أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعسي حليفي - تأويلات مدهشة لحياة أخرى















المزيد.....

تأويلات مدهشة لحياة أخرى


شعسي حليفي

الحوار المتمدن-العدد: 2677 - 2009 / 6 / 14 - 09:46
المحور: الادب والفن
    


نشــيد خيالــي ومرثيــة قديمــة

كانت الساعة تشير إلى الرابعة والربع صباحا، حينما نهضتُ مفزوعاً من نومي – إنْ كان نوماً- أتصببُ عرقاً، دائخا أسبحُ في آثار العالم الذي كنتُ فيه قبل قليل. رميتُ عني الغطاء بسرعة ثم مددتُ رجليَّ خارج السرير، وقد صرتُ في وضعية الجالس على حافة الفراش.. وسط سكون تام و ضوء عمود النور الخارجي يخترق ستائر الغرفة عبر النافذة بلون بنفسجي خامل ورقيق. قمتُ منزعجاً من حلم رأيته، دون أن أنتبه أثناء خروجي من الغرفة أني أحدثتُ بعض الجلبة.
في المطبخ مددتُ يدي إلى فوطة بيضاء، مررتها أمسح وجهي وعنقي من العرق المتبقي بللاً.احترتُ في ما أفعل بعدما جلستُ أستردُّ باقي أنفاسي المشتتة في العالم الآخر وهيَ تعود إلي فُتاتا مُرتعشا.لم أنتبه لقيام زوجتي بسرعة، مذعورة بدورها، تقترب مني، تمد يديها تتحسس رأسي وصدري ثم تسألني عما بي، فلا أجيب وأنا صامت وسط لُجّة الذهول مُطَأطَئ الرأس. فقط، أتحسس بإبهامي ما بين حاجبي قبل أن أحوله إلى ما خلف أذني. أرفع رأسي حينما مدت إلي كوبا من الماء. تناولته كاملا بلهفة لم أكن اعتقدها ثم وضعت الكأس جواري دون أن انتبه إلى يدها الممدودة.
عدتُ ورفعتُ رأسي إليها أتأملها كما تأملتها أول مرة، فارتابت وعادت تسألني بصوت حزين، خائف ورقيق عما حاق بي في النوم.
دون كلام مني فهِمتْ انه حلم قاس على نفسي أَخْرَسَني النطق. فقمتُ إلى غرفة علاء الذي وجدته مستغرقا في نومه، ممدودا على ظهره. دخلتُ الفراش إلى جواره. أخذته إليَّ وعانقته بعدما أدخلتُ رأسي في حضنه الصغير مثل طفل خائف، ونمتُ وقد هدأ روعي وعادت إليَّ الطمأنينة مرتابة.
مصادفات يُرتبها القدر
كان شيئا مفرحا لي أن التقيت في بداية هذا الشهر بمدينة سطات، صديقي رحال الكرواطي الذي أخذته معي إلى أقرب مقهى، نتكلم ونحتسي الشاي.
رحال رجل يقترب أو يجاوز سن السبعين، وهو صديق والدي منذ الثمانينيات في إطار معاملات فلاحية وتجارية، فهو ينتمي ويقطن بمنطقة بني مسكين في الحدود الجنوبية للشاوية، يشتغل في الفلاحة وتجارة المواشي.
يقضي في حقولنا رفقة بهائمه وأبنائه حوالى أربعة شهور في السنة، وقد توطدت علاقتي به لطيبوبته التي تتماس أحيانا مع السذاجة والحكمة، وكذلك بأبنائه من زوجتيه.
كنتُ أحب الاستماع إلى كلامه الذي يشبه الحكايات الخرافية بعدما كان يدخن الكيف، وهو محترف فيه، لا يقربه إلا في أوقات محدودة وبكميات معلومة.
