أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم شريف - إغماضُ العينين : الأداءُ الفذ للوعة















المزيد.....

إغماضُ العينين : الأداءُ الفذ للوعة


نعيم شريف

الحوار المتمدن-العدد: 2736 - 2009 / 8 / 12 - 04:27
المحور: الادب والفن
    


(( .... حتى إذا اخترقته الرصاصةُ ، أغمضَ الطفل ُ عينيه - هكذا تصوّره - تاركاً جسده يسقط ، بلا صوت ، على الإسفلت ..))

_ هل تصلُح هذه الجملة مدخلاً للمجوعة القصصية الأخيرة (( إغماض العينين )) للكاتب لؤي حمزة عباس ؟

ماذا بوسع طفل أن يفعل بإزاء موتٍ ناجز غير هذه الإستجابة البليغةُ في إغماض عينيه، وكيف للبراءة أن تواجه الرصاصة وغير
أن يسقط الطفل " بلا صوتٍ " ، تصوّرٌ حلميٌ مقترح لموتٍ فادحٍ لكنها محاولة شعرية للإرتقاء بالإستجابة الى مستوى أن تكون
رداً ، أن تغمض عينيك وتصمت أو تموت حين يسود الرصاص والقتل قانون الحياة .

لاتكاد قصة من قصص " إغماض العينين " أن تجرج عن هذه المعادلة ، القتل المجاني الذي يختبيء للناس في تفاصيل حياتهم و
زواياها وأركانها ، موت قد لا تراه ، ربما يكون جناحاه قد خفقا على مقربةٍ منك وأنت مُنشغلٌ بالحياة ، قد تستدل عليه من إتصالٍ
بعيدٍ كما في قصة " إتصال " ، أو ربّما من الباب المفتوح أو خلو الطابق من الناس في هذا الوقت من الظهيرة حيث يحلو للموت
أن يمارس مهنته بلا مضايقات !

في محاولتة إكتشاف الجسد ،في قصة " قطرة دم لاكتشاف الجسد " يغدو مسعى التعرف على الجسد هو أيضاً في قرارته مسعى
لمعرفة أجساد الآخرين ، خالتة وملاحون سود وعمال ، كانما قراءة جسدنا الشخصي هي بشكلٍ ما قراءةٌ لجسد الآخر " مثلما
يكون جسدَ خاصته وأحبائه ، " من القصة الصفحة 5 .
كانت قراءة الجسد قد قوطعت بتدخلات الماضي ، وهو يطل برأسه من ثقب في الزمن ، فيُستدعى طيف الخالة العاشقة المنتظرة ،
ومن هذا الإستدعاء تتم قراءة جسدها أيضا ،واجساد صويحباتها ، أولئك النسوة اللواتي " .. كانت وجوههن تتطلّع باتجاه الشط ،
لا الى ضفته المقابلة ، بل لنقطة بعيدة لا تُرى حيثُ تأتي البواخر بأعاجيبها وروائحها ووجوه بحارتها متوجهةً الى ميناء المعقل ما ان
تُصفر ، مع صافراتها تنقطع احاديث الفتيات وتلتمع حدقاتهن " ذلك أن أجسادهن، حين تلتمع عيونهن ، تعبرُ عن صرخة نداء
الأجساد في إستجابته لنداء الحياة الأصيل متمثلاً ببحارٍ قادم من البعيد فجميعهن " يحلمن بالباب الذي سيقف أمامه ،وبيده ذات
الخاتم ترتفع لتدق " من القصة الصفحة 12 .

ذلك أن مهمة القاص هي أن " .... يفتح عينيه ، في اللحظة التي يُغمض الآخرون فيها عيونهم ..... " ليس فقط ليرى حمام
الكونتننتال برفاهيته الخضراء ، ولكن ليرى المحيط بكل ألوانه ، ليستشرف الواقع بتفاصيله وناسه وذكرياتهم ، يرى الى موتهم
ومجد حياتهم ، وتصل أصابعه الى ارواحهم لتنشرها في ضؤ الشمس .

