ذكريات عن شيوعي مخضرم

سلمان شمسه

الحوار المتمدن-العدد: 163 - 2002 / 6 / 17 - 07:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

 

                                                                          سلمان شمسه// هولندا

   عادت بي الذاكرة إلى عام 1973 وأنا أقرأ الذكريات الجميلة للأخ العزيز زهير كاظم عبود عن الشيوعي بالفطرة "كَيطان ساجت" في العدد 87 من رسالة العراق.

      دهشت وفرحت من الأعماق مرتين: الأولى لأني أعرف هذا الاسم جيداً وأعرف خصاله ومآثره من خلال رفيقي وصديقي الشهيد ناصر عواد "أبو  سحر" ، الذي طالما تحدث لنا بفخر واعتزاز عن خاله "كَيطان ساجت" الفقير المعدم، لكنه الغني بفكره وإخلاصه وحبه لناسه ورفاقه وحزبه. والثانية عندما قرأت اسم الشيوعي الرائع شاطي عوده  "أبو سمير"، الذي سمعت اسمه لأول مرة عام 1973 مقروناً بالاحترام والاعتزاز الكبيرين من قبل رفاقي وأصدقائي في مديرية التربة واستصلاح الأراضي في أبي غريب وكنت حينها موظفا في مديرية وقاية المزروعات في نفس المكان. ولما سألتهم عن سبب احترامهم وحبهم له أجمعوا على أنه بتواضعه الجم وأريحيته وعفويته وطيبته اللامتناهية بحولك من أول لقاء لك به إلى صديق وكأنك تعرفه منذ وقت طويل. وهو وبالرغم من كونه موظفاً كبيراً (مدير عام)، إلا أنه بتواضعه الكبير وإخلاصه بعمله وحبه لزملائه ومرؤسيه أصبح واحداً منهم، بل أنه كان محترماً ومقدراً حتى من قبل البعثيين الذين كانوا يتربصون به وبغيره من الشيوعيين الدوائر. 

 

    كان شاطي عوده شيوعياً صلباً ومهندساً نزيهاً وكفأً ، لا يتوانى عن مساعدة كل من يتوجه إليه بطلب ما دام ذلك لا يتنافى مع الصالح العام الذي كان يضعه فوق أية مصلحة شخصية. فعندما توجه إليه لفيف من خريجي المعهد الزراعي العالي الذين كانوا يعملون في مديرية التربة واستصلاح الأراضي لمساعدتهم في موضوع غير شخصي وهو حقهم بنيل لقب معاون مهندس زراعي، التزم جانبهم وتحرك معهم بكل الاتجاهات التي تحقق لهم طلبهم، حتى نالوا ما كانوا يصبون إليه بإصرارهم ومثابرتهم وبتعاون الطيبين معهم ومنهم المهندس شاطي عوده وآخرين.

 

      اعتقل شاطي عوده مساء يوم انقلاب الثامن من شباط /1963 لكونه شيوعياً مع مجموعة من المثقفين والمبدعين ، وقبع في السجن لأكثر من ثلاث

سنوات دون أن يستطيع البعثيين النيل من صلابته وإخلاصه لحزبه وإيمانه به. يشير الأستاذ شاكر خصباك في مقالة له منشورة في مجلة الثقافة الجديدة     

عدد289 إلى حادثة الاعتقال بما يلي ( وشاءت أحداث الحياة أن نتشارك في مأساة مروعة ، وهو أن يتم اعتقالنا في وقت واحد في أحداث 1963. فقد اعتقلنا في مساء يوم الجمعة- يوم الانقلاب- حوالي الساعة العاشرة مساءاً، وحملونا في نفس السيارة (بيكب) وبرفقتنا المرحوم خالد الجادر والتحق بنا في نفس السيارة الصديق شاطي عودة وعدد آخر تجاوز العشرين رفيقا من بينهم عبد الجبار عبد الله وإبراهيم كبة وغيرهم ، وكانت ظروف المعتقل

 ( سجن رقم 1) غاية في السوء ،حيث أمضينا قرابة الشهر في غرفة واحدة مع أكثر من عشرين شخصاً في غرفة لا تتسع لمعيشة ثلاثة أشخاص .

       وبعد فترة ليست طويلة  نقل شاطي عوده مع بعض رفاقه إلى سجن الحلة . وهناك كان شاهداً على المأثرة الجريئة التي قام بها الشيوعيون بحفر النفق بمعدات بسيطة و بسرية ومهارة عاليتين ثم الهرب منه ، كما أنه ساهم بالتمويه على حفر النفق، وذلك ببناء حاجز في الجهة الشمالية من السجن والتي كان المطبخ يقع في واجهتها لحجزها وإخفائها عن ربيئة الحرس المواجهة لها .

       بعد خروجه من السجن لم يستطع العودة لعمله ، فعمل مع شركة آل حمرا للأعمال الهندسية ، وأشرف على بناء جسر الديوانية والكثير من المشاريع الناجحة الأخرى ، وكان دوماً مثالاً للشيوعي المخلص لعمله  وحزبه .

      بعد توقيع الجبهة بين حزب البعث والحزب الشيوعي عام 1973 أصبح مكرم الطالباني وزيراً للري ، فانتدب رفيقه وصديقه شاطي عوده ليعينه مديراً لأهم مديرية في الوزارة وهي مديرية الري العامة ، فما كان من هذا الأخير إلا أن حوَل مديريته إلى خلية نحل دؤوبة ، حيث أنجزت الكثير من أعمال الري الهامة على امتداد العراق ، فذاع صيت هذه المديرية الناشئة ومديرها المبدع ، الذي كان يشرف بشكل مباشر وفعلي على كافة أعمال المديرية ويحث منتسبيها على العمل الجاد والمثمر. وقد شكا البعثيون في أحد اجتماعات اللجنة العليا للجبهة الوطنية من أن غالبية مهندسي وعمال تلك المديرية من الشيوعيين ، فجاءهم الرد مفحماً أن الأهم هو كيف يجري العمل في المديرية وما هي إنجازاتها وليس هوية منتسبيها أو ميولهم السياسية ،

علماً بأن إنتاجية مديرية الري العامة بلغت حينئذ 250% حسب الخطة الموضوعة لعام 1974 .

     بعد تدهور الأوضاع  واشتداد العسف والإرهاب نهاية السبعينات وما بعدها ، وبالرغم من كل ما قدمه الشيوعي المخلص أبو سمير لبلده ومديريته فقد سحبت يده من وظيفته ومورست ضده شتى أنواع المضايقات والضغوط ، إلا أنه صمد ولم تهتز معنوياته حتى وفاته بتاريخ 4-11-1997.

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات