم توجيه الأنظار إلى حركة الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر بالذات، نتيجة ما سبق تناقله مؤخرا عبر شبكة العنكبوت على وجه التخصيص تحت عنوان "التجديد والإصلاح" وكذلك مع رحيل المرشد العام مصطفى مشهور رحمه الله.. ولكن لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان في الوقت نفسه، أنّ ما تشهده الحركة على هذا الصعيد، وبدأ الحديث عنه تحت عنوان "ظاهرة الانشقاق" إنّما يمثّل حالة معروفة في تطوّر سائر التنظيمات والجماعات "الحزبية" لا سيما إذا كانت من قبيل "الحركات الجامعة" بمعنى أنها شعبية، وسياسية، وقطرية، وعالمية في وقت واحد.من أراد أن ينظر نظرة موضوعية في حقيقة حجم "الانشقاق, أو الخلاف, أو التجديد" على مستوى حركة الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر، عليه دون اعتبار ذلك تبريرا أو تفسيرا أن ينظر نظرة المقارنة على سبيل المثال: فيما شهدته الحركة الشيوعية في المنطقة العربية والتي كانت تنشطر على نفسها في البلد الواحد خلال فترة تاريخية وجيزة إلى أكثر من تنظيم صغير وكبير، أو أن ينظر إلى:
حزب البعث العربي الاشتراكي، وانشقاقاته في بلد واحد كسوريا كما يوثقها مثلا أمينه العام في سوريا سابقا د. منيف الرزاز في "التجربة المرة" أو ما هو معروف على المستوى العربي ما بين جناحي سوريا والعراق. ويسري شبيه ذلك على : ما آل إليه مصير حركة القوميين العرب, أو:
مصير حركات المقاومة الفلسطينية التي نشأت في الستينات والسبعينات الميلادية رغم ظروفها الخاصة.

كما يمكن لمن أراد أن يتابع مثل هذه الانشقاقات وكيفية تعامل أصحاب الشأن "الحزبي" معها في بلدان أخرى، أن ينظر إلى الخارطة الحزبية الأوروبية، وسيجد أنّ معظم الأحزاب الأوروبية المعروفة في الساحة السياسية اليوم، إنّما هي نتاج مسلسل من الانشقاقات الانشطارية المتتالية، ممّأ لا يستثني الاتجاهات المسيحية المحافظة، ولا الاشتراكية اليسارية، ولا من يوصفون بالأحرار أو يوصفون بالخضر.
وعلى ضوء ما سبق يمكن أن نضيف هنا أنّ الفقرات التالية لا تريد أن تنطلق من منطلقات فريق:
يهوّل من شأن ما يجري على صعيد حركة الإخوان المسلمين، ويقيس أحداثها بمقاييس "الانشقاقات" التي يعرفونها عن جهات أخرى، دون مراعاة الخصوصيات التي تميّز هذه الحركة الإسلامية.
كما أنها لا تنطلق أيضا من منطلقات من قد يهوّنون من شأن ما يجري، لارتباطهم التنظيمي بالحركة نفسها. فهذا يفقد أي تقويم هادف الهدف منه، سواء كان "نظريا علميا" أو كان مرتبطا ارتباطا عمليا بالحركة والقرارات الصادرة في إطارها ومن حولها.
أمام الاهتمام الكبير بما تواجهه حركة الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر لا بدّ من النظر في أسباب هذا الاهتمام قبل النظر في الظاهرة نفسها، فكثير ممّا يقال ويكتب حول الموضوع بات يرتبط بمنطلقات المتكلّم أكثر من واقع الحدث نفسه
ولا يتوقع أن تشمل الفقرات التالية سائر جوانب الموضوع المطروح، فهو أوسع من إمكانية "حشره" في مقال محدود الأفكار والكلمات. إنّما المرجو هو التوصل إلى تحديد معالم أرضية منهجية لمتابعة التطورات والمواقف الجارية وما يمكن أن يبنى عليها في المستقبل المنظور، انطلاقا من نظرة المتأمّل في هذه الأحداث من خارج النطاق التنظيمي، يبرّرها ما يتوفر من صلات وثيقة على صعيد التصوّرات والفكر والأهداف وعلى الصعيد الميداني، وكذلك ما يتوفر من تقدير كبير قائم على المتابعة المتواصلة لمنجزات الحركة، لاسيما ما يرتبط من ذلك بالقدرة على التعامل مع الأخطاء أيضا. ومع الظروف الصعبة، وهي ظروف يمكن القول إنّه لا يكاد يوجد لها مثيل إلا قليلا، بالمقارنة مع ظروف سائر الحركات والتنظيمات التي عرفتها المنطقة العربية والإسلامية عموما.
ماهيّة التطوّرات الجارية معظم العناوين المتداولة حاليا لوصف ما يجري في حركة الإخوان المسلمين، يجري تداوله دون تحديد واضح متعارف عليه للمضامين المقصودة به، بدءا بكلمة انشقاق، وانتهاء بكلمة الإصلاح أو التجديد .
وننطلق من أنّ:الانشقاق يعني انفصال مجموعة كبيرة مؤثرة تبلغ مستوى "التيار" داخل حركة من الحركات عن الحركة الأم وتشكيل فصيل تنظيمي آخر، جديد من حيث التصوّرات والوسائل.
الإصلاح يعتمد في الدرجة الأولى على تحسين الوسائل التقنينية والإدارية المتبعة داخل حركة من الحركات كنتيجة طبيعية للمراجعة الداخلية، والنقد الذاتي، وتطوّر الظروف الداخلية لتلك الحركة والخارجية المحيطة بها.
التجديد يمثّل عملية إصلاح أوسع نطاقا، وأعمق مضمونا، من عملية الإصلاح، وتركّز على تحقيق التغيير على مستوى القيادات والإدارة وليس على مستوى النصوص المكتوبة والعلاقات الداخلية فقط.
وسيّان على أيّ تعبير يستقرّ الحديث، لا بدّ أوّلا من إسقاط عنصر معتاد في تطوّرات مشابهة، وهو أن يكون الانشقاق أو التجديد أو الإصلاح شاملا لأصل التصوّرات التي تقوم حركة الإخوان المسلمين عليها، والمقصود هنا هو الإسلام نفسه، فهو ليس مطروحا للبحث بطبيعة الحال، وإنّما المطروح من حيث التصوّرات هو "كيفية" أخذ حركة من الحركات بثوابت الإسلام ومتغيّراته، والتعامل معها بصورة تميّزها عن سواها، دون أن تفقد صفة "الإسلامية" المرتبطة بمعايير عامّة، تسمح بوجود أكثر من حركة متباينة بعضها عن بعض ولكن تشملها هذه الصفة دون صعوبة على قدر التزامها بتلك المعايير.
بهذا المعنى ينبغي التأكيد: ليس "أصل التصورات" مطروحا من جانب أيّ جهة من الجهات المنتسبة إلى حركة الإخوان المسلمين، إنّما يدور الحديث عن "الفروع" من حيث التصوّرات، و"الوسائل" من حيث السياسة التطبيقية.

في هذا الإطار يمكن القول، إذا كان المقصود بكلمة انشقاق هو انفصال مجموعة كبيرة مؤثرة من الأفراد تمثّل تيّارا متميّزا عن التيار العام السائد في منهج حركة الإخوان المسلمين، بحيث نجد في النهاية حركتين كبيرتين متميزتين إحداهما عن الأخرى -كما وقع في السودان على سبيل المثال فهذا أمر مستبعد في الوقت الحاضر على الأقلّ، بل ولا يصحّ وصف التطوّرات الجارية "حاليا" وبغض النظر عمّا ستسفر عنه، بأنّها بوادر انشقاق، لاسيّما وأنّ من يثيرها ويتحدّث عنها لا يطرح فكرة انفصال تنظيمي إلا في حدود "عبارات طائشة" إذا صحّ التعبير، ولا يوجد في حدود ما طُرح حتى الآن أكثر من دعوات إلى تطوير إداري وتنظيمي داخلي، لا يمثل "بدائل تنظيمية" عن الهيكلية الحالية للحركة، وفق ما يقول به "التيار التجديدي" كما يصفه
أ. جمال سلطان أو "الجيل الثاني" في الجماعة على حدّ تعبير د. ضياء رشوان. كما أنّه من العسير بالمقابل الأخذ بمقولة التهوين من شأن ما يجري عبر وصفه بأنّه لا يتعدّى حدود مناقشة داخلية معتادة وأن "تهويل شأنها" صادر من خارج الحركة فقط، أو القول إنّ الدعوات للتجديد والإصلاح صادرة عن "مجموعة من الشبيبة" فقط.
الواقع من خلال متابعة النصوص المتداولة للمطالب المطروحة داخل نطاق الحركة، هو أنّ التغيير المطلوب أكبر قطعا من "إصلاح" جزئي لبعض الجوانب الإدارية والمناهج المتبعة، فالمطلوب أكثر من ذلك، ويصل إلى مستوى "التجديد" وفق تعريف الكلمة أعلاه، وبما يشمل "سياسة الحركة" و"مناهجها التطبيقية" و"تنظيماتها الإدارية والقيادية".

رغم ذلك فلا يمكن الآن -ولكن يمكن بعد أن تسفر التطورات الجارية عن نتيجة مرئية- القول إنّها كانت "بوادر انشقاق" وإن لم يدعُ إليه أحد، أو كانت "انقلابا حركيا" على حد التعبير المثير في بعض ما يُكتب عن الحركة، أو كانت هذه التطورات "تجديدا وإصلاحا داخليا" هو في الأصل ظاهرة صحيّة في وجود التنظيمات الشعبية والحزبية الكبيرة الحريصة على البقاء والتفاعل مع المتغيرات القطرية والإقليمية ومع متغيرات العالم والعصر.
التعامل مع التطورات الجارية رغم أنّ الأسابيع المعدودة التي سبقت وتلت وفاة المرشد العام مصطفى مشهور رحمه الله، لم تسجّل من جانب القيادات الرئيسية للإخوان ما يشير إلى تجاوب واضح ومتفاعل مع ما يطرحه "تيار التجديد" فلا يبدو أنّ القيادة الحالية للإخوان المسلمين وعلى رأسها المرشد العام الجديد المستشار مأمون الهضيبي، ستكتفي أو ستستطيع الاكتفاء بإجراءات جانبية أو ظاهرية للتهدئة، أو أن يقتصر تعاملها مع التطورات الجارية على "إجراءات من جانب القيادة تجاه القاعدة". لاسيّما وأنّ دعوات التجديد والإصلاح وصلت إلى داخل مكتب الإرشاد الذي يقوم مقام مجلس الشورى في حال عدم انعقاده، ومعروف أنّ انعقاده أمر عسير للغاية في ظل الظروف السائدة في مصر. هذا إضافة إلى أنّ الذين يتحدّثون عن ضرورة الإصلاح والتجديد لا يقتصرون على "شبيبة يتحرّكون عبر الشبكة العالمية" قطعا، وهو ما تدركه القيادة الحالية بوضوح وإن لم تعبّر عنه بوضوح مماثل في إطار المقابلات والأسئلة الإعلامية التي اتخذت أسئلتها طابعا استفزازيا في غالب الأحيان.
ليس صحيحا أنّ تعامل القيادات "التاريخية والتقليدية" مع مطالب الإصلاح يقتصر على الرفض المطلق، في تاريخ الحركة ما سبق الأخذ به قبل سنوات من تعديلات على اللوائح الداخلية شملت فترة مسؤولية المرشد بعد انتخابه بأن تكون محدّدة زمنيا، بعد أن كانت غير محدودة، هذا علاوة على أنّ هذه القيادة بالذات، سبق أن مرّت بتجربة كبرى للإصلاح والتجديد في مطلع السبعينات الميلادية، فيما يسمّيه د. ضياء رشوان "مرحلة التأسيس الثانية لحركة الإخوان المسلمين". وقد وصلت - من خلال تحرّكات وتطوّرات مشابهة لما يجري حاليا- إلى مواقع توجيه سياسة الحركة ونشاطاتها منذ ذلك الحين، وكانت آنذاك هي من "جيل الشبيبة" بمقاييس الزعامات والقيادات السياسية والحركية. أي من جيل وسطي أعمار الأربعينات إلى الخمسينات.
ولعلّ "المراجعات" الكبرى التي جرت آنذاك وساهمت في وضع الإطار الجديد للحركة دون الخروج بها عن مسارها التاريخي، يستدعي من القيادة الحالية التخليّ عن حساسيتها تجاه كلمة "مراجعات" رغم استخدامها في الآونة الأخيرة في معرض الحديث عن "الجماعة الإسلامية" في مصر. فالكلمة بحدّ ذاتها لا تكتسب مضمونها الواقعي من خلال ما تصنع بها جهات أخرى، حركية ورسمية، وإنّما من خلال التعامل المتميّز للحركة نفسها مع تلك الكلمة أو سواها. فالمقصود يبقى قائما وهو النظر في مطالب معيّنة مطروحة، قد يكون بعضها قويما مفيدا، وبعضها الآخر غير واقعي أو غير مفيد، ولكن لا يتبيّن ذلك إلا بعد النظر فيها.
وبالمقابل فليس صحيحا أنّ تعامل القيادات "التاريخية والتقليدية" مع مطالب الإصلاح يقتصر على الرفض المطلق، وليس بسيطا في تاريخ الحركة ما سبق الأخذ به قبل سنوات من تعديلات على اللوائح الداخلية لا بأس بها، شملت ميادين عديدة، ومنها أن تكون فترة مسؤولية المرشد بعد انتخابه محدّدة زمنيا، بعد أن كانت غير محدودة، وهذا في البلدان العربية بالذات، التي تجعل من "موقع المسؤولية" منصبا ثابتا مدى الحياة أو متوارثا. كما أنّ "التعديلات" التنظيمية المطلوبة أيا كانت، لا تنفصل عن الظروف المحيطة بالحركة، وهي ظروف شاذّة بكل معنى الكلمة، حتى أصبحت الحركة في وضع لا يُعرف مثله عن سواها، ما بين السجون دون اتهام، والعمل دون ترخيص، وتحريك الأحداث والتفاعل معها دون اعتراف بخطوط حمراء مزعومة وكذلك دون أن يبلغ التحرّك مستوى يبرّر لأحد زعم تجاوز خطوط حمراء ما.
تبدو المشكلة الرئيسية في التعامل بين أصحاب القول الفصل في مكتب الإرشاد وقيادة الإخوان المسلمين عامة، وبين الوجوه الأبرز من سواها في "التيار التجديدي" مثل أ. جمال سلطان، مشكلة كامنة في "لغة الخطاب المتبادل" أي في اختيار العبارات أكثر من المضمون المقصود بها.

وإذا استثنينا وسط التطورات الجارية أفرادا قادرين على اختيار العبارات المناسبة في محاولة تجنّب تحويل الخلاف إلى مواجهة، أو "الإصلاح والتجديد" إلى انشقاق نجد رغم ذلك أنّ المحاور الرئيسية لمطالب "التجديد" كانت على الدوام وما تزال هي المحاور التي تؤكّد عليها مواقف القيادات التاريخية لحركة الإخوان المسلمين. وفي مقدّمتها أنّها جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين، وضرورة وجود قنوات داخلية للحوار، وضبط العلاقة مع السلطات، والآليات الإدارية والقيادية، وليس في صفوف الحركة - ولا في الصفوف الإسلامية عموما- من يرفض شيئا من ذلك وضبطه بمقاييس الإسلام والمصلحة المعتبرة، ولكن يبدو أنّ المخاوف التقليدية لدى قيادة الحركة على ضوء تجاربها الحافلة بالمحن من جهة، وأساليب الطرح المتبعة للمطالبة بالتجديد والإصلاح بعد أن خرجت من "الإطار الداخلي" للحركة إلى الإطار العلني من جهة أخرى. هذا وذاك زاد من حجم المسافة الفاصلة بين الجانبين إلى درجة تنذر باحتمال تحوّل الخلاف إلى انشقاق بالفعل ما لم تنجح جهود عدد من القيادات الداخلية الواصلة ما بين الفريقين في ضبط مسار الحوار وإعطائه قوّة "دفع" إصلاحية تجديدية، دون أن يكون ذلك على حساب ما يوصف بالشرعية التاريخية للقيادات الحالية التي لا يستهان بحجم إنجازها الكبير عبر الخروج بحركة الإخوان المسلمين من "السجون" إلى مستوى الفوز المتواصل في معظم ما شهدته مصر من انتخابات خارج نطاق سلطة الحكم القائم، وهو قائم على كل حال على مقاييس أخرى.
وإلى جانب عنصر ما وصلت إليه لغة "الخطاب" بين الجانبين في زيادة حجم التباعد بينهما داخل الحركة الواحدة، يمكن النظر في عدد من العناصر الأخرى، ويكفي في حدود ما يوجبه الإيجاز التنويه بعناوين بعضها:
مخاوف القيادة من أن يؤدّي التغيير بحجم كبير أو خلال وقت قصير إلى هزّة قد تسبب انهيارا ما على ضوء الظروف العدائية المحيطة بالحركة ونشاطاتها، وهذا مقابل ما يراه تيار التجديد من أنّ النموّ الكبير للحركة لا يستدعي التجديد الشامل فقط، بل يوجبه بالضرورة.
مخاوف القيادة من أنّ عنصر "الشباب" الغالب على تيار التجديد الحالي قد يؤدّي إلى تحوّل الدعوات الراهنة المتوازنة نسبيا إلى مستوى آخر يجدّد عامل "المواجهة" مع السلطات مقابل ما يراه تيّار التجديد من أن سياسة تجنّب المواجهة خلال أكثر من عقدين من الزمن لم تقابله السلطات بما هو جدير به، بل استمرّت المواجهة من جانب واحد وعلى حساب الكوادر القيادية أو القيادات "الشابة" في الدرجة الأولى إذا صح التعبير.
مخاوف القيادة من أن يساهم التركيز على شعار "جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين" في تذويب الشخصية المتميزة، والمكانة التاريخية لحركة الإخوان المسلمين، التي تؤكّد قياداتها أنّها "هي" أمّ الحركات الإسلامية عموما، وأنّه قد تتعدد التنظيمات ولكنها جميعا تصدر عن "مشكاة" الإخوان التي وضعت أسس "الفكر الحركي" أو "العمل الإسلامي" في العصر الحديث. هذا مقابل انخفاض مستوى هذه الحساسية عند "شباب الإخوان" الذين ساهم تطوّر وسائل الاتصال في ازدياد حجم تعاملهم مع عموم الإسلاميين، ومع من يدعو إلى الإسلام دون الارتباط بتنظيم معين.
يضاف إلى ذلك أنّ "استهداف" المنطقة دون تمييز بين تنظيماتها وأحزابها وتياراتها، يزيد من التلاحم بين "جيل الشبيبة" من مختلف التوجّهات الإسلامية الغالبة في الساحة كما هو معروف، وكذلك مع من يمكن وصفهم بالمعتدلين من تيارات أخرى لا تنطلق من الإسلام كمنهج للحياة والحكم، إنّما لا يقفون أيضا موقف الخصومة والعداء بل موقف الاستعداد للحوار والتعاون إزاء التيار الإسلامي. والأصل هو أن يتجاوب هذا التطوّر على مستوى جيل الشبيبة مع النهج الذي اتبعته قيادات الإخوان في السنوات الماضية انفتاحا على التيارات الأخرى داخل مصر وخارجها، فلا يكون عنصرا من عناصر التباعد الراهن.
اتجاه ريح " الإخوان"
لا يخفى الوضع الراهن العسير لحركة الإخوان المسلمين وما تتعرّض له في مصر. وكذلك لا يخفى مفعول الظروف السلبية والخطيرة التي تمرّ بها المنطقة على ضوء الهجمة العدوانية الأميركية والصهيونية والتي تركّز على "الإسلام" وكلّ ما هو "إسلامي" حقيقة وبالتالي غير قابل للانضواء في منظومة تبعيات أميركية أو صهيونية. كما لا يخفى ما انتشر من روح "الانهزامية"، وتبرير عدم المواجهة. بعدم الاستعداد من قبل للمواجهة، وهذا مع سياسات "التيئيس واستعراض العجز والتشبث بالسلطة". لا يخفى تأثير ذلك كلّه على جيل الشبيبة بصورة خاصة وما يمكن أن يولّده من ردود أفعال مضادّة ممّا لا يقتصر على شبيبة حركة الإخوان المسلمين فقط.

هذه العوامل يمكن أن تعطي تفسيرا إضافيا لموقف التردّد الظاهر على قيادة الحركة تجاه مطالب التجديد والإصلاح، والتي تخشى القيادات على ما يبدو من احتمال أن تتحوّل إلى مصادر إضافية لخطر داخلي وخارجي.

وبالمقابل فإن "استمرار التردّد" قد يعطي مفعولا عكسيا يلتقي مع مفعول الأدوار التي تقوم بها أوساط من خارج الإخوان المسلمين ممّن يعمل على "تأجيج" الخلاف وتصعيده، فيساهم هذا وذاك في ظهور "انفصال تنظيمي" في صفوف الحركة، بل بات بعض دعاته يشير من باب التبرير إلى إيجابية ما أسفر عنه انشقاق حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان عن تيّار أربكان. وهو تشبيه خاطئ لا ينطبق جملة وتفصيلا على حركة الإخوان المسلمين.
ولكنّ احتمال وقوع انشقاق يجب أن يوضع أيضا في "حجمه الحقيقي" بعيدا عن أساليب التهويل من شأنه كما لو كان بداية انهيار كامل كما حدث لبعض التيارات والأحزاب الأخرى في البلاد العربية.
إنّ ظاهرة الانشقاقات الحزبية ظاهرة واسعة الانتشار -عربيا ودوليا- ولعلّ المسارعة إلى وصف ما تشهده حركة الإخوان المسلمين حاليا بأنّه انشقاق، تعتمد على الأرجح على مقارنة الأحداث بما شهدته تنظيمات حزبية وشبه حزبية أخرى في المنطقة العربية، وأحيانا فيما يؤخذ من مراحل تاريخية سابقة لحركة الإخوان المسلمين نفسها, وفي هذا قدر كبير من التساهل في اختيار عناصر المقارنة. فالانشقاق بمعنى الكلمة ينبغي في الأصل أن يشمل جانبين:
أوّلهما الأجهزة والأشكال الإدارية والزعامات القيادية.
وثانيهما الأفكار والتصورات الأساسية والتوجهات والمعتقدات الحزبية، ونجد أمثلة على ذلك لدى الحركات غير الإسلامية بصورة وفيرة. بينما اقتصرت "الانشقاقات" في نطاق الحركات الإسلامية بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين على "وسائل" الوصول إلى أهداف تُعتبر من الثوابت الإسلامية عموما، وإن تباينت صيغة التعبير عنها، ومحورها تحكيم الشريعة في واقع الحياة والحكم.
ومعظم ما يؤخذ من تاريخ الحركة كأمثلة لدعم القول بنظرية "الانشقاق حاليا" ينطلق من الحركة في "واقعها الدولي" عبر أمثلة السودان أو الجزائر أو سوريا وسواها، وهذا منظور يُعتبر موضع "حديث وخلاف" على الأقل، وينطلق كاتب هذه السطور من أنّ الوجود "الدولي" للحركة مع تطابق الأسماء أو دون تطابقها، يرتكز على "المنطلق الإسلامي الواحد" وليس على "المنطلق التنظيمي المباشر"، والذي عُرف في حدود ضيّقة، كما كان عبر "المجلس التنسيقي للإخوان المسلمين في الأقطار العربية" و"التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، ولم يقترن أيّ من التجربتين بسقوط استقلالية أيّ تنظيم قطري بخصوصياته التنظيمية والسياسية والتطبيقية العملية، وفق متطلبات واقع القطر الذي يتحرّك فيه.
أمّا المقارنة بما يوصف بالانشقاقات في تاريخ الحركة في مصر بالذات، فأبرز ما يُستشهد به على هذا الصعيد القول إن "الجماعات الإسلامية" التي نشأت في السبعينات الميلادية، إنّما نشأت "تحت عباءة الإخوان" كما يقال. وقد يصحّ في هذا المجال أنّ بعض "الشبيبة" الذين ساهموا آنذاك في تأسيس تلك الجماعات سبق أن كانوا في تنظيم الإخوان، أمّا القول إنّهم كانوا يمثلون "تيارا" انفصل عن تيار الإخوان، ففي هذا القول مغالطة كبيرة تتجاهل الظروف التي سادت في مصر بالنسبة إلى العمل الإسلامي عموما، وإلى حركة الإخوان المسلمين على وجه التخصيص، في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ثم في فترة "اللعبة الحزبية ضدّ الشيوعيين" أوائل عهد الرئيس السابق محمد أنور السادات. وجلّ ما يمكن قوله إنّ تلك الجماعات نشأت تحت "عباءة" تلك الظروف، وليس تحت عباءة تطوّرات طبيعية في تاريخ حركة إسلامية شعبية وحزبية عاملة في إطار ظروف طبيعية.
والأرجح عند المتابعة الهادئة لما يجري وأبعاده، وقراءة ما بين "السطور" ومحاولة استشراف ما وراء الكواليس. الأرجح هو أنّ الحركة بالصيغة التي تهيمن عليها من خلال قياداتها الحالية، أو من خلال الرعيل الذي خرج من السجون في أوائل عهد السادات ووصل بالحركة مجدّدا ورغم ظروف عسيرة للغاية إلى مستوى شعبي وتنظيمي واسع النطاق داخل مصر. هذه الحركة ستبقى هي القائمة، وستبقى هي المعروفة باسم "الإخوان المسلمين" بغض النظر عن حجم الإصلاحات الداخلية التي تشهدها نتيجة ازدياد تأثير الجيل الثاني فيها تلقائيا أو عبر الاحتجاجات والمناقشات والاتفاقات. كما أنّها ستبقى هي القائمة والمعروفة بهذا الاسم، وإن حدث وانشقّ عنها فريق من أبنائها بالفعل، وتأسست بهم "حركة أخرى" ستحتاج ولا شكّ إلى فترة زمنية طويلة وربما تواجه "عواصف خارجية" شديدة، قبل أن تقف على أقدامها بقوة، ويصبح لها من الرصيد الحركي الإسلامي ما اجتمع لحركة الإخوان المسلمين عبر ما ناهز سبعة عقود من الزمن. كانت فيها أخطاء كبيرة. ولكن كانت الإنجازات هي الأكبر على كل حال.
كاتب وباحث سوري مقيم في ألمانيا.
التيار التجديدي يحاول الخروج من الطرق المسدودة
يحمل التيار التجديدي في جماعة الإخوان المسلمين أفكار انفتاح على الواقع الجديد ومشاريع آليات جديدة للعمل قد تحدث انقلابا في مسيرة الحركة الاسلامية أن قيض لها النجاح.
هذا التيار بدأ يعبر عن نفسه عبر منابر إعلامية، ويحاول جمع الصفوف حول أفكار وليس حول أشخاص كما تعودت تنظيمات الإسلام السياسي أن تفعل على مدى تاريخها.
ينطلق هذا التيار من فكرة أساسية مفادها أن الجماعة ظلت طيلة أربعة وسبعين عاما لم تحقق أهدافها وأن السبب في ذلك بين واحد من أمرين، أما أن الطريق خطأ وإما أن القائمين على الجماعة ليسوا أهلا لقيادتها.
وبما أنهم يعتقدون في صحة الطريق بغض النظر عن صحة مناهج العمل وآليات الانتشار فهم يرون من حيث المبدأ ان التنظيم بحاجة إلى من لا يحمل في مشواره بعض كوابح العهد القديم، إلى أشخاص متحررين من أغلال القوالب السابقة.
وهناك اعتقاد واسع في الشارع العربي خاصة بعد أحداث سبتمبر أن الحركة الإسلامية (شاءت التيارات السياسية الأخرى أو أبت) يفترض إن تكون طليعة هذه الأمة والمعبرة عن وجدانها وقاطرة تغييرها وخميرة نهضتها، وأن هناك ضرورة ملحة لبرنامج صحيح واستراتيجية صحيحة وتكتيكا صحيحا، وعلى هذا فإن الحركة الاسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان تحتاج الآن (أكثر من أي وقت مضى) لنوع من النقد الذاتي يمارسه أبناؤها فرادى ومجتمعين للاستفادة من التجارب السابقة وطرح الأسئلة الصريحة والقاسية والبحث عن الخلل وتحديده حتى يصبح بالامكان معالجته.
ويؤمن كثيرون ان التحديات الخارجية مهما كانت شراستها لا تستطيع ايقاع هزيمة بتيار سياسي عقائدي، بل ان الهزائم لا تأتي لمثل هذا التيار الا من خلل داخلي.
ولأن الإخوان وصلوا إلى طريق مسدود في مصر، ساحتهم الأولى وتربتهم الخصبة ولم يصلوا لأهدافهم بعد كل هذا الزمن الطويل وبعد كل التضحيات والجهود فلابد أن خللا ما موجود في المنهج أو الممارسة أو كفاءة القيادات.
فحركة الإخوان بدت في لحظة من اللحظات وكأنما اناطت بها الامة مهمة التغيير والاصلاح، وراهنت عليها في عبور ازمتها الحضارية لمواجهة المشروع الصهيوني والتحدي الغربي من ناحية، واستبداد الانظمة من ناحية اخرى واذ بالجماعة تعاني من ازمة شاملة ومعقدة تعيقها وتقعدها عن القيام بهذا الدور.
حساسية فكرة المراجعات في حد ذاتها فكرة براقة اذا ما تعلق الامر بأي حركة سياسية او دينية او اجتماعية، وتكاد تكون شرطا من شروط حياة الحركة. والتيار الذي يتوقف عن المراجعة وعن تقويم مسيرته ومنهجه لابد ان يأتي يوم ويتجمد ثم يفقد اهليته السياسية والاجتماعية وساعتها لن يعوق تضخم هذا التيار وانتشاره مسألة تداعيه، بل ان تضخم الجسد الحركي وزيادة الامكانيات يتحولان الى عبء وليس الى قوة دفع.
اعادة النظر في المناهج ودقتها وتقييم الوسائل والاليات وجدواها وتقييم كفاءة القائمين على تسيير شئون التيار اشياء لا غنى عنها، فالثقة في القيادات ونزاهتهم الشخصية لا تعني انهم اكفاء، فالكفاءة لها شروط فنية وانسانية وشرعية بدونها قد يصبح القيادي عبئا على الحركة، او كارثة عليها وعلى المنضوين تحت لوائحها.
ويرى كثيرون ان المخاوف من انقسام بفعل اي مراجعة ليس الا ذريعة خائبة، فالتنظيمات التي لم تراجع ذاتها وفضلت عليه التماسك التنظيمي ووحدة الرأي والعقل والفكر غالبا ما عاكسها تيار التحولات الجارف وقادها الى المتحف او الى استنزاف قاعدي وقيادي.
كما يؤكد الواقع ان ما حدث بعد 11 سبتمبر أضاف بريقا هائلا لخطاب الحركات الاسلامية وجعل اغلب القوى السياسية تردد مضامينه، مهما كانت في داخلها تمقت تيارات الإسلام السياسي، وربما وجدت هذه القوى (غير المتفقة مع الإسلاميين) نفسها مضطرة إلى ذلك لان الجماهير لاذت الى هذا الخطاب واعتبرته مخرجها في مواجهة التحديات ومن ثم فتحت ساحة جديدة امام الحركات الاسلامية وما على الأخيرة إلا اعادة تشكيل نفسها وتصحيح مناهجها واليات عملها كي تتحول الى طليعة حقيقية معبرة للأمة، لا منافس لها.
وفي وضع كهذا يصبح الانقسام ـ لو أن هذه المراجعة يمكن ان تحدث انقساما ـ ظاهرة صحية يعكس حالة نضج وتمرد على الموروث المألوف وخروج على عباءة الجيل القديم التي لم تعد متسعة لأصحاب عقول متحررة وأفكار حية يرغبون في بناء جسور مع كل التيارات الأخرى، فكثير من الحرس القديم توقفت مدركاته عند حدود تجربته لدرجة ان تصديه للقيادة أصبح صورة من صور الحجر على العقل وتقييد الفكر وكتم الأنفاس.
رغم ان الهدف من المراجعة هو الدعوة إلى تقديم معالجة موضوعية للظواهر السلبية وسد مواطن الخلل، غير ان هناك حساسية مفرطة أبداها بعض قادة الجماعة مؤخرا تجاه فكرة المراجعة ذاتها وصلت الى حد إبداء الغضب الشديد كلما ورد ذكر الكلمة في حديث او حوار، فهناك حذر وتحذير دائم من عمليات النقد الذاتي.
بعض القيادات الاخوانية يرون النقد فتنة من الشيطان، وأن اي نقد لابد ان يلحق اذى بوحدة الصف، وأن حق المعرفة وتداول المعلومات ينبغي ان يظل حقا لفئة محدودة في داخل الحركة وعلى البقية السمع والطاعة في المنشط والمكره وفق القسم الذي اقسموه ساعة الانضمام للجماعة.

وفي رأي المرشد السابق مصطفى مشهور فإن المراجعات لا تعدو كونها عملا امينا، فيما يؤكد المرشد الحالي (المستشار الهضيبي) ان اي تفكير في تغيير داخلي يمثل خطرا في الوقت الحالي، فالاخوان ليسوا حزبا شرعيا يستطيع عقد اجتماعات او لقاءات او انتخابات جمعية تأسيسية لمناقشة المتغيرات الجديدة.
يضيف الهضيبي: انكم تطالبوننا بأشياء لا نستطيع تحقيقها، نحن لا نستطيع عقد اجتماع او اجراء انتخابات، لقد سبق ان قدم 83 اخوانيا عام 95 الى محاكمة عسكرية لانهم شاركوا في انتخابات اجرتها الجماعة.
بل يلجأ بعض قادة الاخوان الى الخلط بين المراجعات التي يطلبها ابناء جماعة الإخوان، وبين المراجعات المطلوبة حكوميا من كل حركات الإسلام السياسي، فيقول عصام العريان «وزير الداخلية يريد من الإخوان التخلي تماما عن العمل السياسي والعمل العام. هذه هي المراجعة المطلوبة حكوميا حتى لا يسبب الإخوان صراعا للسلطة.
ويؤكد أن هذا لا يمنع الإخوان من الاستمرار في إجراء مراجعاتهم ولكن وفق المصلحة الوطنية ومصلحة الإسلام.
ويرد جمال سلطان احد شباب الحركة الاسلامية الداعين إلى مراجعة متعمقة على هذا المنطلق بالقول: حدثوني عن مراجعات جادة حدثت أو ممارسات جريئة للنقد الذاتي سواء في أوقات دفء العلاقات مع السلطة أو مرحلة الصدام والخلاف. ان الممارسات النقدية الوحيدة التي قرأناها هي لأشخاص خرجوا أو اخرجوا.
والمدهش (في رأي ـ جمال سلطان) ان كثيرين ممن تعرضوا من الخارج للحوار مع الاخوان يقال لهم: ادخل وأصلح من الداخل، فإذا ما دخل وجد نفسه محاصرا بألف عين وأذن ملؤها الشك في اي نقد او ملاحظة، بل ان من يحاول الاصلاح من الداخل هو الذي يجد نفسه محاطا بالملاحظات وعليه علامات استفهام وربما عزل وارتياب حتى يستسلم تماما او يخرج من حيث اتى.
ويؤكد كثيرون ان الحركة قد تعبر عن قتال ولا تعبر عن حوار وقد يتحمل قادتها سجنا طويلا بينما لا يتحملون خلافا في الرأي. وهم في كل ذلك يفضل استقرار الخطأ على اضطراب التجديد والتطوير.

وكما هي الحال في كل مجتمعاتنا العربية فإن منطق اهل الثقة كبديل لاهل الخبرة يجد قبولا وانتشارا في جماعة الاخوان، مما حرم الجماعة من كفاءاتها ومهاراتها النادرة اما بتهميشها او بطردها مما جعل الجماعة كتلة صماء بعيدة عن التنوع والحيوية والتدافع والخصوبة.

ويجمل الدكتور حامد عبد الماجد قويس المتخصص في العلوم السياسية وأحد الذين ابعدوا مؤخرا من جماعة الاخوان المباديء الحاكمة لممارسة الفعل الاصلاحي من اي تيار سياسي في عدة مستويات: الأول: الانطلاق في الممارسة الإصلاحية من معرفة وتوصيف دقيق للواقع ويعني ذلك القدرة على معرفة طبيعة وحجم التحديات الحقيقية الحالية عاجلها واجلها ووضع اجندة للأولويات، كما يعني معرفة الامكانات الحقيقية والطاقات والموارد التي تحوزها وتملكها.
المستوى الثاني يتمثل في الرغبة والقدرة على الفعل الاصلاحي ويعني ذلك توافر الإرادة السياسية والقدرة على توجيه الموارد والامكانات المتاحة بما يحقق التغيير المطلوب إحداثه على اي مستوى.
كما يتمثل المستوى الثالث في تعدد ادوات الممارسة ومسالكها وعدم الاقتصار على اداة واحدة مهما كانت فعاليتها. والتركيز على الادارتين النفسية والاتصالية واعتبار الصدام العضوي أداة وممارسة سياسية مشروعة و محسوبة، ويؤكد ان الحركات الاصلاحية والتغييرية الكبرى اعتمدت من منطلق القوة استراتيجيات التفاوض مع المشروعات المعادية في بعض الاحيان.
أما المستوى الرابع والأخير فيتمثل في الاستفادة من اللحظات التاريخية المتاحة والتي تعتبر نقاط تحول أساسية في مسيرة الصراع والتدافع مع الحركات والمشاريع المعادية، وهي في الغالب لحظات استثنائية لا تتكرر كثيرا، ويشير إلى أن كل الحركات التغييرية استفادت أو أحسنت الاستفادة من هذه اللحظات في مشاريعها التغييرية.
موضوعات المراجعة هناك عدة أشياء ينبغي مراجعتها في رأي من يمارسون النقد الذاتي من داخل حركة الاخوان.


ـ عسكرة الجماعة: فهناك إغراق في السرية والضوابط الأمنية وليست جماعة الاخوان وحدها من تفعل ذلك، فمعظم تنظيمات الحركة الإسلامية في رأي الدكتور عبدالله النفيسي تركز على تربية وتنشئة العنصر الحزبي المنتمي والمطيع والمنفذ والموالي ولاء مطلقا لقيادته الحركية، ولا تهتم في مقابل ذلك بتنشئة ذات العنصر على التواصل الاجتماعي والفكري والنفسي والثقافي مع المحيط الحركي الذي يمثله المجتمع الاوسع.

هذا الامر يؤدي الى تكاثر المنفذين واللائحيين وضمور عدد المبدعين والخلاقين. مع الوقت يتحول التنظيم الى آلة صماء ضخمة ثقيلة ذات اطراف قوية، من الممكن ان يتحكم في توجهها انسان متواضع الاهلية والثقافة، انسان بلا مبادأة ولا كاريزما ولا خيال.
مع الوقت يتحول التنظيم الى غاية في حد ذاته ويتولد شعور خفي لدى عضو الحركة الاسلامية ان الاسلام لن يعود لسابق مجده الا من خلال التنظيم الذي ينخرط فيه.
بل وصل الامر الى حد طرح سؤال على المرشد العام السابق يقول ايهما اولى العمل لمصلحة التنظيم ام لمصلحة الاسلام.. سؤال كهذا ادهش القيادي الاخواني السابق فتحي يكن وجعله يرد بشكل حازم قائلا ان مجرد استهداف التنظيم بالعمل هو لون من الوان الشرك، اننا مسلمون قبل ان نكون اخوان مسلمين، وأننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين، فالاسلام قبلنا وبعدنا. بنا وبدوننا.
وفي ضوء ذلك يضيف فتحي يكن: يكون المطلوب دائما وأبدا هو تجريد العمل للاسلام من كل لوثة وصولية او غرض فردي او جماعي او تنظيمي انسجاما مع خلوص العبودية لله.
وعليه فإن الحكم الاسلامي والحكومات الاسلامية والخلفاء ليسو ا الا اداة لخدمة الاسلام وتنظيم الاحتكام الى شرعه، وليس لهم ان يحيدوا عن الاسلام قيد انملة.
ويشير في آخر اجابته الى ان هذا المفهوم ليس مدعاة للتقليل من اهمية التنظيم، بل سيق للتمييز والتفريق بين الوسيلة والهدف، كما بين الخادم والمخدوم.
ويؤكد أعضاء الجماعة ان هناك عسكرتارية مهيمنة على الأفكار، فمفاهيم المؤامرة تهيمن على العقول والأفكار، وهناك حالة دفع الشباب الى العمل السري مما ادخل التنظيم في صدامات غير متكافئة مع النظام، كما ان المسئوليات الحزبية في الاخوان قيادة وجنود، والاعمال الروحية الشهرية كتائب، والمخيمات معسكرات ومعظم المفاهيم تركز على الطاعة والثقة.. وتفجر سؤال لاحق يقول: هل الملاحقات الامنية والتجريم القانو ني هما السبب الوحيد لاجراءات الطواريء داخل صفوف الاخوان من مجالس شورية غير منتخبة لعشرات السنين وقيادات معمرة واجراءات اقصائية ضد المخالفين في الرأي. ووصل الامر الى حد طرح سؤال عن اختطاف التنظيم من قبل القطبين ورجال 65 وشفع السؤال بالقول ان الجماعة تتنفس قطبية منذ فترة مع تغييب شامل لأفكار الانفتاح والتجديد.
وردا على ذلك يقول الدكتور عصام العريان: لا توجد عسكرة في صفوف الاخوان، انما الوجود هو نظام لتسيير أمور الجماعة وانضباطها، وأن ذلك امر تحرص عليه كل الجمعيات والمؤسسات في العالم، فلا وجود في رأيه لعمل جماعي دون لوائح تنظيمية ولو اعطت الحكومة الاخوان الرخصة القانونية لانتفت كل مظاهر العسكرة التي يشكو البعض منها.

وهذا النوع من التربية ـ القائم على الغلو التنظيمي والتطرف العاطفي في النظر الى الجماعة ـ افرز العقلية المباشرة لدى اعضاء التنظيم. واستغلالا لهذه الثغرة نشط خصوم الحركة الفعليون ـ ومن بينهم الحكومة ـ في توفير الإشباع المباشر لها والتركيز في محاربتها وتطويقها على الدروب والآليات غير المباشرة.
فالإشباع المباشر يتحقق من خلال فرص التعبير الديني الصاخب والمكثف في الصحف والإذاعة والتلفزيون. ومن الملاحظ ان قابلية الاخوان للغرق في عمليات الإشباع المباشر كبيرة ولذلك أصبح سهلا استرضاؤها وتوظيفها سياسيا في حروب الوكالة، وهذه الحروب في السياسة حروب وهمية يخوضها طرف ضد الثاني لخدمة طرف ثالث هو الذي يتحكم في الصراع بالريموت كنترول. والخروج من ذلك يكون بتصحيح مفاهيم التربية الحركية وجعل خروج الجنين الإسلامي من القشرة هو الهدف، وليس النمو الحلزوني داخل القشرة كما يحدث حاليا.
ـ انعدام قنوات الحوار الجاد.. وهذا يؤدي الى افراغ الساحة لمن يقدمون الولاء العاطفي ويجعل الجماعة في حالة طرد مستمر للكفاءات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة.. ووصل الامر بالاخوان الى حد ان الجماعة كانت تضطر لدعوة مفكرين مستقلين او مفكرين من تيارات اخرى في الندوات ذات الطابع الفكري والثقافي كي يسدوا العجز الفاضح الموجود.