يحب التدخين وشرب الشاي المقطر قبيل كل فرض صلاة بطريقة غريبة، دون أن يلتزم بعدد الركعات أو بتلاوة الآيات كما هي (والحقيقة أنه كان يصلي صلاة المغرب وحدها، وقد استثمرتُ هذا الحدث اللاديني في روايتي «أنا أيضا» مع شخصية حقيقية أخرى لا علاقة لها بخالي رحال). وحينما سألته قال لي ما معناه بأنني لم أدرك، بعدُ، حقيقة ما أرى. وهذا هو الجانب الذي كنتُ أحبه في السيد الكرواطي، عفويته المغموسة في ما هو غيبي وغرائبي، وتلك الحِكم المترتبة عن صعود أبخرة الكيف إلى مساحات الدماغ الصامتة. وقدرته المكتسبة في تبرير كل شيء.
جلوسه إلى كيفه هو لحظة المتعة والتأمل والتفكير في شؤون الحياة بطريقة تختلف عنده عن تدبيراته وهو خارج هذا السياق العزيز.
يحب كثيرا الاستماع إلى الطرب الشعبي المحلي ونشرات الأخبار والنشرة الجوية من خلال المذياع والكاسيت. ولأني أبحثُ باستمرار عن الغرائبية في رحال الكرواطي، فقد كنتُ أسأله عن كل شيء يدفعه لإبداء رأيه وموقفه، فيسرد الحكايات ويتفرع في الاستطراد والأمثلة من الدين والسياسة (من خلال ما يلتقطه من المذياع) ومن الثقافة الشعبية والأمثال والأغاني والألغاز. وقد تحاورنا طويلا حول الأغاني الشعبية ونحن نجتهد معا في فهم معانيها فأقدم له تأويلات مجازفة أبررها أنا أيضا له ولنفسي حتى أستمع إلى توقعاته المفرطة.
بعدما تأكد – كما قال لي – من استيعابي لأسرار «الكلام» الذي تغنيه المغنيات الشعبيات «الحقيقيات» ، شرح أخيرا وجهة نظره ومفادها أن ذلك «الكلام» ليس كلاما بشريا وإنما تنزل به «الزَّفَّانات» من السماء في أذن وقلب الفنانات الشعبيات فتلتقطنه لكي يجري غناء ساحرا على ألسنتهن.
كان شيئا جديدا بالنسبة لي ولمعرفتي سماع أن الغناء الشعبي تزفه كائنات يسميها رحال الكرواطي الزَّفَّانات والتي ليست إنسا ولا ملائكة، وإنما توليفة من كائنات سماوية /أرضية.
أتستطيع سنابل الروح المسماة كيفاً أن تجد تفسيرات جذرية وثورية لما لم نستطع الدنو منه والنبش فيه؟.
فاصل
رائحة زكية ونفَّاذة من بخور يمني تتخايل في غنج فاضح أمامي تغمر البيت والنفس في تلك الظهيرة. تمددتُ وقد أدرتُ زر المذياع على مؤشر محطة جهوية. أغمضتُ عيني وأنا أستمع إلى عناوين الأخبار، تلتها أغنية مغربية لمحمد الحياني، ثم نمت.
قمتُ بعد حوالي نصف ساعة، هممتُ بتشغيل هاتفي ثم عدلتُ عن ذلك، وخرجتُ مشيا في اتجاه مقهى «كازافورم». تصفحتُ الجرائد التي كانت معي والأخرى الموجودة بالمقهى. وفي الثالثة والنصف وصل أصدقائي وبقينا مجتمعين حتى السادسة.
أحسستُ بالتعب والإرهاق جراء كثرة الاجتماعات والمناقشات، فلم يخْلُ يوم من اجتماعين أو ثلاثة. روحي تبدو حية ورشيقة رغم ذلك، وسط جسم منهك تفضحهما عيناي الحمراوين.
مررت ُ بصيدلية (2 مارس) حيثُ اقتنيتُ حبوبا فوارة من «افيرالكون ودوليبران، ثم عدتُ إلى البيت، مباشرة نحو الفراش وقد شعرت ببعض الحمى.
هيأت لي زوجتي كوبا دافئا من عصير الليمون الممزوج بالحامض والقرفة وإصبع مفتت من الثوم ،ثم نمتُ.
