مردخاى كيدار
الحوار المتمدن-العدد: 873 - 2004 / 6 / 23 - 05:59
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
بعد ان تبين لكل ذي عقل ان مشكلة اللاجئين هي اصعب عثرة في اي طريق للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين, قررتُ ان اتوجه الى اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان بهذه الرسالة المبنية على إلمامي بحقيقة ما يدور في الذهن الجماعي اليهودي في اسرائيل كوني يهوديا صهيونيا ولد في اسرائيل قبل 51 عاما. وهذه الرسالة نابعة من رغبتي الصادقة في احلال السلام بين اسرائيل والفلسطينيين بعد ان كنت نشيطا في حركات السلام الاسرائيلية خلال التسعينيات.
لقد تصاعدت في الاونة الاخيرة حدة الجدل الاعلامي والشعبي حول قضيتكم وحق عودتكم الي بيوتكم داخل اراضي اسرائيل 1948. وفي الواقع, كلما اقتربت المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين من نقطة الحسم هناك من يثير موضوع اللاجئين علما منه ان مجرد طرحه على طاولة المفاوضات يعرقلها ويوقفها ويعيدها الى المربع الاول لان الاسرائيليين يرفضون حتى التعرض لموضوع اللاجئين. لماذا؟ لماذا ترفض اغلبية المجتمع الاسرائيلي اليهودي الساحقة حتى الاعتراف بمسؤولية اسرائيل عن مشكلتكم؟ لماذا لم ولن يشترك اي من دعاة السلام الاسرائيليين في اي فعالية هدفها تحقيق ما يسمى بحق العودة حسب التفسير الفلسطيني لهذا الحق؟ ما هي العلاقة بين استعداد يوسي بيلين للقبول بعودة بعضكم الى اسرائيل وإقصائه الي سلة المهملات السياسية الاسرائيلية وهو اليموم وربما الى الأبد أقصى ما يمكن من مواقع اتخاذ القرار في اسرائيل؟
هذه السطور موجهة اليكم والى جميع الناطقين بالضاد رغبة مني في تسليط الضوء على أهم نقاط طريقة التقكير الاسرائيلي الجماعي فيما يخص هذه المسألة:
1. مصدر قضية اللاجئين في المنظور الاسرائيلي هو غزو جيوش سبع دول عربية الى اسرائيل يوما واحدا فقط بعد اعلان استقلالها والحرب الضروس التي اعلنتها تلك الدول ضد «الكيان الصهيوني» الشاب. وهناك العديد من الشهادات والأدلة عن النداءات التي اذيعت من محطات الراديو العربية والمنشورات التي تم توزيعها في حيفا والتي نادت الجماهير العربية بمغادرة فلسطين لمدة اسبوعين او ثلاثة اسابيع حتى تنتهي تلك الجيوش العربية الجرارة الجبارة من القضاء على اليهود في فلسطين وبعدها سيرجع الفلسطينيون الى ارضهم منتصرين غانمين. فحسب الرؤية الاسرائيلية مَن اعلن حربا وغزا دولة ثم انهزم في حربه هذه عليه ان يتحمل نتائج أخطائه ويمنح المأوى لمن دعاه لمغادرة بيته او هرب الى اراضيه جراء حربه الخاسرة ضد دولة آمنة لم تعتد عليه. ولهذا فان مسؤولية خلق مشكلة اللاجئين تقع على عاتق الدول العربية التي غزت اسرائيل فعليها ان تحل هذه المشكلة في مساحاتها الواسعة.
