عبد الخالق كيطان
الحوار المتمدن-العدد: 2737 - 2009 / 8 / 13 - 08:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
سجال محموم يدور هنا، هنا الواقع العراقي المحتشد بالقنابل والأفكار أيضاً.. وهو سجال هدفه المعلن حرية التعبير، الرأي، القول... فيما يقف على الضفة الآخرى سجاليون يشتهون العودة الى ايام الديكتاتورية البغيضة، تلك التي لم تكمم الأفواه فقط بل كممت العقول أيضاً.. وبين الضفتين شوط بعيد من التربية والممارسة حتى ولو اختلفت عاوين أصحاب الضفتين..
لن يستطيع أحد، مهما كان هذا الأحد، أن يزايد على تاريخ من النضال العراقي من أجل نيل الحرية والخروج من عهود الاستبداد، حتى ونحن نقر بأن لحظة الحرية التي نعيشها قد جائت فعلاً بقرار وجهد أجنبي.. ولكن النخب العراقية قد استطاعت فعلا تكييف التغيير الكبير الذي حصل في 2003 لصالح قيام دولة جديدة تحتكم لنظام ديمقراطي مؤسسي.. وهذه كانت أبرز الحجج التي كنا نسوقها في بيان انحيازنا للتجربة العراقية الجديدة أمام المناوئين لها وهم كثر جدا عراقياً وعربياً.. لقد تصدى المثقف العراقي طوال الأعوام المنصرمة لتيارات وأقلام وأفكار لا تعد تريد لهذه التجربة أن تقتل في مهدها تحت شعارات العروبة والاحتلال والدين في الوقت الذي انشغل فيه السياسيون العراقيون بأمور أخرى.. أبرزها ترتيب البيت العراقي من الداخل وسن النظام الذي يديم عملية التبادل السلمي للسلطة وكبح جماح المليشيات المتعاظم نفوذها في عراق تتناهبه مختلف الأهواء.. بقي السياسي يناور ويبحث عن مخارج لأزمات لا حصر لها تخص الهوية وشكل النظام وطريقة توزيع الحصص وما إلى ذلك فيما كان المثقف منشغلاً بحروب الدفاع عن نظام جديد آمنا به بعد أن ذقنا ويلات الاستبداد والرأي الواحد على مدى نصف قرن وأكثر.. المثقفون العراقيون، سواء من كانوا يقيمون داخل العراق أو خارجه أبان سنوات الديكتاتورية كانوا مشغولين على الدوام بفكرة البلاد اليوتوبية، فكان بعضهم يتعامى عن مشاكل مجتمعية راسخة مثل الثأر وعدم تقبل الآخر والاستبداد بالرأي، فيما انشغل كثيرون بدراسة عيوب هذا المجتمع، وهي عيوب ليست حصرية بالمجتمع العراقي كما نزعم، وإنما هي عيوب شرقية بامتياز... أما وقد جاء التغيير حقاً، ووجد المثقف العراقي نفسه في أتون تجربة جديدة بكل ما للمعنى من كلمة فلقد صرنا نرى المزيد من الظواهر المرضية وغير المرضية... مثقفون كثر أعلنوا وبصراحة انحيازهم الطائفي معلين منه على حساب انتماءهم الوطني، فصاروا يتنقلون بين الفضائيات والصحف ومواقع الانترنت بهدف الاساءة للتجربة الجديدة لمجرد أن قادتها من طائفة غير طائفتهم.. ثم غير ذلك من استهوتهم لعبة الانحناء تحت أحذية الحكام، فتراهم من جديد يتحلقون حول هذا السياسي أو ذاك طمعا بلقمة خبز ذليلة تذكرنا بتلك التي كان يمن بها الديكتاتور العراقي.. آخرون فضلوا الانزاواء خوفاً من حراب المجاميع المسلحة التي تلفعت الدين وعاثت في البلاد خراباً طيلة أعوام ما بعد سقوط الدكيتاتورية وحتى اشتداد عود الدولة ومؤسساتها قبل حوالي عامين... ولكن البعض من