أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جنبلاط الغرابي - الأسس العلمية في دراسة المجتمع العراقي















المزيد.....



الأسس العلمية في دراسة المجتمع العراقي


جنبلاط الغرابي

الحوار المتمدن-العدد: 2714 - 2009 / 7 / 21 - 07:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمهيد


قد لا اتفق مع كثير ممن ينظر إلى المجتمع العراقي على انه جوهر يورث صفاته ويتصرف بها وفق نظام خاص يساعد على تعزيزها وثبوتها في ذاته,ففي هذه النظرة السوداوية قصور في المعرفة وخطأُ في التحليل, فضلاً عن الخلل الذي يظهر في عمق المباني التي اعتمد عليها المُحلل.والأغرب ما يقع دائماً حيث نجد ان من يحلل الشخصية العراقية ليس من ذوي الاختصاص, وعندما يتناول هذا الأمر يقوم بتطبيق نظريات كلاسيكية لحد توصله إلى بسط وطرح نتائج ليس لها أي مدلول علمي سوى تكرار المظاهر وسردها على شكل رواية.وهذا الخطأ الجسيم ينبع من قاعدة علمية غير ناضجة إلى حد ما,وهي الرؤية الشاملة للمجتمع العراقي على انه نسق واحد ومستوى واحد من ناحية اسلوب التفكير والثقافة.صحيح ان المجتمع العراقي له صفاته الخاصة الا ان هذا لا يعني الاشتراك النفسي في التوجهات,فالصفات الخاصة وليدة الأعراف والتقاليد الموروثة المصنوعة بالعوامل الخارجية,وإشراك هذه الجهة في محتوى التحليل النفسي يظهر لنا الخلط الواضح مابين علم الاجتماع وعلم النفس!.ولطالما حملت هذه العملية بين طياتها النتائج السلبية في التحليل,وأوقعت أصحابها في مطبات ألت بمستوى النتائج إلى مردود عقيم.لذا لابد في بادئ الأمر,إذا شئنا تحليل أي شخصية, ان نفرز مابين علم الاجتماع وعلم النفس ,خصوصا ان علم الاجتماع يأخذ مدى بعيداً يرتبط بالتاريخ وثغراته,بالإضافة إلى الموارد التي لايُلتفت إليها مع شدة تأثيراتها.أيستطيع ان يقول احدهم ماهو الفرق بين شخص ينظر إلى نفسه بأنه ينحدر من السلالة السومرية وبين أخر يعود نسله إلى آكلي لحوم البشر؟ياترى هل نضع جانباً هذا التأثير ومدى فعاليته؟.هذا ما يدعونا إلى ان نقف بحذر وتريث تجاه البحث في المؤثرات وإيجاد الصيغ المطلوبة في الاستدلال أو التكهن.حيث اننا لو دققنا النظر في المحتوى النفسي للفرد العراقي سوف نجد ارتباطاته التاريخية تعلو على كل ارتباطاته الواقعية,وسوف نرى ان الحاجة وان كانت وطاتها شديدة على النفس الا انه من الصعوبة ان يرضخ الفرد العراقي للتغيير خصوصا اذا كان هذا التغيير يتناقض مع تاريخه وما اعتاد عليه.وهذا التمسك المتزمت بالتراث لاينبع من خلل في الذات او جهل بالواقع,بل يمثل ارتباطاً بتقديس الموروث والذي كان وما زال يرى الافضلية في محتواه.ومن هنا نستطيع ان نستدل بوضوح تام بأن الاعراف والتقاليد التي يتمسك بها المجتمع العراقي هي الأمثل في تسيير حياته وان بدت بعضها سلبية .



