أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - بيار فرمران - المغاربة يحلمون باوروبا















المزيد.....


المغاربة يحلمون باوروبا


بيار فرمران

الحوار المتمدن-العدد: 169 - 2002 / 6 / 23 - 08:59
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


 PIERRE VERMEREN

  الرحيل والهجرة، هذا هو الموضوع الأهم في سلسلة النجاحات الكبرى التي تحققها المنوعات الغنائية المغربية في التسعينات. "يا رايح وين مسافر؟" هذا النشيد الموجه الى المغتربين يذكّر بهذا الأمل الطافح في الهجرة الى أوروبا أو الى كندا... وقد كان من نتائج اتفاقية شنغن في العام 1990 أنها حدّت بقوة من منح تأشيرات الدخول مما ولّد في أوساط الشبان المغربيين شعوراً بالسجن ما كانوا ليتصوروه في أوروبا الثرية والحرة. ومن هنا انفجار حركة الهجرة السرية، الى اسبانيا في نوع خاص عبر مضيق جبل طارق.

  وعبور المضيق هو مغامرة بالغة الخطورة، يتم ذلك بواسطة مراكب صيد أو "باتيراس" مزودة في الغالب محركات قوتها ما بين 40 و60 حصاناً. وتنتشر مراكز الاقلاع على طول الشاطئ الشمالي للمغرب نزولاً الى قنيطرة على أبواب العاصمة. وتدفع أعمال المراقبة المتزايدة في المضيق العابرين الى التجرؤ للمجازفة، الى درجة أن المسافة الأقرب بين اسبانيا والمغرب والبالغة 12 كيلومتراً قد تتحول مئات الكيلومترات يفترض اجتيازها من دون أن تكون خالية من الخطر، وبنوع خاص عندما يكون المكان المقصود جزر الكناري. ففي أواخر نيسان/أبريل عام 2002 مثلاً غرق مركب في مياه أغادير (عثر في وقت لاحق على جثث سبعة مغاربة).

  ولسوء الحظ، تعوّد  رجال الشرطة المغاربة والاسبان انتشال الجثث التي يلفظها البحر، وهي لرجال من العابرين رموا بأنفسهم في الماء ذعراً لدى اقتراب زوارق المراقبة، أو جثث من قضوا في غرق أحد "الباتيراس". ففي العام 2000 انتشلت في الجانب الاسباني 72 جثة فيما تحدث الناجون عن 271 حالة وفاة. وغالباً ما تسجل الصحافة المغربية هذا النوع من المآسي على الشواطئ الشمالية، ففي 26 أيلول/سبتمبر عام 1998 وقع أسوأ حادث غرق في المضيق قضى فيه 38 شخصاً، وبحسب مؤسسة AFVIC (جمعية اصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية)  تم العثور على 3286 جثة عند شواطئ المضيق وذلك ما بين العام 1997 و15 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2001، وإذا سلّمنا بأن نسبة الجثث المنتشلة بالنسبة الى المختفين هي واحد على ثلاثة، فهذا يعني أن هناك أكثر من 10000 مهاجر قضوا في المضيق خلال خمس سنوات.

  ويضاف الى ذلك الوضع المتوتر السائد حول سويتا وميليلا، المنطقتين الاسبانيتين على الشاطئ الشمالي في المغرب. فهذه الأراضي تسهل أعمال التهريب الناشطة كون المغاربة يمكنهم الدخول اليها بواسطة بطاقة الهوية فقط. ففي سويتا يسجل يومياً عبور 25000 شخص من المهربين، ولذلك تحاول سويتا أن تقيم زنار حماية على حدودها من خلال ستار حديدي مشبك ومكهرب. غير أن مراكز الحراسة تواجه ضغطاً كبيراً من المهاجرين، وخصوصاً من الأولاد الذين يرد منهم الألوف سنوياً. وفي 9 أيار/مايو صرح وزير الداخلية الاسباني، السيد ماريانو راجوي، أن "السلطات المغربية لا تبدي أي اهتمام بوضع أولادها القاصرين" [2] .

