أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ميساء قرعان - من ملفات المرأة والعنف















المزيد.....

من ملفات المرأة والعنف


ميساء قرعان

الحوار المتمدن-العدد: 853 - 2004 / 6 / 3 - 05:00
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إن قلق منظمات حقوق الإنسان إزاء ما يحدث في باكستان أو بقية البلدان العربية من انتهاكات لحقوق المرأة ومما تتعرض له من أنواع العنف لا ينفي عالمية الظاهرة.
مع تزايد الاهتمام بظاهرة العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا يزداد حجم الظاهرة ويزداد عدد ضحاياها المعلن عنها، أما تلك التي لم تزل وراء الكواليس فإن قالبا من قوالب العنف حال دون الكشف عنها، فنسبة لا بأس بها من النساء لايمتلكن الجرأة للمجاهرة بما يعانين من ظلم وتسلط وقسوة داخل أسوار معتقلاتهن الأسرية كما أن نسبة كبيرة أيضا من النساء قد أدمّن العنف فأصبح جزءا متمما لروتين الحياة الاعتيادية وعلى الرغم من تعدد التعريفات التي تعرضت لظاهرة العنف وأشكاله على المستوى العالمي إلا أن هنالك خصوصية تفرضها طبيعة وثقافة المجتمع على الصورة الواقعية لمفاهيم الظاهرة المدروسة ، كما أن هذه الخصوصية تملي على المهتمين أسلوب معالجة الظاهرة والتصدي لها وتنوب عنهم في تحديد الجوانب ذات الأولوية لتسليط الضوء عليها .

لذا فإنه يصبح من غير المناسب أن نولي العنف النفسي الذي قد تتعرض له المرأة اهتماما في مجتمع لم يزل فيه الضرب والعنف الجسدي وسيلة تأديب ، فالعنف بحسب مخيلتنا الشعبية ليس أقل من مستنقع دماء ، وليس أقل من توقيع بسكين على الجسد ، ومن هنا نفسر دموية الظاهرة وبحيث يبدأ دور المؤسسات المتصدية للظاهرة بعد انتهاء مراحل التشكل ، فكثيرا ما نسمع ونرى بأن فلانة من النساء قد انفجرت بعد ربع قرن من الزواج أو ربع قرن من الصمت.

إن تزايد ظاهرة العنف في مجتمعاتنا أو تزايد الاهتمام مع ما تتصف به من خصوصية لا يعني بأي حال من الأحوال بأن العنف الممارس على المرأة إحدى خصوصيات مجتمعاتنا ، ولذا فإن قلق منظمات حقوق الإنسان إزاء ما يحدث في باكستان أو بقية البلدان العربية من انتهاكات لحقوق المرأة ومما تتعرض له من أنواع العنف لا ينفي عالمية الظاهرة، وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية فقد صرحت (إيرين خان) الأمين العام للمنظمة بأن (هذا أمر لا يحدث فقط بعيدا إنه يحدث هنا ) فهنالك واحدة من كل ثلاث نساء في العالم تتعرض للعنف بالضرب أو بالإرغام على ممارسة الجنس كما يتعرضن لانتهاكات بطرق مختلفة على أيدي مقربين ، كما أوردت المنظمة بأن حوالي مليوني فتاة بين الخامسة والخامسة عشرة يرغمن على الدعارة وقد بلغ حجم نشاط تهريب النساء سبعة مليارات دولارا سنويا وهذه المشكلة لا تتعلق بالبلدان النامية فقط إن ما قد نتفق عليه هو تشابه محرضات العنف وتشابه صورة إيقاع الأذى ضمن المجتمع الواحد لكن الاختلاف غالبا ما يكمن في صورة الانفجار من معنفة إلى أخرى.