الأسس والمباني الفكرية


ان من أساسيات البحث العلمي هو وجود المباني والأسس الصحيحة في الانطلاقات,بالإضافة إلى الأدوات العلمية التي يمكن من خلالها إحراز نتيجة ايجابية,من ثم الإحاطة التامة بجميع الموارد والمؤثرات الموضوعية التي ترتبط بالقضية.ولا اعتقد ان يكون من السهل إحراز هذه الأمور لأسباب عديدة,أولها,ان الباحث يمتلك ظروفاً خاصة تحيط به وقد تكون مفروضة حسب التجربة الشخصية والخلفية الدراسية,ومن المحتمل ان تلعب هاتين القضيتين في صرفه عن التسلط وإيجاد الحقيقة المبحث عنها,ثانيا,ان هناك بعض الظروف الغيبية والتي يكون من الصعب الكشف عنها قد تساعد للوقوف على الحقائق أو عدم ملاحظتها ,وعلى سبيل المثال,لو جئت بثلاث أشخاص متناسبي الأعمار والمادة الدراسية,وأعطيتهم فقرة معينة مكتوبة على ورقة وطلبت منهم ان يكتشفوا الأخطاء النحوية أو اللغوية, فمن المحتمل ان يلتفت احدهم لأخطاء لم يلتفت إليها الأخر.وفي نفس الوقت ان هذا الأمر لايعني تفوق هذا الشخص من ناحية الذكاء,فقد تكون الالتفاتة نتجت عن صدفة معينة,ويكون عدم التفات الآخرين نتج عن ظرف غيبي متعلق بظروف نفسية,ثالثا,ان موضوع الانحياز العاطفي يتغلب دائما على نوع التحليل وأساسيات البحث,فحيث ان الإنسان الباحث ينطلق لتحليل مادة معينة ولكن انحيازه العاطفي قد يحول دون قيامه بطرح القضية بصورة صحيحة,وقد تتغلب عاطفته على كثير من المسائل لدرجة التزامه بالعناد أو التعصب لرأيه دون الأخذ بما ثبت من الناحية العلمية.رابعا,ان بعض الأبحاث تتصدرها الأحكام المسبقة قبل الاستقصاء أو الوصول إلى النتيجة بطريقة علمية ويلاحظ هذا الأمر بصورة جلية في الأبحاث النقدية والتحليلية وخصوصا التي خاضت قتال وصراع طويل ضد التيار الديني في اروبا,



موضوع التحليل النفسي

لو فرضنا انه بإمكاننا ان نقيم شخصية عراقية توحد جميع الفئات المتواجدة داخل مجتمعنا من اجل القيام بتحليلها نفسياً, فأي شخصية سوف ننتخب,هل التي عاشت في زمن الحرب الأولى أم في زمن الحصار أم في زماننا هذا,وأي فئة عمرية ستخضع لبحثنا؟.ولو توصلنا إلى نتيجة سوية ومقبولة بهذا الشأن فأي أداة فلسفية سوف نستخدم للبحث هل نتبع المدرسة التحليلية أم التجريبية؟ومارأي المدرستين بفرد عراقي يدعي انه قد تزوج من جنية,؟ هل سيُعتبر مجنوناً ام مريضاً ام إنساناً طبيعياً.؟أرى ان القضية سوف تنهض بالموضوع نحو الخلط المبهم والرؤية المبعثرة,كون الأخير يثبت لنا بأن التحليل النفسي يقع في شباك النسبية في الأحكام, فنرى بوضوح ان الطبيعة الاجتماعية قد تتغلب على القوانين التحليلية في هذا الشأن ولا يلزم ثبوت القضية على جميع النواحي,حيث إننا لانجد مفهوماً ثابتاً للانطلاق من ثم البدأ بالتحليل والتقصي.وهذا ما نريد ان نوصله من خلال ملخص بحثنا,وهو ان القيام بتحليل الشخصية العراقية من الناحية النفسية يشكل ضرباً من الوهم واشتباكاً مع الظل,وإذا أردنا ان نقوم بهذا الأمر فليس لدينا سوى البحث عن المواضيع وارتباطاتها مع الناحية الاجتماعية وهذا مع شأن علم الاجتماع وليس من شأن علم النفس..



النسبية الاجتماعية في الأحكام النفسية

ليس من السهل تحديد قضية معينة وإرساؤها في ميناء اليقين المعرفي حيث ان النسبية الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في تفسير المظاهر لاسيما الأمراض والميول الغريبة,فهناك كثير من الأمور التي تعتبر امراً طبيعياً يقع في قبالها التصور الذي يقصيها من هذه المكانة.فلو أخذنا صفة فردية لشخص معين وحكمنا عليها وفق أحكام طبيعة المجتمع العراقي سوف نرى ان الحكم مختلف تماماً فيما لو أخذنا حكماً من طبيعة مجتمع أخر,وهكذا في جميع الموازين والطبائع الأخرى,فلا توجد أي ثوابت يمكن من خلالها تحديد حقائق الأمور وماهيتها.وقد يمكن حدوث هذا الأمر فقط في حالة التمرد على الطبيعة بعينها,وعلى سبيل المثال محاولة امرأة للتحول إلى رجل أو بالعكس...