2. هناك احساس عميق في نفوس الاسرائيليين ان هؤلاء الذين هربوا من اسرائيل عام 48 فعلوا ذلك خشية منهم من ان تفعل اسرائيل بهم ما كانوا هم سيفعلونه باليهود لو كانت نتائج الحرب عكس ما كانت. او بتعبير اخر - حسب العادات والتقاليد السائدة في المحيط العربي الجانب المهزوم يتعرض للقتل والمجازر وكان الكثير من سكان فلسطين يخشون من ان يتصرف اليهود بهم حسب الاسلوب المتبع بين العرب, وبسبب هذه الخشية النابعة من عقليتهم الجماعية ومن العادات والتقاليد الخاصة بهم هربوا الى المأوى في الدول المجاورة. فهل يُتوقع ان تتحمل اسرائيل مسؤولية العادات والتقاليد العربية؟
3. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 45 كانت اروبا مغطاة بما لا يقل عن خمسين مليون لاجئ من كافة الامم الاوربية, وبعد مرور ست سنوات لم يبق في اروبا ولو لاجئ واحد لم تحل قضيته - إما بالعودة الى بيتة او بالتوطين في المكان الذي لجأ اليه او باعادة توطينه في مكان اخر وهذه هي الطريقة الحضارية التي يجب ان يتعامل بها الانسان مع اخيه الذي شرد من بيته. اما الدول العربية فأبقت اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات أكثر من 55 سنة, بلا حقوق وبلا خدمات وبلا كرامة وخاصة في لبنان حيث ما زال القانون اللبناني يحرم اللاجئ الفلسطيني من حق ممارسة ما لا يقل عن 73 مهنة لمنعه من الانخراط في الاقتصاد اللبناني ولتحريمه من كسب قوت بيته بصورة مشرفة ولتمكين المتخمين اللبنانيين من استغلاله ماديا وابتزازه معنويا حتى يأتى اليوم لقذفه على اسرائيل. فهل تعتبر هذه المعاملة معاملة بشر؟ لماذا لم يستوعب العرب اخوانهم العرب؟ وحينما يقارن اليهودي الاسرائيلي مجتمعه الذي استوعب ملايين اليهود الذين هاجروا او لجؤوا الى اسرائيل منذ تأسيسها بالمجتمعات العربية التي تأبى ان تستوعب الاخوة اللاجئين العرب الفلسطينيين فهو يتساءل: أين الخلل في العقلية العربية؟ وهل هذه المعاملة نابعة من تعاليم الاسلام او من العادات والتقاليد البدوية التي ما زالت تتحكم بطريقة التفكير العربية؟ وهل نحن الاسرائييليون علينا ان نتحمل عواقب النفسية العربية المشوهة التي ما زالت اسيرة منطق «انا وأخي على ابن عمي» ولا تسمح للعربي باستيعاب اخيه العربي الفلسطيني, وهو مسلم مثله - اخوه في الله - في غالبية الاحوال؟ أليس المخيم الجديد الذي تم انشاؤه مؤخرا للفلسطينيين الساكنين في العراق دليلا على ان هذه العقلية المشوهة ما زالت تتحكم بالعقلية العربية؟
4. اليهودي الاسرائيلي يتساءل: أليست معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية طيلة الست والخمسين السنة الماضية جزءً لا يتجزأ من الاسلوب العربي المشهور لاحترام حقوق الانسان المتمثل بالمقابر الجماعية وزنازين التعذيب وقطع الرقاب واختفاء المعارضين وكم الأفواه وهتك أعراض الرجال وتدنيس كرامة النساء وغيرها من اساليب القمع الجماعي والاضظهاد الفردي؟ فقبل ان يوجهوا الى اسرائيل المطالبة باحترام حقوق اللاجئين على الحكام العرب ان يسجلوا أنفسهم للدورة الأولى للمبتدئين في مدرسة حقوق الانسان التابعة للحضارة المعاصرة, لأن الاسرائيلي يعلم يقينًا ان الحكام العرب كلما يتفوهون بحقوق اللاجئين ليست نيتهم إلا ابتزاز العالم وجميع شعاراتهم عن القتال حتى النصر واستعادة حقوق اللاجئين ليست إلا لتبرير اساليب قمع شعوبهم في خدمة مصالحهم الشخصية.
5. لا يختلف اثنان من اليهود في اسرائيل ان عودة لاجئين جماعية الى داخل اسرائيل ستقضي على الهوية اليهودية للدولة اليهودية الوحيدة في العالم وستكون بمثابة انتحار جماعي للمجتمع اليهودي في اسرائيل. وليس من العدل المطالبة من المجتمع الاسرائيلي اليهودي ان ينتحر بأسره بغرض حل مشكلة يمكن حلها بتعويضات عادلة دون ان تشوه الهوية اليهودية لاسرائيل.