أنا أحب الحياة كما لم يحبَّها أحد، ولم أخش الموت أبدا كما لم يخشه أحد. أحبُّ القصائد الشعرية الصادحة بالفخر والتحدي، وأحب الأحلام بعينين مفتوحتين؛ أما أحلام النوم فهي رسائل لغوية ترجو تأويلات قريبة وبعيدة، والحلم أيضا كما أتخيله يسكن بأدمغتنا داخل قبو/ بنيقة مظلمة وعتيقة ذات باب موصد وأكثر عتاقة، يُسمع صريره ذو الرجع المتكرر كلما انفتح،هناك تختبئ الأحلام مثل راهبات لا يحفظن سوى كتب السحر والتاريخ والفقه.
هل ما رأيته كان حلما طالعا من خزائني التي نهبتُ منها لكتاباتي كثيرا وما نفذت؟ أم هو رجْعُ ما وقع لي في هذا الشهر وفي أسبوع واحد حينما نجوت مرتين من حادثتي سير مميتتين بالطريق الرابطة بين سطات والدار البيضاء. الأولى مساء يوم الأربعاء أثناء عودتي من سطات على متن سيارتي وقد أغراني الغروب وكلمات أغان تطرب. شاحنة كبيرة من الاتجاه المعاكس تجاوزت سيارة أمامها ذات علامة أجنبية تسير بسرعة بطيئة في البداية، ولما أحست بالشاحنة تتجاوزها زادت من سرعتها فعجز صاحب الشاحنة عن إتمام التجاوز أو الرجوع حيث كان. فخفضتُ من سرعتي وحدقت أبحث عن وجه السائق الذي انتبه للمقلب القاتل فقرر تضييق الخناق على السيارة، ليترك لي فرصة المرور والنجاة دون الاصطدام به كما يقع في حالات كثيرة بهذه الطريق. مر كل هذا في ثوان محسوبة.
أما المرة الثانية فكانت يوم الجمعة الموالي في الخامسة وعشر دقائق وبنفس الطريق التي أعاقرها أسبوعيا، ولم ينفعني هذه المرة إلا الخروج بسيارتي مُكرها إلى حقل فارغ في منعرج بعدما فاجأتني سيارة أجرة كبيرة.
حلم يعلو على الواقع !
هل كان حلماً أن أرى نفسي ميتا؟.
لا أعرف حتى الآن أسبابه واللحظة الفاصلة بين العالمين، رغم قناعتي أننا في سلالتنا نُعَمِّرُ طويلا ولا نموت في شبابنا إلا إذا غدر بنا الغادرو . لذلك لم أُشْغِل نفسي بالبحث عن الكيفية التي قضيت بها نحبي.
شعرتُ بموتي في الصباح... ربما في شهر أبريل. ولم يتم دفني إلا قبيل الغروب بمدينتي وسط أناس أعرفهم ويعرفونني، وفي مقبرة تطل على حقولنا التي صارعت طويلا لأجلها.
أراني غير مركز، مشوش الرؤية والبال والفؤاد، مندهش ربما مما سببته من ألم وانشغال بي لكل من هم حولي وأنا جثة هامدة.
وها أنذا أجرب الموت كما جربتُ الحياة يوم ولدتُ. أرى أشياء كثيرة بروحي وأسمعها بأذني وأنا أخزنها لليالي القادمة التي سأكون فيها وحدي ..
حينما نزلت القبر لم أعرف كم بقيت من الوقت إلى أن جاءني ملكان طيبان، لم يضجرا من عملهما منذ آلاف السنين. لم أجرؤ على سؤالهما هل هناك غيرهما ممن يقضي هذه المهمة أم هما الوحيدان المالكان لقدرة الحضور في عدد لا محدود من الأمكنة وأنا الذي كنت دائما لا أحب أن أُشْغِلهم بي.