أساسيات التشوه الفكري

(ملاحظة اعني بالتشوه الفكري هو ما يقع خلاف المعهود والطبيعة السائدة)


نستطيع ان نطلق على التشوه الفكري بأنه مرضاً اجتماعياً يُصعب علاجه دون الوصول إلى قضايا
عديدة,أهمها دراسة العوامل التي أدت إلى خلق هذا النمط الشاذ,والبحث في المباني الفكرية التي بُنيت عليها هكذا مبادئ,ومن ثم البحث في الفائدة النفسية التي تعود على الشخص الذي يملك هكذا توجهات.فليس للإنسان أي سبب يدعوه لممارسة عمل معين أو الأخذ باتجاه أخلاقي خاص دون الإحساس بفائدة تعود إليه من هذا الجانب,والإحساس بالفائدة هو العامل الذي يحرك الإنسان ويخلق فيه روح الرغبات,وانعدام الرغبات مرتبط بانعدام الفائدة.وإذا نظرنا إلى الفائدة بموضوعية تامة نجد أنها نابعة من الحاجة, ومن هنا نفهم ان الحاجة هي المؤسس الرئيسي والخالق الأول للدوافع الذاتية للإنسان, ومن خلالها تُبنى جميع مقاييس الفائدة.أما اختلاف الحاجات وتنوعها فهو عاملاً مهماً وكفيلاً بخلق التنوعات الفكرية بين الأفراد,وهذا الأختلاف مبني على أساس اختلافات تتعلق بالفرد منذ طفولته,حيث ان الإنسان يبدأ ببناء ذاته في هذه الفترة,وهذا البناء يتشكل من خلال جهات وعوامل عديدة أهمها شأناً,الأسلوب الذي يتبعه الأبوان مع الطفل في طريقة معاملته وتلقينه.فما دام الطفل يعيش بين أبويه فهو يمثل حصيلة جهودهما الأخلاقية والمنهجية في التربية,وينقاد دون شروط لجميع المفاهيم التي تترسخ في ذهنيته وتصبح في المستقبل جزءاً مهما في كيانه.لذا ينفرد المفهوم المُتلقى في الطفولة بالحساسية والثبوتية التي يُصعب القضاء عليها مستقبلاً,وذلك لسببين الاول,هو المفهوم المقدس الذي يتلقاه الطفل من الابوين,فكل الاوامر والنواهي تعيش في ذهن الطفل على شكل أساسيات وليس على شكل الصور العابرة والخالية من التأثير,من هنا نرى التأثير الذي يُورد من خلال المجتمع على الطفل هو اقل بالنسبة لما يصدر من الأسرة.أما السبب الثاني فهو ترسخ المفاهيم واستعادتها بطريقة لاشعورية من قبل الطفل في مستقبله,وان عدل عنها في بداية حياته,ويتم هذا الأمر عن طريق ما يسمى- تداعي المعاني-وهذه العملية لها مفهومها الفلسفي الواسع الا إننا سوف نأخذ الجزء المرتبط ببحثنا,الا وهو استرجاع المعلومة بدون معرفة أساسيتها وجذورها من ثم تنصيبها كفكرة أو كأسلوب متبع مع عدم الالتفات إلى إنها موضوع سابق أو قضية مكتسبة من الطفولة.