فهناك ملاحقة مستمرة للتجديديين والمفكرين داخل الجماعة.. كما ان إعداد المهمشين والمستبعدين تتزايد. فقد فصل الدكتور حامد عبد الماجد أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة ولندن لمجرد انه نشر دراسة نقدية عن حركة الاخوان في مجلة المجتمع الكويتية.
وقبله فصل حازم ابو اسماعيل والدكتور ابراهيم بيومي غانم وهشام جعفر وهبة رؤ وف وغيرهم لمجرد انهم ايدوا فكرة انشاء حزب الوسط الذي ينتمي مؤسسوه (او كانوا ينتمون) الى الجيل الوسيط للاخوان.
ويصف البعض ما يحدث انه حالة نزف للمفكرين، فقد ضاق التنظيم بالسابقين الذين ذكرناهم وبأناس آخرين اكثر شهرة وتميزا مثل الدكتور يوسف القرضاوي، وكمال الهلباوي. بينما يزيد جنود السمع والطاعة لدرجة ان التنظيم هو الذي اصبح يحملهم وليسوا هم الذين يحملونه.
ـ احتكار القيادة حيث تقع قيادات الاخوان فيما يفترض ان تحاربه من احتكار وسيطرة، فترى القائد قائدا في العمل الخيري والدعوي والسياسي والنيابي، وهم بذلك لايقعون في زلل الاستبداد والاحتكار فقط بل يجعلون الحركة الاسلامية هدفا معزولا يسهل اصابته وتصفيته. ويجعلون المغانم الشخصية قضية الأمة ينتظرون من الناس تأييدهم لنيلها، ويسهلون على الحكومات ضرب العمل الاسلامي تحت غطاء محاربة التجاوزات.
وكان من المفترض ان تحشد الحركة الاسلامية الجماهير في مشروعها الاصلاحي وليس ان تنافسهم على المغانم كما يحدث حاليا.
واعتبر البعض التجديد لمصطفى مشهور المرشد السابق قبل شهور من وفاته نوعا من التوثين وعبادة الاشخاص وساعتها اثيرت تساؤلات عن مشروعية البيعة ومصداقيتها وصحة ربط تقدير الرجل واحترامه بفرضية اعادة انتخابه ومنع صعود شخص آخر أكثر كفاءة ولديه قدرات أكبر لخدمة الجماعة.
وبرر عبد المنعم أبو الفتوح ذلك بأن المجتمع المصري كله وليس الاخوان فقط يعاني من مشكلة الأبوية في الإدارة والحكم، فكل المؤسسات الوظيفية والسياسية تدار بهذا المنطق، وهذا خطأ كبير من وجهة نظره لكن الاخوان لا يستطيعون تجاوزه على حد قوله.
وتساءل التيار التجديدي وقتها، هل من حق الاخوان بعد ذلك انتقاد مبدأ التجديد لأي حاكم لمدد اخرى أو الدعوة الى اتاحة الفرصة للأجيال الجديدة
وهذا الجمود القيادي أدى الى انتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري والاخلاقي عند بعض المقربين من القيادات الوسيطة وتجلى ذلك في نقابتي المهندسين والمحامين المصريتين وبدا الأمر كما لو كانت هناك حالة من الاصرار على فرض النماذج المتهمة بالفساد في مواقعها القيادية بحجة انهم نشطون في حركة التجنيد. وهذا يعيدنا مرة اخرى الى المفاضلة بين مصلحة التنظيم ومصلحة الاسلام ورغم تأكيد الجماعة باستمرار ايمانها بالشورى وبتداول السلطات إلا ان ذلك غائب في واقعها الداخلي، فآخر انتخابات تنظيمية اجريت على هياكلها كانت قبل ثماني سنوات، مما أدى الى جمود الاوضاع.
ويقول فريد عبدالخالق عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الاخوان والذي استقال منها، انه خرج من الجماعة احتجاجا على الممارسات فقد كان يرى انها يجب ان تكون أكثر تمتعا بحرية الفكر والشورى وان يتم تحديد مدة زمنية للمرشد تجدد مرة واحدة على الأكثر، لكنهم في الحركة تعللوا بعدم امكانية تنفيذ ذلك نظرا لحرمان الجماعة من الشرعية القانونية.
ويترتب على ما سبق حالة من الجمود الاداري، فالبعض يؤكد ان ثمانين بالمئة من مسئولي المكاتب الادارية بالمحافظات وبعض مسئولي الاقسام وأمانة الجماعة هم ممن متوسط أعمارهم 85 عاماً.
ويدلل أحد الكتاب على ان القيادة العليا للجماعة تحتكر القرار طوال تاريخها ولا تؤمن بالشورى بسرد الواقعة الذي تم فيها اتخاذ قرار الاخوان بمساندة حركة الجيش عام 1952.

يقول: «اتصل الضباط الاحرار بأحد القيادات، وأخبروه ان الضباط بشأن القيام بحركة ضد الملك في 22 يوليو وانهم سيؤجلونها 24 ساعة حتى يتخذ الاخوان قرارا إن كانوا يريدون دعم الحركة أم لا؟ يكمل الرواية قائلا: ذهب هذا القيادي الى المرشد حيث كان يقضي فترة نقاهة بالاسكندرية وعاد في نفس اليوم ومعه قرار الدعم والتأييد وقرأ الفاتحة مع عبد الناصر ان تكون الحركة لله وللدولة الإسلامية.
لكل الأشياء السابقة يرى البعض ان النموذج التركي للحركة الاسلامية ربما يكون ـ في بعض جوانبه ـ خلاصا من مآس ومعارك كثيرة جرت وتجري داخل جماعة الاخوان.
ففي تركيا انقسم الإسلاميون وخرج الجيل القيادي الشاب عن الحرس القديم ليؤسس حزبا سياسيا. وظن المتابعون ان الانشطار هو بداية نهاية الاسلاميين الاتراك، غير أن الحزب الجديد خيب كل الظنون وعاكس التخمينات.
والدرس التركي يعني ان البقاء في ظل اجواء الكبت والاستبداد أسوأ حالا من الانقسام اذا كان يحمل معاني التحولات المنهجية وتطوير الاداء وتجاوز التركه الموجعة ورفع الاغلال الموروثة.
ترى هل يقدم التيار التجديدي في الاخوان على التجربة؟ وهل يسمح النظام في مصر بشرعية للتيار الجديد حجبها طوال عقود عن الجماعة الأم؟ ذلك هو السؤال.
وهل تحدث على الأقل مراجعات لفقه الأولويات في العمل الحركي فعدم الأخذ بفقه الاولويات كما يقول القيادي المستقيل فتحي يكن يجعلها في حالة من انعدام الوزن تخبط خبط عشواء وتضطرب فيها القواعد والمعايير فيصبح آخر الشيء أوله وعاليه أسفله.
مستقبل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين 2 من 2


و كالة الأهرام للصحافة
كانون الأول 2003












الانفصال بين الجيل القديم والجيل الجديد
الاهتمام بالعمل السياسي على حساب العمل الدعوي، عدم القدرة على الواقع السياسي، المتغيرات المستقبلية للتنظيم على المستوى القطري في مصر والمستوى الدولي، موقف الدكتور يوسف القرضاوي من المرحلة الحالية التي تمر بها الجماعة، احتكار مصر لمنصب المرشد العام، الاجتماعات السرية مع الأوربيين، الغليان المكتوم في صفوف القادة الدوليين، تصريحات الهضيبي التي رفعت سور العداء والتفرقة. هذه بعض عناوين ما تتناوله هذه الحلقة حول مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
ومن يقرأ مشوار الجماعة يجد أنه على مدار السنوات انتقل الإخوان إلى العديد من أقطار العالم إلى أن تبلورت صورة الإخوان الحالية في تنظيم مصري سياسي يقود تنظيما دوليا من خلال شبكة شديدة التعقيد غير مسبوقة في بيروقراطيتها، إلا أنها أيضا فريدة في ترهلها ومنغمسة في شيخوختها، وإذا كان المعتقد والمظنون في ضمير المسلمين وفي عقليتهم الجمعية - خاصة بعد أحداث سبتمبر - أن الحركة الإسلامية ينبغي أن تكون في طليعة النخب المثقفة الواعية، معبرة عن وجدان الأمة، قاطرة لرؤى التغيير فيها ووفقا لهذا فإن الحركة الإسلامية - بأجمعها - وفي القلب منها جماعة الإخوان تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضي لنوع من النقد الذاتي يمارسه أبناؤها فرادي أو مجتمعين، خفية أو علانية للاستفادة مما سبق والبحث عن الخلل وتحديده على ضوء المتغيرات الدولية الآنية. ثروت الخرباوي آخر المنفصلين عن الجماعة يقرأ حالة الإخوان ويؤكد أنها تمر بمرحلة "أزمات" بدأت في الظهور منذ وفاة المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني - رحمه الله - وقد اختلف المحللون حول مبعث هذه الأزمات فمنهم من ألقى بتبعة "الأزمة" على الحكومة ونظرتها الأمنية للإخوان أو بالأحري الحل الأمني الذي انتهجته الحكومات تجاه حركة الإخوان ومنهم من ألقى بالتبعة على الإخوان بسبب استغراقهم في العمل السياسي الحزبي إلا أن كلا من الفريقين لم يقترب من الصورة الحقيقية "للأزمات والأوجاع والترهلات" تشخيصا لها أو تحذيرا منها أو بحثا عن الوسائل الفعالة لمحاربتها. وأبرز أزمات الإخوان التي تتحكم في مستقبل حركتهم حسب ما رصد الخرباوي هي: مشكلة التنظيم من حيث شكله ومن حيث مقره. والانفصال بين الجيل القديم والجيل الجديد. والاهتمام بالعمل السياسي على حساب العمل الدعوي. وعدم قدرة الجماعة على قراءة الواقع السياسي فضلا عن عدم قدرتها على التعامل معه.
في ذمة التاريخ أما عن مشكلة التنظيم، من حيث شكله ومقره، فهي تقودنا إلى تفريعات عديدة تتعلق بالتنظيم الدولي وهل آن الأوان لكي يدخل في ذمة التاريخ وهل هناك من جدوي لبقائه على ما هو فيه.

وفي النسق ذاته أبدي الدكتور يوسف القرضاوي مخاوفه من جمود حركة الإخوان ودعا الإخوان إلى البحث عن وسائل جديدة تدفق الدم في شرايين العمل الإسلامي، حيث حذر في كتابه الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد "من المخاطر التى تتعرض لها. وقال لم يكن حسن البنا جامدا بل كان دائم التجديد والتطوير للوسائل والأساليب في أبنية الحركة ومؤسساتها وأنظمتها ولن يضيق الشهيد حسن البنا في قبره إذا خالفه بعض أبنائه وأتباعه في قضية من القضايا ولا يوجد مانع شرعي ولا عرفي ولا عقلي من إعادة البحث في الوسائل والأنظمة التربوية داخل الجماعة مثل نظام الأسرة والكتيبة وكذلك البحث في الوسائل السياسية في ضوء المستجدات والمتغيرات المحلية، ذلك أن الجمود آفة من آفات الفكر الحركي المؤطر وهو عائق من العوائق الداخلية في الحركة الإسلامية وما يحدث الآن هو الجمود على شكل معين في التنظيم وعلى وسائل معينة في التربية وعلى صور معينة في الدعوي ومن حاول أن يغير في هذا الشكل أو تلك الوسيلة قوبل بالرفض الشديد أو الاتهام والتنديد".
أما المشكلة الكبري الأخري فهي احتكار مصر للتنظيم كدولة المقر فمنها يكون المرشد ومنها يكون أعضاء مكتب الإرشاد وفيها يكون المقر العام للإخوان المسلمين.
وقد ثار تساؤل في العديد من الأقطار العربية والإسلامية التي يوجد فيها تنظيم رسمي وعلني للإخوان، لماذا لا ينتقل المقر العام للإخوان المسلمين من مصر مادام أنه غير مسموح لها بالحضور الرسمي؟ ولماذا يظل المرشد دائما وأبدا من دولة المقر مصر؟ ولماذا كذلك يكون أعضاء مكتب الإرشاد من داخل مصر؟ ولماذا تكون قنوات الاختيار دائما وأبدا قنوات مصرية؟

فإذا كانت اللائحة الأولي للإخوان المسلمين توجب هذا الاختيار - أو بالأحرى لا تناقش غيره - فقد كان ذلك لازما وقتها لأن تنظيم الإخوان عندما نشأ في بادئ الأمر كان تنظيما مصريا محليا وقد نشأ وفق قانون الجمعيات القائم وقتها ووفقا لدستور 1923فكان من الضروري والحتمي - واللائحة تسير على نهج القانون - أن تشترط اللائحة المشهرة والرسمية أن يكون المرشد مصريا وأن يكون أعضاء مكتب الإرشاد من أهل مصر وأن حكومة دولة المقر هي مصر. أما وقد تم حل التنظيم - أو الجمعية الإخوانية - في مصر رسمياً وأصبح الإخوان تنظيما دوليا فإنه تكون قد زالت ضرورات تمصير المواقع والمقرات وأصبح حتميا تدويلها وفقا للمصالح المرسلة.
كما أنه لا ينبغي أبداً الثبات على دولة واحدة للمقر، في حين أن أفراد الإخوان في هذه الدولة يحاكمون ويحاصرون فيكون من مصلحة الإخوان نقل مقرهم إلى دولة تسمح بوجودهم رسميا.
وقد صدرت دراسات عديدة من الإخوان في بلدان العالم وخاصة في الكويت تطالب بنقل المقر من مصر، و صدرت دراسات إصلاحية في لبنان والأردن طالبت بضرورة تدويل المناصب الإخوانية ومنع احتكار الإخوان المصريين لها إلا أن هذه الأصوات لم تلق سامعا لها أو مستجيبا لهم، باستثناء إنشاء مواقع جديدة يوضع بها بعض إخوان العالم بغير صلاحيات لمجرد ذر الرماد في عيون الإصلاحيين ليس إلا.
أهل الكهف : أما عن الانفصال بين الجيل القديم و الجديد فيري الخرباوي، وهو صاحب تجربة حقيقية داخل الجماعة بات ملحوظا، خاصة في السنوات الأخيرة. وإذا كان الجيل القديم له سبقه وجهاده إلا أنه انفصل تماما عن واقع الناس وأصبح هذا الجيل في معظمه - إلا من رحم ربي - مثل أهل الكهف. لم ير أحد فضلهم وجهادهم إلا أنهم خرجوا من كهفهم - كما خرج الإخوان من السجون - لا يدرون عن الأمر الواقع الجديد شيئا ولا يفقهون فيه حديثا، فقد غابت جماعة الإخوان فكرا وجسدا عن العمل العام لسنوات عديدة ثم عندما عادت الجماعة للحياة مرة أخرى إذا بمن أعادوها هم مجموعة من الشيوخ كبار السن مقطوعي الصلة بالواقع يحملون في نفوسهم ثارات أثرت على اندماجهم الحقيقي بالواقع وأدت إلى فجوة نفسية عميقة بينهم وبين العديد من الفصائل السياسية.

وفى الوقت ذاته، شهدت أروقة الجماعات المصرية بشكل ملحوظ - في إبان السبعينيات - حضوراً ونموا فى الأنشطة الإسلامية. الأمر الذي أدي إلى صياغة هذه الأنشطة في شكل كيانات تنظيمية حركية تحت اسم "الجماعة الإسلامية" التي أصبح لها هيكل تنظيمي مؤطر ولها على مستوى الجمهورية أمير يقود حركتها - كان آنذاك حلمي الجزار وهو أحد قيادات الإخوان حاليا - وكان التقى شيوخ الجماعة وعلى رأسهم الأستاذ التلمساني والحاج مصطفي مشهور والأستاذ جابر رزق والأستاذ عبد المتعال الجابري، حيث قاموا بإدخال معظم أبناء الجيل الجديد داخل الإطار التنظيمي للجماعة. وكان ذلك بمثابة الحل السحري لمشكلة شيخوخة الجماعة وانقطاع صلتها بالأجيال الجديدة.

وعن طريق النخب المنتقاه من أبناء الجيل الجديد عادت دعوة الإخوان من جديد للحياة وكان الأمل يحدد في أن تقود الجماعة المجتمع نحو نهضة حقيقية، إلا أنه سرعان ما خاب أمل الجميع في إمكانية حدوث هذه النهضة، إذ إن الأجيال الجديدة لاحظت على مدار سنوات افتقاد الجماعة للإدارة الديمقراطية وسيادية الشكل العسكري والغلو التنظيمي على حساب العمل للإسلام وانعدام قنوات الحوار وإفراغ الساحة لمن يقدمون الولاء العاطفي.

وهو ما جعل الجماعة في حالة طرد مستمر للكفايات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة، فضلا عن الملاحقة المستمرة للمجددين والمفكرين داخل الجماعة. في هذا الإطار يرى المراقبون أن ما يحدث "حالة نزف للمفكرين فقد ضاق التنظيم بالمجددين وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي وكمال الهلباوي بينما يزيد جنود السمع والطاعة لدرجة أن التنظيم أصبح هو الذي يحملهم وليسوا هم الذين يحملونه!!".

حتى إن الدكتور القرضاوي عبر عن مخاوفه هذه بقوله إن أكثر ما يخشاه على الإخوان المسلمين هي أن "تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وأن تغلق المنافذ في وجه التجديد والاجتهاد وأن تقف عند لون واحد من التفكير وعندئذ تتسرب الكفايات العقلية من بين صفوف الحركة ولا يبقي إلا المحافظون المقلدون".
وهذا ما حدث بالفعل، إذ لم يتحمل معظم الجيل الشاب الواحد على الإخوان الممارسات الديكتاتورية القمعية وبدأ بعضهم يصاب بإحباط فيقبع في مكانه مصابا بالجمود والشلل الفكري ويخرج بعضهم هربا ونجاة بعقولهم وقلوبهم. كما خرج حازم أبو إسماعيل ابن الشيخ صلاح أبو إسماعيل و خرج الدكتور إبراهيم بيومي غانم والدكتور حامد عبد الماجد والدكتورة هبة رؤوف وهشام جعفر فضلا عن خروج مجموعة هم نبذة العمل الإخواني مثل أبو العلا ماضي ود . محمد عبد اللطيف ود. صلاح عبد الكريم ومهندس محمد السمان وغيرهم ومازال مسلسل الخروج مستمرا. ولم يبق إلا مجموعة قليلة من الشباب - أو قل كانوا شبابا فيما مضي إذ هم الآن في الخمسين من أعمارهم - يحاولون مناطحة الصخر على وهم أنهم سيصلحون الواقع السيئ وينتصرون لدعوة التجديد.
المعترك السياسي أما الاهتمام بالعمل السياسي التنافسي على حساب العمل الدعوي، فقد أصبح الهم الأكبر الذي يؤرق الفاهمين. وإذا كان حسن البنا مارس العمل السياسي وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين في الأربعينيات من القرن العشرين، إلا أنه أدرك مغبة تعريض الإخوان للعمل السياسي، وحاول قدر جهده أن يعيد الجماعة إلى حظيرة "الدعوة" الخالصة ولكن الجماعة لم تترك من وقتها فكرة مزاولة العمل السياسي فاصطدموا عن طريق مرشدهم الثاني حسن الهضيبي برجال الثورة واعترفت الكثير من كتابات الإخوان بخطأ الهضيبي الأب في إدارة الأزمة مع رجال الثورة ثم إذ بحركة الإخوان في عهدها الجديد وخاصة من بداية عهد حامد أبو النصر تتحول إلى حزب سياسي يحمل راية المواجهة الانتخابية ويعادي كل الفصائل والأحزاب السياسية القائمة.

وفكرة المواجهة الانتخابية وإن كانت تصلح للأحزاب السياسية، إلا أن الإخوان كحركة "دعوة" "إصلاحية" رفضت أن تتحول إلى "حزب" في الوقت الذي صممت على "ممارسات الحزب" للسياسة فوقعت في تناقض واضح وهو التصميم على الثبات على شكل الجماعة ورفض شكل الحزب، إلا أنها سعت إلى الممارسة الحزبية، بما سيتتبعه هذا الأمر من خوض الانتخابات في جميع المجالات ومزاحمة الحكومات القائمة مما يؤدي إلى تأليب هذه الحكومات على الإخوان. والإشكالية الكبري التي تتفرغ من هذا الخلط هو أننا بحسباننا أصحاب دعوة وأصحاب حركة إصلاحية نسعي دائما إلى دعوة الناس للمنهج الوسطي للإسلام وإلى كسب ود الجماهير وإلى مخاطبة النخب السياسية والفكرية بما يقربهم من فكرة شمولية الإسلام ثم إذ بنا في الوقت نفسه نسعي إلى المنافسة الانتخابية معهم - بما تخلقه من عداوات - وهوما يترتب عليه استنفار هذه القوي ضد الدعوة الحركة الإصلاحية.
أما عن عدم قدرة الجماعة على قراءة الواقع السياسي فضلا عن عدم قدرتها على التعامل معه فيبدو ذلك واضحا في قراءة الخرباوي للمشهد إبان العدوان على العراق وأحداث انتفاضة فلسطين حيث ثار تساؤل كيف تقدم الجماعة أثناء الانتخابات البرلمانية آلاف المعتقلين ولا تقدم معتقلا واحدا في أحداث الانتفاضة الفلسطينية وإبان العدوان على العراق؟ ؟ وما هو تبرير تصريحات الهضيبي بأن تعبير الجهاد يساء استخدامه؟ وكيف نفهم الاجتماع السري الذي عقده بعض قادة الإخوان مع ممثلين أوروبيين رسميين ومنهم بريطانيون بالقاهرة قبل عدة أسابيع، وهو ما سمي اجتماع الإخوان بالنادي السويسري؟ وكيف نفهم الطلب الملح الإخوان بالالتقاء ببعض المسئولين الأمريكان؟
هذا بعض من كل واقع حركة الإخوان، بفضل شيخوخة من يحكمها تحولت إلى عقل عصفور وجسد ديناصور يبحث عن أولويات خاصة به هو ويقدمها على أولويات الأمة العربية. كما يقدمها على أوليات الأمة الإسلامية بأكملها. لذلك لا مانع لدي عقل العصفور أن يعمل من أجل التنظيم فيجاهد شباب الإخوان للحبس مدد تطول أو تقصر في سبيل هذه الغاية ثم لا يعمل من أجل الانتفاضة إلا بعمل متفق عليه سلفا مع الحكومة وفي إطار شبه رسمي بزعم عدم تعريض الإخوان للحبس! كما أنه لا مانع لديه من أن يقدم العشرات من النقابيين المتميزين إلى المحاكم العسكرية في سبيل استمرار الحضور القومي في النقابات المهنية ولا يقدم معتقلا واحدا احتجاجا على الاعتداء على دولة عربية وينأي بنفسه عن المشاركة فى كافة الفصائل بل ويطلب "عقل العصفور" ممن قصده طالبا مشاركة الإخوان في مظاهرة أن يحضروا له موافقة مكتوبة من الأمن!! والحديث يطول ولا ينتهي عن عدم فهم الواقع السياسي وعم القدرة على التعامل معه. الأمر الذي أدى إلى أزمات حاكمة بددت أمن وأمان أفراد التنظيم وجلبت سخطهم إلا أنه مازال مكتوبا يدور داخل المرجل.

إنهاك الأمن :كانت هذه هي الأزمات الحاكمة في الإخوان المسلمين، إلا أنني أستطيع التأكيد على أن الجماعة على المدى القريب لن تحاول تصحيح أخطاءها وستعمد إلى إجراء بعض التغييرات الشكلية لكن ستظل مقدمة لمصلحة التنظيم على مصلحة الأمة وستخوض الانتخابات البرلمانية والنقابية في كافة الدول العربية - وليس مصر فقط - بكثافة غير مسبوقة اتباعا لخطة "إنهاك الأمن" وستمارس السياسة الحزبية بكل ما تولده من إشكاليات وأزمات. وفي النهاية يصل الإخوانى ثروت الخرباوي في قراءته للأحداث إلى أنه ستظل أشكال التنظيم الدولي باقية كما هي لن يطرأ عليها تغيير ويدرس كل تنظيم في بلده تجربة تركيا - كما كان يدرس تجربة إيران - من أجل الوصول للحكم وسيسعي الإخوان لتعميق صلاتهم السرية مع الولايات المتحدة وعقد صفقات معهم إذ تولد الشعور بأن في الأفق إرهاصات واقع جديد قد يكون للإخوان مكانا مؤثرا فيه.

أما حركة الإخوان فسوف تتآكل من الداخل إلى أن تنقرض أو تكاد وأما أنها ستختفي من على سطح الأحداث ضعيفة مترهلة غير قادرة على فعل يغلب عليها الخمول وتنضوي في كهوف النسيان.

ويترتب على ذلك أن تنفصل حركات الإخوان في بلدان العالم عن الحركة الأم بمصر وينهار التنظيم الدولي وقد بات هذا الأمر وشيكا خصوصاً وقد انفصلت بعض الدول تنظيميا عن مصر كما أن الكثير من الدول الأخري بات الخيط الذي يربطها بمصر هو "الخيط الرفيع". على صعيد متصل فإن المهندس أبو العلا ماضي، أحد الذين خرجوا من الإخوان وأثاروا جدلا واسعا في الأوساط الإسلامية أكد أن الإشكال الأكبر والذي برز منذ سنوات أن هناك عدة حكومات عربية ودولية تتعقب هذا التنظيم وهو غير مسجل بصورة قانونية في أي مكان وتضيق عليه ويترتب على وجوده أخطار وأضرار للحركة ولأفرادها وما يتم من نقاط إيجابية أقل بكثير من سلبياته وعليه فقيادة الجماعة عليها الاختيار بين الاستمرار في هذا الوضع من بقاء التنظيم الدولي أو إعلان تجميده أو حله والاكتفاء بالتنسيق والتبادل الفكري والثقافي.
ويذكر أبو العلا في دراسته أن هناك إصلاحا في الحركة ففي المدة الأخيرة من عمر الجماعة أي منذ منتصف السبعينيات وحتى الآن كانت هناك محاولات للإصلاح إما من أفراد أو مجموعات.


أما بالنسبة للمحاولات الإصلاحية من الأفراد، فقد جاءت من علماء أو مفكرين أو حركيين، بعضهم كانت له صلة بالجماعة ثم انقطعت وبعضهم كانت له صلة واستمرت، وإن كانت أغلب هذه المحاولات الإصلاحية كانت بالكتابة والتعبير عنها إما في كتب أو دراسات أو مقالات.

من هؤلاء فضيلة الشيخ المرحوم محمد الغزالي وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والمرحوم الأستاذ عمر التلمساني والمرحوم الأستاذ صلاح شادي والمرحوم الأستاذ جبار رزق وكذلك كتابات الدكتور عبد الله النفيسي (الكويت) والأستاذ فريد عبد الخالق (مصر) والمرحوم الشيخ سعيد حوي (سوريا)، وخاصة كتاباته الأخيرة، والأستاذ كمال الهلباوي والشيخ راشد الغنوشي (تونس)، والمرحوم الأستاذ عبد الحليم أبو شقة والأستاذ فتحي يكن والشيخ فيصل مولوي (لبنان) كذلك كتابات مجموعة من المفكرين المستقلين أمثال المستشار طارق البشري والدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور محمد سليم العوا والدكتور جمال عطية والدكتور سيد دسوقي.
أما فيما يتعلق بمحاولات إصلاحية من مجموعات فقد أكدت دراسة أبو العلا على أنه من أهم المجموعات التي حاولت القيام بدور إصلاحي للحركة سواء على مستوى الرؤى الفكرية أو الإصلاح الحركي:
1- جناح د. حسن الترابي في السودان الذي قدم رؤى إصلاحية واصطدم بفكرة البدهية للقادة في مصر والارتباط الوثيق معها.. ثم التنظيم الدولي الذي أدي إلى خروج الجسم الرئيسي للحركة في السودان عن حركة الإخوان في مصر وبقي جناحاً ضعيفاً جداً تمسك باسم الإخوان وبالارتباط بالجماعة في مصر.
- 2 مجموعة حركة النهضة في تونس وهي الحركة التي كان لها رؤى أكثر استنارة ونضجا واختلفت كثيرا عن رؤى الجماعة الأم في مصر وإن ظلت جزءا من الحركة ولم تنفصل عنها.
3- الجناح الإصلاحي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن والذي تزعمه المراقب الحالي للجماعة بالأردن الأستاذ عبد المجيد زنيبات والتي انتهت محاولاته الإصلاحية بتغيير القيادة القديمة والتاريخية للجماعة بالأردن وعلى رأسهم الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة (أبو ماجد). وكثير من العناصر المتشددة في الجماعة وتجديد جزء كبير من الرؤى الفكرية والسياسية للجماعة هناك.
4- حركة حماس في فلسطين، بالرغم من ارتباطها بالجماعة إلا أن الحركة استطاعت أن تطور خطابها السياسي وخاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع الأنظمة العربية، ولم ترتبط بنظرة الحركة الأم أو حركة الإخوان بالأقطار التي بينها وبين أنظمة الحكم بها مشكلات وصدام مثل سورية ومصر وغيرها.
5- الجناح الإصلاحي داخل الجماعة في مصر، وهو الجناح الذي يتكون من قيادات وسيطة جزء كبير منها كانوا قادة للحركة الطلابية الإسلامية بالجامعات قبل انضمامهم للإخوان وكذلك جزء آخر لم يكن له صلة بهذه المدة، وبدأ دور هذا الجناح بالإصلاح بعد غياب المرشد الأسبق المرحوم الأستاذ عمر التلمساني في العام 1986واستمر في دوره في محاولات تجديد الرؤى الفكرية والسياسية وكذلك محاولات تصحيح أسلوب الإدارة، حتى خرجت مجموعة منه بسبب تكوين حزب الوسط عام 1996بعد اليأس من الاستجابة للتغيير وبقي جزء آخر مستمر في دوره الإصلاحي داخل الجماعي.
احتمالات للمستقبل السؤال هل هناك صراعات أجنحة؟

بالطبع حركة الإخوان كحركة بشرية إنسانية تخضع لما تخضع له الحركات البشرية من وجود رؤى مختلفة ومن تشكيل أجنحة وفق هذه الرؤى. وبالتالي هناك صراع مكتوم، وإن كان من أدبيات الحركات الإسلامية عموما هو اخفاء الصراع ونفيه وعدم الرغبة في اشتراك أطراف خارجية في متابعة هذا الصراع لكن هذا النفي لا يلغي وجوده داخل الجماعة.

أما فيما يتعلق بالمستقبل التنظيمي للإخوان فقد تناولت دراسة المهندس أبو العلا التغييرات على كافة المستويات. وبالنسبة للمستوى القطري في مصر فأمام الضغوط المحلية على الجماعة وتوافقها مع الضغوط الاقليمية والدولية ضد أغلب المجموعات الإسلامية الراديكالية هناك احتمالان للمستقبل:
1- إحداث تطوير وتغيير كبير في الجماعة على مستوى الفكر والهيكل والتعامل مع السلطة والأطراف السياسية الأخرى وإجراء مصالحة تاريخية، وحل إشكالية الوجود القانوني فتنجو بها الجماعة وتتطور وتستمر وتعطي فرصة تاريخية لقيادات جديدة أصغر سنا من القيادات الحالية التي يدور أعمارها حول الثمانين عاما وهي أكثر كفاءة (أي القيادات الأصغر سنا) وإدراكا للوضع المحلي والإقليمي والدولي.

2- استمرار الحال على ما هو عليه واستمرار حالة الجمود في الأوضاع الفكرية والتنظيمية والقانونية، وبالتالي استمرار حالة الصدام مع السلطة وحالة الخروج لأعداد مؤثرة عن الجماعة خاصة من الأجيال الناضجة والواعية، وبالتالي استمرار الجماعة في حالة ضعف مستمر و حصار ووضعها تحت السيطرة مما يؤدي إلى مستقبل مجهول وغير محمود العواقب.


أما على المستوى الدولي: يمكن القول إنه ليس أمام قيادات الجماعة على مستوى كل قطر والمستوى الدولي سوي واحد من احتمالين:إما حالة كمون، كما هو الوضع الآن، وانتظار انفراج الأوضاع الإقليمية والدولية غير المواتية لاستمرار فكرة تنظيم دولي إسلامي راديكالي، على أمل العودة إلى تنشيط دور التنظيم الدولي للإخوان في حالة حدوث هذا التحسن والانفراج. أو التخلي بشكل نهائي وشجاع عن فكرة التنظيم وإحياء شكل التنسيق وتبادل الأفكار مثل فكرة المؤتمر القومي العربي مثلا الذي ينظمه مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. وفي الوقت نفسه تتوصل الدراسة إلى أن هناك متطلبات للإصلاح على المستويين القطري والدولي:

على المستوى القطري بشكل عام: واجب تجديد الخطاب والرؤى الفكرية والسياسية والتخلي عن فكرة الهيمنة والتفرد والسعي إليها والتعامل كأحد مكونات المجتمع، وإدراك المخاطر المحيطة بالأمة وكل قواها بما فيها الأنظمة الحاكمة والانحياز لمصلحة الأمة وتقديمها على مصلحة التنظيم والجماعة.
وعلى المستوى المصري بشكل خاص يجب حسم الإشكاليات بطبيعة الجماعة، أي الاختيار بين إما حزب سياسي أو جمعية دعوية إصلاحية تربوية وفق القانون ويجب قبلها حسم مسألة التصالح مع الدستور والقانون وقبول النزول عليهما مثل مقولات المرحوم عمر التلمساني، ويجب التخلص من فكرة الثأر من النظام الذي بدأ بالنظام الناصري وورثت هذه الروح لأجيال وانتقلت حالة العداء لأصل النظام رغم تغيير الحكم ثلاث مرات. كما يجب العمل على صياغة لوائح أكثر شورية وديمقراطية والالتزام بها وعدم الخروج عليها والأخذ بأساليب الإدارة الحديثة والمشاركة في صنع قرار.

وعلى المستوى الدولي: التخلي عن فكرة التنظيم الدولي لأنها فكرة انتهي زمانها ويترتب عليها من الأخطار والأضرار أكثر مما يترتب عليها من الفوائد والإيجابيات كما ذكرنا، أو يستبدل بها فكرة مثل المؤتمرات الفكرية التنسيقية التي تنظمها بعض التيارات الفكرية مثل التيار القومي، من وجوب الالتقاء على تبادل الأفكار والآراء دون التزام تنظيمي والعودة إي الإخوان كمدرسة ناجحة عن فكرة التنظيم الدولي غير الناجحة.
مستقبل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
تتناول هذه الحلقة أهم الأزمات التي أثرت سلبا على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأزمة جيل الوسط مع تصريحات مرشدها الخامس مصطفى مشهور والحصار الذي فرضته أحداث 11من سبتمبر 2001على الجماعة ، والجمود الذي أصاب قادة التنظيم في مصر ، وموقف المفكر الفرنسي جيل كيبل أستاذ العلوم السياسية من سلطة المرشد العام ، ونظرة الدكتور عبدالله النفيسي للإخوان في الأقطار العربية ، ومسؤولية إخوان سورية عن أحداث مدينة حماة والتكتيكات الفلسفية الخاطئة التي عصفت وستعصف بالتنظيم . المحامي عاطف عواد أحد أعضاء الجيل التجديدي وأحد المراقبين لحركة الجماعة يرى أن هناك أزمات أثرت على الجماعة وعلاقتها بالتنظيم الدولي ومن ثم ستؤثر بشكل واضح على مستقبله وتبلورت في الآتي : أولا : بيعة المقابر،كان مصطفى مشهور رحمه الله النائب الأول للمرحوم محمد حامد أبو النصر مرشد الجماعة وقتها ، وكانت علاقته قوية بالتنظيم الدولي، كان الرجل الثاني في التنظيم الخاص واشتهر عنه بأنه رجل تنظيمي من الطراز الأول على رغم بعده عن الأضواء وعدم فصاحته وحنكته السياسية إلا أنه كان يمسك بخيوط التنظيم الدولي ببراعة وكانت مسألة توليه لمنصب المرشد العام للجماعة بعد وفاة حامد أبو النصر تحمل شبه اجماع ، ولا خلاف حول هذا الأمر ، .و كانت هناك إجراءات لا بد من أن تتبع في هذا الشأن وفقا للائحة الأخوان والحصول على موافقة التنظيم الدولي قبل الإعلان وذلك بعد ترشيح المرشد من قبل مكتب الإرشاد في مصر ، ولأسباب لا يعلمها أحد في وقتها فاجأ المستشار مأمون الهضيبي النائب الثاني والمتحدث الرسمي باسم الجماعة الجميع بإعلانه البيعة لمشهور أمام جمهور المشيعين لجنازة حامد أبو النصر وداخل المقابر وأخذ يردد عبارات البيعة ويردد خلفه بعض شباب الاخوان لهذه العبارات . ليس لهم حق الانتخاب أصلا ، وسط صمت وذهول أعضاء مكتب الإرشاد الحاضرين والذين فوجئوا كغيرهم بهذا التصرف من قبل الهضيبي وكذلك وسط استغراب من ممثلي الدول العربية والأوربية من الإخوان الذين استطاعوا حضور تشييع الجنازة وأطلق على هذه الواقعة بيعة "المقابر" .

كانت أزمة الوسط في هذه الآونة في بدايتها وأبدى شباب الوسط انتقادات لاذعة لقيادة الجماعة حول طريقة اختيار المرشد وأبدى مصطفى مشهور وقتها دهشته لهم من تصرف الهضيبي وأنه فوجئ به ولم يعرف ساعتها ماذا يفعل وهذا التصرف ،من قبل الهضيبي كان من وجهة نظر المراقبين الخطوة الأولى لتجاهل التنظيم الدولي وضرب عرض الحائط باللوائح التي تحكم سير الإخوان من قبل مأمون الهضيبي الذي بدأ يفرض سطوته على إدارة الجماعة من خلال قدرته على المناورة والسياسة وضعف الجانب السياسي لدى مشهور
وقد فسر بعض المراقبين أن ما فعله الهضيبي في بيعة المقابر على أنه محاولة ليكون له فضل على مشهور بعد ذلك ويستطيع أن يشارك في إدارة الجماعة .وكان من مشهور أن احتفظ بالهضيبي النائب الأول له ومتحدثا رسميا للجماعة .وهو المنصب الإعلامي الوحيد في الجماعة والذي يرفض إلى الآن الهضيبي أن يزاحمه فيه أحد ، على الرغم من كونه أصبح مرشدا للجماعة ، وهنا يؤكد عاطف عواد على أن ذلك أثار حفيظة التنظيم الدولي وحدثت خلافات واسعة ، وتحفظ إخوان سورية وأوروبا وأمريكا على هذا الاختيار لفترة. وكان التحفظ كما ذكرت ليس على شخص المرشد ولكن على الطريقة التي تم اختياره بها والذي ابتدعها الهضيبي وحاول مكتب الإرشاد في مصر إصلاح العلاقة مع التنظيم الدولي ومحاولاً التخفيف من الانتقادات التي وجهت للجماعة خاصة بعد انفصال إخوان الكويت عن التنظيم الدولي والجماعة في مصر .ومن قبلهم استقلال د . حسن الترابي في السودان ومعه العدد الأكبر من الإخوان وتحقيقهم نجاحات في التغلغل في السلطة والسيطرة عليها ، ما ضاعف من قوة فكرة الانفصال لدى البعض ضد أعضاء التنظيم الدولي .وحاول مكتب الإرشاد إصلاح الأمر فيما بعد بمحاولة أخذ البيعة اللاحقة لمشهور بعد إعلان تنصيبه م رشدا للجماعة .الوضع الذي اعتبره البعض مسرحية هزلية حيث إن موافقتهم من عدمها لا قيمة لها في هذا الوقت .كما حاول مكتب الإرشاد اختيار نائب ثان للمرشد من سورية لتخفيف حدة الانتقادات التي بدأت توجه إلى مصر وبدأ الحديث عن لماذا يكون المرشد من مصر ولماذا يكون مقر الجماعة ضروريا في مصر وهذه أسئلة ونقاشات لم تكن تثار من قبل مما دل على أن رابطة التنظيم الدولي بالجماعة في مصر بدأت تتفكك شيئا فشيئا ، وهذه كانت فقط المحطة الأولى إلا أنها لم تكن الأخيرة فقد تبعها وتلاحق معها محطات أخرى .
ثانيا : أزمة الوسط وتصريحات مشهور .
كانت أزمة الوسط قد بدأت تتفاقم ، وتزامن هذا مع تصريحات مصطفى مشهور لإحدى الصحف عن الجزية وعلاقة المسلمين بالأقباط .وهذه التصريحات أثارت ردود فعل غاضبة على المستوي الداخلي وصل لحد إقامة أحد المحامين الأقباط في مصر قضية سب وقذف ضد مصطفى مشهور ،ووصلت على المستوى الدولي للتنظيم أن طالبوا بتعيين مستشار سياسي لمشهور يراجع تصريحاته وأحاديثه قبل نشرها ،حيث إن مثل هذه التصريحات المتعلقة بالمسيحيين تضر بالإخوان المقيمين في أمريكا وأوروبا وسائر بلاد العالم ذات الأغلبية المسيحية وتسبب لهم حرجا شديدا، ناهيك عن اختلاف هذه التصريحات عن قناعات الإخوان أنفسهم .وزاد من حدة انتقاد بعض أعضاء التنظيم الدولي لتصريحات مشهور بعد أن نشر على لسانه ترحيبه بفكرة إنشاء حزب الوسط بهذه الخطوة .الأمر الذي أعطى عدم صدقية لتصريحات المرشد وقتها وأحدث شرخا في العلاقة بين التنظيم الدولي وقادة الجماعة في مصر وبخاصة بعد الضغط على أعضاء الحزب من الإخوان لإلغاء التوكيلات التي صدرت عنهم لوكيل المؤسسين وقتها أبو العلا ماضي ، والوقوف ضد إنشاء هذا الحزب .

وطالب د . كمال الهلباوي مسؤول الإخوان في أوروبا من قادة الجماعة عدم الوقوف ضد فكرة إنشاء الحزب وكان طلب الحزب رفض من الحكومة المصرية وقام أبو العلا ماضي بالطعن في قرار لجنة شؤون الأحزاب أمام محكمة مجلس الدولة ، وإذ بالإخوان يصرون على الحضور بالجلسة وتقديم إلغاءات التوكيلات إلى المحكمة والمطالبة برفض الحزب ما أثار استياء الكثيرين من أعضاء التنظيم الدولي ودعا د . الهلباوي إلى الاستقالة من الإخوان ورفضه استكمال المضي في هذا الطريق بهذه الصورة وهو ما أثار ردود أفعال كبيرة داخل التنظيم الدولي وساعدت على زيادة تمزيق الرابطة بين التنظيم الدولي والجماعة في مصر خاصة وأن د . كمال الهلباوي كان يمثل عنصرا فاعلا ومتميزاً من عناصر التنظيم الدولي .

ثالثا : أحداث سبتمبر أيلول 2001:
في الوقت نفسه جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر - أيلول والإجراءات التعسفية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الجماعات والتنظيمات الإسلامية جاءت سببا جديدا دعا إلى التفكير جيدا في الاستقلال عن الجماعة في مصر ومحاولة العيش في المجتمع الأمريكي باعتبارهم "أمريكان" بالدرجة الأولى وليسوا مواطنين درجة ثانية وروج لهذا الفكر د . حسان حتحوت مدير المركز الإسلامي بكاليفورنيا وأن قضية المواطنة والانحياز للوطن بعد العقيدة والارتباط لهذا الوطن وليس الارتباط بالعالم العربي إلا في حدود أنهم أمريكان مسلمون ،وأن هذا يمكنهم من أداء واجبهم الديني والوطني، ثم جاء قرار روسيا بوضع جماعة الإخوان المسلمين رقم 3على لائحة الجماعات الإرهابية عنصرا جديدا إلى العناصر والأسباب السابقة لبدء التفكير في التخلي عن فكرة التنظيم الدولي والارتباط الروحي به فقط وليس الارتباط التنظيمي العقلي والحركي .