كانا يتأبطان سجلين ضخمين عليهما اسمي، لم أجرؤ مرة أخرى على طلب إمدادي بهما للتصفح، ففيهما قطعا سيرتي الكاملة والأصلية وتقييمات دقيقة تخص كل تفاصيل حياتي مما أعلمه ولا أعلمه. والغريب أني لم أشعر قط بالخوف فبالي مشدود إلى الصور التي رأيتها أثناء موتي ودفني... ربما لأني مطمئن إلى الملكين جواري، أو لأني في كل حياتي كنت في امتحانات لا تنتهي.
فهمتُ من كلامهما معي انه لا ذنوب لي، وما كان لي من هنات وأخطاء إنما هي أمور دنيوية لم تتجاوز الحدود المسموح بها. وهنا أيضا لم أجرؤ على القول لهما بأن حكمة ربي أوسع من عقول العالمين، فهو الذي خلقنا بشرا خطائين وترك لنا مساحة لأخطائنا وحدودا يحاسبنا عليها.
خلتهما سينسحبان ولكنهما شرعا يحاوراني في الأدب وفي ما كتبتُ في الدنيا. سألاني عن بعض المعاني والمقاصد في رواياتي. وكنت أجيب متحمسا كما لو أني في ندوة أمام أصدقائي.
قال لي الذي كان على يميني بما سيفاجئني:
- إلى أي درجة تحب سيدي علي الشاوي الذي كتبت عنه في صحيفتك «زمن الشاوية»؟ وهل تحبه لأنه صار خيالا أم لأنه جدك؟
قلت له بدون تفكير أو تردد:
- هما معا أيها الملاك الرحيم.
- وهل تحب رؤيته واللقاء به؟ قال كمن يمدني بحياة أخرى.
أنا ميت منذ الأزل !
ونحن بالمقهى نشرب الشاي سألته عن حاله بعدما رأيته وقد تخلى عن «شَدِّهِ» الذي كان حريصا على لفِّهِ نظيفا فوق رأسه لفات محسوبات.
ربما لم ألتقه منذ عشر سنوات أو أكثر بقليل، وكنتُ أسأل بويا من حين لآخر عنه وهو الذي اخبرني أن زوجته التي كان يعزها قد ماتت؛ الزوجة الأولى وهي في مثل سنه أو أكبر، كما هاجر أبناؤه الذكور إلى ايطاليا دون عودة، فيما تزوجت ابنته الوحيدة وتركته... وقال لي بويا بأنه لم يعد كما كان في كامل شعوره.
رأيتُ كل هذا في نظراته الزائغة والمشتتة وشعره المبعثر وقد غزاه الشيب كاملا. من قبل هذا كان يكلمني دون أن يرفع عينيه، وكنت أعتبر الأمر شكلا من أشكال الأدب والطيبوبة وهو يناديني بوُلْدْ بويا وحينا آخر بولد عبد السلام ، نسبة إلى جدي. أما الآن فهو يحدثني محدقا بنظرات طائشة.
حاولتُ ربط ما سمعته عن حالته من والدي ومما أراه، وقد سعيت في البحث عن سبيل لحوار يكشف لي شيئا. فجأة يُسندُ رأسه إلى الوراء حتى يتدلى مغمضا عينيه، ثم يفتح فمه مبتسما كما لو كان يستمع إلى نداء داخلي أو إلى صوت من العالم الخارجي للزَّفَّانات.
استمر هذا الوضع لدقيقة أو أكثر، ولم أتجرأ على سؤاله، لكن الأمر سيتكرر لأربع مرات خلال جلوسي إليه في تلك النصف ساعة، فسألته عما به وفاجأني بأنه يحاول استراق السمع إلى ما سيقع!!! كررتُ السؤال بصيغة أخرى فردَّ علي بأنه لا يجري عليه ما يجري على الأحياء لأنه ميت منذ زمان بعيد.
فكرت في اصطحابه معي إلى الدار البيضاء وزيارة طبيب نفساني، فسألته أن يأتي معي في المساء والبقاء عندي ليومين أو ثلاثة فرفض بشدة ولما ألححتُ عليه قام متأثرا وهَمَّ بالكلام ثم صمتَ فقمتُ معه وقد صرفتُ النظر عن شيء لا يريده.
