قالت وهي تئن من جرحها اللامرئي حيث صارت تكرر بذهول كخرقاء : رماد كل شئ رماد . ولا تلبث ان تعيدها ذكرياتها الى لحظات بؤسها ليستكين القلب لدمعة حزينة سالت على خدين ناضجين , ويحاكيها شريان من القلب انتفض في يوم الاعصار حيث ضخ بمكنوناته الكاملة لجرح لا يندمل .
كانت حاضرة موتها , بل وتنتظره , عيناها لا تلبث أن تغيب في بركان احمر ذارفا حمما ساخنة تسقط على الارض كنقط ماء خرجت قبل لحظات انعدامها .
تذكرت ليلة زفافها يوم زفت الى محمود . لم يكن قرارها , بل قرار الرجال من اهلها .
تذكرت صرختها المكبوتة التي دوت بين جدران الغرفة المتهلهلة قبل ان يهدأ جسده العاري فوق جسدها العاري الا من نصفه . لقد ماتت امينة الموت الاول , لم تكن ليلة زفافها سوى ليلة موتها .
انت لي ملكي وحلالي وستكونين اما لاطفالي …. ويهدأ على صدرها ليريح نشوة كانت قد ملئت اعماقه…..
كادت ان تنطق , ان تقول شيئا عندما غمرها الذعر وتخيلت نفسها في مكان ينوس في الفراغ اللامتناهي و …. قاطع محمود افكارها عندما تابع يقول وقد احمرت وجنتاه , وشعور بالنشوة جعله فرحا منتصرا :
صحيح لايوجد فارق سني كبير بيني وبين والدك ولكننا نقاس بافعالنا كرجال . سيكون لدينا دزينة من الاطفال –وتابع مازحا – بل فريقا لكرة القدم , ويقهقه بفم مفتوح بانت كل عيوبه , صفرة اسنانه الملوثة وجسور صناعية مركبة ملئت كل واجهة اسنانه الامامية . تنصت اليه وهي تتستر على شعورها بحقد خفي غامض تكاد تحس بساعات مخاضها المبكرة ,تكاد تقتله. عرس الدم الاول انتهى تلفه علامة حمراء انطبعت على وشاحها الابيض , لقد امتطاها بأحلامه الى اعماق اعماقها .
امها تزغرد لشرف ابنتها .امه تزغرد لفحولة ابنها.وامينة تنزف دم الحياة.
قالت له امه ياابني اسمع كلام هذه العجوز فانا افهم منك بامور النساء , ولا اخفي عليك بانني لحظت بانها مثخنة بالعيوب واشعر بعجزك عن امتلاكها كاملة, فهي سارحة ووجها لاينم عن بشاشة واضحة فهي لاتقدر النعمة و انها صغيرة ويجب ان تبقى مغمضة العينين لئلا تتفتح وترفس النعمة التي وهبتها لها , وانت اعرف العارفين باولاد الحرام وما اكثرهم , (وبلهجة غضب واصرار) تتابع يجب ان تقسرها على طاعتك وتلبية طلباتك , بل ويجب ان تديرها خاتما باصبعك كيفما تشاء ووقتما تشاء.
وتأتي امها وتقبلها نحيلة ذاوية , زمن من الاحزان يفصل بين تينك اللحظتين . لحظة الحلم ولحظة الواقع . آه ياامي لماذا زوجتني ولماذا تنكئين جرحك وجرحي الآن، كنت أتندر لهذا النوع من الزيجات وكنت أرفضها، ولكننك صممت أذنيك لا تريدتن سماعي و,… تسكت عن الكلام فهي لاتستطيع ان تبوح اكثر , لا بل اسكتتها دمعة ملحة انطلقت دون استئذان . تعدل امها من البرالين الذي تلبسه وافكارا جهنمية تكاد تطير براسها انها خائفة على ابنتها ولكنها تنصحها وكأنها تعرف سرها : انها ارادة والدك ولا تستطعين ان تفعلي شيئا . الذي حصل قد حصل والستر اول طريق الايمان بل هو نصفه , والنصف الآخر انت تتصرفين به.
ثمة صوت يناديها من داخلها : العمر ما زال بأوله , والحلم هو النصف الآخر لايماني.
تذكرت جسدها الميت ولكن دما مازال يجري بعروقه وقلبا ينتفض خوفا ورعشة سرت به كلسعة كهرباء ايقظته واطلقت روحه كحمامة ودية تحلق الى شجرة اودعتها اجمل عش صنعته لقد وجدت ضالتها , وجدت حلمها الهيولي المرتج داخل بيضة كادت ان تنكسر. لا بل اتضحت لها تلك الصلة التي لاتنفصم عراها بين انكسارها وقوتها , بين داخلها وحلمها انها الحقيقة انها الارادة انها الخطوة.
