ثمار كامل
الحوار المتمدن-العدد: 2727 - 2009 / 8 / 3 - 03:34
المحور:
الادب والفن
من الصعب تطبيق نموذج كريماس (العوامل) على القصة القصيرة، فهو امتداد لنموذج بروب الذي عني بالحكاية الشعبية الروسية، بما فيها من اختلافات عن القصة تتعلق بالفارق بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي وبناء التشكيل الزمني. غير أننا نحاول هنا مقاربة قصة للكاتب العراقي المبدع (فرج ياسين) هذه المقاربة الكريماسية.
(حين تثرثر الرغبات) قصة تروي حلم امرأة تصارع مشاعرها ورغياتها التي تصور لها حبيبها معها في البيت من غير أن يراه سواها، مرتديا طاقية الإخغاء.
تصل مشاعر البطلة وأحاسيسها مرحلة عنيفة تجعلها تتحايل على مـأساتها فتثرثر رغباتها في حلم ضبابيّ اللـون كانت لم تجد فيه سوى حبيبها الغارق في دخانه حتى صارت تراه في يقظتها.
وبما ان ثرثرة مشاعرها هذه جاءت وهي متيقظة لها فهي رغبات جامحة كانت تتمناها، العيش مع ذلك الحبيب الذي أطال الغياب.
كانت تراه أمامها يتجول في البيت كما يتجول في خيالاتها
((دخل غرفتها ونظر لادوات زينتها واخر قطعة ملابس نزعتها ومجموعة الكتب التي احضرتها ذلك اليوم كل مانظر اليه ولمسه بيده))
كانت هذه رغبتها، أن ترى دائما الاشياء التي تذكرها به.
وملفوظ الحالة القصصية يبين ان هناك علاقة رغبة (رغبة خيالية) مبنية على (الانفصال) فقد كانت ترى في حبيبها حلما بعيد التحقق فمثلت البطلة عاملا او ذاتا لتجربة متكاملة مضمرة مخفية في مجرى السرد تود الوصول الى (موضوعها) الحبيب الغائب الحاضرالذي ترى فيه جوهر الاشياء وكمال الذات.
وبما ان القاص اتخذ من اسطورة طاقية الاخفاء وسيلة في بنائه السردي فان ذلك أعطى ملامح اسطورية خيالية للموضوع (المفعول به) لتصنع علاقة التواصل بين الذات والموضوع من المرسل شخصية معنوية أو مؤثرا معنويا للارسال كون الطرف الثاني متخيل من قبل الذات حيث تتوهم البطلة تفاعلها مع الموضوع لإخفاء الواقع المرير الذي تعيشه، بغياب الحبيب او الزوج الأبدي..
فتكون الذكرى والحب والرغبة في التعايش هي المرسل إلى الموضوع فهي توهم نفسها بهذه الاسطورة وتصدقها كما لو انها حقيقة تتسلى بها عند غياب الحبيب ويكون المرسل اليه ذلك الزائر الغريب صاحب الابتسامة الناعمة.
ويمكن ان نعد اولاد الجيران الذين يظهرون في حديقة المنزل من غير أن يروا الزائر أو يشعروا بوجوده، بضجيجهم وكراتهم الملونة بالقرب منه، وبتقافزهم من فوقه ومن تحته ومن خلاله عاملا ومرسلا
للذات يكشف حقيقة هذا الزائر المتخيل في ذاكرتها (حيث لا وجود له واقعيا)، فاستطاع المرسل (الاولاد) ان يجعلها تلاحظ أطراف الذؤابات الشائبة في قصته ولمته وسالفيه ورأت ايضا تلك الحزون التي رسمتها الايام القاسية فوق جبهته ووجنتيه و أرادت ان تُضَيّفه، تعد له الشاي..لكن صمته وابتسامته الناعمة أوصلا إحساسها الحزين إلى المرسل اليه(خيال الحبيب الجالس بقربها) فأرادت ان تخبره بأنه تمثال من دخان..
وبذلك يكون التواصل عبر الذات والموضوع تواصلا ذاتيا نفسيا وهميا مبنيا على عوامل معنوية أهمها العاطفة المكبوتة للبطلة.
وبما ان القاص استلهم أسطورة (طاقية الإخفاء) التي تعود لقزم العالم السفلي الذي اغتنمها منه بطل اسطوري.. نراها تزين حبيب البطلة فاستطاعت ان تخفي لابسها عن الانظار وتمنحه قوة ما بعدها قوة استطاع بها دخول بيتها والتجول فيه وصولا إلى غرفتها وملاقاة امها من غير ان تلحظه وهبوطه درجات (الطارمة العالية) و جلوسه في الأرجوحة وركل كرة الاولاد ليتوهموا اصطدامها بعارضة الأرجوحة..هذه القوة يمكن ان تعد (عامل) المساعد الذي آزر الذات في التعويض عن حاجة ماسة ورغبة عاطفية تكون اكثر صدقا من الواقع نفسه.
ولا تكتمل العلاقة بين الذات والموضوع من غير ان يكون هناك معارض أو ممانع، وهل هناك أقوى من الخوف والحذر والقيد العرفي والاجتماعي والطبيعة الفسيولوجية للإنسان التي هي جزء من تكوينه ومكون أساسي في انفعالاته. نجد ذلك في تفكير البطلة: (فكرت لحظتها بأنها سوف تتخلص من الموقف بأن تسميه لصآ) .
تلك الموانع هي التي اضطرت البطلة أن تعيش في الخيال مع الحبيب الاسطوري الذي جعلها تهمس له في قلبها اريدك ان تأتي في الاوقات التي اكون فيها وحيدة في البيت ... فهي تريد الاحتفاء بحبيبها من غير وضع طاقية الاخفاء بل ربما عليه ان يضع شيئأ في اصبعها.. بدلآ من هذه الطاقية .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