أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي بزيع - الحب والكوليرا بين السيّاب ونازك... وماركيز















المزيد.....

الحب والكوليرا بين السيّاب ونازك... وماركيز


شوقي بزيع

الحوار المتمدن-العدد: 2739 - 2009 / 8 / 15 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


الجمعة, 14 أغسطس 2009

لطالما شكلت مسألة الريادة في الشعر العربي الحديث مادة غنية للكثير من السجالات والبحوث والمقالات النقدية المختلفة. وغالباً ما كانت هذه السجالات تتمحور حول الأسبقية الزمنية لكتابة القصيدة الأولى التي كسرت نظام الشطرين وجعلت من الوحدات الموسيقية المسماة بالتفعيلات اساساً للأوزان والبحور المختلفة. وإذا كان الكثيرون يشيرون الى دور الثالوث الشعري العراقي، بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي، في اختراق البنية التقليدية النمطية للقصيدة العربية، فإن كل السجالات تستبعد صاحب «أباريق مهشمة» من الأقدمية الزمنية التي ظلت محصورة بين السياب والملائكة. ومع ان البعض ذهب مذهباً مغايراً في هذا الخصوص وأدخل الى ميدان المنافسة على الأسبقية، ولأسباب سياسية وكيانية في بعض الأحيان، كلاً من فؤاد الخشن وعلي أحمد باكثير، فإن المنافسة الحقيقية ظلت محصورة بين السياب والملائكة اللذين جهد كل منهما في إثبات سبقه الزمني. وعلى رغم ان التأريخ المعلن لقصيدتي السياب «هل كان حباً؟» والملائكة «الكوليرا» يبين بوضوح ان القصيدة الأولى تعود الى عام 1946 والثانية تعود الى العام الذي يليه، فإن صاحبة «قرارة الموجة» تتحدث عن ملابسات زمنية عدة تتصل بالفوارق بين تاريخ الكتابة وتاريخ النشر أدت الى هذه البلبلة حول الأسبقية.

لكن ما انا بصدده في هذا المقام لا يتعلق بالأقدمية الزمنية، التي يشكك البعض في كونها المعيار الحاسم في ريادة الشعراء، بل بمسألة أخرى قلما انتبه إليها احد من النقاد وفق ما أعلم وهي تتعلق بطبيعة القصيدتين الرياديتين المنسوبتين الى السياب والملائكة وبالدلالات التي لا بد من الالتفات إليها لدى قراءة هاتين القصيدتين بدءاً من العنوانين الموضوعين لهما ووصولاً الى المضامين والهواجس والأفكار. والحقيقة ان قارئ القصيدتين لن يرى فيهما على كل هذه الصعد ما يلفت انتباهه أو ما يمكن ان يعطي لكلتيهما أو لإحداهما اي بعد تأسيسي، باستثناء البعد الوزني الذي يضرب مفهوم البيت الشعري القديم ويفتحه على عدد غير محدد من التفعيلات.

لعل أكثر ما يستوقف في القصيدتين هو عنواناهما بالذات واللذان لا تمكن قراءتهما بمعزل عن الموضوع المتناول وهو الحب في حالة السياب والكوليرا في حالة الملائكة. في الحالة الأولى تأخذ القصيدة بدءاً من عنوانها شكل السؤال لا شكل الإجابة، وهو ما يتساوق مع طبيعة الشعر المفتوح دائماً على الأسئلة ومع طبيعة الحل الذي لا تنفع معه التفسيرات. وإذ يبدأ السياب قصيدته على الشكل الآتي «هل تسمين الذي ألفى هياماً؟/ أم جنوناً بالأماني؟ ام غراماً/ ما يكون الحب؟/ نوحاً وابتساماً؟/ أم خفوق الأضلع الحرى إذا هان التلاقي؟»، ينهيها بالتساؤل ذاته: «أهو حبٌّ كل هذا؟/ خبّريني». وإذا كان من الطبيعي ان يكون الحب محط اهتمام السياب وهو لا يزال يومها شاباً يافعاً في سن العشرين، فإن ما يستوقف في هذا الإطار هو ان يكون الموت الجماعي مرموزاً إليه بوباء الكوليرا لا محلاً لاهتمام الشاعرة الفتية فحسب. بل ذريعتها الأهم للخروج على القواعد الصارمة للقصيدة العربية. وفي حين يختار السياب بحر الرمل ليكون الوزن الملائم لقصيدته، وهو يمتاز برشاقته الإيقاعية التي جعلته محطاً لأنظار شعراء الموشحات، تختار الملائكة بحراً أكثر إيقاعية هو الخبب كما لو الألم يدفعها الى الرقص خلف جنائز الموتى، كما تفعل النادبات: «في كل مكان روح تصرخ في الظلمات/ في كل مكان يبكي صوت/ هذا ما قد مزقه الموت/ الموت الموت الموت/ يا حزن النيل الصارخ مما فعل الموت». وفي السطر الأخير إشارة الى مصر التي ضربها الوباء وحصد من أهلها الآلاف.