  وترى السلطات الاسبانية أن المهاجرين يأتون من كل أرجاء القارة الافريقية (وحتى من الشرق الأوسط وآسيا)، لكن دوائر الشرطة الاسبانية تؤكد أن 80 في المئة من المهاجرين هم من المغاربة. وفي كل حال، أصبح المهاجرون الأفارقة وجهاً مألوفاً في المشهد المغربي (في طنجة والرباط)، بالرغم من ظروف الحياة المأسوية. فهم يفدون من الجزائر عبر الصحراء فيتولى أمرهم عملاء النقل الذين يوجهونهم نحو تتوان أو نادور حيث يؤوونهم موقتاً في انتظار العبور، وما يحدث هو أنهم يعادون أحياناً الى الجزائر بدون أي اجراء أو معونة، والأكثر من ذلك جماعات جماعات، وهذا ما يناقض جميع الاتفاقات الدولية. وأخيراً، أخلي مخيم للمهاجرين في الجانب الجزائري من 10000 مهاجر كما ان هناك الألوف منهم محتجزون في مراكز الحراسة الاسبانية.

  وتتوافر لمن يستطيع أن يهاجر من المغاربة سلسلة واسعة من وسائط العيش، فبالنسبة الى أبناء الطبقة الميسورة تبقى الوسيلة الأضمن للتجول بحرية هي التسجيل في مدرسة أجنبية، أما بالنسبة الى طلاب المدارس الرسمية فإن الأمور تكون أكثر تعقيداً. ففي العام 2001 تقدم 14000 طالب مغربي من حائزي البكالوريا (أي ما نسبته واحد على أربعة) بطلبات الى السفارة الفرنسية في الرباط لمتابعة الدراسة في فرنسا، كما أن هناك عدداً كبيراً من الطلبات تقدَّم الى اسبانيا وكندا. وأحياناً يكون الطلب كبيراً على الطلاب المتخصصين، فنجد مثلاً أن كامل فوج اختصاصيي المعلوماتية المتخرج في العام 2001 من المدرسة المحمدية للهندسة (وهي الأكثر تميزاً في المغرب) قد توظف في الخارج. أما بالنسبة الى الكوادر المهمة فيلاحظ منذ سنوات هجرة من هم في الثلاثينات من عمرهم، من المجازين والمقيمين الذين يبيعون أملاكهم ويغادرون البلاد (أطباء ومهندسون وسائر الكوادر الخ)، والدول المفضلة بالنسبة اليهم هي كندا وفرنسا.

  وبالنسبة الى الناس العاديين فإن الأمور تبدو أقل بساطة وأكثر كلفة. فالوسيلة الأولى هي الحصول على فيزا "شنغن" وتجاوز مدة صلاحيتها. والرياضيون المغاربة هم الذين يستفيدون في انتظام من جولات لهم في الخارج كي يختفوا في الطبيعة، وفي هذا الشتاء وقع أحد اتحادات رياضة الروكبي الفرنسية في الفخ عندما أمّن عشرات التأشيرات الى ناد مغربي وهمي... والمشكلة أنه ليس من السهل الحصول على هذا النوع من الوثائق، الا أنه يمكن، بحسب مؤسسة AFVIC شراء أوراق مزورة مقابل مبلغ بين 5000 و6000 يورو (4000 الى 5000 دولار).

  والسفر بالطائرة هو أيضاً وسيلة للهجرة، فمبعزل عن الفتيات اللواتي يسافرن لتقديم خدماتهن في الخليج، يعتمد نظام العبور عبر بلد ثالث (via/via) للوصول الى أوروبا، أي أن يصار الى ركوب الطائرة الى أوستراليا أو الصين، عبر باريس أو روما، حيث يتم التسلل من المطار بالتواطؤ مع أشخاص يتقاضون بدل اتعابهم غاليا. وتكلف العملية 7000 يورو (حوالى 5500 دولار)، لكنها الطريقة الأضمن. كما تعتمد أيضاً الطرق البرية إذ هناك 100000 شاحنة تعبر سنوياً المضيق من الجنوب الى الشمال وهذا ما يوفر عدداً لا بأس به من الفرص. ففي كل أسبوع هناك في منطقة الرباط الصناعية الكثير من الشبان الذين يتزودون بعض الطعام ويحاولون ركوب شاحنات نقل النسيج، كما يمكن الحديث عن الباصات وتواطؤ السائقين (5000 يورو)، والعبور من مضيق صقلية عبر تونس (3000 يورو) او أيضاً العبور من تركيا واليونان (في آب/أغسطس 2001 قام بالمحاولة 140 مغربياً انطلاقاً  من محطة الجديدة).