هؤلاء المثقفين ظل لابداً خائفاً حتى ونحن نعيش في فسحة الأمل الأمنية... مثقفون هاجروا... ومثقفون عادوا من هجرة طويلة... مثقفون انكبوا على عملهم الذي يريد تطوير التجربة العراقية الوليدة.. صحف عراقية تزايدت ولكن الصحف المسؤولة ظلت على الدوام على قدر أصابع اليد الواحدة.. والحال ينطبق على الفضائيات.. والمواطن العراقي شأنه شأن نخبه قد بلغ سن الرشد وبدأ يعي ويفصل ويميز بين صحيفة أو محطة عراقية الهوى وأخرى تعمل وفق أجندات وأهداف بعيدة عن ذلك... البعض من مثقفينا، وكما قلت قبل قليل، لم يغادر منطقة الركوع تحت أقدام السياسي أو الحاكم، وهؤلاء مجبولون بالفطرة على ذلك كما نعتقد.. ولكنهم لم يستطيعوا أبداً أن يمنحوا تصوراً عاماً عن المثقف التابع في الزمن الذي أردناه ديمقراطياً.. ولهذا فإن أمثال هؤلاء ليسوا أكثر من ديكورات أو أعداد تضاف إلى سجلات اتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين... ما يعنينا هو المثقف الذي حمل روحه على كفه منذ عقود، وآمن بصياغة دوره الجديد في عراق جديد... دور لا يمنح كما نعتقد، بل ينتزع..
في هذا الاطار ننظر اليوم إلى مسألة الاشارات التي بثتها الدولة العراقية عن نيتها مراقبة وسائل الاتصال: الانترنت تحديداً، وصناعة الكتاب.. وهي اشارات ينبغي التصدي لها بحزم حتى ولو كانت، تلك الاشارات، قد أوضحت أنها تتقصد س ولا تتقصد ص.. فحرية الوصول إلى المعلومات هي جزء من النظام الديمقراطي الذي ننشده، وهي حرية لا تتجزأ أبداً.. والأمر ينطبق على ما نتج عن جريمة مصرف الزوية من تبعات لا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بها وهي تبعات تريد تصفية الصوت الناقد والغاضب والحقيقي الذي أفزعته دماء ثمانية جنود عراقيين لم يكونوا سوى حراس على المال العام... نستدرك هنا، وهو استدراك يحتمه استدراك نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي الذي قال فيه: أن رقابة الصحفي تعد وسيلة لمراقبة تعسف المسؤول... ونعتقد جازمين بإن استدراكاً من هذا القبيل وبهذه الصراحة والجرأة هو أحوج ما نحتاج إليه اليوم..
لا يملك المثقف العراقي في البلاد اليوم سوى رأيه الأعزل ليجاهر به، وهي مجاهرة كنا نشتهيها ونتوق إليها أيام حكم الطاغية، بل أن الآلاف من المثقفين والتكنوقراط، والملايين من العراقيين الذين هاجروا في تلك الأعوام القاتمة، لم يكونوا يريدون سوى المجاهرة إياها بالرأي.. هكذا تصبح أحلام المثقفين واقعية ومقبولة جداً في بلاد رفع أمام عنوانها الشعار الديموقراطي .. ولأن المثقفون هم أكثر من تحمل المرارات اللعينة لزمن تكميم الأفواه والعقول فهم بالضرورة الأكثر حرصاً على إدامة نعمة حرية القول والحفاظ عليها باعتبارها مكسباً للعراق الجديد، ولعلنا لا نفارق الواقع عندما نؤكد أنه ذات العراق الذي يكثر السياسيون من الحديث عنه والدفاع عن منجزاته...
المثقف العراقي سيظل مع المشروع الديمقراطي ... وسيظل يعده رهان وجوده.. ولن تردعه عن ذلك سوى مشيئة الله!
#عبد_الخالق_كيطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