وتتكون هذه الحالة على نحويين الأولى التلقين المباشر,والثانية على أساس المشاهدة.فالطفل الذي يُلقن على استخدام الأسلوب القاسي في التعامل قد لا يجد مهرباً من هذا التلقين وان حاول فعل خلافه في المستقبل,وحين يشاهد هذا الأمر داخل أسرته فبالنتيجة يحكم على انه الأسلوب السوي الذي يتوجب عليه الأخذ به,وهذه واحدة من أساسيات ظهور التشوه الفكري والتي تبدأ في المراحل المبكرة.أما من ناحية التأثر في النمط الخلقي الاجتماعي فهو لايختلف عن المعادلة الأسرية من الناحية الموضوعية,الا من الجهة الكمية والكيفية كما أسلفنا.و الوجه الأهم الذي يجب الالتفات إليه ضمن دراستنا هو التشوه الذي يُبنى جوهرياً حسب المطالب الفطرية,فنحن نعلم بأن الإنسان يملك مطالب فطرية,وهذه المطالب يجب إشباعها مثل الغريزة العاطفية أو حب السعادة,وفيما لو فشل الإنسان في هذا الأمر فمن المحتمل انه سيتجه إلى الأسلوب الشاذ لتلبية حاجته.ومن اجل التوصل إلى إيضاح تفصيلي في هذه الأمر علينا ان لانغفل عن المجال المهم الذي يحيط بهذا الموضوع وهو -مقدار الرغبة-فالكم والكيف الوارد في هذه القضية له الدور الأكبر في التحكم في الذهن وخلق التشوه الفكري,وهذا القدر من الرغبة محاط بعوامل ثلاث-العامل الوراثي,والعامل الاكتسابي,والموانع الخارجية.ومن خلال الاندماج والصراع الذي يتحصل فيما بين هذه العوامل ينتج توجه الإنسان في إشباع حاجته,ويكون على نحوين,إما شاذاً,أو سوياً.وأنا برأيي ان الموانع الخارجية هي السبب الأكبر في تحقق التشوه الفكري,كونها توجه صدمة لذات الإنسان في عدم قدرته على إشباع غرائزه في حين ان الغرائز تحتاج إلى إشباع بصورة دائمة وهذا المورد يولد الكبت الذي غايته البحث عن منفذ لتفريغ محتواه...(لاحظ الصورة)
يبقى شيئاً يجب الإشارة إليه مع ذكر خصوصيته في الأهمية والتي لاتقل عن المطلب الأول في الجانب الذاتي للإنسان,وهو التشوه الفكري وفق المطلب الاكتسابي.فكما يملك الإنسان المطالب الفطرية,يملك أيضا الاكتسابية ,وهذه الأخيرة لاتختلف عن الأولى إلا من ناحيتين الأولى ان القضية مكتسبة ومتلقاة من المحيط الخارجي,والثانية ان العامل الوراثي ليس له أي دور في التأثير على مقدار الرغبة,بل يكون تأثيرها مُستمداً من العامل الاكتسابي والموانع الخارجية فقط..