  كما أن البعض يعتمد حلولاً فردية (مثل الزواج ولمّ شمل العائلة وعقد عمل في إيطاليا والسيارات العائلية الخ)، الا أن الدفق الأكبر من الهجرة السرية يتأمن بواسطة الباتيراس. أما المهاجرون فيأتون في شكل أساسي من ثلاث مناطق في المغرب تعيش حالات أزمة، من محوري نادور أوجدا في الريف، الدار البيضاء ـ بني ملال والدار البيضاء ـ مراكش، والمهاجرون الآتون من هذه المناطق الريفية لم يسبق لهم أن رأوا البحر وليس لديهم أي فكرة عن المجازفات التي يقومون بها (من شهادات الناجين).

  ويقوم مروجون محليون بتجميع طالبي الهجرة من المناطق النائية في المغرب، والأمر في منتهى التنظيم. فالمهاجر يدخل في عهدة عامل نقل محلي (ينقله بالشاحنة الى الشاطئ). هناك يؤوي أحد العملاء طالبي الهجرة الى أن يهدأ البحر، وأخيراً يقبض البحّار ( وهو في الغالب وسيط وليس صاحب المركب) ما بين 200 و300 يورو عن الشخص الواحد، وبعد أن يتم تسديد ما بين 1000 و1300 يورو الى العصابات المافيوزية التي تنظّم عمليات العبور، يلتحق "الحراقة" ( والمقصود الذين يحرقون ماضيهم) تحت جنح الظلام بالمراكب. وتدر هذه التجارة أكثر من 100 مليون يورو سنوياً على هذه المافيات، وهو ليس مبلغاً ضخماً بالمقارنة مع تجارة الحشيشة [3] .

  وفي ما بعد يؤمَّن لهم المأوى في اسبانيا في منطقة طريفة أو في جزر الكناري، وهذا ما يؤكد أن الاتجار بالبشر منظَّم على يد مافيا دولية دقيقة التركيب. وبحسب بعض الشهادات، فإن مغاربة في الخارج هم الذين ينظمون هذه التجارة بالاشتراك مع بعض الاسبان، الا أن الحجم الذي بلغته يفترض أن هناك أشكالاً من التواطؤ في الجهتين من البحر. وعلى كل حال، لم يعد أي مركب يعبر المضيق على مدى أسابيع بعد اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001... والحال أنه ليس من المقنع كثيراً أن يكون المهاجرون قد أخروا رحيلهم بسبب أحداث نيويورك.

  وتسعى AFVIC لمعرفة أسباب الهجرة السرية الا أنها تنوي أيضاً مكافحة هذه الآفة وإقامة دعوى قضائية ضد المتاجرين بالبشر، وهي تعقد في الوقت نفسه طاولات الحوار المستديرة حول الموضوع وتستفيد من دعم المجلس الأوروبي لها. وقد أجرت هذه الجمعية في العام 2001 تحقيقاً واسعاً في أوساط 600 شاب مغربي ما دون الـ30 من العمر كي تستوضح الدوافع التي تحرك المهاجرين وأسباب مشروعهم الاغترابي. وقد تمت الدراسة على ست مجموعات تتألف الواحدة من 100 شخص (من التلاميذ الصغار ومن المعاهد والثانويات والطلاب والعاطلين عن العمل والشباب العامل). وقد تبين من ذلك أن مشروع الهجرة يبدأ بالتكون منذ الطفولة ويصبح اقتناعاً ثابتاً في سن البلوغ.