وفي طريقنا، لا أعرف ما الذي جعلني أسأله عن الزَّفَّانات والفن الشعبي؛ فابتسم وشعر بالحبور ثم شدني من يدي ونحن نَعْبُرُ الحديقة المقابلة لقصر البلدية فدعاني للجلوس. أخرج عدته ودخن وهو يحدثني عن أسفه لغياب الأعراس التي لم يحضرها منذ سنوات... فاقتنصتُ الفرصة ودعوته للحضور معي في آخر سبت من هذا الشهر لحفلة مع أصدقائي. رحب بالدعوة وقال لي بأنه سينتظرني بنفس المكان، في السادسة مساء.
شعرت، بعد رفضه دعوتي إلى الدار البيضاء، انه أراد مجاملتي بقبول دعوة ما زالت بعيدة بثلاثة أسابيع.
قمنا وتوجهت إلى سبيلي الذي كنتُ فيه، فيما شد رحال الكرواطي رِحاله إلى محطة سيارات الأجرة المتجهة نحو البروج.
رسالة أخيرة
كان الزمن شيئا غريبا عني ومخالفا للزمن الذي أَلِفْتُهُ. رأيتُني في ربوة عالية وسط أشجار فواكه كثيرة، تقدم مني جدي علي الشاوي الذي عرفته وعرفني ووجدته أكثر تشوقا للقائي.
- رأيتُ كل حياتك، يا روحي، وأنتَ تعيشها. كما لو كنت أنا. كل مساء في خيمتنا أنا وجدتك وأبنائي وعمك الهبطي والهداوي إلى جوار ربنا الكريم، كنتُ أحكي لهم ما أراه عنك... ونسعدُ كثيرا. (قال لي وهو يضمني إلى صدره الحنون).
- لا أستطيع العيش دون سلالتي وأنتَ من أعطيتنا سببا كي نحيا ونموت بفخر وعِزَّة. (قلتُ له).
- بل أنت من جعلتنا حقيقة بعد أن طمرَتْنا الشياطين. ونحن هنا في جنتنا التي تركناها بالشاوية... كلهم ينتظرونك بشوق. (قال لي).
(دمعتْ عينايَ وأرجعتُ رأسي إلى الوراء أنظر إلى سيدي علي الشاوي)
- ولكني ما زلتُ أحب الدنيا. مريم آسيدي تنتظرني ولا أريد أن تحزن أكثر من هذا عليَّ.
(بدتْ عليه علامات الحزن والغضب وظهر بعض التوتر جليا في كلامه وهو يرد عليَّ )
- غدروا بي وأنا في مثل سنك، ثم تركتُ أبنائي وزوجتي دون علم مما سيلحقهم في مؤامرة كانت لتصفيتنا. الله يا روحي الغالية قادرة على كل شيء.
معان مخبأة بعناية
رمشتْ روحي فوجدتني في اللحظة السابقة إلى جوار الملكين. وقال الذي على يميني:
- وماذا عن شامة؟ لأجلها شفع لك ربك وربنا عز جلاله الكثير من ذنوبك، وقد أحياها الله بعدما كانت خيالا في وجدانك وبتَّ روحها في زوجك وابنتيك اللائي يعبدن الله ويسبحن باسمه.
حينما سمعته يكلمني عن شامة ارتخيتُ وشعرت بقشعريرة تهز كياني وأنا أرى في المِرآة كل شئ:
[«شامة المتخايلة، مثل الشفق على الدوام، تحب المشي من منحدر الغروب إلى قمة الشروق وحينما تتعب تتحول خطواتها إلى نوم خفيف أو حلم يمشي. في عينيها سواد روحاني يوهم أنه كحل كثيف رُصَّ بإتقان، من ثم تنطلق نظراتها البارقة في اللااتجاه خافتة ملونة لكنها عامرة بذهول ساحر، وبراءة مطلقة».