لكن فيما يتعلق بمجتمعنا ما هي صور تعرض النساء للعنف وما الذي يوصل المرأة للانفجار ؟ وكيف تعبر عن رغبتها في الخلاص ؟ وما هي وسائلها؟

** استخدام آداة حادة مثل (الموس) قد يفجر الرغبة في الطلاق

في السنة الأولى من الزواج كثيرات هن اللواتي لا يجرؤن على البوح وكثيرات اللواتي يعمدن إلى الكذب حتى على الذات وتجميل وتبرير ما قد تتعرض له من إساءة ، خوفا من وخوفا على أشياء كثيرة ، منها المقولات العشر التي قد تحملها أمها إياها استعدادا للزواج ،والتي إن صلحت فإنها تصلح لزمن غير الزمن.

إحدى حديثات الزواج وحديثات الرغبة في الطلاق قالت : كنت أرغب في الاستمرار وكان لدي طاقة لاحتمل إهاناته وسوء معاملته، لكن ما لم أعد قادرة على احتماله هو الضرب ، كما لم يكن من السهل إخفاء آثاره عن أهلي ، لم يمض على زواجي سوى ثلاثة شهور ، تعرضت خلالها إلى ضرب مبرح أكثر من خمس مرات كان آخرها استخدامه (موس ) ترك ندبا على صدري حتى الآن ، حينها أيقنت بأن استمراري معه قد يودي بحياتي ، ولم يعد لمخاوفي السابقة من الطلاق أي معنى، كل ما كان يشغل بالي هو أن أصل بيت أهلي وأسعى للطلاق.

هي الطرف الحاضر في الإشكال وهي لا تجد تفسيرا لعنف الزوج وليست معنية بتفسيره أيضا ، الدهشة والصدمة معا يرسمان ملامحها ، الفرحة بالخلاص والرعب الذي لم يزل يسكنها ، خليط من انفعالات ومشاعر تلك التي أوصلتها إليها تجربتها القصيرة زمنا والمتخمة عنفا، وهي لا تحبذ الحديث عنه غير أن في بعض ما أوردت عنه قد يكمن التفسير، لتكتمل مقولة( العنف حلقة) ، فزوجها مولود لأم متسلطة وقاسية وعنيفة أما والده فقد توفي وهو لم يزل طفلا وبعد أن أورث تركته من العنف إلى أرملته، لتصدر هي بدورها وبطريقتها ما يفيض منه إلى ابنها البكر فتقع ضحيته أخرى من بنات جنسها .

لكن إلى ماذا كانت ستؤول حالة الضحية لو أنجبت أطفالا ؟ وماذا لو احتملت من أجلهم مدة ثمانية عشرعاما ؟ ماذا تفعل وقد حرمها الزوج حتى من الاتصال بهم.