ومن استقراء هذا الواقع وتتابع الأحداث يرى المحامي عاطف عواد بأنه لم يعد يصلح العمل وفق هذا الشكل الموجود في التنظيم الدولي، فإما أن يتغير الشكل والأسلوب وطريقة الإدارة ،وإما أن يصبح التنظيم الدولي في ذمة التاريخ فالأحداث تتلاحق والعالم يتطور ولا يجوز لمثل هذه الجماعة وهذا التنظيم العملاق أن يقف مكانه دون تطوير وأن يسير بفكر الأربعينيات فالقيادة للجماعة في مصر يتولى أمرها مرشد تعدى الثمانين من عمره ومكتب إرشاد متوسط أعمار أعضائه ما بين الستين والسبعين ومن عجب أن قيادة الإخوان في مصر تعتبر الأعضاء الذي وصلوا إلى أواخر الخمسينيات من عمرهم هم الشباب ، في الوقت الذي يتولى الشباب أمر تنظيمات الإخوان في الكثير من دول العالم .فالحقيقة أنه حدثت فجوة بين جيل الشيوخ أو ما اصطلح عليه بالحرس القديم وجيل الشباب أو ما اصطلح عليه بالمجددين .ولا شك أنه مهما كانت خبرة الشيوخ فإن القيادة إن لم تكن شابة تساير الواقع وتعي الإحداث وتتواصل مع كل ما هو جديد فلا أمل للإصلاح ، وسيكون هذا التنظيم بمثابة تاريخ يتغنى به البعض من الشباب كمن يتغنى بأمجاد المسلمين ويبكي عليه البعض الآخر كمن بكى على ضياع الأندلس.
انسداد و يتصور البعض من الإخوان المسلمين أو قل يتصور أكثرهم أنه لا يمكن أبدا أن ينفصل إخوان التنظيم الدولي عن مصر ولا يمكن أبدا أن تتكون كيانات مستقلة لهذا التنظيم بعيدا عن مصر .ويقينا فإنه لم يخطر على بالهم أن جمود حركتهم على الآليات التي ابتدعها حسن البنا في العشرينيات من القرن العشرين ،سيؤدي إلى تخلفهم عن الواقع سريع التطور، إلا أن تجارب البشر تعلمنا أنه من الممكن أن تنفصل كيانات عن أصولها ثم تنمو وتتطور وتسبق الكيانات الأصلية .فها هو حزب الرفاة في تركيا يتوقف عند حد معين ويختلف رجب أردوغان مع صاحب الحزب نجم الدين أربكان ويخرج أردوغان ليكون حزبا جديدا كان يظن الناس أن حزبه هذا مجرد ورقة سقطت من شجرة مثمرة وأن مآلها إلى الذبول ،فإذا بهذا الحزب الجديد يواكب التطور السريع ويتواءم معه ويتعامل بآليات زمن جديد. فكان أن أصبح هذا الحزب الوليد ملء السمع والبصر يقود تركيا بمرجعية إسلامية بحثت عن صيغة تفاعل مع علمانية تركيا وإذا بالحزب القديم يصبح في ذمة التاريخ.
لذلك ليس من المستغرب أن تنفصل كيانات التنظيم الدولي عن التنظيم أو الجماعة في مصر خاصة وأن معظم كيانات الإخوان في أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية سبقت الجماعة الأم في مصر في حيويتها وقدرتها على التعامل بآليات جديدة وبعقليات مبدعة غير جامدة مثل جماعة الإخوان المسلمين بالأردن وحركة (حماس) في فلسطين ، فضلا عن أن استمرار بقاء الجماعة في مصر معطلة جامدة جعل حركة القلب شديدة البطء وانسدت شرايين العمل الإسلامي الإخواني فأصبح القلب لا يضخ دما نقيا إلى باقي جسد الإخوان في العالم أو على أرجح الرؤى أصبح الدم لا يستطيع المرور في ثنايا الشرايين المسدودة والتي تصلبت .
بشهادة القادة وربما سكن اليقين داخل قادة الإخوان أنفسهم بأن هناك ترهلا واضحا في صفوف التنظيم الدولي فحسب قراءة الكاتب ممدوح الشيخ فإن انفراط العقد سيحدث لا محالة. ويستشهد الكاتب بحوار صحافي وصف فيه الدكتور عصام العريان التنظيم الدولي قائلا : " صورة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مشوشة جدا في أذهان الكثيرين فهذا الاسم ضخم جدا ولا يعبر عن واقعه وطبيعته ، ففي كثير من الأقطار العربية والإسلامية هناك تجمعات وتنظيمات للإخوان المسلمين .. ولأنه يوجد تقارب كبير بين هذه التنظيمات في المنطلقات وطريقة التربية والمبادئ العامة جرى هناك قدر من التعاون والتنسيق بين هذه التنظيمات ، ولكن ذلك لم يقلل إطلاقا من استقلالية وحرية هذه التنظيمات في اتخاذ قرارها ورؤيتها وتبني المواقف التي تلائمها لأنها الأقدر على تقييم أوضاعها الداخلية .والصورة التي وصفها العريان بأنها "مشوشة " تدعونا للتوقف لرسم صورة تقرب معنى التنظيم الدولي وتتوقف عند بعض المفاصل المهمة في تطوره ، فقبل أحداث سبتمبر 1981التي اعتقل فيها الرئيس المصري الراحل أنور السادات عددا من قيادات القوى السياسية في مصر سافر مرشد جماعة الإخوان الراحل مشهور إلى الكويت ، ومنها إلى ألمانيا حيث قض ى هناك سنوات شارك فيها في إنشاء وبناء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي كان تأسس قبل سنوات ولم يستكمل ملامحه ، وكانت تقوم فكرته على ربط تنظيمات ومجموعات الإخوان في البلدان المختلفة في إطار تنظيم واحد يتصف بالعالمية . وشارك مشهور في وضع النظام العام للتنظيم الدولي لضبط حركته . غير أن ذلك يعكس جانبا من الصورة ، فالحركة الإسلامية في بلدان عديدة لم تتقبل فكرة التنظيم الدولي بالصورة التي لعب مشهور دورا كبيرا في بلورتها ، وكان للسودانيين السبق وشاطرهم في ذلك الموقف إخوان العراق ثم توالت مواقف مماثلة ، حيث اعتبر السودانيون العلاقة بين الحركات الإسلامية مجرد علاقة تنسيق وتعاون دون إلزام أو التزام ، وأرادوا التنظيم الدولي محض هيئة استشارية وقناة لتبادل الخبرات بينما اعتبرها المصريون علاقة بيعة لهم ملزمة ، ورأوا التنظيم وحدة اندماجية بقيادتهم . وسكت الطرفان على ما في النفوس ، وقبلا نوعا من التعايش داخل التنظيم الدولي بضغط من المحنة التي كانت تعيشها الحركة المصرية وكان للسودانيين حضور كبير فيا لتنظيم الدولي ، خصوصا وأن مكتب العلاقات الخارجية في الحركة السودانية نجح في الوصول إلى وفاق حول صيغة التنسيق مع التنظيم الدولي ، وعاد إخوان مصر وعرضوا على السودان الرجوع إلى علاقة توحيدية تضع التنظيمات في مختلف الأقطار بل الأمصار موضع سياسات الجماعة وموقفها ،كما يحددها مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام والالتزام بالحصول على موافقة مكتب الارشاد العام ، قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار سياسي هام .كما ينص النظام العام على أن اللائحة الداخلية المنظمة لشأن الحركات الإسلامية محليا "يجب اعتمادها من مكتب الارشاد العام قبل تنفيذها .وكل من هذه النقاط دفعت ممدوح الشيخ للتأكيد على وجود خلل فكري وسياسي وتنظيمي : فالالتزام بمضامين "النظام العام" محليا قيد على الحركات الإسلامية ، وتجاهل لواقعها الداخلي . إضافة إلى أن تسمية تلك الأمور الإجرائية المستحدثة "مبادئ أساسية" يدل على وجود لبس كبير في التمييز بين المبدأ والمنهج ، بين الفكرة ووسائل تطبيقها . فهل هذه هي الوسائل الوحيدة المتصورة شرعا وعقلا في تربية الأفراد وبناء الجماعات ونصرة الإسلام .

والالتزام بـ " فهم الجماعة للإسلام المستمد من الكتاب والسنة في نظر المعارضين" هو "مذهبية جديدة وحجر على العقل المسلم ، وسد لأبواب الاجتهاد والتجديد . وهو ما ينطبق على الالتزام" بسياسات الجماعة ومواقفها العامة ، إذ يفيد هامش المناورة السياسية أمام الحركات الإسلامية في بلدانها .

سلطة المرشد العام في السياق نفسه وحسب جيل كيبيل الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس فان سلطة المرشد العام على التنظيم الدولي للإخوان "معترف بها بطريقة ما " وخصوصا من جماعة الإخوان في الأردن وسورية وفلسطين التي تمثلها حركة (حماس(
وتعد أخطر الأمثلة على سلبيات فكرة التنظيم الدولي بالشكل الذي يصر عليه إخوان مصر هو المأساة التي وقع فيها الإخوان المسلمون في سورية والتي بلغت قمتها بما يجري في مدينة حماة فالتنظيم الدولي بتدخله في الأمور الداخلية للحركة الإسلامية السورية ، وسوء استيعاب قادته لمعطيات الواقع المحلي في سورية ، لم يكن بعيدا من المسؤولية عن تلك المأساة إذ قام التنظيم حسب روايات إخوانية بتحريض الناس على المواجهة العسكرية مع الحكومة السورية آنذاك . وعندما سالت الدماء ، وطحنت الرؤوس تحت الأنقاض ، نفض مكتب الإرشاد يده من الأمر بل إن مثل الدكتور عبد الله النفيسي يؤكد أن سوء الموقف داء بارز في ممارسات "مكتب الإرشاد العام" وخاصة في مجال العلاقات السياسية وتفسير الأحداث الكبيرة .

و كان الاحتلال العراقي للكويت مرحلة مهمة في مسيرة التنظيم ،ذلك أن أهمية الإخوان في الكويت تأسست على أيدي عناصر مصريين وكان الاجتياح العراقي بمثابة كارثة على إخوان الكويت إذ أثار الكثير من التوتر مع تنظيمهم الدولي الذي حاول القيام بوساطة مع الرئيس صدام حسين . وبلغت الأزمة التي سببها موقف التنظيم الدولي حد الاضطرار لتغيير اسمهم إلى " المرابطون" ووصلت الخلافات قمتها مع وصول القوات الأمريكية ، إذ ذهب أعضاء مهمون من التنظيم الدولي إلى بغداد .

وبصفة عامة لا يمكن الفصل بين مشكلة الحركة الإسلامية في السودان وغيرها مع التنظيم الدولي عن مشكلتها مع حركة الإخوان في مصر ، نظرا لهيمنة الإخوان المصريين على هذا التنظيم حسب رأيهم . وقد نص "النظام العام" على أن الحركات الإسلامية المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي ملزمة بالآتي :
الالتزام بالمبادئ الأساسية الواردة في هذه اللائحة عند صياغة اللائحة الخاصة للقطر . وتشمل هذه المبادئ : العضوية وشروطها ومراتبها ، ضرورة وجود مجلس للشورى إلى جانب المكتب التنفيذي ، الالتزام بالشورى ونتيجتها في جميع أجهزة الجماعة .. الخ . والالتزام بفهم الجماعة للإسلام ، المستمد من الكتاب والسنة والمبين في الأصول العشرين ، والالتزام بالنهج التربوي الذي يقره مجلس الشورى العام . الالتزام الأمريكي في عبارات بدت وكأنها دعم لصدام . عندها علق إخوان الكويت عضويتهم في التنظيم الدولي ولا يزال الفتور قائما رغم عودتهم للمشاركة في الاجتماعات . ولم تقتصر التناقضات التي أدى إليها إنشاء التنظيم على ذلك فالحركة الإسلامية الكردستانية بوضعها الذي يتسم بالحساسية الشديدة نموذج آخر نحب التوقف عنده ، فهذا التنظيم "الدولي" الذي يعبر عن جماعة ذات توجه إسلامي يتصف بالعالمية أثمرت تجربته مع الإسلاميين الأكراد عن انطباعات سلبية ويعبر عن ذلك أحد القيادات الإسلامية الكردية بقوله إن حركة الإخوان المسلمين حركة إسلامية مهتمة بالعرب لا تخرج عن دائرة الشعوب العربية إلا في حالات استثنائية نادرة وقد أسس التنظيم الدولي للإشراف على الإخوان في بلاد الهجرة والاغتراب . والإسلاميون الأكراد يعتبرون علاقة الإخوان بالنظام العراقي السابق مشكلة تعقد علاقتهم بالتنظيم ، ذلك أن دخول بعض أجنحة الإخوان المسلمين الإسلامية العراق مع سكوت أكثر تنظيمات الإخوان هو في حد ذاته شر مستطير وخطر كبير خلق واقعا مظلما ومستقبلا أظلم .

في الوقت نفسه ينتهي الباحث ممدوح الشيخ إلى أن هناك علامات استفهام كبيرة تحيط بمستقبل التنظيم وأن التغيرات في المناخ الدولي تنذر بمصاعب كبيرة ،لكن العجز عن استيعاب الكثير من جماعات الإخوان المسلمين الكبيرة في العالم هو التحدي الأكبر "والغموض الذي يغلف صورة التنظيم حتى في أذهان قيادات الجماعة يؤكد أن بناءه وإدارته محكومة بثقافة السرية التي قد يكون وجودها مفهوما في الداخل نتيجة القمع الأمني لكن بصماتها الواضحة على بنية التنظيم ، وهو عامل سيكون تأثيره في مستقبله أكبر من تأثير الضغوط الدولية المحتلة .
العناية المركزة وعلى صعيد ذي صلة يرى الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمركز الأهرام والمهتم بتطورات حركة الإخوان ،أن التنظيم الدولي يرقد الآن في غرفة العناية المركزة في حالة حرجة جدا ربما يكتب وفاته في الفترة القادمة لا سيما أنه مقبل على مرحلة خطيرة تمر بها الدول على المستويين الإقليمي والعالمي ، فضلا عن أن التنظيم في العقد الأخير حاصرته مشاكل عديدة في كل قطر عربي على حده . فالتنظيم على المستوى الفكري والفلسفي فكرة عابرة للقوميات ولفكرة الخصوصية نتجاوز كل هذه الأشياء لصالح فكرة التوحيد حول الولاء الديني والإسلامي حسب مفهوم الجماعة ، ومن أهم الأزمات التي هزت قواعد التنظيم أنهم منذ نشأتهم وحتى هذه اللحظة عاشوا على فكرة التوفيق بين اتجاهات متعارضة داخل التنظيم وأخذ ذلك منهم وقتا طويلا أفاقوا بعدها على كوارث يعجزون الآن على تجاوزها ، ووضح ذلك في فترة الثلاثينيات والخمسينيات واستمرت هذه الصيغة " صبغة الإصلاح إما بالسلام أو السلاح " حتى فترة عبد الناصر في السبعينيات والثمانينيات ، وفي الفترة الأخيرة فتح الحرس القديم ملفا جديدا للخلافات مع جيل الوسط مما أدى إلى انشقاق واضح وملحوظ وسط أعضاء الجماعة ، وبدا أن هناك صعوبة في الحفاظ على شكل وكيان التنظيم ، وانقلب جيل الوسط على الجماعة وبدت الصورة أن فكرة استيعاب التنظيم لأطراف أخرى فكرة مستحيلة ، وبالتالي تراجعت فكرة استيعاب التنظيم الدولي للمناخ الذي تعيشه فيه الجماعة الأم . من ناحية أخرى فإن الخبير عمرو الشويكي يؤكد أن قادة الإخوان العالميين اكتشفوا أن واقع الجماعة يختلف واقعيا من قطر إلى آخر ووضح ذلك عند إسلاميين مثل الدكتور عبد الله النفيسي ،إذ اعتبر أن هناك خروجا بين إخوان الخليج ومصر ، وأشار أكثر من مرة إلى أن إخوان البلدان العربية الأخرى ينظرون إلى الخليج كمصدر لتمويل مادي فقط .

وعلى صعيد آخر فإن الإحداث المتلاطمة وخاصة بعد أحداث 11سبتمبر وهيمنة الحصار الأمريكي والعالمي على فكرة "الإسلام الأممي" ووصفه بأنه تنظيم عابر للقوميات أمر غاية في الخطورة إذ وضع هذه الجماعة في دائرة الاشتباه ،فلم تكن في وجهة نظرهم المتهم الأول ، كما أن تعرض بعض عناصر التنظيم الدولي لملاحقات وحصار مادي ومعنوي أدي إلى تحجيم نشاط هذا التنظيم بصورة كبيرة .

وفي النهاية يصل د . الشويكي إلى أنه هناك خيارين أمام هذا التنظيم الدولي : الصيغة القديمة التوفيقية واللجوء إلى الحلول الباحثة . والثانية : أن يتحولوا إلى عقل سياسي دون الخلط بين العمل الدعوي والسياسي .
http://www.albayan.co.ae/albayan/al...e162/axis/4.htm
http://www.diwanalarab.com/article.php3?id_article=574





أبرز التحديات التي تواجه الجماعة...
حركة الإخوان المسلمين بعد وفاة مرشدها العام
مقدم الحلقة: محمد كريشان
ضيوف الحلقة: د.عبد المنعم أبو الفتوح: عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين-القاهرة مختار نوح: أحد كوادر الإخوان الشابة د.ضياء رشوان: خبير الحركات الإسلامية- القاهرة.
- أبرز التحديات التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين
- حقيقة الصراع الداخلي بين جيل الوسط والرعيل الأول للإخوان
- مستقبل العلاقة بين الجماعة والحكومة المصرية

محمد كريشان: رحيل المرشد العام للإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة وتساؤلات حول مستقبل الجماعة بين جيل الشرعية التاريخية وما يمكن أن يُوصف بجيل الشرعية الواقعية.
السلام عليكم. خلافاً لما أصبح يُعرف ببيعة المقابر التي أعلنت قيادات الإخوان.. اعتادت أن تعلن فيها وفقاً لها اسم مرشدها الجديد خرجت جنازة مرشد الإخوان الراحل مصطفى مشهور عن النص هذه المرة، ومضى الجثمان إلى مثواه في الجنازة المهيبة دون الإعلان عن اسم رجل الإخوان الجديد، فقد جاء رحيل مشهور في ظرف وتوقيت أخرج إلى الأضواء ما يُعزى.. أو يُعنى في ساحة الإخوان ما يعتليه من تطورات وتفاعلات لعل من عناوينها البارزة آلية اختيار المرشد العام، هل هو بالانتخاب -كما تنص اللوائح الداخلية- أم بالخضوع للاعتبارات العاطفية التي عادة ما تأتي بأكبر الأعضاء سناً بغض النظر عن قوته الجسمية والذهنية ليتولى زمام حركة بحجم وثقل الإخوان.
لكن آلية اختيار المرشد وإن كانت أبرز العناوين إلا أنها ليست العنوان الوحيد لحالة الانعطاف التي تمر بها الجماعة، ذلك أن المناخ الانفتاحي الذي عاشه الإخوان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات أسفر عن جلب أعداد ضخمة من الطلاب الجدد للجماعة حيث عززوا صفوفها بعد أن أصابتها ظروف الصدام مع النظام الناصري بالتجمد.
وراح أبناء هذا الجيل الذي نعم بالعمل العلني بعد أن تخرجوا وتبوءوا مواقع مرموقة أصبحوا يحققون للإخوان خلال الثمانينات والتسعينات نجاحات ضخمة على المستويين السياسي والنقابي، فاكتسحت الجماعة بهؤلاء انتخابات معظم النقابات المهنية ونوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات إلى جانب الاتحادات الطلابية كما استطاعت الجماعة رغم الحظر القانوني أن تُدخل أعضاءً منها إلى مجلس الشعب في ثلاث.. ثلاثة انتخابات في الأعوام 84، و87، و2000، بل نجح أبناء هذا الجيل في أن يضعوا جيلاً ثالثاً بعد أن زاد بريق الإخوان كتيار معتدل أمام تراجع وزن وجاذبية جماعات العنف المتطرفة.
كل هذه المعطيات للصعود المتوالي للجيل الثاني أو جيل الوسط الإخواني -كما يُسمى- أوجدت نوعاً من التأسيس الثاني للجماعة على حد تعبير الباحث الدكتور ضياء رشوان المختص في الحركات الإسلامية، وأصبحت رموز هذا الجيل تمثل شرعية واقعية مقابل الشرعية التاريخية التي يتمتع بها الرعيل الأول.


وينادي بعض المحسوبين على الشرعية الواقعية بمراجعات فكرية على غرار مراجعات الجماعة الإسلامية، بينما يتحفظ الكثير من الإخوان على مثل هذا الطرح، لأن الإخوان لم يعيشوا تجربة الجماعة، لم يشهروا السلاح في وجه الدولة كما فعل.. -كما فعلت الجماعات المتطرفة- وبالتالي فليس لديهم ما يعتذرون عنه مثل الجماعة الإسلامية.

لينا الغضبان تحاول في هذا التقرير من القاهرة التجول في فكر بعض ممثلي الجيلين في سياق رصد أبرز التحديات التي تواجه الإخوان.

أبرز التحديات التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين
تقرير/ لينا الغضبان: منذ كتب الإمام حسن البنا شهادة ميلاد جماعة الإخوان المسلمون في مصر قبل نحو 75 سنة والجماعة تفخر بأنها الأكثر انضباطاً وتماسكاً بين الجماعات والتنظيمات الأخرى في مصر، غير أن رحيل مرشدهم العام مصطفى مشهور كان نقطة تحول كشفت عن أن الأمر ربما لم يعد على هذا النحو تماماً، رغم محاولات قيادات الإخوان إخفاء ما بينهم من خلافات وصراعات تدور حول فكر الجماعة وأدائها التنظيمي وعلاقاتها بالدولة وغيرها من القوى السياسية.
أبو العلا ماضي (رئيس حزب الوسط (تحت التأسيس): لم يكن لدى الرأي العام مقدمات أن هناك خلافات داخلية مكتومة، لأنه أحد أدبيات الحركة الإسلامية إنها تخفي خلافاتها وتكون خلافات حقيقية، وحينما يُسأل أحد يقول لك لا يوجد، والصف موحد.. وكما قيل في الأيام الأخيرة، ودا غير صحيح.

لينا الغضبان: وفي هذا السياق سعت الحركة إلى إعطاء انطباع بالتضامن بين كوادرها من مختلف الأجيال، وأن تعلن على الملأ أنها قادرة على خوض معارك مرحلة ما بعد رحيل المرشد العام بكل ما تحمله من تحديات داخل الجماعة وخارجها.

خيرت الشاطر (عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين): نحن في حقيقة الأمر لا نشعر بمسألة تمايز أو اختلاف بين الأجيال، كما يشاع في كثير من وسائل الإعلام، ولكن جماعة الإخوان وقياداتها متماسكة بفضل الله -سبحانه وتعالى- والعمل يتم بشكل جماعي لا دور فيه لفرد من الأفراد متميز عن غيره من الأفراد الآخرين.

لينا الغضبان: أول التحديات التي تواجه الجماعة هو انتقال قيادتها إلى مرشد جديد، ورغم أن التوقعات والتكهنات كلها أشارت إلى المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد الراحل، باعتباره المرشح الأقوى داخل الجماعة، إلا أن قيادات الإخوان آثروا عدم الإعلان عن تنصيبه للتأكيد على فكرة المؤسساتية داخل الحركة وأن اختيار المرشد أمر يخضع لقواعد راسخة منصوص عليها في لائحة الجماعة، وإن كان بعض المراقبين يرى أن التأجيل جاء لإتاحة الوقت الكافي لحسم خلافات بين الحرس القديم المسيطر على سلطة اتخاذ القرار والطامحين من جيل الوسط الذين يمتلكون مفاتيح القوى المؤثرة داخل الجماعة.

تدخل جماعة الإخوان المسلمون عامها الخامس والسبعين مُحملة بأوجاع تنظيمية وهموم داخلية وخارجية، كما أن ملف الصراعات داخل الجماعة سيظل مفتوحاً ما لم ينجح المرشد الجديد في احتواء طموحات قيادات جيل الوسط.

ملف العلاقة بين الجماعة والدولة المصرية هو تحدٍ آخر يواجه الإخوان المسلمون في المرحلة القادمة، فالشد والجذب بين الطرفين كان دائماً عنواناً لتلك العلاقة التي ذاقت الجماعة حلاوتها في بعض الأحيان وتجرعت مرارتها أحياناً أخرى، غير أن الملاحظ هو اتجاه الإخوان المسلمون في هذه المرحلة إلى انتهاج أسلوب المهادنة مع الحكومة طمعاً في تحقيق حلم قديم لهم، هو اعتراف الدولة بهم كحركة شرعية.

مأمون الهضيبي (القائم بأعمال المرشد العام للإخوان): إلى جميع حكام مصر، وإلى جميع الجهات الموجودة في مصر يد طاهرة نقية صادقة نريد أن تكون بيننا وبينهم علاقات صحيحة واضحة لا غموض فيه ولا لبس..

لينا الغضبان: فتح جسور بين الجماعة والقوى السياسية الأخرى هو أحد البنود الرئيسية على جدول أعمال الإخوان في المرحلة القادمة، وهو أيضاً أحد نقاط الخلاف بين جيل الوسط الذي يرى أن الجماعة تنضوي تحت لواء الحركة الوطنية بكافة أطيافها والحرس القديم الذي يبدو مُصراً على تصفية ثارات الإخوان التاريخية مع غيرهم من القوى والجماعات مثل القوميين واليساريين، الوقت وحده سيكشف إلى مدىً سينجح الإخوان في عبور هذا المنعطف الحاسم في مسيرة حركتهم والذي قد يؤذن بميلاد جديد للجماعة.

حقيقة الصراع الداخلي بين جيل الوسط والرعيل الأول للإخوان

محمد كريشان: ما يبدو من تناقض بين تيارين داخل الإخوان قد لا يكون بالضرورة صراعاً بين جيلين بقدر ما هو اختلاف بين تجربتين تتداخل الفئات العمرية بين أصحابهما.

تجربة واكبت عهد التضييق والقمع، وبالتالي أصبحت تنظر بجيسة إلى الآخر وأخرى انخرطت في النشاط العام وتفاعلت مع أجهزة الدولة ولها تصوراتها وتُعرف بالتصورات الواقعية، ربما من أبرز رموز هذا التيار الأخير الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (عضو مكتب إرشاد الإخوان والأمين العام السابق لنقابة أطباء مصر). دكتور أبو الفتوح، قضية المرشد لم تحسم بعد رسمياً وإن كانت شبه محسومة. لماذا؟

د.عبد المنعم أبو الفتوح: إحنا يعني أنا أتصور.. بسم الله الرحمن الرحيم (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الفَاتِحِينَ)

أتصور إن المشاهدين الكرام، الذين نقدر مشاعرهم، ونقدر حرصهم على استمرار هذه الجماعة الوطنية الشريفة على مدار تاريخها هو لعلهم بيدفعوا الإعلام والصحافة إلى إن يطرحوا هذا السؤال، ونحن الحمد لله يعني تتم الأمور بشكل مؤسسي وبشكل جماعي ويتم اتخاذ الإجراءات الطبيعية لاختيار المرشد الجديد للجماعة، بعد وفاة الأستاذ مصطفى مشهور، وأنا أتصور إن ما يطمئن الجميع، مع تقديرنا لمشاعرهم تجاهنا كإخوان مسلمين أن تتم المسألة بشكل ديمقراطي أو بشكل شوري وبشكل مؤسسي محترمين فيها نظم ولوائح الجماعة التي نعتز نحن الإخوان -كإخوان- بالانتماء إليها، إحنا بنجتهد أن تتم المسألة بشكل طبيعي وبشكل مؤسسي وبشكل فيه استطلاع ومعرفة آراء كل أصحاب الرأي وأصحاب القرار في هذه المسألة إحنا لم نتأخر، البعض بيقول أنتم تأخرتم، إحنا اللائحة تعطينا ثلاثين يوم منذ وقت وفاة المرحوم الأستاذ مصطفى مشهور -طيَّب الله ثراه وتقبله في الصالحين- ونحن مازلنا في حدود هذا الزمن بنقدر أمورنا، ظروفنا التي تحيط بينا، الأوضاع التي تحيط بينا نقدَّرها، نحن نريد أن نتمِّم أمورنا بشكل هادئ وبسيط ودون استفزاز لأحد ودون.. والجميع يقدِّر المناخ الذي تعيش فيه الدعوة الإسلامية، ليس في مصر فقط، بل على مستوى العالم، حيث أصبحت مستهدفة من قوى الشر والاستكبار العالمي متمثلة في أميركا والصهيونية، وبالتالي نحن مهمومين بالدرجة الأولى بأن تتم أمورنا بطريقة هادئة وبسيطة وأنا لا أرى يعني..

محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، يعني.. يعني عفواً.. عفواً.. أنتم.. أنتم مهمومون بالوضع المحلي والإقليمي والدولي، ولكن أيضاً مهمومون بالوضع داخل الحركة؟ عادة يجري الإعلان بسرعة وحتى في.. في المقابر، هل هذا الجدل المؤسسي يعكس حراكاً وتفاعلاً داخل الحركة بين من يوصفون بالتيار المحافظ والتيار التجديدي؟

د. عبد المنعم أبو الفتوح: يا سيدي، ليس الإعلان في المقابر.. يعني أصل، ده كان استثناء حدث بعد وفاة الأستاذ أبو النصر، والأستاذ الهضيبي وأنا عشت هذا، تُوفي -رحمة الله عليه- واختير الأستاذ عمر بعده، ثم توفي الأستاذ عمر، واختير الأستاذ أبو النصر بعده، ولم يتم هذا في المقابر، يعني مسألة بيعة المقابر دي مسألة إعلامية، كان لها ظروفها، وكان المرحوم الأستاذ مصطفى مشهور -رحمة الله عليه- حصل لقاءات واجتماعات أثناء فترة الغيبوبة الطويلة التي عاشها الأستاذ أبو النصر -رحمة الله عليه- وإحنا كنا ساعتها في المعتقلات يعني، وتمت الأمور كما حكى لنا إخواننا بشكل فيه احترام للنظام واللوائح، وكانت يعني مسألة استثنائية أن يسارع بالإعلان، لأن ده مش أصل، لأن الأمور مستقرة، بفضل الله، علاقة الأخوة والترابط موجودة، أنا بأحب أؤكد لحضرتك ولكل الإخوة المشاهدين إن إحنا مختلفين عن بعض الأحزاب السياسية، إن قضية المسؤولية عندنا، نحن كإسلاميين وكإخوان مسلمين نعتبرها محنة ليست منحة، وبالتالي ما فيش حاجة شيء عندنا اسمه الطموح والرغبة وصراع، كل هذه مسائل مصطلحات إعلامية، نحن لم نتربَ عليها، صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا بيتدافعوا الإمامة في الصلاة، أبو بكر لا يريد أن يصلي، وعمر لا يريد.. كل واحد لا يريد أن يحمل مسؤولية بين يدي الله في إمامة الناس في عبادة ونسك.

محمد كريشان: ولكن.. ولكن سيد أبو الفتوح، يعني هذه يعني.. يعني هذه مسائل تعتبر عادية وحتى شرعية في أي تيار سياسي، وأنتم تعتبرون أنفسكم تيار سياسي بمرجعية دينية..

د.عبد المنعم أبو الفتوح: صحيح، نعم

محمد كريشان: يعني القضية ليست عيباً عندما نتحدث عن تيار قديم أو تيار جديد، لماذا تبدون بعض الحساسية من هذه المسألة والبعض حتى ينفيها أصلاً مع أن التفاعل داخل كل حزب مسألة عادية يعني؟

د.عبد المنعم أبو الفتوح: أنا لا أبدي حساسية من مسألة التيارات ولا من مسألة الاختلاف في الرأي ولا الرؤى، أنا أبدي حساسية من مسألة كلمة صراع على مناصب، هذه مسألة غير موجودة عندنا، إحنا جميعاً بنعمل.. وبنعمل بشكل جماعي، وطبيعة التربية الإسلامية بتربي رجال أصحاب تضحية وبذل رجال يستطيعوا أن يجهروا بآرائهم ولا يخافون في الله لومة لائم، فدي طبيعة تربيتنا، فلا يتصور أحد أنه يجاهر برأيه في مواجهة نظم ظالمة وطاغية، ثم يخاف أن يقول رأيه داخل الصف وبينه وبين إخوانه، أنا ده اللي أنا عندي حساسية منه مسألة الصراع، أما مسألة إن إحنا عندنا آراء مختلفة، عندنا أجيال كلها بتتفاعل من أجل الخير ومن أجل تحقيق الأهداف العليا للأمة، وليس بذواتنا ولا حتى لجماعتنا.. نعم.

محمد كريشان: ولكن.. ولكن عفواً يعني.. نعم، عفواً يعني يعني هذا التفاعل بين الأجيال لماذا لم.. لماذا لم ينعكس على مستوى القيادة، الجنازة كانت كلها شباب، وهناك حساسية ربما أو الظرف لم ينضج بعد لاختيار مرشد شاب، أو.. هل يمكن أن يعوَّض هذا على مستوى أحد نائبي المرشد يكون من هذا التيار الذي يوصف بالتيار الشاب أو التجديدي؟

د.عبد المنعم أبو الفتوح: هو لا يوجد موقف -للإخلاص وبنقاء- لا يوجد أي موقف تجاه لا اختيار الكبار ولا اختيار..، بيختار الأكفأ والأقدر على الأداء، وطبيعي إن الاختيار بيبقى محصلة نتاج وواقع موجود وتربية مجتمعية موجودة، وتربية تربت عليها الأجيال دي كلها، وبالتالي ما فيش موقف محدد تجاه هذا أو ذاك، وأنت حضرتك تعرف إن لو نظرت للـ17 عضو اللي بيمثلونا في مجلس الشعب المصري هتجدهم كلهم من الأجيال الحديثة، كلهم في الخمسينات يعني.. يعني فيما عدا أحدهم وهو الأستاذ محفوظ عنده 60 أو 65 سنة، الباقي كله خمسينات فما أقل من ذلك يعني، والحمد لله مستويات القيادية في الإخوان المسلمين -كتيار موجود في العالم كله- معظمها من الأجيال دي، إحنا لا يوجد عندنا أزمة أجيال ولا صراع أجيال، قد يكون عندنا خلاف في الآراء واختلاف في الآراء، هذه مسألة تتم بشكل يومي، وفي مناقشاتنا وآرائنا، والهدف منها بالدرجة الأولى هو الوصول إلى الأفضل، الوصول إلى الأفضل، طبيعي إن الأجيال تختلف، أنا لا أنكر أقول إن الأجيال كلها بتختلف، بدليل إن كل جيل طبيع تجربته وطبيع ممارساته، وطبيع سنه، وطبيع خبراته، أنا الجيل اللي.. أولادي اللي هم اتخرجوا من الجامعة حديثاً الآن مختلفين عليَّ، وأنا أرى في أولادي أبنائي.. لنا يعني خلاف في طريقة الأسلوب والعمل والفكر، وهذا كله نسعه، الإسلام يسعه، ونحن نسع ما يسعه الإسلام يسع كل هذه الخلافات التي تنتج في أسلوب التفكير، في الطريقة، في سرعة الأداء في.. لكن فيه أصول عامة نحن وإطار عام بيجمعنا جميعاً كعاملين في الدعوة الإسلامية يسعنا ما يسع الإسلام نحن نسعه، اللي الإسلام يسعه نحن نسعه، نحن قلوبنا مفتوحة للجميع يعني، والأمور ليست بالصورة اللي أجهزة الإعلام -مشكورة مع تقديرنا وإعزازنا لها- بتتناول يعني الصورة بطريقة فيها نوع من..
محمد كريشان: دكتور أبو الفتوح، في النهاية وباختصار شديد، متى نتوقع أن نسمع رسمياً تعيين المرشد العام الجديد طالما الأمور يعني واضحة بهذا.. بهذا الشكل؟

د.عبد المنعم أبو الفتوح: إن شاء الله.. آه، نعم.. نعم، المسألة -إن شاء الله- المسألة لن تطول يعني -إن شاء الله- يعني مجرد انتهاء الإجراءات، وأنا أتصور إن دي مش هتأخذ وقت كثير -إن شاء الله- مش أكثر من.. من وقت أسبوع أسبوعين، تنهي أمورنا الإجرائية والتي تتم في سلاسة ويسر وود، سيعلن عن الاسم، لأنه لم يكن في يوم من الأيام مرشد الإخوان المسلمين مرشداً سرياً، لابد أن يعلن عنه ويعرف، والسيد المستشار مأمون الهضيبي -بارك الله فيه وفي صحته- بيقوم بواجبه على خير وجه الآن كنائب.. كقائم بأعمال المرشد، والأمور تتم، إحنا لا -يعني مع حبنا وإعزازنا للراحل مصطفى مشهور- لا.. الدعوة لا تتوقف بغياب أحد ولا بوجود أحد، الدعوة تسير بجمهورها الذين شاهدتموه في رسالة حب ووفاء لأمته خرج مودعاً أستاذه المرشد -رحمة الله عليه- وقصد بذلك ليس -كما يقول البعض- استعراض قوة، بل هذه رسالة حب وود للأمة كلها أننا أبناء هذه الأمة ننافح عن قضاياها، ونضحي من أجلها، وهي رسالة تحدي في ذات الوقت لأعداء هذه الأمة من المستكبرين عليها، من.. من النظام.. النظام الأميركي والصهاينة، هي رسالة تحدي لهم، أما أبناء أمتنا حكاماً ومحكومين، فهذه رسالة ود وتواصل وحب ورغبة في التعاون من أجل الصمود في مواجهة قضايا أمتنا الكبرى التي جميعاً نشعر أننا مستهدفين بها حكاماً ومحكومين.

محمد كريشان: نعم.. نعم.. دكتور..
د.عبد المنعم أبو الفتوح: كما سمعتم في حديث وكلمة المستشار الهضيبي في حفل الإفطار منذ يومين..
محمد كريشان: نعم، يعني أنا.. أنا آسف.. أنا آسف للمقاطعة دكتور أبو الفتوح شكراً جزيلاً لك.
د.عبد المنعم أبو الفتوح: تفضل لأ، اتفضل يا فندم.. اتفضل
محمد كريشان: شكراً جزيلاً لك.

د.عبد المنعم أبو الفتوح: ربنا يكرمك، شكراً جزيلاً.
محمد كريشان: أحد أهم أوجه تمايز تيار التجديد أو جيل الوسط في الإخوان المسلمين، والذي تبدو شوكته آخذه في النمو بشكل تدريجي، هو الحساسية الأقل تجاه الدولة، والسعي الدؤوب للحصول على الشرعية.
بعد الفاصل: نظرة في مستقبل العلاقة بين جماعة الإخوان والدولة المصرية، العلاقة التي يبدو الصدام من ثوابتها منذ مطلع التسعينات.
محمد كريشان: الخطاب المعتدل لجيل الوسط لم يفلح أو لم يُفلح حتى الآن -على ما يبدو- في إقناع الدولة بالعدول عن سياسة المصادرة والصدام التي بدأتها منذ مطلع التسعينات عندما تفجرت ظاهرة العنف، ووضع الإخوان وتلك الجماعات في سلة واحدة، ويرى كثير من المعنيين بدراسة الظاهرة الإسلامية أن الدولة ترى في الإخوان منافساً سياسياً خطراً، وهو تخوُّف يتجدد مع كل انتخابات يخوضها الإخوان، وآخرها كان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة قبل عامين، وقد حصل فيها ممثلو الإخوان على 17 مقعداً، بينما لم تحصل جميع أحزاب المعارضة الأخرى مجتمعه سوى على 16 مقعداً فقط، في هذا السياق جاءت مبادرة المحامي مختار نوح، وهو أحد رموز جيل الوسط من الإخوان، هذه المبادرة للمصالحة مع النظام، تلك المبادرة التي أطلقها بعد زهاء الشهر من مغادرته المعتقل، حيث كان يقضي عقوبة بثلاث سنوات، والمحامي مختار نوح عبَّر لمراسلتنا في القاهرة عن ملامح هذه المبادرة ومضمونها على نحو دقيق.

مختار نوح: تعبير مبادرة ده أنا الحقيقة لم أستخدمه حتى يعني، إنما هي مجرد أفكار.. أفكار مطروحة في ذهن إنسان من خلال تصور وحركة الإخوان المسلمين تسمح بهذه.. بهذه الحدود من.. الواسعة من التفكير، تسمح لأفرادها وتسمح حتى لقياداتها ولرموزها بأن تفكر بهذا المستوى من الاتساع، عندي أفكار فهذه الأفكار سألني فيها بعض الإخوة الزملاء الصحفيين، فأبديت هذه الأفكار والمحاور، أفكار شخصية.

لينا الغضبان: إذا كانت هذه ليست مبادرة -كما تقول- وإنما بعض الأفكار الشخصية يعني، فما هي فرصة تحويل هذه الأفكار إلى حوار بين الجماعة والدولة، يعني يؤدي إلى تخفيف حدة التوتر بينهما؟

مختار نوح: هي أفكاري الشخصية التي تقول أن الحوار والذي يجب أن يتم الآن بغض النظر عن ما بعد الحوار، بمعنى أن الحوار لابد أن يكون هدف في ذاته يعني لابد أن يكون الحوار هدف في ذاته إذا ما تم الحوار ستُذلل العقبات، أنا بأعتبر أن عدم وجود الحوار والقنوات المفتوحة لسبب أو لآخر مع تقديري للظروف العالمية والظروف الدولية عدم وجود الحوار لسبب أو لآخر هو الذي يؤدي إلى هذه الدوائر المغلقة البعض بيقول طب ماذا بعد الحوار ماذا ستطرح، أنا بأقول مافيش بعد الحوار حاجة، لا يجوز أن نتحدث عما بعد الحوار، الحوار في ذاته هدف، الحوار في ذاته هو الوسيلة العقلية الطبيعية للتبادل، وهو الوسيلة العقلية للتواصل، يعني لابد أن يكون هناك حوار، تقوم أفكاري أصلاً على ألا يكون هناك هدف إلا الحوار، نركز على هذه النقطة، أن يكون هناك اتصال مباشر ومفهوم ومن شخصيات تعي الكلمة وتحترمها وتقدرها. اللي أنا عايز أقوله إحنا أبناء وطن واحد، وحركة الإخوان المسلمين دي خارجة من.. من.. من وسط ريف مصر، يعني خارجة من.. من شخص تربي في المحمودية محافظة البحيرة وأنشأ الدعوة في الإسماعيلية، إحدى مدن القناة، فإذن هي خارجة من أعماق مصر، المدن الساحلية، من الريف المصري، يعني خارجة من نبض مصر، فلماذا لا يتم حوار بين القيادة السياسية بأفكارها الجديدة المتطورة، وبدعوتها الآخرين للتفاوض وبين هذه الحركة، لوضع الأُطر التي يتم فيها الحديث.

أنا أستطيع أن أقول أن الوقت يمر لصالح الحوار، فكرة الحوار.

الإخوان أعطت علامات تهدئة للمناخ كبيرة جداً في الفترة الأخيرة، لعل ما ظهر في الجنازة من هدوء، و.. والتزام شديد بدواعي الأمن، وعدم اللجوء إلى أي شكل استفزازي ولو من بعيد، هذه طبعاً رسالة واضحة لتهدئة المناخ، وأنا أعتقد أيضاً أن هناك رسالة للتهدئة قُدِّمت، لا أعلم إذا كانت الحكومة ستستمر عليها أم لا، أن هناك إفراج عن كثير من المعتقلين، يعني كنا نعاني منذ عام من الحبس الاحتياطي طويل الأجل، اللي استمر في قضية من القضايا كان متهم فيها مجموعة من الوجة القبلي قعدت يمكن سنة ونصف.. قرابة السنة ونصف، إنما الآن أنا بأجد رسالات فيه تهدئة، فيه مناخ أفضل، فأعتقد أن الفترة القادمة هي فترة تحالف الباقي مع الباقي، الباقي هو التاريخ الصحيح للبلد مع الباقي وهو الشعب، فلابد من الأنظمة إنها توحد، أنا طبعاً ألاحظ في الدول الإسلامية جميعاً الآن وفي الدول العربية، وفي إيران مزيد من الحرية، ومزيد من.. سواء على مستوى المغرب، وهذا أمر يُشاد به، على مستوى تركيا نفسها التي كانت تقف موقفاً متشدداً من الأحزاب الإسلامية السابقة، الآن يعني أكثر مرونة، على مستوى البحرين، على مستوى الأردن، يعني فيه تقدم، نقدر نقول أن الوقت لصالح هذا الحوار.

الإخوان عليهم دائماً، وهو ما يقومون به بالفعل إرسال الرسائل الهادئة جداً، المحافظة على التوازن النفسي أمام هذه الهجمة الشديدة على حريتهم، وعلى الدولة أيضاً أن تُعرب عن اقتناعها الشخصي بهذه المبادرات، فأنا شايف فيه تحسن في المناخ، وشايف أنه كلما زادت الهجمة على الأنظمة من أميركا كلما كانت الأنظمة تحتاج إلى شعوبها، وكلما كانت محتاجة إلى.. إلى.. إلى كلمة "الله أكبر" وإلى العقيدة، لأن لا يقاتل إنسان بمجرد كلام وشعارات، لابد أن يجمع.. كما حدث في حرب 73، مش تم استدعاء العقيدة، لأ، إنما العقيدة قفزت من باطن الصدور إلى واقع ملموس.

محمد كريشان: الإخوان المسلمون إذن لا يتوقفون عن إرسال الرسائل المطمئنة إلى الدولة، ولكن هل تصل هذه الرسائل إلى من يهمه الأمر، أم تضل طريقها؟

السؤال نتوجه به إلى الدكتور ضياء رشوان (خبير الحركات الإسلامية، والباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

د.ضياء رشوان: الحقيقة أنه ليس كل الرسائل تصل، وليس.. بعضها لا يصل كاملاً. الإخوان المسلمون أيضاً رسائلهم اختلفت من مرحلة إلى أخرى، إذا كنا نتحدث عن المرحلة الأخيرة، والمرحلة الأخيرة هنا.. هنا نقصد بها منذ عام 95 حتى اليوم، المرحلة التي ساد فيها قدر من التدهور، والصدام بين الحركة وبين الدولة، في هذه الفترة الرسالة الرئيسية للإخوان المسلمين التي يريدون كانوا إيصالها إلى الدولة مفادها أننا حركة سلمية ساعية إلى أن تحصل على الشرعية، وغير ساعية على الإطلاق إلى أن تقوم بأي درجة من الصدام أو الانقلاب على الدولة.