لقد فهمت تفاصيل جسدها الانثوي بل وتلمسته وتحسست نهدين يانعين بارزين , تذكرت انها كانت تخجل من بروزهما فهما يحددان معالم انثوية مغرية لم تفهمها من قبل , لقد تلمست بشرة ملساء كريش نعام , انزلقت باصابعها بهدوء على جسد لم يحق لها ان تلمسه او تراه قبل ان يلمسه هو ويراه هو , تتوقف يدها فجأة , انها تشعر بالخجل…. من انوثتها …هذا هو سر مأساتها ( امي كانت تقول وتعيد القول لا تلعبي مع اولاد الجيران , الاولاد اولاد , اما البنات فهن ربات بيوت , للذكور غير ما للاناث ) لقد فهمت الآن . وقبل ان تغيب بفكرها تذكرت عيناها ان لها عينا المهرة (هكذا امها تقول) , لا بل وانتقلت بهما تتفحص فمها لترى تماسك اسنانها وبياضها النسبي تغلقه ثانية , هل خلق هذا الفم ليأكل ولا يتكلم , وهاتان الشفتان خلقتا لتكذب ام لتنطق حروف الحق . احتارت بتفكيرها , وبنفسها , ان لها بياض لم تحرقه شمس حزيران وشعر كستنائي طويل يختفي تحت حجاب الشريعة . عبثت بشعرها بحرية طفل غير مقيد _ لايوجد من ينهرها عما هي فاعلة بنفسها _ انها تتذوق معنى الحرية الكاملة . كم هي جميلة , ادلت بخصلة من شعرها على كتفها الايسر وردت الى الوراء خلف كتفها الايمن النصف الباقي وهي تردد مزهوة بنفسها : كم انا جميلة ؛.ساحفظ جسدي من الاهانة كما حفظت روحي من الانطلاق. وشيئا فشيئا تسلل الى ارادتها ذلك القرار , انها تراه بعين المنطق والقوة لابعين القلب كالاطفال , لقد قويت به واصبحت عنيدة بقرارها , ستخبره في حين حضوره.
اقتربت من زوجها تخبره قرارة نفسها وحلمها , انفجر الزوج وكأن الصدمة قد اطاحت بصوابه وبدأ منظره كأنه يمزق نياط روحها , أتهينيني بفحولتي ؟.
تتابع انتزاع قرارها بصعوبة وتكاد تنهار تحت ضبابية السماء , تتماسك , انه حلمها , انها اللحظة .
قالت لقد ماتت الصرخات ومات جسدي ؟.
عيناه تفحصتاها من كل جانب بنظرات متهمة : هل تحبين غيري ؟.
اجابت لا , ولكنني احب حلمي واريد ان اركض وراءه .. كادت ان تقول له انني اريد ايضا ان احفظ جسدي من الاهانة وهو بين يديك , انني روحا قبل ان اكون جسدا يملك المعالم الانثوية , ولكن الكلمات بترت بداخلها وكادت تموت .
خافت . عيناها الجذلتين تتطلعان بألم بريء ريثما تهدأ عاصفة الغضب . اليدان ترتجفان بينما بقع الدم تناثرت على جسدها المرتعش ارتعاشات الحياة . من المخلص ؟ ومن سيبيح دمها الباقي ؟.
لقد غسلت هي مابداخلها . فكيف يدافع هو عن رجولته؟
الدم وحده هو الذي سيغسل عاره وليس أي دم انه دمها هي وحدها …. وتسقط الاحكام كما يسقط المطر . انها خائنة وحكم الخيانة هو القتل والشرف المهان لايطهره سوى الدم . وشرف الرجل كيف يقاس ومن الذي يقيسه؟.
قرارها مرتبط بالخطوة , والخطوة الجبارة كيف ستنفذ , كل شيء يشهد على آلامها , حتى اهتزازات سريرها عندما يمتلكها , حتى حيطان الغرفة التي خصصت لهما كزوجين , انها لا تشعر بزوجة بل ولا تشعر بحلمها الذي مازال يضغط على شرايين قلبها كعقصة لذيذة تسري في عروق بدنها كلما حلمت كحلم كل الصبايا .
…..اما فمها فلا يفتح الا للطعام او الجواب ب- نعم او لا , فالزوجة المرضية هي التي تطيع زوجها كاله على الارض….:
تأتيها صدى كلمات امها هذه من فراغ يدوي بداخلها ويعتريها ذعر يشل حركتها وينسيها حالها لتغسل الدموع جرح آخر , وتتوالى في الذاكرة احلام الصبا ويرتعش الجسد المظلوم ليهب واقفا , عندئذ تتذكر انها حرة , ان الها كاله السماء خلقنا احرارا,
ولولا الانثى فمن اين الرجال , انها تنجب الرجال , وهي صانعة الرجال , ولو شائت لما انجبت الرجال , انها صانعة القرار , انها القرار . ساحفظ جسدي من الاهانة كما حفظت روحي من الانطلاق . واقتربت من زوجها تخبره قرارة نفسها , انفجر الزوج يصرخ : أتهينينني بفحولتي ؟
فانفجرت بالمثل صارخة بل انت الذي تهينني بأنوثتي .