6. عودة جماهير اللاجئين الى ديارهم داخل اسرائيل 1948 هو تدوير عجلة التاريخ الى الوراء مثل عودة الأسرة الهاشمية الى الحكم في الحجاز او في بغداد. القصد وراء عودة اللاجئين هو اعادة فلسطين بكاملها الى أيدي العرب بمعنى إزالة دولة اسرائيل اليهودية من خارطة الشرق الأوسط بعد أكثر من نصف قرن منذ تأسيسها وبعد ان اثبتت الحروب متانة كيانها. فهل يعقل ان يوافق أي من اليهود على ازالة دولتهم بواسطة ادارة عجلة التاريخ الى الوراء؟ هل حدث في التاريخ ان دولة تخلت عن كيانها بغرض إشباع رغبة جمهور يسكن خارجها أكثر من خمسين عاما ومعظمه لم يولد فيها؟
7. ان الكثير من الذين لجؤوا عام 48 من اسرائيل كان اصلهم من الدول العربية القريبة والبعيدة الذين انتقلوا الى فلسطين خلال العشرينيات والثلاثينيات وحتى الاربعينيات من القرن العشرين بحثا عن العمل في المستوطنات اليهودية التي تم انشاؤها في تلك الفترة. فإلى اين يحق لعائلة اسمها «المصري» او «الطرابلسي» ان تعود؟ وإلى اين يستحق العودة هؤلاء «الفلسطينيون» الظاهر عليهم وهم لا ينفون انهم انتقلوا الى فلسطين قبيل 1948 من السودان او من ارمنيا؟
8. ولو افترضنا على سبيل المثال عودة ابناء عائلة لاجئين معينة من مخيم الراشدية في لبنان الى ترشيحا (قرية عربية داخل اسرائيل) وهم يستحقون طبعا ان يتقاسموا بيت جدهم مع أقاربهم الذين ورثوه وقطنوه طيلة الست والخمسين السنة الماضية. فهل يمكن تصور ماذا سيحدث بين الأقارب ورثة الجد في هذه الحالة؟ هل تكفي مقبرة ترشيحا لدفن نتائج هذا اللقاء العائلي «الحميم»؟
9. ولو افترضنا موافقة اسرائيلية على عودة جزء من اللاجئين مقابل إغلاق ملف اللاجئين بصورة نهائية (وهذا ما اقترحه بيلين في محادثات طابا) فهل هناك شخص فلسطيني واحد يجرؤ على انتقاء اللذين يحققون العودة فعلا ويقرر من سيبقي في مخيمات الشتات؟ ماذا سيكون مصير العلاقة بين رأس هذا الشخص وكتفيه؟
10. الاسرائيلي العادي يتساءل: هل هناك حق عودة لشعب لم يأت ذكره في اي كتاب طُبع قبل سنة 1910 أي لم يُعرف قبل أقل من مائة سنة؟ واذا كان هناك اليوم شعب فلسطيني فهو - مثله مثل الشعب الأردني والسوري - خليق التطورات الديمغرافية والسكانية والثقافية والسياسية والدولية التي مرت فيها منطقة الشرق الاوسط برمتها خلال القرن العشرين, بينما ورد ذكر اليهود وعلاقتهم بأرض اسرائيل منذ اكثر من الفي سنة في العديد من الكتب القديمة اليونانية والرومانية والبيزنطية والفارسية, وفي مخطوطات على الجدران في بابل ومصر القديمة, وحتى في كتاب الله تعالى, من هم اللذين قال موسى عليه السلام لهم «ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم»؟ هل قال ذلك لليهود الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم مئات المرات ام للفلسطينيين الذين لم يعثر لهم على ذكر ولو مرة واحدة في كتاب الله تبارك وتعالى؟
11. الحالة السائدة في العالم اليوم هي انه ليست هناك دول تريد استيعاب اليهود الاسرائيليين حتى ولو أبدوا الرغبة في الهجرة الجماعية اليها. فهل يُتوقع من اليهود ان ينضموا الى أسماك البحر أو يبحثوا مكانا آخر لهم على القمر أو على المريخ؟