** الأبناء قد يكونون سببا لاحتمال العنف وقد يتحولون إلى سلاح من أسلحته

هي سيدة في بدايات الأربعين ، مدت يدها إلى فمها بحركة من الصعب التنبؤ بما يليها وخلعت ضرسا من الأضراس الأمامية العلوية من فكها وقالت مبتدئة حديثها عما تعرضت له من عنف : جميع أسناني الأمامية سقطت في حوادث ضرب من زوجي ، وحاليا أقوم باستبدال بعضها بصناعية غير ثابته ، بعدد أبنائي الأربعة فقدت أسنان، من أجلهم صبرت وباستطاعتي أن أصبر بقية عمري كي لا أعرض أحدهم لأي أذى ، كل ما كنت أطمح إليه هو أن لا يتعرضوا لأي خبرة سيئة، وكنت أخشى الطلاق لأنه كان يتوعدني بحرماني من حقي في حضانتهم ، أصغر أبنائي في السابعة من عمرها ، كنت أبذل كل جهدي كي لا أتعرض للضرب والإهانة على مرأى منهم ،لكنه كان شرسا بدرجة لا يمكن ضبطها، خوفي من فقدانهم هو ما كان يؤرقني وكثيرا ما كنت أختنق بدموعي كي لا تؤذيهم رؤيتها ، العنف لدى زوجي حالة تتضخم بمرور الوقت ، لا يمل من توجيه الشتائم ذاتها بشكل يومي، لا يتردد في استخدام الضرب لأي سبب، في السنوات الأربعة الأولى من الزواج كان يعاملني بقسوة استطعت احتمالها ،بعد ذلك تعرض زوجي لانتكاسة مادية لم يستطع أن يتجاوزها ، وكنت أنا الوسيلة الوحيدة التي يفرغ من خلالها غضبه وإحباطه ، وطوال أربعة عشر عاما وأنا أتعرض للضرب والإهانة والتهديد بحرماني من الأولاد ، لكنني كنت أظن بأن هذا أسوأ ما قد أتعرض إليه أما التهديد فقد استبعدت أن يتحول إلى واقع ما دمت باقية على الحياة الزوجية وما دمت لا أطلب الطلاق ، لكن حدث ما لم أكن أتوقع سافر زوجي منذ سنتين إلى إحدى البلدان العربية وعرفت بأنه تزوج من أخرى ولم أفاجأ بزواجه بل على العكس باركته وكانت كل مطالبي هي أن يستمر بالإنفاق على الأبناء فلعل الزوجة الأخرى تشغله عن إيذائي ،عاد من السفر بعد مضي سنة ، وغافلني وقام بتسفيرهم خارج الأردن ، سافروا بملابسهم التي كانوا يرتدونها ، قال لي حينها بأنه يريد أن يشتري لهم بعض الاحتياجات ، وانتظرت عودتهم ولم يعودوا ولم أصحو إلا على مهاتفته لي من الخارج وحيث أخبرني بأن ورقة طلاقي ستصلني قريبا أما الأبناء فهم من حقه وسيحتفظ بحضانتهم،وبأنهم لم يعودوا بحاجتي ، لكنني أوشك على الجنون بعد مضي سنة على غيابهم ، لا تغيب صورهم عن بالي ، أفكر بهم ليلا ونهارا ، نيران تشتعل في صدري ، لم أترك وسيلة إلا واتبعتها لتقصي أخبارهم ولم تطفىء أي منها لهفتي وخوفي عليهم ، ولم يزل يحاصرني حتى في القليل الذي قد يسكن آلامي مؤخرا منع المسؤولين في مدارس الصغار من طمأنتي عليهم هاتفيا .

في حالات أخرى قد يكون الأهل أكثر قسوة من الزوج ، بعض الزوجات يحتملن العنف لقناعتهن المختبرة على أرض الواقع بأن نار الزوج كانت أقل ضررا من جنة الأهل.