  وإذا كان 85 في المئة من الأولاد في المرحلة الابتدائية يعتقدون أن وضعهم جيد، فإن نسبة أصحاب هذا الرأي هي 6 في المئة فقط بين الشبان من ذوي الدخل غير الثابت (مقابل 21 في المئة في الثانويات و25 في المئة في المرحلة التالية). وهناك نسبة 71 في المئة من الشباب ذوي الدخل غير الثابت يعتقدون أن حياتهم بائسة و8 في المئة فقط يعتقدون أن حياتهم ستتحسن فيما يرى  31  في المئة أن ذلك لن يتم (وقد تصل هذه النسبة الى 36 في المئة). وما يفسر قوة هذه الرغبة في السفر تزايد هذه الشكوك كلما تقدموا في السن. كما أن نسبة 100 في المئة من المستفتين عبروا عن رغبتهم في زيارة أوروبا معتقدين أن حياتهم فيها ستكون أفضل. وعلى هذا الأساس فإن 82 في المئة من طلاب الثانويات الذين سئلوا، عبّروا عن رغبتهم في السفر الى أوروبا، كما 94 في المئة من الشباب الذين لا دخل ثابتاً لهم (مقابل 19 في المئة فقط من الشباب العامل الذين تأمن لهم عمل) وبين هؤلاء جميعاً عبر 62 في المئة عن استعدادهم للمجازفة بالسفر كمهاجرين سريين ومن دون تأشيرات دخول...

  في العام 2001 ضبط 44841 مهاجراً في وضع غير قانوني فرحلوا أو طردوا من اسبانيا الى بلدهم الأصلي (من المغاربة والكولومبيين والاكوادوريين في الدرجة الأولى)، فيما أوقف 22984 ممن لا أوراق شرعية لهم، بينهم 21706 من المغرب. وأخيراً طرد 12976 أجنبياً، غالبيتهم من المغرب (مقابل 6579 في العام 2002) بموجب محاكمات قضائية وذلك بناء على قانون الهجرة الجديد  الذي أقر في 23 كانون الأول/ديسمبر عام 1999. وفي العام 2001 استقبلت اسبانيا، بلد الهجرة العريق الذي لم يحص فيه الا القليل من المهاجرين في الثمانينات، 1243919 مهاجراً شرعياً، 46 في المئة منهم من خارج الاتحاد الأوروبي.

  وقد أصبحت مسألة الهجرة قضية أساسية بالنسبة الى اسبانيا. والحال، فإن السفير الاسباني السابق في المغرب، السيد يورغي ديزكالار، قد أصبح رئيس جهاز المخابرات السرية الاسبانية، وهو يؤكد بدون أدنى شك أن القطيعة شبه التامة في العلاقات المغربية ــ الاسبانية، منذ استدعاء السفير المغربي في مدريد في تشرين الأول/اكتوبر عام 2001، هذه القطيعة مردها الى موضوع الهجرة وتجارة الحشيشة.

  وبحسب المجلس الأوروبي، هناك 246000 طلب تسوية اوضاع تقدم بها مهاجرون سريون في اسبانيا، ما بين 3 آذار/مارس و31 تموز/يوليو عام 2000، وذلك استفادة من موجة تسوية الأوضاع التي كانت أطلقت أخيراً. وإذا كان قد رفض 90 في المئة من الطلبات المقدمة في مراكز خفر الحدود (مقابل 50 في المئة كمعدل)، فإن المغاربة يشكلون الجالية الأجنبية الأكثر عدداً في اسبانيا، وهذا الوضع هو ما تأسف له السلطات المغربية إذ ان هناك حاجة في قطاعات العمل (127000 وظيفة غير مؤمنة في العام 2001). أما الحكومة الاسبانية فتفضل العمال من أميركا اللاتينية ومن بولونيا، وخصوصاً لمواسم الحصاد في الاندلس.

  لكن الاختلاف في معدل النمو والثروة والسكان على ضفتي المتوسط، كبير الى درجة أنه لا يساعد في تخفيف الضغط. فمنطقة كوستا دل سول الغنية تقع في مواجهة الريف اليائس، كما يتبين من إهمال منطقة قطامة التي تركت لزراعة وحيدة هي زراعة الحشيشة. وفي العام 2000 اندلعت اضطرابات ايجيدو، المدينة الاندلسية الصغيرة حيث جرت مطاردة رجل لرجل ضد جماعة "الموروس". وعندما اطلع بعض المغاربة على المشاهد عبر التلفزيون، ورأوا المقابلات مع العمال الزراعيين، عرفوا فيهم هؤلاء المغاربة المهاجرين. وإذا الصفوف في الأسابيع التالية تطول امام القنصلية الاسبانية في الرباط كما لم يسبق له مثيل...

