خيام محمد االزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 2680 - 2009 / 6 / 17 - 09:10
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
منذ إثارة الأزمة الأخيرة في المحكمة الجنائية الدولية يوم 10 يوليو 2008، ثم تأكيد المدعي العام لطلبه رسمياً اعتقال الرئيس البشير، رأينا صورة مثيرة لمواقف الدول العربية حول هذه القضية.
فقد سارت هندسة السياسة الأمريكية خلال العشرين سنة الأخيرة، وخاصة خلال وجود حكومة الإنقاذ في حكم السودان على أساس تكسير النظام السياسي لها، ومنعه من الوقوف على قدميه، ففي عام 1989 تعاملت الولايات المتحدة مع السودان طبقاً للمادة /513/ والتي مؤداها عدم التعامل مع السودان إلا في مسائل الإغاثة، وفي عام 1993 اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية السودان دولة إرهابية لذلك قلصت منذ عام 1995 من عناصر السلك الدبلوماسي الأمريكي في السودان، وعناصر السلك الدبلوماسي السوداني داخل أراضيها وطلبت من الدول الغربية والمتحالفة معها أن تفعل نفس الشيء، وفي عام 1997 فرضت الولايات المتحدة الأمريكية حظراً اقتصادياً على السودان وفي عام 1998 قامت بتدمير مصنع الشفاء السوداني للأدوية بالصواريخ الأمريكية بحجة أنه ينتج مواد كيماوية.
لعل كل هذا يؤكد على أن السودان هدف محدد لدى السياسة الأمريكية، وهذا يذكرنا بالوقت نفسه الذي كان فيه العراق قبل الغزو الأمريكي له هدف محدد لها، ولكن من الطبيعي أن سؤالاً هاماً ومنطقياً يطرح نفسه علينا هنا، وهو ما هي أبعاد وأهداف السياسة الأمريكية من وراء إصدار قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتوقيف البشير والقبض عليه؟ ويمكننا هنا أن نجمل بعض الأبعاد والأهداف والتي من أبرزها:
• رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد طريقة لاختراق السودان لتحقيق استراتيجيتها وسياستها العولمية وتجزئة هذا البلد، وفرض السيطرة السياسية عليه وسلخه من الكيان العربي وأفرقته.
• إن هذا القرار يمهد لتحقيق المخططات الأمريكية التي تستهدف الاستيلاء على ثروات السودان النفطية والمعدنية.
• وكذلك يهدف هذا القرار إلى إبعاد الصين من السودان أو تحديد وجودها على الأقل في إطار الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على أماكن ومناطق إنتاج الطاقة في العالم كله.
• تحقيق المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالمصالح الأمريكية في السودان وسط أفريقيا.
• وأخيراً يأتي قرار المحكمة الدولية ضد البشير كانتقام من تصرفات الحكومة السودانية التي تتسم بالاستقلال ورفض الوجود الغربي.
وبسبب إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقريره الداعي لتوقيف الرئيس عمر البشير والقبض عليه فقد شارك وزير الخارجية السورية وليد المعلم في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في يوليو 2008 واتخذوا قراراً فورية يؤكد على رفض الدول العربية لأية إجراءات تتخذها المحكمة الدولية ضد الرئيس البشير، وأكدوا على دعمهم الكامل للشرعية في السودان واعتماد الحل السلمي لمشكلة دارفور ورفضهم لكافة القرارات والإجراءات التي تعرقل استكمال جهود المصالحة وتحقيق السلام.
وكذلك أكد الرئيس السوري بشار الأسد رفض بلاده قيادةً وشعباً لقرار المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، معتبراً أن هذا القرار محاولة لابتزاز السودان وتدخل في شئونه الداخلية.
وأكد أيضاً وقوف سورية مع السودان ومساندته له حكومة وشعباً وخاصة في حالة التأزم التي يتعرض لها. وكذلك أكد وزير الخارجية وليد المعلم إن ما يحدث يعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية وتجاوز لصلاحيات المحكمة الجنائية، وإن هذا القرار ما هو إلا مقدمة لتطورات خطيرة يجري دفعها إلى المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب والتطرف تارة وبحجة إعادة رسم خريطة المنطقة تارة أخرى.
وكما دعا رئيس البرلمان العربي جابر محمد جاسم الصقر كلاً من لجنتي الخارجية والسياسة والأمن القومي والشئون التشريعية والقانونية وحقوق الإنسان التابعة للبرلمان بعقد اجتماعين الأول: في الخرطوم والثاني: في دمشق لدراسة طلب المدعي العام للمحكمة الدولية بشأن مذكرة توقيف البشير التي تعبر عن موقف سياسي مقصود ضد السودان.
وانطلاقاً من موقف سورية الرافض لأي تدخل أجنبي في شئون السودان باعتبار ذلك يمس السيادة السودانية واعتبارها إن القرار رقم 1593 أتى كحلقة في سلسلة طويلة من حلقات المحاصرة والضغط على النظام السوداني تديرها الأطراف الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل إدانة النظام الحاكم في السودان وخلق الجو المناسب لتدخل هذه الأطراف لكي تحقق هدفها النهائي في تمزيق أواصل السودان وتفتيته إلى عدة من الدويلات المتصارعة واستقلاله ونزعه من الكيان العروبي اتساقاً مع مخطط الشرق الأوسط الجديد، فقد دعت سورية إلى وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضية واستقلاله والتوصل إلى حل سياسي بغية إنهاء النزاع في دارفور.
وبالتالي إن قرار مجلس الأمن رقم 1593 الذي أصدره موريس أوكامبو المدير العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير هو تخطيط صهيوني أمريكي يساعد على تحقيق أهداف سياسة اللوبي المسيحي اليميني التي تهدف إلى تحقيق الفوضى الخلاقة في السودان، وضرب المواقف القومية العربية للسودان.
وأخيراً إن هذا القرار لا يمس السودان فقط ولن تكون تداعياته على السودان فقط بل سيمتد تأثير ذلك الأمر على سائر الدول العربية، كما أن له تأثيره على تغيير الموازين الدولية وتكريس حالة الفوضى وعدم العدل والإنصاف في العالم.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