احمد مولود الطيار
الحوار المتمدن-العدد: 848 - 2004 / 5 / 29 - 09:15
المحور:
حقوق الانسان
ككل الإجراءات الروتينية و البيروقراطية دأبت فروع الأمن على تقليد جديد اعتمدته منذ فترة ليست ببعيدة أسمته (الصدى) . فحوى هذا التقليد الجديد , استطلاع ومعرفة رأي الشارع من كافة القوى السياسية و الشرائح الاجتماعية
في أحداث بعينها, وذلك لمعرفة صدى المقابلة الفلانية أو الزيارة العلا نية ومدى ما تحدثه من أراء وتأثيرات في الشارع السوري. ولأن الساحة السورية و لكي نكون منصفين , ومنذ استلام الرئيس الشاب بشار الأسد مقاليد الحكم في سوريا , دبّ في أوصالها بعض من نشاط علني , من اعتصامات و منتديات .. الخ فأن كل النشطاء و الفاعلين السياسيين و الحقوقيين باتوا معروفين , لا نقول من كل المجتمع السوري , لكن من المؤكد , فروع الأمن بكافة (أطيافها) , لأنها كانت تراقب الشاردة والواردة في هذا النشاط أو ذاك . هذه (المعرفة) ارتدت ازعاجا وان كان مهذبا إن جاز التعبير , على هؤلاء الفاعلين , فأرائهم و إن كانت غير مهمة و يضرب دائما بها عرض الحائط , لكن المطلوب الدلو بآرائهم في هذا التصريح أو ذاك , في تلك المقابلة أو ذاك الخطاب , لكي يتسنى لتلك الفروع رفع تقاريرها إلى المركز دمشق لتثبت لرؤسائها أنها العين الساهرة على أمن الوطن و المواطن .
حاولت شخصيا متكئا في ذلك على شبه رأي عام , أن أعكس صدى, لما أسئل على طريقتي , لكن المطلوب صدى على طريقة فروع الأمن . حاولت أن أعكس صدى على طريقة كليلة ودمنة و زكريا تامر , إلا أنني أعترف أني فشلت .
قلت للعنصر الطيب المسحوق مثلي و الذي جاء بتكليف من رؤسائه يسأل رأيي فيما قاله السيد الرئيس لقناة الجزيرة القطرية في مقابلته الأخيرة و بعد إلحاح: والله العظيم لم أر المقابلة و لم أسمع منها شيئا , فلقد تصادف بثها وفي نفس الوقت مع مبارة بكرة القدم و على الجزيرة الرياضية لفريقي المفضل " ريال مدريد " , الذي و للأسف خرج خاسرا في تلك المعمعة الكروية 2/0 أمام ديبرتيفو لاكورونيا (أرجو أن أكون لفظت وكتبت الاسم صحيحا ) .
قال لي أرجوك أريد رأيك . قلت له : انقل ما قلته لك لمرؤوسيك .
في اليوم الذي يليه , وقبل أن يتسنى لي قراءة نص المقابلة من إحدى الصحف السورية حضر " عنصران " آخران
, كررا مطالبهما و كررت أقوالي السابقة , ثم وعدت أحدهم , أن احضر في الساعة الثامنة مساء , لأعطيك رأيي الغير مهم .
في الساعة المضروبة , كتب العنصر الطيب المغلوب على أمره , ما أمليته عليه :
بداية وقبل إبداء وجهة نظري فيما قاله السيد الرئيس في المقابلة مع قناة الجزيرة , لا بد أن أعترف لكم بأن ما تقومون به من استطلاع لرأي الشارع , فيما يجري من أحداث , مطلقين على عملكم هذا اسم (الصدى) , عمل لا يتسم بالمصداقية و ذلك لأسباب كثيرة تعرفونها أنتم قبل غيركم , فعلى مدى عقود من القمع و الرعب و الأقبية و الزنازين غلفت وطبعت أعمالكم , لن يكون باستطاعتكم أخذ رأي صريح وواضح ومباشر , والسبب هو الخوف و عدم وجود الضمانات الحقيقية للرأي المخالف و المعارض لرأيكم و إرادتكم و أهوائكم , و الدليل على ما أقول : اعتقالات طلبة جامعتي دمشق وحلب و الأحكام الصادرة بالأظناء الأربعة عشر الذين توجهوا لحضور محاضرة كانت قد ألغيت , و المعالجات الأمنية لأحداث القامشلي و عدم طي ملف الاعتقال السياسي و عدم الجدية في معالجة الفساد الذي نخر الوطن من أقصاه إلى أقصاه . لكل هذه الأسباب و غيرها الكثير , عملكم هذا لا طائل و لا جدوى منه . ارفعوا قانون الطوارئ السيف المسلط على رقاب البلاد والعباد . أطلقوا حريات لا غنى عنها لأي مجتمع يريد أخذ مكانه بين المجتمعات و الشعوب : حرية الرأي و المعتقد , صحافة مستقلة , أحزاب تتنافس لخدمة الوطن والمواطن في جو ديموقراطي تنافسي شريف , برلمان حقيقي معبر ومنتخب ...... أولئك كفلاء لخلق سوريا الحديثة . وحدهن يجلبن الرأي الصريح و الحر و الصادق و يبعدّن , التلعثم و الخوف و النفاق و الأزلام . بلا ضمانات حقيقية لن يقول الموطن البسيط دواخله .
سأقول رأيي بصراحة بخطاب أو تصريح أو زيارة لأننا القابضون على الجمر , وأخمن بأن المعتقل مآلي إن لم تعجبكم آمالي .
على مدى أربعين عاما , كل مشاكل و أزمات البلد تحال إلى الفروع الأمنية " لمعالجتها " و هذا يفضي دائما -أقولها بجزم - إلى تأجيلهاعبر الممارسات العنفية و القمعية , ولا يجادلن أحد , بأن كل أزماتنا هي أضابير صفراء مرميّة على رفوف , في أقبية , مظلمة نتنة . وعلى مدى تلك العقود الأربعة تراكمت ملفات و ملفات , تتكدس أكواما فوق بعضها البعض , مما ينذر بانفجارها بين لحظة وأخرى .
في الإرجاء و القمع , تأجيل و مراكمة , احتقان يليه احتقان . هل سنترك سوريا سائرة الى حتفها ؟؟
*كاتب سوري
#احمد_مولود_الطيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