  ويساعد الاتحاد الأوروبي اسبانيا مالياً كي تواجه هذا الدفق وتحمي حدود دول معاهدة شنغن. ولدى اعتقالها المتسللين، تسلمهم السلطات الاسبانية الى المغرب مطالبة إياه في المقابل بـ300 يورو عن الشخص الواحد، وهذا الوضع هو ما يؤلم المغرب الذي يحتج مبدياً حسن نيته وتعاونه آسفاً لأنه لا يحظى بمساعدة أوروبية.

  وقد مر الاقتصاد المغربي، بعد ثلاث سنوات من الجفاف (1998 ــ2002 ) في مأزق صعب جداً، فاذا 20 في المئة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر المدقع (أقل من دولار يومياً). وقد تبين بعد الاحصاءات الاسبانية أن 70 في المئة من المهاجرين السريين هم من العاطلين عن العمل، الا أنه يمكن اكتشاف شريحة من المجازين بينهم (محامون وأطباء...) ممن استنفدوا جميع الوسائل الشرعية للهجرة فلجأوا الى مجازفة العبور...

  في العام 2001 صرح احد الناجين من عملية عبور لمجلة "الغد" الاسبوعية المغربية قائلاً: "اسمع، إن هذا المضيق يشكل الفرصة الأخيرة، انه الحد الأخير ما بين الجحيم والعالم الأفضل المزعوم. والذين يحاولون عبور هذا الحد يعرفون ما الذي ينتظرهم. إن الممر عبارة عن لعبة، لعبة الحياة والموت". ويكمل الفكرة أحد الذي استفتتهم جمعية AFVIC : "لقد حاولت العبور بالباتيراس ثلاث مرات، فأوقفت مرة ونجوت من حالتي غرق قضى فيهما ستة اشخاص، وسأقوم بالمحاولة مجدداً، واذا متّ فسأكون شهيداً اقتصادياً! فكل ما أفعله هو من أجل عائلتي".

   في مواجهة حال اليأس هذه، لا يبقى من شك في ان الهجرة السرية تشكل صمام امان بالنسبة الى المغرب، حيث الاغتراب هو طريقة للتخلي عن النضال على الأرض. كما أنه يفتح مجالات في الدورة الاقتصادية (انخفاض معدل البطالة رسمياً في العام 2001) وينعش آمال أولئك الذين يبقون فيه. لكن، بمعزل عن هذه الظواهر الاقتصادية، فإن مسألة الهجرة السرية تذكّر بالازمة الوطنية وحتى بفشل المشروع الوطني الذي أسست له حكومات المغرب مع الاستقلال، فالامر يتعلق بأزمة معنوية اكثر منها سياسية.

  فحتى الثمانينات من القرن الماضي كان الشعب المغربي يعيش حالاً من الاكتفاء الذاتي نسبياً. وظلت جماهير المزارعين المتخلفة في منأى عن الاحتكاك بالعالم، فالراديو والتلفزيون الوطنيان كانا يحفظان الشعور الوطني بعيداً عن النموذج الاستهلاكي الأوروبي. وباستثناء النخب والمهاجرين، قلة كانوا اولئك الذين يسافرون خارج البلاد، وظل الاحتكاك مع الاجنبي محدوداً في شكل طوعي. وقد حرص الملك الحسن الثاني، بعد محاولة الانفتاح على السياحة في السبعينات، على تحديد عدد السياح  بمليون أوروبي سنوياً.

  وقد جاء انتشار الصحون اللاقطة في المغرب في أواخر الثمانينات ليغيّر في شكل جذري من تصور المغربيين للعالم. ففيما راح التونسيون يتعلمون اللغة الايطالية من على محطة الراديو والتلفزيون الايطالي (RAI)، وفيما كان الجزائريون يتابعون الأخبار الفرنسية، كان المغاربة ينفتحون شيئاً فشيئاً على آفاق جديدة. فالغرب كما كان يصوّره التلفزيون، بدأ يغريهم. وقد كان من شأن النجاح الباهر للصحون اللاقطة في الجزائر وأكثر في المغرب، في التسعينات، أنه حرّك رياح التغيير. ثم جاء دور مجموعات المحطات الفضائية في أواخر العقد لتغرق شعوباً بأكملها بدفق من الصور الخارقة وفي نوع خاص المشاهد البورنوغرافية. ولم تكن المحطات المتخصصة مخطئة، حين كانت توجه رسائلها بطريقة غير مباشرة الى مشاهديها الناطقين باللغة العربية. فالضغوط الاجتماعية الممارسة على الشباب المغربي، والاستحالة شبه المطلقة، بالنسبة الى عدد كبير منهم، أن يتزوجوا قبل الثلاثين أو الخامسة والثلاثين لاسباب اقتصادية، وجدت في كل ذلك بحراً من الرغبات.