تتضح في هذا الإطار صحة ما ذهب إليه عبدالله الغذامي حول كون الحداثة الشعرية هي من بعض وجوهها انقلاب على ذكورية القصيدة العربية من خلال ضرب «عمودها» الشعري الرمزي واتجاهه بها نحو التأنيث. ليس فقط لأن المرأة من خلال نازك تساهم مساهمة اساسية في هذا الانقلاب، بل لأن تدوير الأبيات هو محاكاة من نوع ما للجسد الأنثوي ولأن المناخ النفسي لقصائد السياب والملائكة هو برهافته ورومانسيته وحدبه على الحزن أقرب الى الأنوثة منه الى الذكورة. في إطار هذه الحساسية الجديدة يبتعد الشعر من الإيديولوجيا وأبعادها الوظيفية والتبشيرية ليتلمس طريقه عبر موضوعي الحب والموت اللذين يشكل كل منهما امتداداً للآخر أو مقلبه الثاني. ألم تكن هذه المفارقة قائمة في الأساس الأسطوري لفكرة تموز أو أدونيس العاشق حتى النخاع والمفتول بأنياب الخنزير البري والمنتصر على موته، ولو جزئياً، عبر انبعاثه في أوائل الربيع؟

على ان ما يجب ألاّ يفوتنا هنا هو البعد الرمزي لتوزيع الأدوار بين السياب ونازك. فتأنيث الحداثة لم يكن ليعني بأي حال تأنيث المجتمع الذكوري العربي المنخور بقيم التعسف والاستبداد والطغيان. ولذلك آثرت نازك على رغم اختراقها التعبيري أن تلعب الدور التقليدي الذي طالما اتيح لنساء الشرق أن يلعبنه منذ عهد الخنساء وهو دور الندب والتفجع والرثاء. والشاعرة تروي بنفسها كيف ان أباها، وهو رجل متنوّر ومثقف، لم يملك سوى السخرية والاستغراب وهو يسمعها تردد «الموت، الموت، الموت» في قصيدتها «الانقلابية» التي رأى فيها ضرباً موجعاً لمفهومه عن الشعر.

ثمة ملاحظة إضافية لا تتعلق بالقصيدتين وحدهما بل بعنواني المجموعتين الشعريتين اللتين تتضمنانهما وهما مجموعة السياب «أزهار وأساطير» ومجموعة نازك «شظايا ورماد»، الأمر الذي يلفت الانتباه ويدفع المفارقة الى حدودها القصوى. فالأزهار هي النقيض التام للشظايا، حيث تنفتح الأولى في عهدة الحياة والثانية في عهدة الموت. وإذا كانت الأساطير مبنية على جدل الحياة والموت وعلى القيامة والانبعاث كما هو حال العنقاء وطائر الفينيق، فإن الرماد هو على الجانب الساكن والقاتم من المعادلة.

هل نستطيع أخيراً ان نغفل العلاقة المباشرة أو الضمنية بين قصيدتي الحداثة الرياديتين «هل كان حباً؟» و «الكوليرا» وبين رواية غابرييل غارسيا ماركيز «الحب في زمن الكوليرا» التي تبدو تصادياً شبه حرفي مع عنواني القصيدتين كما مع جوهر فكرتيهما. لعل في الأمر محض مصادفة ولكنها مصادفة ليست بلا دلالة في كل الأحوال.



#شوقي_بزيع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شوقي بزيع - الحب والكوليرا بين السيّاب ونازك... وماركيز