http://up.graaam.com/uploads/imag-1/graaam-29b2bea3f8a.jpg




مجتمعنا العراقي

لابد من ان نشير بادئ ذي بدء من ان الكيان الاجتماعي العراقي سبق وان تعرض لازمات وصدمات قد غيرت بالنسبة إليه مجرى الاتجاه الفكري الصحيح,وخلقت نزعات تسير نحو سلبيات تتوالد ذاتياً وموضوعياً بمرور الزمن.وهذه النزعات لايمكن تعديل سيرها نحو الخطى السليمة مالم يتم توفير غطاء فكري شامل يقوم باداء فعاليتين,الأولى هي الحد من استمرارية الاتجاه السلبي,والثانية توفير المنهج الصحيح الذي يتوجب على المجتمع تبنيه في علاقاته وتعامله فيما بينه.وهذا المنهج بصفته البديل الموضوعي للثقافة السلبية السائدة يجب ان يباشر وفق حيثيات خاصة وبأرضية صالحة وقابلة للشروط والتفعيل,وهذه الشروط تكمن أساسية خلقها بالوضع الاجتماعي الراهن.لذا يستوجب علينا أولاً تبني خلق الأجواء الصحيحة من ثم فرض الادلجة الجديدة.وفي الواقع ان القيام بهكذا مهمة يبدو أمراً في غاية الصعوبة,والسبب في ذلك هو ان المجتمع العراقي يمر بمرحلة قد تكون خطيرة ان لم نلتفت إليها بتأمل وجدية.فبعدما عاش مجتمعنا في ظل العبودية والدكتاتورية,نتج عن ذلك ما يسمى-الكبت -أو الضغوطات النفسية- وهذا المحور الأول الذي يحمل مواضيع الرغبات والذي يمثل المجال الأهم في نفسية الفرد,ثم بعد ذلك حصلت نقلة تطورية فجائية للمجتمع,وهي سقوط النظام الدكتاتوري,وانهيار النظام الاجتماعي لدرجة ان المرء لم يعد يميز بين الحرية والفوضى.ومما يؤسف إليه ان هذه الفوضى لم تعم الجانب الفردي فقط,بل طال مداها ليصل إلى الفنون والأدب .وهذه المحمولات تمثل حصيلة التغيير الفجائي,حيث ان الرغبات التي اندثرت مايقارب أربعين عاماً وجدت نفسها أمام الفضاء المطلق.وإذا دققنا في هذه الحصيلة من الناحية النفسية نجدها تدور بين امرين,هما تفريغ الكبت والارتباك.أما الارتباك فهو يمثل الخوف من عدم المواكبة لباقي المجتمعات والأفراد فيما بينهم,بعدما أحس المجتمع بأكمله بأنه منغلقاً على نفسه ومتأخراً عن ما عداه.وقد نستطيع ان نطلق على هذه الحالة بمحاولة لإعادة التنظيم أو البناء, ومن الضروري ان لم نقل متوقعاً ان تكون هذه النقلة مضطربة إلى حد ما,كونها لاتجد مرجعاً شاملاً تستند إليه لصياغة مفاهيمها,بعدما اظهر الواقع صور انحلاليات شكلية مُستمدة من النظام والقانون...






التشوه الفكري الذي مر به المجتمع العراقي كان قسرياً


علمنا بأن الحاجة هي الأساس والمحرك الأول للإنسان,وهي السبب الذي يخلق الاختلاف فيما بين الأفراد,ونشأة الحاجة في ذات الإنسان تكون على نحوين,نحو غريزي,ونحو اكتسابي.أما الغريزي فهو كل ما يتعلق بالأمور الفطرية كالقضية العاطفية,والاكتسابي هو ما يتعلق بالمدى الثقافي والبيئي الذي ناله الفرد في خلال حياته وخصوصا مرحلة الطفولة التي اشرنا إليها سابقاً,-وقد بينت هذا الأمر بصورة واضحة في نظرية الانفعال.-فقد تظهر كثير من المفاهيم والسبل أمام الفرد لاستغلالها ولأجل نيل حاجاته,عندها يقع أمام مجموعة من المفارقات في كسب المبتغى أو نيل المطالب.ويكون محور الفضيلة والرذيلة الطريقان الوحيدان اللذان يشكلان المسلك المُستغل لتحقيق المبتغيات,في حين تلعب الظروف البيئية الدور الأكبر في خلق التصورات والاتجاهات النمطية,حيث ان الموانع وضيق السبل تخلق تأثيرات تجبر الذهنية على مفارقة النظم الصحيحة واتخاذ مسلكاً مغايراً لما هو متبع من الناحية السوية,من اجل تكوين الفرص وإزالة العقبات.فليس هناك مجتمعاً لايبحث عن البقاء وتحقيق حاجاته.ونستطيع ان نقول من ان المجتمع العراقي قد صارع الحقيقة المأساوية من خلال طريقين هما-ضيق السبل وإزالة الهدف-فالنظام السابق بعدما قرر إبادة هذا الشعب كان عليه ان يمنع الفرد من تحقيق أهدافه في نفس الوقت الذي كان يمارس فيه إزالة هذه الأهداف,لذا كانت الدوافع البقائية تواجه تياراً معاكساً يقف بالضد من جميع تطلعات المجتمع السوية,مما دفع الكثير من اتخاذ الاتجاه المشوه والغير سوي في تحقيق سبل العيش والبقاء.وكان لابد من ان يترسخ هذا الاتجاه في نفس الفرد على انه احد الطرائق التي يتوجب إتباعها, وقد أدى هذا الأخير إلى جعل الواقع يحفل بهذه الموارد كحلول لاجدوى من إهمالها.فالسبل بعدما تكونت وفق آليات وظروف خارجية أصبح تواجدها في النفس وفق هيئة ذاتية ملازمة للشخصية.ونحن هنا في سبيل الإشارة إلى هذه السبل و من اجل إصلاحها,الا ان هذا الإصلاح لايكتفي بالتنظير الثقافي والاكاديمي مالم يتم تغيير الوضع الاجتماعي الذي خلقه النظام السابق.حيث ان التوجهات الغير سوية والتي ظهرت في فترة مابعد حكم النظام لم تتولد وفق التسويق الفكري أو شروحات ضمن المناهج المدرسية,بل كانت موضوعاتها وليدة الواقع المفروض,من اضطهاد وحروب وحصار اقتصادي.وانا برأيي ان الحصار الاقتصادي كان له الحصة الأكبر في تغيير المفاهيم وتحوير السبل السوية نحو المجال الشاذ,كون تأثيرها يقع على جميع الإفراد من الجنسين بما فيهم الأطفال,بينما يقع الاضطهاد الداخلي والحروب على جزء معين من المجتمع وان لم يكن بالجزء البسيط.وفي ذات الوقت فهو يشكل اكبر الموانع التي تقف بوجه الأهداف والتطلعات لدى الأفراد ودونه لايمكن تحقيق كثير من القضايا التي تمثل أمراً مستقبلياً.وهكذا كان لابد من الخروج عن النطاق السوي بعدما أصبحت أبوابه موصدة أمام الفرد,وابتكار طرائق جديدة بعيدة عن المعيار الخلقي والديني والامتثال للواقع المفروض من ثم تلبية حاجاته والمتطلبات التي هي يجب ان تكون في أصلها مكفولة, لكنها انعدمت في مجتمعنا.وهذه واحدة من الأسباب الكبرى التي جعلت المجتمع العراقي يتراجع إلى الخلف,حيث ان سبل العيش انعدمت إلى حد كبير,لذا وقع انشغال الفرد في البحث عن تحصيل هذه السبل,تاركاً ورائه أهم القضايا التثقيفية والتربوية التي تشمل مفاهيم عديدة ومهمة تصل إلى البناء الذاتي والتطوير الحضاري للمجتمع.وفي الواقع ان خطورة هذه الأمور تكمن في تحولها من انشغال طارئ وعلاج وقتي إلى عقيدة مرسخة وثابتة عند الكثير,وهذا فعلاً ماحدث داخل المجتمع العراقي,وقد تقيد الكثيرون بهذا الأمر,لذا ما زال المجتمع يعاني من جهة ظهور هذا المد السلبي, ومن جهة كيفية كبحه والسيطرة عليه.وكما أسلفنا,من ان السيطرة والنهوض بالمجتمع من جديد لاتتم الا بتغير النمط المعيشي والتربوي للمجتمع,وخلق المسالك ذات الطابع السوي على نحو توفير الظروف الضرورية وإصلاح التوجه الفكري ...





مظاهر المجتمع العراقي



وربما كان المجتمع العراقي من أكثر المجتمعات التي تتعرض لعوامل التغيير لأسباب سياسية واقتصادية,وبالرغم من ذلك كله نجده مازال يحتفظ بإرث كبير وعادات وتقاليد ملتصقة بكيانه.وان دل على شي فهو يأخذنا إلى المدى البعيد والارتباط العميق بين مجتمعنا والتاريخ والتراث.حيث نلاحظ ان هناك كثير من العادات التي لايلتفت إليها البعض ويمارسها بصورة تلقائية مع أنها في الواقع تعود إلى أصول سومرية.وهذا ما يُميز المجتمع العراقي عن باقي المجتمعات, بالاعتزاز بالإرث الحضاري والثقافة المواظبة على الثبات,فنرى ان تغيُر المنهج بالنسبة للذات العراقية يخرج عن نطاق الوارد ضمن حلقة النقد والبحث,لذا لم نجد شخصاً عراقيا يمارس أخلاقيات خاصة به وبعيدة عن المستوى الذي اعتدنا عليه.وقد يكون هذا الأمر معمماً في جميع المجتمعات لكنه ينفرد بصورة خاصة في مجتمعنا بسبب العلاقة مابين ثقافة الفرد والأعراف التي تسمو إلى المرتبة الدينية,بل نراها في بعض المسائل تفوق مكانة الدين أو العقيدة ,حيث نلاحظ ان القوانين الدينية لاتمثل القاعدة الفكرية لجميع اجتهادات المجتمع بالرغم من احتلال الدين مكانة مرموقة من الناحية العاطفية والوجدانية.ومما يجدر الالتفات إليه هو ان بلد العراق كان منذ العهود السابقة مركزا لظهور الأديان والنبوءات ,هذا الذي جعل الفرد العراقي منغمسا بعاطفة التيار الديني والإيماني وان تعددت الاتجاهات الفكرية الدينية في داخله,هذا بالإضافة إلى وجود المراقد المقدسة والتي تعطي إلهاما عاطفيا للتقرب إلى الدين,أو تُعتبر ينبوعاً دائم العطاء للتغذية الروحية.وقد أدت هذه الأخيرة إلى خلق صعوبة في إحداث الفجوات أو النزعات التثاقفية والمستوردة من المجتمعات الأخرى سواء كانت على المستوى الفكري أم الاجتماعي,حيث إننا نتذكر المد الشيوعي الذي اجتاح العراق في بداية الخمسينات والذي تلاحمت حوله كتلة اجتماعية ليست بالبسيطة,وهذه الكتلة بالرغم من انسياقها نحو هذا الفكر الجديد إلا إنها بقيت من جهة أخرى متمسكة بكيانها الثقافي والأصالة الاجتماعية علما ان الاتجاه الماركسي يتناقض فكريا مع التزمت بالأفكار القومية والاجتماعية.وهكذا بالنسبة لكثير من الموارد الفكرية الأخرى أو الثقافات القريبة التي تتنافى من المتجه الاجتماعي للفرد العراقي.والمسالة الأخرى التي قد ينفرد بها المجتمع العراقي دون غيره,هي ان الدولة القريبة أو المتاخمة لهذا المجتمع لا تشابهه من ناحية السلوك الاجتماعي ,ولم تؤثر فيه بصورة مباشرة,علماً ان هذه الدول قد تشترك إلى حد ما في أنشطتها التاريخية أو التراثية,إلا ان هذا الأمر لم يؤثر إلى حد ما في جذب طبيعة المجتمع العراقي نحوها,بل نجد مجتمعنا ينفرد بخصوصيات جعلته مميزاً ومكتفياً بما انضوى تحت عاداته وتقاليده.صحيح ان هناك بعض الميثولوجيا المتداولة قد ترجع إلى الجزيرة العربية أو بعض الدول المجاورة لكنها في الواقع لا تمثل جهة ثقافية قانونية وإنما تمثل اعتقاداً عاطفياً قد اجتاح اغلب مجتمعات العالم لظروف وأسباب موضوعية. وبنفس الوقت إننا لانستطيع ان نجزم باستيراد هذه الخيالات من الخارج كون ارض الرافدين كانت هي المصدر الأول للثقافات والاعتقادات,لذا قد تكون الدول المجاورة هي من اقتبس وتأثر بهذا الأفكار.أما المواضيع القانونية أو التوجهات التي تمثل طبيعة سائدة فهي لا تشابه المجتمعات المجاورة, فطابع الحدة في التعامل هو الصفة الغالبة على الفرد العراقي من حيث الفعل ورد الفعل.وفي الواقع ان أسباب هذه الحدة قد تبدو مبهمة إلى حد كبير يصعب الوقوف على عللها الرئيسية,إلا إني أرى الطبيعة السائدة في المجتمع العراقي اغلبها تكونت وفق ظروف الحرب والكوارث والتطور الثقافي الذي مر به هذا البلد.وهذا الأمر يظهر من خلال المجال العاطفي الذي يهيمن على الأدبيات بصورة عامة أو من خلال بعض الطبائع التي تثير صوراً عديدة منها حب التملك الذي يتجلى في الأدبيات منذ الحقبة السومرية.ولنقرا سويا هذا النص السومري الذي يظهر حوار بين فتاة وحبيبها

يا حبيب أمه أنت لي!
اانت ذو اليدين الناعمتين والرجلين الجميلتين الشكل
اغمرني بحنوك إلى الأبد
أنت الذي بحيوية واقدم سحرت لي.....
يا حبيب أمه أنت لي!

