سامر الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 856 - 2004 / 6 / 6 - 09:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كالعادة يأتي أيار و بعده حزيران ليعذبانا بقدومهما ليذكرانا بهزيمة ( النكبة ) في منتصف القرن الماضي , و هزيمة " النكسة " التي لحقت بها , و اللتان وسمتا كلعنة حقيقية مصير شعوب منطقتنا العربية لفترة لا تبدو نهايتها قريبة .
منذ ذلك التاريخ و الأمة العربية تعيش النكبات الواحدة تلو الأخرى من هزيمة حزيران إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد إلى اتفاقية أوسلو و وادي عربة إلى احتلال العراق إلى ما ستحمله الأيام القادمة من نكبات أخرى .
أسئلة كثيرة تطرح منها : لماذا هزمنا و مازلنا نهزم ؟ لماذا يعاد إنتاج النكبة في الواقع العربي ؟ لماذا انتصر و مازال ينتصر المشروع المعادي ؟
يميل أغلب الفكر العربي الذي عالج النكبة و النكبات المتتابعة إلى تبسيط أسبابها من خلال ردها إلى عوامل خارجية بحتة متمثلة بالمؤامرة التي حيكت ضدنا , و هو أمر لا يخفى على أحد , و لكن يهمل أصحاب هذا الطرح العوامل الداخلية التي أنتجت النكبات و التي لها الدور الحاسم في عملية الهزيمة المتكررة .
إن سؤال الهزيمة التي يطرح بحدة في هذه الذكرى إنما يحيلنا إلى استمرار الواقع الذي أنتج نكبة 1948 و الذي ألحق بها نكبات كثيرة .
لقد استطاعت الحركة الصهيونية عبر مسيرتها أن تحقق أهدافاً فاقت كل التوقعات أبرزها إقامة دولة " إسرائيل " و توسيع حدود هذه الدولة في حرب الأيام الستة , و بناء و تدعيم البنية الداخلية " لدولتها " على كافة المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية و التكنولوجية......... بمعنى أنها استطاعت أن تبني " دولة " حديثة .
لم تكن نكبة فلسطين خسارة عسكرية فقط بل كانت في أحد جوانبها الأساسية خسارة لبنية مجتمعية عربية مثقلة و محكومة بعدد من العوامل الداخلية التي أسست للهزيمة و مازالت هذه البنية قائمة فهي بالتالي تؤسس لتتابع الهزائم , من هذه الأسباب تخلف بنية المجتمع العربي التي تطال كافة المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و المعرفية و العلمية .... مجتمعات ما قبل وطنية تحكمها عقلية العشيرة و العائلة . بالمقابل كانت الحركة الصهيونية قد أعدت مجتمعاً منظماً على حد كبير يمتلك مؤسسات تديريه و قوة عسكرية منظمة , إذن كان الصراع بين مجتمع متخلف على كل الأصعدة و مجتمع حديث متطور .
الواقع العربي بعد النكبة و حتى الآن لا يختلف كثيراً عن واقع النكبة , فما زالت إلى الآن العقلية السائدة في الوطن العربي هي نفسها عقلية العشيرة و العائلة و الطائفة , مازال التخلف على كافة المستويات حاضراً بقوة , لم نمتلك من الدولة الحديثة سوى بعض الأطر و المظاهر و الشكليات التي ورثناها من "الدول" الاستعمارية التي كانت تحتل الوطن العربي. بينما تطورت " إسرائيل " و استطاعت أن تنتج مجتمعاً متطوراً على الصعد كافة .
كان يحكم الحركة الصهيونية منذ بدايتها استراتيجية واضحة المعالم تسخر لها كافة الإمكانيات و الطاقات بعيداً عن الشعارات الطنانة و لذلك نجحت في بناء " دولة " حديثة على كافة المستويات . بينما عشية النكبة لم يكن العرب على المستويين الرسمي و الشعبي يمتلكون رؤية واضحة أو استراتيجية محددة لمواجهة المشروع الصهيوني , كان يغلب على مواقفهم الشعاراتية الفارغة التي تخلو من أي مضمون عملي كثير من الصراخ و قليل من العمل . و استمرت بعد النكبة إلى الآن حالة عدم امتلاك مشروع رؤية عربية واضحة و محددة الأهداف للمشروع المعادي و بالتالي نلحظ غياب مشروع مواجهة استراتيجية موحدة و كذلك نلحظ إحلال التناقضات الثانوية بين تيارات الأمة القومية و الإسلامية و اليسارية الديمقراطية مكان التناقضات الرئيسية , لقد كانت " إسرائيل " حاضرة في الزمان العربي قبل 1948 في زمن " الرجعية العربية " و بقيت حاضرة و بشدة 1967 في زمن " الثورية العربية " و بقيت حاضرة إلى الآن و ستبقى , لكنها بحضورها كانت غائبة تماماً في نفس الوقت كانت حاضرة في كل عدوان و هزيمة في خطابنا العلني و أهدافنا العامة , و لكنها لم تكن موجودة في منهجنا و معايير عملنا , لقد رسمنا لإسرائيل صورة كما نريد لا كما هي في الواقع . لقد احتفظنا لأنفسنا بصورة ثابتة عن " إسرائيل " الشيطان – الشر و لم نولِ أهمية لمضمون متحرك كانت تأخذه تبعاً لكل مرحلة .
لم تكن كذلك حال المشاركة الشعبية و الديمقراطية بمفهومها الشامل عشية النكبة بحال أحسن منها بعد النكبة و إلى الآن , فقد كانت غائبة و مازالت على كافة المستويات الرسمية منها أو حتى على مستوى الحركات السياسية العربية على اختلاف مشاربها , مما عكس نفسه بالنتيجة مؤدياً إلى غياب المجتمع المدني و الحركات الاجتماعية مما أسهم عملياً في عزل الجماهير العربية عن معادلات المواجهة .
إن مراجعة علمية لحالات الهزيمة المتكررة تحيلنا في أحد أوجهها الأساسية إلى حالة الانفصام بين المستويين الرسمي و الشعبي تلك التي حيدت فيها الجماهير لتعيش حالة من السلبية و عدم المبالاة إزاء قضاياها المصيرية و أصبحت مشغولةً بهمومها اليومية المتراكمة في ظل أنظمة تولوتارية قمعية .
و ليست حال الحركة الشعبية و حواملها السياسية بأحسن من السلطات الحاكمة فهي تعاني من ضعف يطال بنيتها و فكرها و سياستها و كذلك ضعف الممارسة الديمقراطية داخلها و غياب التجديد و الحيوية كل هذه الأمور أدت إلى فقدان الجماهير ثقتها بها و بالتالي ابتعادها المتزايد عن الانخراط في العمل السياسي .
إن نقد النكبة و النكبات المتلاحقة يتطلب أولاً نقد أسباب استمرارها و العمل على تأسيس واقع جديد كمقدمة أولى نحو صياغة مشروع مواجهة حقيقية تستنهض فيه طاقات و إمكانيات المجتمعات العربية بصورة شاملة لمواجهة التحديات كي لا نبقى مجتمعات أزمة تتراكم و لكي لا تتكرر النكبات .
#سامر_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