أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد عبد الحق - موت المتعبد الصغير، اغتيال هيبة السلطة البطريركية















المزيد.....

موت المتعبد الصغير، اغتيال هيبة السلطة البطريركية


احمد عبد الحق

الحوار المتمدن-العدد: 2704 - 2009 / 7 / 11 - 08:52
المحور: الادب والفن
    



رواية خالد درويش "موت الـمتعبّد الصغير"*:
اغتيال هيبة السلطة البطريركية

للوهلة الأولى يبدو وكأن الكاتبَ يأخذنا في جولة بين تلابيب الذاكرة... يستحثها لاسترجاعِ بعضِ مخزونها القزحي الأحاسيسَ لدى مجايليه ومن هم أسنُّ قليلاً. من الـمخيم وفيه تدور أحداث الرواية وحكاياتها وتعرض بأسلوب غير تقليدي، بل نستطيع وصفه بالـمميّز حين يتحاشى خالد درويش تلوينَ النص بما هو نمطي فيما يتعلق بنتائج النكبة وتداعياتها على من هجروا من ديارهم ...
مخيم النيرب، غدا زمن الرواية فتى بائساً في محيط جميل يتقن الراوي تصويره داخل لوحة فنية خلابة تظهره كمكمل جمالي مكاني. إذ بضدها تبان الأشياء جمالاً أو بؤساً لا فرق لجهة الإبانة.
لكن اللوحة تغيّب وشائج وديناميات علاقات آهلي الـموقع وجواره، اللهم خيط شبه مرئي يمثل الشركسي ابن الـمهاجر القوقازي الذي ربطته وكرديا لحظة تضامن حينما قرر سكان حي مجاور طرده... ولا نعرف سبب اختفاء "أرمني !" قد يستكمل حضوره عناصر السرب الـمهاجر: (الفلسطيني، الشركسي، الأرمني).
هو نص يحمل بعض سمات السيرة الذاتية الأدبية (وفق التصنيف النقدي ...) تتخمه أحداث لحظة حبلى بتراكمات تفاعلات وجدانية عاطفية وأخرى معرفية يفرضها النمو الجسدي والذهني للطفل... يأتي الـمخاض مبكراً بفعل حادثة تُدخل الفتى خالد البرزخ بين مرحلتين عمريتين بحيث يكابد آلام انتهاء القديم وولادة مستقبل مختلف... انتهاء أو موت القديم هو انتهاء مرحلة بدأها صاحب السيرة برحلة ووالده إلى الـمسجد ثم حاول خلالها جاهداً تنمية الـمتعبد فيه لكن دعوة الحياة ومغرياتها الأخرى تنتصر أمام حصاد "سنوات العبادة" الهزيل، هنا تحتشد بكثافة مثيرة، مجموعة دلالات، رموز وشخصيات تغرينا بإعادة قراءة الرواية على نحو مغاير لِما وشت أو أومأت به البدايات بل العنوان، بحيث نجيز لأنفسنا اعتماد نهج بعض شعراء العهد العثماني "الطرد والعكس" (أي إمكانية قراءة أبيات القصيدة من اليمين إلى اليسار أو العكس فإن كانت الأولى مدحاً كانت الثانية هجاءً...) لِنَبسط الأمور على استقامتها إذًا: يتناول الكاتب أحداثاً عايشها هو نفسه خلال مرحلة عمرية محددة من تشكل الشخصية؛ هي الرابعة "وفق تصنيف مدرسة التحليل النفسي بصرف النظر عن موقفنا إزاء الفرويدية "حيث يتسم سلوك الطفل بشكل عام، خلالها بالانحياز لأبناء جنسه بعدما يعبر" خلال ثلاث سنوات "ما يعرف بالـمرحلة الأوديبية التي يتعلق أثناءها الطفل الذكر بأمه والأنثى بأبيها". إذاً، هي مرحلة انقلاب؛ مظهره هادئ سلوكياً أما جوهره فيعني تحولات عميقة... انحياز الطفل لجنسه يعني من جملة أمور بقاء عالـم الجنس الآخر ضبابياً في مخيلته، وقد يصبح عدوانياً إزاء نده من العالـم الـمختلف... هو سلوك قد لا يعكس رغبات داخلية حقيقية دفينة لكن يحركه الفضول وعوامل أخرى لا تعنينا هنا. ما يعنينا من هذه التفصيلة، خارج السياق، هو الإشارة إلى أن تلك الـمرحلة الـممتدة من سن السادسة إلى الثالثة عشرة هي ذاتها الـمساحة العمرية التي تظللها أحداث الرواية.
لدى ولوجه هذه الـمرحلة يقدم خالد درويش أوراق اعتماده (شهادات التقدير الـمدرسية) إلى رمز السلطة البطريركية الأول، الأعلى والأقرب؛ الأب، فيشرعان كما أسلفنا، في رحلة إلى الـمسجد، ليصل الطفل خالد ذروة الرضى والإشباع النفسي... كيف لا و قد نال قبولاً بل مكافأة الرموز الثلاثة الأهم للسلطة إياها! هي بداية رحلة تقود بطلها في نهايتها إلى اغتيال ممثل أحد الرموز..." أي حادثة وفاة مدير الـمدرسة الـمفاجئة ظاهرياً. لكن واقعة الـموت، سواء أكانت حقيقية أم متخيلة، باتت ضرورة لحظتئذ للخروج من حالة الإحباط والضنك والصراع النفسية التي عاناها إثر "علقة" مؤلـمة للجسد الغض، الكبرياء والروح معاً، في باحة الـمدرسة وبعض غرفها على يد كل من الـمعلـم الذي أحب وقدر الفتى لتفوقه الدراسي والأهم أنه خال "ندى" وأخ خالد الأكبر. ثم عمه، حيث يُرمى ذو الجروح والآلام الـمركبة أرضاً ليحلق في فضاءات الـمخيلة باحثاً عن انتقام متلـمساً إرهاصات مسار مختلف... لكن كيف ولـماذا!.
الأخ الأكبر والعم، نعم، هما استمرار للأب ودوره كونه الغائب الحاضر مذ رافق ابنه الصغير خالد إلى الـمسجد... لكن مخيلته لـم تجرؤ على الانتقام منهما حتى لو كانت لديه مثل هذه الرغبة الدفينة والقاسية على الروح الـمنهكة الـمعذبة. أيختار الـمشارك الثالث! لا فالأستاذ خال ندى وينتمي حكماً للآتي... و"كرمال عيون ندى" تهبه مخيلة الفتى عفواً كي لا يفسد نشوة الانتصار... إذا ليكن مدير الـمدرسة نفسه هو هدف الانتقام، إذ تلتقي عنده عدة خيوط وهو صيد مجز لأسباب شتى... يُجري الفتى غض الـمخيلة للـمدير مراسم دفن تقتحمها الأنثى (زوجة الـمدير) على نحو احتفالي آثم. لكنها مراسم تزودنا مفاتيح قراءتنا العكسية الـمختلفة.
الزوج جثة ممددة بينما الـمترملة لحظتئذ تستحم عارضة جسدها لـمن يختلس النظر من بين ثقوب الباب لأن الوفاة حققت ضرورة غياب الـمخيف من ممارسة الطقس وما تلتمسه النفس الـمتأملة... الخوف لا يتلاشى تماماً بغياب الزوج بل بقي السؤال حول مدى تجاوب الـمترملة ورغبات الـمتلصص الصغير الذي يبوح بخشيته من انكشاف أمره بدايةً... التمادي يعني قفزة أبعد نحو التمرد وترك أهداب الفضيلة، فيقرر ذلك، إذ تطاوع الزوجة مخيلته الغضة. غير أن الـمخيلة ذاتها لـم تسعف صاحبها في تصوير كامل جسد الأنثى عارياً ويمارس شعائر أرادها الطفل إما بسبب عدم اكتمال أداتها أو الخوف من كِبر الـموقف، وكذا أن تعرف الأم التي بدت وكأنها تراقبه... إنها رمز الفضيلة ومخزون تجربة التعبد هنا.
الصراع يحتد صعوداً نحو ذروته فتحضر "ندى" ولكن عارية هذه الـمرة وهي الفتاة التي لازمته منذ بداية الرحلة، أي رحلته التعبدية بل كانت الوجه الآخر لها... فها هو يجتر ذهنياً وفي اللحظة الحرجة صوراً ذات صلة تدليلية لتفاعلات الصراع السيكولوجي الـمعاش على ما نعتقد، خاصة حينما كانت ذاكرة الطفل خالد تختطف أجمل الـملابس من على سطوح الـمهاجع أو منازل الـمخيم، أو من باحاتها ليعيد تفصيلها وفق مقاسات جسد الـمحبوبة الـمتوهمة "ندى"... بحيث يعيد تلوينها بالأصفر أو ما يدخل اللون إياه في تكوينه (من الـمنظور الفيزيائي) الأمر غير الـمدرك لدى تلك الذاكرة الغضة لكنها حين تعيد نشر مخزونها تقدم ملامح هويتها، معاناتها ورغباتها.
على أن الفكرة السائدة تصف أن الولع بالأصفر يرمز إلى ميول نرجسية ومنسوب عالٍ من الغيرة... ثم تراوده فروسية طفولية فيهدي سور بيتها رسماً استثنائياً هو
"علـم فلسطين" يرسمه بأدواته البدائية فينال إطراء أهل الـمخيم رغم فشله واقعياً في تحقيق مبتغاه جراء حيلته ذات الـمظهر البطولي... أي مشاهدة ندى ومحادثتها عن قرب وتالياً نيل اعتراف بتمايزه وأحقيته في تملكها.