إحداهن لم تتجاوز الثلاثين ، تقول : أجبرت على الزواج من ابن عمي وكان أهلي على علم بأنه الزوج غير المناسب ، لكنهم كانوا يستعجلون زواج البنات تخلصا من أعبائهن المادية ، فهم فقيروا الحال ، تزوجته وبعد أسبوع من الزواج لجأت إلى أهلي وطلبت منهم مساعدتي في الطلاق، زوجي لم يكن غير مناسب فقط بل اكتشفت بأنه (أهبل) يتصرف كالطفل ومسيطر عليه من جميع أفراد أسرته ، وبأنه محط سخرية الجميع ،لكنه يمارس رجولته معي فقط ويفرغ كل غضبه بي ويضربني في الأسبوع الأول من الزواج، لم أحتمل وقررت الانفصال ظنا مني بأنني اكتشفت ما خفي أهلي ، فوجئت برفضهم لي وبموقفهم الرافض لفكرة الطلاق ، وأجبروني على العودة ، مضى على زواجي اثنا عشر عاما وأنجبت طفلين ، أما معاناتي فأصبحت تكبر، زوجي يعمل مراسلا في إحدى الدوائر الحكومية ، يدفع كامل راتبه لتسديد ديون تراكمت عليه بسبب أصدقائه أومن يعتقد بأنهم أصدقائه ، فهو ليس لديه أي وسيلة للتواصل مع الآخرين ولا يستطيع كسب الأصدقاء إلا إذا استرضاهم بحل مشكلاتهم المادية ، يستغلونه كما لو كان طفلا يحتكم على مئة دينار شهريا ولا يحتاجها ، منذ بداية زواجي وأنا أشكو من عنف زوج أهبل وضائقة مادية ، لا أجد خبزا للأولاد وأهله وأهلي لا يأبهون بنا ، عندما قررت أن أترك البيت مع أبنائي لإنقاذهم من الموت جوعا ولإنقاذ نفسي من الضرب، توجهت إلى بيت أهلي وطلبت نجدتهم ، سارعوا إلى إرسال الأولاد رغما عني إلى بيت عمي (أهل زوجي) ، ومنعوني من العودة معهم ، خوفا علي من الجوع ...ندمت ولم يكن باستطاعتي تدارك الخطأ فبيت عمي وصموني بخروجي من بيتي أما تعذيب أبنائي فكان وسيلتهم للانتقام مني وكانوا يتعمدون أن يسمعوني بواسطة مقربين لكلا الطرفين بأن الأولاد في حالة بائسة وينامون معظم الأيام بمفردهم في البيت ويتركون بلا طعام وبأنهم ربما ينقطعون عن الدراسة وبأنهم يقومون بضربهم ، رجوت أهلي مرارا وتكرارا كي أعود بمفردي لاحتضان أبنائي وحمايتهم لكنهم لم يسمحوا لي لأن العادة تحتم على الزوج أن يبادر إلى ردي للبيت ، مضى شهران على حرماني منهم وقررت العودة بمفردي ولتكن الخطوة التي ستقطع علاقتي بأهلي وكان هذا بعد شجار طويل انتهى فيه شقيقي الأكبر إلى ضربي ، عدت إلى أبنائي وقد تملكتهم حالة من الذعر والخوف ، أما نظراتهم لي فقد كانت مشحونة بالغضب والعتاب والإدانة ، هم لا يدرون ما تعرضت إليه أما أنا فلم أكن أدري بأن لجوئي إلى أهلي كان أسوأ الخيارات ، ولم تزل حياتي بائسة ولم أزل أعاني ما أعانيه لتسكيت جوعهم ، لكنني لا أفكر وليس من المسموح لي أن أفكر بأي وسيلة للخلاص لأن أولادي هم الذين يدفعون الثمن ، أصبحت بسبب مواقف أهلي مستضعفة أكثر من قبل زوجي وأهلي ، وأصبح من غير المقبول إبدائي أي استياء تجاه تجاهلهم حاجاتي وحاجات الأبناء ، فالباب بيفوت جمل برأيهم .... والباب يتسع بمقدار رفض الأهل غالبا للمرأة المعنفة وبمقدار تنكرهم لعلاقتها بالأبناء ورفضهم إياهم مما يضطرها إلى ابتداع وسائل للتكيف مع العنف والاضطهاد ، فاحتمال العنف أو التستر عليه في أحيان كثيرة يكون بقرار مسبق من المرأة ولأسباب كثيرة منها وفائها للمقولات الاجتماعية التي تتغنى بالسترة والطاعة والصبر على الأذى لكن في حالات أخرى لا يكون هنالك سببا لاحتمال العنف سوى عدم وجود أي خيار أو مأوى أكثر أمنا أو أقل إيذاءا ، لكن ما هي الآثار النفسية المترتبة عن الاحتمال ؟ وهل باستطاعة المرأة أن تحتمل إلى مالا نهاية ؟