لعل الموظف الصحي في قصة " إغماض العينين " لا يستوعب العالم إلا بالإنسحاب منه مغمض العينين " ..... حيثُ
يُحسُ بنفسه مندفعاً في ظلمته الرمادية المحببة ، ظلمةٌ يشوبها ضؤٌ بعيد .... " لايتيح لك الواقع أن تغمض عينيك عنه لأنهُ
عندها سيحتل الظلمة الرمادية المححبة التي تتحصن بها منه . ليس هناك مكان لمن يريدُ ، العيش، مُحايداً ، في واقع مجنون ، فالمساحة
الترابية ،المتخيلة كملعب للأطفال ، صارت مسرح جريمة صاعقة في بداهتها إستدعت إغماضاً للعينين كي تُستوعب وتُفهم ،
لقد شوهت منطقتنا الرماديةُ إذن إحتلتها " .. اليد التي ترتد مع كل إطلاقة ، وكان الرأس ينتفض . " ولكنه ليس رأس الميت هذه المرة
وإنما رأس حيٌ أُحتل بالموت مرةً واحدةً والى الأبد .

قصة " رجلٌ كثير الأسفار " ، تحرز أهميتها من أن الإحتمالات المستقبلية التي نتوقعها من محيط قاسٍ ، هي حقائق ناجزة لاسبيل الى
تجنبها حتى في مشروع كتابة قصة قصيرة ، لايستطيع الكاتب أن يُغير مصيراُ في واقعٍ يرفضُ ، بقوةٍ ، أن تُكسرَ حتميتهُ ، سيحتال
الكاتب بالذهاب الى اللاّواقع كي يُتيح للرجل موتاً منزلياً مادام الموتُ قد تحوّل الى قاعدة وصارت الحياة إستثناءً ، ركض القاص بقوةٍ مع
الرجل ، من بغداد الى البصرة بتعاطفٍ إنساني هائل كان لابد من مساعدة الروح المذبوحة التي بذلت جهداً أخيراً ويائساً للعودة الى العائلة .


في قصة " عشق الحدائق المنزلية " تمنحنا الطفولة تفسيراً آخر للجنون العام ، فالرجل الذي ينقل خبر وجود جثة لقتيل قرب شجرة حديقتهم
المنزلية لزوجته ،يكون إبنهما محمد قد سمع الخبر مصادفة ، وحين يرى المنظر (( اللغزي )) يرجع الى الرسالة التي لم يكملها الى صديقه
وقد كتب فيها " ..... أن يتأكد من حديقة منزله كل صباح قبل أن ينزل الى الطابق الأسفل ، فربما أثمرت أشجارها رجالاً بأفواه مفتوحة "
من القصة الصفحة 26 . البراءة الطفولية تراقب العالم الخارجي بعيون مختلفة ، عيون تكشف علاقاتٍ بين الأشياء التي لايُمكن أن تكون بينها
علاقةٌ من أي نوع ، ذلك أن اعتقادا طفولياً [ان الأشجار تُثمرُ رجالاً بأفواهٍ مفتوحة ( إنتبه ، ليسوا موتى ، هم بافواه مفتوحةٍ فقط )
هو عجزٌ منطقي ونبيل عن قبول فكرة أن القتل لمجرد القتل صار فعلاً يومياً يُلاحق الناس الى حدائقهم المنزلية ، كأنما تخشى المخيلة
الطفولية من الإشارة الصريحة بأن بشراً أخرين هم من فعل ذلك فتحيلها الى الأشجار .

هل هناك وجود حقيقي ٌ لشاب بعينين زرقاوين وسحنةٍ سمراء ، في ليل فرانكفورت البارد في قصة " عينا رجل المترو " أم إنه الوهم
حين يستبدُ بنا الحنين الى أماكن تسحرنا ، نظل مشغوفين بها ، مدننا التي إحتضنت خطانا البريئة ، كيف للمدن أن تنادي ابناءها ، هل
تهمس لهم ؟ هل تتبدى لهم على هيأة أمراة جميلةً أو ساحل بحرٍ أو ضحكة طفل ؟

" لا زيارات للغرباء " نسيجٌ وحدها ، عرضٌ بليغٌ للروح في لحظات ألمها العظيم ، إستدعاء الألم في محاكمة قاسية ، تتداخل الضمائر في
هذه القصة المهمة ، تتقافزُ خطى السرد برشاقة الى الذروة القصوى تُستعرض التفاصيل بتأثيث فخم يرقى بفنيتها السردية الى ذرى
باسقات . أنظر معي هذا المشهد : " .... تشعر أن شيئاً ما قد إنطفأ أو غاب من حولها فتستلقي على سريرها الحديد و تغمض عينيها وتموت
، من يُصدق أنها ممكن أن تموت بمثل هذه الألفة والسكون ، كأنها ماتت مرات حتى غدا الموت معها رحيماً شفوقاً يضرب بجناحيه هواء
الغرفة ثم يحطُ على عمود السرير ، يضم جناحيه ويتملاها قبل قبل أن يفتحهما من جديد ، لم تكن رما نتا السرير قد أحدثتا أي صوت حينما
حينما أسندت يدها إليه وهي ترفع جسدها لتسلقي ، أو حينما ضرب بجناحيه وحط على العمود .... " من القصة الصفحة 51 .هذا هو