12. هناك العديد من المواطنين اليهود في اسرائيل الذين أتوا اليها من الدول العربية مثل العراق ومصر والمغرب وليبيا فالاسرائيلي ينظر الى ما حدث مع هؤلاء اليهود بمثابة انه استبدال السكان مثلما حدث في كثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية. وكما ان الدولة اليهودية استوعبت اللاجئين اليهود فعلى الدول العربية ان تستوعب بالمقابل اللاجئين العرب. أضف الى ذلك ان تلك الدول العربية قد صادرت معظم ممتلكات اليهود بعد ان حرمت عليهم إخراجها أو بيعها وتمت مصادرة الأموال والممتلكات من هؤلاء اليهود بذريعة انها ستوظف لصالح اللاجئين الفلسطينيين. فأين هذه الأموال؟ ولماذا لم توظف في استيعاب اللاجئين في الدول العربية؟
13. كلما يتكلم اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم التاريخي في أرض اسرائيل يتزايد عدد الاسرائيليين الذين يؤيدون عودة جميع اللاجئين العرب بما فيهم الفلسطينيين الى المكان الأصلي الذي خرجوا منه في القرن السابع للميلاد ألا وهو الحجاز فهل هناك من ينكر ان العرب فتحوا البلدان الاخرى قادمين من شبه جزيرة العرب في تلك الحقبة التاريخية؟ هل بدأ التاريخ في 1948؟ فإلى اين يحق لهم تاريخيًا ان يعودوا؟ ألا تحق لهم العودة الى المساحات الشاسعة لجزيرة العرب المشبعة بالكميات الهائلة للنفط التابع تاريخيا للفلسطينيين كونهم عربا كما يتبع للعرب الآخرين امثال آل سعود؟
واذا اخذتم, أيها القراء الكرام, هذه النقاط مجتمعة لفهمتم المنطق الذي يقوم عليه الرفض الاسرائيلي القاطع للاعتراف بمسؤولية خلق مشكلة اللاجئين ومن ثم انعدام نية اسرائيل لحلها على اراضيها. فالسؤال الموجه منذ ستة وخمسين عاما الى اللاجئين والى الجمهور الفلسطيني والى الشعوب العربية كافة هو: ما هو المصير الذي تُعِدونه للجيل الناشئ للاجئين؟ هل ترسمون لهم مستقبلا ملونا بالمعاناة والمشقة والحلم عن بيت زال الى ما لا رجعة؟ أم تخططون لهم الجهاد الى يوم الدين؟ ألم يحن الوقت للكف عن النبش في قبور الماضي وللبدء في بناء المستقبل علي اسس من الواقعية والعقلانية؟
هناك في اسرائيل الكثير من دعاة السلام مثلي ونحن كنا الذين دفعوا عجلة السلام طيلة سنوات اوسلو رغبة منا في تقسيم البلاد مع الفلسطينيين واقامة دولة فلسطينية لتكون تجسيدا لتطلعاتهم الجماعية القومية والوطنية. ولكن ليس هناك داعية سلام واحدٌ في اسرائيل يوافق على التضحية بدولة اسرائيل وبكونها دولة الشعب اليهودي على مذبح تحقيق آمال اللاجئين مهما كانت مبرراتها. اليهودي الاسرائيلي علي اتم القناعة بأن ليس شيء أعدل وأصدق من دولة يهودية تكون لليهودي الذي طال اضطهاده في مشارق الأرض ومغاربها مأوًى وملجأ على أرض أجداده وآباءه وان الهدف الحقيقي وراء عودة اللاجئين الفلسطينيين هو ازالة هذا المأوى اليهودي الوحيد. اليهودي الاسرائيلي يرغب في العيش في دولة خاصة به وحين يُتهم بالعنصرية لمجرد هذه الرغبة فهو يتساءل: هل "مصر للمصريين" و"العراق للعراقيين" و"سوريا للسوريين" أقل عنصريةً من "اسرائيل للاسرائيليين"؟
وبما ان اسرائيل هي دولة ديمقراطية فلا تتمكن اية حكومة من ان تفرض على الشعب الاسرائيلي ما لا يرغب فيه لأن هذا الشعب مقتنع تماما بالنقاط الواردة بعاليه. فحتى لو اقتنع هذا السياسي او آخر حتى بإعادة عدد قليل من اللاجئين فلا بد من ان يكون مصيره السياسي في اعماق سلة المهملات السياسية الى جانب يوسي بيلين لأن الشعب الاسرائيلي يعلم جيدا ان إعادة اللاجئ الواحد ستؤدي الى تنفيخ الأحلام عند الآخرين وستكون إعادته لا محالة دعوة للضغوط وبداية الأعمال التخريبية التي تهدف الى إعادة المزيد منهم حتى آخرهم. ولهذا فإن الجمهور اليهودي يشكل صفًا واحدًا وسورًا متراصًا ضد أي كلام عن تنفيذ حق العودة حتى في ما يخص لاجئ واحد.
فالخيار امام اللاجئين خاصة والجماهير الفلسطينية عامة هو بين المضي بلا أمل في طريق مسدود لا يؤدي إلا الى المزيد من الويلات والخراب والمعاناة والموت والثكل واليتم والدموع مثل ما شبعناه في كلا الطرفين طيلة السنوات الثلاث الاخيرة, أو القبول بالأمر الواقع مثل ما حدث في بعض الدول العربية والتطلع الى المستقبل بأعين مفتوحة وبعقول واعية بهدف اقامة دولة فلسطينية مستقلة ومبنية على اساس من الواقع المتضمن جارة عبرية تحرص اشد الحرص على هويتها وشخصيتها وبنيتها الديمغرافية ذات الاكثرية اليهودية.
ليس عند الاسرائيليين ادنى شك في ان كل من يتكلم عن حق العودة الى داخل اسرائيل ليس إلا بائعا للأحلام العذبة لجمهور من ذوي النفوس الساذجة الذين ينجرون وراءه الى مغارة مسدودة مظلمة من الأوهام والمخيلات التي لا أساس لها في الواقع أو في المستقبل وهي تشابه الأحلام عن وحدة الأمة العربية وإقامة دولة الخلافة الاسلامية او تسليط الاسلام على دار الحرب.
وأنا واثق بانه بمجرد اعلان الفلسطينيين تنازلهم عن العودة الى ديارهم داخل اسرائيل وقبولهم ببناء مستقبلهم في دولة فلسطين العتيدة او في الدول التي منحتهم المأوى منذ 1948 ستسقط شعبية حكومة شارون واليمين ويعود اليسار الى مقاليد الحكم في اسرائيل شريطة ان تتخذ خطوات عملية على الأرض تبرهن للقاصي والداني, للعربي ولليهودي, ان مستقبل اللاجئين هو بين اخوانهم العرب, إما في الدولة الفلسطينية او في دول الجوار.
هل هذا حلم؟ ربما, ولكنه الواقع على الأرض منذ 55 عاما, وأنا متأكد من انه سوف لن يتغير في المستقبل القريب او البعيد, طالما كان اليهود أولي الأمر في اسرائيل. فإذا كان رسم المفتاح المتبع في رسومات الكاريكاتير الفلسطينية وفي أيدي الأطفال في المظاهرات تعبيرا لذكرى ولأمل فليس عند اي اسرائيلي شيء ضده ولكن اذا كان هذا الرسم تعبيرا لهدف واقعي يحول دون التقدم على طريق السلام ما لم يتم تطبيقه فعلا على الأرض فليس هناك - وللأسف الشديد - أي أساس لأية خطوة جدية نحو حل المشاكل بين اسرائيل والشعب الفلسطيني.
أنتم - أيها اللاجئون - تعلمون جيدا ان الدول العربية تبنت الرؤية الواقعية وتنازلت فعلا عن المطالبة بعودتكم, وإن كان هناك من ينادي بعودتكم الى دياركم فليس هذا الا ضريبة كلام منه لتغطية حقيقة نواياه التي لا علاقة لها بمشكلتكم. لقد عبرت عن هذه الحقيقة المرة رسامة الكاريكاتير الفلسطينية المشهورة أمية جحا في جريدة القدس في 10 سبتمبر 2001 عندما رسمت الولد الفلسطيني يسأل جده اللاجئ: «يا جدي ليش لليوم عايشين لاجئين؟» اجابه الجد أبو عائد: «ها كيف بدها تعيش الانظمة العربية يا بني؟» وإذا كان هذا الوضع عند العرب فما هو الذي تتوقعونه من الاسرائيليين؟ ان يكونوا متفهمين ومتضامنين مع اللاجئين أكثر من اخوانهم العرب؟
هناك الكثير ممن يتكلمون عن الجهاد حتى يوم الدين بهدف العودة وخاصة في رأس منظمتي حماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني, وحتى السيد زكريا الأغا صاح في احدى المظاهرات في بداية 2001: "إنها لثورة حتى النصر والعودة" فالسؤال الموجه اليه والى الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ومحمود الزهار والشيخ نافذ عزام وعبدالله الشامي وباقي السادة الذين يرسلون ابناء غيرهم الى الموت هدرًا, ما هو المستقبل الواقعي والحقيقي الذي ترسمونه لأطفال شعبكم؟ هل هذا المستقبل هو شهادة الطب او الهندسة او الفيزياء او الرياضيات او غيرها من شهادات علوم الحضارة ام هو الشهادة في سبيل حلم لن يتحقق الى يوم الدين؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. مردخاى كيدار
محلل سياسي ومحاضر في قسم الدراسات العربية في جامعة بار-إيلان الاسرائيلية.
#مردخاى_كيدار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