أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار عبد المنعم - عن البهجة والكآبة














المزيد.....

عن البهجة والكآبة


انتصار عبد المنعم

الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 21:16
المحور: الادب والفن
    


يخطئ من يظن أن العيد يرتبط بالأحياء والحياة فقط ، ويخطئ من يظن أن السعادة لا تأتي إلا بين الأحبة والأصدقاء الأحياء في بيوتهم الفارهة المزينة بالستائر والديكورات ، وأصوات لعب الأطفال وأغاني ليلة العيد.
بل إننا لونظرنا إلى طقوس أعيادنا ، لوجدنا أن مظاهر الفرح والسعادة فيها ترتبط كثيرا بزيارة قبورالراحلين. ومعظم شعوبنا العربية متفقة بصورة أو أخرى على زيارة الموتى قبل الأحياء في صبيحة أول أيام العيد . تلتقي العائلات حول قبرالعزيزالراحل يؤدون طقوسا متشابهة تقريبا تلتقي جميعها في أنها تعبرعن تذكرهم للراحل وأنه ما زال بينهم . وفي أحيان كثيرة تكون زيارة القبور فرصة للتخلص من الكثير من الهموم يعود بعدها الزائرون وقد استراحوا وكأنهم وضعوا أحمالهم وراءهم تحت الأرض بصحبة ذويهم. وقد تكون الزيارة سببا في المزيد من الهم والحزن تضيع معها فرحة العيد المفترضة . فشكل القبر في حد ذاته قد يكون كئيبا قابضا للنفس لا يدل إلا على الفناء والعدم ، وقد يكون شكله مبهجا وكأنه جزء من حديقة عامة . وإذا تجاوزنا مقابر مثل الأهرامات، و توت عنخ آمون وحور محب وغيرهم ونظرنا نظرة سريعة إلى شكل المقابر والاهتمام بها ، لوجدنا أن هناك صلة وثيقة بين الثقافة السائدة في أي مجتمع، ومدى اهتمامه بالمقابر كمنزلة أخيرة ومنزل دائم للمنتقل من عالم إلى آخر .
فثقافة الصحراء التي تهيمن على الجزيرة العربية مثلا تعتبر القبرمجرد وسيلة للتخلص من جثة قابلة للتحلل والتعفن، ويبدو ذلك بصورة واضحة في مقابر مثل مقابر العود ، والنسيم في مدينة الرياض ، حيث لا يتعدى القبر كونه شق أو حفرة في أرض قاسية يلقى فيها المتوفي ، لا يميز واحد عن آخر ولا بلوحة عليها اسمه . حتى مقابر المصري المعاصر وعلى النقيض تماما من مقابرأسلافه الفراعنة الذين كانوا يهتمون بزخرفة مقابرهم والاعتناء بها ، أصبح الآن مجرد بناء أصم يعلو الأرض قليلا ، أو حفرة في أرض رملية وبعض نباتات الصبار التي تزيد من جو القتامة والكآبة ، أوغرف تختلف وضعية الراحلين فيها وتبقى الكآبة والقتامة ونباتات الصبار كعوامل مشتركة . وعلى الرغم من أن الموت واحد ، إلا أن هناك مقابر تبعث البهجة في نفوس زوارها عندما يرون الزهور والورود وشواهد البيوت الأرضية البيضاء منقوشا عليها أسماء الأحباء مثل مقابر الشاطبي بالأسكندرية ،حتى يخيل إليك أن أشخاصها يبادلونك الحديث من خلف الرخام الأنيق
وفي أمريكا والدول الأوروبية تبدو مناطق المقابر وكأنها متنزهات بكل الزهور والورود المزدانة بها حيث تختلف النظرة إلى القبر ليكون مكان إقامة ترتاح فيه أجساد الأحبة بعد عناء الحياة . ومن أشهر تلك المقابر مقبرة كنيسة الثالوث بنيويورك المدرجة ضمن المناطق المسجلة كأماكن تاريخية، حيث توجد جثامين أشهر الشخصيات التاريخية وسط بساط من الحشائش والزهور والأشجار . وفي مقابر العلمين حيث دفن جنود الكومونولث والألمان والإيطاليين نجد التباين أيضا . فما إن تدخل المبنى الخاص بمقابر الألمان ، حتى تشعر بالقشعريرة عندما ترى التوابيت الحجرية ذات الألوان القاتمة المائلة إلى الأسود أو البني الداكن ، فلا أثر للجمال هناك ، المشهد جامد خال من أي مظهر للجمال ، حتى في حجرة العبادة الصغيرة الملحقة لإيقاد الشموع وتقديم الهدايا الرمزية . ولكن الأمر على العكس تماما في مقابر الإيطاليين المشيدة على هيئة مبنى عال طولي ، يقود إليه ممر طويل محاط بسياج من الزهور والأشجار. وفي داخل المبنى الرخامي الأبيض تصطف رفات الجنود فوق بعضها خلف الحائط الرخامي ، لكل جندي قطعة خاصة به عليها اسمه وبياناته . وعندما توقع اسمك في سجل الزيارات الضخم ، تشعر وكأنك تكتب اهداءا لصديق على قيد الحياة يقف بالقرب منك ، لا ميت ساقه حظه لكي يموت ويدفن في صحراء بعيدة عن الوطن ويصبح ذكرى في كتاب تاريخ . ومن أجمل المقابر التي تبعث على البهجة في النفوس وتذكر بالوفاء والحب ، ضريح تاج محل الذي بناه الامبراطور المغولي شاه جيهان تخليدا وحبا لزوجته ممتاز محل ، والمحاط بالحدائق وأحواض المياه والممرات الخلابة المنظر التي تبعث البهجة والسعادة . وقد وصف الإمبراطور شاه جيهان نفسه هذا الضريح بقوله:
("إذا لجأ إلى هذا المكان شخص مثقل بالذنوب، فسيتطهر من ذنوبه، كالمغفورة له خطاياه. وإذا لجأ الآثم إلى هذا القصر، فستنمحي جميع خطاياه السابقة.") .
ومن المقابر التي تبعث نوعا من الراحة والهدوء والسكون في نفوس زائريها ، "مقابر البقيع" حيث يوجد خيرة صحابة رسول الله وبعض أزواجه رغم أنها مقابربسيطة جدا وخالية من أي زخرفة أو أي شئ دنيوي.
وتعد مقابر الأرقام من أكثر المقابركآبة وأقدرها على بث الحزن ، والتي أطلق عليها هذا الاسم لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء المقبورين فيها . وهي عبارة عن مدافن بسيطة محاطة بحجارة صغيرة الحجم وبدون شواهد، ومثبت فوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولكل رقم ملف خاص محفوظ لدى الجهة الأمنية المسؤولة ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد و حياته مع السلطات الإسرائيلية التي لا تسمح بالزيارة ولا معرفة أصحاب الأرقام .
وتعتبر سياحة المقابر من أحدث الصيحات في عالم السياحة والتي بدأتها سان سالفادور بتنظيم رحلات منتظمة للقبور والأضرحة وخاصة في مدفن لوس ايلوستريس الشهير الذي يضم رفات العديد من الشخصيات السياسية ، والأثرياء ، والأدباء أمثال ارتورو امبروجي والشاعر البرتو ماسفيرير . وإن كانت القبور مكان سياحة من نوع جديد في سان سالفادور، فهي مكان إقامة دائمة ، ليس للميت فقط ، بل للأحياء أيضا ، حيث يشارك نصف مليون مصري من الأحياء موتاهم مكان اقامتهم الأبدية تخلصا من أزمة السكن التي جعلتهم يحبون ويتزوجون وينجبون ويحتفلون بأعيادهم وسط شواهد الأضرحة ، وعلى أصوات حفر القبور لا قرع الطبول.
مجلة أكتوبر العدد1723



#انتصار_عبد_المنعم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «ماركيز».. دروس فن الحياة
- الثقافة المفهوم.. والأزمة
- ادكو..من الكانو إلى نوكيا!!
- سأحدثكم عن ندا
- علاء الأسواني ودوق داركور!!
- -الصرخة-مابين كرم النجار وأم الرجال!!
- مشايخ الإنترنت!!!
- التسكع الرقمي
- قلب الكاوبوي لا يتسع لأسودين!!
- قاسم أمين ... ديور وشانيل !!
- مأزق أحمر!!!!
- سبعون جلدة وعشرون يوما حبس لمن يطالب بحقه
- وثائق
- سوزان تميم وهشام طلعت مصطفى .. قراءة مغايرة
- كوليرا تغريدة البجعة!!!
- قل لي : أوحشتِني !
- نصف جنيه وقطعة حشيش
- انتحار
- أبحث عن ذئب *ق ق ج
- إدكو ..مدينة الماء والرمال(2)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار عبد المنعم - عن البهجة والكآبة