تشير معظم الدراسات الخاصة بالأمراض والاضطرابات النفسية لدى المرأة بأنها معرضة بنسبة أكبر من الرجل للإصابة بأنواع ودرجات مختلفة منها ولهذا علاقة مباشرة بكمية الضغوطات التي تتعرض لها والتي تضطر إلى كبتها وعدم البوح عنها ، ولذا فإن ظهورها غالبا ما يكون بمراحل متأخرة تتعدى الاضطراب لأن صمت المرأة واتجاهها للكتمان يقودانها إلى الأمراض النفسية في حالات من مثل هذا النوع قد يرتبط تعرض المرأة للعنف من الزوج مع خبرات مشابهه قبل الزواج من قبل الأهل ، وفي حالات أخرى قد يكون الاختلاف بين الخبرتين هو السبب في تفاقم المشكلة فالمعنفات من قبل الأهل يضعن في حسبانهن بأن الزواج هو طريق الخلاص ولذا فإن التوقعات المترتبة عن هذه القناعة والاصطدام بزوج أكثر عنفا من شأنه أن يضخم الشعور بالاضطهاد ،أما المدللات فمن الطبيعي أن لا يضعن في بالهن في إقدامهن على الارتباط أي توقع للتعرض لخبرات مأساوية غير أن النتيجة واحدة لدى النموذجين ، مزيد من العنف وعنف غير متوقع نحو الإحباط وتوابعه .....

إحدى المدللات وذوات التوقعات الوردية اصطدمت في بداية زواجها بسلوكيات زوجها واستخدامه كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي ، لم تحتمل وسعت إلى الطلاق وحصلت عليه ، لكنها لم تكن تمتلك أدنى درجات التحصين ضد الإساءة ، تقول :

أنا مصدومة ومحبطة ولا أشعر بأي رابط يربطني بالحياة أفكر كثيرا بالانتحار ، ماذا تبقى لي كي أعيش لأجله ؟ وماذا سأنتظر من المستقبل لم أتوقع يوما أن أتعرض لمثل ما تعرضت له ، الضرب لم أتعرض له في حياتي ، والحياة الزوجية والدفء ... لم أكن أعرف أنها هكذا ، لم أعد استطع التواصل مع الآخرين ، أكره نظراتهم إلي ، أصبحت أكره كل من حولي ، ولا أشعر بأي روابط مع أي منهم ، لا أريد تعاطفهم أو شفقتهم ، أما الشامتين فهم كثر ، جميعهم ضدي ، حتى أمي وأخواني ، أشعر بأنهم يضيقون بوجودي بينهم ، وأشعر بأنهم يحاصرونني كوني مطلقة ، أنتبه إلى كل ردود أفعالهم معي وأقارنها مع ردود أفعالهم وتعاملهم مع شقيقاتي ، هم لا يعاملونني بنفس الطريقة لأنني مطلقة ولأنني لم أزل صغيرة ولأن عيون الناس متفتحة علي ، وحتى في المناسبات والحفلات ، أشعر بأنني ملزمة بأن لا تبدو علي مظاهر الاحتفال أراعي طريقة لباسي وألواني ومكياجي بينما شقيقاتي المتزوجات وغير المتزوجات يحق لهن أن يفعلن ما يرينه مناسبا دون حسيب أو رقيب ، بين الحين والآخر أنفجر وأصرخ وتثور المشكلات بيني وبينهم وتنتهي بي إلى نوبة من البكاء الشديد ، لا أشعر برغبة بعمل أي شيء ، ولا أشعر بأن لدي دافع للقيام بأي عمل ، كل ما أفكر به هو ما آلت إليه حالي ، صدمتي بالحياة مبكرا ، تعرضي للضرب والإهانة وبأنني أصبحت عبئا على أهلي ولم أعد مدللتهم ....