- مساء الخير شامة يا دنياي كنت كتبتُ عنك أشياء كثيرة ثم شطبت عليها لأني بدوتُ فيها قريبا من نفسي... فهل أنت كذلك؟
- لا أستطيع استيعاب محبتك لي... امنحني روحك كلها كما منحتها لسيدنا علي الشاوي؛ ففي بعض الأحيان تلعب أرواح الناس أدورا هامة في التواصل لتعطي إجابات تعجز الكلمات عن احتوائها (قالت وهي تداري خجلها).
-أكيد أن نور الله ما زال مُتَّقدا في قلبك وتحاولين إخفاءه كولية مقدسة تخبئ أسرار حبها الأول والأخير. أنت شمس تاريخنا وحياتي والنور الساخن في قلب يضيء الليل القادم. (قلت كما أقول دائما).
- ...(ظلت صامتة)
«- أتحبين الشاوية أم الجنة؟
شامة أحسست بارتياح غريب وهي تقفز فوق فداحة السؤال وتقول: - الشاوية هي الجنة آبويا. )شامة... ماذا ستسمين أطفالك؟ قلتُ أناوشها بالسؤال. (غطت وجهها بيديها وظلت صامته). أنا أعرف أنك تحبين روحي فدعيها تختلط بروحك الأزلية، لا تترددي، فقد تندمين على كل لحظة من دون ظلي».
كلاكيت: الأعمى يفقد المرآة
كل إنسان بداخله أسرار ومقدرات، ومقدرة رابح الوادي أنه متعدد المواهب، وهذا قدر عدد من هذا الجيل الموهوب. ولعل وجوده على رأس إدارة خاصة بالقمار قد علمه أو أكد له أن الكثير من الأشياء في الحياة أساسها خدعة. لكنه الآن وقد تحصَّلت لديه هذه القناعة فاتبع نمطا ثابتا في حياته بعد زواجه في تلك السن المتأخرة من موظفة هرمة تزامن ارتباطها به بهديتين من الله؛ الأولى حصولها على المغادرة الطوعية وهي في سن الرابعة والخمسين، أما الهدية الثانية فهي الزوج التاريخي الذي يكبرها بأزيد من عقد ونصف، وهذه النقطة تعول عليها الزوجة المصونة في حال احتجاج الزوج حينما يكتشف انه ارتبط بخردة عامرة بالأمراض المزمنة والعابرة وأيضا الكامنة في انتظار فرصة الظهور.
لا أعتقد أن السيد رابح سيشغله جسد المرأة بقدر ما هو مهموم بتفتق موهبتين إضافيتين تُدران عليه ربحا مهما، رغم أنه يصرح لأصدقائه وزوجته انه يعمل من أجل التعبير عن حبه لهذه البلاد وعهدها الزاهر وتكفيرا عن السنوات التي كان خلالها مغررا به.
موهبته الأولى انه صار شريكا في امتلاك سيرك وطني وبات يشرف على الإعداد الكامل لوصلة يومية خلق لها شخصية وهمية - على غرار الشخصيات الكارتونية الورقية – أسماها «الشاب فوعا» وجعله يمثل دورا بطوليا في الحياة السياسية للبلاد ويصبح منقذا لهذا العالم من الخيبات المزمنة.
أما موهبته الثانية فتكمن في تعيينه بظهير شريف ككاتب رسمي للنصوص الشعرية والبْرَاوَل الزجلية للفرقة الموسيقية المسماة الجوق الوطني الرسمي للمملكة المغربية الشريفة.
أنا ميت في حلم من؟
انتهى حواري مع الملكين فقعدتُ وقد شعرت أن الله قد منحني في الآخرة ملكة الرؤية كما منحني في الثلاثة أيام الأخيرة لي في الدنيا ملكة الرؤيا.
هذه ليلتي الأولى، أو ربما ليلة واحدة من الديمومة وهذا جزء منها. أرى وأتذكر يوم مت في تلك الصبيحة الدافئة وكيف ذاع الخبر وانتشر عبر الهاتف والبريد الاليكتروني بين الأصدقاء.
(كاتب عراقي)


عن السفير



#شعسي_حليفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعسي حليفي - تأويلات مدهشة لحياة أخرى