أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل / همسات - بغداد 1















المزيد.....

صباحكم أجمل / همسات - بغداد 1


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2688 - 2009 / 6 / 25 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


صباحكم أجمل / همسات

بغداد 1

بقلم: زياد جيوسي

يجاذبني هوى رام الله بقوة هذا الصباح، فأخرج من صومعتي رغم حرارة الجو الغير معتادة أجول في دروبها وشوارعها، في شارع النـزهة حيث الأشجار القديمة العمر التي تروي حكايات وحكايات، البنايات التي ما زالت تحافظ على إرث رام الله منذ طفولتنا ولم يلتهمها غول العمران الحديث إلا في بعض النواحي، ومن هناك إلى شارع البريد أرقب أشجاره القديمة الجميلة، تشدني قرب مدرسة رام الله للبنات شجرتين متقابلتين بلونين جميلين، أصفر غامق وأزرق نهدي جميل، تتساقط أوراقهما حول الجذوع، فأرى الشارع قد تحول إلى سجادة بديعة منقوشة، وكأن الشجرتين في كل مساء تنـزعان ملابس النهار وترتديان ملابس النوم.
منذ عودتي في بداية الشهر من عمّان الهوى وأمسيات رام الله الجميلة تشدني، فالمدينة لا تكاد تخلو كل مساء من نشاط فني أو أدبي، مما يعطي للمدينة نكهة خاصة للمهتمين والمتابعين، وتجعل الأمسيات مع النسمات الناعمة تزداد بهجة وفرح رغم عتمة الاحتلال وبشاعته، ورغم حجم المشكلات الداخلية التي تطيل في عمر الاحتلال والغلاء الفاحش الذي سيطر على الحياة وأرهق القدرات المالية للمواطنين.
تزداد رام الله جمالا يوماً بعد يوم، يزداد عشقي لها فتهمس لي: أخشى عليك من عشقي وحبي، فأبتسم وأهمس لها: لا تخشي عليّ من الحب، فهو الذي يسري في روحي وفي شرايين دمي، وقصة حبنا التي تمتد عبر عصور لا يمكنها إلا أن تستمر، فلقائنا بعد طول رحلة البحث والغياب أشعل الحب الذي لم يتوقف من جديد، فأصبحت رام الله في قلبي برعم ياسمين عطري جميل، لا يتوقف عن بث طيبه وجماله في روحي رغم قسوة الحب أحياناً.
منذ أن كتبت سلسلة حلقات من صباحكم أجمل عن القاهرة وزيارتي لها لم أكتب من جديد صباحات أخرى، فقد شدتني المعارض الفنية والنصوص الأدبية للكتابة عنها، إضافة لانشغالي بكتابي فضاءات قزح الذي سيصدر عن دار فضاءات في عمّان قريباً، والاستعداد لإصدار كتابي أطياف متمردة والذي يحوي بعض من نصوص باحت بها روحي عبر سنوات طويلة، ولم أنشر منها إلا القليل، فقد كنت أنتظر أن تأتي ملكة سبأ لتفتح القمقم وتنثر الأطياف في فضاء الكون، لكني في هذا الصباح الحار النسمات وشوق ينازعني بقوة بين رام الله وعمّان، تعيدني الذاكرة لفترة أوائل السبعينات من القرن الماضي ومغادرتي دمشق إلى بغداد للدراسة الجامعية، ولم يكن بتلك الفترة من خط طيران يسهل السفر، فركبت مع بعض الزملاء الذين تعرفت عليهم حافلة مغلقة اجتازت بنا البراري والصحراء في رحلة طويلة من دمشق إلى بغداد، كانت طريق قديمة متعبة، والرحلة طويلة جدا لشخص لم يعتد السفر الطويل، فأبعد مسافات عرفتها كانت بين دمشق وبيروت وعمّان، وهي مسافات كان يتم اجتيازها بأوقات قصيرة، أما رحلة بغداد فقد تجاوزت الثمانية عشر ساعة حتى وصلنا إلى ميدان الصالحية في بغداد، ومن هناك نقلنا سائق أجرة لفندق في ساحة الميدان قال لنا أنه مناسب لنا، وحين وصلنا الفندق كنا في غاية الإرهاق والوقت يقارب الفجر فنمنا بدون وعي حتى العصر، وحين صحوت وجدت نفسي في فندق غير مناسب إطلاقاً فقررت المغادرة إلى مكان آخر بمجرد أن أتعرف للمدينة، وحين خرجت لشرفة الفندق المطلة على الميدان، رأيت لأول مرة في حياتي قبة مسجد مغلفة ببلاط خزفي (سيراميك) بلون أزرق متدرج وأبيض، شدني جماله بقوة وبدأت أتأمل ملامح البنيان من الطوب الرملي الذي لم نعرفه من قبل، فعمّان ورام الله مدن مبنية بالحجر الجميل الأبيض.
أخذت حماماً بالماء الذي كنت قد ظننته بارداً، لكن حرارة الجو جعلته حاراً رغم أننا في تشرين، وغادرت الفندق للتعرف على المدينة التي ارتبطت بالذاكرة عبر القراءة والشعر، كنت أشعر بالجوع الشديد فدخلت في بداية شارع الرشيد إلى مطعم لأواجه مشكلة اختلاف اللهجة، فعلاقتي باللهجة العراقية لم تتجاوز سماع أغنيات ناظم الغزالي وعبد الجبار الدراجي التي كان يبثها التلفاز الأردني في فترة تأسيسه في نهاية ستينات القرن الماضي، وحين عرض النادل ما لديهم لم أفهم شيئاً، فطلبت أسماء أعجبتني بدون أن أعرف ماذا تعني، فطلبت (تكة) وطلبت (تِمن) لأفاجئ بطبق من الأرز وطبق من اللحم المشوي، فضحكت وأخرجت دفتراً صغيراً وسجلت الأسماء الجديدة حتى لا أنسى مرة أخرى، وأقع في مطب اللهجات المختلفة بين قطر عربي وآخر، وغادرت لأتجول في شارع الرشيد وأنا أشعر أني أتنسم عبق التاريخ وأتذكر محبوبة تركتها خلفي وروحها ترافقني، حتى وصلت ساحة التحرير فتجولت فيها، أذهلني نصب الحرية للفنان جواد سليم، ولعل هذه اللمحات الأولى للمدينة بين الخزف ونصب الحرية ونصب الشهداء في ساحة الطيران للفنان فائق حسن، كانت البدايات في بداية اهتمامي بالفن التشكيلي عبر السنوات اللاحقة.
عدت للفندق بعد جولة طويلة في مدينة ترسخت في الذاكرة عبر القراءة والدراسة، مدينة شعرت بها تسكن الروح من البدايات فصرت أخاطبها بلقب معشوقتي العربية السمراء، استعد لبرنامج اليوم التالي من تسجيل في الجامعة وترتيب مسائل الإقامة والسكن، التعرف على شعب طيب ورائع ومدينة عظيمة، سيكون لها في حديث الذاكرة الكثير في المستقبل.
أعود لصومعتي أحتسي القهوة مع طيفي الذي لا يفارقني، أرسم الأمل والفرح في نفسي، مع فنجان القهوة وصحف الصباح وفيروز تشدو: (كنا نتلاقى من عشية ونقعد على الجسر العتيق، وتنـزل على السهل الضباب، تمحي الندى وتمحي الطريق، ما حد يعدي بمطرحنا، غير السما وورق تشرين، ويقلي بحبك ويهرب فينا الغيم الحزين، يا سنين إلي راح ترجعيلي، ارجعيلي شي مرة ارجعيلي، وانسيني عا باب الطفولة، تا أركض بشمس الطرقات، ورديني ضحكاتي إلي راحوا، يلي بعدها بزوايا الساحات).