بلغة شاعرية جميلة يمسك الكاتب بيد مخيلة القارئ ليحلق عالياً، أماني ومخاوف وتأملات الفتى؛ ما يتيح لنا رؤية تفاصيل الـمشهد وإعادة ترتيبها وربطها خلف الستار اللغوي الجميل الناعم والشفاف... ندى تقتاد خالد الخائف الـمتردد إلى الـماء الذي يهدد حياته، لكن مخزون ذاكرته التعبدي يدرك أول ما يدرك أن الـماء هو الحياة "وجعلنا من الـماء كل شيء حي" آية لابد أنه سمعها يومياً عدة مرات في منطقة الزراعات البعلية والـمروية والآية موروث إيماني ولغوي سائد فيها. خلال تحليقه التأملي، يعرج الفتى عند ثنية ما على مكان / أو تسقطه بقايا مخاوفه عليه ليواجه ما يقلقه، إنه زميل يعتقد أنه يريد الاستحواذ على ندى منه، ليجد نفسه أمام مخاوفه التي قادته إلى ما هو فيه، إذ يهدده الزميل "البشع الغبي... الخ من الصفات الكافية لتنفيرها منه أو بالأحرى ستعايشها والزميل إن لـم تقبل ملكية خالد وحده لها بالقتل".
إنها نسخة محلية مبسطة لرحلة أدونيس "الأسطورة الإغريقية" رحلة تقوده إلى العالـم السفلي قبر الأخت الـمفترضة ــ قد تعني البراءة الطفولية ــ والتي تموت وهي في سن الثانية... هناك يموت أيضاً منافسه بعد أن تمسخه مخيلة خالد كأحد مخلوقات العالـم السفلي ثم يتصاعد الـماء حول بيت زجاجي في ذاك العالـم. لكن الأخت البريئة لـم تعد من الـموت بل غدت البراءة الـميتة في بدايات عقدها السادس، ليعود خالد من رحلته الأدونيسية عليلاً بعد كل إنجازاته... البطل الـمنتصر الداخل مرحلة عمرية مختلفة في حياته يتمارض بحثاً عن لـمسة حنان مباشرة من الأب... إنه بأمس الحاجة لذلك حتى لو كان سؤال أمه عنه وهو متناوم يختلس السمع. حيلة استدرار العطف تتكلل بإنجاز متواضع.
الرواية كوقائع، أحداث وحكايات سواء أكانت حقيقية أم متخيلة، هي بالـمعنى الذي ذهبنا إليه، شهادة أدبية صادقة، ممتعة ومثيرة للتأمل... ولا نغالي إن حكمنا بصلاحيتها للتدريس كنموذج مختلف لنمو وتطور شخصية الطفل في مثل هذا التجمع البشري، مع يقيننا أن الكاتب لـم يقصد هذه ولا تلك. وإنما قدم عمله الروائي الأول وبدهي أن يأتي سيرة، أو من وحي التجربة الذاتية. أما وظيفة الـمكان وعلاقات قاطنيه فقد خدمت غرض إيضاح ملامح الصورة العامة الـمعروضة بالبساطة التي بدت لخالد حينئذ. وهكذا تحاشى إضجارنا بربطها والعناوين التقليدية للأحداث الكبرى وتداعياتها ولـم يولجنا متاهات الإنشاء السياسي أو إسقاط العام على الخاص بفجاجة، بحيث يكاد يلغي الثاني الأول حسبما تعودنا، لكنه يجعلنا نتلـمس تفاعل تلك الثنائية على نحو سلس وغير مباشر عبر الحكايات الكثيرة الـمكثفة التي يعيد غزلها ليركب هذه الشخصية على ذاك الدور أو العكس، بحيث تبدو لك مجمل أو بعض القصص مألوفة، ربما عايشتها أو سمعتها يوماً في مكان آخر على لسان مختلف.
أبطال بعض حكايات الرواية أمثال الحج حسين حاضرون خالدون في ذاكرة القرية الفلسطينية حتى وإن أعيد إنتاجهم ودورهم داخل مواقع الشتات فالزيادة، الحذف أو التحوير هي زخرفات تقتضيها ظروف الـمكان ووشائج علاقات أهلية ومستجدات تكاليف حياتهم، بينما يتسرب الآخرون أنى وجدوا وأيا كان عديدهم عبر ثقوب الذاكرة مهما علا شأنهم الاجتماعي أو تردى... ولعل عملية الفكفكة وإعادة التركيب أو الجنوح نحو التكثيف جعلت بعض الحكايات مبتورة أو ُمقّزمًّة داخل النص، علـماً أن البناء الدرامي للرواية، بصورة عامة، يحتمل النص السردي الـمطول للقصة الثانوية ولاسيما إذا ما تطلبته ضرورات إيضاحية، جمالية أو توظيفية لجهة مضمون رسالة العمل الأدبي.


* صدرت رواية "موت المتعبد الصغير" مؤخرا في رام الله عن المؤسسة الفلسطينية للنشر/جهات



#احمد_عبد_الحق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد عبد الحق - موت المتعبد الصغير، اغتيال هيبة السلطة البطريركية