في اعتقادي أن هذه الرسالة وصل جزء منها إلى الدولة، وهو الجزء الخاص بسلمية الحركة وعدم عنفها، وعدم اعتمادها على العنف، الجزء الآخر الخاص بنية الإخوان المسلمين أو عدم نيتهم في الوصول إلى الحكم، بالنسبة للدولة الإخوان المسلمين يريدون الوصول إلى الحكم، وهذا في الحقيقة هو مربط الفرس، هذا هو محل المشكلة الرئيسية اليوم بين الدولة وبين الإخوان المسلمين، وبالتالي الدولة -حتى لو تعددت الرسائل وزاد وضوحها فيما يخص نقطة الوصول إلى السلطة- فلدى الدولة اليوم في مصر قناعة واضحة هو أن هؤلاء الإخوان المسلمين يريدون السلطة، يريدون الوصول إلى السلطة، وبالتالي المسألة ليست في رسائل ملتبسة أو رسائل لا تصل، ولكنها تتعلق بتصورات من جانب الدولة عن حركة الإخوان، وأيضاً بتصورات من قطاع من الإخوان المسلمين تجاه الدولة المصرية.
محمد كريشان: نعم. هناك أيضاً ما يسمى بمشكلة القنوات، الكل يتحدث عن القنوات، ما.. ما المشكل في هذا الموضوع؟
د.ضياء رشوان: الحقيقة موضوع القنوات وصلاحية القنوات لتوصيل الرسائل هو موضوع مثار حديثاً جداً في مبادرة الأستاذ مختار نوح، لكن أيضاً لا أظن أن حركة بحجم الإخوان المسلمين وبقدمها في مصر، وبخبرتها المختلفة مع الدولة المصرية في مختلف المراحل من تعاون وصدام، ثم تعاون، ثم صدام، لا أعتقد أن مثل هذه الحركة يعوزها القنوات، المشكلة ليست في القنوات، هناك قنوات عديدة معروفة وغير معلنة بين الدولة وبين الإخوان يتم تبادل الرأي، وأحياناً المعلومات، وأحياناً التطمينات، وأحياناً التحذيرات والتهديدات خلالها، وبالتالي المشكلة ليست في القنوات، المشكلة الآن في التصورات المسبقة من كل طرف تجاه الآخر.
محمد كريشان: دكتور رياض.. رضا.. رياض.. ضياء.. ضياء رشوان، شكراً جزيلاً لك.
وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة، وخصصناها إلى التداعيات التي تمر بها حركة الإخوان. إلى اللقاء.
مئوية المودودي ومسؤولية الإخوان

تثير مئوية الأستاذ أبي الأعلى المودودي (1903-1979) التي احتفت بها الجماعة الإسلامية في باكستان، في شكل تظاهرة احتفائية تستعرض قوتها في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، أسئلة شائكة عن مدى قابلية الوسطية الإسلامية المعاصرة، لمراجعة الخطاب الذي أنتجه المودودي، ووضعه في سياق العوامل والوظائف التاريخية المحددة التي حكمت طريقة إنتاجه لمفاهيمه. ويكمن أساس هذه الأسئلة في أن منظومة المودودي تضع نفسها في إطار الوسطية الإسلامية المعاصرة، لكنها كانت في كل مكان أحد أخطر مصادر تكوين الراديكالية الإسلاموية المتطرفة، التي شكلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما لحقها من جرائم الدار البيضاء والرياض، ذروة عملها.

يغدو السؤال حينئذ حول مدى كمون تلك الراديكالية في منظومة الخطاب الذي أنتجه المودودي، من حيث إن هذه المنظومة تضع نفسها في إطار الوسطية، إذ على الرغم من أن المودودي كان يقول بـ"الثورة السلمية" وله كتاب بهذا العنوان صدر في عام 1969م، فإن رسالته حول القاديانية تسببت بمذابح مريعة حكم عليه بسببها بالإعدام الذي لم يلغ إلا في عام 1955م. ومن المفهوم أن يتركز هذا السؤال حول مفهوم أو نظرية الحاكمية، التي اقترنت على نحو لافكاك فيه باسم المودودي من جهة، ومع التكوين الراديكالي الإسلاموي من جهة ثانية. ويتوجه هذا السؤال بشكل مركزي إلى الوسطية الإسلامية المعاصرة، وقوامها الحركي الإسلامي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين، دون أن تنحصر الوسطية في هذه الجماعة بالضرورة. إذ لم تطور الجماعة النقد الذي أطلقه مرشدها الثاني في رسالته الوسطية المستنيرة والعميقة "دعاة لا قضاة" (1969م). لمفهوم الحاكمية المودودي، بقدر ما خنقته، بتأثير عوامل متعددة، يأتي في مقدمتها ضعف فقه المراجعات فيها.

كان المرشد الثاني الذي عرف بعدائه الشديد لتجربة النظام الخاص العسكرتاري قبل اعتقاله الأول والثاني وبعدهما، قد وضع يده على الجرح، ورأى بنظرة ثاقبة أن التيار الراديكالي أو التكفيري المتطرف الذي اجتاح وعي الشباب الإسلامي في شروط المعتقلات، ويومياتها الرهيبة، قد أدخل مفهوما جديدا على المنظومة الإخوانية من خارجها. وعلى الرغم من أنه لم يذكر في تلك الرسالة المودودي بالاسم، فإنه لم يدع أدنى شك في أنه يقصده ويعنيه، لاسيما في مفهوم الحاكمية من جهة، ورسالته حول "المصطلحات الأربع في القرآن"، إذ كانت رسالته موجهة بشكل منهجي محكم إلى الأدلجة القطبية التي أنتجها سيد قطب في رسالته التعبوية "معالم في الطريق".

لقد أبدى المرشد الثاني خشيته من أن يتحول مصطلح الحاكمية الذي أنتجه المودودي بوصفه مفهوم السيادة في الدولة الإسلامية، إلى مصطلح يظن معتنقوه أنه "الأصل الذي يرجع إليه، والحكم الكلي الجامع الذي تتفرع عنه مختلف الأحكام التفصيلية" بل قد يغيب عنهم أن مراد واضعي المصطلح "ويقصد هنا المودودي" لم يكن غير التعبير عن معان عامة أرادوا إبرازها وجذب انتباه الناس إلى أهميتها، دون أن يقصدوا وضع أحكام فقهية، خاصة التفصيلية منها". فجوّف الهضيبي هنا مفهوم الحاكمية، وحوّله من نظرية متماسكة إلى "معان عامة"، فمشكلته لم تكن مع المودودي بل مع الأدلجة القطبية التي أعادت تأويل المودودي بشكل تكفيري متطرف.
بكلام آخر كانت القطبية التي أخذت تفعل في وعي الإخوان وتجتاحهم، هي جبهة الهضيبي الذي أبدى خشيته من أن يتحول مفهوم الحاكمية إلى نوع من مفهوم الأصول الاعتقادية الإسلامية. ولقد تحقق ما خاف منه الهضيبي وحذّر منه، إذ تحول مفهوم الحاكمية بالفعل إلى نوع من أصل اعتقادي، وليس إلى مجرد فرع اجتهادي يسري عليه الخطأ والصواب. ولقد كان الهضيبي في ذلك أشبه بمفكر تراجيدي يفكر ضد الاتجاه السائد والمهيمن في مجاله التداولي. لقد كان "ليبيراليا" في حدود ما يحتمل ذلك في زمن راديكاليات تقودها أيديولوجيات "عمياء" أي عقائد تعبوية نضالية مبسطة. لكن الجماعة طوّحت برؤية مرشدها. ففي سورية مثلا كانت القيادة تتجاهل فعليا رسالة "دعاة لا قضاة". لكن هذه الرسالة كانت تحمل أول تأصيل للجانب السلمي في رسالة البنا، أي إن الهضيبي حسم تطور الخطاب الإخواني باتجاه القطيعة بين الراديكالية المعتقدية وبين الوسطية المعتدلة، وكرّس رؤية الجماعة لنفسها كجماعة من المسلمين وليس بوصفها جماعة المسلمين، التي تكفّر كل من بلغه قيامها، وعدم التحاقه بها. ولقد رفض الهضيبي في هذا السياق أن تكون الجماعة في موقع القاضي أو المنفذ بل في موقع الداعية الذي تقتصر وظيفته على نشر الأحكام والتبصير بها، وأنكر بشدة تكفير المسلمين، وزاد على ذلك بأن النبي قد حدث عن أنه يأتي يوم ليس فيه للمسلمين إمام.

كانت حاكمية المودودي نتاج مفهوم انسلاخي للإسلام في شروط الصراع الهندوسي-المسلم في شبه الجزيرة الهندية، ووضع التقسيم بين باكستان والهند على جدول تكوين الدول. المودودي لا يقول بالتكفير بل بالتجهيل. التكفير شيء والتجهيل شيء آخر. لكن منظومته ساعدت على تحويل التجهيل إلى تكفير. والمودودي لا يقول بالثورة العنفية المسلحة بل يتحدث عن الثورة السلمية، وخصص لها كتابا، لكنه فتح الباب أمام التطرف. ويكمن ذلك في مشكلته الهندية-الباكستانية التي كان تعميمها وبالاً على تطور الفكر الحركي الإسلامي. بينما كانت منظومة الهضيبي هي منظومة المسلم المندمج في اجتماع إسلامي ليس فيه انسلاخات المودودي.
ليس مفهوم الحاكمية سوى ترجمة مودودية لمفهوم السيادة في الفقه الدستوري الغربي. ولم يدع المودودي مجالا للشك في ذلك، حين اعتبر أن مفهوم الإسلام للدولة - كما يفهمه بالطبع- هو أقرب ما يكون إلى مفهوم الدولة "التوتاليتارية". وكان المودودي يفكر هنا صراحة بالنازية والشيوعية. بكلام آخر يقع مفهوم المودودي للحاكمية في فضاء المفاهيم الحديثة المعكوسة. ومن هنا فإن هذا المفهوم اجتهادي وظرفي نسبي وليس مفهوم الإسلام للدولة. وعلى مستوى "الإبيستمي" أو المعرفي في المفهوم، كان المودودي في الحاكمية نازيا وشيوعيا أكثر مما هو إسلامي. مع أنه بالطبع حاول أن يسوّغ ذلك إسلاميا بلغة الكتاب والسنة. فدولة الإسلام في زمن المفهوم الامبراطوري للدولة شيء والدولة-الأمة الغربية شيء آخر تماما.

لقد حاول المودودي أن يبني مفهوم الدولة الامبراطورية على أساس مفهوم الدولة-الأمة. وكان هنا تناقضه الجوهري، في إدخال مفهوم نقيض حرفيا لمفهوم الامبراطورية ذات الرسالة هو مفهوم الحاكمية. سيد قطب الذي كان مندوب الإخوان في الجبهة التي جمعتهم مع الشيوعيين والوفديين في مواجهة عبد الناصر عام 1953-1954م، فهم من الحاكمية يومئذ واستخدمها بهذا المصطلح حرفيا معنى المساواة وليس معنى التكفير أو شق المجتمعات في حروب أو تمزقات أهلية. لكنه في مناخ المعتقل أعاد شحن ذلك المفهوم بكل المضامين التكفيرية والانقلابية.

لم يتردد الإخوان في أن يقولوا للجيل الجديد المتكون أن سيد قطب لا يمثلهم، لكنهم فعليا وخارج المجال التداولي الإسلامي حاولوا أن يمتطوا مركبته، بعضهم ردّ عليه بشدة، وبعضهم الآخر رد عليه بمحاولة تفسير وتبرير. في ذلك كله كانت منظومة المودودي التي ولّدت كل ذلك العسف بعيدة عن النقد الحاسم الذي أطلقه الهضيبي.

الإخوان وسطيون بالفعل، ولقد وصلوا إلى حافة التكفير بل التكفير الفعلي في المرآة الإسلاموية المتطرفة كما يبلورها أيمن الظواهري. لكنهم لم يكملوا المراجعة. ولقد حضر مندوبوهم تظاهرة الجماعة الإسلامية في مئوية المودودي بهذا العقل المستقيل من المراجعة، لمصلحة العقل الاحتفائي. ولا يعني ذلك أن المراجعات معدومة في جسم الجماعة لكنها تتم في ظل تشظيات وليس في سياق مشروع يجعل من الجماعة بالفعل جماعة وسطية. وقد تم هنا تبديد الهضيبي في حين أن تعزيز الجماعة لوسطيتها تتطلب استئنافه، وفي مقدمة ذلك استئناف نقده للحاكمية ولطروحات التكفير. وفي مئوية المودودي كانت جماعة الإخوان المسلمين تبجل ولاتنقد، مع معرفتها المحملة بظلال المحنة كم آذاها المودودي، الذي عمم إسلاميته الهندية المنسلخة على مجتمعات رأى الهضيبي الجماعة مندمجة فيها إسلاميا، وتختلف معها في الفروع وليس في الأصول.
لقد بلور الإخوان وسطيتهم لكنهم لم يبلوروا بشكل واضح قطيعتهم مع الينابيع المتطرفة. ولقد احتفوا بالمودودي من حيث إن نقدهم يجب أن يوجه إليه. فهناك فرق بين أن تحترم المودودي كمفكر إسلامي في إطار تاريخ الفكر، وبين أن تبجله وتجعل أدلجته فوق النقد، وكأن الجماعة تحقق بشكل تراجيدي نبوءة مرشدها الثاني المرتاعة من أن تكون تلك الأدلجة المودودية- القطبية أصلا عقيديا للمسلمين. وتحتاج الجماعة هنا إلى تفعيل فقه المراجعة وليس إلى خنقه. لكن مئوية المودودي لم تكن سوى تكريس لعطالة مراجعاتها التي لابد من أن تطاله، وتحمِّله قسطا من المسؤولية في توليد ثقافة القتل.

في برلين لا عمل إذا تجاوزت الحرارة 29 درجة مئوية
تبار تجديدي وسط الإخوان المسلمين بمصر


قراءة في المشهد (الراهن)
فكرا وحركة:
بقلم: د. عبد المنعم أبو الفتوح _ الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء العرب
مما لا شك فيه أن طرح أي مشروع إصلاحي لتحقيق نهضة الأمة ورسم تطلعات عظيمة لمستقبلها لن يكون نافعا في غياب التصور القرآني والتزام نهج الرسول (صلي الله عليه وسلم ).
لذلك فإن علي (الحركة الإسلامية) مسئولية هائلة للقيام بهذا الدور الذي هو في أساسه (جهد بشري) لذا فمن الطبيعي أن تكون به سلبيات وأخطاء يحاول كل المخلصين تشخيصها وتحديد أسبابها ومحاولة علاجها.
ومن هنا تأتي جسامة الإقدام علي القيام ببناء مشروع إسلامي قادر علي استيعاب كل مكونات الحاضر وقادر علي ترجمة الفكرة الإسلامية إلي واقع معاش يقيم الإسلام (أن أقيموا الدين) وهذا يحتاج إلي ما يمكن تسميته (بالوعي الحضاري) الذي يستوعب معطيات العصر بكل مكوناته مع درجة عالية من التحصين القادر علي بناء الشخصية الإسلامية ذات الرؤية الصائبة والمنهجية والمسئولية الشجاعة القادرة علي الرفض الإيجابي والتمييز وتقديم القدوة. لا شك أن هناك مسافة واسعة من الغياب الحضاري لدي العالم الإسلامي يرجعها كثير من المهتمين إلي الخطأ في (تنوير) القيم الإسلامية في أخلاقيات المسلمين والكسل في التعامل مع كل ما هو عصري فإذا كان الله تعالي قد فطر الإنسان علي التدين وأخذ علي نفسه حفظ هذا الدين. فإن واجب الحركة الإسلامية اليوم أن تكون بمستوي العصر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. لقد أصيبت (العقلية الإسلامية) بسبب الأخلاط المختلفة بأنواع من التشتت الفكري والسلوكي أفقدت المسلمين القدرة علي فهم الوحي والقيام بمسئوليتها تجاهه حتي انتهي إلي لون من التراتيل تتلي للتبرك والعبادة بعيدا عن دوره في بناء العقل وتعمير الأرض والقيام بمسئولية الخلافة الإنسانية عليها، صاحب ذلك (انتقال القدسية) إلي فهم البشر واجتهاداتهم في عصور معينة وأصبح (المراد القرآني) وقفا علي فهمهم وعصرهم ومشكلاتهم التي ظهرت في وقتهم وكاد هذا المفهوم يحل محل الكتاب والسنة وفقدت بذلك القدرة علي العطاء والتجدد.
وقد أدي هذا إلي توقف الأمة عن متابعة التطورات العلمية في البعد الاجتماعي والإنساني تلك التطورات القادرة علي تشخيص الواقع وفهم مشكلاته ومواقع ضعفه وكوامن قوته.
ومن المهم هنا التسليم بأن العلوم الاجتماعية وآلياتها تطورت تطورا كبيرا علي أيدي غير المسلمين وبلغت درجة متقدمة في معرفة الإنسان.
لقد توقف (العقل المسلم) عن إعمال التكليف الإلهي بالسير في الأرض والتعرف علي تاريخ الأمم في النهوض والسقوط واكتشاف آيات الله في الأنفس وفي الآفاق وسنن التغيير الاجتماعي التي وردت في القرآن بشكل واضح والتي هي أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية . يقول الإمام البنا: لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض.
فدراسة محل النص وطريقة تطبيقه وموافقته للوقت والمكان لم تأخذ الاهتمام الكافي فانفصل الدين عن الحياة وانفصمت الشخصية المسلمة فأي قيمة للنصوص تبقي إذا لم تطبق علي الواقع وكيف يعرف هذا الواقع دون دراسته والعلم به والإلمام بكل جوانبه ومتغيراته.
من الواضح أن هناك مدا إسلاميا تعاظم وانتشر إلي آفاق لم تكن في الحسبان.. وهذه حقيقة، والحقيقة التي يجب أن تجاورها هي أن ترشيد هذا المد ووضع البرامج والأطر الشرعية لحركته لم تكن بالمستوي الكافي لأن الجماهيرآمنت بالإسلام والتزمت به ما استطاعت ولكنها لم تبصر بالواقع وكيفية معايشته وافتقدت النجوم الهادية للتوعية والترشيد فلحقت بها إصابات بالغة.. أتصور أنها ليست كلها بسبب أعدائها.
وإذا كانت الحركة الإسلامية قد أصيبت بمعوقات من داخلها مسلم بها ولا ينكرها رجل رشيد فإنها كذلك عانت كثيرا من أعدائها في الداخل والخارج.
وانتهي الأمر إلي عملية انهيار واسعة تناولت أبعادا كثيرة في الشخصية المسلمة عقليا ونفسيا حتي تناولت عند البعض مصدر الاعتقاد نفسه وظهرت شريحة كبيرة من أبناء العالم الإسلامي استرقتها الثقافة الغربية بمعطياتها المختلفة وتحولوا للأسف إلي أياد لأصحاب تلك الثقافة يضربون بها وجوه أمتهم ويستخفون بمعطياتها الروحية والفكرية.
فإذا كانت الثقافة تعني حسن التصرف وسلامة السلوك والقدرة علي التعايش في الأوساط البسيطة والمعقدة والعدل في التعامل مع الأصدقاء والخصوم وقبول الرأي الآخر وممارسة حقه في الحياة والنمو من خلال الشرعية التي تكفل كرامة الجميع. والقدرة علي قراءة التاريخ وتلمس طريق المستقبل من خلال قراءة الحاضر مع الماضي. فإذا كانت الثقافة هي كل ذلك وأكثر فإن أصحاب تلك الثقافة الغربية تناقضوا مع تلك المفردات تناقضا مريبا وهبطوا إلي درجة متدنية في تناول الأمور لا تبالي في استباحة الكذب والتزوير والاستبداد في الموقف إلي درجة تسفيه الرأي الآخر وتتهمه وتحرمه من كل حقوقه بل وتسعي إلي إلغائه.
وإذا كان التغريب صنع ذلك فإن الحركة الإسلامية كذلك لم تخل من بعض القصور. ولعل من حسن حظها أن كانت لها كثير من التجارب التي يمكن أن تكون مددا لها في مستقبلها إن أحسنت النقد الذاتي واعترفت بالخطأ (أيا كان) وتحليله تحليلا علميا وموضوعيا وجريئا وتعمل علي معرفة أسبابه وتجنبها وتواصل مسيرة الصواب في التجربة وتزيده بالعطاء والبذل والتضحية.
ومن المهم أيضا الفصل بين المبادئ والشخصيات في تقييم مسيرة الحركة الإسلامية لأن الشخص مهما كان متجردا فإنه لابد أن تترك ذاته وتركيبته العقلية والنفسية لمسات علي مسيرة حركته ومن هنا كانت ضرورة إخضاع الممارسة للنقد حتي لا تنسحب أخطاء الرجال علي المبادئ. وحتي لا تسمي الأشياء بغير مسمياتها كأن يختلط الأمر مثلا بين المحنة والخطأ فالمحنة هي (ألم الطريق الصحيح) والخطأ هو (ألم الطريق غير الصحيح). ولا تغطي الأخطاء علي أنها إرادة الله وبالتالي لا حاجة إلي مراجعتها لأنه لا دخل لنا فيها!!
هذه الصفة ضرورية للمهمة العظيمة الملقاة علي عاتق الحركة الإسلامية أمام هذا الكم الهائل من التخلف والفساد والاختراقات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العالم الإسلامي. هذه المهمة التي تعاظمت بعد الفشل الذريع الذي منيت به الحركات الإصلاحية (القومية) والتي تسلمت القيادة الفكرية والسياسية في فترة الاستقلال الوطني.
فنفس العلل مازالت تعمل في جسد العالم الإسلامي حضاريا وسياسيا وامكانياته الهائلة لا تزال تعاني من النهب والتعطيل والتضييع.
من هنا كانت عظم المسئولية وجسامة العبء الذي ينتظر الحركة الإسلامية لتقوم بدورها في ترميم التشويه والخراب وإعادة البناء بحذر وتؤدة بالغين ووعي كامل بمختلف الظروف المحيطة داخليا وخارجيا.
ينتظر من الحركة الإسلامية تحديد الموقف من كثير من (الأورام) الثقافية والسياسية التي نمت وترعرعت في كثير من المرافق المختلفة في العالم الإسلامي وسطت علي مراكز قوية ومؤثرة وأصبحت تشكل خطورة كبيرة علي الدين والوطن. وهذه المهمة بالذات هي التحدي الحقيقي للحركة الإسلامية وتفرض عليها مسئوليات غاية في الأهمية في ميادين الحياة المختلفة ولا يفوت أي متابع للحركة الإسلامية أن يدرك أن هناك نماذج طفيلية طفت علي السطح واستطاعت أن تتحرك في الحقل الإسلامي من خلال مصالحها الخاصة أو رؤيتها القاصرة فشكلت عائقا في مسيرة الحركة. ينتظر أيضا من الحركة الإسلامية أن تكون علي مستوي العصر بكل إنجازاته العلمية وأدواته التقنية في العرض والمناقشة والجدال وأن تكون علي مستوي الإسلام في فهم الأحداث وتحليلها ومعالجتها.








حركة التوعية الإسلامية خلال القرن الرابع عشر الهجري

أولاً - خلفية عامة

أ - النظر من الداخل

ب - الإنجازات مقابل الاخفاقات

ج - العمل السياسى وردة الفعل

د - التخلّف

ه - هل بالامكان أحسن مما كان؟

و - معركة من أجل البقاء

ثانياً - تحديد مجالات التحسين

أ - الشورى

ب - روح الفريق

ج - النساء والاطفال

د - نموذج القائد « الشيخ »

ه - غياب المؤسسات

و - النزعة الاقليمية والنزعة القومية

ز - غياب التخطيط

ح - البديل الإسلامي

ط - الغايات والوسائل

ي - أزمة الفكر

ك - غياب الحوار

ثالثاً - إلتفاتة إلى القرن الرابع عشر

رابعاً = أسئلة لا بد منها !

أ - لعبة شد الحبل

ب - الوضع الراهن : هل هو الا سوأ أم الاحسن ؟

ج - الولاء للّه أم للاسماء ؟

خامساً - الرصيد

د - التخلّف

هـ - هل بالامكان أحسن مما كان ؟

و - معركة من أجل البقاء

ل - إهمال وسائل الاعلام

م - المحاسبة بين القيادة والقاعدة

ن - ترتيب الاولويات

س - الجمود التنظيمي

ع - السرية والعلنية

ف - القرآن والسلطان

ص - غياب المراجعة الفعالة

ق - التعصب الحزبي

ر - أدب الاختلاف

ش - جدول أعمال مطوّل



أولاً : خلفية عامة

نستخدم مصطلح «الحركة» هنا بمعناه الواسع الذي يشمل كل جماعة تدين بالإسلام وتمارسه وتدعو إلى إقامة نظامه في الأرض بالطرق المشروعة. وسنلقي هنا نظرة خاطفة على القرن الرابع عشر الهجري (القرن العشرين الميلادي) لنحلِّل النتائج التي ظهرت أمامنا حتى وقتنا الحاضر. ولا ندّعي تقويما كاملا للإنجازات أو حكماً على المعطيات وإنما هي محاولة لتسليط الضوء على بعض الجوانب المهمة واستخلاص الدروس المفيدة منها.

ولكي يكون تحليلنا عادلا وموضوعياً ينبغي أخذ العوامل التالية في الاعتبار :

أ - النظر من الداخل
حديثنا عن الحركة هو حديث عن أنفسنا، أي من داخلها، وليس انتقاداً من الخارج. لذا فإننا نمارس نقداً ذاتياً بنّاءً لتحديد مكامن التقصير بغية تحسين أوضاعنا الداخلية الذاتية. فإن لم نكن صادقين مع أنفسنا فلن يكون إعدادنا لها إعداداً صحيحاً.

ب - الإنجازات مقابل الاخفاقات
ليس القصد من تحديد مواطن ضعفنا رسم صورة سلبية قاتمة للحركة. فهناك نقاط قاتمة وأخرى مضيئة، وما استمرار الدعوة الإسلامية - في الحقيقة - ويقظتها العالمية إلا شهادة على نجاحها العظيم في مجالات عديدة. إن عرضنا لنواحي العجز والقصور ينبع من التزامنا العميق بالعمل والجهاد في الاتجاه الصحيح ما دُمنا نحن والتزامنا من نتاج هذه الحركة كذلك.

ج - العمل السياسي وردة الفعل
لقد شملت الهجمة الغربية على العالم الإسلامي الاستعمار السياسي والعسكري، وبدهي أن يكون رد الفعل الإسلامي والقومي مماثلا للنوع نفسه. يفسر ذلك اصطباغ حركات التحرير عامة بالصبغة السياسية واتسام أعمالها بروح المواجهة في صدها للمستعمرين الطغاة ومن جاء بعدهم. وعليه، فقد أعطت هذه الحركات غالبا أهمية ثانوية لجوانب الحية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. وعندما حصلت تلك الدول على استقلالها عن السلطة الأجنبية، جاء ذلك الاستقلال سطحياً ولم يعِ القادة الجدد ما يترتب على الحرية السياسية. وهذا يفسر بعض أسباب استمرار أنماط الحياة الاستعمارية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم على ما كانت عليه تحت الاستعمار ولمدى طويل من الزمن، بالزخم نفسه إن لم يكن بزخم أشد.
د - التخلّف
لا بد من الاعتراف بأن العالم الإسلامي ظل يعاني حالة الانحطاط في معظم الجوانب لقرون عديدة. ولم يقتصر ذلك الانحطاط على تصورات العوام وأعمالهم وممارساتهم، بل طال حركات الاصلاح كذلك إن ضعفنا هذا يحدّ بشكل كبير من قدرتنا على التحليل والتشخيص ووصف العلاج، وكوننا مؤمنين لم يؤثر كثيراً على أساليب عملنا في الحركة. إن لظاهرة التخلف آثارها السيئة على الافراد والاحزاب والتجمعات الدينية والقومية واليسارية والعلمانية على حد سواء، كما أنها تؤثر على جميع قطاعات المجتمع من قادة ومعلمين وأطباء ومهندسين وموظفين مدنيين وعسكريين وفلاحين، رجالاً ونساءً، فقراء وأغنياء. إن التخلف وباء يصيب الجميع، فتبقى القلّةُ مكبّلة بتخلف الاغلبية الساحقة تدور في فلكها عاجزة عن تحضرها والارتقاء بها.

هـ - هل كان بالامكان أحسن مما كان ؟
قد نقول إن الحركة بذلت ما في وسعها، وإن النتائج على الله سبحانه وتعالى. من المؤكد اننا لم نحقق الاتقان في تصوراتنا ووسائلنا، وظل المجال مفتوحاً لتقديم الافضل، ولا شك في أن أجر العاملين في سبيل الله أجر وفير. ولكننا نلاحظ أن التقدم الحقيقي في التحول الاجتماعي المأمول لامتنا لا يزال بطيئاً، ولكي نتقدم لا بد لنا من أن نعترف بأخطائنا ونقوّم أنفسنا ومسيرتنا كي نستطيع القيم بعمل بنّاء حيالها. إن انتقاد امرء ما للحركة لا يضعه بالضرورة في مرتبة فوق الحركة نفسها، كما لا يصنفه ضمن أعدائها. فالناس سواسية، والله تعالى وحده الكفيل بالحساب والجزاء. فالتفوق هو تفوّق العقيدة والرسالة وليس تفوق الاشخاص.
و - معركة من أجل البقاء
لقد كانت الحركة في الغالب مكبلة الحرية، تخوض معركة حياة أو موت وبصورة يومية، وبالتالي لم تتوافر لها فرصة التوقف والتفكير وإعادة النظر في خط سير أعمالها. فقد كان ذلك نوعاً من الترف الذي لم يتوافر لها أو لم تحرص هي عليه. ومن الطبيعي أن تولّد مثل هذه الظروف أفراداً متطرفين ومتكتمين، متزمتين وغامضين، مثاليين وبدون خبرة، الامر الذي يعيق الانطلاق والتطور. وعليه، فإن عبء التصحيح والاصلاح يقع على عاتق الذين يمتعون بقسط من الحرية. إن مسؤولية هؤلاء مضاعفة وعظيمة للغاية، وعليهم ألّا يقارنوا أوضاعهم بأحوال من يعيشون تحت الظلم والدكتاتورية الذين لا يملكون سوى تجرع الحسرات واجترار الاماني.

بناءً على هذه الخلفية لاوضاع الامة في القرن الماضي، نستطيع أن نتفهم طبيعة كفاح الحركة، وبوسعنا أن نتلمس مجالات الاصلاح الممكنة فيها.

لقد تمكنت الحركة بحمد الله من البقاء رغم جميع مظاهر الظلم والعداء داخل العالم الإسلامي وخارجه، وهذه نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى. ورغم أن جهادها أثمر الكثير الا ان إمكانية تحقيق نتائج أفضل كانت متوفرة. المطلوب في المرحلة الراهنة هو التحسن في المجالات التي سنتطرق إليها أدناه.



ثانياً : تحديد مجالات التحسين

نلفت انتباه الشباب الى الجوانب التالية من مجالات العمل، آملين بعون الله أن يحالفهم التوفيق خلال القرن الخامس عشر، أكثر مما حالف أسلافهم في القرن الرابع عشر.

أ - الشورى
لم تتمكن الحركة بصورة عامة من مزاولة الشورى بكليتها، وقد ركزت بشكل أو بآخر على ممارسة نظام آخر أكثر موافقة، هو نظام «السمع والطاعة». لقد ظلت بعض القيادات تدعو الى الشورى نظرياً، إلا أن ممارسة ذلك لم تأخذ شكلها المنتظم عملياً، وظل الجدل البيزنطي مستمراً حول ما إذا كانت الشورى معلمة أو ملزمة للامير أو القائد. وكان لكل فريق حجته وما يدعم موقفه من الكتاب والسنّة. ولما كان هذا الامر من المسائل الاجتهادية، فلم يكن من الممكن البتّ فيها عن طريق الفتوى فقط. بيد أننا اليوم في حاجة الى نظام للشورى ملزم ومؤسس على قواعد وأسس علمية منظمة. فلا بد من اشتراك عدد معقول من الاعضاء في عملية صنع القرار، وفي تنفيذ القرارات كذلك. إن مزايا نظام الشورى القرآني هذا يجب التأكيد عليها بكل إصرار، لا سيما في عصرنا هذا.

ب - روح الفريق
لقد تمكنت الحركة عبر برامجها التربوية من تكوين أفراد ممتازين، ولكن المشكلات نشأت عندما طلب من هؤلاء الافراد العمل معاً في برامج مشتركة. فقط ظلت الحركة في معظم الاحايين يقودها أفراد معدودون بدلاً من فرق عمل جماعية، دون إدراك لحقيقة أن نتائج العمل الجماعي أولى وأفضل من نتائج العمل الفردي. ولقد تمخض عن ذلك بيئة متخلفة قوامها «قيادة الرجل الواحد» في معظم مناحي الحياة. فللاب السيادة المطلقة في الاسرة، وكذلك الحال في المدارس والحكومات والجيش والاحزاب. لقد استحوذ هذا النظام - وهو عرض من عوارض التخلف - على معظم مؤسساتنا. ولو تفحصنا الساحة العالمية لوجدنا أن أوروبا بالروح الجدية في العمل الدؤوب والمثابرة المستمرة كانت أول من رفع شعار الحرية بمفهومه الحديث وأسست الدول القومية، لكن أمريكا تفوقت على أوروبا ومن خلال ممارساتها لنظام «بوتقة الانصهار» التي تصهر مختلف القوميت وتؤلف بينها في اطار الروح الجدية للعمل والمثابرة. أما اليابان، فقد سبقت اوروبا وأمريكا بإضافة روح الفريق الجماعية والولاء للتقاليد والمعتقدات الدينية.

عليك أن تتصور العمل الإسلامي كفريق كرة القدم الذي لو جمع أحسن اللاعبين العالميين بدون ان يمارسوا روح الفريق فيما بينهم لخسروا أمام خصم أقل كفاءة إذا كان أفراده يمارسون الروح الجماعية في لعبهم.

ج - النساء والاطفال
هناك إخفاق واضح في مجال العمل النسوي ومرحلة الطفولة. فحين حققنا بعض النجاح مع الرجال أخفقنا مع غيرهم ولم يكن في مقدورنا تكوين حركة نسوية فعالة، وظلت النساء المسلمات - فيما عدا بعض الاستثناءات - عاجزات عن تنظيم أنفسهن أو التأثير في الاخريات، كما أن الاغلبية منهن لا تجيد الاتصال بغيرهن أو التحاور في قضايا المجتمع الاساسية. وعلى حين كانت الاحزاب القومية واليسارية تستغل النساء الى أقصى حد ممكن لتحقيق مكاسب سياسية، لم يكن بمقدورنا الاستفادة من الامكانات الهائلة لدى أخواتنا المسلمات. وهكذا ظللن - فيما عدا حالات معدودة - خاملات وغير فاعلات ولا قدرة لهن على المساهمة في نشاط الحركة. وفي الوقت الذي ندّعي ونتمنى أن تربِّي نساؤنا قادة الامة ورجالاتها، فإننا لا نبذل أي مجهود من أجل إشراكهن في النشاط أو إعدادهن أو مساندتهن. ويظل هذا الامر يمثل تناقضاً داخل الحركة، ولن يتسنى لنا - في الواقع - كسب المعركة اذا كانت نسبة 50 % أو أكثر من طاقاتنا معزولة ومبعدة عن الميدان الحقيقي.

وبالمنطق نفسه، لم نبذل إلا النذر اليسير من الجهد في إعداد الاطفال وتنميتهم. فنسبة الادبيات الإسلامية - مثلاً - الموجهة الى الاطفال لا تزيد عن 5 % تقريباً، حيث إننا نتوقع منهم أن يقرؤا الكتب الموجهة الى الكبار ويستوعبوها ويقتنعوا بها. إن تعليم الاطفال الناشئة من المجالات التربوية المتخصصة التي يحتاج كل منها الى أدبيات خاصة متميزة، ولا تزال الحركة تفقد الكثير بإهمالها لهذا الجانب من العمل.

د - نموذج القائد «الشيخ»
فى بعض الحالات تبنت الحركة نموذج القائد «الشيخ»، ذلك البطل الملائكي الاسطوري ذي الكشف والقوى الخارقة، العالم بكل شيء والقادر على كل عمل، والذي يقود التنظيم مدى الحياة. وترتبط الحركة بهذا القائد المستديم الذي لا يمكن تنحيته عن كرسي القيادة ارتباطاً مصيرياً بكل أعماله وتصرفاته مهما كانت. وإذا غاب عن بلده، استمر في الاشراف على التنظيم وتسييره بطريقة «التحكم عن بعد». وفي الاجتماعات، يهيمن نموذج هذا القائد «الشيخ» على جدول الاعمال، فيتحدث متى شاء وأنى شاء وللمدة التي يريد وفي أي موضوع يختاره، فهو لا يستعد مسبقاً، ولا يدوّن أفكاره أو ملاحظاته. كما أن له الحق أن يرتجل الحديث وعلى الجميع ان يظهروا له الاحترام والاولوية في كل شيء، بغضِّ النظر عما يتطلبه مركزه القيادي من مؤهلات وإمكانات وتخصصات.

وتظل المعضلة الرئيسة التي يواجهها الصف الثاني من القيادة هي من يستطيع أن يخلف القائد «الشيخ»؟ فقد جبل كل عضو منهم على الاعتقاد بأنه لا يساوي شيئاً أمام «الشيخ»، وهذا التواضع أو الخضوع شرط من شروط تكوينه الحركي الإسلامي. فلم يتدرب معظظمهم على حرية الرأي والقيدة من خلال ممارسته للشورى الجماعية، واحترامه العظيم للشيخ يمنعه من تحدّيه أو مخالفته أو حتى مساءلته، فضلاً عن تبنيه وجهة نظر مخالفة لشيخه. ويمثل هذه العلاقة أحياناً الشعار الصوفي القائل بأن «المرايد أمام شيخه كالميت بين يدي مغسّله». وهكذا يتحول القرار الملحّ المطلوب من الشيخ في بعض الحالات الى مجرد دعاء فقط. ومن المؤسف أحيانا أن نرى الحالة قد تردّت الى درجة جعلت بعضهم يتهمون قياداتهم بمقولة «وافق أو نافق أو فارق». ونحن - معاذ الله - لا نتهم كل من تولوا القيادة بأنهم كانوا على هذا النمط، ولكننا نجد بعض هذه المواصفات على الاقل في غالبية القادة والمسؤولين.

علينا اليوم أن نتدارس بجدّية وموضوعية الممارسات والتجارب العالمية الحديثة للفترة المثالية لتولّي القيادة، فهي تتراوح بين أربع وست سنوات، قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، الامر الذي يسمح للقائد بمدة أقصاها اثنا عشر عاماً. وعند انتهاء فترة تولّي القائد مهام القيادة بإمكانه المساهمة الرشيدة الفعالة عن طريق اللجان المتخصصة أو كمستشار للقيادة الجديدة له قدره ومكانته احترام خبراته الطويلة.

هـ - غياب المؤسسات
اعتمدت الحركة في نشاطها على الافراد موكلة المهام اليهم، الامر الذي أدعى الى اعتماد الوظائف على الاشخاص، وبالتالي عدم الاستقرار وكثرة التغيرات الوظيفية ونقص فادح في تغطية الادوار. فقد كان العمل القائم على المؤسسات نادراً - ان وجد أصلاً - وكان هناك في المؤسسات المعدودة التي أقيمت افتقار الى التخطيط والعمل بروح الفريق والتنظيم السليم. فلم تتمكن الحركة من تجسيد أهدافها عبر هذه المؤسسات، بل أصبح عبئاً على الحركة، بدلاً من أن يكون عوناً لها. وبالرغم من نجاح الافراد في الكثير من المشاريع الشخصية، الا أنهم فشلوا في إنجاح العمل الجماعي، كما أن الحركة لم تعالج حتى الان الحاجة الماسة الى «فقه المؤسسات» بلغة وتصورات معاصرة مفهومه. وسيظل عمل الدعوة مقتصراً على الكلام حتى تبرز في بلادنا مؤسسات اسلامية عامة ناجحة، بما لا يقلّ عن معدل عشر مؤسسات كبيرة في كل بلد، قبل أن يحق لنا أن ندّعي الشروع في عملية إقامة المؤسسات بنجاح.
و - النزعة الاقليمية والنزعة القومية
إن الحركة - نظرياً - مقتنعة بوحدة الامة وعالمية الدعوة، ولكننا عمليا لا نكاد نجد صدى كاف لهذه المعاني، إذ إننا نعكس في سلوكنا توجهات وطبائع قبلية واقليمية واضحة. يظهر ذلك التصور بجلاء في لقاءاننا حيث يتعلق كل منا بأصدقائه من أبناء جلدته، وقليلاً ما نختلط اجتماعياً بمن هم خارج دائرتنا المحلية. أما على مستوى القيادات، فقد توفّر لبعضها لقاءات دورية عالمية مع قيادات أخرى لكنها تعثرت كثيراً بسبب ما ارتضته لحركتها من أطر وعوائق إقليمية وقومية.

رغم ان مثل تلك اللقاءات تعتبر أمراً أساسياً لتبادل المعلومات والتجارب ووضع الاستراتيجيات والتنسيق فيما بينها. ومع اقرارنا بأن أعداءنا يعملون ضدنا وفقاً لخطة موحدة، الا أننا لم ننجح في مواجهتهم من خلال خطة موحدة مماثلة. لقد خدعنا بالمثل القائل: «أهل مكة أدرى بشعابها» متناسين أن الاجنبي المتخصص المتابع قد يعرف اليوم عن بلادنا أكثر مما نعرف، كما أنه بإمكان بعض الخبراء أن يقدموا لاخوانهم في بلاد اخرى الكثير من النصائح والخبرات التي تفيدهم في عملهم المحلي.

جعلت وسائل الاتصال العالم اصغر واقرب يوماً بعد يوم، ومفهوم القرية العالمية يزداد تجسداً، وهو مفهوم العالمية الذي دعا اليه الإسلام منذ ظهوره، لكن الحركة لا تزال تنظر الى شؤونها نظرة محلية وتعدّ كل منطقة وكأنها معزولة عن بقية المناطق.

ز - غياب التخطيط
إن الحركة غالباً ما تعيش من يوم الى يوم تكافح لمجرد البقاء فقط، وقلّما أتيحت لها فرصة لوضع خطط مستقبلية سنوية أو خمسية أو عشرية. فهي تدير عملها من خلال مواجهة الازمات، وكثيراً ما تتحول الاعمال الروتينية الى حالات طوارىء. لقد أدى غياب التخطيط المسبق الى عدم وضوح فى الاهداف وسوء توزيع في الموارد وخلط في تحديد الاولويات وفقدان تحديد الوجهة، ولم يعد بإمكاننا تّبين مواطىء أقدامنا ومدى قربنا من أهدافنا أو اعتماد أسلوب منهجي لتقويم نشاطاتنا. وعليه، فإننا نمضي غافلين عن نتائج أعمالنا أو تبعاتها غير عابئين بالتخطيط السليم وبصورة الانتقال من مرحلة «عمل ما في الامكان» الى مرحلة «عمل ما يجب أن يكون».

ح - البديل الإسلامي
لقد ظلت الحركة حتى عقد الخمسينات مشغولة بإثبات صلاحية الإسلام، ثم اتجهت بعد ذلك الى تأكيد تفوقه على غيره من الايديولوجيات، ولكنها ظلت تتحرك داخل هذه العموميات، ولم ينضج عملها خارج هذه الدائرة. فلم نتمكن، على سبيل المثال، من توفير البديل في مجال الكتاب الجامعي من منظور اسلامي وهو ما نحتاج إليه في جميع مجالات الدراسات الاجتماعية. هذا البديل ليس عملاً تطوعياً لبعض الوقت يقوم به الفرد المتحمس المخلص، لكنه واجب من أولويات العلماء المختصين المتفرغين، وعلى الحركة أن تنشىء العديد من المؤسسات الاكاديمية الراقية لمزاولة الاجتهاد في هذه المجالات. كما لم يعد من الممكن أن يوكل هذا الواجب الى أفراد من العلماء «النوابغ» وحدهم، اذ لا بد أن يكون مجهوداً جماعياً. فهو عمل متخصص ومكلف وشاق، ويستغرق الكثير من الوقت، وهو عمل مستمر لا يكفيه الاعتماد مرحليا على المؤيدين والمتعاطفين. انه شرط لا بد منه لبداية النهضة الحضارية العملاقة لهذه الامة، وسيظل تفوق النظام الإسلامي من دون مجرد قناعة عاطفية. هناك حاجة الى نموذج اسلامي حي مستنير يجذب الغرب والشرق نحو حضارة الإسلام. وهذا ما يفسر اقبال المهندسين والاطباء وعلماء الطبيعيات على الحركة أكثر من اقبال علماء الاجتماع عليها، لان العموميات المشوقة تقنعهم بعقلانية وسمو الدين وسماحته وأخلاقياته، بينما يحتاج علماء الاجتماع المتخصصون الى الاقتناع بالتفاصيل. فالعموميات لا تكفي وحدها لجذب هؤلاء الى حظيرة الإسلام. وليس هذا بالوضع السويّ أو السليم، ولن يمكننا الانطلاق بالحضارة الانسانية من جديد حتى نرى غالبية قادة الحركة من علماء الاجتماع المتخصصين.

ط - الغايات والوسائل
يعاني بعض الاعضاء قدراً من البلبلة والخلط بين الغايت والوسائل. وكثيراً ما نلاحظ أنّ مصلحة الجماعة أصبحت معياراً للعمل والنجاح رغم أن الجماعة ما هي في الحقيقة الا وسيلة لخدمة هدف اصلاح المجتمع. وقد أدى ذلك اللبس الى انشغال الجماعة بنفسها أكثر من انشغالها بالمجتمع الذي تقوم من أجل اصلاحه وخدمته. وقد يبين تحليل احصائي تقريبي لتوظيف وقت الاعضاء وأموالهم وجهودهم أنّ حوالي 70 % منها يصرف في معالجة الشؤون الداخلية للحركة، بينما يخصص 30 % فقط لصالح المجتمع الخارجي، في حين ينبغي أن يكون الترتيب الصحيح عكس ذلك تماماً.