لم يختلف موقف الأهل لكن عدم قدرتها على تجاوز التجربة وشعورها بالاضطهاد والإحباط هما ما يصوران لها الآخرين بصورة أعداء ، أما وقوعها تحت ضغط نفسي عالي ومتواصل فهو المتسبب بحالة الاكتئاب وما يتبعه من انخفاض دافعية وأفكار سوداوية بالانتحار والخلاص ، لكن ماذا يحدث حين تأتي الخبرة المأساوية لتتمم حلقة من حلقات العنف الأسري المتجذر في الطفولة هل تكون ردة الفعل مختلفة؟

لا شك أن المرأة المعنفة تشعر بالصدمة أيضا في مثل هذه الحالات غير أن الاختلاف غالبا ما يكون في زوال مؤثرات الصدمة سريعا ، أما مايتبقى أو يضاف فهو في ردود أفعال الزوجة ووسيلة تصديها للعنف.

ففي حين اتجهت الحالة السابقة إلى إسقاط آثار شعورها بالإحباط على أسرتها التي دللتها ، اتجهت حالة أخرى إلى استخدام وسائل دفاعية مختلفة ، وأسقطت فائض ما تعرضت له من عنف وحرمان وإساءة من قبل الأهل على الزوج وحده ، أما تصديها للعنف الزوجي فقد اتخذ شكلا عبثيا لا مباليا أو غير مسؤول وغير منظم ، فهي تتستر على الماضي بمقدار ما تفتضح الحاضر فما تتعرض له من إيذاء من قبل الزوج لم يكن على المستوى النفسي سوى محرضا على التخلص من آثار الماضي وتفريغ رواسبه لذا هي دائمة البكاء ودائمة الشكوى ولا تبالي في افتعال الإشكال الذي يحرض الزوج على ضربها ، وإذا ما سئلت عن الماضي فإنها تهرب نحو الحاضر ومآسيه ، تستعطف كل من ينظر إليها وتحاول شد انتباهه ، لكنها لا تحبذ الانفصال ، أو لا تريد أن تخسر حضورها في المشهد الذي اعتادته والذي على الرغم مما فيه من معاناة يؤدي لديها وظائف نفسية أخرى ويخلصها من عبء ذكريات الماضي .....

في مجتمعنا تظهر الاضطرابات النفسية لدى النساء نتيجة تعرضهن إلى أنواع عديدة من العنف ، أهمها التعذيب الجسدي ، كما أن ظهوره يتخذ في حالات كثيرة صورا دفاعية ، كمحاولة المرأة تعويض خساراتها مع الزوج بإحاطة الأبناء بحماية زائدة وربما مضره أيضا ، أو إسقاط معاناتها في تجربتها الزوجية على الأبناء فتتسم علاقتها بهم بالفتور ، واللامبالاة ، وربما القسوة أحيانا ، لكن الأسباب وراء تبلور آليات دفاعية غير صحية هو عدم ثقة المرأة المعنفة بوجود خيارات وحلول ووسائل فاعلة تساندها في التصدي للعنف ولا تتطلب منها تقديم تضحيات هي في أغلبها نوع متطور من أنواع العنف .



#ميساء_قرعان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد الحب ... بالأحمر كفناه


المزيد.....




- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء قصف إسرائيلي لمنزل في رفح جنوب ...
- “لولو بتدور على جزمتها”… تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر ناي ...
- “القط هياكل الفار!!”… تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 لمشاهد ...
- السعودية.. امرأة تظهر بفيديو -ذي مضامين جنسية- والأمن العام ...
- شركة “نستلة” تتعمّد تسميم أطفال الدول الفقيرة
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات من 13 إلى 19 نيسان/ أبريل
- “مشروع نور”.. النظام الإيراني يجدد حملات القمع الذكورية
- وناسه رجعت من تاني.. تردد قناة وناسه الجديد 2024 بجودة عالية ...
- الاحتلال يعتقل النسوية والأكاديمية الفلسطينية نادرة شلهوب كي ...
- ريموند دو لاروش امرأة حطمت الحواجز في عالم الطيران


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ميساء قرعان - من ملفات المرأة والعنف