  ومن ناحيتها، فإن المحطات الوطنية تبث برامج عن "النجاحات" التي حققها مهاجرون نجحوا في مسيرة الترقي الاجتماعية المدهشة (مثل جمال دبوز، المقاول في هولندا، والمغنية ناديا فارس أو بعض الرياضيين مثل زين الدين زيدان مثلاً). ومع عودة المهاجرين السنوية الى الوطن (5،1 مليون شخص في صيف 2001) مزودين مختلف السلع الاستهلاكية وخصوصاً السيارات اللامعة التي يصعب اقتناؤها، يفهم لماذا تبدو اوروبا وكأنها الالدورادو التي يجب اقتحام أبوابها.

  وبطريقة ما، يبدو المغرب وكأنه المكسيك بالنسبة الى الاتحاد الأوروبي. ففي العام 2001 كان عدد سكان المكسيك 100 مليون نسمة، لكن 35 مليوناً منهم تقريباً يقيمون في الولايات المتحدة (حوالى عشرة ملايين بطريقة غير شرعية، وهم يزيدون بمعدل مليون كل سنة). وحتى اليوم فإن سكان المغرب هم 70 مليون نسمة ومن المحتمل أن يكون هناك ما بين 10 و15 مليوناً منهم يقيمون في أوروبا. ويكون المعدل بالنسبة الى المغرب ما بين 5 الى 7 ملايين نسمة يعيشون في الخارج على  30 مليون نسمة (ما بين 100000 و200000 مسافر يغذون هذه الموجة). ولا يبدو ان حركة الهجرة هذه ستتوقف في المدى المنظور، الا إذا كان هناك نية في مكافحة هذه التجارة البشرية الجديدة جذرياً والتي لا يعرف لها اسم.

  وفي هذا الاطار أطلق السيد خليل جمعة، رئيس جمعية AFVIC: "ان مكافحة الهجرة السرية لا تتم على الحدود بل في أرض المهاجرين السريين وأفكارهم، ويجب أن تتم في اطار من التعاون بين الشمال والجنوب، قائم على الحوار المتوازن وليس استناداً الى الكلام الاحادي من الشمال فقط. المطلوب انتهاج سياسة وليس شرطة الهجرة. فيجب الاّ يجبَر الجنوب على الاستعطاء".

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحافي، مؤلف:

- Ecole, élite et pouvoir. Maroc-Tunisie, XXe siècle Editions Alizés, Rabat, 2002.

-  Le Maroc en transition, La Découverte, Paris, 2002.

[2] ورد في مجلة الغد، العدد 63، 11/5/2002.

[3] Pierre Vermeren, Le Maroc en transition, Poche / Essais La Découverte, 2002

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
 



#بيار_فرمران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هجوم دموي صورته كاميرا مراقبة في فرنسا.. لحظة وقوع حراس سجن ...
- ما هي أهم التجارب السياحية التي تقدمها أذربيجان في عام 2024؟ ...
- خصلات شعر تكشف سر إصابة بيتهوفن بالصمم
- -كاتيوشا الصغيرة-.. تشارك في العملية العسكرية الخاصة في أوكر ...
-  اندلاع حريق بمحطة وقود أثناء الدفع الإلكتروني.. ما حقيقة ال ...
- أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة م ...
- اتفاق الهجرة ـ ما الجديد في سياسة اللجوء الأوروبية؟
- حذارِ من استخدام عبوات الآيس كريم في تجميد أطعمة أخرى!
- محكمة العدل الدولية تبحث طلب جنوب إفريقيا إصدار أمر بوقف اله ...
- مقتل شاب فلسطيني بزعم محاولة تنفيذ عملية طعن في القدس (فيديو ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - بيار فرمران - المغاربة يحلمون باوروبا