لقد أصبحت الجماعة حزباً مقدساً لذاته، كما لو كان الحزب قد تأسس من أجل نفسه، الامر الذي جعله لا يختلف أساساً عن أي ناد رياضي أو جمعية تعاونية تقتصر خدماتها على أعضائها فحسب. وقد أصبحت صورة الحزب عبارة عن مجموعة من الاعضاء تهتم بمصالحها فقط دون اضطلاع بدور حقيقي لها في المجتمع ككل. ولهذا السبب فان جمهور الناس لا يبدي أي اهتمام أو تعاطف تجاه ما قد يقع على الجماعة من ظلم واضطهاد. وتترافق هذه الظاهرة مع فقدان الإسلاميين لما يكتسبونه من المواقع للعلمانيين نتيجة قلة التعاون بين الحركات والجماعات الإسلامية المختلفة. ان هياكل الحركة التنظيمية قد تقف عائقاً في بعض الاحيان امام تحقيق اهدافها الجوهرية، وينبغي التأكيد بدون هوادة على ضرورة تبني الحركة لمشكلات الامة عامة وايجاد الحلول لها كتحد مباشر توجهه الحركة. كما يجب على الحركة توجيه معظم جهودها لمعالجة تل القضايات كي تطمئن الامة الى ان الحركة هي حارسها الامين الذي بامكانها الاعتماد عليه في الاعتناء بشؤونها عناية كاملة .
ي - أزمة الفكر
يُجمع العقلاء المتخصصون على ان العلاقة وطيدة بين طريقة التفكير واساليب التصرف ومعالجة القضايا، وان التفكير الصحيح هو الاساس في كل انطلاقة حضارية، وهذا من المفردات الاساسية التي ينبغي أن تعيشها الحركة. وبتأمل واقعنا المعاصر نجد ان الحركة لم توفق -بشكل عام- في تحقيق الاتساق حول الامور التفصيلية. كما انصبت معظم جهود الحركة على العمل والنشاط أكثر من اهتمامها بالفكر والثقافة. ومع غياب بعض المواقف الرسمية المعلنة للجماعة تجاه القضايا الرئيسة العامة، تكونت لدى اتباع بعض الاحزاب والجماعات العلمانية والاديولوجيات المعادية تسرّبت الى الاعضاء لتملا هذا الفراغ الفكري.

اننا نؤمن أن أزمة الفكر أساساً هي في كيفية تنزيل القرآن والسنّة الى الواقع، وذلك عن طريق البحث والاجتهد الاصليين في مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية المتعددة.

ك - غياب الحوار
يبدو للدارس أن الحركة تثبط الحوار الفكر على ثلاثة مستويات: داخلياً بين الاعضاء، ومع الجماعات الإسلامية الاخرى، ومع التجمعات غير الإسلامية سواء الدينية منها أو العلمانية. وقد نتج عن ذلك بروز المفاهيم المثالية النرجسية بين الاعضاء، فظلت الافكار النظرية بعيدة عن مجالات الاختبار الواقعية العملية. وترتب على غياب الحوار ركود فكرى وعجز عن الاثراء المطلوب لانضاج الحركة، بالاضافة الى سوء الفهم بى المجموعات المختلفة، الامر الذى أدى الى غياب الثقة وبروز العداوات بى الجماعات المختلفة في المجتمع الواحد.
ل - إهمال وسائل الاعلام
لقد أهملت الحركة الى حد كبير مجال الاتصال مع العالم المحيط بها. فلم توجه أعضاءها الى سد هذه الفجوة في وقت مبكر، مما جعل تأثير الحركة في المجتمع أقل مما ينبغي، وتمكن منافسيها من السيطرة على وسائل الاعلام ورسم صورة مشوهة للحركة دون أن تتوافر لها الفرصة العادلة للدفاع عن نفسها بشكل فعال. إن الحركة في حاجة الى توجيه عدد كاف من أعضائها للتخصص في مجالات الاعلام. ولقد كان الاولى بنا التنبه لذلك بوجه خاص في الدول التي خاضت فيها الحركة معارك انتخابية، حيث لم يكن تحركها السياسي على المستوى المطلوب. أما المطبوعات الإسلامية فغالباً ما تكون غير جذابة، واحيانا منفردة، ولا يستطيع الصبر على قراءتها إلا الاعضاء المتحمسون. أما القراء من غير الاعضاء فيتجنبون الاطلاع على أدبيات الحركة، ومحدودية انتشار دوريتها مؤشر حقيقى على ذلك. كما تجاهلت الحركة أيضاً توجيه أعضائها من خريجى المدارس الثانوية الى التخصص في المجالات المطلوبة كثيراً، مثل العلوم الاجتماعية والاعلام والاتصالات والتربية والخدمة المدنية والشرطة والقانون، وكان لغياب هذا النوع من التخطيط نتائجه الفادحة على الحركة، وقد دفعت ثمنه غالياً.

م - المحاسبة بين القيادة والقاعدة
كان المعيار السائد في الحركة - ولا يزال - هو أن الاعضاء مُحاسبون امام القيادة التي تلزمهم بالطاعة المطلقة في السراء والضراء. إلا أن الحاجة الى محاسبة القادة ظلت أمراً بعيداً عغن النقاش والبحث وكذلك عن التنظيم والممارسة، رغم اهميها القصوى. فعندما يعرض مسؤول تقريراً للاعضاء فإنه غالباً ما يكون في شكل عموميات كقولهم: « كل شيء على ما يرام » و « الدعوة في تقدم » و « إن مستقبل الإسلام مشرق » و « النصر قريب » و « يرونه بعيداً ونراه قريباً » و « عليك أن تقوي إيمانك وأمن تقدم مزيدا من التضحيات ».. و « عليكم بالصبر ».. الى ما هنالك من تعبيرات.

والمهم هنا غياب الاسس العلمية التي يمكن الاستناد عليها لمحاسبة الافراد. فلا وجود لاحصاءات أو حقائق أو أرقام، ولا وجود لتحليلات موضوعية - كمية أو نوعية - خاصة ببيانات العضوية أو المطبوعات أو الشؤون المالية أو تقارير استطلاع الرأي العام أو التقويم الجماعي أو التنظيمي السليم للاداء.

وقد يرفض بعض القادة الاجابة عن سؤال ما بدعوى الكتمان والسرية، في الوقت الذي لا يمكن أن تكون الحركة في وضع سليم إذ لم تخضع قياداتها للمحاسبة الموضوعية بشكل دوري. فلا بد من مواجهة من يتصدى للقادة بتحديات حقيقية ومطالبتهم بالرفع من مستوى أدائهم. كما أن المسألة حول الشؤون المالية لها أبعاد أخلاقية داخل الصف وقانونية لدى الدولة، وعلى الحركة أن تقدم تقارير وبينات مالية خاصة للمراجعة والتدقيق على أسس منتظمة وسليمة.

ن - ترتيب الاولويات
لو سألنا أنفسنا: هل ننفذ المهام بطريقة أفضل؟ أم نختار المهام الافضل أهمية لننفذها؟ تمثل الحالة الاولى الكفاءة في العمل، أما الثانية فهي اختيار الاولويات الصحيحة منذ البدء، وهناك قدر كبير من الاختلاف بين الامرين، وكلاهما ضروري. فقد يؤدي المرء بكفاءة عملا ولكنه ثانوى. إن لترتيب الاولويات أسبقية لان المهام أكثر بكثير من الموارد المتوفرة للقيم بها. وعليه، يصبح تحديد الاولويات أمراً ضرورياً وهذا ما يحقق توجيه الموارد القّيمة المحدودة - البشرية والمادية - لما ياسبها من القضايا. إن الحاجة لتحديد الاولويات تزداد إلحاحاً وأهمية مع مرور تسارع الزمن وتَلاحُق الاحداث. فلا يكفي أن يؤدي المرء الواجبات المهمة. ولكن عيه أن يؤدي الواجبات الاهم منها أولاً.

س - الجمود التنظيمي
لوحظ أنه بمجرد قيام هيكل تنظيمي للحركة يظل على حاله لفترة طويلة على الرغم من نمو الحركة وتغير ظروف وأوضاع المجتمع وإعادة ترتيب الاولويات. فعلى كل هيكل تنظيمي أن يعكس أسلوب الحركة الحقيقي في العمل كي يحقق الاهداف التي قام من أجلها، كما ينبغي تعديله حسب الحاجة كي يستوعب التطورات. إن الهيكل الاداري الذي لا يزيد عن كونه وسيلة لخدمة الهدف من الخطأ تقديسه أو رفض تعديله. وكقاعدة عامة، ينبغي إعادة النظر في الهيكل الاداري التنظيمي كل خمس سنوات.

ع - السرية والعلنية
هُدر وقت طويل في مناقشة: هل يكون عمل الحركة سرياً أو علنياً؟ وكاد يعتبر موقف المرء من هذه القضية ركناً من أركان الايمان. وراح كل طرف من الاطراف يبحث في سيرة الرسول عليه السلام لدعم وجهة نظره وموقفه. وهذه قضية تنطيمية بحتة، ولكلا الاسلوبين أصل في الإسلام، وإنما تحدد الظروف والمعطيات الواقعية مدى صلاحية أحدهما للحركة على المدى البعيد. وهناك حالات لا يوفر فيها خيار، إذ إن أوضاع الدولة وظروفها هي التى تملي أسلوب العمل، ولكن على الحركة أن تكون مفتوحة على الناس كلما سمحت الظروف المحيطة بذلك، وليس للعمل السر أفضلية أو قدسية إذا ما سُمحَ بالعمل المعلن. والرأي السليم هو اعتبار العمل العلني القاعدة الاساسية. ولا يلجأ الى العمل السري الا استثناءً، وحينئذ تطبّق عليه قاعدة الضرورات تقدر بقدرها أو ان الضرورات تبيح المحظورات.

ف - القرآن والسلطان
نتيجة للاستعمار وأثاره في السياق التاريخي للقرن العشري تجد الحركة نفسها في مواجهة مستمرة مع بعض الانظمة الحاكمة، يجب أن تقتنع بأن الحركة تنشد الخير والصلاح للبلاد والعباد حكاماً ومحكومين على السواء. فالامة هي الخاسر الاكبر في جو لا تسوده الثقة بى الحاكم والمحكوم. وإنما وجدت الحركة من أجل البناء والتنمية والتربية والتعليم والخدمة والاصلاح والارشاد الى ما هو أفضل. ينبغي ألا ينظر اليها على أنها قوة منافسة على المناصب متعطشة للسلطة، ساعية الى الاطاحة بالحكام.

أن الحكم ليس هدفاً من أهداف الحركة بل وسيلة من وسائلها. وإذا لم تحقق الحركة أهدافها من خلال سلطة حاكمة، فإن بإمكانها على الاقل تحقيقها جزئياً عبر حركة الجماهير على نحو حر ديمقراطى. وعلى الحركة أن تسعى الى تحويل المواجهة الى تعاون، فالمجابهة لا طائل وراءها عادة، والتعامل السمح البسيط الهادئ أدعى الى جلب المنفعة كما علمنا ذلك رسول الله عليه السلام. وبيما تدفع القوى الخارجية الامور نحو العداوة بى جماهير المسلمين وحكّامهم، فان على الإسلامي الواعين رصد مثل هذه الاتجاهات الخطرة عن كثب، والسعي الى تفاديها كلما أمكن
ملامح المأزق القيادي لدى الإخوان المسلمين
بقلم/محمد بن المختار الشنقيطي، محمد بن المختار الشنقيطي
كان موضوع القيادة ولا يزال عقدة العقد في الحضارة الإسلامية، عليه اقتتل الناس وحوله افترقت الأمة إلى ملل ونحل، ومن أجل حل مشكلاته سال الحبر والدم أنهارا.

وقد تأسست حركة الإخوان المسلمين بمصر بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة العثمانية، فكان إيجاد قيادة صالحة للأمة من أكبر الدوافع التي حدت بحسن البنا إلى تأسيس الحركة، والإلحاح على هذا الأمر هو ما ميز حركته عن غيرها من حركات الإصلاح السابقة واللاحقة. فهل استطاعت حركة الإخوان المسلمين في بنائها الداخلي –بعيدا عن بلاغة الخطاب- أن تقدم نموذجا عمليا في القيادة يملأ الفراغ ويقنع الأمة؟

الجمود القيادي
تتوهم حركة الإخوان أن المحافظة على استمرار القيادات -حتى ولو أصبحت عاجزة- نوع من الوفاء، الأمر الذي جعلها تتجمد، وتتحول لتقتات بتاريخها، وإنجاز القادة السابقين".
يبدو أن موضوع القيادة الذي ظل الهم الأهم لحركة الإخوان المسلمين على مر العقود الماضية هو أعظم نقطة ضعف في بناء الحركة وأدائها، إذ يتفق الخبراء المتتبعون لمسيرة الحركة –سواء بعين العطف أو العداء– على أنها تعاني من مشكلات جدية في بنائها القيادي، وأن لهذه المشكلات أثرا جديا على واقعها الحاضر ومستقبلها الآتي.

لقد لاحظ الأستاذ عمر عبيد حسنة أن من أمراض حركة الإخوان ما دعاه "تخليد فكر الأزمة" مما "جعل مواصفات القيادة ومؤهلاتها مواصفات شخصية أفرزتها الأزمة: من عدد سنوات السجن، والاعتقال، والمطاردة، والمواجهة، والثبات. دون حرية القدرة على اكتشاف المؤهلات والصفات الموضوعية للقيادة في كل عصر ومصر". كما لاحظ أن من أسوأ الأدواء التي تعاني منها هذه الحركة "عدم قدرتها على استنبات قيادات متجددة ومعاصرة بالقدر المأمول، تضمن القدرة على التواصل. وغالبا ما تتوهم أن المحافظة على استمرار القيادات –حتى ولو أصبحت عاجزة– نوع من الوفاء، الأمر الذي جعلها تتجمد، وتتحنط، وتتكلس، وتتحول لتقتات بتاريخها، وإنجاز القادة السابقين". وقد نسي الإخوان هنا أن الثبات إذا كان واجبا، فإن التغيير ضرورة.

كما لاحظ "هرير دكميجيان" –وهو من أوسع الخبراء الأميركيين اطلاعا على مسيرة الإخوان المسلمين– أن "تطور الحركة الأصولية الإسلامية سيتوقف على نوعية قيادتها السياسية والثقافية. وفي الظروف الحالية، تعاني الحركة بشكل جدي من القصور في قيادتها الفكرية والسياسية والتكتيكية". وفي مقارنته لميزان القوى بين السلطة والإخوان في عدد من الدول العربية، توصل إلى النتيجة المنطقية المترتبة على القصور القيادي السائد، فقال "بغياب طليعة منظمة، فإن الصراع الذي لا محيد عنه بين الحركات الأصولية والدولة ستميل كفته لصالح الدولة في المستقبل القريب على الأقل".

وربما اغترَّ بعض الإخوان بالتعاظم الكمي للصحوة، وانتشار روح التدين في المجتمع، فدفعهم ذلك إلى التفاؤل المفرط المبني على حتمية الانتصار، ونسوا –كما لاحظ الدكتور حسن مكي- أنه "قد تصح القابلية في المجتمع، ولا يوجد الاستعداد في الحركة، كما قد تنضج الظروف (في الحركة) ثم لا توجد القيادة".

لماذا يغيب "الرشد" إذا غاب "المرشد"؟"
تنظيم الإخوان غير قادر على تغيير قيادته بيسر، وبأسلوب مرن يفتح باب الصعود إلى القيادة والنزول منها بناء على معايير موضوعية دون جمود في الأداء أو تمزق في الصف
"
لقد نشأت أغلب الجماعات القطرية لحركة الإخوان المسلمين متمحورة حول شخص واحد، ثم وجدت نفسها أمام أحد خيارين بعد رحيله: إما الجمود على أساليب القائد المؤسس ورؤاه رغم تبدل الظروف والأحوال، وإما التمزق والانقطاع في المسيرة. وهذا أمر طبيعي "فأي تنظيم يقوده شخص واحد لابد من حدوث قطيعة في مسيرته بعد غياب ذلك الشخص" أو جمود وتصلب، من خلال القبول الاضطراري بالوجوه القديمة والأساليب العتيقة في العمل. وقد لاحظ الدكتور النفيسي ما حدث من انقطاع في مسيرة الإخوان بمصر بعد اغتيال حسن البنا، حيث "ظلت جماعة الإخوان بدون قيادة ما بين مقتل البنا في 12/2/1949 حتى 19/10/1951 عندما تسلم حسن الهضيبي رحمه الله القيادة، أي أن الإخوان ظلوا بدون قيادة ولا توجيه لمدة تقارب الثلاث سنوات". كما رصد الدكتور محمد عمارة هذه الظاهرة، وأوضح الارتباط بين صفة "الرشد" وشخص "المرشد" في حركة الإخوان، لأنها بنت أمرها من أول يوم على مواهب الشخص لا على اطراد المؤسسة.

وإذا كانت العلوم التنظيمية والإستراتيجية المعاصرة تجعل من آكد مهمات القائد "صناعة القادة" الذين يعينونه في حضوره ويخلفونه في غيابه حتى يظل الاطراد مضمونا في مسيرة التنظيم، فإن قادة الإخوان في الغالب لا يهتمون إلا "بصناعة الأتباع" الذين يحسنون التلقي والتنفيذ الفوري والإيمان بأوامر القائد وحكمته "دون تعطيل ولا تأويل". وقد لاحظ الدكتور النفيسي أن من نقاط الضعف الأساسية في قيادة حسن البنا "إهماله تدريب كوادر قيادية تتمتع بأهلية القيادة لتأتي من بعده". والذين جاؤوا من بعد البنا في قيادة حركة الإخوان كانوا أشد تفريطا في ذلك.

وقد تبين من العلوم التنظيمية المعاصرة أن في القيادة الفردية المحورية عيوبا أخرى لا تقل خطورة عما سبق، منها:

سيادة مفهوم "السيطرة" على مفهوم "القيادة"، بحيث يتركز اهتمام القائد على التطلع إلى الوراء للتأكد من أن الناس لا يزالون تبعا له، ويهمل التطلع إلى الأمام والتفكير فيما يحقق تقدما وتحسنا في أداء التنظيم ورسالته.
إغراء الأتباع بالصراع على مناصب القيادة نظرا لسد المنافذ السلمية إليها، وفي ذلك من الأخطار على التنظيم ما فيه، وأقله شغل التنظيم عن رسالته وأهدافه الأصلية واستنزاف طاقته في المعارك الداخلية.
التأثير السيئ على لغة التواصل بين القائد والعاملين معه، فهم يحسون بأنهم أتباع لا أقران "ومن شأن المستمعين إلى القائد المسيطر ألا يفهموا كلامه فهما موضوعيا لأنهم لا يبحثون عن قيمة الكلام في ذاته، بل عما يقصده القائد ويريده".
عزلة القائد عن أتباعه، لأنه لا يستطيع التحقق من مقاصدهم في أجواء المجاملات والهالة التي رسمها حول نفسه، وبذلك يتعطل تدفق المعلومات الصحيحة وتنسد أبواب التناصح النزيه.
لذلك فإن من أهم أسباب النجاح التنظيمي "المرونة الداخلية"، وذلك بأن يكون التنظيم قادرا على تغيير قيادته بيسر، وبأسلوب مرن يفتح باب الصعود إلى القيادة والنزول منها بناء على معايير موضوعية لا شخصية، ودون انقطاع في المسيرة أو جمود في الأداء أو تمزق في الصف. ولا تروق هذه المرونة للقادة الذين يميلون إلى الاستبداد والهيمنة، فيُبقون تنظيماتهم في حال من التصلب الإجرائي يمكِّنهم من التحكم فيها. لكن هؤلاء بقدر ما يخدمون سلطتهم الشخصية على المدى القريب، فإنهم يضعفون التنظيم كمؤسسة على المدى البعيد.

إن انعدام هذه المرونة هو أكبر ما عانت منه حركة الإخوان، حيث سادت البيعة مدى الحياة، وإطلاق يد القائد والتفويض له، وعجز القيادة عن تجديد شبابها وعن التكيف مع الظروف المتغيرة.
إفراغ الشورى من مضمونها العملي والإجرائي
لقد أقرت حركة الإخوان المسلمين بمبدأ الشورى منذ أمد بعيد، وتجاوزت الجدل الفقهي الموروث حول الإلزام والإعلام في الشورى لصالح القول بالإلزام. لكن الكسب النظري في هذا الشأن لم يوازه كسب عملي يفصِّل اللوائح الملزمة، ويبني المؤسسات الراسخة التي تحفظ للشورى فاعليتها وإلزاميتها.

وقد أدى تجميد مبدأ الشورى وإفراغه من مضمونه العملي إلى تصدعات وانشقاقات عميقة في جدار العديد من الجماعات الإخوانية القطرية من ضمنها الجماعة السورية والعراقية، ثم المصرية أخيرا. وحاولت بعض جماعات الإخوان أن تتجنب مشكلات الخلافات الداخلية -الناتجة أصلا عن تعطيل الشورى- بمزيد من تحجيم الشورى، وذلك من خلال أمرين:

البحث عن قائد كارزمي تتمحور حوله الجماعة ويستأسر الجميع لجاذبيته ومواهبه.
والنخبوية في العضوية وتضييق نطاقها حتى يظل التحكم في الأتباع ممكنا.
وكل من الأمرين يثير إشكالا، إذ غالبا ما يبدأ الشقاق بعد رحيل الزعيم الكارزمي، وتؤدي النخبوية إلى جمود الحركة وهامشيتها. وقد أصبح هذا الجمود بعد رحيل الزعماء الكبار ظاهرة لا تكاد تخلو منها أي من جماعات الإخوان، وما وقع للإخوان المصريين بعد البنا، والسوريين بعد السباعي، والجماعة الإسلامية الباكستانية بعد المودودي. مجرد أمثلة.
ولكي تتضح للقارئ أبعاد المأزق القيادي لدى حركة الإخوان، نلقي نظرة سريعة على وثيقتين مهمتين أطَّرتا البناء التنظيمي والقيادي للإخوان حقبة من الزمان، ولاتزال أغلب موادهما سارية المفعول إلى اليوم. وهما:

"النظام الأساسي لحركة الإخوان المسلمين" في مصر الصادر عن جمعيتها العمومية يوم 8/9/1945 والمعدل يوم 30/1/ 1948.
و"النظام العام للإخوان المسلمين" الصادر يوم 29/7/1982 وهو دستور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وبهدف الاختصار سنشير إلى الوثيقتين باسم "النظام الأساسي" و"النظام العام" فيما يلي من عرض.

فلننظر إلى مظاهر المأزق القيادي لدى الإخوان من خلال هاتين الوثيقتين، قبل أن نتحدث عن أصوات الإصلاح الداعية إلى تغيير البنية القيادية، وعن التغييرات التي كثر عنها الحديث مؤخرا.

إن تصفح هاتين الوثيقتين يكشف عن خلل خطير في البنية القيادية للإخوان في مصر، وفي التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي تأسس بمبادرة وسيطرة منهم. وفي الفقرات التالية أمثلة على ذلك.

الإخلال بمبدأ الشرعية القيادية منذ البدء

الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين بمصر منحت نفسها شرعية دائمة، وحرمت أعضاء الحركة غير المؤسسين من أي حق في تغييرها أو مشاركتها حق اختيار القيادة.
"
يقتضي مبدأ الشرعية أن يكون أعضاء الحركة هم أصحاب القرار الأخير في اختيار قادتها، وكل هيكل تنظيمي لا ينبني على هذا المبدأ فهو يؤصل الاستبداد والجمود. لكن الموقع الذي احتلته "الهيئة التأسيسية" للإخوان المسلمين بمصر في بناء الحركة يتنكر لهذه الحقيقة، فقد نصت المادة 34 من النظام الأساسي على أن الهيئة التأسيسية "تعتبر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين، والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد"، كما منحت نفس المادة الهيئة صلاحية "اختيار أعضاء مكتب الإرشاد" أعلى سلطة تنفيذية في الحركة، ومنحتها المادة التاسعة منه صلاحية انتخاب المرشد العام، مع اشتراط المادة 19 من النظام الأساسي أن يكون المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد المنتخبون من ضمن أعضاء الهيئة التأسيسية ذاتها.

لكن الغريب أن أيا من النظام الأساسي أو اللائحة الداخلية لم يشر إلى أي نوع من الانتخاب أو التجديد الانتخابي تخضع له الهيئة التأسيسية، وكل ما ذكر هو ما ورد في المادة 33 من النظام الأساسي من أن الهيئة التأسيسية تتألف "من الإخوان الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة". فمن الذي يختار هؤلاء؟ وما هو معيار الاختيار؟ لقد سكت النص عن مصدر الشرعية القيادية التي تمتعت بها أعلى هيئة دستورية في الحركة، والسبب هو أن الشيخ حسن البنا هو الذي اختار أعضاء الهيئة التأسيسية بنفسه.

وإذا كان مجرد السبق الزمني لا يعطي شرعية قيادية دائمة في أي تنظيم يريد لنفسه التوسع والنماء، فإن الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين بمصر منحت نفسها شرعية دائمة، وحرمت أعضاء الحركة غير المؤسسين من أي حق في تغييرها أو مشاركتها حق اختيار القيادة. ولك أن تتصور هيئة تراوح عددها بين 100 و150 عضوا حتى العام 1954 ثم تناقصت بعد ذلك حتى أصبح عددها 30 عضوا فقط في عام 1986، وهي تحتكر حق اختيار القيادة في حركة يقدر أعضاؤها وأنصارها بالملايين.

وأراد المؤسسون أن يعوضوا عن حرمان أعضاء الحركة حق الاختيار، من خلال سياسة الإلحاق، فمنحوا الهيئة التأسيسية الحق في ضم أعضاء جدد إليها -إن شاءت- لا يزيد عددهم عن عشرة سنويا، كما تنص المادة 35 من النظام الأساسي. لكن هذه السياسة لا تحل الإشكال الرئيسي المتعلق بالشرعية القيادية، ولا تترك مجالا للمرونة الداخلية التي تفتح باب الصعود إلى القيادة والنزول منها بناءً على اختيار حر من الأعضاء، لا بناء على رأي القيادة القائمة.

وقد اعتقد بعض الإخوان أن عملية الإلحاق هذه كافية للتجدد الذاتي، لكنهم نظروا إلى الأشكال لا إلى المضامين، وإلا فإن الفرق هائل –كمًّا ونوعا- بين اختيار القاعدة لقيادتها وتحكمها في تغييرها، بما يضمن تلاؤمها مع حاجات الحركة. وبين ضم القيادة لمن تثق في ولائهم في إطار عملية تثبيت لنفسها، وتوسيع لنفوذها، وترسيخ لبقائها. هذا فضلا عن أن عملية الإلحاق –على علاتها– غير ملزمة للهيئة، وإنما هي حق لها، ففي وسعها –نظريا– عدم ضم أحد إلى الأبد.

وقد أشارت المادة 61 من النظام الأساسي إلى أنه "ينعقد كل سنتين مؤتمر عام من رؤساء شعب الإخوان المسلمين بدعوة من المرشد العام، بمدينة القاهرة أو بأي مكان آخر يحدده، ويكون الغرض منه التعارف والتفاهم العام في الشؤون المختلفة التي تتصل بالدعوة، واستعراض خطواتها في هذه الفترة".

وكان من المفترض إعطاء هذه المؤتمرات سلطة قانونية تأسيسية بحيث تكون قادرة على انتخاب قادة الحركة ومحاسبتهم وعزلهم، لأنها الهيئة العريضة الوحيدة التي تضم ممثلين عن جميع الإخوان في جميع أرجاء الدولة المصرية. لكن الغريب أن قوانين الإخوان لم تعط هذه المؤتمرات أي قيمة قانونية ملزمة، بل تركتها مجرد حشد "للتعارف والتفاهم العام". وبذلك ظلت سلطة اختيار القادة محصورة في أيدي أعضاء الهيئة التأسيسية، وضاعت على الحركة فرصة لبناء الشرعية الداخلية، وهي المعضلة الكبرى في كل مسارها. وبعد وفاة حسن البنا لم يعد لتلك المؤتمرات أي وجود فعلي ولا حتى رمزي، إذ توقف انعقادها تماما.

وقد منحت المادة 11 من "النظام العام" مجلس شورى الإخوان صلاحية انتخاب المرشد، كما أعطى النظام الأساسي هذه الصلاحية للهيئة التأسيسية من قبل. لكن الإشكال ظل دائما يكمن في: من ينتخب المنتخبِين؟ أيْ تجاهل حق القواعد العامة في اختيار القيادة أصالة أو نيابة، واحتكار ثلة قليلة لذلك بمجرد الهيبة التاريخية والسبق الزمني.


محورية المرشد العام ومركزية البناء الهرمي وصلاحيات المرشد يعسر حصرها فهو رئيس مكتب الإرشاد العام والهيئة التأسيسية، ومن حقه نقض قرارات لجنة التحقيق والجزاء، وتوقيف أعضاء الهيئة التأسيسية.
نصت المادة 17 من النظام الأساسي على أن "يقوم المرشد العام بمهمته مدى حياته ما لم يطرأ سبب يدعو إلى تخليه عنها"، وورد مثل ذلك في النظام العام الذي نص في المادة 13 على أن المرشد "يبقى في مسؤوليته مادام أهلا لذلك"، وهي صياغة أكثر دبلوماسية من سابقتها بعد ما كثر اللغط حول هذا الأمر، لكنها لا تأتي بجديد من الناحية القانونية، فهي تعني عمليا بقاء المرشد في منصبه مدى الحياة. ورغم أن "النظام العام" نص في المادتين 22 و30 على أن مدة ولاية كل من مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام أربع سنوات هجرية، فإنه لم يحدد فترة زمنية لولاية المرشد العام، وكأن استمرار الشخص أهم من استمرار المؤسسات.

وصلاحيات المرشد يعسر حصرها فهو "الرئيس الأعلى للهيئة، كما أنه رئيس مكتب الإرشاد العام والهيئة التأسيسية" حسب المادة 10 من النظام الأساسي، ومن حقه نقض قرارات لجنة التحقيق والجزاء، وتوقيف أعضاء الهيئة التأسيسية بحسب نص المادتين 37 و39 على الترتيب، علما بأن اللجنة المذكورة هي المحكمة العليا في الحركة، والهيئة التأسيسية هي مجلس شورى الحركة وسلطتها الرقابية.

ومن مظاهر محورية المرشد ما ورد في المادة 16 من النظام العام من أنه يحق له إيقاف أي عضو من أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، ثم العطف على ذلك بالقول إن ذلك العضو الموقوف "له أن يتظلم لدى فضيلة المرشد العام". وبذلك يكون المرشد خصما وحكما وشاهدا في ذات الوقت. وكأن محرر "النظام العام" هنا يخلط بين القانون والأخلاق، ولا ينتبه إلى أن القانون ليس مواعظ لإصلاح ذات البين تحرك ضمائر الأفراد ليراجعوا الحق ويتوبوا من خطاياهم، وليس ضغوطا يفرضها أب على أبناء له طائشين حتى يرجعوا إلى طاعته. وإنما هو ضوابط ملزمة تحمي حقوق الأفراد ومسار المؤسسات.

ومن مظاهر الإغراق في المركزية على مستوى التنظيم الدولي الاختلال في تمثيل الأقطار، وذلك من خلال التحيز الشديد للمركز المصري على حساب الجماعات القطرية الأخرى، وبعضها أصبح أعظم كسبا وأنضج تجربة وأوفر عددا، من حركة الإخوان في مصر. وقد تجلى هذا التحيز في تنصيص النظام العام في مادته الأولى على أن هيئة الإخوان –التنظيم الدولي- "مقرها الرئيسي مدينة القاهرة" ثم النص في المادة 19 منه على أن ثمانية أعضاء من الثلاثة عشر المشكلين لمكتب الإرشاد "ينتخبهم مجلس الشورى من بين أعضائه، من الإقليم الذي يقيم فيه المرشد (مصر)، أما الخمسة الباقون فهم الذين "يُراعَى في اختيارهم التمثيل الإقليمي" طبقا لنفس المادة.

والمرشد العام لابد أن يكون مصريا مادام مقر الجماعة هو مصر نصا. ولأن أعضاء مكتب الإرشاد –وثلثاهم تقريبا من المصريين- هم أعضاء استحقاقيون في مجلس الشورى العام، فقد انتقل اختلال التوازن بين الأقطار إلى مجلس الشورى أيضا وإلى غيره من هيئات التنظيم الدولي.

طغيان الأسبقية الزمنية على الكفاءة القيادية
وقد اتضح ذلك حينما اشترطت المادة 13 من "النظام العام" شروطا فيمن يمكن أن يكون مرشدا عاما للتنظيم الدولي، بعد شرط المصرية –أو القرشية الجديدة كما دعاها بعض الظرفاء- وأجملها في ثلاثة شروط، هي:
"ألا يقل عمره عن 40 سنة هلالية.
أن يكون قد مضى على انتظامه في الجماعة أخا عاملا مدة لا تقل عن 15 سنة هلالية تضاف إليها ثلاث سنوات ونصف قبل أن يصبح أخا عاملا، كما يلزم بذلك "النظام العام.
أن تتوافر فيه الصفات العلمية (وخاصة فقه الشريعة) والعملية والخلقية التي تؤهله لقيادة الجماعة.
ووردت ذات الشروط في الحديث عن أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، حيث اشترطت المادتان 20 و32 من "النظام العام" أن يكون عمر أعضاء كل منهما 30 سنة هلالية. وزادت المادة 32 شروطا أخرى في عضو مجلس الشورى، منها:
"أن يكون من الإخوان العاملين الذين مارسوا عضوية المكتب التنفيذي أو مجلس الشورى في أقطارهم.
أن يكون قد مضى على اتصاله بالدعوة خمس سنوات على الأقل.
أن لا تكون قد صدرت في حقه عقوبة التوقيف خلال الخمس سنوات".
وكل هذا يدل على النزوع إلى الاستبداد والمركزية وعلى ضعف الثقة في الجماعات الإخوانية القطرية، وإلا فلم لا يكون من حق تلك الجماعات أن تختار من يمثلها في التنظيم الدولي حسب الكفاءة، بغض النظر عن عمره وتاريخه في الحركة؟
من الواضح أن الإخوان المصريين هنا أعطوا عنصر السبق الزمني أولوية على عنصر الكفاءة القيادية، مما أورث الحركة تصلبا داخليا وجمودا واضحا بعد رحيل الإمام المؤسس وشيخوخة الجيل الرائد، وهو أمر حتمي في كل تنظيم يغفل الشرعية والمرونة الداخلية في بنائه. وقد كان الإخوان في غنى عن كل ذلك، إذ ليس كل سابق مؤهلا للقيادة، ولا كل متأخر قاصرا عنها.
دعوات الإصلاح.. "مواعظ في البرِّية"!
حان الوقت ليقدم الإخوان أنفسهم قدوة للناس، لا في الالتزام الفردي بل بالالتزام الجماعي بتعاليم الإسلام الداعية إلى الشورى في بناء السلطة وأدائها. وما لم يفلحوا فإن مستقبلهم السياسي سيظل مشكوكا فيه.
تساءل كثيرون ممن درسوا تجربة الإخوان المسلمين بمصر عن السر في الجمود القيادي والتصلب الإجرائي التي عانت منه منذ نشأتها، ولاتزال تحاول التخلص منه دون جدوى.

فبعض مفكري الحركة المقتنعين بالتغيير والإصلاح –مثل الدكتورين عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح- يفسرون هذه الظاهرة بالثقافة الأبوية السائدة في المجتمع المصري، في حين يرجعها بعض الكتاب الغربيين إلى تقاليد الدولة المستبدة في مجتمع عاش في ظل دولة مركزية قاهرة منذ سبعة آلاف عام، وقد أطلق "دكميجيان" على هذه الظاهرة اسم "الجبرية الفرعونية".

لكني أعتقد أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا التفلسف والتكلف، فالأمر –في جوهره– تخلف تنظيمي يمكن حله بإصلاحات إجرائية بسيطة. كما أعتقد أن هذا البؤس القيادي ليس ناتجا عن نقص في الكفاءات داخل الحركة المصرية التي استوعبت أغلب النخبة المتعلمة في أكبر الدول العربية، وإنما هو نتيجة التصلب في الإجراءات المتبعة، وإهمال معايير الأمانة والقوة التي جعلها الإسلام أساس الجدارة القيادية، واستبدالها باعتبارات زمنية وشخصية. وفي الحركة اليوم كثيرون من ذوي الجدارة الفكرية والعملية، كما خرج عليها بالأمس العديد من هؤلاء.

الأستاذ فريد عبد الخالق من رواد الإخوان المسلمين وتلامذة حسن البنا، وقد كان عضوا في كل من الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد، لكنه تخلى عن الحركة منذ تولي عمر التلمساني قيادة الحركة عام 1976، وهو يفسر ذلك في مقابلة مع "الأهرام" منذ أيام بقوله "لقد كان الخلاف يتعلق بالممارسات، لم يكن اختلافا في الهدف‏ ولكنه في الأسلوب والشكل، لأنني كنت أرى أن الممارسات داخل الدعوة بين الإخوان أو الجماعة يجب أن تكون أكثر تمتعا بحرية الفكر والشورى مما كان متاحا. من ضمن ما اعتنقته من أفكار أن يتم تحديد مدة زمنية للمرشد ولتكن ست سنوات تجدد مرة واحدة".

وحول اختيار المرشد الجديد بعد وفاة الشيخ مصطفى مشهور تمنى الأستاذ فريد عبد الخالق أن "تحدث شورى حقيقية يعطَى الكل فيها حرية إبداء الرأي دون تحريم أو تسفيه‏. الكل شركاء في الدعوة لا تميز بتقدم سن أو دخول سجن".

وقد فسر الأستاذ فريد منذ عقدين من الزمان أزمة الإخوان القيادية تفسيرا فكريا، فهو يرى أن سببها العميق يرجع إلى الخلط بين "مبررات النشوء ومبررات الاستمرار"، بمعنى أن حسن البنا كان أحوج إلى من يقدر جهده ويبني عليه أكثر من حاجته إلى من يقدسه ويتوقف عنده. لكن هذا الاتجاه الأخير هو الذي ساد لدى حركة الإخوان المصرية ومن نحا نحوها من الإسلاميين في البلدان الأخرى. وحتى لو افترضنا أن جهود حسن البنا لا تشتمل على ثغرات وجوانب قصور –وهو غلو من القول على أي حال– فإن كثيرا مما يصلح لزمانه لا يصلح للأزمنة التالية لأنه ينتمي إلى طور "نشوء" الحركة لا إلى طور "استمرارها". ولكل عصر رجاله وأشكاله.

وقد تحدث بعض قيادات الإخوان مؤخرا عن تغييرات إجرائية في اختيار المرشد العام، ولم تنشر هذه التغييرات في وثيقة رسمية للحركة حتى الآن حسب اطلاعي. وتحدد التغييرات الجديدة فترة ولاية المرشد بست سنوات قابلة للتجديد عددا من المرات غير محصور. وهذا التطور لا يضمن تغييرا في البنية القيادية الراكدة، لكنه يجعل قادة الإخوان في مستوى قادة الدول العربية من حيث احترام بعض الشكليات على الأقل. أما قبل ذلك فقد كانت قيادة الحركة متخلفة في طرق اختيارها عن الرؤساء العرب أنفسهم.

ومن أغرب الأمور تبرير قيادات الإخوان لتعطيل التشاور وتعللها بالواقع الأمني، رغم أن الاجتماعات المادية لم تعد شرطا في التداول والتشاور في عصر الإنترنت.

أعتقد أن الوقت قد حان ليقدم الإخوان المسلمون أنفسهم قدوة للناس، لا في الالتزام الفردي بالخلق الإسلامي فقط وإنما بالالتزام الجماعي بتعاليم الإسلام الداعية إلى الشورى في بناء السلطة والمشاورة في أدائها. وما لم يفلحوا في ذلك فإن مستقبلهم السياسي سيظل مشكوكا فيه.

إن إفلاس الوقائع القائمة لا يضمن انتصار البدائل القاصرة. والقوة السياسية التي لا تستطيع تغيير نفسها لن تستطيع تغيير مجتمعها في نهاية المطاف.
ـــــــــــــــ
* كاتب موريتاني مقيم في الولايات المتحدة.
المصادر:
1- عمر عبيد حسنة، مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، ص 116، 119.
2- H. Dekmejian: Islam in Revolution p. 165, 177
3- د. حسن مكي، حركة الإخوان المسلمين في السودان (1944-1969)، ص 196.
4- Robert Greenleaf : Servant Leadership p.63, 65
5- د. عبد الله النفيسي، الإخوان المسلمون في مصر.. التجربة والخطأ، ضمن كتاب "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية"، ص 247، 216.
6- د. محمد عمارة، من مظاهر الخلل في الحركات الإسلامية المعاصرة، ضمن كتاب "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية"، ص 346.
7- EL-Affendi: Turabi s Revolution p. 167
8- إبراهيم زهمول، الإخوان المسلمون.. أوراق تاريخية، ص 175.
9- فريد عبد الخالق، نحو مراجعة المقولات والآليات، ضمن كتاب "الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية"، ص 316.

مجلة العصر منتدى العصر...
التيار التجديدي في الإخوان المسلمين

18/10/2002



















(1)
على مدار العام الأخير كله , والحوارات لم تنقطع مع شخصيات مختلفة من أبناء الحركة الإسلامية المصرية , ينتمون إلى الإخوان المسلمين , بعضهم غادر بالفعل لما أحيط به وعجز عن الإصلاح فأعلن الخروج , وبعضهم ما يزال يحاول الإصلاح من الداخل ولم ينقطع به حبل الأمل مؤكدين حدبهم على الجماعة وحرصهم على الاحتفاظ بالنفس الطويل في مسيرة الإصلاح , حوارات شخصية مباشرة وحوارات عبر الإنترنت وحوارات عبر الهاتف , كلها تدور في نطاق ما يمكن أن نسميه «النقد الذاتي» للحركة الإسلامية , وهو ـ في شموله واتساع دائرته ـ يمكن وصفه بالمراجعات الحقيقية التي تدور الآن في التيار الجديد من الإخوان المسلمين , وهو تيار بدأ أبناؤه يطلقون على فكرته ـ مؤخراً ـ تعبير «التيار التجديدي في الإخوان المسلمين» , وأشهد بأن القسم الأكبر من هؤلاء الرجال يتعاملون بأدب كبير وحرص أكبر على ما ينتسبون إليه , ولم أشك لحظة في أنهم يبغون الإصلاح ما استطاعوا , ولا يقصدون أبداً فكرة شق الصف , ولا يراودهم هاجس الخروج من الجماعة , بل كان كثير منهم يحرص في مقدمة حواره وفي منتهاه على أن يؤكد على هذا المعنى قطعاً لأي ظنون لدى السامع أو الطرف الآخر , والمشكلة الأساسية التي تواجه هذا التيار التجديدي في الإخوان المسلمين هو أنه يجد صداً كبيراً من قادة الحركة , ومراوغة أكبر من «الجيل الوسيط» فيها , وهروباً من الجواب على الأسئلة المحورية , وهو أمر لا يحل المشكلة وإن كان يرحل «عقدة» الأزمة لبعض الوقت , إلا أن الخطير في عمليات «ترحيل» العقدة , هي أنها تراكم من الهموم والهواجس , وتصعب من الوصول إلى «نقطة التلاقي» , ناهيك عن كونها تعزز تصور الجيل الجديد من أن الأمر مجرد «جهد مهدر» وأفق مسدود , ودائرة مفرغة , لا تتعدى طموحاتها مجرد إثبات الوجود لا أكثر .


( 2 )
مسألتان تبرزان في سياق هذه المراجعات التي يقودها «التيار التجديدي» تحتاج ـ فيما أظن ـ إلى بعض البيان والتوضيح , المسألة الأولى هي الحساسية المفرطة التي أبداها بعض قادة الجماعة ـ جماعة الإخوان ـ مؤخراً تجاه فكرة «المراجعات» والغضب الشديد كلما جاء ذكرها في حوار أو حديث , ولاحظ القراء ذلك في حوارات فضيلة المرشد والسيد المستشار مأمون الهضيبي, وحتى في تصريحات وحوارات بعض رموز «الجيل الوسيط في الحركة ـ جيل السبعينيات» , وكان الجميع يحرص على التأكيد على أن موضوع «المراجعات» خاص «بالجماعة الإسلامية» التي انتهجت العنف سبيلاً للتغيير في المجتمع , وأما نحن ـ الإخوان ـ فلم ننتهج العنف , ففي أي شيء نجري مراجعات , ثم إن هذه المراجعات ـ حسب اتهامات المرشد ـ عمل «أمني» ونحن لا نشارك فيه , والحقيقة أن هذه حساسية لا مبرر لها أبداً , كما أنه منطق بغير أساس , وذلك أن فكرة «المراجعات» في الحركات السياسية والدينية والاجتماعية , هي فكرة مطردة , ووجودها حية , هو شرط حياة الحركة أيا كان محتواها , والحركة أو الجماعة التي تتوقف عن المراجعة وإعادة التقويم في مسيرتها ومنهجها هي حركة جامدة فاقدة للأهلية الاجتماعية ومنعدمة الأفق, مهما تضخم جسدها أو إمكانياتها ؛ بل إن الجسد والإمكانيات تتحولان إلى عبء عليها وليس قوة دفع , إنه لمخطئ ـ بلا ريب ـ من يتصور أن المراجعة في الحركة الإسلامية تحديداً تتعلق بالعنف أو الغلو أو نحو ذلك , المراجعات هي مطلب شرعي وإنساني ومنطقي , لتقويم المسيرة , وإعادة بلورة الأهداف , وإعادة النظر في المناهج ودقتها , وإعادة تقييم الوسائل والآليات وجدواها , وكذلك إعادة النظر في «كفاءة» القائمين على العمل من عدمه , إذ أنه لا يكفي أبداً أن تكون «الثقة» والنزاهة الشخصية متوفرة لكي يكون الشخص «كفؤاً» للعمل , وإنما للكفاءة شروط فنية وإنسانية وشرعية , بدونها يصبح الشخص عبئاً على الحركة , بل وربما كارثة عليها وعلى أبنائها , ولا يغفر له , ولا لمن ولاه أبداً , توافر الثقة , أو النية الطيبة , أو الثبات في الملمات .

