أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهيجة حسين - رسالة أخيرة














المزيد.....

رسالة أخيرة


بهيجة حسين

الحوار المتمدن-العدد: 854 - 2004 / 6 / 4 - 05:04
المحور: الادب والفن
    


اليوم استيقظت كعادتي من نومي في الثامنة صباحا، وكعادتي أيضا مددت ذراعي لأتحسس بأصابعي أطراف الملاءة، وأضغط عليها بشدة وأنا أقول لك ((صباح الخير)). ومن سريري إلى المطبخ لأمارس طقوسي الصباحية، أضع البراد على البوتاجاز، وشريحة توست في التوستر، وأعود الى حجرتي لأقف أمام المرآة أمارس رياضتي اليومية على أنغام أغاني اذاعة الشرق الأوسط، وأنا أمام المرآة أنهيت الدقائق الأخيرة في طقوس بـ((أحبك قدرما أحب هواء الصباح)).
اليوم استيقظت من نومي في الحادية عشرة، قفزت من فوق سريري إلى الحمام، وضعت نفسي أسفل ((الدش)) حتى أفيق فقد خرجت زوجتي إلى عملها في السابعة صباحا ولم توقظني، وربما فشلت في محاولة ايقاظي، آه لو كان عملي يبدأ في الثامنة لأصبحت عاطلا منذ تخرجي.
"مساء الخير" متى عدت من عملك؟
امنحني دقائق لأجهز قهوتنا وأعود اليك ما رأيك في... أعرف أنك لا تحبين طعم الويسكي، سوف أشرب أنا ويسكي وتشربين أنت بيرة، هل لديك بيرة في الثلاجة.
- ما زلت يا حبيبتي أعيش لحظة لقائنا الأول منذ عشرين عاما. عشرون عاما لم تغادري دمي ومازلت تسكنين عظامي.
- عشرون عاما رقم لا يعني إلا أنك أنت ساكن هذه السنوات، أنت يا من تعيش بين جلدي وعظامي، واتنفس وجوده.
- أحبك.
- أحبك وأنتظرك.
- الى متى ستنتظرين؟
- لا أرتوي من انتظاري، ولا أعيش الا به ولك.
- قسوة شديدة أن تنتظري كل هذه السنوات.
- قسوة أكثر ايلاما أن أعيش بدون معنى انتظاري لك، أتعذب بانتظاري وأستعذبه، ولا يربطني بالحياة سوى رسائلنا.
- طفلتي الجميلة، ما زلت أنت طفلة الأمس وكأن عشرين عاما لم تمر على جسدك وروحك.
- لم أكن طفلة يوم التقينا.
- نعم كنت فتاة رائعة الجمال، والآن أنت امرأة فاتنة، لم يمر عشرون عاما على شفتيك ما زالتا نديتين كأوراق الورد.
- آه يا حبيبي صوتك يلمس جسدي وروحي ويبللهما بالندى ويرويهما بمائك.
- الندى والماء منك واليك ومن فيض ليلتنا الأخيرة.
- كانت ثلاث ليال بيننا يا حبيبي، وكانت كل الحياة لجسدي الذي يرتعش لمجرد الذكرى، امتلائي بليالينا الثلاث يكفيني عمرا كاملا.
- لا تقل مساء الخير فنحن في مصر الآن ننتظر الفجر، أين كنت حتى الآن؟
- كنت في اجتماع رابطة شعراء المنفى، وسقط المطر، وأوشك الثلج أن يفلق الطرق.
- يا إلهي أعشق الثلج، عندما التقينا هناك كان الثلج يغطي الشوارع، وعندما يسقط المطر في مصر أتذكر أيامنا الثلاثة معا عشناها تحت المطر وعلى طرقات الثلج.
- ما يسقط في بلادنا العربية ليس مطرا انه رذاذ ماء يا جميلتي.
- قرأت رواية "حفلة التيس" لـ"ماريوبرجاس يوسا" يا الهي في بعض المشاهد كانت الدنيا تدور بي من بشاعة وصف ديكتاتور الدومينيكان.
- وماذا عن الديكتاتوريات العربية التي تحكمنا يا صغيرتي.
- لا فرق في الحكم ولكن الفرق في الأدب.
- أن يكتب الواقع بكل هذه الحساسية حتى يوجد واقعا موازيا فيأخذك لعالم الكاتب هذا هو الفن. أنهيت أيضا جزءي ايزابيل الليندي ابنة الحظ وصورة عتيقة.
- قرأتهما وروايتان كبيرتان ولكنني شعرت ببعض الترهل في البناء وزحام بلا ضرورة في التفاصيل.
- تذكرت الآن أغنية تقول "أكلمك لا قول لك أحبك" وقلت لنفسي ليس أكثر جمالا من أن نقضي اليوم معا زوجتي في عملها، وقرأت في صحيفة مصرية أن اليوم عطلة عندكم بمناسبة عيد تحرير سيناء. كل عام وأنتم بخير، وابلغت اعتذاري عن العمل اليوم، قولي لي ماذا ترتدين الآن.
- سأصف لك ملابس وان لم تعجبك سوف ابدلها فقد اشتريت ملابس داخلية وملابس للنوم أول أمس، أو ما رأيك لابدل كل نصف ساعة طقما من الأطقم التي اشتريتها. كم هي جميلة أشعر أن جسدي كالمرمى وانا ارتديها.
أخيرا عدت إلى بيتي واليك، اشتاق اليك، شعر رأسي وأظافري ولعابي وجلدي وملابسي والهواء الذي أتنفسه تشتاق غليك.
- هل عادت أختك من أمريكا
- نعم وقمت بدور الأم لأولادها باتقان وأنا سعيدة لأنها سافرت واستمتعت برحلتها.
- نقلنا جواد بالأمس الى مصحة لعلاجه من الادمان،
سيبقى فترة لا يتعاطى فيها الكحول ثم يعود، انها مأساتنا نحن المنفيين ولا أمل في الأفق لعودتنا لبلادنا.
- هي حقا مأساة فأنا لا أتصور أن أعيش بعيدة عن مصر وعن عالمي فيها.
- سيدتي أعتذر لك عن اقتحامي لك ولعالمك فقد فكرت كثيرا قبل أن أرسل لك رسالتي. فقد قررت العودة الى بلدي لأعيش مع أهلي.
حاولت أن أواصل حياتي هنا ولكنني لم أستطع بعد موته، كنت قد تلقيت رسالتك الأخيرة له على ((الإنترنت)) وكان قد مات. لم أتردد في أن أواصل إرسال رسائله او رسائلي اليك، فقد كنت أنا في حاجة لانتظار رسائلك، وفي حاجة لمن أتحدث اليه، وأنت كنت في حاجة لمن يكتب اليك رسائل وتكتبين اليه.
لا تسأليني متى بدأت أنا كتابة رسائله، ولا متى مات. فقد كانت رسائلنا شريكي وشريكك في وحدتنا بعد موته.



#بهيجة_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق الآلام إلى بغداد
- مصر الطاردة لاهلها


المزيد.....




- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهيجة حسين - رسالة أخيرة