وقد يكون لحب التملك معنىً أخر وعلل أعمق من خلال تكوينه, ومن أسباب حدته الأساسية هي الوفرة والندرة ,فحب التملك قضية فطرية إلا إنها لا تظهر بالصورة المتشنجة والحادة فقط في حالة ندرة الأشياء والصعوبة في اكتسابها.وفي الواقع ان موضوع الندرة طالما رافق ارض الرافدين بسبب الحروب والماسي,حينها بقيت هذه التصورات مألوفة وعادية واستمرت لترافق الأجيال جيل بعد جيل حتى أصبحت ضمن مشاعر الفرد التي تميزه عن غيره من الأفراد أو قد تكون الهوية الخاصة التي تمثل كيان الأنا العراقي.بالإضافة إلى ان هذه الحدة في حب التملك تخلق دوافع طموحيه بعيدة المدى تقوم بدورها في تكوين بعداً أخر قد يكون مُفتقد في كثير من المجتمعات وهو الصبر والإصرار.وهذا فعلاً ما يظهر في طبيعة المجتمع العراقي, حيث نلاحظ هذان القضيتان تلازمان مجتمعنا منذ عصور طويلة ولحد ألان.فما ان يتعرض الكيان العراقي إلى صدمة أو انتكاسة سواء كانت من خلال الحروب أو الحوادث العابرة تفاجأ بظهور قدرة معاكسة للازمة تخلق سبلاً عديدة للنهوض ورفض الاستعباد,أو الرضوخ إلى واقع مفروض,وهذا السبب هو الذي جعل العراقيون ينظرون إلى المتسامح أو الساكت عن الحق بأنه إنسان ضعيف.وقد تكون هذه النظرة سلبية الاتجاه إلى حد ما,وغير موفقة في تحديد الهدف والعلل,إلا إنها تملك الوجه الايجابي من جهة أخرى,وهو عدم الخنوع للباطل.وإذا أردنا ان نبطل الوجه السلبي الأول فنحتاج إلى تثقيف الفرد على معرفة وتمييز الحق,عندها يكون مفهوم السكوت أخلاقياً ولا يمثل الضعف.


الحضارة وهاجس الاستهداف

تظهر ضمن مظاهر المجتمع العراقي هواجس الريبة والشك في أنحاء متعددة خصوصا في التعاملات,وهذا الأمر يسلط الضوء على صفة الفطنة والذكاء إذا تدبرنا بجدية.فحيث نلاحظ ان الفرد العراقي لايتعامل في حياته الطبيعية وفق الأبعاد البسيطة والقاصرة,فهو يعطي للموضوع معان كثيرة ويثير شبهات وشكوك حول ابسط المسائل.وإذا أردنا البحث بعمق حول أسبابها,فليس لدينا سوى إرجاعها إلى موضوع الانتكاسات والحروب السالفة,حيث ان الريبة والشك لاتتكون إلا في حال إحساس الفرد بأنه مستهدف.وفي الحقيقة موضوع استهداف بلد العراق وثقافته لايحمل مجالا للشك,خصوصا ان العراق لم يمر بمراحل استقرار.وفقدان هذا الأخير جعل الشخصية العراقية بعض الأحايين تبدو غامضة ويُصعب فهمها,في حين إنها لاتلعب أي دور في بناء هذا الغموض,وإنما التراكمات التاريخية والعرضية التي تغمر المجتمع أينما توجه هي من تؤسس هذا الأمر.وقد يكون موضوع الحضارة والثقافة له الحصة الأكبر في تكوين هذا الهاجس,حيث ان المجتمع العراقي يرى الأفضلية في محتواه الثقافي من خلال الحضارة التي زخرت وفاضت بعلومها ومعارفها العظيمة على مر التاريخ.فقد تعرضت هذه الحضارة إلى محاولات الطمس والتشويه لمرات عديدة,قد أدت أكثرها إلى ثلم أجزاء كبيرة وتغير مناهج شتى ,مما دعا إلى خلق محاولات دفاعية على المستوى الفكري من اجل مجابهة التيارات المعاكسة والتي ظهرت برداء اسود قد أثار الفزع في قلب هذا المجتمع إلى أيامنا هذه,حيث نعيش انقلابات ومتغيرات يصعب على المجتمع البسيط مواجهتها,في حين مازال المجتمع العراقي يظهر بقوة وإصرار ويتعامل بحذر كما اعتاد ان يكون...



#جنبلاط_الغرابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبحث حول الازدواجية الشخصية
- ثقافتنا!


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جنبلاط الغرابي - الأسس العلمية في دراسة المجتمع العراقي