( 3 )

المسألة الأخرى , تتعلق بالحذر والتحذير الدائم من عمليات «النقد الذاتي» والحركة تتعرض لمظالم ومطاردات ومحن ونحو ذلك , وأن النقد هنا يزيد الجراح ويؤسس للفتنة , وهذا الكلام ـ مع إحسان الظن ـ هو مجرد شماعة نعلق عليها عجزنا عن تقويم أنفسنا وممارسة النقد الذاتي , ومجرد «مخدر» نقدمه للأجيال الجديدة التي ترى بأعينها السياسات الخاطئة والآفاق المسدودة والجهود المهدرة والولاءات المؤسسة على عواطف ليست بريئة , وإلا فحدثونا ـ أيها الأحباب ـ في أي وقت من الأوقات منذ نشأة الحركة , وهذه طامة في الإخوان وفي غيرهم , وعلى مدى أكثر من سبعين عاماً , حدثوني عن مراجعات جادة حدثت , أو ممارسات للنقد الذاتي جريئة , سواء في الأوقات التي عاشت فيها الجماعة «دفء» العلاقة مع السلطة , أو التي عاشت فيها مرحلة صدام وخلاف , إن الممارسات النقدية الوحيدة التي قرأناها هي لأشخاص خرجوا أو أخرجوا , والمدهش أن الكثيرين ممن تعرضوا «من الخارج» للحوار مع الإخوان يقال لهم , ادخل وأصلح من الداخل , فإذا ما دخل وجد نفسه محاصراً بألف عين وأذن ملؤها الشك في أي نقد أو ملاحظة , بل إن من يحاول الإصلاح من الداخل هو الذي يجد نفسه محاطاً بالملاحظات وعليه علامات استفهام , وربما عزل وارتياب حتى يستسلم تماماً أو يخرج من حيث أتى , ثم يستمر العمل على ما كان عليه , كأن لم يمر بنا نهار ولا شمس ولا محنة , ولماذا نذهب بعيداً وبين يدينا كلام الدكتور محمد السيد حبيب الذي كتب مقالاً بعنوان «في مدرسة الإخوان تربينا» , يقول فيه بالحرف الواحد في معرض تجليته لمميزات الإخوان المسلمين : «ولا يوجد لدى المدرسة ما يدعيه البعض من صراع بين حرس قديم وإخوان جدد , فالكل منصهر في بوتقة واحدة .... وإذا كان هناك من يريد الخروج عن إطار الفكرة وقواعد المنهج فله ما يريد ولكن بعيداً عن المدرسة» , تأمل ما يمكن أن نسميه «عنف العاطفة» , فالكل «منصهر في بوتقة واحدة» والمحصلة «العملية» لهذا الكلام هو أن الكل محمول على رأي واحد , ومن أراد أن «يعدل أو يعيد النظر في إطار الفكرة» فلا سبيل أمامه سوى أن يحمل أوجاعه وملاحظاته ويرحل «بعيداً عن المدرسة» غير مأسوف عليه , ثم تأمل النظر إلى «صراع الأجيال» هذه النظرة شديدة السلبية , رغم أنه حراك إنساني فطري , لاختلاف الأجيال والخبرات والظرف التاريخي والثقافي الذي نشأ فيه كل جيل , ولكن ـ أبداً ـ إن هذا «العار» لا يمكن أن يقع في الإخوان , وإنما الكل «منصهر في بوتقة جيل واحد» .

إن النقد الذاتي يقوى جسد الحركات الاجتماعية ولا يضعفه , ويمده بطاقات من الحيوية والتجدد تزيد في فعاليته , وينفي عنه الخبث والعجز وكل ما يمثل عبئاً وثقلاً وقيداً عن التطور والعطاء , والحركة الاجتماعية التي تخاف من التجدد والنقد الذاتي هي حركة غير جديرة بالبقاء أصلاً , أو أنها تكون مؤسسة على «تراث من الأخطاء والأوهام» تخشى أن يسقط من أول لحظة إذا فتحت النوافذ للحرية وضوء الشمس , ولا أظن أن «الإخوان المسلمين» كحركة تاريخية لها جذرها في النهضة العربية والإسلامية الحديثة يمكن أن تكون من هذا النوع القلق والمرتعد أمام الأفكار الشابة ودعوات المراجعة والنقد الذاتي .

( 4 )

من خلال الحوارات التي تمت , والقراءات لما عرض , يمكن أن نوجز ـ بما يناسب المساحة المحدودة هنا ـ أهم المحاور التي يطرحها «التيار التجديدي في الإخوان المسلمين» على بساط المراجعة المطلوبة والعاجلة .

والمحور الأول يتمثل في ما يمكن تسميته «بالغلو التنظيمي» والتطرف العاطفي في النظر إلى «الجماعة» وشخصيتها الاعتبارية في المحيط الاجتماعي والديني والسياسي , وهو تطرف لا تفلح في ستره العبارات التقليدية التي تتحدث عن «وسطية« الإخوان , وأنهم جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين , إن الممارسات ومناهج التكوين والتربية تقوم صراحة على أن «الإخوان» مرادف كامل «للإسلام» , وكان من طريف الحوارات التي تمت في هذا المحور أن اختار أبناء «التيار التجديدي» المقال السابق للدكتور محمد السيد حبيب ـ من قيادات الجماعة ـ بعنوان «في مدرسة الإخوان تربينا» وأجروا عليه ما أسموه في رسالتهم ـ عملية كومبيوترية بحتة ـ أي أنهم استبدلوا فقط كلمة «الإسلام» مكان كلمة «الإخوان» في كل سياقات المقال , ووجدوا أن السياق منتظم تماماً بدون أي اختلال , ونظراً لطول المقال .. أختار منه مقتطفاً واحداً فقط - كنموذج لما أوردوه , يقول الدكتور حبيب في مقاله : (في مدرسـة الإخـوان يتعلم الإنسـان كـيف يتجـرد لفكرته النبيلة , فلا يجمع معها أفكار أخـرى , قـد تناقض أو قـد لا تتفق معها ولـو في بعض الجـزئيات . وكـيف يفعل ذلك و فكـرته فيها مـن الإحـاطـة والشـمول والكـمال والتمام مـا يعـوضه عـن النظـر إلـى أيـة فكـرة أخـرى ؟ لذلك مطلوب مـن الأخ أن يعـمل علـى أن تملك الفكـرة عـليه لبه وعقله ومشاعره , فيفكر ليل نهار كيف يـدعـو إليها ؟ وكـيف يجـتذب الأنصـار لقبولها والتعاطـف معها والانخراط فيها والارتباط بها؟وكيف يزيل العقبات من طريقها ويعبد الطريق أمامها ؟ وكـيف يهيئ لها من أسباب النجـاح والفلاح ما يجعلها تصل إلي هـدفها المنشـود؟ ولا يغيب عـن ذهـن الأخ أن قـوته وعـزته في مدي ارتباطه بفكرته) انتهى الاقتباس .. , وعلى القارئ أن يضع كلمة «الإسلام» مكان كلمة «الإخوان» ثم ينظر , هل تغير شيء في المعنى , بل إن الوضع الجديد هو الأقرب إلى نصوص الشريعة وروحها كذلك «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له» , والمهم أن محصلة ما سبق ـ حسب نص رسالة هذا التيار ـ أن أسلوب التربية يعزز في عقل الشباب من رسوخ معادلة: نحن الإسلام والإسلام نحن !.

( 5 )

ولقد كان الغلو المتزايد في هذا المحور دافعاً لهذا التيار التجديدي إلى إرسال رسالة إلى فضيلة المرشد يسألونه بما معناه : هل أصبح التنظيم مقدماً على الإسلام أو بديلاً للانتماء له , ولكن الإجابة جاءت من الشيخ فيصل المولوي ـ فقيه الجماعة ـ , كما جاءت من الأستاذ فتحي يكن الذي استشعر الخطر الكبير من القلق المتزايد في هذه المسألة فكتب يقول في جوابه : (إن مجرد استهداف التنظيم بالعمل , هو لون من ألوان الشرك , والله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك , وهو سبحانه القائل {قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ واحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] ثم يضيف الشيخ منبهاً : (إننا مسلمون قبل أن نكون «إخوان مسلمين» وأننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين .. فالإسلام قبلنا وبعدنا , وبنا وبدوننا , وإن نتولى يستبدل الله قوماً غيرنا , ولن نضره شيئاً , وسيجزي الله الشاكرين , .. في ضوء كل ذلك ـ الكلام ما زال ليكن ـ يكون المطلوب دائماً وأبداً : تجريد العمل للإسلام من كل لوثة وصولية , أو غرض فردي أو جماعي أو تنظيمي , انسجاماً مع خلوص العبودية لله تعالى الذي أكدته وأكدت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى {قُلْ إنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ}[الأنعام. [

يؤكد الشيخ في جوابه على المعنى من زاوية أخرى بقوله : (إن دين الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, أما التنظيم وأهله والعاملون فيه فليسوا بمعصومين عن الخطأ والزلل, وجميعهم يؤخذ منه ويرد عليه , وهؤلاء كلهم يعرفون بالدين ولا يعرف الدين بهم.

انتهى الاقتباس من رسالته .. , وليتأمل القارئ شدة الرسالة وصرامتها , التي تبين مدى قلق صاحبها من الظاهرة , والحقيقة أن هذه الظاهرة الخطرة لها تجليات عملية وسلوكية خطيرة , وخطورتها تأتي من اعتياد أبناء الجماعة عليها بصورة تحيلها إلى «أصل نمطي» لا يلفت انتباههم , ينتهي إلى تأصيل مسألة تقديم مصلحة التنظيم على مصلحة الإسلام أو مصلحة الأمة , كأن يتم تجاهل المشاركة في أعمال مثمرة لخير الدعوة الإسلامية طالما أنه لن يعود منها فائدة تنظيمية مباشرة على الجماعة , أو حتى تعطيل بعض الأعمال الناجحة أو وضع العثرات في طريقها طالما أنها لن تخرج من الجماعة أو تضيف إليها , وإن كانت ستضيف إلى النشاط الإسلامي العام , أو محاربة شخصية ناجحة وذات كفاءة عالية في موقع ما والتآمر عليها ـ وهي من غير الإخوان ـ لإحلال شخصية أقل كفاءة منها في الموقع ذاته لأنها من الإخوان رغم أن المحصلة ضرر يقع على «القيمة الإسلامية» في العمل المذكور, أي أنه لا حرج من إضعاف العمل الإسلامي لأن المهم هو «تقوية الإخوان» كما أن هناك سلوكيات موجعة للقلب وشديدة القسوة في تعاملات الجماعة مع من اختلف معها أو خرج عنها والتي تصل إلى حد فرض الحصار الإنساني وقطع الرحم التي أمر الله بها أن توصل وحرب التجويع بما يمس الأطفال والذرية وهي شواهد يطول ذكرها , بالمقابل هناك عمليات «التدليل» الزائدة عن الحد للموالين مهما كانت أخطاؤهم تسد عين الشمس , ولعل ما حدث مع السيد «محفوظ نحناح» في الجزائر كان طافحاً, إذ بينما يعلن العسكر انقلابهم على الانتخابات ويشنون الحرب الضروس على الإسلاميين ـ من غير الإخوان ـ إذا بنحناح يتحالف مع العسكر في حربهم غير الطاهرة ضد من اختارهم الشعب , دع عنك أن يكونوا إسلاميين , وبينما كل الأحرار في العالم يضجون من انتهازية نحناح , كانت صحف الإخوان ومجلاتهم تتصدر أغلفتها صور نحناح وتصريحاته , بكل اعتزاز وفخر ومباهاة , كفاتح كبير أو صانع نهضة , مع أن أحداً غيره لو فعل ما فعل , وكان الضحية هم الإخوان ـ وليسوا الإنقاذ ـ لحولوه إلى شيطان رجيم , وأقاموا له نصباً ترمى عليه الجمرات كل صباح .

( 6 )

المحور الثاني من المحاور التي يطرحها التيار التجديدي في الإخوان المسلمين , يتمثل في انعدام قنوات الحوار الجاد داخل الجماعة , وإفراغ الساحة الداخلية لمن يقدمون الولاء العاطفي الساذج, الأمر الذي أتاح الفرصة لنماذج ليست بعيدة عن الانتهازية و«الفساد» لكي يكون لها موقع القربى من «مراكز القرار» , كما أن هؤلاء المتزلفين يسدون المنافذ على أي جهد نقدي أو ممارسة حق الاختلاف , بعضهم تحدث بوضوح شديد عن أن التغيير أو الإصلاح في الداخل هو «مستحيل» هكذا باللفظ الصريح , وبعضهم تحدث عن «عسكرة الجماعة» لضمان انعدام أية فرصة للاختلاف , بحيث لا يكون هناك سوى أمر وطاعة , ولا ثالث بينهما , وحسب نص أحدهم يقول : (لماذا عسكرة الجماعة بهذا الشكل الغير مبرر à فالمسئوليات الحزبية عندنا هي قيادة وجنود àوالأعمال الروحية الشهرية كتائب àوالمخيمات .. معسكرات àومفاهيم تركز على الطاعة والثقة àفهل الأمر بحاجة لهذه العسكرة ونحن في القرن الواحد والعشرين؟! ..كما أن الأجواء ليست مواجهة مع استعمار داخلي والظروف لا تسمح بتوظيف هذه المفاهيم و الأشكال للساحة الفلسطينية à. إذن لماذا عسكرة الجماعة بهذا الشكل ؟ فلسنا مليشيات شبه عسكرية والظرف المحلي و الإقليمي والعالمي لم يعد يسمح بمثل هذه العاطفيات التي لن ينبني عليها عمل سوى قمع متزايد ومواجهات داخلية واستغراق في خصومات تاريخية لا طائل من ورائها ولم نعد قادرين على تحمل كلفتها الباهظة) انتهى الاقتباس .

يتصل بهذا المحور أيضاً محور مهم يلخصه السؤال : لماذا تتحول الجماعة إلى عامل طرد مستمر للكفاءات الفكرية النادرة , والطاقات المبدعة , حتى إنه أصبح عجزاً لافتاً للانتباه ؟! , فرغم السيولة الكبيرة في تجهيز وإعداد الكفاءات المهنية والنقابية بصورة لافتة , تعجز الجماعة عن إيجاد قاعدة موازية من أهل الفكر والعطاء الثقافي المتميز والمبدع ؛ بل إن القاعدة الآن أصبحت شبه مسلمة , أن أية كفاءة فكرية تنبغ فإنه لا مكان لها داخل الجماعة , وهي مشروع للخروج حتماً , والمسألة تكون مسألة وقت , ولا داعي لتعداد الأسماء والظروف والملابسات , وقد ترتب على هذه السلبية ظاهرة ملفتة , وذلك أن الندوات ذات الطابع الفكري والثقافي العام التي كانت الجماعة تعقدها في النقابات وغيرها , كانت تضطر لدعوة مفكرين مستقلين أو من تيارات أخرى لكي يسدوا «العجز» , وينعدم وجود «المفكر» و«المبدع» من الإخوان في هذه النشاطات , ويرى أصحاب التيار التجديدي أن السبب في خروج هذه الظاهرة هو عدم وجود آلية مؤسسية واضحة لإدارة الحوار والخلاف داخل صفوف الجماعة , ونمط التربية لا يقوم على الحوار والشورى , وإنما يقوم على السمع والطاعة واستشفاف ما يرمي إليه القادة التاريخيون والتسابق إلى ما يشيرون إليه أو يلمحون , ولما كانت طبيعة الفكر والإبداع أن يعيش في أجواء من الحيوية العالية والحرية المنعشة للعقل والوجدان , والجرأة المؤهلة للريادة والتماس مع الآفاق البعيدة , فإن أصحاب هذه النزعات ليس أمامهم من سبيل سوى أحد وجهين : إما أن يطووا الجوانح على الألم وتنطفئ جذوة التميز والإبداع والجرأة ويتحولوا إلى «آلة» أو ترس فيها, وإما أن يحمل الواحد منهم طموحه وجسارته وحيويته ويرحل غير مأسوف عليه - كما أشرنا من قبل .

ويأخذ هذا التيار على قادة الجماعة الحديث المتكرر عن الحفاظ على «الثوابت» وأن الاختلاف إنما يكون في «المتغيرات» , وهو اقتباس جميل ولكنه غير دقيق في هذه الحالة , لأن هذا يصلح في الحديث عن «الإسلام» , أما عن «الإخوان» ـ أو أية جماعة أخرى ـ فإن فكرة «الجماعة» من أساسها هي من المتغيرات وليست من ثوابت الدين , وهي اجتهاد له ما لإجتهادات البشر , فكيف نحولها بمثل هذه البساطة إلى «كيان مقدس» لا يمس , ثم ما هي المتغيرات داخل الجماعة , وما هي الثوابت , وما هي القدسية التي جعلت لهذه «الثوابت» رسوخها وحرمتها , ولماذا تصبح عصية على الحوار الجاد لعل الزمن تجاوزها , أو لعل التجربة أثبتت خطأها , أو لعل الأجيال الجديدة تجد آلية جديدة أفضل منها لخدمة الإسلام والمسلمين ؟؟ هذه كلها تساؤلات مشروعة , وشواهد على اضطراب حقيقي في بنية العمل يحتاج إلى مراجعة جادة وعاجلة , وليس إلى القلق والخوف وسد النوافذ على ضوء الشمس الجديد .

( 7 )
المحور الثالث من محاور المراجعات المطروحة من التيار التجديدي في الإخوان المسلمين يتعلق بوضعية العلاقة مع السلطة والحكومات , ويرون أن التاريخ شاهد على اضطراب كبير في هذه العلاقة وعدم وضوح رؤية أو منهج , فنبتعد عندما يقتربون ونقترب عندما يبتعدون , ثم إن هناك نوعاً من استعذاب الكوارث ـ إن صح التعبير ـ مهما حاولنا إسباغ أثواب شرعية على «الأخطاء» التي أدت إليها , من مثل الحديث عن المحنة والابتلاء وغيرها , صحيح أن المسلم مطالب بالصبر على البلاء إذا ما حدث , ولكن جيشاً هزم في موقعة , وهذا بلاء , لا يعني أن يتم تبرئة قادته من المحاسبة على الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة , كما أن اتهام الطرف الآخر بصفة دائمة لا يمكن أن يكون مبرراً لتبرئة أنفسنا من الأخطاء , وهنا ينعدم وجود أي تقويم موضوعي لعلاقة الإخوان مع الحكومات المختلفة , منذ ما قبل ثورة يوليو وإلى الآن , إن هناك أسئلة من نوع : هل كانت الصدامات حتمية ؟ هل كان من الممكن تلافيها أو تلافي بعضها ؟ هل كان هناك سوء تقدير من قبل القيادة للأوضاع المحلية والدولية ؟ , إن الحركة قدمت تضحيات وحتى شهداء , هذا صحيح , وأجرهم عند ربهم ـ يرحمهم الله جميعاً ـ , ولكن هذه التضحيات التي دفعها أناس من أعمارهم وحرياتهم وعذابات أبنائهم وأهليهم , هل تمت مراجعة السياسات والمواقف والأعمال التي أنتجتها ؟ , ومن وجه إليها ؟ , إن التدثر بالسرية في هذا المقام لا يغني شيئاً , لأن الملفات بكاملها عند الطرف الآخر , وربما أكثر تفصيلاً مما هو عند «قادة» في الجماعة , فهل تمت المراجعة ؟ , بل السؤال الأدق : هل يمكن أن تتم مراجعة حقيقية جادة في هذا الملف ؟ , ويندرج في هذا السياق تساؤلات عن التجارب التي تمت مع قوى سياسية من غير السلطة , ولماذا انتهت معظمها إن لم نقل كلها إلى كوارث , ولماذا أورثت الحركة عداءات ومرارات كبيرة مع القوى السياسية المختلفة , هل كان هذا لمجرد سوء ظن وكراهية من التيارات الأخرى؟, أم أن الأمر ـ أيضاً ـ يتعلق بسياسات ومواقف وتصريحات متراكمة من جانب الجماعة وقادتها انتهت إلى هذه الكوارث ؟ , وهل يمكن أن تراجع هذه الملفات ؟ , وهل يمكن أن نعرف الأسباب الحقيقية التي أدت إليها ؟ , ومن كان وراءها ؟ , وهل يمكن محاسبة أولئك الأشخاص؟, ولماذا كانت الحروب الضروس التي خاضتها الجماعة بدون طائل سوى تشويه موقفها وحصد المزيد من الكراهية من الآخرين , مثلما ما حدث في الموقف من تجربة حزب الوسط , ومن الذي حولها إلى «حرب» مع هؤلاء الشباب الذين رأوا أن يخدموا الإسلام وفق آلية بديلة أو مختلفة , إن وفقوا فيها فقد أضافوا للإسلام قوة , وإن لم يوفقوا فلا ضرر من وراء ذلك بل مكاسب سياسية وإعلامية لا تخفى , لماذا تحملت الجماعة المشاق والمكاره لتقوم بالوقوف أمام المحاكم لكي تتبرأ منهم وتقدم من الأوراق والمستندات ما يعزز موقف الحكومة من رفض الحزب الجديد , وتسحب «ملفات حيوية» من تحت أيديهم لكي تسقط تجربتهم وينكسروا أمام الرفض الحكومي المتعنت , فيما كان كل هذا «الجهاد» ؟ , وهل تم حصر الآثار السلبية الخطيرة ـ أخلاقياً وسياسياً وإعلامياً ـ التي أصابت الجماعة من جراء مثل هذا الموقف , وهل تمت مراجعة جادة للموقف برمته , وهل تمت محاسبة من تولى الملف ؟

( 8 )

في مراجعات التيار التجديدي ملفات أخرى متعددة , تتعلق بآلية اختيار القيادة , ومشروعية البيعة , ومصداقيتها , وكذلك مأساة ما أطلق عليه بعض الإخوان «ظاهرة الفساد المالي والإداري والأخلاقي» عند بعض المقربين من القيادات الوسيطة , والذي تجلى ـ بالمستندات ـ في نقابتي المهندسين والمحامين , مع الإصرار على فرض النماذج المتهمة به , أو المتلبسة به , في مواقعها القيادية والتمسك بهم لأنهم «نشطون في حركة التجنيد» ـ مرة أخرى مصلحة التنظيم وليس مصلحة الإسلام وقيمه ـ , وغير ذلك من مواقف تفصيلية في قضايا وهموم الجماعة والأمة , يصعب أن نستوعبها كلها في هذه العجالة , وإنما حسبنا ـ حسب وعدنا لهم ـ أن نعرض بأمانة للمحاور الأساسية لآرائهم التي طرحوها , وأن نبلور وجهة نظرهم , عسى أن تبلغ إلى قادة الحركة وأهل الرأي والحكمة هناك , لعل الله يوفق الجميع إلى السداد والرشاد , ويبقى الحوار موصولاً من الأطراف جميعها , مع حرصنا المؤكد على ألا نكون طرفاً في أي خلاف أو اختلاف داخلي في أي عمل إسلامي , وإنما نحن «منبر» أمين لعرض الكلمة الطيبة , والفكرة البناءة , والرأي الأمين , وكل ما يضيف إلى وعي الأجيال الجديدة جديداً , مع تأكيد التزامنا بالواجب الشرعي الأصيل : النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم , والله الهادي إلى سواء السبيل .

كم نحن في مسيس الحاجه لهذه الكلمات المخلصه ..
كلام يقارب الواقع هاني يقول...
تجارب تجريح المخالفين في الراي و الاستهزاء بالمجددين من قبل بعض أفراد التنظيم موجوده .....و لو اردت امثله سقتها لك ..ولا أريد أن اتحدث فأمس أفراد لهم مكانه ..فيبدو من حديثي شخصانية مذمومة ...
2- لا يوجد الا فكر واحد و مدرسة تربويه اخوانية معتمده ...و لو كنت فعلا من الاخوان العاملين يمكنك أن تراجع مناهج الأخوة العاملين و المنتظمين فهي لم تتغير منذ عشرات السنوات و لم تتبنى - في الأغلب - اي كتابات من التي تقول عنها حضرتك أن التنظيم منشرح بها .
3- عدم مراجعة الكثير من مناهج التصعيد و بعض المفاهيم القديمة البالية مثل ..المؤامرة على الاسلام (تاصيل عقلية التآمر ..و تغييب ذهنية مواجهة المخططات الاستراتيجية ) ....و الجمود على أفكار الأستاذ جمعه أمين في قضية الجماعات العاملة على الساحه ...و عدم اعتماد أي كتب أو افكار تجديدية من كتابات القرضاوي وعماره وهويدي و غيرهم .....و تغييب هذه الأفكار في حد ذاته نوع من الغلو و رفض للآخر .....
4- في دورات الأخ العامل نتوقف عند أفكار جيل التأسيس و نعيد تكرارها و حفظها و تلقينها با لا يدع اي مجال لفكر آخر معاصر أو لتنزيل جديد لأفكار البنا الفذه الحضارية على الواقع المعاش الجديد
5- موضوع الأفكار الجديدة و التي يتم الأخذ بها بعد شورى ....فماذا تقصد بالأفكار يا اخي ....
هل تعني مناهج الجماعه التي أصابتنا بالتكلس و جعلتنا نحيا خارج القرن الواحد و العشرين ..
ام مسألة تحديد فترة المرشد .......وعدم التجديد لاكثر من دورتين ..
أم اختيار مكاتب القطاعات .....
ام تطوير أقسام الجماعه..
أم انشاء مؤسسات عدلية شورية - خارج الأخوة التنفيذيين - لحل مشاكلنا الداخلية المتفاقمه ...اخلاقيا و اقتصاديا و اداريا ...

قل لي بربك ماذا تقصد بالأفكار ...و انت تضع نفسك محاميا عن تنظيم كثرت عثراته ....حتى ظلم الجماعه الفكره .الجماعه المؤسسين ...الجماعه التاريخ ...........
فكل هذه الأفكار أو بعضها تم طرحه ..ولا حياة لمن تنادي و ذهنية التبرير جاهزة دوما .......و لا شورى و لا غيره .......
الأزمة القيادية داخل الحركة الإسلامية: لا تخرج معظم القيادات الحالية للحركة الإسلامية في معظم مستوياتها عن خصائص القيادات الحاكمة في الأنظمة العربية والإسلامية التي تعارضها؛ حيث تتصف كليهما بسمات وخصائص مشتركة وتعاني عدة أزمات متقاربة منها ما تتعلق من ناحية أولي بشرعية وصولها للقيادة ومن ناحية ثانية : بأحقية وجدارة استمراريتها فيها , ومن ناحية ثالثة : تتعلق بشرعية الإنجاز الذي تحققه وكفاءة الأداء في الأدوار التي تقوم بها... إلخ ؛ فهي قيادات مؤبدة في مواقعها , وليس هناك من طرق محددة وواضحة لتداول القيادة داخل الحركة , كما أن معظم القيادات تنتمي إلي الجيل المؤسس ولم تنتقل القيادة بعد إلي أجيال أخري حتي يتم اختبار مدي مؤسسية الحركة , كما أن غالبية القيادات وصلت إلي مواقعها وتستمر فيها غالبا بطرق أقرب إلي التغلب منه إلي الشوري الحقيقية, كما أن هذه القيادات في غالبها لا تمتلك مؤهلات القيادة , كما غابت عن ممارساتها الأدوار المفترض أن تقوم بها أية قيادات لحركة إصلاحية أو تغييرية, وقد نتج عن ذلك وجود أزمة في التواصل بين القواعد والقيادات, وبالتالي فإن التساؤلات المطروحة بصدد مستقبل القيادة داخل الحركة الإسلامية يمثل تحدياً حقيقيا خاصة بصدد التحول من نمط "القيادة" إلى "الرئاسة" , ومن الشرعية المستندة إلى "الخبرة التاريخية" , ومعايشة لحظة التأسيس .. إلخ , إلى الشرعية المرتبطة بـ"الإنجاز الفعلي" للحركة, والالتزام ببناء مؤسسات شورية حقيقية وليست شكلية وورقية علي النمط الذي تقيمه الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي وبلدان العالم النامي..
ويقول....
فقد سيطر علي معظم جماعاتها العقل الإجرائي والبيروقراطي المجدب , وأصبحت حركة طاردة للكفاءات الحقيقية من أبنائها تحت حجج وعناوين مختلفة وفي ظل تبريرات فضفاضة كثيرة , وهكذا تفقد الحركة بعضا من أخلص أنبه لصالح بقاء طبقات من العملات الرديئة ومن ذوي الكفاءات المنخفضة الذين يجيدون فن المطاوعة والملاوعة لا المناقشة والمحاججة, وممن يعرفون طريقة وفن إمساك العصا من المنتصف , وإختلاق مبررات الحكمة الخفية الكامنة وراء كل تصرفات القيادة ولوكانت أخطاؤها بالغة بينة واضحة للعيان, وهم صنف من البشر موجودن في كل الأنظمة والحركات ولكن الإشكالية في وجودهم المؤثرفي بعض جماعات الحركة الإسلامية التي تريد الإصلاح والتغيير في مجتمعاتها الأمر الذي يقعدها عن مواجهة التحديات فتصبح مسئولة عن إصلاح البيت من الداخل قبل المنادة بإصلاح المجتمع والحكم ..
هذا الشبل من ذاك الأسد | الواعي يقول...
أن واقع الحركة الإسلامية وخاصة أساليب العمل القيادي فيها ، وطرائق صناعة القرار بداخلها ، وأنماط الحراك والترقي بها ، وقنوات الاتصال بين القيادة والقواعد ، والحدود المسموح بها لحرية التعبير والنقد وحرية التفكير والرأي 00 أن واقع الحركة الإسلامية في كل هذه المسائل يجعلها ناصرية منهجا وأسلوبا تحذو حذو جمال عبد الناصر شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى إذا دخل جحر دخلوه 00 نعم أنها ناصرية في الأسلوب وناصرية في المنهج وناصرية في التفكير وأن كانت ترفض عبد الناصر شخصا وفردا ، يخالفونه شخصا ويشاركونه ـ ومن بعده الحكام ـ منهجا فكيف ذلك؟
أولا : لا عتاب على الإسلاميين في مصر ، في الأربعينات والخمسينات ، أن كانوا يرفضون التعددية الحزبية ، ولا عتاب ـ أيضا ـ على جمال عبد الناصر ، فقد كان ذلك من سمات المرحلة ليس في مصر وحدها وإنما في كافة بلاد العالم الثالث في أعقاب موجة التحرير من الاستعمار الاستيطاني ، ولكن العجيب ، أن الحركة الإسلامية لا تقول بذلك ، والعجب ثانيا أنها تجعل ذلك من مثالب عبد الناصر ، والعجيب ثالثا أن الحركة الإسلامية وأن كانت بدأت تخفض رأسها للرياح القادمة من كل اتجاه حاملة معها دعاوى التعددية الحزبية مجاراة للواقع ومن باب المبارزة السياسية ، ألا أنها ـ في أعماق نفسها ـ لا تمارس التعددية بداخلها ، فهي تعتمد أطرا تربوية وقوالب تكوينية على كل عضو أن يتأطر ويتقولب داخلها، فإذا هو يتلقى من القيادة ، ويحفظ عن القيادة ، ويكرر عن القيادة ، ويلبي كافة وجهات نظر ومقولات القيادة ، ويردد حتى نكات ونوادر وفكاهات القيادة ، ومن يشذ عن ذلك شهرة فعليه ساعتئذ أن "يسلم نفسه ، هكذا يحملها في يده ويذهب ليقي بها بين يدي القيادة تتصرف فيها كيفما تشأ ، وإلا فأن في انتظاره لقب مخز كبير "المتساقطون على طريق الدعوة"0
ثانيا : كان النهج الناصر في الحكم أن القيادة السياسية لها وحدها القرار، وأن الجماهير لها فقط حق أو واجب الهتاف للقرار ومن أصدره ، وهذا أيضا شأن الحركة الإسلامية فالشائع أن القيادة هي الأيمان والتضحية والتجرد والخبرة ما يجعلها أهلا للثقة تتخذ من القرارات ما شاءت وكيفما شاءت ، ووظيفة القواعد أن تخضع لحالات مكثفة من الحشد والتعبئة والتهيئة لتلقي كافة ما يصدر من القيادات بالرضا والترحيب والإشادة ، وهما معا عبد الناصر وقيادات الحركة الإسلامية أثبتا نجاحا منقطع النظير في حشد واستنفار الجماهير وحظيا بهتافاتها من الحناجر والقلوب0 والأمثلة أكثر من أن تحصى حول استئثار القيادة الناصرية باتخاذ القرار ، وهي من الإشاعة والذيوع بحيث لا تحتاج إلى تدليل عليها0
والمثال المطلوب هنا من الحركة الإسلامية فأخطر قرار اتخذته الحركة الإسلامية ، وهو قرار الضباط الأحرار في حركة الجيش التي قادها عبد الناصر ، ولننظر كيف تم اتخاذ الحركة الإسلامية ، وهو قرار مساندة الضباط الأحرار في حركة الجيش التي قادها جمال عبد الناصر ، ولننظر كيف تم اتخاذ هذا القرار الخطير؟
اتصل الضباط الأحرار بأحد القيادات وأخبروه أن الضباط بشأن القيام بحركة ضد الملك في 22 تموز (يوليو) وأنهم سوف يؤجلونها 24 ساعة حتى يتخذ الإخوان قرارا أن كانوا يريدون دعم الحركة أم لا؟ وذهب هذا القيادي إلى المرشد حيث كان يقضي فترة نقاهة في الإسكندرية وعاد في نفس اليوم وعه قرار الدعم والتأييد وقرأ "الفاتحة" مع عبد الناصر أن تكون الحركة لله وللدولة الإسلامية (باختصار عن محمود عبد الحليم ، الجزء الثالث من الأخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ)0
ويمكن ملاحظة عدد من الأمور على هذا القرار:
1- المدة الزمنية التي استغرقها في يوم واحد أو نهار واحد مخصوم منه عدد الساعات التي أستغرقها السيارة من القاهرة إلى الإسكندرية ذهابا وإيابا 2- هذا القرار اتخذه المرشد وحده0
3- هذا القرار لم يعرض على أي مؤسسات شورية داخل الحركة0
4- هذا القرار لم تدرس احتمالاته ولا أثاره السلبية الممكنة والتي راح ضحيتها الأبرياء من القواعد وجماهير الحركة فيما بعد0
5- هذا القرار لم يبلغ لعبد الناصر في صورة صفقة سياسية بها أخذ وعطاء والتزاما وضمانات وإنما في صورة غاية في البساطة وغاية في أشياء أخرى ، مجرد قراءة فاتحة مع أن أحدنا لو كان يشتري كيلو سمك لبذل مجهودا أكبر ، ولست ـ في حاجة ـ لأن اشرح السلبيات المدمرة التي نتجت عن هذا الأسلوب في اتخاذ القرار وما دام لم يراجع نفسه ، فأن نفسه ما زالت طليقة تعمل بكل حرية0
ثالثا: جمال عبد الناصر وغيره من الحكام العرب وجهوا أجهزة الدولة ومنابرها الإعلامية والثقافية لتحمدهم ، بما لم يفعلوا وأن تثني عليهم الخير كله ، والعجيب أن ذلك من شأن قيادات الحركة الإسلامية ، رغم أن الإسلام قال احثوا في وجه المداحين التراب ولم يقل احثوا في وجه الناقدين ، أن المداحين قد قد يتمكنون في الحركة ولا موهبة لهم إلا المدح والغالب أن الناقدين ينفون منها ولا يعيبهم ألا النقد ، فالمداح له الأبواب والناقد يعامل كغرائب الأبل0
رابعا : وأن لم يصرح عبد الناصر بأنه هو الثورة وأن الثورة هي مصر ،إلا أن الواقع كان يقول ذلك فالحقيقة أنه كان يعد من يختلف مع شخصه مختلفا مع الثورة والمختلف مع الثورة مختلفا مع مصر ، ورغم أن قيادات الحركة لم تصرح بأنها هي الحركة ، وأن الحركة هي الإسلام ، إلا أن الواقع يقول ما قاله واقع التجربة الناصرية ، وما زال يقوله واقع كافة الأنظمة العربية التي تختصر الوطن بما فيه من قداسة وإرادة وعزيمة وحكمة في شخص واحد قد يكون قائد جيش أو زعيم أسرة أو شيخ قبيلة0
خامسا : أن الحركة في ما تصنعه من أنظمة داخلية لا تبتعد كثيرا عن مثيلتها لدى الأنظمة ، من ذلك مثلا أن القانون الأشهر الذي يقال أن محمد حسنين هيكل هو الذي زينه وحسنه لرجال الثورة وأضفى عليه بقدرته على المحاججة البالغة والمجادلة الأسرة قبولا وانتشارا وهو قانون أهل الثقة قبل أهل الكفاءة ، يجد نفس القبول ونفس الانتشار داخل الحركة الإسلامية ، مما يجعل الكثير من الإنجازات يولد دائما بعلة الضعف والعجز ومما يعطل الكثير من المهارات والكفاءات النادرة فتبقى هامشية ، كل المطلوب من ذويها أن يحفظوا كل أسبوع بضع آيات ويرددوا بعض الأذكار كأطفال الكتاتيب والخلوات0
سادسا: وأخطر ما في الأمر هو التأميم ، فقيادة الحركة مستعينة بتأويلات وتفسيرات وشروحات معينة لنصوص من القرآن والسنة ومواقف من التاريخ تسعى لتأميم كل ممتلكات الحركة من أفراد ومواقف وأفكار وأراء ومشاعر وهواجس ، تأميما دقيقا محكما يتم زرعه بقرارات يتم تسريبها لتسكنه العقول والقلوب ثم تفرض على أصحابها ما يقولون وما يرون وما يفعلون وما يفكرون مما يجعل الحركة كتلة مصممة لا تعرف التنوع ولا الحيوية ولا التدافع ولا الخصوبة ولا التجاوز0
سابعا : ويمكنك أن تلاحظ اختلالا رهيبا نتج عن كل ما سبق فأن الحركة قد تصير على قتال ولكنها لا تصبر على حوار ، وقد تتحمل سجنا طويلا ولا تتحمل خلافا في الرأي ، وتفضل استقرار الخطأ على أضطراب التطوير والتجديد وأنظر إلى تجربة الحركة الإسلامية في أفغانستان لتعرف كيف نجحت في القتال وأخفقت في التفاهم والحوار ، وكيف وحدتها المغارم وفرقتها المغانم ، وكيف أظهرت أن لدينا شجاعة لتقاتل ولكن ليس لدينا فقه سياسي معاصر نواجه به أشكالا الحكم وتعقيدات السلطة ، وكيف أجدنا فقه الحرب وهو استثناء في فقه العمران وهو الأصل؟
ثامنا : ومن المؤسف له أن في أفق بعض الأنظمة الحاكمة من الحرية والسماح بأقدار واسعة إلى حد ما من إباحة النقد العام وما يستلزمه من حرية ولو محدودة لتداول المعلومات ، ما يفوق بكثير الحدود التي ما تزال دونها أفاق القيادات الإسلامية التي ترى النقد فتنة من الشيطان تستهدف وحدة الصف بالأذى ، وترى حق المعرفة وتداول المعلومات حكرا تستمع به فئات محدودة جدا داخل الحركة ، مما يجعل غالبية أبنائها يمشون فيها معصوبي الأعين غير ما تجره ، القيادة إليه غير مدركين على صواب أم على خطأ وكيف يعرفون ذلك وهم محجوبون عن المعلومات وعن الحقائق ، وكل المطلوب منهم هو السمع والطاعة في المنشط والمكره0
وباختصار فليس مرادنا إبراء الحكومات من ذنوبها الأكيد التي تتمثل في عجز أكيد عن القيام بالوظائف الأساسية للدولة ولكن نقصد إلى أنها ليست الذنب الوحيد وليست العاجز الوحيد فالمجتمع شريك في الذنب وشريك في العجز 0
وباختصار أيضا ، ليس المقصود الإساءة إلى الحركة الإسلامية وإنما المقصود أن تحاول التفكير الموضوعي لنرى إمكاناتنا التي يمكن أضافتها لمسيرة الأمة وحتى الآن ، وفي قناعتي أن الحركة ما زالت أبنا يشبه أباه أي مجتمعه ودولته ، فالحركات ليست مبرأة من عيوب الحكومات ، ولم تتجاوزها ولم تجعل من نفسها بديلا أفضل بل بديل مشابه ، وحتى الآن نحن جزء من أزمة الأمة ولسنا حلا لها ، نحن جزء من الاستبداد نشارك في إنتاجه واستهلاكه وجزء من التخلف الحضاري نشارك في إفرازه وفي تعاطيه ، والله من وراء القصد0
تحت صليل السيوف | جمال شريف يقول...
المراجعة و التصويب ..تحت صليل السيوف
المقصود بهذه العبارة التي نحتها أحد مفكري الحركة الاسلامية ...أننا لا يجوز أن نتوقف عن عملية التصويب و النقد والمراجعه (على منهج النبوة) (((ألم يخاطب القرآن الجيل القرآني الفريد بكلمة -بل هو من عند أنفسكم- في أشد اللحظات قسوة على العصبة المؤمنة بعد هزيمة أحد))) بدعوى أن الدعوة محاربه و أن الظروف غير مواتية ..و رغم قهري و كمدي بما يحدث لإخواننا في مشارق الأرض و مغاربها إلا أنني و بالله التوفيق أقول أن عملية النقد و التصويب و المراجعة يجب أن تستمر و أن تنتقل لمحاضن الاخوان و للقاءات الأخوة الكبار و للزيارات الميدانية ..و لقاءات التقييم .... و أن يسمعها الأخوة في جميع مستويات الأخ العامل ( من يملكون حق القرار و التصويت داخل الجماعة........
ألا ينظر إخواننا الأحباء للنتائج الهزيلة للخطط؟؟ ....وأننا منكبون على الجماعه (منكفؤون على الذات) ..........مشغولون بالتنظييم تقييما و تضعيفا وتوثيقا ....(ولا اعتراض على ذلك ) و لكن الاعتراض على الانشغال بالوسيلة و نسيان الغايات ..........فالتنظيم مجرد وسيلة لتحقيق (دولة الاسلام) .........أو تحقيق الشهو د الحضاري ( كما أحب أن أعبر) ................والناظر لبنية التنظيم وهزاله الفترة الأخيرة يجد حقائق محزنة ..من تسكين تربوي على الورق ..ومن ظهور عدد كبير من المتعطلين وظيفيا أو الموجودون بأجسادهم فقط معنا ومن فشلنا في الوصول للعناصر الجديدة ...........أو تبني خطاب دعوي جديد و تربوي للتعامل مع شباب عصر الفضائيات و الانترنيت و الاقمار الصناعية ............شباب عصر اجتياح الثقافة الغربية ............
التغيير ..التغيير ... | حامد عبد الله يقول...
الأخوة الأفاضل :
أعتقد أن من المهم جدا أن نفكر في المستقبل ..مستقبل الحركة و أن نراجع ....و مازالت الأسئلة تترد في وعيي
1- أهمية تطوير قسم التربية واستحداث مناهج جديدة يتربى عليها الاخوان ...فالمناهج الحالية أثبتت عدم فاعليتها وعدم قدرتها على التعامل مع متغيرات العصر ....والناظر للمشاكل التربوية التي تعصف بالجماعة الآن يعلم مدى حساسية كلامي وأهميته ..من تساقط و تجميد وظيفي ...وفقر إبداعي (على المستوى الرسمي) .....وجيوب وشللية و أجنحة تتصارع داخل الجماعة.
2- التغيير ........التغيير .....تغيير القيادات ...اخواننا الأفاضل لا نزكيهم على الله و لكنهم يعيشون في الزمن الماضي ..نحن بحاجة لمن يتعامل مع الحاضر والمستقبل .....و نقول لاخواننا الأفاضل أن الجندية هي شعارنا في المنشط والمكره .....فعليهم أن يتركوا أماكنهم لم هم أصلح منهم (في الجانب الحضاري) ...ولو تعثر الأمر و تمسك الكل عن طريق التربيط والجبهات و التمسك بالكرسي ..فالحل هو الانتخابات ......
3- أساليب التصعيد داخل الجماعة ..خاصة ..تصعيد واختيار الأخ العامل ....و لن أوضح أكثر ........فحالة الجماعة ليست خافية على أحد ...ولأن الأخوة يقمعوننا من الكلام ..و يقربون المداحين ...ويعتبرون النقد الداتي (مصطلح ماركسي) ...فاننا سنواصل حريتنا و حسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هنا..
أتفق و أختلف | ahmed sharawy يقول...
اتفق مع أ/جمال في ضرورة المراجعه و التقييم ..
و أختلف مع بعض الأخوه السلفيين في الهجوم الغير مبرر على الجماعه ككل و لماذا لا تتعلموا من أ/جمال النقد الموضوعي المحترم
مداخله | عادل يقول...
من الهدي القرآني بعد هزيمة أحد تعلمنا أن نراجع بشجاعه و على الملأ و نكتشف أخطاءنا ..وقد راجع المولى تبارك و تعالى و أمر المؤمنين بالمراجعه و استشعار الخطأ ..بقرآن يتلى على الملأ ...يقرأه المؤمن و المنافق و الكافر ..و اليهودي ....و مازال يقرأ حتى الآن و الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ...و لم يخرج سوى المنافقين ليشككوا في القرآن و يمارسوا عملية التخدير للفئه المؤمنه حتى لا تستشعر أخطاءها و تعالج ما أصابها
بل هو من عند أنفسكم
و إعادة التأكيد ثانية على أمر الشورى .. وشاورهم في الأمر .
و لم يخرج أحد ..ليقول ..الوقت غير مناسب لموضوع استشعار التقصير ...و المعنويات ....و لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ......و لكنهم استوعبوا الدرس و راجعوا و كانت الانتصارات ترى بعد هذه الوقفه الشجاعه .
من التاريخ ..نجد أن أنظمة الجور و الطغيان و سلاطين الحكم العضود و الملك الجبري ..قاموا دوما بوأد أي مؤسسات عدليه و مراجعه حقيقيه لتحججهم بأن هذا ينفذ مخططات العدو و حينما بطش عبد الناصر بأفاضل الاخوان قتلا و ذبحا وتشريدا ..و كذلك الأسد ..كانت حجتهم اننا في مواجهه مع العدو الصهيوني .

