أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احسان الطرابلسي - طه حسين وشاكر النابلسي في زورق الليبرالية أمام عواصف الدهماء















المزيد.....

طه حسين وشاكر النابلسي في زورق الليبرالية أمام عواصف الدهماء


احسان الطرابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 872 - 2004 / 6 / 22 - 07:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القنبلة التي فجّرها شاكر النابلسي يوم الثلاثاء الماضي 15/6/2003 على شاشة قناة الجزيرة في برنامج "الاتجاه المعاكس" كانت قنبلة مدوية تناثرت شظاياها في كافة أنحاء العالم العربي بدليل هذا السيل الهائل من التعليقات عليها بين مؤيد ومعارض، ساخط وراض، ناقم ومرحب. لقد كان شاكر النابلسي في هذا اللقاء شجاعاً شجاعة طه حسين في عام 1926 عندما أصدر كتابه المدوي (في الأدب الجاهلي) الذي نسف فيه جملة من اليقينات والثوابت وأحالها للنقد العلمي الموضوعي الدقيق، وذلك لأول مرة في تاريخ الثقافة العربية المعاصرة. وقد قامت زوبعة ثقافية شديدة ضده من رجال الدين، ومن السلفيين المحنطين الذين كانوا يُحكمون بحكم الأموات في القبور.

وفي ذاك الوقت، اتهم طه حسين بأنه يمثل الثقافة الغربية، والفرنسية على وجه الخصوص، وبأنه عميل للمخابرات الفرنسية، وبأن زوجته كانت صهيونية جاسوسة، وبأن طه حسين هو وليد الثقافة الغربية الفرنسية التي تسعى إلى تقويض الثقافة العربية، وبأنه ضد العروبة والثقافة العربية، وينادي بأن تنضم مصر إلى حضارة البحر الأبيض المتوسط لا إلى الحضارة العربية كما قال في كتابه (مستقبل الثقافة المصرية)، وأنه من المتهافتين على نظريات الغرب، وبأنه ملحد وكافر وخارج عن الملة. ومن رجال الدين من أجاز اهدار دمه، ولقد هوجم طه حسين منذ اليوم الأول إلى آخر يوم في حياته. ولم تتوقف الحركة الأصولية السلفية عن متابعته وكشف شبهاته ودحر مخططه، وجاءت هذه الردود الصاعقة على ألسنة أناس - لا يزال منهم أحياء - فضلا عن معاصريه أمثال الرافعي ومحمود شاكر وزكي مبارك وغيرهم. وتساءل الأصوليون: هل يمكن أن يكون طه حسين عميدا للأدب، وهو يزدري الأدب والأدباء، أو قائدا لثقافة أمة، وهو منكر لمفاهيمها، ولا يدين لها بالولاء، أو مفكر لا يثبت أي شيء، ويثير من حوله الشكوك والسخريات والأحقاد ؟

وتساءل السلفيون قائلين: كيف يمكن أن يكون موضع القيادة وموضع الثقة من يقول : "إن الإنسان يستطيع أن يكون مؤمناً وكافراً في وقت واحد، مؤمناً بضميره وكافراً بعقله ؟ هذا مفهوم كنسي غربي مسيحي يرفضه الإسلام وينفر منه".



*

وعندما هوجم طه حسين، كان الشارع العربي والمصري ضده بفضل سيطرة المؤسسات الدينية عليه، وبفضل مجموعة من المثقفين والكتاب السلفيين كالرافعي وزكي مبارك ومحمود شاكر وشيخ الأزهر أحمد خضر حسين الذي أصدر كتاب (نقض الاسلام وأصول الحكم) وصدّره بإهداء إلى (خزانة حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر الأعظم) ورجاه بأن: (يتفضل عليه بالقبول، والله يحرص على ملكه المجيد، ويثبت دولته علي العز والتأييد). كذلك وقف حزب الوفد الليبرالي من طه حسين موقف المهاجم، واتهم سعد زغلول طه حسين بالجنون والغفلة أمام المطالبين برأس طه حسين. وكانت الجامعة هي الوحيدة التي وقفت إلى جانبه. وحدث كل هذا، في وقت كانت فيه مصر تعيش في مناخ ديمقراطي إلي حد كبير، وكانت فيها أحزاب وقوى سياسية ليبرالية.


*



شاكر النابلسي يقود الآن معركة فكرية وسياسية حداثية وليبرالية، دون مساندة من الشارع العربي أو الإعلام العربي المنافق والمضلل لهذا الشارع، ودون مساندة من الجامعة. والحملة المسعورة التي يتعرض لها شاكر النابلسي الآن ليست بسبب مواقفه الليبرالية المشرفة من قضايا الأمة في فلسطين والعراق ولكن نتيجة للكتب الجريئة التي اصدرها من قبل، ومنها كتابه (المال والهلال: الموانع والدوافع الاقتصادية لظهور الإسلام، 2002) والذي هو في ظننا وتقديرنا أشد خطورة من كتاب طه حسين (في الأدب الجاهلي). ففي هذا الكتاب لم يهز النابلسي الثوابت التراثية المقدسة فقط كما فعل طه حسين، ولكنه اقتلع الكثير منها اقتلاعاً علمياً منهجياً.



*

التاريخ يعيد نفسه الآن، ولكن بشكل أسوأ هذه المرة، وبأكثر جهلاً وتخلفاً وعمى في البصر والبصيرة.