المرسل ، في القصة واصفاً موت زوجته الحبيبة ، هل رأيت معي كيف يكون الفن الفذ عزاء للروح المجروحة ؟ هل رأيت كيف صيّر الفنُ
الفخم الموت رحيماً وحنوناً كمحب ؟ كأنما توطأ الموت مع الميت في لحظة سلام نادرة الحدوث .


الحوارات في قصص " إغماض العينين " حوارات مقطوعة ، أو لعلها مكسورة على حدّ تعبير الدكتورة خالدة سعيد في وصفها لبنية الكلام
المكسور في قصص " بحيرة المساء " للكاتب المصري إبراهيم أصلان . كانما يتكلم كل منهم (( منولوجه الداخلي )) بصوت عالٍ ، مثل
أُناس يعيشون بجزرٍ منفصلة ، انعدام الحوار ، في واحدٍ من تمظهراته ، هو شرخٌ كبيرٌ في روح المجتمع ، عطبٌ أصاب التواصل
الإجتماعي السلمي ، كما يجدر بشعبٍ مُتحضّر ، أقول: أصاب التواصل الإجتماعي بمقتل ، جهدً الفن السردي لتبيانه .

شخصيات لؤي حمزة عباس ، مسكونة بخوف دائم من قدرٍ قاسٍ يُلاحقها في كل مكان ، مهددة الكينونة ليس لها أسماء ، شخصيات
تختلس أفراحها الصغيرة إختلاساً خشيةً من قوة ما ، غاشمة ، تُطيح بها ، تبتني لها عوالم خاصةً ناشدة سلاماً مستحيلاً ، لكن الواقع
يسخر ، بقسوةٍ منها ، محيلاً أيّاها الى ذوات مجروحة وشائهة .

يُستدعى الفنُ بقوةٍ في مجموعة (( إغماض العينين )) لتمنحنا قراءة مختلفة لواقع نعرف لا معقوليته ، وبأدوات الفن العالي ،وحدها ،
صاغت لنا (( إغماض العينين )) قلادة ماسٍ في عنق السرد العراقي .




#نعيم_شريف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاسم عجام وكامل شياع : حلم المثقف وواقعية القاتل
- الأرسي : القفزمن بين أصابع الموت
- أكياس الخيش - قصة قصيرة
- الفاشيّة الأبدية : أربع عشرة طريقةً في النظر الى القمصان الس ...
- قصة قصيرة ........ تلك البلاد
- السجن والرواية خيمياء الألم ولوعتهُ
- سرير الرمل- لسلام إبراهيم تنويعات سردية على موضوع واحد
- سرير الرمل- لسلام إبراهيم تنويعات سردية على موضوع واحد
- العنف في الأدب الإنساني أو لعنتنا الدائمة
- نساء الظّل: قراءةٌ في كتاب ميادة ابنةُ العراق
- قراءة في كتاب حميد العقابي أصغي إلى رمادي


المزيد.....




- رحيل مغني -الراب- كافون.. أبرز الوجوه الفنية التونسية بجيل م ...
- السيرة الذاتية مفتاحٌ لا بدّ منه لولوج عالم المبدع
- من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايح ...
- شاهد.. أنثى أسد بحر شهيرة تواكب الإيقاع الموسيقي أفضل من الإ ...
- يطارد -ولاد رزق 3-.. فيلم -سيكو.. سيكو- يحقق إيرادات تفوقت ع ...
- -لكني كتبت الأشجار بالخطأ-.. ديوان جديد للشاعر نجوان درويش
- عالم الثقافة.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك نايل سات وعرب سا ...
- مخرج مصري شهير يثير جدلا بتصريحاته حول عدم اعتراضه على مشارك ...
- وفاة مغني الراب التونسي أحمد العبيدي “كافون” إثر أزمة صحية م ...
- ترامب يعزل أمينة مكتبة الكونغرس من منصبها


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم شريف - إغماضُ العينين : الأداءُ الفذ للوعة