أكثر ما يحقق مخططات الأمن ،التترس بالأخطاء و رفض التطوير و تغييب الناصحين وتقريب المنافقين و ماسحي الجوخ و أصحاب المصالح ، وتزايد حالات الانهيارات الخلقيه من تعاملات ماليه غير شرعيه و مظالم وكيل بمكيالين........و قد كانت أشد الضغوط علينا في أقبية الجلادين حينما يعايرونا ببعض الأخطاء التي يرتكبها أفراد ......
اما دعاوى التجديد و التطوير فقد كانوا دوما يقمعونها بعنف أكبر ...و
هام | حسان عبد الرحمن يقول...
موضوع التوقف عن المراجعه بدعوى أن الوقت غير مناسب ، مسأله فيها نظر و وقفة المراجعه بعد غزوة أحد كانت جذريه و شجاعه و متجهه للذات (بل هو من عند أنفسكم ) ، و التحجج بأننا في محنه و نتعرض لحرب و في مواجهه و غيرها من دعاوى للتخندق بالأخطاء و السلبيات فهي تكريسا لمواصلة الأخطاء ..و بمناسبه موضوع أحكام اخواننا في اسكندريه عافاهم الله وفك اسرهم و فرج كرباتهم ....هذا الموضوع فيه حوار نقدي و مراجعه حقيقيه الآن داخل الجماعه لمحاسبة المسئولين عن هذا الوضع (للمكان الخطأ و الظروف الخطأ و الكيفيه الخطأ) ..ولا عذر أبدا لأنظمة الجور و الطغيان و ممارسات الظلم التي فعلوها بنا و لكن مراجعه متوازنه و نقد للذات ايضا ضروريه لمن يتحمل مسئوليه هذه المعركه المجانيه التي أدخلنا اخواننا فيها في هذا التوقيت الغير مناسب.

وهل الظروف الاستثنائيه التي تتعرض لها الأمه الاسلاميه في الماضي و الآن و في المستقبل و لمائه سنه قادمه ..هل هذه الظروف تبرر تقاعسنا عن مراجعة الذات و محاسبة أنفسنا عن هذا التخلف الحضاري و الفقر الابداعي و النكوص القيمي و التراجف في أغلب المجالات ...و لولا الظواهر المبشره لحركات المقاومه الفلسطينيه ..لاعتبرت اننا في أخطر مرحلة انحطاط نمر بها على الاطلاق ...
هل هذا يعني أن نتوقف عن المراجعه و التصويب و كشف الاصابات ....
بصراحه هذا منطق لتكريس الأخطاء و للمراوحه في نفس المكان ..بل و التراجع ......
ألا تعرف يا أخ مسلم أننا نتراجع - كاخوان - في مجالات عديده و أن المنحنى لأسفل .......
هل نملك شجاعة المراجعه المحبه المشفقه الودوده.؟؟
وفقكم الله لخير الاسلام والمسلمين | رضا وردا يقول...
جزاكم الله كل الخير
موفقة واستنكار | ابن ليبيا يقول...
بارك الله فى استاذنا الدكتور جمال سلطان واطلالته البهية ولمساته التفكيكية التحليلة التى عرفناه بها وامتازة بها مقالاته واصدارته وتلك الشجاعة التى طرق بها موضوع بهذه الاهمية لاننا وللاسف اصبح حال البعض مناهو المجاملات ولو على حساب الحق ونسوا ان تبريئة الاشخاص لا تساوى تشويه المنهج او تلك العقلية وذلك النمط من التفكير العاجز الذى يجعل من الدعوة الى اعادة ترتيب البيت المسلم والدعوة الى المرجعات وتقويم العمل تدخل فى شؤن المؤسسات وضربا من التطاول على المحرمات فنحن بالفعل احوج الى ان ننتفض من هذا النمط من التفكير ونستجيب لتلك الصيحات لاحياء منهج حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا فننمي مساحة النقد الذاتي في ادبياتنا وان نبادر في تدارس الامراض التي تصيبنا حتي لاتتراكم العيوب والامراض فتنقص من عافيتنافيجب ان نعى ان مشروع اصلاح الامه يفوق قدرة فرد او افراد يهربون من العجز الي السكوت عن اخطايهم او ممن يتهربون من التفكير الى اتهام النوايا والتهجم على الاشخاص لا لشئ الا لأنهم صدعوا بقول الحق .
عن المستقبل | أحمد رابح يقول...
ما يهمني أن أؤكد كخلاصة أن جماعة الإخوان نشأت في مرحلة وضمن شبكة من الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها مصر كتلبية موضوعية لحالة موضوعية أثمرت ـ وقتها ـ ثمارا موضوعية لا شك أن مصر أفادت منها كما أفادت بعض الأقطار العربية وقتها (سوريا واليمن وفلسطين كمثال) غير أن الحال اليوم غيره بالأمس ولذا نستطيع اقول أنه إذا أرادت جماعة الإخوان في مصر البقاء والنمو والتأثير ، فعليها ـ في تصوري ـ أن تعيد النظر في كثير من الأمور:
1ـ لم يعد التركيب الإدارية القيادي للجماعة مجديا اليوم بل أصبح هو ذاته عقبة أمام الدعوة الإسلامية في مصر وبعض الأقطار العربية التي امتدت إليها يد الجماعة نفسها أقصد أن العصر لم يعد يحتمل (المرشد العام ـ مكتب الإرشاد ـ ومجلس الشورى) وهو تركيب يكرس من الأمراض الإدارية في القيادة وأهمها تركيز السلطة والقرار بيد فئة قليلة من الأشخاص ربما يعدون على أصابع اليد الواحدة كما هو حاصل من الأشخاص ربما يعدون على أصابع اليد الواحدة كما هو حاصل اليوم لا بد من التفكير بصيغة تفتت مواقع السلطة الإدارية القيادية وتنقلها للقواعد وتفوضها للمستويات الأدنى من الهيئات الإدارية القيادية التي ينبغي التفكير باستحداثها فنحن اليوم في عصر كثرت فيه التساؤلات جراء الثورة المعرفية والمعلوماتية التي نتجت عن تطور وسائل المعرفة والاتصال ولم يعد من الممكن القبول بفكرة (الإمام) المرشد الحجة ذو العلم المحيط الذي ينهل منه الناس الحكمة والمعرفة والرأي السديد ، هذا زمن المؤسسات الكبيرة والنظم المرنة وتوفير متطلبات الابتكار وسيطرة العلاقات أكثر من سيطرة الهيكل وتكثيف دور الاختصاصيين لا تهميشهم وتفتيت السلط لا تركيزها وتعقيد قرار الحرب والسلام لا تبسيطه ، وكل ذلك غير متحقق في جماعة الإخوان بصيغتها الإدارية الحالية
2ـ ينبغي التفريق بين الدين كمعتقد وغاية ، والتنظيم كحشد ووسيلة ، ذلك أن الخلط الحاصل بين الاثنين في جماعة الإخوان صار أحيانا يؤدي إلى استعمال الدين كوسيلة بغية الحفاظ على التنظيم كغاية وهنا مكمن الخطر على الدين والتنظيم والمجتمع السياسي الذي يتجاذبان فيه الدين لا يمكن القبول بنقده ، لكن لأن الخلط حاصل بين الدين والتنظيم صار أيضا ليس مقبولا نقد التنظيم وهنا مكمن الخطر أيضا على الدين والتنظيم والمجتمع السياسي الذي يتجاذبان فيه ، لذا ينبغي تشجيع النقد الذاتي للتنظيم وفتح المجال أمام الجميع في ممارسة هذا الحق الطبيعي الذي باتت تعترف به كل النظم والجماعات والأحزاب في هذا العصر ولا يبدو أن قيادة الإخوان في مصر مقتنعة بهذا التاصيل كلما شجعنا النقد الذاتي كلما هيأنا ظروفا أفضل لأداء أفضل والعكس بالعكس
3ـ الذي يتفحص (النظام العام) للإخوان ـ أي النظام الأساسي للجماعة يركز في قراءته على العقوبة وشروطها من المادة 4 ـ 7 يلحظ أن كل المواد تتحدث عن واجبات العضو والعقوبات والإجراءات الجزائية التي تتخذ في حقه إذا قصر في الأداء ، لكن ليس هناك نص واحد يتحدث عن حقوق هذا العضو إزاء الجماع (هيئات وقيادات) ولذا صارت قواعد الإخوان لا تتحمس حقوقها بل لا تشعر بأن لها حقوق إزاء قيادتها ونظرا لهذا التدني في الوعي الحقوقي داخل الجماعة أفرزت أجواء ومناخات وعلاقات غير سليمة في الهيئات القيادية ذلك أنها أدركت حصانتها من المساءلة والمراقبة ، من جهة ثانية صارت عملية (فصل العناصر المتبرمة)أو تجميد عضويتها أو عزلها عزلا تدريجيا عادي ويومي تمليه مزاجية فلان أو علان في الهيئة القيادية ، لقد تم فصل وتجميد وعزل مئات من العناصر الرشيدة والواعية والواعدة والمعتدلة دون أن تشكل لجان تظلم أو التحقيق أو المساءلة لقد كانت الحال أفضل في الخمسينات ففي 1953 نشب خلاف داخل جماعة الإخوان بين القيادة وبعض الأعضاء فشكل مكتب الإرشاد برئاسة الهضيبي لجنة للتحقيق في 16 تهمة موجهة لثلاثة من الأعضاء وهم الإخوان (صالح عشماوي ـ الشيخ محمد الغزالي ـ أحمد عبد العزيز) كانت المداولات التحقيقية في 8 جلسات استغرقت 34 ساعة من النقاش طبعا من المعروف أن الإخوان الثلاثة فصلوا ، لكنهم تمكنوا من إبداء وجهة نظرهم وأعطوا فرصة جيدة للدفاع عن أنفسهم ، أما اليوم فعشرات بل مئات من الأعضاء يتم فصلهم أو تجميدهم دون استدعائهم أو التحقيق معهم دع عنك إعطائهم أي فرصة لابداء وجهة نظرهم أو الدفاع عن أنفسهم ، وهذا الأمر لا تقره لا الشريعة ولا حتى (القوانين الكافرة) التي يشجبها الإخوان وهذا الوضع يؤدي طبعا إلى كثير من الشروخ والكسور والإنشقاقات في الجماعة وكل هذا حاصل ولا داعي لنكرانه والأولى إصلاح هذا المر وتوفير مؤسسات عدلية للتظلم على ألا تكون هي القيادة فتصبح هي الخصم والحكم في نفس الوقت فمن الممكن أن يتم انتخابها (لا تعينها) بين من يشهد لهم بتحري الدقة والتثبت والتبين في إطار من السماحة والسعة والنفسية والفكرية والإيمانية بحقوق الإنسان بما أنه إنسان ، فالتثبيت إذا لم يكن في هذا الإطار وبهذه الروحية تحول إلى تصيد وملاحقة وهذا ما لا يصلح الأمر
4ـ وعندما تستكمل جماعة الإخوان الشروط الموضوعية للإصلاح الذاتي (التركيب القيادي المؤسسات العدالية داخل الجماعة ـ إصلاح المفاهيم التنظيمية الخ) عليها في رأيي أن تنفتح سياسيا على القوى السياسية والاجتماعية الجديدة وعلى الأنظمة السياسية بشتى راياتها ومسمياتها وتأسيس ـ من خلال ذلك ـ شبكة من الاتصال والتواصل السياسيين مع العالم الذي يحيط بها فأخطر شيء على أي حركة أيا كانت الراية التي ترفعها (العزلة) فمن خلال شبكة الاتصال السياسي هذه تكتسب شرعيتها السياسية والاجتماعية وبالتالي القانونية ينبغي محو صورة (الجماعة السرية التي يكتنفها الغموض والمشبعة تاريخيا بقابليات اللجوء إلى العنف) وتأسيس صورة أخرى أكثر إشراقا وسلمية ، والصورة في العقل بالنسبة للحركة ـ أي حركة ـ ربما الاتصال السياسي والتشاوري التفاوضي مع القوى السياسية والاجتماعية المختلفة ومع الحكومة وتأسيس أرضية ـ في تأني وتمهل وعلى مدى طويل وبدأب ومثابرة ـ للخلاف الرفيع ، والثقة الشخصية بين القيادات ، أعني قيادة الجماعة وقيادات القوى السياسية والاجتماعية المختلفة وكذلك قيادات الحكومة والأجهزة الحكومية والكف عن تصوير المشكل السياسي على أنه (حق وباطل ) في صراع دائم وأن الخلاص السياسي لا يكون إلا على يد (سيد الشهداء) يقول كلمة الحق للإمام (الجائر) فيقتله الأخير إن القضية اليوم أعقد بكثير من ذلك ولذا تستوجب من جماعة الإخوان والجماعات الأخرى مراجعة كثيرا من المفاهيم التي تحملها حول الإسلام خاصة في مجال التعاطي السياسي
5ـ ربما إذا نجت جماعة الإخوان في ما أسلفنا بند 4 أيضا تنجح في تطوير خطابها السياسي والاجتماعي بحيث يبدو أكثر واقعية وملاصقة للتفاصيل وبعدا عن التعميم كما هو حال خطاب الجماعة اليوم
كله تمام | بكر يقول...


الأخوة الأحباء .....ربما يعلم الكثير هنا أن الحوار مع فضيلة المرشد قد اطلع عليه الكثير من اخواننا ...حتى من هم من غير مستخدمي الانترنيت ...ولكن مازالت كثير من الأسئلة التي سئلت لفضيلته بدون رد ...والرجل رغم حبنا له و تقديرنا ولكن بعيدا عن الخطاب العاطفي ..لم يجب على الأسئلة ..واكتفى فضيلته بأن كل شئ تمام وعلى ما يرام ...وبالمناسبة ..أنا أتحدث من الداخل و أرى أن أسئلة التطوير والتجديد و قدرة الجماعة بمؤسساتها الحالية على استيعاب متغيرات الحداثة و التغيير المجتمعي في مصر و العالم العربي والاسلامي قد باتت ضعيفة .....و أعتقد أن هناك الكثير من المعوقات التي تعوقنا عن تحقيق المستهدف ...ومازلت لا أرى مشاركات تصب في خانات تصويب الحركة ........و تتجلى المأساة في عدم حب غالبية جسم الجماعة التنظيمي للتفكير ...والاكتفاء بالمقولات و الطروحات القديمة بدون تفكير أو مراجعة ..بالمناسبة .........ساطرح بعض القضايا الهامة على عجالة :
1- مسالة آلية التغيير داخل الجماعة ..اعني تغيير كثير من أحبائنا ممن يتربعون على الأقسام ..وغيرها من مفاصل الحركة ..وربما مضى على بعضهم عشرات السنوات ...........أين تبادل المواقع ؟؟..أين الجندية الحقيقية؟؟
2- أهمية مراجعة طروحات الشهيد/سيد قطب ..بشكل شجاع ..وبدون طروحات توفيقية ..أو أعني تلفيقية .......فمازلنا مشتتين بين طرح الشهيد البنا الانفتاحي ..وبين طروحات الأستاذ سيد ..المنكفئ على الذات
3- اهمية أن نراجع تاريخنا و أن نتخلي عن تقديس التاريخ ...فيظل تاريخ الاخوان جزء من التاريخ الانساني الهائل ..عرضة للنقد و الاعتراف بالخطأ....وبالمناسبة .......نريد وقفة شجاعة حين نراجع مسألة التعاون مع عبد الناصر في بدأ الثورة .......وقرارات الصدام .....زوتنظيم 1965 .......الذي جر علينا الويلات .رغم اخلاص أصحابه ولا نزكيهم على الله .

هذه بعض الأفكار السريعة .........التي أعتقد أننا ان لم نفكر فيها ...حتى ونحن في أتون المعركة فسنظل نعيد أخطاءنا ......وتكفي الدلالة الأخطر أن كل الاتجاهات و التنظيمات عالمية وإسلامية تراجع نفسها بعد 11 سبتمبر ..بينما نحن وللأسف .......لم نحرك ساكن .......أليست مأساة حقا طارق | عن النقد يقول...
-1 انا مع النقد والمراجعة تماما .
2 - لابد في نقدنا ان نوضح اهداف النقد بشكل دقيق .
3- الموضوعية في النقد امر يفتقده كثيرون خاصة ممن يتحامل على المنقود (جماعة الإخوان مثال) ( يلاحظ على نقد النفيسي رغم نفوذه للأعماق اعتماده على مصادر محددة في حقائق تاريخية مشكلة (
4- مراعاة الوضع المحيط بالمنقود ، فلا نكون طوبائيين بل نعمل بالنسبية في اطوار النقد (مثال :نقد قلة ديمقراطية الجماعة في وسط دكتاتوريات حكومية واسلامية امر يناقش في موضوعيته )
5- عدم التبرم من النقد لأنه فعل من يريد ان ينقرض كالديناصورات التي لم تتكيف مع متغيرات العالم ، ولو كان النقد من حاقد ، فاسائته ترد ولكن نقده الصائب هي عيوبنا اهديت الينا واقدار تريد تطويرنا .
أسباب التراجع | اياد يقول...
دراسة في مظاهر وأسباب التراجع السياسي للحركة الإسلامية
شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً واضح المظاهر والمؤشرات في مسيرة الحركة الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية والغرب، فيما يتعلق بوجودها على صعيد العمل السياسي الإصلاحي والتغييري، ولنا أن نتذكر أنه قبل عقدين من الزمن تقريباً، حيث كانت الحركة في مرحلة صعود وانتشار، هناك من كتب يوضّح العوامل والمتغيرات ويحلل الأسباب الواقعية التي قادت إلى ذلك، واليوم وهي تتعرض كأي ظاهرة سياسية واجتماعية لحالة من التراجع السياسي بعد هذا الصعود فإن هؤلاء المحللين مدعوون لمناقشة العوامل التي تقود إلى التراجع وطرح التساؤلات حول مؤشراته الملحوظة وتحليل مظاهر وأسباب عدم الإنجاز السياسي للجماعات والتنظيمات التي رفعت شعارات المشروع الإسلامي، أو حاولت تطبيقه.
إذا كان هناك من كتبوا في السبعينيات والثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات ناصحين ومقدمين رؤية من داخل الحركة الإسلامية عن المراجعة والنقد الذاتي فإنهم مدعوون لمواصلة المهمّة على نحو أعمق وبمستوى أكثر تخصصاً وبدرجة أكبر من الصراحة بعدما وضحت نواحي التراجع، بل إنه يمكن القول إن تلك الكتابة أصبحت من فروض الوقت، إذ إن رجل التجربة والممارسة عليه أن يتأمل كيف أن الحركة التي بدا في لحظة من اللحظات أن الأمة أناطت بها مهمّة الإصلاح والتغيير ورأت أنها وسيلة عبور أزمتها الحضارية لمواجهة المشروع الصهيوني والتحدي الغربي من ناحية واستبداد أنظمة متسلّطة من ناحية أخرى، أصبحت تعاني من أزمة شاملة ومعقّدة تعيقها عن القيام بهذا الدور وتلك الوظيفة. وممارسة هذه المراجعة لهي دليل على وعي بطبيعة الحركة ذاتها وجوهر رسالتها ودورها الإصلاحي والتغييري المطلوب.
ليس المطلوب فيما أعتقد إجراء تقييمات جزئية لأخطاء سياسية ترتكبها حركات سياسية وإصلاحية والاعتراف بها داخل أطر محددة ومحدودة، وإنما المطلوب مراجعة جادة للكسب السياسي والدعوي على المستوى الكلي والشامل، وبيان مدى القدرة على الاستجابة للتحديات التي يفرضها الوقت الراهن بكل متغيراته..
مظاهر التراجع : لعل من أبرز مؤشرات التراجع الإجمالي هو كيفية تعامل الحركة الإسلامية مع قائمة التحديات التي تواجهها وتجعل من أدوارها ومسيرتها الإصلاحية والتغييرية في الوقت الحالي على الأقل موضع تساؤل، ناهيك عن تلك المتصلة بعملية صناعة القرارات الاستراتيجية؛ فالتجارب العملية للممارسة السياسية الإسلامية التي قادتها بعض جماعات وتنظيمات في الحركة ووصلت عبرها إلى الحكم في دول مثل إيران وأفغانستان والسودان تواجه تحديات ومشكلات حقيقية إن لم يكن فشلاً بدرجات متفاوتة؛ والتجارب العملية للممارسة السياسية عبر المشاركة في السلطة التنفيذية، والتشريعية عبر العمليات الانتخابية والبرلمانات في أقطار مثل: تركيا والأردن واليمن والكويت ومصر دون الحديث عن باكستان ودول جنوب شرق آسيا هي الأخرى تشهد إما تكراراً أو مراوحة في المكان أو تراجعاً فعلياً، ونحسب أن ما يلاحظه المحلل المتابع لهذه الظاهرة في هذا الصدد فيه من المؤشرات ما يؤيد مانذهب إليه، كما أن عمليات العنف السياسي والقتال التي اعتبرتها بعض التيارات وسيلة للتغييرالسياسي وصلت إلى أفق مسدود من وجهة نظرها وأعلنت بعض قياداتها وقفها والتراجع عنها.
ضمانات الموضوعية : يعلم الكاتب أنه يخوض في قضية بالغة الدقة والحساسية يرى البعض أن عدم التعرض لها أجدى، أو أننا لا ينبغي أن نعرض لها على الصفحات المنشورة لاعتبارات شتى، ورغم أنني أقدر دوافع بعض هذه الآراء إلا أنني أرى خلاف ذلك، كل الذي نتطلبه عند التعرض لهذه القضية الحساسة هو الأمانة والموضوعية وهذه يمكن أن تتوافر عبر ضمانتين:
الأولى : الضمانة الأخلاقية وتتحقق حين تتناول الدراسة ظاهرة لاحظتها بشكل مباشر وعايشتها معايشة واقعية.
الثانية: الضمانة العلمية وتتحقق حين يكون الدارس متخصصاً في الظاهرة التي يتناولها بالدراسة، الأمر الذي يعطي إمكاناً لعلمية التناول وموضوعيته، حيث لا تمثل الكتابة فيه ترفاً أو هواية بل تخصصاً.
ورغم أن الدراسة تمتلك قرائن ومؤشرات ثابتة على القضايا التفصيلية فإنها مهتمة بتشخيص الداء العام الذي أصاب المناطق والأعصاب الحساسة في الجسد دون تفاصيل محاولة تلمس أبعاد التحدي لكي تواجهه إذا أرادت أن يكتب لها البقاء الحقيقي.
ماهية الحركة الإسلامية، تحديد المفهوم وبيان الظاهرة السياسية:
لن ندخل في جدل المصطلحات حول تحديد تلك الظاهرة التي سنعرفها عملياً وإجرائياً عبر التمييز بين مستويات ثلاثة هي: الدعوة، والحركة، والتنظيم على ما بينها من تداخل وتشابك، فالدعوة واجب فردي في الأساس يفترض أن يمارسه كل مسلم قولاً وعملاً، وهو يتحول إلى حركة وتيار حين ينتقل أي واجب الدعوة من قناعة فردية إلى سلوك جماعي. وهذا ما نسميه التعبير الاجتماعي للحركة أو الجسد الاجتماعي وهو الرصيد المتدين الذي يعتبر المجال الحيوي أو المعين الذي تتشكل منه الحركة في مستواها الثالث والذي يظهر للوجود حين تحاول الحركة تجسيد الدعوة في إطار دولة ونظام سياسي؛ ومن ثم تصبح الحركة الإسلامية هي الجماعات والتنظيمات الإسلامية التي تمثل التعبير السياسي عن هذه الحركة الشعبية أو المجتمعية، فالحركة الإسلامية إذن هي التيار الشعبي والاجتماعي الذي ينطلق من فهم معين ومحدد للإسلام كدعوة، ويريد تحويله أو تجسيده في دولة ونظام سياسي محدد على الأقل في المرحلة الأولى عبر مجموعة من الوسائل والأدوات المختلفة التي يراها تدور في إطار المشروعية الإسلامية.
وبالتالي فإننا لا نقصد جماعة من الجماعات، أو حركة بعينها من الحركات، ولكننا نعتقد أن التوصيف والتحليل العلمي للتحديات ينطبق على الجميع بدرجات متفاوتة وفق هذا المفهوم الذي حددناه للحركة الإسلامية.
معادلات التحدي والاستجابة : تدور الإشكالية الأساسية للموضوع حول تحديد طبيعة العلاقة واتجاهاتها بين التحديات التي تواجه الحركة الإسلامية وتعوق جهودها السياسية الإصلاحية والتغييرية من ناحية، ومستوى الاستجابات التي تقدمها الحركة على هذه التحديات ونوعياتها من ناحية أخرى، يمكن الإجابة عنها عبر تناول أربعة متغيرات وهي:
الأول : تحديد طبيعة وماهية التحديات الحالية، ومستوياتها.
الثاني : فقه الخبرة التاريخية بصدد سنن التغيير والإصلاح في الحركات السياسية والاجتماعية المختلفة.
الثالث : فقه طبيعة الصراع الذي تواجهه الحركة ومعادلاته...
الرابع : تحديد مدى الاستجابات التي تقدمها الحركة على تلك التحديات، وسوف نقتصر هنا على بيان قائمة تحليلية بأهم هذه التحديات الواقعية.

التحديات الأساسية التي تواجه الحركة في الوقت الحالي

تنبع هذه التحديات من مستويات ثلاثة متفاعلة مع ملاحظة أن بعض هذه التحديات يواجه الحركة الإسلامية كما يواجه غيرها من الجماعات التي تؤكد على قضية الهوية والتمايز الحضاري والعقدي عن الحضارة السائدة والمهيمنة:
البيئة الدولية والإقليمية
المستوى الأول : التحديات النابعة من البيئة الدولية والإقليمية والنظمية، ويمكن إجمالها في أربعة تحديات رئيسة على النحو التالي:
1- تحدي الخضوع للهيمنة الأمريكية والغربية:
أضحى هذا التحدي واضحاً وماثلاً للعيان بحيث غدا من المتفق عليه بين غالبية الباحثين أن معظم جوانب القرار الاستراتيجي العربي والإسلامي تحدده الولايات المتحدة في معظم القضايا المصيرية والقضايا الأساسية (قضية الصراع مع الكيان الصهيوني مثال بارز) ، كما أن ملف الحركة الإسلامية واستراتيجية التعامل معها يعد أحد هذه الملفات الأساسية المدرجة في علاقة معظم الأنظمة مع الولايات المتحدة التي تعتبرها إجمالاً من أقوى التهديدات للهيمنة والمصالح الأمريكية في المنطقة، فهل تمتلك الحركة الإسلامية رؤية لكيفية التعامل مع هذا التحدي الذي لم يعد خارجياً في معظم الأقطار، وصار يشكل معظم السياسات الداخلية تجاه الحركة؟.
2- تحدي التسوية مع الكيان الصهيوني:
يمتلك الكيان الصهيوني رؤية واستراتيجية ثابتة للتعامل مع قضايا المنطقة وهو يدرك على نحو واضح أن عدوه الحقيقي هو الحركة الإسلامية ذات الامتداد الشعبي والذي يطالع مقررات قمة شرم الشيخ وما كتبه وزير الخارجية شيمون بيريز يجد ذلك ماثلاً بوضوح؛ حيث يعتبرالحركة التي توصف بالإرهابية والأصولية هي "العدو المشترك لإسرائيل والأنظمة الحاكمة في المنطقة"، ولعل ممارسات السلطة الفلسطينية مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي عبر ما يسمى بالتنسيق الأمني من الأمثلة الواضحة في هذا الصدد فهل تمتلك الحركة الإسلامية ككل بل والحركات التي تقود خيار المقاومة رؤية متبلورة لمستقبل القضية ومستقبلها في إطار معادلات الواقع، والمبدئية التي تنطلق منها، والمنهجية التي تلتزم بها؟


3- تحدي علاقة الأنظمة بالحركة الإسلامية:
تَعْتَبِرُ غالبية الأنظمة السياسية الحاكمة وبتفاوت بينها في "الدرجة" الحركة الإسلامية النقيض الأساسي و"العدو الرئيس" لها في الوقت الحالي؛ ولذلك فإن وجودها الاجتماعي والسياسي يتراوح بين "الحظر القانوني" و"السماح الفعلى المحسوب" وتعتبر الأداة الأمنية في غالب الأحيان أداة التعامل معها عبر حصار أمني تتمثل مفرداته في عمليات القبض والاعتقال والإجهاض وشل الفاعلية، وإذا كان البعض يرى أن الحركة قد قررت المشاركة السياسية خياراً استراتيجياً لها إذا جاز القول، فهل توقفت الحركة لتقييم مدى جدية هذا الخيار في وصولها لأهدافها، وتحقيقها للتغيير المنشود أم أن المشاركة تحولت إلى أداة لتكريس الأوضاع وتحولت الحركة إلى مجرد رقم سهل في المعادلة السياسية؟
4- التحدي الفكري والمعلوماتي والسياسي لظاهرة العولمة:
يعتبرالتنميط والأمركة أحد مظاهر العولمة وجوانبها، والنقيض لفكرة "العالمية" التي هي أحد مرتكزات الحركة الإسلامية، ومن آثارها إضافة إلى عملية التنميط تذويب الهوية والوطنية والقومية وفي الوقت نفسه إبراز منطق الأقليات الإثنية والدينية الأمر الذي يمثل تحدياً من نوع آخر للحركة يتطلب نوعاً محدداً من الاستجابة.
كما أن ثورة الاتصالات تفرض تحدياً يتعلق ب"نوعية المعلومة" وإمكانية السيطرة عليها أو احتكارها وكذلك مضمون المعلومة من يحدده ويمتلكه...إلخ.
فهل تمتلك الحركة الإسلامية رؤية محددة وواضحة للتعامل مع منطق العولمة بما تفرضه من تحديات عليها وعلى مجتمعاتها، وما تتيحه من فرص للعمل والتطور السياسي وغير السياسي.


السياق المجتمعي

المستوى الثاني : التحديات النابعة من السياق المجتمعي الذي تعمل فيه الحركة ويمكن تقسيمها لأربعة:
1- شعبية الحركة الإسلامية:
لم يثبت حتى الآن بشكل علمي مدى قناعة قطاعات الرأي العام في الأمة باعتبار الحركة الإسلامية وما تقدمه البديل المطلوب للاستجابة لاحتياجاتها أو هو الممكن للإصلاح والتغيير، والمؤشرات المتوافرة بهذا الصدد من خلال العمليات الانتخابية حتى الآن تدل على أن الحركة تحوز في أحسن الأحوال من 20% 25% من تعاطف قطاعات الأمة، بالطبع نحن لا نعول كثيراً على صدقية الانتخابات كمؤشر ومعيار نتيجة ما يشوبها من تزوير منظم لكنها قد تكون المقياس المتاح على المستوى الشعبي العام حتى الآن، وعلى أي حال فإنه لا يمكن أن يتم إصلاح أو تغيير على أساس الاهتمام والتعاطف فقط، كما أن المراهنة على مواقف ثابتة للرأي العام أو خصائص دائمة أمر تعوزه الأدلة العلمية، فإلى أي مدى تدارست الحركة الإسلامية مدى شعبيتها في الوقت الحالي وهل هي القوة الشعبية الحقيقية أم أنها القوة الأكثر تنظيماً وانضباطاً؟ وهل الأغلبية الصامتة أو المقموعة تقف بالضرورة مع الحركة الإسلامية؟ وهل التعاطف السياسي في الانتخابات يعني موقفاً سياسياً مؤيداً بالضرورة للحركة أم أنه يمكن أن يكون أيضاًً كراهية في الآخر وليس حباً بالضرورة في الحركة؟ أسئلة كثيرة هل تمتلك الحركة الإسلامية إجابات شافية لها؟
2- نخبوية الحركة:
تعد الحركة الإسلامية قوة منظمة في مجتمعاتها بدرجات متفاوتة إلا أنها ب"مقاييس الكم والوضع" ماتزال نخبة مركزة في طبقات وفئات اجتماعية، وأوساط ثقافية محددة، وهذه ذات سمات معينة من حيث خصائصها وقدرتها على التغيير، ومن حيث الإمكانات والفاعلية، وقطاعات واسعة من هذه النخبة مستوعبة وموظفة فعلياً لصالح مشاريع أخرى قد تكون منافسة أو مناقضة للحركة الإسلامية، كل ذلك ينبي عليه أنها بإجمال تعاني من ضعف لا يمكنها من الاستجابة المطلوبة، فهل راجعت الحركة الإسلامية الدراسات التي حللت الأسس الاجتماعية لها ولقياداتها، وأوضحت في ضوء ذلك إمكاناتها التغييرية وقدراتها على الفعل السياسي كما أوضحت إمكان استيعابها في هذا الإطار؟ وهل حاولت أن تخرج من هذا النطاق النخبوي لكي تكون حركة شعبية؟
3- اعتبار الحركة جزءاً من المشروع التحديثي للدولة المتغربة:
يعتبر هذا التحدي من طبيعة مختلفة حيث ينظر للحركة الإسلامية على أنها جزء مهمش من بنية "الدولة المحدثة" ومن النخبة التحديثية المرتبطة بها، ومع ذلك تختلف معها وتعارضها، فهي لم تنبت وتتأسس في مؤسسات الأمة الطبيعية أو تعتبر امتداداً لها كالمساجد والأوقاف، والجامعات الدينية التقليدية الممثلة لرمزية الفكرة الإسلامية مثلاً، إنها موجودة أساساً في القطاعات المحدثة، والأبنية التحديثية من مؤسسات الدولة الحديثة التي تعاني انصراف قاعدة الأمة عنها وفق القائلين بهذه الحجة، فهل لدي الحركة الإسلامية رؤية للتواصل مع المؤسسات الأصيلة للأمة وإلى أي مدى تطبق هذه الرؤية في الممارسة العملية؟
4- الدور الريادي أو القائد في المجتمع:
قدمت الحركة الإسلامية نفسها باعتبارها قيادة للإصلاح وللتغيير في مجتمعاتها وفق شعارات عامة، وكانت هناك درجات من القناعة بذلك في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، وقد بدأت الظاهرة تتبلور في العقدين الأخيرين التي جربت فيها الحركة ولو جزئياً عبر درجات مختلفة من المشاركة أو المغالبة لم تنجح الحركة فيها في تقديم نماذج واقعية حقيقية للإصلاح وللتغيير المأمول (بصرف النظر عن الأسباب وبعضها لا دخل للحركة فيه)، وحتى الحالات التي كانت تقدم باعتبارها نماذج لنجاحات الحركة الإسلامية على مستوى الدولة مثل أفغانستان، والسودان، وإيران فإن الخلافات والصراعات والتراجعات الحالية التي تعانيها لا تحتاج إلى كبير توضيح أو بيان، وبالنسبة للحركة الإسلامية المشاركة في العمل السياسي فإن المدى المتحقق من ورائها على صعيد العمل الإصلاحي والتغييري ضعيف.. فهل تدارست الحركة الإسلامية أسباب تراجع هذا الدور؟ وهل حللت أسباب الإخفاقات التي شهدتها تجاربها في هذا الصدد؟

سبعة تحديات نابعة من داخل الحركة

المستوى الثالث : التحديات النابعة من داخل الحركة الإسلامية يمكن إجمالها في سبعة متغيرات أساسية هي:
1- "الرؤية" و"المشروع":
تحتاج الحركة الإسلامية إلى رؤية منهجية واضحة ومحددة للتعامل مع السلطة السياسية الحاكمة والمجتمع المحكوم، وإلى مشروع سياسي إصلاحي أو تغييري، وفي هذا الصدد يمكن أن نميز علمياً بين أمرين أولهما: الفعل الإصلاحي والتغييري من ناحية، والرؤية الحاكمة له والمحددة لمساراته والمنظمة لاتجاهاته من ناحية أخرى؛ فلا يمكن أن ينكر محلل جاد أن هناك أفعالاً حضارية وإصلاحية وسياسية تقوم بها الحركة الإسلامية، ولكن الإشكالية أنها كثيراً ما لا تنبع من رؤية محددة ومن ثم لا تصب في النهاية في خدمة أهداف واضحة ومحددة، بل إن هذا الغياب يجعل طاقاتها للمفارقة موظفة في أهداف ومشاريع مناقضة ولتبرير سياسات معادية للحركة الإسلامية ذاتها..
وثانيهما: التمييز من الناحية العلمية بين المشروع السياسي المتكامل من ناحية، والبرامج الانتخابية التي تحوزها الحركة في معظم الأقطار التي مارست فيها العمل السياسي والنقابي ولذلك ينبغي أن تعترف الحركة بأنها لم تقدم مشروعاً سياسياً متكاملاً للإصلاح والتغيير على المستوى العالمي أو القطري. وبالطبع هناك مبررات لذلك، بعضها مقبول، ولا يعني ذلك أنه ليست هناك أفكار عامة حول الرؤية السياسية معظمها مستمد من تراث الحركة لكنه في حاجة إلى مراجعة. والخلاصة أن الحركة الإسلامية بإجمال لم تضع مشروعها الإصلاحي والتغييري السياسي بلغة محددة وواضحة صالحة للاستجابة للتحديات التي تعيشها في الوقت الراهن.
2- القيادة :
لا تخرج معظم القيادات الحالية للحركة الإسلامية عن خصائص قيادات حاكمة في الأنظمة التي تعارضها؛ حيث تتصف كلتاهما بسمات وخصائص مشتركة وتعاني أزمات متقاربة منها ما يتعلق من ناحية بشرعية وصولها للقيادة ومن ناحية ثانية: بأحقية وجدارة استمراريتها فيها ومن ناحية ثالثة: بشرعية الإنجازالذي تحققه وكفاءة الأداء في الأدوار التي تقوم بها... إلخ؛ وليس هناك من طرق محددة وواضحة لتداول القيادة، كما أن معظم القيادات تنتمي إلى الجيل المؤسس ولم تنتقل القيادة بعد إلى أجيال أخرى حتى يتم اختبار مدى مؤسسية الحركة، كما أن غالبية القيادات وصلت إلى مواقعها وتستمر فيها بطرق لا تتضح فيها الشورى الحقيقية، كما غابت عن ممارساتها الأدوار المفترض أن تقوم بها قيادات حركة إصلاحية وبالتالي فإن هناك تساؤلات بصدد التحول من نمط "القيادة" إلى "الرئاسة" ومن الشرعية المستندة إلى "الخبرة التاريخية" إلى الشرعية المرتبطة ب"الإنجاز الفعلي" والالتزام ببناء مؤسسات شورية حقيقية.
3- التحدي التنظيمي والإداري :
وهو تحد يعبر عن أزمة ساهمت في صنعها عوامل واقعية ليس هنا مجال التعرض لتحليلها وهي أزمة ذات مستويات متعددة جوهرها تحول الحركة إلى حالة إدارية تنظيمية بحيث ابتلع الجانب التنظيمي بقية الجوانب الأساسية، هذا التحدي التنظيمي والإداري بالغ الأهمية لأن "العامل التنظيمي والإداري أداة لنقل المشروع عبر الحركة إلى أرض الواقع العملي والفعلي.
4- تناقض الرؤى بصدد الأهداف وأساليب الإصلاح والتغيير:
ظاهرة الأجيال طبيعية تعرفها كل المجتمعات والجماعات البشرية ومنها بالطبع الحركة الإسلامية كتيار مجتمعي؛ لكن الأزمة هنا لا تتعلق بوجود الأجيال من عدمه بل بطبيعة العلاقة بينها، ويحسب للحركة الإسلامية أنها حركة متواصلة الأجيال حيث يمكن على الأقل الحديث عن عدة أجيال داخل بنيتها تختلف باختلاف البلدان، والمشكلة لا تتعلق بوجود صراع جيلي داخل الحركة على القيادة أو خلافه مما تروج له بعض الدراسات غير المتعمقة، ولكن الإشكالية تكمن في أن هذه الأجيال تحمل ماهو أكثر خطورة على مستقبل الحركة ذاتها وهو مجموعة من التصورات المختلفة والرؤى المتناقضة وغير المتناسقة عن ملامح الإصلاح والتغيير كما تحمل الكثير من الرؤى المختلفة عن طبيعة الصراع والتحديات التي تواجه الحركة ومن ثم أساليب التعامل معها والاستجابة لها، وهكذا يوجد داخل الحركة الواحدة حركات وجماعات متفاوتة في درجات إلى حد التناقض في بعض الأحيان، وهذا التحدي قد يخفت تحت ضغوط التحديات الخارجية الواقعة على جسد الحركة لكنه موجود على كل الأحوال ويمكن أن يظهر في لحظات تاريخية ويتفجر في سياقات معينة.
5- انخفاض نوعية ومستوى جودة الأجيال الجديدة :
الأجيال الجديدة التي تم ضمها أو تجنيدها في سنوات العقد الأخير خاصة تعاني كما يظهر في العديد من المؤشرات من مشكلات لا تكمن فقط في التراجع الكمي الواضح ولكن إضافة إلى ذلك فإن نوعية ومستوى العضوية الجديدة هو الآخر يشهد انخفاضاً وتراجعاً ربما يرجع إلى عدم وضوح الأسس التي يتم عليها التجنيد والتصعيد، وعدم تطور البرامج التربوية والأنشطة وملاءمتها وكذلك عدم فاعلية الأشكال التنظيمية التي يتم من خلالها تنفيذ هذه البرامج والأنشطة عملياً، والتي تحتاج بشكل جاد إلى المراجعة والتجديد بالطبع خاصة وأن السياق المجتمعي في معظم المجتمعات العربية والإسلامية يتجه نحو الانحدار العام.
6- احترام التخصص:
تبدي الحركة الإسلامية في أدبياتها النظرية احتراماً كبيراً لمسألة التخصص لكن الممارسة حتى في الأنشطة التي تعتبر بطابعها تخصصية لا تعرف ذلك واقعياً، إذ غالباً ما يسيطر العقل الإجرائي والبيروقراطي.
7- القيادات الفكرية المرجعية:
تعاني الحركة الإسلامية اليوم نقصاً كبيراً من ذلك الجيل القائد على المستوى الفكري والمرجعي الأمر الذي عبر عنه البعض بأن الحركة أضحت جسداً كبيراً له رأس صغير وإن كنا نرى أنه قد فات زمن المرجعيات الفردية الفذة المجتهدة وأصبحت الحركات الإصلاحية والتغييرية توجد ذلك عبر مؤسسات ومراكز متخصصة للبحث والتفكير المستقبلي، وهو ما لم تعرفه الحركة والتجارب التي حاولتها لم تستطع أن تثبت جدارتها أو قدرتها على الصمود والبقاء ناهيك عن الإنتاج والإبداع.
هذه نماذج من التحديات المطروحة على الحركة الإسلامية وقد اقتصرنا هنا على توصيفها كمقدمة لتحليل أسبابها في موضع آخر باعتبارها قضية بالغة الحيوية.










أفكار حول تنشيط الدعوة إلى الإصلاح الديني
صلاح الدين الجورشي

الدعوة إلى تجديد الفكر الديني ليست ابتكارا حديثا أو وليدة الظروف والمستجدات التي حصلت منذ سنوات وتلاحقت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001.إن الوعي بضرورة إنجاز هذه المهمة الصعبة اقترن بالمحاولات الأولى الفاشلة للصمود أمام أطماع الغرب وسياساته الاستعمارية.فالمقارنات التي قام بها رواد النهضة والمصلحون الأوائل بين الحالة التي آلت إليها أوضاع الأمة الإسلامية وبين التفوق الغربي في جميع المجالات، جعلتهم يوقنون بأن الثقافة الإسلامية بعلومها ومناهجها ومقولاتها قد أصبحت تتحرك خارج التاريخ المعيش.كما اعتقدوا أيضا بأن النهوض بأحوال أي أمة من الأمم لا يكون بقطعها عن جذورها الثقافية ومطالبتها بالتخلي عن موروثها ومعتقداتها الدينية، وإنما بمراجعة مخزونها الثقافي وإعادة تأسيسه وفق حاجيات المرحلة التاريخية وأولوياتها.لهذا اعتمد أغلب المصلحين المنهج الإصلاحي القائم على التدرج والمراجعات المتفاوتة في عمقها وجذريتها، مع محاولة التأصيل المستمر لما يصلون إليه من قناعات ومواقف، حتى يصبغون عليه الشرعية الدينية الضرورية، ويثبتون الحيوية الذاتية أو الداخلية التي يتميز بها الإسلام.

استمرت هذه الجهود فترة هامة من الزمن، بل يمكن القول بأنها لم تتوقف نهائيا.قد تضعف أو تهمش وتقل وتيرتها ويتضاءل إنتاج أصحابها ويتراجع تأثيرها على الجماهير والنخب وأنظمة الحكم، لكن سرعان ما تحل أزمة أو تحدث حادثة خطيرة تعيد تذكير الأطراف المعنية بأن مهمة رئيسية من مهام مرحلة النهضة لا تزال تنتظر من يستكملها ويؤمن بضرورة العناية بها واعتبارها مهمة استراتيجية وليست مسألة عرضية أو ثانوية أو تكتيكية.فالكثير من الإنجازات التي تحققت خلال المائة سنة الماضية، ما كان لها أن تتم وتستمر وتصمد إلى حد ما أمام القوى المحافظة، لولا تلك المراجعات التي قام بها التيار التجديدي الإسلامي.

من أسباب تعثر التجديد الإسلامي
قبل التطرق إلى قضايا أو محاور الإصلاح، واقتراح الصيغ المساعدة على نشر ثقافة دينية مستنيرة، لا بد من التساؤل حول الأسباب التي جعلت التيار التجديدي يتراجع أو يتعثر في العالم العربي والإسلامي، ولم يتمكن حتى الآن من إنجاز الأهداف التي طرحها على نفسه قبل أكثر من قرن ونصف.ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى عوامل رئيسية أسهمت في ذلك:

- فك الارتباط الذي كان قائما بين مكونات المشروع النهضوي الذي لم يكن يميز بين الإصلاح الديني من جهة والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية.بل إن مصلحين كبارا مثل الأفغاني وعبده في مرحلته الأولى وخير الدين باشا في تونس وغيرهم اعتبروا أن تجديد الفهم للدين هو المدخل لإصلاح الدولة والمجتمع.لكن عندما دخلوا في مرحلة التحرر الوطني بقيادة أحزاب وزعامات سياسية، انصب الاهتمام بشكل أساسي على النضال السياسي.وبدل أن يكون الانفصال بين البعدين الديني والسياسي حالة مؤقتة فرضتها ظروف مقاومة الاستعمار، ترسخ هدا الانفصال بعد الاستقلال، حيث اكتفت القوى السياسية التي أمسكت بدواليب السلطة هنا وهناك بالحصول على ولاء المؤسسات الدينية التقليدية، وتفرغت كليا لبناء "الدولة الوطنية ".
وهكذا اتسعت المسافة بين الخطاب التحديثي الذي تبنته النخب الحاكمة في أكثر من بلد إسلامي، وبين ما أصبح يسمى بالإسلام الرسمي وكذلك الثقافة الشعبية الدينية.فأنظمة الحكم اعتبرت أن ولاء المؤسسات الدينية لها والتعاطف السياسي الظاهري أو الحقيقي للجماهير مع قادتها كافيان لإضفاء الشرعية واستمرار الحكم، وقدرت بأن التعارض المستبطن بين الخطاب الديني الرائج ومظاهر الحداثة في الدولة والمجتمع لن تكون له أية أهمية أو آثار خطيرة على الاستقرار السياسي القائم على الاستبداد والانفراد بالقرار.

- اهتمت الدولة الوطنية بالتعليم الذي يمدها بالكوادر الفنية وأصحاب الاختصاص في مختلف المجالات التي تحتاجها.وهو ما ساعد كثيرا على تعميق فك الارتباط الدي تمت الإشارة إليه في الفقرة السابقة، حيث بقى خريجو مؤسسات التعليم الديني يعيشون غربة أو انفصالا معرفيا بينهم وبين خريجي بقية المؤسسات التربوية.لكنهم في الآن نفسه يشعرون بأن لهم سلطة أدبية لا يملكها الآخرون، حيث إنهم أقدر على مخاطبة الجماهير العريضة وكسب ثقتها وولائها نظرا لما يتمتعون به من صلاحيات الافتاء والتوجيه الديني.إن بقاء مؤسسات التعليم الإسلامي بعيدا عن المراجعات الجدية لمناهجها ومقرراتها الأساسية وتكوين أساتدتها، زاد في تعقيد عملية الإصلاح، وولد صعوبات ضحمة أمام المجددين.

- لم يأخذ التيار العلماني في البلاد العربية والإسلامية مسألة التجديد الديني بالجدية المطلوبة.بل إن أجنحة من هدا التيار دفعت في اتجاه تحويل فك الارتباط إلى دعوة للفصل الكامل بين الدين والسياسة، ليس خدمة لقيام دولة ديمقراطية حديثة تحترم المعتقدات والحقوق الأساسية لمواطنيها والحريات العامة، ولكن بهدف إضعاف دور الدين في المجتمع وتقليص آثاره داخل دائرة ضيقة.فهدا التيار لم يعتبر الإسلام مكونا من مكونات المشروع الحداثي الوطني، وبالتالي لم يعتبر نفسه معنيا بمسألة تجديد الثقافة الإسلامية.قد يكون هذا الحكم قاسيا، وظالما في تعميمه، لكن المحصلة النهائية للخمسين سنة الماضية تؤكد بأن التيار العلماني العربي مشارك - بسبب لاديمقراطيته وتطرفه أحيانا واستهانته بالحجم الحقيقي للإسلام في معركة التحديث – في ما آلت إليه أوضاع الأمة.

- الحركات الإسلامية التي تبنت مند نشأتها خطابا دفاعيا قائما على الإحساس بأن الإسلام في خطر، وأنه يتعرض إلى هجمات عدائية من خارج جسم الأمة ومن داخلها.وأن دورها يتمثل في حماية الدين والرد على الانتقادات والاتهامات الموجهة للفكر الإسلامي بهدف إثبات تفوقه على خصومه في جميع المجالات انطلاقا من الشعار القائل بأن " الإسلام هو الحل ". وإذ لا يجوز التقليل من أهمية ما قامت به هذه الحركات على أكثر من صعيد، لكن عيب الكثير منها هو عدم إدراكها بأن جزءاً هاما من مضامين هذا الفكر الذي تدافع عنه وتضفي عليه شيئا من القداسة هو فكر بشري، تجاوزته الأحداث ولم يعد يستجيب لمشكلات المرحلة وهموم المسلمين.كما أن أغلب هده الحركات رفضت الإقرار بضرورة إعادة النظر في فهم النصوص المرجعية وفي بعض الأحكام من أجل إعادة الانسجام بين مقاصد الإسلام ومصالح المسلمين وحقوق جميع الناس.ومن هنا اصطدمت معظم هذه الحركات بالتيار التجديدي، وحاربته، وبذلت جهودا كبيرة لعزله وسحب الشرعية عنه، والتورط أحيانا في تكفير بعض رموزه أو القدح في وطنيتهم وولائهم للوطن والأمة والإسلام، واتخادهم خصوما يجب الحذر منهم وعدم اتخاد فكرهم مرجعا موثوقا به.وإن كانت بعض هده الحركات وقادتها قد أخذوا في السنوات الأخيرة، وبسبب ضغط الأحداث وتزايد الدعوة إلى ممارسة النقد الذاتي، يراجعون الموقف من بعض رموز النهضة، ويستفيدون من اجتهاداتها.بل منهم من أصبح يعتبر نفسه امتدادا لمرحلة النهضة العربية واستمرارا لها.

- عجز التيار التجديدي على تجاوز عوائقه الذاتية. والحقيقة أن هذا التيار ليس متجانسا بين مختلف مكوناته، وهو بدوره ينقسم إلى تيارات واتجاهات تصل إلى حد التعارض. لكن ما يجمع بينها هو الإيمان بدور الإسلام في البناء الثقافي والتغيير الاجتماعي، والاعتقاد بأن ذلك يستوجب عملا اجتهاديا مستمرا للملاءمة بين مقاصد الدين ومصالح المسلمين المتغيرة.أما بالنسبة للعوائق فهي متعددة، بعضها يخص المنهج، وأخرى تتعلق بالأوليات أو حرق المراحل وعدم الانشغال بالقضايا التي تهم الأمة.وهو ما جعل هذا التيار معزولا عن الجماهير، مهادنا أحيانا للحكومات المتسلطة، فاصلا بين الديمقراطية والإصلاح الديني، مترددا أحيانا أخرى في طرح القضايا الحارقة خوفا من الأنظمة أو تجنبا للدخول في مواجهة مع الرأي العام المتدين أو الحركات الإسلامية.

قضايا ذات أولوية
قضايا التجديد الإسلامي متفرعة وكثيرة، وتختلف من مرحلة إلى أخرى، ولا يدخل جميعها ضمن اهتمامات حركة حقوق الإنسان العربية التي يمثل " مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" إحدى مؤسساتها الهامة. لهذا يصبح من المطلوب تحديد عدد من الأولويات في ضوء التحديات الراهنة، وأولويات الحركة الحقوقية.لأن المطلوب في هذا السياق ليس أن يصبح نشطاء حقوق وعاظا أو يحتلون مواقع الفقهاء، وإنما هم مدعوون إلى المساهمة في إدارة نقاشات وطنية حول قضايا لها صلة بالإسلام. ويمكن في هذا السياق اقتراح التركيز على المسائل التالية باعتبارها قضايا ذات أولوية في هذه المرحلة التاريخية :

- العلاقة بالآخر : لقد عادت هذه المسألة لتفرض نفسها من جديد على علاقة المسلمين بغيرهم وعلاقة الآخرين بهم.وإذ أسهمت التوترات السياسية ونزعات الهيمنة الغربية والأمريكية في تغذية مشاعر الرفض والإحساس بالضيم والاضطهاد، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت عن امتداد الرؤية الكلاسيكية للعالم التي يعتقد أصحابها بأن الانتماء الديني هو المحدد لطبيعة العلاقات الدولية بين الشعوب والأمم وحتى بين الأفراد.وخلافا لما يظن البعض فإن هذا الإشكال ليس مطروحا فقط داخل الدائرة الإسلامية، حيث كشفت الأحداث الأخيرة عن تأثر سياسة الكثير من الدول والحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بالخلفية الدينية التاريخية التي لا تخلو من عنصرية ونظرة استعلائية وجنوح نحو الإقصاء والوصاية.لكن ذلك في المقابل لا يبرر القول بأن الصراعات الدولية حاليا هي صراعات دينية، ,وأن المسلمين في حالة حرب مفتوحة مع اليهود والنصارى.

- الدين والسياسة : لا يزال موضوع العلاقة بين الدين والدولة يحتل موقعا متقدما في الجدل الفكري والسياسي الدائر منذ أكثر من قرن.وما يهم الحركة الحقوقية هو تداعيات هذه العلاقة على الحقوق الأساسية للمواطنين والحريات العامة.فالدين في نظام استبدادي يتحول إلى أداة لتبرير القمع ومحاربة الفكر ومنع الاجتهاد والتدخل في الحياة الخاصة للأفراد.

- الاجتهاد والتعددية : كلما سيطر فكر واحد إلا ونتج عن ذلك استبداد أسود. ولا يوجد خطر على الدين والفكر أشد من " احتكار " فهم النصوص المرجعية وادعاء امتلاك الحقيقة المقدسة.لهذا فإنه من مصلحة المؤمنين بالقيم الدينية والمؤمنين بحقوق الإنسان اطلاع جميع الناس على ما يتمتع به التراث الإسلامي من ثراء بفضل تعدد مدارسه، وتنوع مشاربه ومراجعه.فعندما يدرك الناس بأن أسلافهم اختلفوا في قراءة النصوص المرجعية، ومع استمرار تعايشهم، فإنهم سيعتبرون من باب أولى أن يختلفوا في السياسة وفي نظرتهم لحكامهم.فاليمقراطية تترسخ عندما تزول النظرة السلبية للحق في الاختلاف.

- حرية المعتقد وحرية التفكير : هذه قضية جوهرية في الفكر الديني والسياسي.لا إيمان بدون حرية الاختيار وحرية الاعتقاد.الإيمان تحت الإكراه إيمان باطل، وتدين لا معنى له.الحقيقة نسبية ، وهي موزعة بين الجميع بمقادير مختلفة.

- الجهاد والعنف : هذه المسألة ستبقى مصدر توتر وتهديد للأرواح البريئة والمكاسب الديمقراطية ما لم تحسم بشكل معمق وهادئ وجماعي.الخلط بين الجهاد والعنف لا يخص فقط بعض الغلاة من الإسلاميين، وإنما تمارسه أطراف عديدة لأغراض متعددة.

هناك فرق شاسع بين الاعتقاد بأن الجهاد حالة دفاعية عن الوطن ومقدساته عند حصول حدوث خطر خارجي يستوجب التعبئة العامة. وبين الاعتقاد بأنه أسلوب هجومي، وأداة لنشر الإسلام ومحاربة من يقع التشكيك في إيمانه.لقد عانى الإسلام والمسلمون كثيرا من هذا الخلط في الماضي والحاضر.

- الشريعة والقانون : عندما انتقل التنظيم الاجتماعي الإسلامي من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، تولدت عن ذلك أزمة تكيف شملت كل جوانب الحياة.ومن بين أهم مخلفات تلك المرحلة الجانب القانوني الذي لا يزال يشكل مصدر توتر داخلي، ومحل جدل وصراع بين مختلف التيارات السياسية والفكرية.فمن جهة يعمل التيار التحديثي العلماني على قطع مصادر التشريع الوطني عن الشريعة، ويرون في ذلك شرطا من شروط اكتمال عناصر الدولة الحديثة.لكن المشكلة التي يولدها هذا التوجه استهانته بأهمية العلاقة بين الثقافة والتشريع، واعتقاده المعلن أو المسكوت عنه بعدم قدرة التشريع الإسلامي على التطور والاستجابة لمبادئ الحرية والعدل.


وفي المقابل تعتقد الحركات الإسلامية، أو بالأحرى الجزء الأكبر منها بأن الإسلام لا يتجسد ولا يؤثر في الواقع ويغيره إلا من خلال تطبيق الشريعة.وما يتغافل عنه هؤلاء هو أن المشكلات الكبرى التي أفرزتها التحولات الضخمة التي توالت منذ القرن الخامس عشر ميلادي، تختلف في طبيعتها وإشكالياتها عما بلورته مختلف المدارس الفقهية منذ نشأتها حتى الآن.لهذا أصبح من الضروري تخليص الفرد المسلم والجماعة المسلمة من حالة الانفصام القانوني والثقافي والاجتماعي الذي تزيد من حدته الصراعات السياسية المحلية والدولية، وكذلك الإخفاقات المتواصلة لأنماط وخيارات التنمية الاجتماعية.

- المرأة والمساواة : رغم انخراط المرأة في دورة الإنتاج منذ أكثر من نصف قرن، ورغم اهتمام الفكر الإسلامي المعاصر بقضايا المرأة من جوانب متعددة، إلا العلاقة بالنساء لا تزال محكومة في كثير من الحالات بنزعة محافظة قوية.فالنساء لا يزلن مهمشات، أو معرضات للتهميش، ولا يزال البعض يعمل جاهدا علنا أو ضمنيا من أجل إخضاعهن لنمط اجتماعي وأيديلوجي قائم على تقسيم العمل، ويجعل منهن كائنات تابعة لا يتحملن سوى مسؤوليات ثانوية. لهذا بقى موضوع المساواة من بين القضايا الرئيسية التي تشغل الفكر الإسلامي التجديدي، يبحث لها عن إجابات من داخل المنظومة الثقافية.
تلك أبرز القضايا المطروحة التي تتطلب مزيدا من المراجعات والنقاشات. وما ينقص المكتبة الحقوقية هو سلسلة من الكراسات التي تجمع بشكل مكثف أهم ما توصل إليه الفكر الإسلامي المعاصر من إجابات حول هذه القضايا.

ملاحظات منهجية
إن بلورة خطاب إسلامي مستوعب لمكتسبات الحداثة، ومنسجم مع منظمومة حقوق الإنسان، ومحترم للتنوع والتعدد والتعايش، يشكل خطوة هامة، لكنها تبقى غير كافية إذا لم يقع وضع خطة وآلية تساعدان على نشر هذه الثقافة على نطاق واسع.وهي غاية تفترض تحديد الجمهور المستهدف، ومعرفة القنوات الرئيسية التي تمر من خلالها الخطابات الدينية المتعددة. وقبل تحديد هذه القنوات يكون من المفيد الإشارة إلى عدد من الملاحظات المنهجية :

- التجديد حالة فكرية واجتماعية وسياسية شاملة.وبما أنه نزعة نحو إعمال العقل والمراجعة فإنه لا ينمو وينتعش ولا يقوم بوظيفته إلا في مناخ يتسم بالحرية، حرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية البحث. لهذا لا يمكن الفصل بين الدعوة إلى تجديد الثقافة الدينية والمطالبة بالإصلاح السياسي. وبالتالي فإن كل خطوة في اتجاه تعزيز الديمقراطية هو خطوة نحو توفير المناخ الأفضل لإحداث المراجعات الثقافية والتشريعية الضرورية.وفي خط موازٍ فإن الإصلاح الديني شرط أساسي من شروط دعم الديمقراطية وتأصيل حقوق الإنسان.

- السلطة طرف من الأطراف الأساسية القادرة على تقديم المساعدة لتطوير الفكر الإسلامي، كما كانت مساهمة بقدر كبير في جمود هذا الفكر وانغلاقه، لكنها ليست الطرف الوحيد الذي يحق له وضع شروط أو احتكار المبادرة في هذا المجال.إنها مطالبة بتوفير المناخ الحر الذي يسمح بالتفكير والبحث والمراجعة. وهي مدعوة إلى رفع يدها أو الحد من احتكارها لوسائل الإعلام الجماهيرية مثل الإذاعة والتلفزيون حتى تكون أداة تواصل فعالة مع الناس.وهي أيضا طرف مهم في مراجعة برامج التعليم، وإعادة هيكلة المساجد.

- امتدادا للملاحظة السابقة يجب أن يكون المجددون أو دعاة التجديد مستقلين عن السلطة، حفاظا على مصداقيتهم وحماية للأفكار والآراء والاجتهادات التي يتوصلون إليها. فكم من جهود هامة ضاعت بسبب التوظيف الرسمي لها ولأصحابها؛ لأن الحكومات غالبا تبحث عمن يساندها في معاركها السياسية أو في اختياراتها الاجتماعية، ولا تهتم كثيرا بتداعيات ذلك على عالم الأفكار والقيم.

- ليس بالضرورة أن يتفق دعاة التجديد على استراتيجية واحدة، لكن عامل التدرج يجب أن تأخذه حركات حقوق الإنسان بعين الاعتبار.فالمجتمعات العربية تختلف كثيرا فيما بينها، ولا يمكن التعامل معها على نفس الدرجة.ومسألة كسب الرأي العام مسألة حيوية جدا لتحقيق مكاسب على الأرض.
كما أن الاصطدام بالرأي العام، والدخول في معارك غير مدروسة مع قطاعات عريضة من المواطنين حول قضايا ليست ذات أولوية قد تكون له انعكاسات سلبية على وجود هذه الحركات.لا يعني ذلك الوقوع في المهادنة والتخلي عن القضايا المشروعة، ولكن الأمر يتعلق بالنمهج والبيداغوجيا ورسم أولويات تصاعدية.

- النجاح في إبراز أصالة الدعوة إلى التجديد، حتى لا تفسر بكونها خضوعا للضغوط الأمريكية. فما يردده السياسيون والخبراء الأمريكان لا يرتكز على رؤية واضحة لطبيعة الرهان المطروح على المسلمين. وهم يطرحون موضوح الإصلاح الديني ضمن معركتهم الغامضة والملغومة ضد كل ما يسمونه " إرهابا ".

- دعم التجديد لا يعني المساهمة أو إضفاء الشرعية على ملاحقة بقية التيارات الإسلامية الموصوفة بالتطرف.إن نشطاء حقوق الإنسان والمتحمسين للتجديد لا يمكن أن يكونوا جزء من سياسة أمنية استئصالية لا تميز بين من يمارس الإرهاب ويعتدي على المدنيين والأبرياء وبين من يمارس حقه في المعارضة المدنية السلمية بطرق ديمقراطية.


مجالات لابد من اقتحامها
في ضوء التوجهات السابقة لابد أن تجد حركة حقوق الإنسان موطن قدم داخل عدد من القنوات الرئيسية، إذا أرادت أن تؤثر وأن تغير من هذه القنوات :
- القناة المسجدية : لا يزال المسجد يلعب دورا رئيسيا في نقل الثقافة الدينية ورواجها على نطاق واسع.كما أن للواعظ وإمام الجمعة سلطة أدبية حيوية على المصلين . وبالتالي لا مفر من ربط صلات بهؤلاء عن طريق تنظيم دورات تدريبية متخصصة حول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان ويمكن إدراجها ضمن التكوين العام للكادر الديني.

- وسائل الإعلام : يسهم الإعلام في نحت الثقافة الشعبية وثقافة النخبة.وتحليل مضامين الصفحات الدينية يعطي فكرة عن نوعية الخطاب السائد. لهذا يكون من المفيد تنظيم لقاءات بالمشرفين على الصفحات الدينية في الصحف أو البرامج الإسلامية بالتلفزيون والإذاعات، للبحث عن الطرق الأفضل لجعل هذه المنابر مدركة لوظيفتها التوعوية، وحاملة لثقافة إسلامية مستنيرة.

- برامج التعليم : معركة إصلاح التعليم بشكل عام والتعليم الإسلامي بشكل خاص معركة بدأها المجددون منذ أكثر من قرن ونصف.وحتى تكون المراجعات في هذا المجال فاعلة وبناءة، يجب أن تكون نتيجة استشارة واسعة، وألا تكون مسقطة، وأن يراعى فيها الترابط والتكامل بين المضمون والجوانب البيداغوجية.فمنظمات حقوق الإنسان مدعوة إلى الطرق مطولا على هذا الباب الصعب، لكن عليها أيضا أن تكون حذرة وعملية وقادرة على الإقناع بمقترحاتها.لقد أثبتت التجارب أن الإصلاحات المسقطة أو غير المدروسة لم تعمر طويلا وخلقت قطيعة مع الطلاب والتلاميذ.

- المؤسسات الدينية : هذا ملف هام وخطير. لا يمكن أن ينتعش الفكر الإسلامي، ويقل حجم المخاطر، إلا بعد أن تخضع المؤسسات الإسلامية من جامعات ومراكز خريجي الكوادر الدينية ومدارس تعليم القرآن إلى مراجعات تشمل المضمون والمناهج والطرق البيداغوجية.فهذه المؤسسات متخلفة عن شبيهتها لدى ديانات أخرى مثل المسيحية وحتى اليهودية.بل هي متخلفة عن المؤسسات الإسلامية في القرنين الثاني والثالث من الهجرة.ويمكن إرساء لجان تفكير مشتركة حول مستقبل هذه المؤسسات وبحث وسائل تطويرها في اتجاه يخدم حركة حقوق الإنسان ويدعم التوجه الديمقراطي.

- الحركات الإسلامية : بقطع النظر عن الأغراض السياسية لهذه الحركات، إلا أنها نجحت في أن تكون ضمن الجهات المشاركة في نشر نوع من الخطاب الديني الذي أثرت بعض أجزائه سلبيا على الوعي الإسلامي العام، وأدخلته في أكثر من دوامة.والاختلاف مع هذه الحركات أو الصراع معها أيديلوجيا وسياسيا، لا يمنع أخذها بعين الاعتبار ضمن أية رؤية إصلاحية شاملة.فالدخول في حوار مع بعض فصائلها أو أجنحتها سيكون له أكثر من فائدة، سواء من حيث تحسيسها وممارسة الضغط عليها لمراجعة بعض المواقف أو تصحيح بعض المعلومات المغلوطة، وصولا إلى كسبها في معارك هامة تخص عددا من الحقوق الأساسية للمواطنين.










هذه بعض الأفكار والمقترحات مساهمة في نقاش يعتبر من وجهة

نظر أي راغب في الإصلاح، حيويا واستراتيجيا.
الدوائر الأمريكية ترصد حركة الإسلام السياسي
هل بدأت مرحلة ترويض الإسلاميين ؟!
سيد الخمار
منذ انتخاب المرشد الجديد للإخوان المسلمين ومراكز البحوث الدولية بدأت تتابع أنشطة التيار الإسلامي خصوصا في مصر والعالم العربي وبالتحديد مركز دراسات الشرق الأوسط بالعاصمة الأمريكية الذي كلف مجموعة ضخمة من الباحثين بمتابعة الشأن الإسلامي وصدرت أول دراسة للباحثة الأمريكية كاري ميرفي حول مستقبل تيار الإسلام السياسي في مصر والعالم وللمرة الأولي ترصد باحثة أمريكية التغيير الذي حدث في منهج الإسلاميين خصوصا في مصر، بالتحديد في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، والإخوان المسلمين.
وأكدت الباحثة في دراستها أن منهج رفض العنف تماما أصبح معمولا به والصدام مع النظام الحاكم توقف تماما فضلا عن وجود أحاديث كثيرة في الأوساط الإسلامية تنادي بوجود حزب سياسي له مرجعية إسلامية وليس مستغربا أن يضم في صفوفه مواطنين مصريين أقباطا.
الباحث المتخصص في شئون الإسلاميين كمال حبيب يرصد وجود نهم شديد لمتابعة أحوال التيار الإسلامي في مصر والعالم منذ 11 سبتمبر ولعل الشيء اللافت للنظر الآن بداية اقتراب ونجاح أشخاص سياسيين لهم مشروع إسلامي ودخلوا برلمانات بأغلبية عددية ملحوظة في الشهر الماضي والآن نجح الإسلاميون في إثبات وجودهم في المغرب بحزب العدالة والتنمية، وفي باكستان والبحرين ثم الزلزال الذي تم في تركيا كل هذا له معني واحد وهو أن الإسلاميين تغيروا تغييرا جذريا بمعني أنهم تعاملوا مع مشاكل مجتمعاتهم الحياتية واليومية وربطوا ربطا وثيقا بين التنمية والعدالة . وحول التغيير الذي حدث في منهج الإسلاميين بمصر يرصد كمال حبيب الموقف فيقول التطور والتغيير اللذان حدثا في الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية أصبحا منظورين فالإخوان علي المستوي الرسمي قدموا اجتهادات متجددة والتيار التجديدي داخل الإخوان نشيط جدا ويتحرك منذ فترة طويلة ومن الواضح أنهم قد انتقلوا فعليا من مرحلة الايديولوجيا الي الدخول في مناقشة ومتابعة المشاكل اليومية للمواطن العادي وانتهت مقولة أولوية التنظيم علي مصلحة الأمة وانعكست المقولة التي كانت راسخة لأكثر من سبعين عاما أما المفاجأة الكبري حقا فكانت في تحول الجماعة الإسلامية من مشروعها السياسي إلي مشروع دعوة فقط لله بالحسني والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف ويبدو أنها عادت للدور البدائي الذي كان عليه الإخوان!!.
كما أن هناك احزابا سياسية تنتظر الموافقة القانونية للإسلاميين مثل الشريعة والإصلاح كما أن منهج العنف أصبح بدون مشروعية تماما علي مستوي التنظيمات الإسلامية الثلاثة.
وعلي المستوي الرسمي المصري فاتصور أن هناك مراجعات من جانب الحكومة فيما يشبه الاختبار للإسلاميين لكنه اختبار لفترة طويلة وربما نجد حزبا سياسيا له مرجعية إسلامية في نهاية المطاف مهما طال الوقت لكن المؤكد أيضا أن حكومة مصر ترصد بنفس القدر والاهتمام كيف تري أمريكا موقف الإسلاميين في مصر والعالم العربي ولعل الظرف الدولي أصبح عاملا مؤثرا في تحديد طبيعة علاقة الإسلاميين بالحكومة وعلاقة الحكومة بالإسلاميين.
انتهي كلام كمال حبيب وبقيت بعض الإشارات الأخرى.. فالقيادي الإخواني مختار نوح يعلق علي إمكانية ظهور حزب سياسي للإخوان بقوله هناك أمور كثيرة كلها خير والخير قادم بإذن الله وهناك وجهات نظر داخل الإخوان ولن تكون هناك أية صدامات مع الدولة والمح مختار نوح إلي وجود ما يشبه الحوار مع أطراف مهمة في الدولة، وما لم يقله مختار نوح ان الحوار كان قد بدأ فعلا مع الدولة أثناء وجوده في السجن، وأكد نوح أن الإخوان يسعون الآن للمشاركة وليس للمغالبة كما كان سابقا ولعلك تلمح ذلك في مستوي الممارسة الفعلية في الانتخابات التي جرت أو ستجري، كما أن المرشد العام المستشار مأمون الهضيبي لم يشر في أي أحاديث له إلي وجود نية للصدام مع الدولة بل وشكرها علي المشهد الحضاري الذي تم في جنازة المرشد السابق وقال حرفيا نحن لن نسعي للحكم أبدا ونحن كقوي وطنية موجودة في الشارع نريد الاعتراف الرسمي بنا وهذا حقنا الطبيعي مثلنا مثل أي قوي سياسية أخري.
أما منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية فقد رصد التغير الذي حدث فعلا في أكثر من لقاء معه بل إنه شخصيا خاض انتخابات مجلس نقابة المحامين بمفهوم جديد وشعار قال فيه إسلام لا ينفي الآخر، أما التفاعل الفكري بين منظري الجهاد الإسلامي والتيارات القومية والسياسية الأخري فبات ملحوظا ومرصودا في أكثر من مجلة بحثية مثل المنار والمراصد.
ومن المؤكد إذن أن الإسلاميين قد دخلوا برغبتهم وطوع ارادتهم الكاملة مرحلة الترويض سواء في مصر أو العالم العربي الإسلامي.

تحويل الجماعة إلى حزب بين الإمكانية والعوائق
ارتبطت فكرة التحويل المؤسسي لجماعة الإخوان المسلمين من جماعة إلى حزب سياسيٍ برنامجيٍ، بجيل الوسط الذي انضم إلى الجماعة إبان عودتها الثالثة إلى الحياة السياسية المصرية في السبعينيات بعيد الإفراج عن معتقليها. وإذا كان الاعتراف بالجماعة" المحظورة" هنا قد كان من نوع الاعتراف الواقعي السلبي المشروط والمتذبذب ما بين التسامح والضربات الأمنية، وليس من نوع الاعتراف القانوني، فإن الجماعة لم تفتقر إلى قنوات العمل السياسي، عبر التحالفات التي أبرمتها مع بعض الأحزاب القانونية مثل حزب الوفد وحزب العمل، ومكّنتها من خوض الانتخابات التشريعية على لوائح تلك الأحزاب، وصولاً إلى احتلالها سبعة عشر مقعداً نيابياً في انتخابات عام 2000 التي تمت بإشراف القضاء، وتميزت بـأعلى" حيادية"ممكنة للسلطة التنفيذية إزاء نتائجها، ليشكّل النواب الإخوانيون كتلةً برلمانيةً وازنة في الحياة التشريعية المصرية.
تدين هذه العودة الفعلية القوية للجماعة إلى الحياة السياسية، لديناميكية الجيل الإخواني الشاب، الذي أبدع طرائق عمل جديدة في ظل سريان الحظر القانوني، ونعني بذلك التركيز على العمل من خلال النقابات المهنية والعلمية والمؤسسات الجمعياتية المختلفة، التي شهدت ما يمكن تسميته بـ" احتلالٍ" إخوانيٍ لها، جرف كل القوى السياسية الأخرى في طريقه، ووضعها تحت رحمته، واضطر السلطة التنفيذية ومن يقبع خلفها من سلطةٍ فعلية إلى التدخل" القانوني" ومحاولة إعادة التوازن السياسي المختل لصالح الجماعة المحظورة. ولكن عملية الاكتساح أو "الاحتلال" الإخواني هذه، تميزت بتغذيتها الراجعة الفعّالة، التي تغذى فيها الجيل الشاب بخبرةٍ من طرازٍ جديد، لم يألفها شيوخ الجماعة.
تتمثل هذه الخبرة باكتشاف مزايا الأسلوب" الهيجيموني" أو أسلوب الهيمنة بلغة أنطونيو غرامشي عبر مؤسسات المجتمع المدني. فلقد كان الماركسيون المصريون في طور انهيار الأيديولوجيا الشيوعية" المسفْيتة" قد اكتشفوا سياسيات الهيمنة ومفاهيمها عند غرامشي غير أن من تمكن فعلياً من استثمارها بأقصى قدرٍ ممكن لم يكونوا هم بل الإخوان. وتلك سياسيات مختلفة جذرياً عن سياسيات شيوخ الجماعة، الذين كانوا يعرفون جيداً الإنجاز الجمعياتي للجماعة في الأربعينيات غير أنهم فكروا به واجهياً في ضوء مفهوم الجماعة التضامنية الشاملة التي تغذي أعضاءها بادعاء تمثل الجماعة فعلياً لدولة الظل الإسلامية المرغوبة، في حين أن التفكير الإخواني الشبابي قد بات يفكر به هنا استراتيجياً وليس واجهياً، أي عبر استيعاب وتمثل مفهوم جديد هو مفهوم المجتمع المدني. وإنتاج تصورٍٍ حواريٍ للآخر غير الإسلامي، يقبل التعايش الإيجابي معه، في إطار الاختلاف وليس العداء، بينما تغذى شيوخ الجماعة الذين أحكموا السيطرة على مكتب إرشادها ومجلس شوراها، من التصور العدائي للآخر بوصفه يتربص بالجماعة ويريد الفتك بها، وهو ما عبّرت عنه المناهج التربوية الإخوانية التقليدية، التي بات الجيل الجديد يضيق بها.
لقد فجرت أطروحة الشباب بقيادة أبو العلا ماضي وغيره، بمحاولة تكوين حزب الوسط في أواسط التسعينيات الصراع بينهم وبين الشيوخ، الذين اضطروا إلى فصل رموز هذه الفكرة أو إرغامهم على ترك الجماعة. فرغم كل حديث الجماعة عن الحياة الشوروية الداخلية فإن آلية اتخاذ القرار فيها تقوم على" السمع والطاعة في المنشط والمكره" وليس على الشورى التداولية الحقيقية، بينما غذت سياسيات الهيمنة أو "الهيجيمونيا" تفكير الشباب بحياةٍ شورويةٍ عصريةٍ حقيقيةٍ. فصراع الأجيال هنا هو وجه قائم من وجوه الاستقطاب في الجماعة، من دون أن ينفي ذلك وجود نظرية أخرى لدى بعض الشباب تقوم على فكرة" التجديد" الصبور من الداخل على أساس نظرية تكامل الأجيال، والتي ما زالت إنجازاتها بالقياس إلى رهاناتها محدودةً للغاية.
عكس ذلك انبعاث الصراع بين مدرستيْ التنظيم أولاً والدعوة في الجماعة، فلقد انتمى شيوخ الجماعة عموماً إلى مدرسة التنظيم التي تتميز بعصبويتها الصلبة- إلى درجة تبدو فيها الجماعة بحد ذاتها غايةً وليس وسيلة-وبعقليتها الاحتوائية الأبوية المتشددة للعمل الإسلامي التي طالما أصابت الحركيين الإسلاميين غير الإخوانيين بالنفور من الجماعة، والذعر من أساليبها الاحتوائية الاستحواذية. وهذه المدرسة ما تزال تنظر تبريرياً واعتذارياً لعمل الجهاز الخاص الذي روّع الحياة السياسية المصرية في النصف الثاني من الأربعينيات، مع أن بعض قادته قد تحولوا إلى إرهابيين محترفين، لم يتورعوا عن استخدام أسلوب التصفية الدموية الداخلية ضد خصومهم في التنظيم كما خارجه، كما لم يتورعوا عن استخدام السلطة في مرحلة الاصطدام ما بين الجماعة وبين عبد الناصر في النصف الأول من الخمسينيات ضد الإخوان الذين يخالفونهم في الرأي أو المواقف. وهو ما يميز مجمل المنظمات السياسية شبه العسكرية أو التي تمتلك ذراعاً عسكرياً. بينما ليست لدى الشباب هذه النظرة العصبوية التي تعبد التنظيم لأجل التنظيم، ولذلك لم تكن لديهم مشكلة في اقتراح أسماء مثل حزب النهضة وحزب الوسط للعمل بشكلٍ قانونيٍ، بل برزت لدى بعض من كان ينتمي إلى جيل حزب الوسط فكرة الجهاد المدني كمفهومٍ عصريٍ للقيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يعني هنا العمل عبر التوعية والحوار والحق باختلاف الأفكار والمواقف وتعددها، وعبر مؤسسات المجتمع المدني. وهذه الفكرة تقوم على أن العمل السياسي بالمعنى التنظيمي العصبوي ليس ضرورياً ويمكن الاستغناء عنه كلياً لصالح العمل بأساليب الهيمنة" الهيجيمونية" للمجتمع المدني، التي تعيد الاعتبار لمدرسة الدعوة في العمل الإسلامي.
قد يعتبر شيوخ الجماعة الآن حزب الوسط محاولةً انتهت وأصبحت من قبيل المسائل التاريخية، لكن ما لا يحبون الانتباه إليه، هو أن حزب الوسط وإن لم يتمكن من التمأسس القانوني لكنه غدا حالة منتشرة حتى في صفوف الإخوان غير المصريين، وتستند إلى "مربعها الذهبي" الممثل بمحمد عمارة وسليم العوا وفهمي هويدي وعبد الوهاب المسيري، فضلاً عن تعزيز الشيخ يوسف القرضاوي وطارق البشري وغيرهما لها. لكن ما بقي معتملاً في صفوف الجماعة بعد خروج جيل حزب الوسط منها أو خروج من خرج منهم، هي مسألة إعادة بناء الجماعة جذريا وتحويلها إلى مؤسسةٍ حزبية برنامجية قانونية، متصالحة مع السلطة، وتقوم على مفهوم المشاركة، وتتخطى طابعها التقليدي التاريخي الذي يرى الشباب أنه قد استنفد وظيفته في إعادة الاعتبار للفكرة الإسلامية في الحياة السياسية، إزاء ما اعتبره المؤسس والمرشد العام الأول حسن البنا مخاطر تهدد مصائرها.
إن معظم القيادات الوسيطة الميدانية للجماعة في المحافظات والتي تنتمي جيلياً إلى الفئة العمرية 35-50، والتي تمثل العمود الحيوي للجماعة تميل لصالح فكرة التحول المؤسسي الكامل إلى حزب، وليس إلى مجرد الجمع ما بين الحزب والجماعة على الطريقتين الأردنية واليمنية مثلا. وبالتالي ليست لديها عصبية تنظيمية اسمية، وهي لا ترى اسم الجماعة مقدساً بل يمكن التحول عنه إلى اسمٍ جديد على أساس بنية حزبيةٍ عصريةٍ مختلفةٍ. بينما يبدي شيوخ الجماعة مقاومةً شديدةً لذلك. لا ريب أن العائق المؤسسي الرسمي الذي لا يمكن فيه ضمان التمرير القانوني للحزب الوليد هو عامل في إحباط الفكرة، لكن العامل الداخلي الإخواني هو الأهم، إذ إن شيوخ الجماعة وكذلك قواعدها التي ما زالت تتلقى المناهج التربوية التقليدية، ما زالوا يحملون في داخلهم فكرة الجماعة الشاملة التي تنفي الحزبية وليس السياسية، فالجماعة في مفهومها التقليدي عن نفسها تنفي الحزبية، ولا تقر بالتالي بالتعددية السياسية والفكرية العامة للإسلاميين وغيرهم، بل لا تقر إلا نظرياً وشكلياً بالتعددية الحركية الإسلامية، وهي تتقبل هذه التعددية كحالة أمر واقع لكن مع التطلع للاحتواء والسيطرة عليها في جسم الجماعة. والأساس الفقهي لذلك أن الجماعة لا تعتبر نفسها جماعة المسلمين وتنفي ذلك بشدة، لكنها تعتبر نفسها فعلياً أقرب ما تكون إلى هذه الجماعة، ومن هنا نزعتها الاستحواذية وتشديدها على مفهوم البيعة الذي يتحول في الممارسة إلى مفهوم الطاعة والأمر.
إن من شأن حسم الجماعة الخلاف حول التحول الجذري من نمط الجماعة العصبوية إلى نمط المؤسسة الحزبية البرنامجية المفتوحة، أن يساعد على تنمية إمكانيات نشوء أحزاب ديمقراطية إسلامية يمكنها أن تتطور على غرار تطور الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب، وأن تكون طرفاً من أطراف تمثيلية سياسية تعددية وليس طرفاً يهدد توازن الاجتماع السياسي بالانقلاب. وهي إمكانية تستند إلى العديد من المؤشرات الداعمة لكنها لن تتم بمعزلٍ عن الإرادة. وذلك هو جوهر التحدي الذي يواجهه من يسمون أنفسهم بأصحاب التفكير التجديدي في جماعة الإخوان المسلمين، في إعادة بناء الجماعة على أساس مفهومٍ عصريٍ جديد تبدو الصورة الراهنة للجماعة في ضوئه وكأنها قد شاخت أكثر مما ينبغي.






روابط هامة

http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=2555
http://www.alwatan.com/graphics/2003/09sep/15.9/heads/ft11.htm

http://www.aljazeera.net/in-depth/muslims_brothers/2002/12/12-2-17.htm

http://www.alriyadh-np.com/Contents/09-12-2003/Mainpage/POLITICS_18368.php

http://www.albayan.co.ae/albayan/alarbea/2002/issue162/axis/4.htm
http://www.diwanalarab.com/article.php3?id_article=574
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=2621

http://www.elosboa.com/elosboa/issues/351/0702.asp
http://www.al-araby.com/articles/878/030928_011_000878_dlg01.htm
http://news.masrawy.com/masrawynews/08122003/178578news.htm
http://www.qudsway.com/Links/Jehad/6/Html_Jehad6/dalil_book/dbl2.htm
http://www.aljazeera.net/in-depth/muslims_brothers/2002/12/12-2-21.htm
http://www.alsahwa-yemen.net/exp_news.asp?sub_no=7204.
http://www.albayan.co.ae/albayan/alarbea/2003/issue184/orbit/2.htm
http://www.diwanalarab.com/article.php3?id_article=573
http://www.alhaqaeq.net/authors.asp?authorid=94
http://www.cihrs.org/FOCUS/paris/paris-papers-6_A.htm



http://us.moheet.com/asp/report/hewar_ghanoshi.htm



http://www.elosboa.co.uk/elosboa/issues/302/0300.asp

http://ashahed2000.tripod.com/diloog/9.html
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=1737
http://www.freearabvoice.org/arabi/khitabMinShababiLAkhwan.htm
http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=2555
http://www.alwatan.com/graphics/200.../heads/ft11.htm
http://www.aljazeera.net/in-depth/m.../12/12-2-17.htm

http://www.alriyadh-np.com/Contents...ITICS_18368.php



#محمود_سامي_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “متع أطفالك ونمي أفكارهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ب ...
- لولو يا لولو ” اظبطي تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد ...
- أمين عام -الجماعة الإسلامية- في لبنان: غزة لن تبقى وحدها توا ...
- وزيرة الداخلية الألمانية: الخطوط الحمراء واضحة.. لا دعاية لد ...
- لجنة وزارية عربية إسلامية تشدد على فرض عقوبات فاعلة على إسرا ...
- اللجنة العربية الإسلامية المشتركة تصدر بيانا بشأن -اسرائيل- ...
- إلهي صغارك عنك وثبتِ تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمتابع ...
- اختفاء مظاهر الفرح خلال احتفالات الكنائس الفلسطينية في بيت ل ...
- المسلمون في هالدواني بالهند يعيشون في رعب منذ 3 شهور


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود سامي حسن - ملف التيار التجديدي في الإخون المسلمين