صباحكم أجمل.

(رام الله 24/6/2009)


http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com

http://www.arab-ewriters.com/jayosi





#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شغف
- من بوح (رفسة غزال)
- شهداء بلا مأوى
- من وحي -حكاية حبّ- للأديبة عبير محمّد
- بين بغداد وعمّان والقدس
- تفاصيل
- صباحكم أجمل/ سنلتقي يا مصر -يوميات من القاهرة 5
- أنا القدس
- صباحكم أجمل/ بهية يا مصر - يوميات من القاهرة 4
- صباحكم أجمل/ وللقاهرة عبق وجمال آخر.. يوميات من القاهرة 3
- صباحكم أجمل/ سحر القاهرة
- صباحكم أجمل/ عبق النيل
- صباحكم أجمل/ عمّان ثريا ومطر
- قصة ساحة الورد
- صباحكم أجمل/ قلبي له
- الجسد الموشوم
- صباحكم أجمل/ وأنا الطير المشرد والأقاح
- مع كلام غير مباح للقاصة ميسون أسدي
- صباحكم أجمل غزة وجراح في القلب
- الذاكرة المثقوبة حقل من الألغام


المزيد.....




- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...
- قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل ...
- أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج ...
- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى
- “برقم الجلوس والاسم إعرف نتيجتك”رسميًا موعد إعلان نتيجة الدب ...
- “الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة ...
- اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل / همسات - بغداد 1