فالهجمة الدينية السلفية التي تعرض لها طه حسين في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين نتيجة لمواقفه الفكرية الحداثية والليبرالية الجريئة التي كانت تتلخص في أن التاريخ الغربي هو نموذج للتاريخ البشري، ويجب على البشر كلهم أن يحتذوا حذوه ويكرروه، وهذا أمر اختياري لمن يريد التقدم (نظرية طه حسين الشهيرة)، هي الهجمة نفسها التي يتعرض لها شاكر النابلسي من قبل السلفيين القوميين والدينيين نتيجة لهذه المواقف. والاتهامات التي اتهم به طه حسين من أنه صهيوني وعميل للغرب ومسوّق لأفكار المستشرقين الغربيين والاستعمار الغربي.. الخ. هي التهم نفسها التي يرمي بها السلفيون الدينيون والقوميون شاكر النابلسي الآن من أمثال رشاد أبو شاور وخليل السواحري وفاروق الوادي وعدلي صادق وغيرهم من السلفيين القوميين والدينيين.

فرشاد أبو شاور الكاتب الفلسطيني، على شاشة قناة "الجزيرة" التي يتحكم بها من جانب الإخوان المسلمون ومن جانب آخر مجموعة من البعثيين، يعلن بأن النابلسي وأمثالة من الليبراليين الجدد هم عملاء الغرب، وهي التهمة نفسها التي سبق واتهم بها طه حسين من قبل خصومه.

وفاروق الوادي الكاتب الفلسطيني، يشبه النابلسي بأنه افكاتو الشيطان، وبأنه محامي ديمقراطيّة السلاسل والاغتصاب، ( القدس العربي ، 4/6/2004)

وخليل السواحري الكاتب الفلسطيني، يصف النابلسي بمن باع نفسه للشطيان ويقول: "رجل العقود الاخيرة من القرن الماضي لم يعد هو رجل العقدين الاخيرين، بعد ان ترك عمله في المهجر السعودي وسافر إلى المهجر الامريكي حيث تباع الذمم وتشترى في سوق المزاد الاعلامي" (الدستور الأردنية، 17/6/2004).

وعدلي صادق الكاتب الفلسطيني، يصف شاكر النابلسي بأنه "الخبير الأمريكي، الذي يقرأ من علي الورق، عبر شاشات الفضائيات، زاعقاً، في تحميل المسؤولية عن تردي الأوضاع الدولية، وعن تفاقم أزمة التسوية، للسلطة الفلسطينية ورئيسها!" (القدس العربي 22/3/2004).

وسعادة خليل الكاتب الفلسطيني، يصف الليبراليين الجدد ومنهم شاكر النابلسي بأنهم حاقدون وموتورون وهلاميون، وعفريتهم اسمه العروبة والوحدة العربية والقومية العربية (إيلاف 20/6/2004).

وهؤلاء جميعاً من (أزلام) ياسر عرفات، ومن آكلي خبزه، وشاربي مرقه.

وهناك عشرات الكتاب في مواقع الانترنت يهاجمون شاكر النابلسي ويرمونه بأقذع السباب والشتائم ويرمونه بالعمالة والصهيونية والخيانة.. الخ.



*

فلماذا ما زال العقل العربي حتى الآن مفتقداً عند معظم الانتجلنسيا؟

ولماذا ما زالت طبقة المثقفين الرثة حبيسة شعارات بادت وخطابات ماتت، ولم تعد تصرف الآن في أي بنك من بنوك السياسة العالمية. انها شيكات سياسية بدون أرصدة، كما قال شاكر النابلسي بالأمس على شاشة قناة الجزيرة؟

إن الجواب على هذين السؤالين يكمن في أزمات عدة ما زالت تفترس العقل العربي. منها أزمة التعليم وسيطرة التعليم الديني الظلامي، وكبت حرية التفكير والرأي الآخر، وسيطرة المجتمع العسكري العربي والمجتمع القبلي، وتفشي الفساد، وصعود الديكتاتوريات العربية الوراثية.

إن نظرة سريعة على المشهد العربي العام هذه الأيام، يجعلنا نترحم على المجتمع العربي في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حين كان الانسان يكفر بالله جهاراُ نهاراً، فلا يُقتل كفرج فودة وحسين مروة ومحمود طه ومهدي عامل وغيرهم، ولا يحاولون نحره كما فعلوا مع نجيب محفوظ وكما فعلوا مؤخراُ مع الكاتبة السعودية جهير عبد الله المساعد، ولا يُطرد من الأرض كنصر حامد أبو زيد، وانما يتم نقاشه فيما كفر، ولماذا كفر، وبالتي هي أحسن، كما تم ذلك مع اسماعيل أدهم (1911-1940) عالم الرياضيات المصري الذي نشر عام 1936 رسالة بعنوان: (لماذا أنا ملحد؟) فلم يُقتل ولم يُطرد من الأرض، وانما تم الاكتفاء بحواره ومجادلته بالتي هي أحسن، وبالرد عليه من قبل أحمد زكي أبو شادي برسالة بعنوان: (لماذا أنا مؤمن؟) ، وبمقالة من محمد فريد وجدي بعنوان: (لماذا هو ملحد؟) وانتهى الأمر عند هذا الحد.

ولو كان شاكر النابلسي يعيش في بلاد العرب وليس في الغرب للقيّ نفس مصير فرج فودة أو حسين مروة أو محمود طه، أو على الأقل لحاولوا نحره كما فعلوا مع نجيب محفوظ وجهير المساعد أخيراً.

فأين نحن اليوم من أمسنا المتسامح؟!

* كاتب لبنلني مقيم في كاليفورنيا.



#احسان_الطرابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احسان الطرابلسي - طه حسين وشاكر النابلسي في زورق الليبرالية أمام عواصف الدهماء